٣٦ المكتوب السادس والثلاثون الى الخواجه محمد التقي في بيان بحث الامامة وحقيقة مذهب اهل السنة والجماعة ومخالفيهم وان اهل السنة متوسطون بين الافراط والتفريط اللذين اختارهما الروافض والخوارج ومدح اهل بيت الرسول صلى اللّه عليه و على آله وسلم وما يناسب ذلك بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ بعد الحمد والصلوات وتبليغ الدعوات اﻧﻬي ان محبة الفقراء والارتباط ﺑﻬم والالفة معهم والرغبة في استماع كلمات هذه الطائفة العلية والميل الى اوضاع هذه الطبقة السنية واطوارهم من اجل نعم اللّه جل سلطانه واعظم عناياته تعالى قال المخبر الصادق عليه و على آله الصلاة و السلام المرء مع من أحب فمحبهم معهم وفي حرم حريم القرب طفيليهم (ايها الموفق) ان ولدي الخواجه شرف الدين حسين قد اخبر ان هذه الاوصاف الحميدة مجتمعة فيه مع وجود تعلقات شتى وهذه المعاني المستحسنة المقبولة ملتئمة فيه مع وجود اشغالات لا طائل فيها للّه سبحانه الحمد والمنة على ذلك فان صلاحكم موجب لصلاح جم غفير وفلاحكم مستلزم لفلاح جمع كثير واظهر المشار اليه بانه محب لكلامك وراغب في استماع علومك فان كتبت الى جنابه كلمات لكان افضل واحسن فاردت ان اكتب كلمات اجابة للملتمس وحيث كان في هذه الايام ذكر بحث الامامة اكثر وكل شخص ينسج الكلام في هذا الباب بالظن والتخمين اردت ان اكتب في هذا المبحث سطورا بالضرورة وان ابين حقيقة مذهب اهل السنة والجماعة ومذهب المخالفين (ايها) الطالب للنجاة ان من علامات اهل السنة والجماعة تفضيل الشيخين ومحبة الختنين واجتماع تفضيل الشيخين مع محبة الختنين من خصائص اهل السنة والجماعة وتفضيل الشيخين ثابت باجماع الصحابة والتابعين كما نقله اكابر الائمة احدهم الامام الشافعي رحمه اللّه و قال الشيخ ابو الحسن الاشعري تفضيل ابي بكر وعمر رضي اللّه عنهم على سائر الامة قطعي و قد ثبت عن علي كرم اللّه وجهه بالتواتر في زمن خلافته وكرسي مملكته وبين الجم الغفير من شيعته ان ابا بكر و عمر افضل هذه الامة كما ذكره الذهبي وروى عنه الامام البخاري انه قال افضل الناس بعد الرسول صلى اللّه عليه و سلم ابو بكر ثم عمر ثم رجل آخر فقال ابنه محمد بن الحنفية ثم انت فقال ما أنا الا رجل من المسلمين (وبالجملة) ان تفضيل الشيخين قد بلغ من كثرة الرواة الثقات حد الضرورة والتواتر فانكاره اما من الجهل واما من التعصب ولما لم يجد عبد الرزاق الذي هو من اكابر الشيعة مجالا للانكار قال بتفضيل الشيخين من غير اختيار وقال حيث فضل علي الشيخين على نفسه افضلهما انا ايضا عليه لتفضيله ولولا انه فضلهما على نفسه لما فضلتهما عليه وبال عليّ ان ادعي محبة عليّ ثم اخالفه ولما كثر في زمان خلافة الختنين ظهور الفتن والاختلال في امور الناس وحصلت من هذه الجهة كدورة غير محصورة في قلوب الناس واستولت العداوة والبغضاء فيما بين المسلمين عدت محبة الختنين ايضا بالضرورة من جملة شرائط كون شخص من اهل السنة والجماعة لئلا يسئ الجاهل الظن من هذه الحيثية باصحاب خير البشر عليه و على آله الصلاة و السلام ولئلا يضمر البغض والعداوة لنواب رسول اللّه وقائمي مقامه عليه وعليهم الصلاة و السلام فكانت محبة عليّ كرم اللّه وجهه شرطا للتسنن ومن ليست فيه هذه المحبة صا رخارجا عن اهل السنة ويسمى خارجيا والذي اختار طرف الافراط في محبة عليّ ووقع منه الزيادة على القدر اللائق واظهر الغلو في تلك المحبة واطال اللسان بسب اصحاب خير البشر عليه وعليهم الصلاة و السلام وترك طريق الصحابة والتابعين والسلف الصالحين رضوان اللّه عليهم اجمعين ورفضه سمي رافضيا فاهل السنة متوسطون بين الافراط في محبة عليّ كرم اللّه وجهه وبين التفريط فيها اللذين اختارهما الروافض والخوارج ولا شك ان الحق في الوسط والافراط والتفريط كلاهما مذمومان كما روى الامام احمد بن حنبل عن عليّ انه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيك مثل من عيسى عاداه اليهود حتى ﺑﻬتوا امه واحبه النصارى حتى انزلوه مترلة ليس هو فيها يعني قالوا انه ابن اللّه فقال علي هلك ّ في اثنان المفرط في محبتي حتى يثبت لي ما ليس ّ في والثاني من يعاديني ويفتري علي بالعداوة فشبه حال الخوارج بحال اليهود وحال الروافض بحال النصاري و كلاهما وقعا من الحق الوسط في الطرفين وما اجهل من لا يعد اهل السنة والجماعة من محبي عليّ ويزعم محبته مختصة بالرفضة وليست محبة عليّ من الرفض وانما الرفض التبري من الخلفاء الثلاثة والتبري من الاصحاب الكرام مذموم وصاحبه عليه ملوم قال الامام الشافعي رضي اللّه عنه (شعر): لو كان رفضا حب آل محمد * فليشهد الثقلان اني رافض يعني ان حب آل محمد ليس برفض كما يزعمونه فان قالوا لهذا الحب رفضا فليس برفض مذموم فان ذم الرفض انما جاء من جهة التبري عن الآخرين ورفضهم لا من جهة محبتهم يعني آل محمد فيكون محبوا اهل بيت رسول اللّه عليه وعليهم الصلوات و التسليمات من اهل السنة والجماعة وهم شيعة اهل البيت في الحقيقة والشيعة الذين يدعون محبة اهل البيت ويعدون انفسهم من شيعتهم فان لم يقتصروا محبتهم على اهل البيت ولم يتبروا من الآخرين وعظموا جميع اصحاب النبي