Geri

   

 

 

İleri

 

٢١

المكتوب الحادي والعشرون

الى الشيخ محمد صديق الملقب بالهداية في بيان ان المراد بالقلب الواقع في الحديث القدسي لا يسعني ارضي الخ هو المضغة لا الحقيقة الجامعة التي اخبر بعض المشائخ عن وسعتها وما يتعلق بذلك

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ الحمد للّه و سلام على عباده الذين اصطفى قد كتبت بانك ذكرت في مكتوباتك ورسائلك بان الظهور القلبي لمعة من الظهور العرشي والفضل الكلي انما هو للظهور العرشي وقد ورد في الحديث القدسي لا يسعني ارضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن ويلزم من هذا الحديث ان يكون الظهور القلبي اتم وان يكون الفضل له

(أيها المحب) ان حل هذا السؤال مبني على مقدمة اعلم ان ارباب الولاية يقولون قلبا ويريدون به الحقيقة الجامعة الانسانية التي هي من عالم الامر والقلب في لسان النبوة على صاحبها الصلاة و السلام والتحية عبارة عن المضغة التي صلاح البدن مربوط بصلاحها وفساد البدن منوط بفسادها كما ورد في الحديث النبوي عليه و على آله الصلوات و التسليمات ان في جسد ابن آدم لمضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب ووسعة القلب لازم لاطلاق الاول ومن ههنا أخبر أبو يزيد والجنيد عن وسعة القلب وظنوا العرش وما فيه محقرا في جنب عظمة القلب وضيق القلب لازم لاطلاق الثاني وضيق القلب في هذا المقام على ﻧﻬج لا مجال فيه للجزء الذي لا يتجزى الذي هو أحقر الاشياء وأصغرها واذا نسب ضيق القلب في بعض الاوقات الى الجزء الذي لا يتجزى وقيس عليه يظهر ذلك الجزء المحقر في النظر مثل طبقات السموات والارض وهذه المعاملة وراء طور نظر العقل فلا تكن من الممترين هذا (فاذا علمت) هذه المقدمة فاعلم ان الظهور الذي هو مربوط بالحقيقة الجامعة لا شك انه لمعة بالنسبة الى الظهور العرشي التام والفضل الكلي في هذا المقام للعرش وما قال الشيخ أبو يزيد والشيخ جنيد من أن القلب اوسع من الكل وتخيلا العرش وما فيه شيئا محقرا في جنبه فهو من قبيل اشتباه الشئ بأنموذج الشئ حيث اﻧﻬما لما رأيا انموذجات العرش وما فيه محقرا في جنب جامعية القلب حكموا على حقائق العرش وما فيه وقد كتب هذا الفقير منشأ هذا الاشتباه في كتبه ورسائله مكررا وما ورد في الحديث القدسي موافق للسان الانبياء عليهم الصلاة و السلام والمراد به هو المضغة ولا شك ان الظهور الاتم هو هنا ومرآتية احدية الذات اﻟﻤﺠردة مسلمة له والعرش وان كان له من الظهور التام الذي هو ظهور الاصل نصيب وافر ولكن في ذلك الموطن امتزاج الصفات وحيث كانت الصفات ظلال حضرة الذات في الحقيقة لا يكون ذلك الظهور خاليا عن شائبة الظلية ومن ههنا للعرش توقعات من الظهور الانساني الذي يتعلق بالاصل الصرف ومركز هذه المعاملة هو الانسان

(فان قيل) المفهوم من الحديث وسعة القلب وأنت تقول انه ضيق جدا

(اجيب) ان كونه ضيقا انما هو باعتبار عدم اتساعه لما سوى الحق سبحانه ووسعته باعتبار ظهور انوار القدم فيه فلا منافاة وهذا الفقير عبر عن ذلك القلب في بعض رسائله ﺑﻬذه العبارة الضيق الاوسع البسيط الابسط والاقل الاكثر

(فان قيل) ان المستحق للفضيلة هو الحقيقة الجامعة لكوﻧﻬا من عالم الامر والمضغة من عالم الخلق ومركب من العناصر فمن أين نال هذه الفضيلة

