Geri

   

 

 

İleri

 

 ٢ القسم الثاني من الكتاب في الحكم

ويفتقر إلى الحاكم وهو اللّه تعالى لا العقل على ما مر في باب الأمر

والمحكوم به وهو فعل المكلف والمحكوم عليه وهو المكلف ونورد الأبحاث في ثلاثة أبواب باب في الحكم

اعلم أني اخترعت تقسيما حاصرا على وفق مذهبنا

(٢/٢٥٣)

وعلى ما هو المذكور في كتبنا من الأقسام المتفرقة وهو قسمان

إما أن لا يكون حكما بتعلق شيء بشيء آخر أو يكون كالحكم بأن لهذا ركن ذلك أو سببه أو نحو ذلك

اعلم أن المراد بالتعلق تعلق زائد على التعلق بالحكم والمحكوم عليه والمحكوم به ككون الشيء ركنا لشيء أو علة أو شرطا فإن هذا التعلق بالحكم ونحوه حاصل في جميع الأحكام

أما القسم الأول

فإما أن يكون صفة لفعل المكلف كالوجوب والحرمة وأمثالهما فإنها صفات لفعل المكلف أو أثرا له

الثاني كالملك فإن الملك هو أثر لفعل المكلف وما يتعلق به كملك المتعة وملك المنفعة وثبوت الدين في الذمة

والأول

إما أن يعتبر فيه المقاصد الدنيوية اعتبارا أوليا أو الأخروية فإن صحة العبادة كونها بحيث توجب تفريغ الذمة فالمعتبر في مفهومها اعتبارا أوليا إنما هو المقصود الدنيوي وهو تفريغ الذمة وإن كان يلزمها الثواب مثلا وهو المقصود الأخروي لكنه غير معتبر في مفهومه اعتبارا أوليا والوجوب كون الفعل بحيث لو أتى به يثاب ولو تركه يعاقب فالمعتبر في مفهومه اعتبارا أوليا هو المقصود الأخروي وإن كان يتبعه المقصود الدنيوي كتفريغ الذمة ونحوه

أما الأول أي الذي يعتبر فيه

(٢/٢٥٤)

المقاصد الدنيوية

فالمقصود الدنيوي في العبادات تفريغ الذمة وفي المعاملات الاختصاصات الشرعية فكون الفعل موصلا إلى المقصود الدنيوي يسمى صحة وكونه بحيث لا يوصل إليه أصلا يسمى بطلانا وكونه بحيث يقتضي أركانه وشرائطه الإيصال إليه لا أوصافه الخارجية يسمى فسادا ثم في المعاملات أحكام أخر منها الانعقاد وهو ارتباط أجزاء التصرف شرعا فالبيع الفاسد منعقد لا صحيح ثم النفاذ وهو ترتب الأثر عليه كالملك فبيع الفضولي منعقد لا نافذ ثم اللزوم كونه بحيث لا يمكن رفعه

(٢/٢٥٥)

(٢/٢٥٦)

وأما الثاني أي ما يعتبر فيه المقاصد الأخروية فإما أن يكون حكما أصليا أي غير مبني على أعذار العباد أو لا يكون

أما الأول وهو الحكم الأصلي فإن كان الفعل أولى من الترك مع منعه أي مع منع الترك فإن كان هذا أي كون الفعل أولى من الترك مع منع الترك بدليل قطعي فالفعل فرض وبظني واجب وبلا منعه فإن كان الفعل طريقة مسلوكة في الدين

(٢/٢٥٧)

فسنة وإلا فنفل ومندوب وإن كان على العكس أي إن كان الترك أولى من الفعل مع منع الفعل فحرام وبلا منعه فمكروه وإن استويا فمباح

فالفرض لازم علما وعملا حتى يكفر جاحده والواجب لازم عملا لا علما فلا يكفر جاحده بل يفسق إن استخف بأخبار الآحاد الغير المؤولة

وأما مؤولا فلا ويعاقب تاركهما أي تارك الفرض والواجب إلا أن يعفو اللّه

والشافعي رحمه اللّه تعالى لم يفرق بين الفرض والواجب والتفاوت بين الكتاب وخبر الواحد في أن الكتاب نقل بطريق التواتر وخبر الواحد لم ينقل كذلك يوجب التفاوت بين مدلوليهما فيكون الحكم الذي دل عليه محكم الكتاب ثابتا يقينا والحكم الذي دل عليه محكم خبر الواحد ثابتا بغلبة الظن

وقد يطلق الواجب عندنا على المعنى الأعم أيضا أي أعم من الفرض والواجب بالتفسير المذكور وهو أن يكون الفعل أولى من الترك مع منع الترك أعم من أن يكون هذا المعنى بالمعنى القطعي أو الظني فيصح أن يقال صلاة الفجر واجبة

والسنة نوعان سنة الهدى وتركها يوجب إساءة وكراهية كالجماعة والآذان والإقامة ونحوها وسنة الزوائد وتركها لا يوجب ذلك كسنن النبي عليه الصلاة والسلام في لباسه وقيامه وقعوده والسنة المطلقة تطلق على طريقة النبي عليه الصلاة والسلام عند الشافعي رحمه اللّه تعالى

وعندنا تقع على غيره أيضا فإن السلف كانوا يقولون سنة العمرين والنفل ما يثاب فاعله ولا يسيء تاركه وهو دون سنن الزوائد وهو الضمير يرجع إلى النفل لا يلزم بالشروع عند الشافعي رحمه اللّه تعالى لأنه مخير فيما لم يفعله بعد فله إبطال ما أداه تبعا

وعندنا يلزم أي النفل بالشروع لقوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم ولأن ما أداه صار للّه تعالى فوجب صيانته ولا سبيل إليها أي إلى صيانة ما أداه إلا بلزوم الباقي فالترجيح بالمؤدى أولى من العكس لأن العبادة مما يحتاط فيها ولما وجب صيانة ما صار للّه تعالى تسمية وهو النذر فما صار فعلا أولى أي

