٤٤ المكتوب الرابع والاربعون الى محمد صادق ولد الحاج محمد مؤمن في جواب استفساره عن وحدة الوجود وتطبيقها على العلوم الشرعية وعن سؤاله عن حديث اذا أحب اللّه عبدا الخ وما يناسب ذلك الحمد للّه و سلام على عباده الذين اصطفى قد سألت ان الصوفية قائلون بوحدة الوجود ويعتقد العلماء هذا القول كفرا وزندقة وكلتا الطائفتين من الفرقة الناجية فما حقيقة هذه المعاملة عندك (أيها المحب) ان هذا الفقير قد كتب تحقيق هذا المبحث في مكتوباته ورسائله بالتفصيل وجعل نزاع الفريقين راجعا الى اللفظ ومع ذلك لما سألت لابد للسؤال من الجواب فلنكتب كلمات بالضرورة اعلم ان كل من يقول من الصوفية العلية بوحدة الوجود ويرى الاشياء عين الحق سبحانه ويحكم بان الكل هو ليس مراده ان الاشياء متحدة بالحق جل وعلا وان التتريه صار تشبيها متترلا وكان الواجب ممكنا وانقلب اللامثلي مثليا فان هذه كلها كفر والحاد وضلالة وزندقة ليس هناك اتحاد ولا عينية ولا تترل ولا تشبه فهو سبحانه الآن كما كان فسبحان من لا يتغير بذاته ولا بصفاته ولا بأسمائه بحدوث الأكوان وهو سبحانه على صرافة اطلاقه ما مال من اوج الوجوب الى حضيض الامكان بل معنى الكل هو ان الاشياء معدومة والموجود هو تعالى وتقدس وليس مراد الحسين بن منصور الحلاج من قوله انا الحق باني حق ومتحد بالحق فانه كفر وموجب لقتله بل معنى قوله باني معدوم والموجود هو الحق سبحانه غاية ما في الباب ان الصوفية يرون الاشياء مرايا ظهورات الحق تعالى وتقدس ويظنوﻧﻬا مجالي اسمائه وصفاته سبحانه من غير شائبة التترل وبلا مظنة التغير والتبدل كما اذا امتد ظل شخص لا يمكن ان يقال ان ذلك الظل متحد بذلك الشخص وله نسبة العينية معه أو ان ذلك الشخص تترل فظهر في صورة الظل بل ذلك الشخص على صرافة اصالته ووجد الظل منه من غير شائبة التترل والتغير وان اختفى وجود الظل في بعض الاوقات عن نظر جماعة بواسطة كمال محبتهم بوجود الشخص بحيث لا يكون مشهودهم شيئا غير الشخص اصلا فحينئذ لعلهم يقولون ان الظل عين الشخص يعني الظل معدوم والموجود هو ذلك الشخص فقط فلزم من هذا التحقيق ان الاشياء عند الصوفية مرايا ظهورات الحق لا عينه تعالى وتقدس فتكون الاشياء من الحق لا الحق جل شأنه فيكون معنى كلامهم الكل هو الكل منه وهو مختار العلماء الكرام فلا يكون التراع بين العلماء الكرام والصوفية العظام كثرهم اللّه سبحانه الى يوم القيام ثابتا في الحقيقة و يكون مآل القولين واحدًا وانما الفرق ان الصوفية يقولون ان الاشياء مرايا ظهورات الحق تعالى والعلماء يتحاشون من هذا اللفظ ايضا من جهة التحرز من توهم الحلول والاتحاد (فان قيل) ان الصوفية مع وجود قولهم بظهورات الاشياء يروﻧﻬا معدومة خارجية ولا يقولون بموجود في الخارج غير الحق سبحانه والعلماء يقولون بوجود الاشياء في الخارج فثبت نزاع الفريقين في المعنى (اجيب) أن الصوفية وان كانوا يرون العالم معدوما خارجيا لكنهم يثبتون له وجودا وهميا في الخارج ويقولون باراءة خارجية ولا ينكرون الكثرة الوهمية الخارجية ومع ذلك يقولون ان هذا الوجود الوهمي الذي حصل اراءة في الخارج ليس من الموجودات الوهمية التي ترتفع بارتفاع الوهم وليس له قرار وثبات بل لما كان هذا الوجود الوهمي وتلك الاراءة الخيالية بصنع الحق سبحانه وانتقاش