عليه و على آله الصلاة و السلام ووقروهم حق تعظيمهم وتوقيرهم وحملوا مشاجراﺗﻬم على محامل حسنة فهم داخلون في اهل السنة والجماعة وخارجون عن الخوارج والروافض فان عدم محبة اهل البيت خروج والتبري عن الاصحاب رفض ومحبة اهل البيت مع تعظيم جميع الاصحاب وتوقيرهم تسنن (وبالجملة) ان مبنى التسنن على حب مصاحبيه عليه وعليهم الصلاة و السلام والعاقل المنصف لا يختار بغض الاصحاب الكرام على حبهم اصلا بل يحب جميعهم بحب النبي عليه وعليهم الصلوات والتحيات قال عليه الصلاة و السلام من احبهم فبحبي احبهم ومن ابضغهم فببغضي ابغضهم (ولنرجع) الى اصل الكلام ونقول كيف يظن عدم محبة اهل البيت في حق اهل السنة والجماعة والحال ان محبتهم عندهم جزء الايمان وسلامة الخاتمة مربوطة عندهم برسوخ تلك المحبة وكان والد هذا الفقير الماجد يرغب في اكثر الاوقات في محبة اهل البيت وكان عالما بالعلم الظاهري والباطني وكان يقول ان لمحبتهم مدخلا عظيما في سلامة الخاتمة ينبغي ان يراعيها كمال رعايتها وكان هذا الفقير حاضرا في مرض موته ولما انتهت معاملته الى آخرها وبقى الشعور ﺑﻬذا العالم قليلا ذكرته بكلامه في ذلك الوقت واستفسرته عن تلك المحبة فقال في تلك الحالة اني غريق في محبة اهل البيت فأؤدي شكر الحق عز وجل في ذلك الوقت ومحبة اهل البيت رأس مال اهل السنة والمخالفون غافلون عن هذا المعنى وجاهلون بمحبتهم المتوسطة اختاروا لانفسهم جانب الافراط وظنوا وراء الافراط تفريطا وحكموا بالخروج وزعموه مذهب الخوارج ولم يعلموا ان بين الافراط والتفريط حدا وسطا هو مركز الحق وموطن الصدق الذي صار نصيبا لاهل السنة والجماعة شكر اللّه سعيهم والعجب ان اهل السنة هم الذين قتلوا الخوارج واستأصلوا اعداء اهل البيت ولم يكن من الرفضة في ذلك الوقت اسم ولا رسم فان كان كان له حكم العدم وكاﻧﻬم تصوروا محبي اهل البيت بزعمهم الفاسد رفضة وتخيلوا اهل السنة بتلك العلاقة روافض يا لها من معاملة عجيبة حيث يعدون أهل السنة احيانا من الخوارج لعدم افراط المحبة ويزعموﻧﻬم احيانا روافض لما يحسون فيهم من نفس المحبة ولهذا تراهم يزعمون من جهالتهم الاولياء العظام من اهل السنة الذين يذكرون محبة اهل البيت ويظهرون حب آل محمد صلى اللّه عليه و سلم روافض ويظنون كثيرا من كبار علماء اهل السنة الذين يمنعون من افراط تلك المحبة ويحرضون على تعظيم الخلفاء الثلاثة وتوقيرهم خوارج فآه ألف انتهى من جراءﺗﻬم الغير المناسبة اعاذنا اللّه سبحانه من افراط تلك المحبة وتفريطها ومن افراط المحبة اشترطوا في تحقق محبة علي التبري من الخلفاء الثلاثة وغيرهم ينبغي الانصاف ما معنى المحبة التي يشترط في حصولها التبري من نواب النبي صلى اللّه عليه و سلم و قائمي مقامه وسب اصحاب خير البشر وطعنهم رضوان اللّه عليهم اجمعين وذنب اهل السنة انما هو ضمهم الى محبة اهل البيت توقير جميع اصحابه صلى اللّه عليه و سلم وتعظيمهم وجمعهم اياهما معا بحيث لا يذكرون احدا منهم بسوء مع وجود المنازعات والمخالفات فيما بينهم ويترهوﻧﻬم عن الاهواء النفسانية والتعصبات البشرية من جهة تعظيم صحبة النبي وتكريم مصاحبيه عليه وعليهم الصلاة و السلام ومع ذلك يقولون للمحق محقا وللمبطل مبطلا ولكن مع تتريه بطلانه من الهوى والهوس واحالته على الرأي والاجتهاد وانما يرضى الروافض عن اهل السنة والجماعة اذاهم تبروا عن سائر الاصحاب الكرام مثلهم وأساؤا ظنهم ﺑﻬؤلاء الاكابر كما ان رضاء الخوارج عنهم مربوط بعداوة اهل البيت ومنوط ببغض آل محمد عليه وعليهم الصلوات والبركات ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب (وكان) اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عند اكابر اهل السنة والجماعة شكر اللّه سعيهم في وقت منازعة بعضهم بعضا ثلاث فرق فرقة عرفوا حقية جانب علي بالدليل والاجتهاد (وجماعة) أخرى وجدوا ايضا بالدليل والاجتهاد حقية جانب آخر (وطائفة) ثالثة كانوا متوقفين لم يرجحوا جانبا واحدا بالدليل (فلزمت) الطائفة الاولى نصرة جانب علي بمقتضى اجتهادهم (ولزمت) الطائفة الثانية نصرة جانب مخالفيه على مؤدى اجتهادهم (ولزم) الطائفة الثالثة التوقف وكان ترجيح احديهما على الأخرى خطأ في حقهم (فعمل) كل فرقة من هذه الفرق الثلاث بمقتضى اجتهادهم وادوا ما هو الواجب واللازم على ذمتهم فكيف يكون للملامة مجال فيهم وكيف يكون الطعن مناسبا لهم وقال الامام الشافعي ونقل عن عمر بن عبد العزيز ايضا رضي اللّه عنهما تلك دماء طهر اللّه عنها ايدينا فلنطهر عنها السنتنا ويفهم من هذه العبارة انه لا ينبغي تحريك الشفتين ايضا بحقية احديهما وتخطئة الأخرى وان لا يذكر كلهم بغير الخير وكذلك ورد في الحديث النبوي حيث قال النبي صلى اللّه عليه و سلم اذا ذكر اصحابي فامسكوا يعني اذا ذكر اصحابي ومنازعاﺗﻬم فامتنعوا عن ذلك ولا تختاروا احدهم على الآخر ولكن جمهور اهل السنة ذاهبون لما ظهر لهم بدليل الى ان الحق في جانب علي كرم اللّه وجهه ومخالفوه سالكون طريق الخطأ ولكن لما كان هذا الخطأ خطأ اجتهاديا بعد عن الملامة والطعن وتتره عن التحقير وتبرأ من التشنيع ونقل عن علي رضي اللّه عنه انه قال اخواننا