(٢/٢٥٨)

صيانة ما صار للّه تعالى فعلا أولى بالوجوب

وقوله فعلا نصب على التمييز وكذا قوله تسمية ويجوز أن ينصب تسمية وفعلا على الحال تقديره حال كونه مسمى وحال كونه مفعولا

(٢/٢٥٩)

(٢/٢٦٠)

(٢/٢٦١)

والحرام يعاقب على فعله وهو

إما حرام لعينه أي منشأ الحرمة عين ذلك الشيء كشرب الخمر وأكل الميتة ونحوهما

وإما حرام لغيره كأكل مال الغير والحرمة هنا ملاقية لنفس الفعل لكن المحل قابل له

وفي الأول أي في الحرام لعينه قد خرج المحل عن قبول الفعل فعدم الفعل لعدم المحل فيكون المحل هناك أي في الحرام لعينه أصلا والفعل تبعا فتنسب الحرمة إلى المحل لتدل على عدم صلاحيته للفعل لا أنه أطلق المحل ويقصد به الحال كما في الحرام لغيره ففي الحرام لغيره إذا قيل هذا الخبز حرام يكون مجازا بإطلاق اسم المحل على الحال أي أكله حرام وإذا قيل الميتة حرام فمعناه أنها منشأ الحرمة لا أنها

(٢/٢٦٢)

ذكر المحل وقصد به الحال فالمجاز ثمة في المسند إليه وهنا في المسند وهو قوله حرام إذا أريد به منشأ الحرمة

والمكروه نوعان مكروه كراهة تنزيه وهو إلى الحل أقرب ومكروه كراهة تحريم وهو إلى الحرمة أقرب وعند محمد لا بل هذا الإشارة ترجع إلى المكروه كراهة تحريم حرام لكن بغير القطعي كالواجب مع الفرض

وأما الثاني المراد بالثاني أن لا يكون حكما أصليا أي يكون مبنيا على أعذار العباد فيسمى رخصة وما وقع من القسم الأول أي الذي هو حكم أصلي في مقابلتها أي في مقابلة الرخصة يسمى عزيمة وهي

إما

(٢/٢٦٣)

فرض الضمير يرجع إلى العزيمة أو واجب أو سنة أو نفل لا غير

والرخصة أربعة أنواع نوعان من الحقيقة

أحدهما أحق بكونه رخصة من الآخر ونوعان من المجاز

أحدهما أتم في المجازية من الآخر أي نوعان يطلق عليهما الرخصة حقيقة ثم

أحدهما أحق بكونه رخصة من الآخر ونوعان يطلق عليهما اسم الرخصة مجازا لكن أحدهما أتم في المجازية أي أبعد من حقيقة الرخصة من الآخر

(٢/٢٦٤)

(٢/٢٦٥)

أما الأول أي الذي هو رخصة حقيقة وهو أحق بكونه رخصة من الآخر فما استبيح مع قيام المحرم والحرمة كإجراء كلمة الكفر مكرها أي بالقتل أو القطع فإن حرمة الكفر قائمة أبدا لأن المحرم للكفر وهو الدلائل الدالة على وجوب الإيمان قائمة فتكون حرمة الكفر قائمة أبدا أيضا لكن حقه أي حق العبد يفوت صورة له ومعنى وحق اللّه تعالى لا يفوت معنى لأن قلبه مطمئن بالإيمان فله أن يجري على لسانه وإن أخذ بالعزيمة وبذل نفسه حسبة في دينه فأولى وكذا الأمر بالمعروف وأكل مال الغير والإفطار ونحوه من العبادات أي إذا أكره على أكل مال الغير أو على الإفطار في رمضان أو أكره على ترك الصلاة ونحوها ففي هذه الصور له أن يعمل بالرخصة حقيقة لكن إن أخذ بالعزيمة وبذل نفسه فأولى

والثاني أي الذي هو رخصة حقيقة لكن

الأول أحق منه بكونه رخصة ما استبيح مع قيام المحرم دون الحرمة كإفطار المسافر فإن المحرم للإفطار وهو شهود الشهر قائم لكن حرمة الإفطار غير قائمة رخص بناء على سبب تراخي حكمه فالسبب شهود الشهر والحكم وجوب الصوم وقد تراخى لقوله تعالى فعدة من أيام أخر والعزيمة أولى عندنا لقيام السبب ولأن في العزيمة نوع يسر لموافقة المسلمين

هذا دليل آخر على أن العزيمة أولى وتقريره أن العمل بالرخصة وترك العزيمة إنما شرع لليسر واليسر حاصل في العزيمة أيضا فالأخذ بالعزيمة موصل إلى ثواب يختص بالعزيمة ومتضمن ليس يختص

(٢/٢٦٦)

بالرخصة فالأخذ بها أولى إلا أن يضعفه الصوم فليس له بذل نفسه لأنه يصير قاتل نفسه بخلاف الفصل الأول أي إلا أن يضعف الصوم الصائم وهو استثناء من قوله والعزيمة أولى

وإنما قلنا إن الأول أحق بكونه رخصة من الثاني لأن في الثاني وجد السبب للصوم لكن حكمه متراخ فصار رمضان في حقه كشعبان فيكون في الإفطار شبهة كونه حكما أصليا في حق المسافر بخلاف

الأول فإن المحرم والحرمة قائمان فالحكم الأصلي فيه الحرمة وليس فيه شبهة كون استباحة الكفر حكما أصليا فيكون

الأول أحق بكونه رخصة

(٢/٢٦٧)

والثالث أي الذي هو رخصة مجازا وهو أتم في المجازية وأبعد عن الحقيقة من الآخر

ما وضع عنا من الإصر والأغلال يسمى رخصة مجازا لأن الأصل لم يبق مشروعا أصلا

والرابع أي الذي هو رخصة مجازا لكنه أقرب من حقيقة الرخصة من الثالث ما سقط مع كونه مشروعا في الجملة فمن حيث إنه سقط كان مجازا ومن حيث إنه مشروع في الجملة كان شبيها بحقيقة الرخصة بخلاف الفصل الثالث كقول الراوي رخص في السلم فإن