قدرته الكاملة كان محفوظا من الزوال ومصونا من الخلل ومعاملة هذه النشأة وتلك النشأة مربوطة به والسوفسطائية الذين يظنون العالم اوهاما وخيالات ويزعمون ارتفاعه بارتفاع الوهم والخيال يقولون ان وجود الاشياء تابع لاعتقادنا ليس له تحقق في نفس الأمر فان اعتقدنا السماء ارضا فارض والارض باعتقادنا سماء واذا تخيلنا الحلو مرا فمر والمر باعتقادنا حلو وبالجملة ان هؤلاء اﻟﻤﺠانين ينكرون ايجاد الصانع المختار جل سلطانه ولا يسندون الاشياء اليه تعالى ضلوا فاضلوا فالصوفية يثبتون للاشياء في الخارج وجودا وهميا له ثبات واستقرار لا يرتفع بارتفاع الوهم ويجعلون معاملة هذه النشأة وتلك النشأة التي هي مخلدة ومؤبدة مربوطة بذلك الوجود والعلماء يعتقدون الاشياء موجودة في الخارج ويعتقدون ترتب الاحكام الخارجية الابدية على الاشياء ومع ذلك يتصورون وجود الاشياء في جنب وجود الحق جل وعلا ضعيفا ونحيفا ويعتقدون وجود الممكن بالنسبة الى وجود الواجب تعالى وتقدس هالكا فثبت للاشياء وجود في الخارج عند الفريقين وكانت احكام هذه النشأة وتلك النشأة مربوطة به وانه غير مرتفع بارتفاع الوهم والخيال فارتفع التراع وزال الخلاف غاية ما في الباب ان الصوفية يقولون لذلك الوجود وهميا بواسطة ان وجود الاشياء يصير مختفيا عن نظرهم وقت العروج ولا يبقى في نظرهم غير وجود الحق جل شأنه والعلماء يتحاشون عن اطلاق لفظ الوهم على ذلك الوجود ولا يقولون وجودا وهميا لئلا يحكم قاصر النظر بارتفاعه فينكر الثواب والعذاب الابديين (فان قيل) ان مقصود الصوفية من اثبات الوجود الوهمي للاشياء هو ان هذا الوجود مع وجود الثبات والاستقرار ليس هو في نفس الامر وفي غير الوهم ولا نصيب له عن الاراءة والعلماء يقولون بوجود الاشياء في الخارج ونفس الأمر فالتراع باق (اجيب) ان الوجود الوهمي والاراءة الخيالية لما لم يرتفع بارتفاع الوهم والخيال كان في نفس الامر فانا لو فرضنا زوال وهم جميع الواهمين يكون هذا الوجود ثابتا لا يزول بزوال الاوهام ولا معنى للواقع ونفس الامر الا هذا ولكن فرق بين نفس الامر الذي يثبت في وجود الممكن وبين نفس الامر الذي هو ثابت في وجود الواجب تعالى فان الاول له حكم اللاشئ في جنب الثاني حتى يكاد يعد من الموهومات والمتخيلات مثل اجزاء الكلي المشكك حيث ان بينها تفاوتا فاحشا كما ان وجود الممكن له حكم اللاشئ بالنسبة الى وجود الواجب بحيث يكاد يعد من العدمات فلا نزاع في الحقيقة (فان قيل) اذا كان وجود جميع الاشياء في نفس الامر لزم ان تكون الموجودات متعددة في نفس الامر لا موجودا واحدا وهذا مناف لوحدة الوجود التي هي مقررة ومسلمة عند الصوفية (اجيب) كلاهما مطابقان لنفس الامر تعدد الموجودات ووحدة الوجود في نفس الامر ولكن لما كان الجهة والاعتبار مختلفان ارتفع توهم اجتماع النقيضين (وليتضح) هذا المبحث بمثال وهو ان صورة زيد مثلا مرئية في المرآة ولا صورة في المرآة في نفس الامر اصلا فان تلك الصورة المرئية ليست تحت المرآة ولا في وجهها بل وجود تلك الصورة في المرآة باعتبار التوهم ليس لها حصول في المرآة غير الاراءة الخيالية وهذا الوجود الوهمي والاراءة الخيالية اللذان عرضا للصورة في المرآة أيضا كائنان في نفس الامر ولهذا لو قال شخص رأيت صورة زيد في المرآة يصدق في