بغوا علينا لا هم كفار ولا فساق فان لهم تأويلا يمنع عنهم الكفر والفسق (فاهل) السنة والرافضة كلاهما يخطئون محاربي علي وكلاهما يقولون بحقية جانبه ولكن لا يجوز اهل السنة الزيادة على اطلاق لفظ الخطإ الناشئ عن التأويل في حق محاربيه ويحفظون اللسان من طعنهم وتشنيعهم ويراعون حق صحبة خير البشر عليه وعليهم الصلاة و السلام قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اللّه اللّه في اصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي وكرر لفظ الجلالة للتأكيد وقال ايضا اصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم وورد احاديث أخرى كثيرة في باب تعظيم الاصحاب وتوقيرهم اجمعين فينبغي اعزازهم وتكريمهم جميعا وحمل زلاﺗﻬم على محامل حسنة وهذا هو مذهب اهل السنة في هذه المسئلة والروافض يغالون في هذا الباب حتى يكفرون محاربي علي ويلوثون السنتهم بانواع الطعن واقسام الشتم فان كان المقصود ظهور حقية جانب علي واظهار خطإ محاريبه فما اختاره اهل السنة كاف فيه و على حد الاعتدال والطعن في اكابر الدين بعيد عن الديانة والتدين كما اختاره الرافضة وزعموا شتم اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دينهم وايماﻧﻬم ما اقبحه من دين حيث ان جزءه الاعظم سب نواب النبي وشتم خلفائه عليه وعليهم الصلاة و السلام واختار كل واحدة من طوائف المبتدعة بدعة وامتاز ﺑﻬا عن اهل السنة والجماعة ولكن فرقة الخوارج والروافض من بين جميع هؤلاء الطوائف بعيدة عن الحق والصواب جدا فاذا كان سب اكابر الدين ولعنهم جزء اعظم من ايماﻧﻬم كيف يكون لهم نصيب من الحق وافترقت الروافض على اثنتي عشرة فرقة كلهم يكفرون اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم و يعتقدون سب الخلفاء الراشدين عبادة وهذه الجماعة يتحاشون عن اطلاق لفظ الرفض على انفسهم ويزعمون الروافض غيرهم لما ورد في الاحاديث وعيد شديد في حق الرفضة فيا ليتهم اجتنبوا عن معنى الرفضة ايضا ولم يتبرؤا عن اصحاب النبي عليه وعليهم الصلاة و السلام وهنود بلاد الهند يعني مجوسهم ايضا يقولون لانفسهم هنودا ويتحاشون عن الكفر ولا يعتقدون انفسهم كفارا ويزعمون ان الكفار هم سكان دار الحرب وغلطوا في هذا الفهم بل كلا الصنفين كفار ومتحققون بحقيقة الكفر وكاﻧﻬم زعموا ان أهل بيت النبي عليه وعليهم الصلاة و السلام مثلهم وتخيلوهم ايضا اعداء ابي بكر وعمر رضي اللّه عنهما وهذه الطائفة يظنون أكابر اهل البيت بحكم التقاة التي يزعموﻧﻬا منافقين ومخادعين ويزعمون ان عليا كرم اللّه وجهه صحب الخلفاء الراشدين ثلاثين سنة بحكم التقاة صحبة نفاق وعظمهم ووقرهم من غير حق واستحقاق ما احسن هذه المعاملة وما اجملها فان كانت محبة اهل بيت رسول اللّه بواسطة محبة رسول اللّه صلى اللّه عليه وعليهم وسلم ينبغي ان يكونوا ايضا اعداء لاعداء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وان يسبوهم ويلعنوهم اكثر من سب اعداء اهل البيت ولعنهم ولم يسمع من احد من هذه الطائفة انه سب ابا جهل ولعنه مع انه اشد اعداء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم واذاه صلى اللّه عليه و سلم بانواع الاذية والجفاء ولم يحرك احد منهم لسانه بذكر مساويه وابو بكر الصديق الذي هو احب[ ١] ( ١ ) اخرج البخاري عن عمرو بن العاص انه سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اي الناس احب اليك قال عائشة فقال من الرجال قال ابوها منه عفي عنه. الرجال الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يزعمونه بزعمهم الفاسد عدوًا لاهل البيت ويطيلون السنتهم بسبه وطعنه وينسبون اليه امورا غير مناسبة به فاي تدين هذا واي ديانة لا قدر اللّه سبحانه كون ابي بكر وعمر وسائر الصحابة الكرام اعداء اهل بيت رسول اللّه عليه و عليهم الصلاة و السلام ومبغضين ومعادين لآل محمد صلى اللّه عليه و سلم وليت هؤلاء العارين عن لباس الانصاف يسبون اعداء اهل البيت من غير تعيين أسامي اكابر الصحابة رضوان اللّه عليهم اجمعين ومن غير اظهار سوء ظن باكابر الدين فترتفع حينئذ مخالفتهم في هذا الباب لاهل السنة فان اهل السنة ايضا يعادون اعداء اهل البيت ويقولون بطعنهم وتشنيعهم ومن حسن اهل السنة اﻧﻬم لا يقولون لشخص معين مبتلي متلبس بانواع الكفر جهنميا ولا يجوزون اطلاق اللعن عليه لاحتمال اسلامه وتوبته في آخر أمره وانما يجوزون إطلاق اللعن على الكافرين مطلقا دون تعيين شخص منهم ما لم يعلم سوء خاتمته بدليل قطعي والروافض يلعنون أبا بكر وعمر رضي اللّه عنهما بلا تحاش ويسبون اكابر الصحابة ويطعنون فيهم من غير اكتراث هداهم اللّه الى سواء الصراط (وفي هذا) المبحث اختلاف عظيم بين اهل السنة وبين مخالفيهم في مقامين (المقام) الاول هو ان اهل السنة قائلون بحقية خلافة الخلفاء الاربع ويقولون لكل واحد من هؤلاء الاربع خليفة حقا لأنه قد ورد في الحديث الصحيح بطريق الاخبار عن المغيبات[ ١] ( ١ ) اخرج احمد والترمذي وابو يعلى وابن حبان عن سفينة بلفظ الخلافة بعدي من امتي ثلاثون سنة منه عفي عنه. الخلافة بعدي ثلاثون سنة وهذه المدة تمت بخلافة علي فبمقتضى هذا الحديث