(٢/٢٦٨)

الأصل في البيع أن يلاقي عينا وهذا حكم مشروع لكنه سقط في السلم حتى لم يبق التعيين عزيمة ولا مشروعا وكذا أكل الميتة وشرب الخمر ضرورة فإن حرمتهما ساقطة هنا أي في حال الضرورة مع كونها ثابتة في الجملة لقوله تعالى إلا ما اضطررتم فإنه استثناء من الحرمة فالفرق بين هذا وبين

الثاني أن المحرم قائم وفي

الثاني

وأما هاهنا فالمحرم غير قائم حال الضرر لقوله تعالى وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم فالنص ليس بمحرم في حال الضرورة ولأن الحرمة لصيانة عقل ولا صيانة عند فوت النفس وكذا صلاة المسافر رخصة إسقاط لقوله عليه السلام إن هذه صدقة الحديث روي عن عمر رضي اللّه تعالى عنه أنه قال أنقصر الصلاة ونحن آمنون فقال عليه السلام إن هذه صدقة تصدق اللّه تعالى بها عليكم فاقبلوا صدقته وإنما سأل عمر رضي اللّه تعالى عنه لأن القصر متعلق بالخوف قال اللّه تعالى وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن

(٢/٢٦٩)

تقصروا من الصلاة إن خفتم وهذه الآية دليل على أن التعليق بالشرط لا يدل على العدم عند عدم الشرط وكذا سؤال عمر دليل عليه أيضا لأنه لو كان دالا على عدم الحكم لما سأل عمر رضي اللّه عنه ولكان عالما بهذا لأنه من أهل اللسان وأرباب الفصاحة والبيان

(٢/٢٧٠)

والتصدق بما لا يحتمل التمليك إسقاط لا يحتمل الرد وإن كان أي التصدق ممن لا يلزم طاعته كولي القصاص فهاهنا أولى أي في صورة يكون التصدق ممن يلزم طاعته وهو

(٢/٢٧١)

اللّه أولى أن يكون إسقاطا لا يحتمل الرد ولأن الخيار إنما يثبت للعبد إذا تضمن رفقا كما في الكفارة هذا دليل آخر على أن صلاة المسافر رخصة إسقاط وهو عطف على قوله لقوله عليه الصلاة والسلام والرفق هنا متعين في القصر فلا يثبت الخيار فتكون الرخصة رخصة إسقاط

أما صوم المسافر وإفطاره فكل منهما يتضمن رفقا ومشقة فإن الصوم على سبيل موافقة المسلمين أسهل وفي غير رمضان أشق فالتخيير يفيد

فإن قيل إكمال الصلاة وإن كان أشق فثوابه أكمل فيفيد التخيير

قلنا الثواب الذي يكون بأداء الفرض مساو فيهما

وأما القسم الثاني من الحكم وهو الحكم الذي يكون حكما بتعلق شيء بشيء آخر فالشيء المتعلق إن كان داخلا في الآخر فهو ركن وإلا فإن كان مؤثرا فيه على ما ذكرنا في القياس فعلة وإلا فإن كان موصلا إليه في الجملة فسبب وإلا فإن توقف عليه وجوده فشرط وإلا فلا أقل من أن

(٢/٢٧٢)

يدل على وجوده فعلامة

وأما الركن فما يقوم به الشيء وقد شنع بعض الناس على أصحابنا فيما قالوا الإقرار ركن زائد والتصديق ركن أصلي فإنه إن كان أي الإقرار ركنا يلزم من انتفائه انتفاء المركب كما تنتفي العشرة بانتفاء الواحد فنقول الركن الزائد شيء اعتبره الشارع في وجود المركب لكن إن عدم بناء على ضرورة جعل الشارع عدمه عفوا واعتبر المركب موجودا حكما

وقولهم للأكثر حكم الكل من هذا الباب وهذا نظير أعضاء الإنسان فالرأس ركن ينتفي الإنسان بانتفائه واليد ركن لا ينتفي بانتفائه ولكن ينقص

(٢/٢٧٣)

وأما العلة فإما علة اسما ومعنى وحكما أي يضاف الحكم إليها هذا تفسير العلة اسما وهي مؤثرة فيه هذا تفسير العلة معنى ولا يتراخى الحكم عنها هذا تفسير العلة

(٢/٢٧٤)

حكما

كالبيع المطلق للملك والنكاح للحل والقتل للقصاص فعندنا هي مقارنة للمعلول كالعقلية وفرق بعض مشايخنا بينهما أي بين الشرعية والعقلية فقالوا المعلول يقارن العلل

(٢/٢٧٥)

العقلية ويتأخر عن الشرعية

وإما اسما فقط كالمعلق بالشرط على ما يأتي

وإما اسما ومعنى كالبيع الموقوف والبيع بالخيار فمن حيث إن الملك يضاف إليه علة اسما ومن حيث إنه مؤثر في الملك علة معنى لكن الملك يتراخى عنه فلا يكون علة حكما على ما ذكرنا أن الخيار يدخل على الحكم فقط في آخر فصل مفهوم المخالفة

ودلالة كونه علة لا سببا أن المانع إذا زال وجب الحكم به من حين الإيجاب وكالإجارة حتى صح تعجيل الأجرة تفريع على قوله إنه علة معنى حتى لو لم يكن كذلك لما صح التعجيل كالتكفير قبل الحنث عندنا

وليست علة حكما لأن المنفعة معدومة فيكون الحكم وهو ملك المنفعة متراخيا عن العقد

(٢/٢٧٦)