كلامه هذا عقلا وعرفا ويعد محقا وحيث كان مبنى الايمان على العرف لو حلف شخص بان يقول واللّه رأيت صورة زيد في المرآة ينبغي ان لا يحنث به ففي هذه الصورة عدم حصول صورة زيد في المرآة وحصولها فيها باعتبار التوهم والتخيل كلاهما في نفس الأمر والواقع ولكن الاول بحسب نفس الامر مطلقا والثاني بتوسط الوهم والتخيل (و العجب) ان اعتبار التوهم والتخيل الذي هو مناف لنفس الأمر صار هنا محلا لنفس الامر اذ لولاه لما حصل ثمة نفس الامر (و المثال) الثاني النقطة الجوالة التي تعرض لها صورة الدائرة في الخارج بحسب التوهم والتخيل فههنا عدم حصول الدائرة في الخارج وحصولها ايضا فيه باعتبار التوهم والتخيل كلاهما في نفس الامر ولكن عدم حصول الدائرة في نفس الامر مطلقا وحصولها فيه بحسب التوهم والتخيل فالاول مطلق والثاني مقيد ففيما نحن فيه تكون وحدة الوجود بحسب نفس الامر مطلقا وتعدد الوجود في نفس الامر باعتبار التوهم والتخيل فبملاحظة الاطلاق والتقييد لا يكون بين كون المتناقضين بحسب نفس الامر تناقض ولا يثبت اجتماع النقيضين (فان قيل) اذا فرض زوال وهم جميع الواهمين كيف يكون الوجود الوهمي والاراءة الخيالية ثابتا (اجيب) ان هذا الوجود الوهمي لم يحصل بمجرد اختراع الوهم حتى يزول بزوال الوهم بل هو حاصل بصنع الحق جل وعلا في مرتبة الوهم وحصل له الاتقان فلا يتطرق عليه الخلل بزوال الوهم بالضرورة وانما يقال له وجودا وهميًا باعتبار ان الحق سبحانه خلقه في مرتبة الحس والوهم وحيث كان خلقه تعالى فهو محفوظ عن الزوال والخلل في اي مرتبة كان وحيث ان الحق سبحانه خلقه كان في نفس الامر بالضرورة في اي مرتبة خلقه وان لم تكن تلك المرتبة نفس الامر بل مجرد اعتبار ولكن المخلوق في تلك المرتبة منسوب الى نفس الامر وما قلت ان الحق سبحانه خلقه في مرتبة الحس والوهم يعني انه تعالى خلق الاشياء في مرتبة ليس لها في تلك المرتبة حصول ولا ثبوت إلا في الحس والوهم كما يرى اهل الشعبذة اشياء غير واقعية ويرون شيئا واحدا عشرة اشياء وليس لهذه الاشياء العشرة حصول الا في الحس والوهم وليس الموجود في نفس الامر غير ذلك الشئ الواحد فاذا عرض لهذه الاشياء العشرة بقدرة الحق جل سلطانه ثبات واستقرار وصارت محفوظة عن الخلل وسرعة الزوال تصير في نفس الامر فهذه الاشياء العشرة موجودة في نفس الامر ومعدومة فيه ايضا لكن باعتبارين فانه اذا قطع النظر عن مرتبة الحس والوهم فمعدومة وبلا ملاحظة الحس والوهم موجودة ومن القصص المشهورة ان ارباب الشعبذة في بلد من بلاد الهند اسسوا بنيان الشعبذة عند واحد من السلاطين ففي ذلك الاثناء اظهروا في نظر الناس بالطلسم والشعبذة بستان اشجار أنبه وأروا في ذلك اﻟﻤﺠلس ان تلك الاشجار كبرت واثمرت واكل اهل اﻟﻤﺠلس من ثمارها فامر السلطان في ذلك الوقت بقتل ارباب الشعبذة لانه كان قد سمع انه اذا قتل صاحب الشعبذة بعد ظهور الشعبذة تبقى تلك الشعبذة على حالها بقدرة الحق جل سلطانه فلما قتلوهم بقيت تلك الاشجار بقدرة اللّه جل سلطانه وسمعت اﻧﻬا باقية الى الآن والناس يأكلون من ثمارها وما ذلك على اللّه بعزيز ففي الصورة المتنازع فيها اظهر الحق سبحانه الذي لا موجود غيره في الخارج ونفس الامر كمالات اسمائه وصفاته بقدرته الكاملة في حجب صور الممكنات في مرتبة الحس