Geri

   

 

 

İleri

 

٢٣٤

المكتوب الرابع والثلاثون والمائتان

إلى المخدوم الأعظم الشيخ محمد صادق قدس سره فى بيان حقيقة الواجب الوجود وحقائق الممكنات ومعنى من عرف نفسه ومعنى التجلى الذاتى ومعنى اللّه نور السموات وما يناسب ذلك من الأسئلة والأجوبة.

بسم اللّه الرحمن الرحيم أما بعد حمدا للّه المنزه عن المثال وصلاة نبيه الهادى فليعلم الولد الأرشد أن حقيقة الحق سبحانه وجود صرف لم ينضم إليه شئ غيره أصلا وذلك الوجود الصرف الذى هو حقيقة الحق سبحانه منشأ لجميع الخير والكمال ومبدأ لكل حسن وجمال وجزئى حقيقى بسيط لم يتطرق إليه تركيب أصلا لا ذهنا ولا خارجا وممتنع التصور بحسب الحقيقة ومحمول على الذات تعالت مواطأة لا اشتقاقا وأن لم يكن لنسبة الحمل فى ذلك الموطن مجال لأن جميع النسب ساقطة هناك والوجود العام المشترك من ظلال ذلك الوجود الخاص وهذا الوجود الظلى محمول على ذاته تعالى وتقدس وعلى سائر الأشياء على سبيل التشكيك اشتقاقا لا مواطأة والمراد بكون هذا الوجود ظل لذاك ظهور حضرة الوجود يعنى الخاص فى مراتب التنزلات والفرد الأولى والأقدم والأشرف من أفراد ذلك الظل محمول على ذاته تعالى اشتقاقا ففى مرتبة الأصالة يمكن أن نقول اللّه وجود لا أن نقول اللّه موجود وفى مرتبة الظل يصدق اللّه موجود لا اللّه وجودئ ولما قال الحكماء وطائفة من الصوفية بعينية الوجود ولم يطلعوا على حقيقة هذا الفرق ولم يميزوا الأصل من الظل أثبتوا كلا من الحمل المواطئ والحمل الاشتقاقى فى مرتبة واحدة فاحتاجوا فى تصحيح الحمل الاشتقاقى إلى تمحل وتكلف والحق ما حققت بإلهام اللّه سبحانه وهذه الأصالة والظلية كأصالة سائر الصفات الحقيقية وظليتها فإن حمل تلك الصفات فى مرتبة الأصالة التى هى موطن الإجمال وغيب الغيب بطريق المواطأة لا بطريق الاشتقاق فيمكن أن يقال اللّه علم ولا يمكن أن يقال اللّه عالم لأن الحمل الاشتقاقى لابد فيه من حصول المغايرة ولو بالاعتبار وهى مفقودة فى ذلك الموطن رأسا إذ التغاير لا يكون إلا فى مراتب الظلية ولا ظلية ثمة لأنه فوق التعين الأول بمراحل لأن النسب ملحوظة بطريق الإجمال فى ذلك التعين ولا ملاحظة لشئ من الأشياء بوجه من الوجوه فى ذلك الموطن والحمل الاشتقاقى صادق فى مرتبة الظل التى هى تفصيل ذلك الإجمال دون الحمل بالمواطأة ولكن عينية تلك الصفة فى تلك المرتبة فرع عينية وجودة تعالى الذى هو مبدأ جميع الخير والكمال ومنشأ كل حسن وجمال وكل محل من كتب هذا الفقير ورسائله فيه نفى عينية الوجود ينبغى أن يراد به الوجود الظلى الذى هو مصحح الحمل الاشتقاقى وهذا الوجود الظلى أيضا مبدأ للآثار الخارجية فالماهيات التى تتصف بذلك الوجود ينبغى أن تكون فى كل مرتبة من المراتب موجودات خارجية فأفهم فإنه ينفعك فى كثير من المواضع فتكون الصفات الحقيقية أيضا موجودات خارجية وتكون الممكنات أيضا موجودات فى الخارج