فلا يكون علة حكما لكنها أي الإجارة تشبه الأسباب لما فيها من الإضافة إلى وقت مستقبل كما إذا قال في رجب أجرت الدار من غرة رمضان يثبت الحكم من غرة رمضان بخلاف البيع الموقوف فإنه إذا زال المانع يثبت حكمه من وقت البيع حتى تكون الزوائد الحاصلة في زمان التوقف للمشتري فهو علة غير مشابهة بالأسباب بخلاف الإجارة وإنما تشبه الأسباب لأن السبب الحقيقي لا بد أن يتوسط بينه وبين الحكم العلة

فالعلة التي يتراخى

(٢/٢٧٧)

عنها الحكم لكن إذا ثبت لا يثبت من حين العلة تكون مشابهة للسبب لوقوع تخلل الزمان بينها وبين الحكم والتي إذا ثبت حكمها يثبت من أوله ولم يتخلل الزمان بينها وبين الحكم فلا تكون مشابهة للسبب

وكذا كل إيجاب مضاف نحو أنت طالق غدا فإنه علة اسما ومعنى لا حكما لكنه يشبه الأسباب

وكذا النصاب حتى يوجب صحة الأداء فيتبين بعد الحول أنه كان زكاة لأنه في أول الحول علة اسما للإضافة إليه ومعنى لكونه مؤثرا لأن الغنى يوجب مواساة الفقراء وليس علة حكما لتراخي الحكم عنه لكنه مشابه بالأسباب لأن الحكم متراخ إلى وجود النماء ولو لم يكن متراخيا إليه وكان النصاب علة من غير مشابهة بالأسباب ولو كان متراخيا إلى

(٢/٢٧٨)

ما هو علة حقيقية لكان النصاب سببا حقيقيا لكن النماء ليس بعلة حقيقة لأن النماء لا يستقل بنفسه بل هو وصف قائم بالمال فلا يصح أن يكون النماء تمام المؤثر بل تمام المؤثر المال النامي ولو كان متراخيا إلى شيء يجب حصوله بالنصاب لكان النصاب علة العلة والنماء لا يجب حصوله بالمال لكن النماء وصف قائم بالمال له شبه العلية لترتب الحكم عليه ولو كان النماء سببا مستقلا بنفسه وهو علة حقيقة لكان النصاب سببا حقيقيا فإذا كان للنماء شبه العلية كان للنصاب شبه السببية

وكذا مرض الموت والجرح فإنه يتراخى حكمه إلى السراية وكذا الرمي والتزكية عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى حتى إذا رجع أي المزكي ضمن وكذا كل ما هو علة العلة كشراء القريب فإن كل ذلك علة اسما ومعنى لا حكما لكنه يشبه الأسباب وعلة العلة إنما تشبه السبب من حيث إنه يتخلل بينها وبين الحكم واسطة

واعلم أن الإمام فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى أورد للعلة اسما ومعنى لا حكما عدة أمثلة منها البيع الموقوف والبيع بالخيار فهما علتان اسما ومعنى لا حكما وهما لا يشابهان الأسباب ومنها الإجارة وكل إيجاب مضاف والنصاب ومرض الموت والجرح وقد صرح في هذه الأمور أنها علة اسما ومعنى لا حكما

(٢/٢٧٩)

لكنها تشبه الأسباب ومنها علة العلة كشراء القريب فإن الشراء علة الملك والملك علة العتق وقد صرح فيها أنها علة تشبه الأسباب لكن لم يصرح أنها علة اسما ومعنى لا حكما والظاهر أن شراء القريب ليس علة اسما ومعنى لا حكما لأن الحكم غير متراخ عنه وإنما يشابه الأسباب لتوسط العلة وهو الملك وقد جعل الإمام فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى العلة المشابهة بالسبب قسما آخر لكني لم أجعل كذلك لأنها لا تخرج من الأقسام السبعة التي تنحصر العلة فيها وذلك لأنه إن لم توجد الإضافة ولا التأثير ولا الترتيب لا توجد العلة أصلا وإن وجد أحدها منفردا يحصل ثلاثة أقسام وإن وجد الاجتماع بين اثنين منها فثلاثة أقسام أخر وإن وجد الاجتماع بين الثلاثة فقسم آخر فحمل سبعة

وقد علم من الأمثلة المذكورة أن العلة اسما ومعنى لا حكما قد توجد مع مشابهتها السبب كالإجارة ونحوها وقد توجد بدونها كالبيع الموقوف وقد توجد مشابهة السبب بدونها أي بدون العلة اسما ومعنى لا حكما كشراء القريب علة اسما ومعنى القريب المحرم وأظن أن شراء القريب يكون حكما لكنه يشابه السبب

وأما ما له شبه العلية كجزء العلة فيثبت به ما يثبت بالشبهة كربا النسيئة يثبت بأحد

(٢/٢٨٠)

الوصفين وهو

إما القدر أو الجنس

وإما معنى وحكما كالجزء الأخير من العلة كالقرابة والملك للعتق فإذا تأخر الملك يثبت الحكم به أي العتق بالملك فإنه الجزء الأخير للعلة فيثبت الحكم به حتى تصبح نية الكفارة عند الشراء فإن نية الكفارة تعتبر عند الإعتاق فتعتبر النية عند الشراء ويضمن إذا كان شريكا عندهما أي عند أبي يوسف ومحمد رحمهما اللّه ولا يضمن عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى

والخلاف فيما إذا اشترياه معا

أما إذا اشترى الأجنبي نصفه ثم القريب يضمن بالاتفاق والفرق لأبي حنيفة رحمه اللّه تعالى أن في

(٢/٢٨١)

@ ٢٨٢

الأول رضي الأجنبي بفساد نصيبه حيث اشترك مع القريب ولا يعتبر جهله وفي

الثاني لم يرض

وأن تأخر القرابة يثبت بها أي يثبت العتق بالقرابة حتى يضمن مدعي القرابة ولو كانت القرابة معلومة لم يضمن