(اجيب) ان لعالم الخلق مزية على عالم الامر يقصر عن ادراكها افهام العوام بل لا يدركها أكثر الخواص وهذا الفقير قد أوضح هذا المعنى في المكتوب الذي حرر لولدي الاعظم المرحوم في بيان الطريق فان بقي تردد فليطلب التشفي من هناك (واستمع) الآن بيان حقيقة هذه المضغة واعلم اﻧﻬا للعوام مضغة حاصلة من تركب العناصر الاربعة وللخواص بل لاخص الخواص مضغة مصورة من تركب الاجزاء العشرة بعد السلوك والجذبة وبعد التصفية والتزكية وبعد تمكين القلب واطمئنان النفس بل بمحض فضل الحق سبحانه وكرمه جل سلطانه أربعة أجزاء من العناصر وواحد من النفس المطمئنة وخمسة أجزاء من عالم الامر ومع وجود التضاد والتباين بين تلك الاجزاء زالت صورة التضاد والتباين من بينها بقدرة واجب الوجود تعالى وتقدس واجتمعت وحصلت من اجتماعها هيئة وحدانية اعجوبة والجزء الاعظم في هذه المعاملة هو العنصر الترابي وهذه الهيئة الوحدانية ايضا تشاﺑﻬت الجزء الارضي واستقرت في التراب (شعر):

و كن أرضا لينبت فيك ورد * فان الورد منبته التراب

(ايها الاخ) ان يد أرباب الولاية لا تصل الى هذه العلوم والمعارف فاﻧﻬا مقتبسة من مشكاة أنوار النبوة على صاحبها الصلاة و السلام والتحية ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم والقلب الذي سأل الخليل على نبينا وعليه الصلاة و السلام اطمئنانه هي هذه المضغة وان حقيقته الجامعة كانت متمكنة ونفسه مطمئنة ان التمكين والاطمئنان يحصلان في مرتبة الولاية التي هي مدرجة النبوة على أرباﺑﻬا الصلاة و السلام والتحية والمناسب لشأن النبوة هو تقلب المضغة واضطراﺑﻬا لا تقلب الحقيقة الجامعة فانه نصيب العوام والمراد بثبات القلب الذي طلبه خاتم الرسالة عليه الصلاة و السلام حيث قال اللّهم[ ١] يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك هو ثبات هذه المضغة ويجوز ان يراد بالقلب الوارد في بعض الاحاديث في باب تقلب القلب معنى شامل للحقيقة الجامعة والمضغة نظرا الى أحوال الامة

( ١ ) اخرج الترمذي وابن ماجه عن انس بلفظ يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك عفي عنه.

(فان قيل) ان هذه المضغة اذا تشرفت بشرف يسعني قلب عبدي المؤمن واستحقت مرآتية حضرة الذات تعالت وتقدست كيف يتصور فيها التقلب والاضطراب لاي شيئ تحتاج الى الاطمئنان

(اجيب) ان الظهور كلما كان أتم وتخلص عن شائبة الشئون والصفات يكون الجهل والحيرة أكثر وعدم الادراك والوجدان أزيد وأوفر ومع وجود هذا الظهور ومع هذه الوسعة كثيرا ما يطلب الدليل على وجود الصانع من كمال الجهل والحيرة بحيث لا يحصل اليقين بوجود الصانع بدون الاستدلال والتقليد كالعوام فيكون التقلب والاضطراب مناسبا لحالها وطلب الاطمئنان ضروريا في شأﻧﻬا وهذا الفقير قد كتب في بعض رسائله ان العارف صاحب اليقين يحتاج الى الاستدلال بعد الرجوع وقد علم في هذا المقام انه يحتاج الى الدليل في عين الحصول والوصول وهذا المقام موافق لحال كمالات مرتبة النبوة على صاحبها الصلاة و السلام والتحية وذلك المقام مناسب لحال الولاية فاذا وقع لصاحب هذا القلب رجوع الى العالم للدعوة يكون قلق قلبه واضطرابه وتقلبه وتلونه أزيد واكثر فاذا كان في عين الوصول محتاجا الى الدليل بواسطة الجهل والحيرة يكون في زمان الفرقة محتاجا الى الاستدلال بالاولى ليحصل بواسطة الاستدلال اطمئنانا في الجملة او نقول انه لما اختفت عنه الدولة أياما واتسم بسمة فرقتها حق له أن يكون قلقا ومضطربا دائما وان يكون مغموما ومحزونا على الدوام كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم متواصل الحزن دائم الفكر ولنبين بعض الوجوه الفارقة بين هذين الاطلاقين ينبغي استماعه بسمع العقل