( أيها الولد ) اسمع سرا غامضا أن الكمالات الذاتية فى مرتبة حضرة الذات تعالت وتقدست عين حضرة الذات فصفة العلم مثلا فى ذلك الموطن عين حضرة الذات وكذلك القدرة والإرادة وسائر الصفات

( وأيضا ) أن حضرة الذات فى ذلك الموطن بتمامها علم وكذلك بتمامها قدرة لا أن بعض حضرة الذات علم وبعضا آخر منها قدرة فإن التبعض والتجزى محال هناك وهذه الكمالات كأنها منتزعات من حضرة الذات وعرض لها التفصيل فى حضرة العلم وحصل بينها التمييز مع بقاء حضرة الذات تعالت وتقدست على تلك الصرافة الإجمالية الوحدانية ولم يبق شئ فى ذلك الموطن غير داخل فى ذلك التفصيل وغير مميز بل جميع الكمالات التى كان كل واحد منها عين الذات ورد إلى مرتبة العلم واكتسبت هذه الكمالات التى كان كل واحد منها عين الذات ورد إلى مرتبة العلم واكتسبت هذه الكمالات المفصلة فى مرتبة ثانية وجودا ظليا وسميت باسم الصفات وحصل لها القيام بحضرة الذات التى هى أصلها والأعيان الثابتة عند صاحب الفصوص عبارة عن تلك الكمالات المفصلة التى اكتسبت وجودا علميا فى موطن العلم وحقائق الممكنات عند الفقير العدمات التى هى مبادى جميع الشر والنقص مع تلك الكمالات التى انعكست عليها وهذا الكلام يستدعى تفصيلا ينبغى الاستماع له بإذن العقل ( أرشدك اللّه ) أن العدم مقابل للوجود ونقيض له فيكون منشأ جميع الشر والنقص بالذت بل عين جميع الشر والفساد كما أن الوجود فى مرتبة الإجمال عين كل خير وكمال وكما أن الوجود فى موطن أصل الأصل غير محمول على الذات بطريق الاشتقاق كذلك العدم المقابل لذلك الوجود غير محمول على ماهية العدم بطريق الاشتقاق ولا يمكن أن يقال لتلك الماهية فى تلك المرتبة أنها معدومة بل هى عدم محض وفى مراتب التفصيل العلمى المتعلق بتلك الماهية العدمية تتصف جزئيات تلك الماهية بالعدم ويصدق عليها العدم بالحمل الاشتقاقى ومفهوم العدم الذى هو كالمنتزع من الماهية العدمية الإجمالية وكالظل لها يحمل على جميع أفرادها المفصلة بطريق الاشتقاق كما سيجئ ولما كان ذلك العدم فى مرتبة الإجمال عين كل شر وفساد وامتاز كل فرد من أفراد الشر والفساد فى علم اللّه سبحانه عن فرد آخر كما أن فى جانب الوجود كان حضرة الوجود فى مرتبة الإجمال عين كل خير وكمال وفى مرتبة التفصيل العلمى امتاز كل فرد من أفراد الكمال والخير من فرد آخر انعكس كل فرد من أفراد تلك الكمالات الوجودية على كل فرد من أفراد الكمال والخير من فرد آخر انعكس كل فرد من أفراد تلك الكمالات الوجودية على كل فرد من أفراد تلك النقائص العدمية التى هى فى مقابلتها فى مرتبة العلم وامتزجت صور كل منهما العلمية بالأخرى وتلك العدمات التى هى عبارة عن الشرور والنقائص مع تلك الكمالات المنعكسة عليها اللتان حصلا لهما فى مرتبة حضرة العلم التفصيل العلمى ماهيات الممكنات غاية ما فى الباب أن تلك العدمات كأصول تلك الماهيات وموادها وتلك الكمالات كالصور الحالة فيها فالأعيان الثابتة عند هذا الحقير عبارة عن تلك العدمات وتلك الكمالات اللتين امتزجت كل منهما بالأخرى والقادر المختار جل سلطانه صبغ تلك الماهية العدمية مع لوازمها ومع الكمالات الظلالية الوجودية المنعكسة عليها فى حضرة العلم المسماة بماهية الممكنات بصبغ الوجود الظلى فى وقت إرادة وجعلها موجودات خارجية ومبدأ للآثار الخارجية