كما إذا ورثا عبدا ثم ادعى

أحدهما أنه قريبه بخلاف الشهادة أي إذا شهد واحد ثم واحد لا يضاف الحكم إلى الشهادة الأخيرة بل إلى المجموع فأيهما رجع يضمن النصف فإن الحكم يثبت بالمجموع لأنها إنما تعمل بالقضاء وهو يقع بهما

وإما اسما وحكما لا معنى وهي

إما بإقامة السبب الداعي مقام المدعو إليه كالسفر والمرض فإنهما أقيما مقام المشقة والنوم أقيم مقام استرخاء المفاصل والمس والنكاح مقام الوطء أي المس والنكاح يقومان مقام الوطء في ثبوت النسب وحرمة المصاهرة

أما في الثلاثة

الأول فلم يذكر في المتن المدعو إليه للظهور أو بإقامة الدليل مقام المدلول كالخبر عن المحبة أقيم مقامها في قوله إن أحببتني فأنت كذا والطهر مقام الحاجة في إباحة الطلاق واستحداث الملك مقام الشغل في الاستبراء والداعي إلى ذلك أي السبب المقتضي لإقامة الداعي مقام المدعو إليه والدليل مقام المدلول أحد الأمور الثلاثة المذكورة في المتن

إما دفع الضرورة كما في إن أحببتني وكما في الاستبراء

وإما الاحتياط كما في تحريم الدواعي في المحرمات والعبادات

وإما دفع الحرج كالسفر والطهر والتقاء الختانين والفرق بين دفع الحرج ودفع الضرورة أن في دفع الضرورة لا يمكن الوقوف على ذلك الشيء كالمحبة فإن وقوف الغير عليها محال فالضرورة داعية إلى إقامة الخبر عن المحبة مقام المحبة

أما المشقة في السفر والإنزال في التقاء الختانين فإن الوقوف عليهما ممكن

(٢/٢٨٢)

لكن في إضافة الحكم إليهما حرج لخفائهما وبالتقسيم العقلي بقي قسمان علة معنى فقط وعلة حكما فقط ولما جعلوا الجزء الأخير من العلة علة معنى وحكما لا اسما يكون الجزء

الأول علة معنى لا اسما ولا حكما فالقسم الذي ذكرناه وهو ما له شبهة العلية كجزء العلة يكون هذا القسم بعينه

والعلة اسما وحكما إن كانت مركبة فالجزء الأخير علة حكما فقط كالداعي مثلا وإن كان مركبا من جزأين فالجزء الأخير علة حكما لا اسما ومعنى أيضا لما

(٢/٢٨٣)

أرادوا بالعلة حكما ما يقارنه الحكم فالشرط كدخول الدار مثلا علة حكما

(٢/٢٨٤)

وأما السبب فاعلم أنه لا بد أن يتوسط بينه وبين الحكم علة فإن كانت مضافة إليه أي إن كانت العلة مضافة إلى السبب كوطء الدابة شيئا فإنه علة لهلاكه وهذه العلة مضافة إلى سوقها وهو السبب فالسبب في معنى العلة فيضاف الحكم إليه فتجب الدية بسوق الدابة وقودها وبالشهادة بالقصاص إذا رجع لا القصاص عندنا أي لا يجب القصاص عندنا على

(٢/٢٨٥)

الشاهد إذا شهد أن زيدا قتل عمرا فاقتص ثم رجع الشاهد لأنه جزاء المباشرة وشهادته إنما صارت قتلا بحكم القاضي واختيار الولي وإن لم تكن مضافة إليه أي العلة مضافة إلى السبب

نحو أن تكون أي العلة فعلا اختياريا فسبب حقيقي لا يضاف الحكم إليه فلا يضمن ولا يشترك في الغنيمة الدال على مال السرقة وعلى حصن في دار الحرب أي لا يضمن الدال على مال يسرقه السارق ولا يشترك في الغنيمة الدال على حصن في دار الحرب لأنه توسط بين السبب والحكم علة هي فعل فاعل مختار وهو السارق في فصل السرقة والغازي في الدلالة على الحصن فتقطع هذه العلة نسبة الحكم إلى السبب ولا أجنبي أي ولا يضمن قيمة الولد أجنبي قال لآخر تزوج هذه المرأة فإنها حرة ففعل واستولدها فإذا هي أمة لا يضمن قيمة الولد بخلاف ما إذا زوجها الوكيل أو الولي على هذا الشرط

ولا يلزم أن المودع أو المحرم إذا دلا على الوديعة والصيد يضمنان مع أنهما سببان لأن المودع إنما يضمن بترك الحفظ الذي التزم والمحرم بإزالة الأمن إذا تقررت بإفضائها إلى القتل أي إذا

(٢/٢٨٦)

تقررت إزالة الأمن وإنما قال هذه لأنه لما قال إن المحرم إنما يضمن بإزالة الأمن

ورد عليه أنه ينبغي أن يضمن بمجرد الدلالة لأنه حصل إزالة الأمن بمجرد الدلالة فقال إنما يضمن بإزالة الأمن إذا تقررت بكونها مفضية إلى القتل إذ قيل الإفضاء لم يصر سببا للّهلاك فلا يضمن ثم أقام الدليل على أن إزالة الأمن سبب للضمان بقوله فإن الصيد محفوظ بالبعد عن الناس بخلاف مال المسلم أي إذ دل رجل سارقا على مال مسلم لا يضمن فإن كونه محفوظا ليس لأجل البعد عن أيدي الناس فدلالته لا تكون إزالة الأمن

وصيد الحرم أي إذا دل عليه غير المحرم فإنه لا يضمن لأن كونه محفوظا ليس للبعد عن الناس بل لكونه في

(٢/٢٨٧)

الحرم

ومن دفع إلى صبي سكينا ليمسكه للدافع فوجأ به نفسه لا يضمن الدافع لأنه تخلل بين السبب وهو دفع السكين إلى الصبي وبين الحكم فعل فاعل مختار وهو قصد الصبي قتل نفسه