يكون كل من الاربعة خليفة و يكون ترتيب الخلافة على الحق والمخالفون ينكرون حقية خلافة الخلفاء الثلاثة ويسبون خلافتهم الى التعصب والتغلب ولايعتقدون احدا غير علي اماما على الحق ويحملون البيعة الواقعة من علي للخلفاء الثلاثة على التقاة ويظنون الصحبة الواقعة فيما بين الاصحاب الكرام صحبة نفاق ويتصورون المداراة الكائنة فيهم مخادعة فان موافقي علي قد صحبوا في زعم هؤلاء الفرقة مع مخالفيه بحكم التقاة صحبة نفاق واظهروا بلساﻧﻬم خلاف ما في قلوﺑﻬم ومخالفوا علي لما كانوا في زعم هؤلاء الطائفة أعداءه وأعداء موافقيه واحبابه كانوا احبابا لهم على سبيل النفاق واظهروا المعاداة في صورة الموالاة فيكون جميع اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على زعمهم المفاسد منافقين ومخادعين ومظهرين بظواهرهم خلاف ما في بواطنهم فيكون شرار هذه الامة عند هؤلاء الفرقة هم الاصحاب الكرام و يكون شر الصحبات واخبثها صحبة خير البشر عليه و على آله الصلاة و السلام حيث نشأت منها امثال هذه الاخلاق الذميمة و يكون شر القرون قرن الاصحاب لكونه مملوء من النفاق والعداوة والبغضاء والحقد وقد قال اللّه في كلامه اﻟﻤﺠيد في حقهم رحماء بينهم اعاذنا اللّه سبحانه من اعتقاداﺗﻬم السوء فاذا جعلوا سابقي هذه الامة متصفين ﺑﻬذه الاخلاق الذميمة فكيف توجد الخيرية في اللاحقين وكأن هذه الطائفة لم يروا الآيات القرآنية والآحاديث النبوية الواردة في فضل صحبة خير البشر صلى اللّه عليه و سلم وفضيلة اصحابه الكرام وخيرة هذه الامة او رأوها ولكنهم لم يؤمنوا ﺑﻬا ولم يصدقوها وانما وصل القرآن والاحاديث الينا بتبليغ الاصحاب الكرام فاذا كان الأصحاب مطعونا فيهم يكون الدين الواصل الينا بواسطتهم ومن طرقهم ايضا مطعونا فيه بالضرورة نعوذ باللّه من ذلك (ولعل) مقصود هذه الطائفة ابطال الدين وانكار شريعته عليه الصلاة و السلام ففي ظاهر الصورة يظهرون محبة اهل بيت رسول اللّه وفي الحقيقة يبطلون شريعته صلى اللّه عليه و سلم وليتهم يتركون عليّا وموافقيه مسلما فيهم ولم يجعلوهم متسمين بسمة التقاة التي هي من سمة اهل المكر والنفاق واي خير يكون في جماعة من موافقي علي او مخالفيه حيث صحب بعضهم بعضا ثلاثين سنة بالنفاق وعاشروا بالمكر والخداع وكيف يستحقون الاعتماد عليهم (وهؤلاء) يطعنون في ابي هريرة رضي اللّه عنه ولا يعلمون ان في طعنه طعنا في نصف الاحكام الشرعية وذلك ان العلماء المحققين قالوا ورد في الاحكام ثلاثة آلاف حديث يعني ثبت ثلاثة آلاف حكم من الاحكام الشرعية بالسنة وثبت ألف وخمسمائة منها برواية ابي هريرة فيكون الطعن فيه طعنا في نصف الاحكام الشرعية وقال الامام البخاري ان رواة ابي هريرة ازيد من ثمانمائة من الاصحاب الكرام والتابعين العظام واحد منهم ابن عباس رضي اللّه عنهما وروى عنه ابن عمر ايضا وكذلك جابر بن عبد اللّه وانس بن مالك من رواته والحديث الذي ينقلون عن علي كرم اللّه وجهه في الطعن في ابي هريرة رضي اللّه عنه فهو حديث مفتري كما حققه العلماء وحديث دعائه صلى اللّه عليه و سلم لابي هريرة رضي اللّه عنه بالفهم معروف بين العلماء قال ابو هريرة رضي اللّه عنه حضرت مجلسا لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم[ ١] ( ١ ) اصله في البخاري في كتاب العلم منه عفي عنه فقال من يبسط منكم رداءه حتى افيض فيه مقالتي فيضمها اليه ثم لا ينساه فبسطت بردة كانت عليَّ فافاض رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مقالته فضممتها الى صدري فما نيست بعد ذلك شيئا فاعقتاد شخص عظيم من أكابر الدين عدوا لعليّ بمجرد الزعم وتجويز السب والطعن واللعن في حقه بعيد عن الانصاف وهذه كلها من آفات افراط المحبة حتى كادوا يخرجون رؤسهم من ربقة الايمان فلئن جوزت التقاة فرضا في حق علي كرم اللّه وجهه فماذا يقولون في اقواله التي نقلت عنه بالتواتر في أفضلية الشيخين وكذلك في كلماته القدسية التي صدرت عنه في عين خلافته وكرسي مملكته في حقية خلافة الخلفاء الثلاثة فان التقاة انما تكون بستر حقية خلافته وعدم اظهار بطلان خلافة الخلفاء الثلاثة وأمّا اظهار حقية خلافة الخلفاء الثلاثة وبيان افضلية الشيخين فامر على حدة وراء تلك التقاة لا محمل له غير الصدق والصواب ولا يتصور رفعها بالتقاة وايضا قد وردت الاحاديث الصحيحة في فضائل الخلفاء الثلاثة وغيرهم وبلغت حد الشهرة بل حد التواتر في المعنى وبشرت جماعة منهم بالجنة فماذا يقولون في هذه الاحاديث فان التقاة لا تجوز في حق النبي عليه و على آله الصلاة و السلام فان التبليغ لازم للانبياء عليهم الصلاة و السلام وايضا قد نزلت في هذا الباب آيات قرآنية ولا يتصور فيها التقاة رزقهم اللّه سبحانه الانصاف (ومعلوم) عند ارباب العقول ان التقاة من صفات الجبان فنسبتها الى اسد اللّه غير مناسبة وان جوزت التقاة بحكم البشرية ساعة او ساعتين ويوما او يومين فله مساغ ومجال واما اثباﺗﻬا لاسد اللّه مدة ثلثين سنة والقول باصراره على التقاة في تلك المدة فمستكره جدا وقد قال العلماء الاصرار على الصغيرة كبيرة فما يكون حكم الاصرار على صفة من صفات ارباب الشقاق والنفاق يا ليتهم