( ينبغى ) أن يعلم أن جعل الصور العلمية التى هى عبارة عن الأعيان الثابتة الممكنة وماهياتها منصبغة يعنى بالوجود لا بمعنى خروج الصور العلمية من موطن العلم وحصول الوجود الخارجى لها فإن ذلك محال لاستلزامه الجهل له سبحانه تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا بل بمعنى أن الممكنات عرض لها الوجود فى الخارج على طبق تلك الصور العلمية وراء الوجود العلمى كما أن النجار يتصور فى ذهنه صورة السرير ثم يخترعها فى الخارج ففى هذه الصورة لا تخرج تلك الصورة الذهنية السريرية التى هى بمثابة الماهية للسرير من علم النجار بل عرض للسرير وجود فى الخارج على طبق تلك الصورة الذهنية فافهم

( اعلم ) أن كل عدم لما انصبغ بظل من ظلال الكمالات الوجودية المقابلة لها والمنعكسة عليها عرض له وجود وزينة فى الخارج بخلاف العدم الصرف فإنه لم يتأثر بهذه الظلال ولم يقبل لونا وصبغا وكيف يقبل اللون والصبغ فإنه ليس مقابلا لهذه الظلال فإن كانت له مقابلة فهى بحضرة الوجود الصرف تعالى وتقدس فالعارف التام المعرفة إذا نزل إلى مقام العدم الصرف بعد ترقيه على حضرة الوجود الصرف يحصل لهذا العدم أيضا بتوسله انصباغ بحضرة الوجود وتزين به وحسن فحينئذ يحصل لجميع مراتب إعدام هذا العارف التى هى فى الحقيقة مراتبه الذاتية الحسن والخيرية إجمالا وتفصيلا ويحصل لها الجمال والكمال وهذه الخيرية السارية فى جميع المراتب الذاتية مخصوصة بمثل هذا العارف فإن سرت الخيرية فى غيره فهى إما مقصورة على بعض المراتب التفصيلية من إعدامه الذاتية أو سارية فى جميع مراتبها التفصيلية على تفاوت الدرجات وهذا القسم الأخير أيضا نادر الوجود

وأما مرتبة إجمال العدم الذى هو عين كل شر ونقص فلم تحصل فيها رائحة من الخيرية لأحد سوى العارف المذكور ولا نوع من الحسن فيحصل لشيطان هذا العارف المتصف بالخيرية التامة أيضا حسن الإسلام وتصير نفسه الأمارة مطمئنة وراضية عن مولاها ومن ههنا قال سيد المرسلين عليه وعليهم الصلوات والتسليمات إلا أن شيطانى قد أسلم فإذا كان كذلك فلا يسبقه غاز فى عزوة أصلا ولا يدل مثل الشيطان على الخير أبدا سبحان اللّه أن المعارف التى تظهر من هذا الحقير من غير اختيار لو اجتمع الجم الغفير واجتهدوا فى تصورها لا يدرى يتيسر أولا ويشبه أن يكون الحظ الوافر من هذه المعارف نصيب حضرة المهدى الموعود عليه الرضوان ( شعر ).