وإن سقط عن يده السكين فجرحه ضمن لأنه لم يتخلل هناك فعل فاعل مختار

(٢/٢٨٨)

فيضاف الحكم إلى السبب وهو الدفع

ومنه أي من السبب ما هو سبب مجازا كالتطليق والإعتاق والنذر المعلقة فالمعلقة صفة للتطليق والإعتاق والنذر نحو إن دخلت الدار فأنت طالق وإن دخلت فعبده حر وإن دخلت فللّه علي كذا للجزاء متعلق بقوله ما هو سبب فالجزاء وقوع الطلاق والعتق ولزوم المنذور لأنها ربما لا توصل إليه لأن الشرط معدوم على خطر الوجود أي لأن هذه الأمور المعلقة ربما لا توصل إلى الجزاء وهذا دليل على كونها سببا مجازا

وكاليمين باللّه للكفارة أي سبب للكفارة مجازا لأنها أي اليمين للبر فلا توصل إلى الكفارة إذ الكفارة تجب عند الحنث فلا يكون اليمين موصلة إلى الكفارة فلا تكون سببا لها حقيقة بل مجازا

ثم إذا وجد الشرط أي في صورة تعليق الطلاق والعتاق والنذر بالشرط يصير الإيجاب السابق علة حقيقة بخلاف اليمين للكفارة فإن الحنث

(٢/٢٨٩)

علتها وعند الشافعي رحمه اللّه تعالى هي أسباب في معنى العلل حتى أبطل التعليق بالملك أي إن قال لأجنبية إن نكحتك فأنت طالق أو لعبد إن ملكتك فأنت حر يكون باطلا لعدم الملك عند وجود العلة

وجوز التكفير بالمال قبل الحنث لجواز التعجيل قبل وجود الشرط

(٢/٢٩٠)

إذا وجد السبب كالزكاة قبل الحول إذا وجد السبب وهو النصاب

ثم عندنا لهذا المجاز شبهة الحقيقة هذا الكلام متصل بقوله ومنه ما هو سبب مجازا وهذا يتبين في أن التنجيز هل يبطل التعليق أم لا فعند زفر رحمه اللّه تعالى لا لأنه لما لم يكن الملك والحل عند وجود الشرط قطعي الوجود ليصح التعليق شرطنا وجودهما في الحال ليترجح جانب الوجود عند وجود الشرط فكما لا يبطله زوال الملك لا يبطله زوال الحل

صورة المسألة إذا قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق ثم قال لها أنت طالق ثلاثا فعندنا يبطل التعليق حتى إذا تزوجها بعد التحليل ثم دخلت الدار لا يقع الطلاق وعند زفر رحمه اللّه تعالى لا يبطل التعليق فيقع الطلاق هو يقول شرط صحة التعليق وجود الملك عند وجود الشرط لا عند وجود التعليق لأن زمان وجود الشرط هو زمان وقوع الطلاق ووقوع الطلاق يفتقر إلى الملك

وأما التعليق فلا افتقار له إلى الملك حال التعليق فإذا علق

(٢/٢٩١)

بالملك نحو إن تزوجتك فأنت طالق فالملك قطعي الوجود عند وجود الشرط فيصح التعليق وإن علق بغير الملك نحو إن دخلت الدار فأنت طالق فشرط صحة التعليق وجود الملك عند وجود الشرط وغير ذلك معلوم فيستدل بالملك حال التعليق على الملك حال وجود الشرط بالاستصحاب فإذا وجد الملك حال التعلق صح التعليق ثم لا يبطله زوال الملك فكما لا يبطله زوال الملك لا يبطله زوال الحل أيضا والمراد بزوال الحل وقوع الطلاق الثالث في قوله تعالى فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره

قلنا اليمين شرعت للبر فلا بد من أن يكون البر مضمونا بالجزاء فيكون للجزاء شبهة الثبوت في الحال فلا بد من المحل فإنه إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق

(٢/٢٩٢)

فالغرض أن لا تدخل الدار لأنها إن دخلت يترتب عليه هذا الأمر المخوف أي الجزاء فيكون الجزاء وهو وقوع الطلاق مانعا من تفويت البر كالضمان يكون من الغصب فالمراد بكون البر مضمونا هذا فيبطله زوال الحل لا زوال الملك أي يبطل التعليق زوال الحل وهو أن يقع الثلاث لا زوال الملك وهو أن يقع ما دون الثلاث لأنه يمكن له الرجوع إليها

فالحاصل أن قوله إن دخلت الدار فأنت طالق يتوقف صحة هذا التعليل على وجود النكاح فيكون مقتصرا على الطلقات التي يملكها بهذا النكاح

أما الطلقات التي يملكها بالنكاح بعد الثلاث فالمرأة أجنبية عن الزوج في تلك الطلقات

فأما التعلق بالتزوج فإن البر فيه مضمون بوجود الملك عند وجود الشرط فإن الشرط فيه بمعنى العلة وليس للجزاء شبهة الثبوت قبلها فلا حاجة إلى إثبات تلك الشبهة ليكون البر مضمونا

المراد بتلك الشبهة ما ذكرنا من شبهة الحقيقة ليكون للجزاء شبهة الثبوت في الحال ليكون البر مضمونا

واعلم أن لكل من الأحكام سببا ظاهرا يترتب الحكم عليه على ما مر في فصل الأمر

(٢/٢٩٣)

فسبب وجود الإيمان باللّه تعالى حدوث العالم ولما كان هذا السبب في الآفاق والأنفس موجودا دائما يصح إيمان الصبي وإن لم يخاطب به وللصلاة الوقت على ما مر وللزكاة ملك المال

اعلم أنه ورد على سببية النصاب للزكاة إشكال وهو أن تكرر الوجوب بتكرر وصف يدل على سببية ذلك الوصف وهنا الوجوب يتكرر بالحول فيجب أن يكون الحول سببا لا النصاب فلدفع هذا الإشكال قال إلا أن الغنى لا يكمل إلا بمال نام والنماء بالزمان فأقيم الحول مقام النماء فيتجدد المال تقديرا بتجدد الحول فيتكرر الوجوب بتكرر المال تقديرا