(اعلم) ان الحقيقة الجامعة التي هي من عالم الامر يتيسر لها بعد التزكية والتصفية تمكين تام بوصف الدوام بخلاف المضغة فان اطميناﻧﻬا مربوط بادراك الحواس وما لم تدرك الشئ بالحواس لا تخرج من القلق ولذا قال الخليل على نبينا وعليه الصلاة و السلام رب ارني كيف تحيي الموتي والفارق الثاني هو ان الحقيقة الجامعة تتأثر بالذكر واذا بلغ الذكر كماله تتحد بالذكر وتتجوهر به قال صاحب العوارف قدس سره لهذا المقام المقصد الاسنيى وعبر عنه بذكر الذات تعالت بخلاف المضغة فانه لا سبيل اليها للذكر فاين التأثر وأين التجوهر بعد بل فيها ظهور المذكور بالاصالة لا بالظلية وﻧﻬاية عروج الذكر الى دهليز المذكور

(والفرق) الثالث ان الحقيقة الجامعة اذا بلغت ﻧﻬاية النهاية ونالت من الولاية الخاصة نصيبا وافرا فان حصلت حينئذ مرآتية للمطلوب يكون الظاهر فيها ظل المطلوب لا عينه كالمرآة الظاهرة فان الظاهر فيها شبح الشخص لا عينه بخلاف المضغة فان الظاهر فيها عين المطلوب لا ظله على خلاف المرآة الظاهرة ولهذا قال يسعني قلب عبدي المؤمن وهذه المعاملة وراء طور نظر الفكر واياك وتخيل الحلول والتمكن هنا فانه كفر و زندقة وان لم يصدق عقل المعاش بان عين شئ يظهر في شيئ ولا يكون له فيه حلول ولا تمكن وهذا من قصور العقل وقياس الغائب على الشاهد فلا تكن من القاصرين

(والفرق) الرابع ان الحقيقة الجامعة من عالم الامر والمضغة من عالم الخلق بل كل من عالم الخق والامر جزئيها الخلق جزؤها الاعظم والامر جزؤها الاصغر ومن اجتماع هذين الجزئين حصلت لها هيئة وحدانية وصارت اعجوبة الدهر وهذه الاعجوبة وان كانت مغايرة لعالم الخق والامر وليس لها تناسب وتشابه بواحد منهما بواسطة الهيئة التركيبية ولكنها معدودة من عالم الخلق لان الجزء الارضي هو العمدة في هذه المعاملة وتواضع التراب باعث على رفعته

(والفرق الخامس) ان وسعة الحقيقة الجامعة باعتبار ظهور صور الاشياء فيها ووسعة المضغة التي تنكشف بعد تضيقها باعتبار سعتها للمطلوب الذي هو غير محدود وغير متناه وذلك التضيق دهليز تضيقها حيث انه مانع لدخول ما سوى المطلوب حتى لا يترك الذكر ان يدخل في سرادقات المذكور ولا يبقى شائبة الظلية ان تحوم حول ذلك الحريم المقدس (و أيضًا) ان وسعة الاولى لما كانت فيها شائبة الكيف لا تليق ان تكون مرآة للاكيفي وحيث كان للثانية نصيب من اللاكيفي لا تسع الكيفي والعجب انه يطرأ على هذا القلب بعد الرجوع للدعوة ظلمة وغبن ومن هنا قال سيد البشر عليه و على آله الصلوات و التسليمات انه ليغان على قلبي والى متى ابين الفرق ما للتراب ورب الارباب