ومتى أتى باب العجوز خليفة * إياك يا صاح ونتف سبالكا

فتبارك اللّه أحسن الخالقين والحمد للّه رب العالمين فتكون ذوات الممكنات عدمات انعكست عليها ظلال الكمالات الوجودية وزينتها فلا جرم تكون الممكنات مأوى كل شر وفساد وملاذ كل سوء ونقص وعناد وما فيها من الخير والكمال فهو عارية من حضرة الوجود الذى هو خير محض ومفاض عليها منه ما أصابك من حسنة فمن اللّه وما أصابك من سيئة فمن نفسك شاهد لهذا المعنى فإذا استولت رؤية كونه عارية على السالك بفضل اللّه جل سلطانه ورأى كمالاته من ذلك الطرف يجد نفسه شراً محضا ونقصا خالصا ولا يشاهد فى نفسه كمالا أصلا ولو بطريق الانعكاس ويكون كعريان لبس ثوب العارية واستولت عليه رؤية كونه عارية غاية الاستيلاء على نهج يعطى الثوب لصاحبه بالكلية فى التخيل فحينئذ يجد نفسه بالذوق عاريا ألبته وإن كان متلبسا بثوب العارية وصاحب هذه الرؤية مشرف بمقام العبدية الذى هو فوق جميع كمالات الولاية واجتماع الخير والشر والكمال والنقص الذى هو اجتماع الوجود والعدم فى الحقيقة ليس من قبيل اجتماع النقيضين الذى يعد محالا فإن نقيض الوجود الصرف هو العدم الصرف وهذه المراتب الظلية كما أنها تنزلت فى جانب الوجود من ذروة الأصل إلى حضيض التنزلات كذلك ترقت فى جانب العدم من حضيض صرافة العدم بل اجتماعها من قبيل اجتماع العناصر المتضادة المجتمعة بعد كسر السورة المضادة من كل منها فسبحان من جمع بين الظلمة والنور

( فإن قيل ) أنت حكمت فيما سبق بانصباغ العدم الصرف بالوجود الصرف الذى هو نقيضه فحصل إذا اجتماع النقيضين

( أقول ) أن المحال إنما هو اجتماع النقيضين فى محل واحد

وأما قيام أحد النقيضين بالآخر واتصافه به فليس ذلك بمحال كما قال أرباب المعقول أن الوجود معدوم واتصاف الوجود بالعدم ليس بمحال فعلى هذا لو كان العدم موجودا ومنصبغا بالوجود لم يكن محالا

( فإن قيل ) أن العدم من المعقولات الثانية وهى منافية للوجود الخارجى فكيف يتصف العدم بالوجود الخارجى

( أقول ) إن ما هو من المعقولات الثانية هو مفهوم العدم دون مصداقه فأى فساد فى اتصاف فرد من أفراد العدم بالوجود كما قال أرباب المعقول فى الوجود بطريق الاستشكال أن الوجود لا ينبغى أن يكون عين ذات واجب الوجود تعالى وتقدس لأن الوجود من المعقولات الثانية التى لا وجود لها فى الخارج وذات واجب الوجود تعالى موجودة فى الخارج فلا يكون عينها وقالوا فى جوابه أن ما هو من المعقولات الثانية هو مفهوم الوجود لا جزئياته فلا يكون جزئ من جزئياته منافيا للوجود الخارجى بل يمكن أن يكون موجودا فى الخارج

( فإن قلت ) قد علم من التحقيق السابق أن وجود الصفات الحقيقية إنما هو فى مرتبة الظلال

وأما فى مرتبة الأصل فلا وجود لها فيها وهذا الكلام مخالف لرأى أهل الحق شكر اللّه سعيهم فإنهم لا يجوزون انفكاك الصفات عن الذات أصلا ويقولون بامتناع انفكاكها عنها

