٣- باب دعاءِ الإِنسان وتوسّله بصالحِ عملهِ إلى اللّه تعالى ١/١٠٣٧ روينا في صحيحي البخاري ومسلم، حديث أصحاب الغار، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: سمعتُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "انْطَلَقَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كان قَبْلَكُمْ حتَّى آوَاهُمُ المَبيتُ إلى غارٍ فَدَخَلُوهُ، فانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغارَ، فَقالُوا: إنَّهُ لا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إلاَّ أنْ تَدْعُوا اللّه تَعالى بصَالحِ أعْمالِكُمْ. قالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: اللّهمَّ إنَّهُ كانَ لي أَبوانِ شَيْخانِ كَبِيرَانِ، وكُنْتُ لا أُغْبِقُ قَبْلَهُما أهْلاً وَلا مالاً". وذكر تمام الحديث الطويل فيهم، وأن كلَّ واحد منهم قال في صالح عمله: "اللّهمَّ إنْ كُنْتُ قَدْ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ" فانفرج في دعوة كلِّ واحدٍ شيءٌ منها وانفرجتْ كلُّها عقب دعوة الثالث "فخرجوا يمشون" (٤٤) قلتُ: أُغبق بضم الهمزة وكسر الباء: أي أسقي. وقد قال القاضي حسين من أصحابنا وغيره في صلاة الاستسقاء كلاماً معناه: أنه يُستحبّ لمن وقعَ في شدّة أن يدعوَ بصالح عمله، واستدلوا بهذا الحديث، وقد يُقال في هذا شيء: لأن فيه نوعاً من ترك الافتقار المطلق إلى اللّه تعالى، ومطلوبُ الدعاء الافتقار، ولكن ذكرَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم هذا الحديث ثناءً عليهم، فهو دليلٌ على تصويبه صلى اللّه عليه وسلم، وباللّه التوفيق. فصل: ومن أحسن ما جاءَ عن السلف في الدعاء؛ما حُكي عن الأوزاعيّ رحمه اللّه تعالى قال: خرج الناسُ يستسقون، فقام فيهم بلالُ بن سعد، فحمدَ اللّه تعالى وأثنى عليه ثم قال: يا معشر مَن حضر! ألستم مقرِّين بالإِساءة؟ قالوا: بلى، فقال: اللّهمّ إنّا سمعناك تقول: {ما عَلى المحْسِنِين مِنْ سَبيلٍ} [التوبة: ٩١] وقد أقررنا بالإِساءة، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا؟ اللّهمّ اغفرْ لنا وارحمنا واسقنا، فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسُقوا. وفي معنى هذا أنشدوا: أنا المُذْنبُ الخَطَّاءُ والعفوُ واسعٌ * ولو لم يكنْ ذنبٌ لما وقعَ العَفْوُ |