والوهم واجلى تلك الكمالات في مجالي الاشياء بوجود وهمي وثبوت خيالي يعني اوجد الاشياء على طبق تلك الكمالات في مرتبة الحس والوهم فوجود الاشياء باعتبار الاراءة الخيالية ولكن لما منح الحق سبحانه و تعالى تلك الاراءة الاستقرار والثبات وراعى الاتقان في صنع الاشياء وجعل المعاملة الابدية مربوطة ﺑﻬا صار وجودها الوهمي وثبوﺗﻬا الخيالي ايضا في نفس الامر وكانت محفوظة عن الخلل فيمكن ان يقال ان الاشياء لها في الخارج ونفس الامر وجود وليس لها وجود كما مر مكررا قال حضرة والد هذا الفقير قدس سره وكان من العلماء المحققين سألني القاضي جلال الدين الاكري الذي كان من العلماء المتبحرين هل الواقع الوحدة او الكثرة فان كان وحدة تصير الشريعة التي مبناها على الاحكام المتباينة والمتمايزة باطلة وان كان كثرة يبطل قول الصوفية الذين يقولون بوحدة الوجود قال حضرة شيخنا في جوابه كلتاهما مطابقتان لنفس الامر وواقعتان فيه وبين ذلك ولم يبق في خاطر الفقير ما قال في بيانه وما افيض على خاطر الفقير في هذا الوقت اورده في قيد الكتابة والامر الى اللّه سبحانه فالصوفية الذين يقولون بوحدة الوجود محقون والعلماء الذين يحكمون بالكثرة ايضا محقون والمناسب لاحوال الصوفية الوحدة والمناسب لاحوال العلماء الكثرة فان مبني الشرائع على الكثرة وتغاير الاحكام مربوط بالكثرة ودعوة الانبياء عليهم الصلاة و السلام والتنعيم والتعذيب الآخرويين كله متعلق بالكثرة وحيث ان الحق سبحانه يريد الكثرة ويحب الظهور كما قال تعالى فأحببت ان اعرف فبقاء هذه المرتبة ايضا ضروري فان ترتيب هذه المرتبة مرضي رب العالمين ومحبوبه تعالى فانه لا بد لسلطان ذي شأن من الخدم والحشم والذل والافتقار والانكسار لازم لعظمته وكبريائه ومعاملة وحدة الوجود وان كانت كالحقيقة ومعاملة الكثرة بالنسبة اليه كاﻟﻤﺠاز ولهذا يقال لذلك العالم عالم الحقيقة ولهذا العالم عالم اﻟﻤﺠاز ولكن لما كانت الظهورات محبوب رب العالمين واعطى الاشياء البقاء الأبدي واورد القدرة في لباس الحكمة وجعل الاسباب نقاب أفعاله كانت تلك الحقيقة كالمهجورة وصار هذا اﻟﻤﺠاز متعارفًا والنقطة الجوالة وان كانت كالحقيقة والدائرة الناشئة من تلك النقطة كاﻟﻤﺠاز ولكن الحقيقة مهجورة هناك وما هو المتعارف مجاز وسألت عن معنى هذا القول اذا احب اللّه عبدا لم يضره ذنب اعلم انه اذا احب اللّه عبدا لا يصدر عنه ذنب فان اولياء الحق جل وعلا محفوظون عن ارتكاب الذنب وان جاز صدور الذنب عنهم بخلاف الانبياء عليهم الصلاة و التسليمات فاﻧﻬم معصومون عن الذنوب وجواز صدور الذنب عنهم ايضا مسلوب فاذا لم يصدر الذنب عن الاولياء لا يكون فيهم ضرر الذنب ففي صورة عدم صدور الذنب يصدق لا يضره ذنب كمالا يخفى على ارباب العلم ويمكن ان يكون المراد من الذنب الذنب السابق الذي صدر عنه قبل الوصول الى درجة الولاية فان الاسلام يجبّ ما كان قبله[ ١] ( ١ ) والاقرب ان معني لا يضره ذنب انه كلما صدر عنه ذنب يوفق للتوبة حالا قبل كتابة كاتب الشمال فلا يضره ذنب اصلا منه عفي عنه وحقيقة الأمر عند اللّه سبحانه ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا و السلام عليكم و على سائر من اتبع الهدى والتزم متابعة المصطفى عليه و على آله الصلاة و السلام والتحيات العلى. |