( اجيب ) لا يلزم من هذا البيان جواز الانفكاك فإن ذلك الظل لازم الأصل فلا انفكاك غاية ا فى الباب أن العارف الذى قبلة توجهه أحدية الذات تعالت وتقدست لا يكون له شئ من الأسماء والصفات ملحوظا أصلا فيجد الذات فى ذلك الموطن ألبته ولا يكون شئ من الصفات ملحوظا له أصلا لا أن الصفات ليست بحاصلة فى ذلك الوقت فانفكاك الصفات من حضرة الذات إن ثبت ثبت باعتبار ملاحظة العارف لا باعتبار نفس الأمر حتى يكون مخالفا لما عليه أهل السنة

( وقد لاح ) من هذا البيان معنى من عرف نفسه فقد عرف ربه فإن الشخص إذا عرف نفسه بالشر والنقص وعرف أن ما فيه من الخير والكمال والحسن والجمال مستعار من واجب الوجود المقدس المتعال فقد عرف الحق سبحانه بالخير والكمال والحسن والجمال بالضرورة ( واتضح ) من هذه التحقيقات المعنى التأويلى لقوله تعالى اللّه نور السموات والأرض لأنه قد تبين أن الممكنات بأسرها عدمات وبإجمعها شر وظلمات وما فيها من الخير والكمال والحسن والجمال مفاض من حضرة الوجود الذى هو عين حضرة الذات تعالت وتقدست وعين كل خير وكمال فيكون نور السموات والأرضين هو حضرة الوجود الذى هو حقيقة الواجب تعالى وتقدس ولما كان ذلك النور فى السموات والأرض بتوسط الظلال أورد تمثيلا لذلك النور لرفع توهم من عسى يتوهم أنه بلا توسط حيث قال تعالى مثل نوره كمشكاة فيها مصباح الآية أيذانا بثبوت الوسائط وتفصيل تأويل هذه الآية الكريمة يثبت إنشاء اللّه تعالى فى محل آخر فإن المجال للكلام كثير هناك وهذا المكتوب لا يسع تفصيله ( وإنما ) قلنا المعنى التأويلى لقوله تعالى لأن المعنى التفسيرى مشروط بالنقل والسماع ولعلك سمعت من فسر القرآن برأيه فقد كفر وفى التأويل يكفى مجرد الاحتمال بشرط عدم مخالفته الكتاب والسنة فتقرر أن ذوات الممكنات وأصولها عدمات وصفاتهم النقائص والرذائل التى هى مقتضيات تلك العدمات وجدت بإيجاد القادر المختار جل سلطانه والصفات الكاملة فيهم مستعارة من ظلال كمالات حضرة الوجود تعالى وتقدس ظهرت فيهم بطريق الانعكاس ووجدت بإيجاد القادر المختار أيضا ومصداق حسن الأشياء وقبحها هو أن كلما هو ناظر إلى الآخرة ومعدلها فهو حسن وإن لم يكن مستحسنا فى الظاهر وكلما هو ناظر إلى الدنيا ومعد لأجلها فهو قبيح وإن كان حسنا فى الظاهر وظاهرا بالحلاوة والطراوة كالمزخرفات الدنياوية ولهذا منع فى الشريعة المصطفوية على صاحبها الصلاة والسلام والتحية من النظر والميل إلى حسن المرد والنساء الأجنبيات وتمنى المزخرفات الدنية فإن ذلك الحسن والطراوة من مقتضيات العدم الذى هو مأوى كل شر وفساد فلو كان منشأ هذا الحسن والجمال الكمالات الوجودية لما يمنع عنه إلا من جهة كون التوجه إلى الظل مع وجود الأصل مستهجنا ومستقبحا وهذا المنع منع استحسانى لا وجوبى بخلاف المنع السابق فالحسن الظاهر فى الظاهر الجميلة الدنيوية ليس هو من ظلال حسنه تعالى بل هو من لوازم العدم اكتسبه فى الظاهر بواسطة مجاورته الحسن وإلا فهو فى الحقيقة قبيح ناقص كسم مدسوس فى السكر ونجاسة مطلية بالذهب وإنما جوز التمتع بالنساء الجميلة المنكوحة والإماء الجميلة المملوكة بواسطة تحصيل الأولاد وإبقاء النسل المطلوب لبقاء نظام العالم فما ابتلى