يفهمون قباحة هذا الامر (وهم) انما هربوا من تقديم الشيخين لكونه مستلزما لاهانة علي وتنقيصه يعني في زعمهم الفاسد واختاروا اثبات التقاة له ولم يفهموا شناعة هذه الصفة فلو فهموا شناعتها لما جوزوها له اصلا ولاختاروا اهون الامرين (بل اقول) لا اهانة لعلي في تقديم الشيخين فان حقية خلافته باقية على حالها ودرجة ولايته ورتبة هدايته ومترلة ارشاده ايضا باقية على ما هي عليها وفي اثبات التقاة يلزم التنقيص والتوهين لكوﻧﻬا من خصائص ارباب النفاق ولوازم اصحاب المكر والخداع (والمقام الثاني) هو ان اهل السنة والجماعة شكر اللّه سعيهم يحملون مشاجرات اصحاب خير البشر عليه وعليهم الصلوات و التسليمات ومنازعاﺗﻬم على محامل حسنة ويعتقدوﻧﻬا بعيدة عن الهوى والتعصب فان نفوسهم صارت مزكاة في صحبة خير البشر عليه وعليهم الصلاة و السلام وساحة صدورهم طاهرة نظيفة من العداوة والغل والحقد غاية ما في الباب انه لما كان لكل واحد منهم رأيا واجتهادا وكان العمل لكل مجتهد على وفق اجتهاده واجبا لزمت المشاجرة والمخالفة في بعض الامور بسبب مخالفة الآراء بالضرورة وكان اتباع كل منهم رأى نفسه صوابا فكانت مخالتهم مثل موافقتهم لاجل الحق لا للّهوى والهوس واتباع النفس الامارة (والروافض) يكفرون مخالفي علي ومحاربيه ويجوزون في حقهم انواع الطعن والتشنيع فاذا صدرت مخالفة الاصحاب الكرام للنبي صلى اللّه عليه و سلم في بعض الامور الاجتهادية وحكمهم بخلاف حكمه[ ١] ( ١ ) كما وقع في اسارى بدر وغزوة الخندق حين اراد النبي صلى اللّه عليه و سلم اعطاء ثلث محصول المدينة لغطفان فلم يرض به الانصار كما هو مشهور بين اربابه منه عفي عنه عليه الصلاة و السلام ولم تكن مخالتهم هذه مذمومة ولم يكونوا ملومين عليها ولم يجئ منعهم عنها مع وجود نزول الوحي في ذلك الوقت فكيف تكون مخالتهم لعلي في الامور الاجتهادية كفرا ولم يكون المخالفون مطعونا فيهم وملومين كيف فان المخالفين جم غفير من اهل الاسلام ومن أجلة الاصحاب الكرام وبعض منهم مبشر بالجنة وليس تكفيرهم وتشنيعهم امرا يسيرا كبرت كلمة تخرج من افوافهم فاﻧﻬم كادوا يكونون هم الذين بلغوا قريبا من نصف الدين والشريعة فاذا كانوا مطعونا فيهم يزول الاعتماد عن شطر الدين (كيف) يكون هؤلاء الاكابر مطعونا فيهم فانه لم يرد احد رواية احد منهم اصلا لا علي ولا غيره (و أيضًا) ان صحيح البخاري اصح الكتب بعد كتاب اللّه تعالى ويعترف به الشيعة ايضا وسمع هذا الفقير احمد التبتي الذي كان من اكابر الشيعة يقول ان كتاب البخاري اصح الكتب بعد كتاب اللّه وفيه روايات من موافقي علي وروايات من مخالفيه ولم يجعل الرجحان وعدمه مبنيا على الموافقة والمخالفة فكما انه يروي عن علي يروي عن معاوية فلو كان في معاوية وفي روايته شائبة الطعن لما ادرج روايته في كتابه اصلا وكذلك لم يفرق ﺑﻬذا الوجه في رواية الحديث احد من نقاد الاحاديث من السلف ولم يجعل مخالفة علي منشأ للطعن (و مما ينبغي) ان يعلم انه لا يلزم ان يكون علي رضي اللّه عنه محقا في جميع الامور الخلافية ولا يقطع به وان يكون مخالفوه على الخطإوان كان الحق في امر المحاربة في جانبه فان علماء الصدر الاول من التابعين والائمة اﻟﻤﺠتهدين اختاروا مذهب غيره في كثير من الاحكام الخلافية ولم يحكموا بمذهبه فان كان الحق متعينا في جانبه لما كانوا يحكمون بخلافه وكان القاضي شريح من التابعين وصاحب اجتهاد ولم يحكم بمذهب علي ولم يقبل شهادة ابنه الحسن عليهما الرضوان له بواسطة نسبة البنوة وعمل اﻟﻤﺠتهدون بقول شريح واخذوا به ولم يجوزوا شهادة الابن للاب واختيار الاقوال التي تخالف رأي علي كرم اللّه وجهه كثير في مسائل أخرى ايضا لا يخفى على المتتبع المنصف وتفصيله يستدعي تطويلا فلا يكون في مخالفة علي كرم اللّه وجهه مجال للاعتراض ولا يكون مخالفوه مطعونا فيهم وملومين (وكانت) عائشة الصديقة رضي اللّه تعالى عنها حبيبة حبيب رب العالمين ومقبولته ومنظورة اليه صلى اللّه عليه و سلم الى شفير اللحد و كان صلى اللّه عليه و سلم مقيما في حجرﺗﻬا في مرض موته وقبض روحه الشريفة في حجرها وبين سحرها ونحرها ودفن في حجرﺗﻬا المطهرة ومع ذلك [ الشرف كله كانت رضي اللّه عنها عالمة ومجتهدة واحال النبي صلى اللّه عليه و سلم] ١ ( ١ ) جاء من النبي صلى اللّه عليه و سلم بالفاظ مختلفة خذوا شطر دينكم عن الحميراء وفي رواية خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء وفي أخرى خذوا ثلث دينكم من بيت عائشة قال القاري بعد ذكره ما للحديث وما عليه لكن معناه صحيح فان عندها من شطر الدين أستنادا يقتضي اعتمادًا انتهى منه عفي عنه. بيان شطر الدين عليها ورجع الاصحاب الكرام في مشكلات الاحكام اليها ووجدوا حل المغلقات منها فالطعن في مثل هذه الصديقة اﻟﻤﺠتهدة بواسطة مخالفة علي ونسبة الاشياء الغير اللائقة اليها غير مناسبة جداو بعيدة عن الايمان بالنبي صلى اللّه عليه و سلم فان كان علي كرم اللّه وجهه ختنه وابن عمه فالصديقة زوجته المطهرة وحبيبته المقبولة عليه و على جميع اهل بيته الصلاة و السلام (وكان) دأب الفقير قبل هذا بسنين اذا طبخ طعام كنت اجعل حصة منه مخصوصة بروحانيات