وللصوم أيام شهر رمضان كل يوم لصومه ولصدقة الفطر رأس يمونه ويلي عليه وإنما الفطر

(٢/٢٩٤)

شرط لقوله عليه الصلاة والسلام أدوا عمن تمونون وعن

إما لانتزاع الحكم عن السبب أو لأن يجب عليه فيؤدي عنه كما في العاقلة

والثاني باطل لعدم الوجوب على العبد والصبي والفقير والكافر فيثبت

الأول وأيضا يتضاعف الواجب بتضاعف الرأس والإضافة إلى الفطر تعارضها الإضافة إلى الرأس وهي تحتمل الاستعارة أيضا بخلاف تضاعف الوجوب

هذا جواب إشكال وهو أن الإضافة آية السببية والصدقة تضاف إلى الفطر فيدل على سببية الفطر فأجاب بأن الصدقة تضاف إلى الرأس أيضا فإذا تعارضا تساقطا

ونحن نتمسك على سببية الرأس بالتضاعف فهذا الدليل أقوى من الإضافة لأن الحكم قد يضاف إلى غير السبب مجازا وهذا المجاز لا يجري في التضاعف وأيضا وصف المؤنة أي في قوله عليه السلام أدوا عمن تمونون يرجح سببية الرأس

وللحج البيت

وأما الوقت والاستطاعة فشرط

وللعشر الأرض النامية بحقيقة الخارج وبهذا الاعتبار هو مؤنة الأرض وباعتبار الخارج وهو تبع الأرض

قوله وهو تبع حال من

(٢/٢٩٥)

الخارج

عبادة أي العشر عبادة لأن العشر جزء من الخارج فأشبه الزكاة فإنها جزء من النصاب

وكذا الخراج أي سببية الأرض النامية

إلا أن النماء يعتبر فيه تقديرا بالتمكن من الزراعة فصار مؤنة باعتبار الأصل وهو الأرض عقوبة باعتبار الوصف وهو التمكن من الزراعة لأن الزراعة عمارة الدنيا وإعراض عن الجهاد فصار سببا للمذلة

ولذلك لم يجتمعا عندنا أي لأجل ثبوت وصف العبادة في العشر وثبوت وصف العقوبة في الخراج لم يجتمع العشر والخراج عندنا خلافا للشافعي رحمه اللّه

وللطهارة إرادة الصلاة والحدث شرط وللحدود والعقوبات ما نسبت إليه من سرقة وقتل وللكفارات ما نسبت إليه من أمر دائر بين الحظر والإباحة ولشرعية المعاملات البقاء المقدر أي للعالم وللاختصاصات الشرعية التصرفات المشروعة كالبيع والنكاح ونحوهما

واعلم أن ما يترتب عليه الحكم إن كان شيئا لا يدرك العقل تأثيره ولا يكون بصنع المكلف كالوقت للصلاة يخص باسم السبب وإن كان بصنعه فإن كان الغرض من وضعه ذلك الحكم كالبيع للملك فهو علة ويطلق عليه اسم السبب أيضا مجازا وإن لم يكن هو الغرض كالشراء لملك المتعة فإن العقل لا يدرك تأثير

(٢/٢٩٦)

لفظ اشتريت في هذا الحكم وهو بصنع المكلف وليس الغرض من الشراء ملك المتعة بل ملك الرقبة فهو سبب وإن أدرك العقل تأثيره كما ذكرنا في القياس يخص باسم العلة

وأما الشرط فهو

إما شرط محض وهو حقيقي كالشهادة للنكاح والوضوء للصلاة أو جعلي وهو بكلمة الشرط أو دلالتها

نحو المرأة التي أتزوجها طالق وقد مر أن أثر التعليق عندنا منع العلية وعنده منع الحكم

وإما شرط في حكم العلة وهو شرط لا يعارضه علة تصلح أن يضاف الحكم إليها فيضاف إليه كما إذا رجع شهود الشرط وحدهم ضمنوا وإن رجعوا مع شهود اليمين يضمن

الثاني فقط كما إذا اجتمع السبب والعلة كشهود التخيير والاختيار كما

(٢/٢٩٧)

إذا شهد شاهدان على أن الزوج خير امرأته وآخران بأن المرأة اختارت نفسها فقضى القاضي بوقوع الطلاق ثم رجع الفريقان يضمن شهود الاختيار فشهود التخيير سبب وشهود الاختيار علة

فإن قال إن كان قيد عبده عشرة أرطال فهو حر ثم قال وإن حله آخر فهو حر فشهد

(٢/٢٩٨)

شاهدان أنه عشرة أرطال فقضى القاضي بعتقه ثم حله فإذا هو ثمانية يضمنان قيمته عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى لأن القضاء بالعتق ينفذ ظاهرا وباطنا عنده فالعلة لا تصلح لضمان العتق لأن العلة قضاء القاضي وإنما لا تصلح للضمان لكونه غير متعد فإنه قضى بناء على شهادة شاهدين

بخلاف رجوع الفريقين أي شهود الشرط وشهود اليمين فإن العلة تصلح للضمان لأنها أثبتت العتق بطريق التعدي

(٢/٢٩٩)

(٢/٣٠٠)

(٢/٣٠١)

(٢/٣٠٢)

وعندهما لا يضمنان لأن القضاء لا ينفذ في الباطن فيعتق بحل القيد

وكذا حافر البئر عطف على المثالين المذكورين وهما رجوع شهود الشرط ومسألة القيد والتشبيه في أن هناك شرطا لا تعارضه علة تصلح لإضافة الحكم إليها والشرط هو الحفر لأن علة السقوط هو الثقل لكن الأرض مانعة عن السقوط فبإزالة المانع صارت شرطا للسقوط ثم بين أن العلة لا تصلح لإضافة الحكم وهو الضمان إليها بقوله فإن الثقل علة السقوط وهو أمر طبيعي والمشي مباح فلا يصلحان لإضافة الحكم فيضاف إلى الشرط لأن صاحب الشرط متعد لأن الضمان فيما إذا حفر في غير ملكه