(ايها الاخ) اياك وتخيل هذه المضغة قطعة لحم لا يعبأ ﺑﻬا فاﻧﻬا جوهرة نفسية مخزونة فيها خزائن عالم الخلق واسراره ومدفونة فيها دفائن عالم الامر وخفاياه مع زيادة معاملة خاصة منوطة ﺑﻬيئتها الوحدانية جعلت اجزاؤها العشرة اولا بالتصفية والتزكية والجذبة والسلوك والفناء والبقاء مزكاة ومطهرة وحررت عن دنس التعلقات بالسوى مثلا تخلص القلب من التقلب وبلغ مرتبة التمكين وخرجت النفس من ان تكون امارة الى فضاء الاطمئنان وامتنع الجزء الناري من البغي والعناد والطغيان وارتفع العنصر الترابي من الضعة وخسة الفطرة و على هذا القياس تخلص كل جزء من اجزائها من صفة الافراط والتفريط وحصل له وصف الاعتدال والتوسط وبعد ذلك كله ركبت تلك الجزاء بماء محض الفضل والكرم وجعلت شخصا معينا وسمي ذلك الشخص انسانا كاملا وعبر عن قلب ذلك الشخص الذي هو خلاصة مركز وجوده بالمضغة هذا هو حقيقة المضغة ظهرت في كسوة القيل والقال على مقياس العبارة والامر الى اللّه سبحانه

(فان قال) ناقص ان كل انسان مركب من هذه الاجزاء العشرة وان له هيئة وحدانية من تركب تلك الاجزاء

(نقول) نعم انه مركب من تلك الاجزاء ولكن تلك الاجزاء لم تكن مزكاة ومطهرة ولم تتخلص عن دنس تعلقات السوى الجذبة والسلوك بخلاف اجزاء الانسان الكامل فاﻧﻬا صارت طاهرة ونظيفة بالفناء والبقاء كما مر وحيث كانت تلك الجزاء متباينة و متمايزة في كل انسان ولكل جزء منها اجزاء متمايزة واحوال متغايرة لا يكون له نصيب من الهيئة الوحدانية بالضرورة فان كانت له هيئة فهي اعتبارية لا حقيقية بخلاف أجزاء الانسان الكامل فاﻧﻬا صارت ممتزجة ومختلطة بعدما خرجت من وصف التمايز والتباين وتقررت على حكم واحد بعد ما زالت عنها الأحكام المتمايزة والاحوال المتغايرة فتكون الهيئة الواحدانية فيه حقيقة بالضرورة لا اعتبارية كمعجون يجعل من الادوية المختلفة فانه بعد سحق اجزائه وخلط بعضه ببعض تثبت له هيئة واحدانية وتزول عنه الاحكام المتباينة ويعرض له حكم واحد فافهم واللّه سبحانه أعلم

(ايها الاخ) ان كل هذه الكمالات التي اثبتت للمضغة انما هي في مقام قاب قوسين وقد يتوهم هنا في الظاهر وصف من المظهر وان كان الظاهر هنا هو الاصل لا الظل الذي هو الصورة ولكن الشخص الظاهر في المرآة ليس بطاهر ومبرإ عن وصف المرآة فيثبت القوسان ووراء هذا المقام مقام او أدنى وهو الذي لم يأخذ فيه الظاهر وصفا من المظهر ولا يتخيل هناك امر زائد فيكون القوسان فيه مفقودين ولا يتصور فيه غير وصف واحد فانه المناسب لمقام او ادنى معاملة هذا المقام مغايرة لمعاملة مقام قاب قوسين ينبغي تقليب تمام الاوراق[ ١]

( ١ ) يعني اوراق عالم الامكان الذي هو احد القوسين فلا يبقى بعده الا قوس الوجوب وهو مقام او أدنى منه عفي عنه.

حتى يحمل الحمول من قاب قوسين الى او ادنى كلامنا اشارات ورموز وبشارات وكنوز واللّه الملهم و صلى اللّه تعالى على سيدنا محمد وصحبه وسلم وبارك.