اهل العباء نبينا صلى اللّه عليه و سلم و علي وفاطمة والامامين يعني السبطين رضوان اللّه عليهم اجمعين فرأيت النبي صلى اللّه عليه و سلم في المنام فسلمت عليه وهو صلى اللّه عليه و سلم لا يكون متوجها الى الفقير بل يتوجه الى جانب آخر وقال في تلك الاثناء للفقير انا آكل الطعام في بيت عائشة فكل من يرسل الطعام ا ّ لي فليرسله الى بيت عائشة فتيقن الفقير في ذلك الوقت ان سبب عدم توجهه الشريف هو عدم تشريك الفقير الصديقة في الطعام فبعد ذلك كنت اجعل الصديقة بل سائر الازواج المطهرات اللاتي كلهن من أهل البيت شركاء في الطعام وكنت اتوسل بجميع اهل البيت فالجفاء والايذاء اللذان يصيبان النبي عليه و على آله الصلاة و السلام من جهة الصديقة ازيد من الجفاء والايذاء اللذين يصيبانه صلى اللّه عليه و سلم من جهة علي وهذا المعنى غير مخفي على العقلاء أصحاب الانصاف (نعم) ان هذا على تقدير كون محبة علي و تعظيمه بواسطة محبة الرسول وتعظيمه عليه و على آله الصلاة و السلام وبواسطة قرابته صلى اللّه عليه و سلم ( واما) من اختار محبة علي استقلالا ولم يجعل لحب النبي فيها مدخلا فهو خارج عن المبحث وغير قابل للمخاطبة غرضه ابطال الدين وهدم الشريعة يريد ان يتخذ سبيلا بدون توسط النبي عليه و على آله الصلاة و السلام ويرغب عن محمد في علي وهو محض الكفر وعين الزندقة و علي كرم اللّه وجهه برئ منه ومتأذ من صنيعه فان حب اصحابه واختانه صلى اللّه عليه و سلم بواسطة حبه عليه الصلاة و السلام و تعظيمهم وتكريمهم بواسطة تعظيمه وتكريمه صلى اللّه عليه و سلم قال عليه الصلاة و السلام من أحبهم فبحبي احبهم وكذلك من كان مبغضا اياهم فانما يكون ذلك ببغضه صلى اللّه عليه و سلم كما قال عليه الصلاة و السلام ومن ابغضهم فببغضي ابغضهم يعني ان المحبة التي تتعلق باصحابي عين المحبة التي تتعلق بي وكذلك بغضهم هو عين البغض الذي يتعلق بي (وطلحة وزبير) رضي اللّه عنهما من كبار الاصحاب ومن العشرة المبشرة بالجنة فالطعن فيهما وتشنيعهما غير مناسب ولعنهما وطردهما عائدان الى اللاعن والطارد وهما اللذان جعلهما الفاروق من الستة التي ترك الخلافة شورى بينهم لما لم يجد دليلا واضخا لترجيح بعضهم على بعض فتركا نصيب الخلافة عن انفسهما باختيارهما وقال كل منهما تركت حظي وطلحة هو الذي قتل اباه بواسطة صدور سوء ادب عنه في حقه صلى اللّه عليه و سلم وجاءه برأسه وورد ثناؤه على فعله هذا في القرآن اﻟﻤﺠيد والزبير هو الذي أخبر المخبر الصادق عليه و على آله الصلاة و السلام بكون قاتله في جهنم حيث قال صلى اللّه عليه و سلم قاتل الزبير في جهنم ولعن الزبير ليس بادون من قتله فلاعنه وقاتله متساويان فالحذر ثم الحذر ثم الحذر من الطعن في اكابر الدين وذم كبراء الاسلام الذين بذلوا جهدهم في اعلاء كلمة الاسلام ونصرة سيد الانام وانفقوا اموالهم لتأييد الدين بالليل والنهار وفي السر والجهار وتركوا لحب الرسول عشائرهم وقبائلهم واولادهم وازواجهم واوطاﻧﻬم ومساكنهم وعيوﻧﻬم وزروعهم واشجارهم واﻧﻬارهم وآثروا نفس الرسول صلى اللّه عليه و سلم على انفسهم واختاروا محبته على محبتهم ومحبة اموالهم وذرياﺗﻬم وهم الذين نالوا شرف الصحبة وفازوا في صحبته ببركات النبوة وشاهدوا الوحي يعني نزوله وتشرفوا بحضور الملك ورأوا الخوارق والمعجزات حتى صار غيبهم شهادة وعلمهم عينا واعطوا من اليقين ما لا يعطي احد من بعدهم حتى لا يبلغ انفاق غيرهم مثل احد ذهبًا انفاقهم مد شعير ولا نصيفه وهم الذين اثنى اللّه تعالى عليهم في القرآن اﻟﻤﺠيد ورضي عنهم وهم رضوا عنه ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع اخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ ﺑﻬم الكفار سمى اللّه الغائظ ﺑﻬم كفارا فليحذر عن غيظهم كما يحذر عن الكفر واللّه الموفق (و الجماعة) الذين صححوا مثل هذه النسبة برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وصاروا مقبولين لديه ومنظورين اليه صلى اللّه عليه و سلم اذا خالف بعضهم بعضا في بعض الامور وتشاجروا وعملوا بما ادى اليه رأيهم واجتهادهم لا يكون مجال للطعن فيهم ولا للاعتراض على صنيعهم بل الحق والصواب في ذلك الموطن هو عين الاختلاف وعدم تقليد رأي غيره ألا ترى ان تقليد الامام ابي يوسف ابا حنيفة رضي اللّه عنهما بعد وصوله الى درجة الاجتهاد خطأ والصواب انما هو تقليد رأي نفسه حتى ان الامام الشافعي رضي اللّه عنه لا يقدم قول صحابي اي صحابي كان سواء كان صديقا او عليا على رأيه بل يرى الصواب في العمل برأيه وان كان مخالفا لقول صحابي فاذا كان ﻟﻤﺠتهد من الامة غير صحابي مجال في مخالفة آراء الاصحاب كيف يكون الاصحاب مطعونا فيهم اذا خالف بعضهم بعضا (مع انا نقول) ان الاصحاب الكرام قد خالفوا في الامور الاجتهادية رأي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ولم يرد الذم على خلافهم ذلك مع وجود نزول الوحي ولم يرد المنع عن اختلافهم ذلك كما مر فان كان اختلافهم ذلك غير مرضي وغير مقبول عند الحق جل شأنه لكان يرد المنع عنه ويترل الوعيد على المخالفين الا ترى كيف جاء المنع من رفع الصوت حين رفع جماعة اصواﺗﻬم