Geri

   

 

 

İleri

 

 مسألة ١٢

 مسألة في تعجيزهم عن إقامة الدليل على أنه يعرف ذاته أيضاً 

فنقول: المسلمون لما عرفوا حدوث العالم بإرادته استدلوا بالإرادة على العلم ثم بالإرادة والعلم جميعاً على الحياة ثم بالحياة على أن كل حي يشعر بنفسه وهو حي فيعرف ذاته فكان هذا منهجاً معقولاً في غاية المتانة.

وأما أنتم فلا

فأما أنتم فإذا نفيتم الإرادة والإحداث وزعمتم أن ما يصدر منه يصدر بلزوم على سبيل الضرورة والطبع فأي بعد أن تكون ذاته ذاتاً من شأنها أن يوجد منه المعلول الأول فقط ثم يلزم المعلول الأول المعلول الثاني إلى تمام ترتيب الموجودات ولكنه مع ذلك لا يشعر بذاته كالنار يلزم منها السخونة والشمس يلزم منها النور ولا يعرف واحد منهما ذاته كما لا يعرف غيره بل ما يعرف ذاته يعرف ما يصدر منه فيعرف غيره. وقد بينا من مذهبهم أنه لا يعرف غيره وألزمنا من خالفهم في ذلك موافقتهم بحكم وضعهم وإذا لم يعرف غيره لم يبعد أن لا يعرف نفسه.

قولهم: يكون الأول ميتاً!

فإن قيل: كل من لا يعرف نفسه فهو ميت فكيف يكون الأول ميتاً

قولنا: إن نفيت الصفات من الأول فما حاجته إلى معرفة نفسه

قلنا: فقد لزمكم ذلك على مساق مذهبكم إذ لا فصل بينكم وبين من قال: كل من لا يفعل بإرادة وقدرة واختيار ولا يسمع ولا يبصر فهو ميت ومن لا يعرف غيره فهو ميت. فإن جاز أن يكون الأول خالياً عن هذه الصفات كلها فأي حاجة به إلى أن يعرف ذاته فإن عادوا إلى أن كل بريء عن المادة عقل بذاته فيعقل نفسه فقد بينا أن ذلك تحكم لا برهان عليه.

قولهم: الحي أشرف من الميت

فإن قيل: البرهان عليه أن الموجود ينقسم إلى حي وإلى ميت والحي أقدم وأشرف من الميت والأول أقدم واشرف فليكن حياً وكل حي يشعر بذاته إذ يستحيل أن يكون في معلولاته الحي هو لا يكون حياً.

قولنا: لم يستحيل كون المعلول أشرف من العلة

قلنا: هذه تحكمات فإنا نقول: لم يستحيل أن يلزم مما لا يعرف نفسه ما يعرف نفسه بالوسائط الكثيرة أو بغير واسطة فإن كان المحيل لذلك كون المعلول أشرف من العلة فلم يستحيل أن يكون المعلول أشرف من العلة وليس هذا بديهياً فيكون شرفه لا في معرفة الذات بل في كونه مبدأ لذوات المعرفة ثم بم تنكرون أن شرفه في أن وجود الكل تابع لذاته لا في علمه الدليل عليه أن غيره ربما عرف أشياء سوى ذاته ويرى ويسمع وهو لا يرى ولا يسمع. ولو قال قائل: الموجود ينقسم إلى البصير والأعمى والعالم والجاهل فليكن البصير أقدم وليكن الأول بصيراً وعالماً بالأشياء. لكنكم تنكرون ذلك وتقولون: ليس الشرف في البصر والعلم بالأشياء بل في الاستغناء عن البصر والعلم وكون الذات بحيث يوجد منه الكل فيه العلماء وذوو الأبصار. فكذلك لا شرف في معرفة الذات بل في كونه مبدأ لذوات المعرفة وهذا شرف مخصوص به. الخاتمة ليس هناك دليل على تلك الأمور إن لم تؤخذ إلا من نظر العقل فبالضرورة يضطرون إلى نفي علمه أيضاً بذاته إذ لا يدل على شيء من ذلك سوى الإرادة ولا يدل على الإرادة سوى حدث العالم. وبفساد ذلك يفسد هذا كله على من يأخذ هذه الأمور من نظر العقل. فجميع ما ذكروه من صفات الأول أو نفوه لا حجة لهم عليها إلا تخمينات وظنون تستنكف الفقهاء منها في الظنيات. ولا غرو لو حار العقل في الصفات الإلهية ولا عجب إنما العجب من عجبهم بأنفسهم وبأدلتهم ومن اعتقادهم أنهم عرفوا هذه الأمور معرفة يقينية مع ما فيها من الخبط الخبال.