به بعض الصوفية من المظاهر الجميلة والنغمات المستحسنة بتخيل أن هذا الحسن والجمال مستعار من كمالات حضرة واجب الوجود تعالى وتقدس ظهر فى هذه المظاهر وزعمهم هذا الابتلاء حسنا ومتحسنا بل تصورهم إياه طريق الوصول ثبت عند هذا الحقير خلافه كما مرت نبذة فيما سبق والعجب أن بعضهم يورد هذا القول إياكم والمرد فإن فيهم لونا كلون اللّه سند المطلبه وكلمة كلون اللّه توقعهم فى الاشتباه ولا يدرون أن هذا القول مناف لمطلبهم ومؤيد لمعرفة هذا الدرويش لأنه ورد فيه كلمة التحذير منعا عن التوجه إليهم وبين منشأ الغلط بأن حسنهم مشابه لحسن الحق وجماله سبحانه لأحسنه تعالى لئلا يقعوا فى الغلط قال عليه الصلاة والسلام ما الدنيا والآخرة إلا ضرتان إن رضيت إحداهما سخطت الأخرى وفى الحديث أيضا تصريح بوجود المباينة والمناقضة بين حسن الآخرة وحسن الدنيا وبين جماليهما ومن المقرر أن الحسن الدنيوى غير مرضى والحسن الأخروى مرضى فيكون الشر لازم الحسن الدنيوى والخير لازم الحسن الأخروى فبالضرورة يكون منشأ الأول عدما ومنشأ الثانى وجودا نعم أن بعض الأشياء له وجه إلى الدنيا ووجه إلى الآخرة فهذا قبيح من الوجه الأول وحسن من الوجه الثانى وتمييزا ما بين هذين الوجهين وفرق ما بين حسنه وقبحه مفوض إلى علم الشريعة قال اللّه تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقد ورد فى الخبر أن اللّه سبحانه لم ينظر إلى الدنيا منذ خلقها لكونها مبغوضا عليها عنده سبحانه وكل ذلك بواسطة قبحها وشرها وفسادها التى هى من مقتضيات العدم الذى هو مأوى جميع الفساد وحسن الدنيا وجمالها وحلاوتها وطراوتها كل منها كالمطروح فى الطريق لا يستحق النظر إليه والمستحق للنظر إنما هو جمال الآخرة فإنه مرضى الحق سبحانه قال اللّه سبحانه شكاية من حالهم يريدون عرض الدنيا واللّه يريد الآخرة اللّهم صغر الدنيا فى أعيننا وكبر الآخرة فى قلوبنا بحرمة من افتخر بالفقر وتجنب عن الدنيا عليه وعلى آله أتم الصلوات وأكمل التسليمات ( والشيخ ) الأجل محيى الدين بن عربى قدس سره لما لم يقع نظره على حقيقة شر الممكنات ونقصها وقبحها جعل حقائق الممكنات الصورة العلمية الإلهية جل وعلا وقال أن تلك الصور انعكست على مرآة حضرة الذات التى لا يقول بوجود شئ غيرها فى الخارج فحصلت لها بسبب ذلك الانعكاس نموه يعنى ظهور خارجى ولا يرى هذه الصور العلمية غير صور شؤن الواجب وصفاته جل سلطانه فلا جرم حكم بوحدة الوجود وقال بعينية وجود الممكنات بوجود الواجب تعالى وتقدس وقال بنسبية الشر والنقص ونفى الشر المطلق والنقص المحض ومن ههنا لا يقول بوجود قبيح بالذات حتى أنه يقول أن قبح الكفر والضلالة إنما هو بالنسبة إلى الإيمان والهداية لا بالنسبة إلى ذاتهما بل يراهما عين الخير والصلاح ويحكم باستقامتهما بالنسبة إلى أربابهما ويجعل قوله تعالى ما من دابة إلى هو آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم شاهدا لهذا المعنى نعم إن من يحكم بوحدة الوجود لا يتحاشا من أمثال هذه الكلمات وما ظهر لهذا الفقير أن ماهيات الممكنات عدمات مع الكمالات الوجودية المنعكسة عليها والممتزجة بها كما مر مفصلا واللّه سبحانه يحق الحق وهو يهدى السبيل