فوق صوت النبي عليه و على آله الصلاة و السلام وترتب عليه الوعيد قال اللّه تبارك و تعالى يا ايها الذين آمنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي الآية ووقع في اسارى بدر اختلاف عظيم حيث حكم عمر الفاروق وسعد بن معاذ بقتل الاسارى وحكم الآخرون بالتخليص والفدية وكان الرأي المقبول عنده صلى اللّه عليه و سلم الحكم بالتخليص والفدية وسائر مواضع الاختلافات كثيرة (ومن هذا القبيل) اختلافهم في اتيان القرطاس حين طلب النبي في مرض موته قرطاسًا ليكتب لهم شيئا فاراد جمع إتيان القرطاس ومنعه الآخرون وكان الفاروق من الذين لم يرضوا باتيان القرطاس وقال حسبنا كتاب اللّه فاكب الطاعنون من هذه الجهة على الفاروق وأطالوا لسان الطعن والتشنيع عليه وليس هذا في الحقيقة محلا للطعن فان الفاروق قد علم ان زمان الوحي صار منقطعا والاحكام السماوية قد تمت ولم يبق مجال لاثبات الاحكام غير الرأي والاجتهاد وكلما يكتب النبي صلى اللّه عليه و سلم يكون من الامور الاجتهادية التي فيها شركة للآخرين بقوله تعالى فاعتبروا يا أولي الابصار فرأي الصواب في ان لا يصدع النبي صلى اللّه عليه و سلم عند غلبة وجعه وان يكتفي برأي غيره واجتهاده حسبنا كتاب اللّه يعني القرآن اﻟﻤﺠيد مأخذ القياس والاجتهاد وكاف للمستنبطين فيستنبط منه الاحكام وتخصيص الكتاب بالذكر يمكن ان يكون انه علم بالقرائن ان تلك الاحكام التي هو صلى اللّه عليه و سلم في صدد كتابتها مأخذها الكتاب لا السنة حتى يذكر السنة فكان منع الفاروق من جهة الشفقة والمرحمة لئلا يصدع النبي صلى اللّه عليه و سلم بشئ في شدة الوجع وكان امره صلى اللّه عليه و سلم باتيان القرطاس للاستحسان لا للوجوب ليكون غيره مستريحين من مشقة استنباطه فلو كان امر ائتوني للوجوب لبالغ النبي صلى اللّه عليه و سلم فيه ولما كان يعرض عنه ﻟﻤﺠرد الاختلاف (فان قيل) قد قال الفاروق في ذلك الوقت اهجر استفهموه فما يكون المراد منه (اجيب) لعل الفاروق فهم في ذلك الوقت ان هذا الكلام انما صدر عنه صلى اللّه عليه و سلم بواسطة الوجع من غير قصد واختيار كما يتوهم من لفظ اكتب فانه صلى اللّه عليه و سلم كان اميا لم يكتب شيئا أصلا وايضا انه قال لن تضلوا بعدي فاذا كان الدين كاملا وصارت النعمة تماما وحصل رضا المولى به كيف تتصور الضلالة بعد ذلك وماذا يقدر يكتب في ساعة واحدة حتى تندفع به الضلالة ألم يكف الذي كتب في مدة ثلاث وعشرين سنة ولم تندفع به الضلالة ويكتب في ساعة واحدة شئ مع وجود شدة المرض تندفع به الضلالة فعلم الفاروق من هنا ان هذا الكلام جرى على لسانه الشريف من غير قصد منه بناء على البشرية فقال حققوا هذا المعنى بالاستفسار منه ثانيا فارتفع الكلمات في اثناء الاختلاف فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم قوموا ولا تختلفوا فانه لا يستحسن التراع عند نبي ولم يقل ثانيًا من هذه المقولة شيئًا ولم يذكر دواتا ولا قرطاسًا (ينبغي) أن يعلم أن الاختلاف الواقع من الاصحاب الكرام في بعض الامور الاجتهادية بالنسبة الى النبي عليه وعليهم الصلاة و السلام لو كان عياذا باللّه سبحانه فيه شائبة الهوى والتعصب لانجر ذلك الى اللحوق بزمرة اهل الارتداد واخراج الرأس من ربقة الاسلام فان سوء الادب وسوء المعاشرة معه صلى اللّه عليه و سلم كفر أعاذنا اللّه سبحانه منه بل كان هذا الاختلاف بناء على أمر فاعتبروا فان من كان فيه رتبة الاجتهاد فتقليده اجتهاد غيره ورأيه في الامور الاجتهادية خطأ ومنهي عنه نعم لا مجال في الاحكام المترلة التي لا مدخل فيها للرأي والاجتهاد لغير التقليد والايمان والانقياد واجب فيها غاية ما في الباب ان اصحاب القرن الاول كانوا برآء من التكلفات ومستغنين عن تحسين العبارات وانما كان اهتمامهم في اصلاح الباطن وكان ظاهرهم مطروحا عن نظرهم وغير ملحوظ أصلا وكانت مراعاة الآداب في ذلك القرن باعتبار الحقيقة والمعنى لا باعتبار الظاهر والصورة فقط وكان حالهم امتثال امر الرسول صلى اللّه عليه و سلم ومعاملتهم الاجتناب عما ليس بمرضي عنده صلى اللّه عليه و سلم جعلوا آباءهم وامهاﺗﻬم واولادهم وازواجهم فداء له عليه الصلاة و السلام ومن كمال اعتقادهم واخلاصهم لم يتركوا بزاق النبي صلى اللّه عليه و سلم ليقع في الارض بل كانوا يأخذونه ويمسحونه ابداﻧﻬم ووجوههم مثل ماء الحياة وقصدهم شرب دمه صلى اللّه عليه و سلم بعد الفصد من كمال الاخلاص مشهور ومعروف فان صدرت عن هؤلاء الاكابر عبارة موهمة لسوء الادب بالنسبة اليه صلى اللّه عليه و سلم عند اهل هذه القرون التي هي ملآنة من الكذب والخداع ينبغي ان يحملها على محمل حسن وان يذهب الى حاصل العبارة وان لا يلاحظ الالفاظ من اي قسم كانت وهذا هو طريق السلامة واللّه سبحانه الموفق (فان قيل) اذا كان في الامور الاجتهادية مجال الخطإ كيف يكون الوثوق بجميع الاحكام الشرعية المنقولة عنه عليه الصلاة و السلام (اجيب) ان الاحكام الاجتهادية صارت في المآل وثاني الحال أحكاما مترلة سماوية فان تقرير الانبياء على الخطإ غير جائز فيترل في الاحكام الاجتهادية بعد ثبوت اجتهاد المستنبطين واختلاف آرائهم حكم من عند الحق جل وعلا