٤ -خاتمةفي السرقات الشعرية وما يتصل بها وغير ذلك اتفاق القائلين ان كان في الغرض على العموم كالوصف بالشجاعة والسخاء فلا يعد سرقة لتقرره العقول والعادات وان كان في وجه الدلالة كالتشبيه والمجاز والكناية وكذكر هيئات تدل على الصفة لاختصاصها بمن هي له كوصف الجواد بالتهلل عند ورود العفاة و البخيل بالعبوس مع سعة ذات اليد فان اشترك الناس في معرفته لاستقراره فيهما كتشبيه الشجاع بالاسد والجواد بالبحر فهو كالاول والا جاز ان يدعى فيه السبق والزيادة وهو ضربان خاصى في نفسه غريب و عامى تصرف فيه بما اخرجه من الابتذال إلى الغرابة كما مر فالاخذ والسرقة نوعان ظاهر وغير ظاهر اما الظاهر فهو ان يؤخذ المعنى كله اما وحده فان اخذ اللفظ كله من غير تغيير لنظمه فهو مذموم لانه سرقة محضة ويسمى نسخا وانتحالا كما حكى عن عبد اللّه بن الزبير انه فعال ذلك بقول معن ابن اوس إذا انت لم تنصف اخاك وجدته، على طرف الهجران ان كان يعقل ويركب حد السيف من ان تضيمه، إذا لم يكن عن شفرة السيف مزحل وفى معناه ان يبدل بالكلمات كلها أو بعضها ما يرادفها وان كان مع تغيير لنظمه أو اخذ بعض اللفظ سمى اغارة ومسخا فان كان الثاني ابلغ لاختصاصه بفضيلة فممدوح كقول بشار من راقب الناس لم يظفر بحاجة وفاز بالطيبات الفاتك اللّهج وقول سلم من راقب الناس مات هما وفاز باللذة الجسور وان كان الثاني دونه فهو مذموم كقول ابى تمام هيهات لا يأتي الزمان بمثله * ان الزمان بمثله لبخيل وقول ابى الطيب اعدى الزمان سخاؤه فسخا به ولقد يكون به الزمان بخيلا وان كان مثله فابعد من الذم والفضل للاول كقول ابى تمام لو حار مرتاد المنية لم يجد، الا الفراق على النفوس دليلا وقول ابى الطيب لو لا مفارقة الاحباب ما وجدت، لها المنايا إلى ارواحنا سبلا واخذ المعنى وحده سمى الماما وسلخا وهو ثلاثة اقسام كذلك اولها كقول ابى تمام هو الصنع ان تعجل فخير وان ترث، فالريث في بعض المواضع أنفع وقول ابى الطيب ومن الخير بطوء سيبك عنى، اسرع السحب في المسير الجهام وثانيها كقول البحترى وإذا تألق في الندى كلامه المصقول خلت لسانه من عضبه وقول ابى الطيب كأن السنهم في النطق قد جعلت * على رماحهم في الطعن خرصانا وثالثها كقول الاعرابي ولم يك اكثر الفتيان مالا، ولكن ارحبهم ذراعا وقول الشجع ليس باوسعهم في الغنى ولكن معروفه اوسع واما غير الظاهر فمنه ان يتشابه المعنيان كقول جرير فلا يمنعك من ارب لحاهم الرجال سواء ذو العمامة والخمار وقول ابى الطيب ومن في كفه منهم قناة * كمن في كفه منهم خضاب ومنه ان ينقل المعنى إلى محل آخر كقول البحترى سلبوا واشرقت الدماء عليهم، محمرة فكأنهم لم يسلبوا وقول ابى الطيب يبس النجيع عليه وهو مجرد عن غمده فكأنما هو مغمد ومنه ان يكون معنى الثاني اشمل كقول جرير إذا غضبت عليك بنو تميم، وجدت الناس كلهم غضابا وقول ابى نؤاس ليس من اللّه بمستنكر * ان يجمع العالم في واحد ومنه القلب وهو ان يكون معنى الثاني نقيض معنى الاول كقول ابى الشيص اجد الملاملة في هواك لذيذة * حبا لذكرك فليلمنى اللوم وقول ابى الطيبء احبه واحب فيه ملامة، ان الملامة فيه من اعدائه ومنه ان يؤخذ بعض المعنى ويضاف إليه ما يحسنه كقول الافوه وترى الطير على آثارنا، راى عين ثقة ان ستمار وقول ابى تمام وقد ظللت عقبان اعلامه ضحى، بعقبان طير في الدماء نواهل اقامت مع الرايات حتى كلها من الجيش الا انها لم تقاتل، فان ابا تمام لم يلم بشئ من معنى قول الافوه راى عين ولا قوله ثقة ان ستمار لكن زاد عليه بقوله الا انها لم تقاتل وبقوله في الدماء نواهل وباقامتها مع الرايات حتى كأنها من الجيش وبها تيم حسن الاول واكثر هذه الانواع ونحوها مقبولة بل منها ما يخرجه حسن التصرف من قبيل الاتباع إلى حيز الابتداع وكل ما كان اشد خفاء الاول كان قرب إلى القبول هذا كله إذا علم ان الثاني اخذ من الاول لجواز ان يكون الاتفاق من قبيل توارد الخواطر على سبيل الاتفاق من غير قصد إلى الاخذ فإذا لم يعلم قيل قال فلان كذا وقد سبقه إليه فلان فقال كذا ومما يتصل بهذا