( أيها الولد ) إن هذه العلوم والمعارف التى لم يتكلم بها أحد من أهل اللّه لا صريحا ولا إشارة من أشرف المعارف وأكمل العلوم برزت فى منصة الظهور بعد ألف سنة وكشفت عن وجه حقيقة الواجب تعالى وتقدس وحقائق الممكنات النقاب كما ينبغى ويحرى بحيث لا مخالفة فيها للكتاب والسنة ولا مباينة بينها وبين أقوال أهل الحق وكان المراد والمقصود من دعاء النبى صلى اللّه عليه وسلم الذى يشبه أن يكون صدوره عنه لتعليم الأمة حيث قال اللّهم أرنا حقائق الأشياء كما هى هو هذه الحقائق المبينة فى ضمن هذه العلوم المناسبة لمقام العبودية الدالة على الذل والإنكسار الملائم لحال العبيد وأى كمال وخير فى رؤية العبد نفسه عين مولاه القادر بل هى تنبئ عن كمال فقد الأدب

( أيها الولد ) إن هذا الوقت لوقت كان فى الأمم السابقة يبعث فى مثل هذا الوقت المملوء بالظلمة نبى من الأنبياء أولى العزم لإحياء الشريعة وتجديدها وفى هذه الأمة التى هى خير الأمم ونبيهم خاتم الرسل عليه وعلى آله الصلوات والتسليمات أعطى العلماء مرتبة أنبياء بنى إسرائيل واكتفى بوجود العلماء من وجود الأنبياء ولهذا يتعين على رأس كل مائة مجدد من علماء هذه الأمة لإحياء الشريعة وعلى الخصوص بعد مضى ألف سنة فإنه وقت بعثة نبى من الأنبياء أولى العزم فى الأمم السابقة وما كان يكتفى فيه بأى نبى كان ففى مثل هذا الوقت يلزم أن يكون عالم عارف تام المعرفة ليكون قائما مقام نبى من الأنبياء أولى العزم من الأمم السابقة ( شعر ).

لو جاء من فيض روح القدس من مدد * خلا المسيح ليصنع مثل ما صنعا

( أيها الولد ) إن المقابل للوجود الصرف هو العدم الصرف وقد سبق أن الوجود الصرف حقيقة واجب الوجود تعالى وتقدس وإنه عين كل خير وكمال وأن لم يكن لملاحظة هذه العينية هناك مجال ولو على سبيل الإجمال لوجود شائبة الظلية فيها والعدم الصرف الذى هو مقابل الوجود الصرف لم يتطرق إليه شئ من النسبة والإضافة وعين كل شر ونقص وإن لم يكن لهذه العينية فيه أيضا مجال لوجود رائحة الإضافة فيها ومن المعلوم أن ظهور الشئ على الوجه الأتم إنما يتصور فى مقابله الحقيقى والأشياء إنما نتبين بضدها فبالضرورة يحصل ظهور الوجود على الأتم فى مرآة العدم الصرف ومن المقرر أن النزول على قدر العروج فمن تحقق عروجه بعناية اللّه سبحانه إلى حضرة الوجود يكون نزوله بالضرورة إلى العدم المقابل له لكن وقت العروج الذى فيه استهلاك العارف الجهل لازم له ووقت النزول الذى هو متحقق بالصحو يكون متصفا بالعلم والمعرفة لكونه مقامه وفى مقام الصحو يتشرف بالتجلى الذاتى الذى هو مبرأ عن شائبة الظلية ومنزه عن ملاحظة الشئون والاعتبارات الذاتية ويكون معلوما له أن جميع التجليات التى قبله كانت فى حجب ظل من ظلال الأسماء والصفات والشئون والاعتبارات وأن اعتقد العارف أنها بلا ملاحظة الأسماء والصفات والشئون والاعتبارات وعدها تجليات وجودية صرفة سبحان اللّه أن هذا العدم الذى هو مأوى كل شر ونقص قد اكتسب الحسن بواسطة ظهور حضرة الوجود فيه ظهورا تاما ونال ما لم ينله أحد وصار القبيح لذاته بواسطة الحسن العارض مستحسنا والنفس الأمارة الإنسانية التى هى مائلة بالذات إلى الشر فيها مناسبة من بين الكل لهذا العدم ولهذا صارت فائقة على الكل فى التجلى الخاص وسابقة للكل فى الترقى والاختصاص ( ع )