يفرق الصواب من الخطإ ويميز المحق من المبطل فكانت الاحكام الاجتهادية في زمانه صلى اللّه عليه و سلم بعد نزول الوحي وتميز الصواب من الخطإ أيضا قطعي الثبوت لم يبق فيها احتمال الخطإ فجميع الاحكام التي ثبتت في زمنه صلى اللّه عليه و سلم قطعي محفوظ عن احتمال الخطإ لاﻧﻬا ثبتت بوحي قطعي ابتداء وانتهاء وكان المقصود من الاجتهاد في استنباط هذه الاحكام هو ان يحصل للمجتهدين والمستنبطين انواع العناية وارتفاع درجات الكرامة وينال المصيب والمخطئ ثوابا على تفاوت الدرجات ففي الاحكام الاجتهادية ارتفاع درجات اﻟﻤﺠتهدين وقطعية تلك الاحكام نعم ان الاحكام الاجتهادية بعد انقراض زمان النبوة ظنيات مفيدة للعمل لا مثبتة للاعتقاد حتى يكون منكرها كافرا الا ان ينعقد اجماع اﻟﻤﺠتهدين على حكم فيكون حينئذ مثبتا للاعتقاد أيضا (ولنختم المكتوب بالخاتمة الحسنة) في فضائل اهل بيت الرسول عليه و على آله واصحابه الصلاة و السلام روى ابن عبد البر أنه قال عليه و على آله الصلاة و السلام من أحب عليا فقد احبني ومن ابغض عليا فقد ابغضني ومن آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللّه واخرج الترمذي والحاكم وصححه عن بريدة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه أمرني بحب اربعة واخبرني أنه يحبهم قيل يا رسول اللّه سمهم لنا قال علي منهم يقول ذلك ثلاثا وأبو ذر والمقداد وسلمان اخرج الطبراني والحاكم عن ابن مسعود رضي اللّه عنه أنه قال قال النبي صلى اللّه عليه و سلم النظر الى علي عبادة اسناده حسن واخرج الشيخان عن البراء رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم والحسن على عاتقه وهو صلى اللّه عليه و سلم يقول اللّهم اني أحبه فأحبه وأخرج البخاري عن ابي بكر قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على المنبر والحسن الى جنبه ينظر الى الناس مرة واليه مرة ويقول ان ابني هذا لسيد ولعل اللّه ان يصلح به بين فئتين من المسلمين اخرج الترمذي عن أسامة بن زيد قال رأيت النبي صلى اللّه عليه و سلم وحسن وحسين على وركه فقال هذان ابناي وابنا بنتي اللّهم اني احبهما وأحب من يحبهما اخرج الترمذي عن أنس قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اي اهل بيتك احب اليلك قال الحسن والحسين وروى المسور ابن مخرمة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال فاطمة بضعة مني فمن ابغضها ابغضني وفي رواية يريبني ما أراﺑﻬا ويؤذيني ما آذاها واخرج الحاكم عن أبي هريرة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال لعلي فاطمة أحب ا ّ لي منك وأنت أعز عليّ منها وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت ان الناس كانوا يتحرون ﺑﻬداياهم يوم عائشة يبتغون بذلك مرضاة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وقالت ان نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كن حزبين فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة والحزب الآخر ام سلمة وسائر نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فكلم حزب ام سلمة فقلن لها كلمي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يكلم الناس فيقول من أراد ان يهدي الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فليهد اليه حيث كان فكلمته فقال لها لا تؤذيني فان الوحي لم يأتني وانا في ثوب امرأة الا عائشة فقالت أتوب الى اللّه سبحانه من أذاك يا رسول اللّه ثم اﻧﻬن دعون فاطمة فارسلن الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فكلمته فقال يابنيّة ألا تحبين ما أحب قالت بلى قال فأحبي هذه وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت ما غرت على احد من نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما غرت على خديجة وما رأيتها ولكن يكثر ذكرها وربما ذبح شاة ثم يقطعها اعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له كأنه لم يكون في الدنيا امرأة الا خديجة فيقول اﻧﻬا كانت وكانت وكان لي منها ولد وعن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما انه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم العباس مني وانا منه واخرج الديلمي عن ابي سعيد ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اشتد غضب اللّه على من آذاني في عترتي واخرج الحاكم عن ابي هريرة رضي اللّه عنه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال خيركم خيركم لاهلي من بعدي اخرج ابن عساكر عن علي كرم اللّه وجهه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال من صنع الى اهل بيتي يدا اكافئه عليها يوم القيامة اخرج ابن عدي والديلمي عن علي رضي اللّه عنه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اثبتكم على الصراط اشدكم حبا لاهل بيتي ولاصحابي (شعر): الهى بحق بنى فاطمة * كه بر قول ايمان كنى خاتمه اگر دعوتم رد كنى ور قبول * من و دست و دامان آل رسول صلى اللّه عليه و سلم و على جميع اخوانه من الانبياء والمرسلين والملائكة الكرام المقربين و على سائر عباد اللّه الصالحين أجمعين. |