القول في الاقتباس والتضمين والعقد والحل والتلميح ٤-١الاقتباس اما الاقتباس فهو ان يضمن الكلام شيئا من القرآن أو الحديث لا على انه منه قال النبي عليه السلام كقول الحريري فلم يكن الا كلمح البصر أو هو اقرب حتى انشد واغرب، قول الاخر ان كنت ازمعت على هجرنا، من غير ما جرم فصبر جميل، وان تبدلت بنا غيرنا، فحسبنا اللّه ونعم الوكيل و قول الحريري قلنا شاهت الوجوه روى وقبح اللكع و من يرجوه و قول ابن عباد قال لى ان رقيبي سئ الخلق فداره، قلت دعني وجهك الجنة حفت بالمكاره وهو ضربان ما لم ينقل فيه المقتبس عنه معناه الاصلى كما تقدم و خلافه كقوله لئن اخطأت في مدحك ما اخطأت في منعى، لقد انزلت حاجاتي بواد غير ذى زرع قوله تعالى ربنا انى اسكنت من ذريتي بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ولا بأس بتغيير يسير للوزن أو غيره كقوله قد كان ما خفت ان يكونا، انا إلى إليه راجعونا ٤-٢التضمين واما التضمين فهو ان يضمن الشعر شيئا من شعر الغير مع التنبيه عليه ان لم يكن ذلك مشهورا عند البلغاء كقوله على انى سأنشد عند بيعي، اضاعوني واى فتى اضاعوا واحسنه ما زاد على الاصل الاول بنكتة كالتورية والتشبيه في قوله إذا الوهم ابدى لى لماها وثغرها، تذكرت ما بين العذيب وبارق ويذكرني من قدها ومدامعي، مجر عوالينا ومجرى السوابق ولا يضر التغيير اليسير وربما سمى تضمين البيت فيما زاد على البيت استعانة وتضمين المصراع فما دونه ايداعا ورفوا ٤-٣العقد واما العقد فهو ان ينظم نثرا لا على طريق الاقتباس كقوله ما بال من اوله نطفة، وجيفة آخره يفخر عقد قول على رضى اللّه عنه وما لابن آدم الفخر وانما اوله نطفة وآخره جيفة ٤-٤الحل واما الحل فهو ان ينثر نظما كقول بعض المغاربة فانه لما قبحت فعلاته وحنظلت نخلاته لم يزل سوء الظن يقتاده ويصدق توهمه الذى يعتاده حل قول أي الطيب إذا ساء فعل المرء سائت ظنونه * وصدق ما يعتاده من توهم يشكو سيف الدولة واستماعه لقول اعدائه ٤-٥التلميح واما التلميح فهو ان يشار إلى قصة أو شعر من غير ذكره كقوله فواللّه ما ادرى أحلام نائم، المت بنا اما كان في الركب يوشع اشارة إلى قصة يوشع عليه السلام واستيقافه الشمس وكقوله لعمرو مع الرمضاء والنار أو تلتظى ارق واخفى منك في ساعة الكرب، اشار إلى البيت المشهور المستجير بعمر وعند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار فصلينبغى للمتكلم ان يتأنق في ثلاثة مواضع من كلامه حتى تكون واحسن سبكا واصح معنى احدها الابتداء كقوله قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل و كقوله: قصر عليه تحية وسلام * خلعت عليه جمالها الايام و ان يجتنب في المديح مما يتظير به كقوله موعدا حبابك بالفرقة غد واحسنه ما ناسب المقصود ويسمى براعة الاستهلال كقوله في التهنئة: بشرى فقد أنجز الاقبال ما وعدا وقوله في المرثية هي الدنيا تقول بملء فيها حذار حذار من بطشي وفتكي وثانيها التخلص مما شبب الكلام به من تشبيب وغيره إلى المقصود مع رعاية الملائمة بينهما كقوله يقول في قومس قومي وقد اخذت منا السرى وخطا المهرية القود امطلع الشمس تبغى ان تؤم بنا فقلت كلا ولكن مطلع الجود وقد ينتقل منه أو إلى ما لا يلائمه ويسمى الاقتضاب وهو مذهب العرب الجاهلية ومن يليهم من المخضرمين كقوله لو رأى اللّه ان في الشيب خيرا، جاورته الابرار في الخلد شيبا كل يوم تبدى صروف الليالى، خلقا من أبى سعيد غريبا ومنه ما يقرب من التخلص كقولك بعد حمد اللّه اما بعد قيل وهو فصل الخطاب وكقوله تعالى هذا وان للطاغين لشر مآب أي الامر هذا أو هذا كما ذكر مثل قوله تعالى هذا ذكر وان للمتقين لحسن مآب ومنه قول الكاتب هذا باب وثالثها الانتهاء كقوله وانى جدير إذ بلغتك بالمنى وانت بما املت منك جدير، فان تولني منك الجميل فاهله والا فاني عاذر وشكور واحسنه ما اذن بانتهاء الكلام كقوله بقيت بقاء الدهر يا كهف اهله، وهذا دعاء للبرية شامل وجميع فواتح السور وخواتمها واردة على أحسن الوجوه وأكملها يظهر ذلك بالتامع مع التذكر لما تقدم ٠ |