أحق الخلق بالكرم العصاة *

( ينبغى ) أن يعلم أن العارف التام المعرفة إذا نزل بعد طى مقامات العروج ومراتب النزول تفصيلا إلى مقام العدم الصرف وحصلت له مرءآتية حضرة الوجود يظهر فيه جميع الكمالات الأسمائية والصفاتية ويظهر جميعها تفصيلا مع لطائف كان مقام الإجمال متضمنا لها * وهذه الدولة لا تتيسر لغيره وتلك المرءآتية لباس فاخر مخيط على مقدار قده وصور هذا التفصيل وإن كانت ثابتة فى خزانة الحضرة العلمية ولكنها مرءأتية فى حضرة العلم ومرءآتية هذا العارف فى مرتبة الخارج حيث أظهر جميع الكمالات فى الخارج

( فإن قيل ) ما معنى كون العدم مرءآة فإنه لا شئ محض فبأى اعتبار قيل له أنه مرءآة للوجود

( أجيب ) أن العدم باعتبار الخارج لا شئ محض

وأما فى العلم فقد عرض له فيه امتياز بل حصل له وجود علمى أيضا عند مثبتى الوجود الذهنى وقيل له مرءآة الوجود باعتبار أن كلما يثبت من الشر والنقص فى مرتبة العدم يكون مسلوبا عن الوجود الذى هو نقيضه ألبته وكل كمال يكون مسلوبا عن مرتبة العدم يكون مثبتا فى حضرة الوجود فلا جرم كان العدم سببا لظهور الكمالات الوجودية ولا معنى للمرءآتية إلا هذا فافهم فإنه ينفعك واللّه سبحانه الملهم

( أيها الولد ) إن هذه المعارف المحررة نرجو أن تكون من الإلهامات الرحمانية التى لا يكون للوساوس الشيطانية فيها مجال والدليل على صدق هذا المعنى أنى لما كنت متصديا لتحرير هذه العلوم ملتجئا إلى جناب قدسه تعالى رأيت كأن الملائكة الكرام على نبينا وعليهم الصلاة والسلام يطردون الشياطين ويدفعونهم عن نواحى هذا المقام ولا يتركونهم يحومون حول هذا المكان واللّه سبحانه أعلم بحقيقة الحال

( ولما كان ) إظهار النعم الجزيلة من أعظم المحامد الجميلة تجاسرت على إظهار هذه النعمة العظمى والمرجو أن يكون مبرأ من مظنة العجب وكيف يكون فيه للعجب مجال والحال أن نقصى وقبحى الذاتيين نصب العين فى كل وقت بعناية اللّه سبحانه والكمالات كلها منسوبة إليه تعالى الحمد للّه رب العالمين أولا وآخرا والصلاة والسلام على رسوله دائما وسرمدا وعلى آله الكرام وأصحابه العظام والسلام على سائر من اتبع الهدى والتزم متابعة المصطفى عليه وعلى آله الصلاة والسلام .