بخلاف ما إذا أوقع نفسه

وأما وضع الحجر وإشراع

(٢/٣٠٣)

الجناح والحائط المائل بعد الإشهاد فمن قسم الأسباب

وأما شرط في حكم السبب وهو شرط اعترض عليه فعل فاعل مختار غير منسوب إليه كما إذا حل قيد عبد الغير فأبق العبد لا يضمن عندنا فإن الحل لما سبق الإباق الذي هو علة التلف صار كالسبب فإنه يتقدم على صورة العلة والشرط يتأخر عنها وكذا إذا فتح باب قفص أو إصطبل

خلافا لمحمد رحمه اللّه تعالى له أن فعل الطير والبهيمة هدر فإذا خرجا على فور الفتح يجب الضمان كما في

(٢/٣٠٤)

سيلان ماء الزق فإن النفار طبيعي للطير كالسيلان للماء ولهما أنه هدر في إثبات الحكم لا في قطعه عن الغير كالكلب يميل عن سنن الإرسال وإذا قال الولي سقط وقال الحافر أسقط نفسه فالقول له أي للحافر لأنه يدعي صلاحية العلة للإضافة وقطع الإضافة عن الشرط فهو متمسك بالأصل بخلاف الجارح إذا ادعى الموت بسبب آخر لأنه صاحب علة

وأما شرط اسما لا حكما إذا علق الطلاق بشرطين فأولهما وجودا شرط اسما لا حكما حتى إذا وجد

الأول في الملك لا

الثاني لا تطلق وبالعكس تطلق خلافا لزفر رحمه اللّه تعالى

صورته أن يقول لامرأته إن دخلت هذه الدار وهذه الدار فأنت طالق فأبانها فدخلت

أحدهما ثم تزوجها فدخلت الأخرى يقع الطلاق عندنا لأن الملك شرط عند وجود الشرط لصحة الجزاء لا لصحة الشرط فيشترط عند

الثاني لا

الأول

(٢/٣٠٥)

(٢/٣٠٦)

(٢/٣٠٧)

وأما العلامة فقد ذكروا في نظيرها الإحصان للرجم لأن الشرط ما يمنع انعقاد العلة إلى أن يوجد هو ووجوده متأخر عن وجود صورة العلة كدخول الدار مثلا وهنا علية الزنا لا تتوقف على إحصان يحدث متأخرا أقول ما ذكروا وهو أن الشرط أمر متأخر عن وجود صورة العلة ويمنع انعقاد العلة إلى أن يوجد هو هو تفسير الشرط التعليقي لا الشرط الحقيقي كالشهادة للنكاح والعقل للتصرفات ونحوهما كالوضوء للصلاة وطهارة الثوب والبدن والمكان لها فالشرط التعليقي متأخر عن صورة العلة

أما الشرط الحقيقي فلا يجب تأخره عن وجود العلة كالعقل والوضوء وغيرهما فكون الإحصان متقدما لا يدل على أنه ليس بشرط

وهذا الإشكال اختلج في خاطري

والجواب عنه أن الشرط

إما تعليقي

وإما

(٢/٣٠٨)

حقيقي والحقيقي قسمان

أحدهما أن يكون الشرط متأخرا عن العلة كحفر البئر وقطع حبل القنديل

والآخر أن يكون متقدما كالوضوء للصلاة والعقل للتصرفات فأما ما هو متأخر أقوى مما هو متقدم لأن الحكم يقارن الشرط الذي هو متأخر عن صورة العلة فيضاف الحكم إليه فهو شرط في معنى العلة بخلاف الشرط الذي هو متقدم فالإحصان هو الشرط الذي يكون متقدما على العلة ويسمى هذا الشرط علامة وإذا لم يكن الحكم مضافا إليه لا يكون في حكم العلة فيمكن أن يثبت بشهادة الرجال مع النساء مع أنه لا يثبت العلة وهي الزنا بهذه الشهادة ولما كان لي نظر في كون الإحصان علامة لا شرطا في معنى العلة قلت ثم إن كان الإحصان علامة لا شرطا أي على تقدير كونه علامة لا شرطا في معنى العلة يثبت بشهادة الرجال مع النساء

فإن قيل فيجب أن يثبت أيضا بشهادة كافرين شهدا على عبد مسلم زنى

(٢/٣٠٩)

ومولاه كافر أنه أعتقه أي لما ذكرنا أن الإحصان يثبت بشهادة الرجال مع النساء مع أن الزنا لا يثبت الإحصان بشهادة الكافرين أيضا إذا شهدا على عبد مسلم زنى بأن مولاه أعتقه والحال أن مولاه كافر فتكون الشهادة على المولى الكافر فتقبل فيثبت عتقه والحرية من شرائط الإحصان فيثبت إحصانه بشهادة الكافر

قلنا لشهادة النساء خصوص بالمشهود به دون المشهود عليه أي في عدم القبول فإن العقوبات لا تثبت بشهادة الرجال مع النساء فإنها لا تثبت العقوبة وهنا لا تثبتها لأن الإحصان ليس إلا علامة لكن يتضمن ضررا بالمشهود عليه وهو تكذيبه ورفع إنكاره بمنزلة الكافر وهي تصلح لذلك أي شهادة الرجال مع النساء تصلح للضرر على المشهود عليه وهو المسلم

وشهادة الكفار بالعكس فإنها لا تصلح على المسلم وهي تتضمن ضررا بالمسلم أي شهادة الكفار في هذه الصورة تتضمن ضررا بالمسلم وهو العبد الذي أثبتوا حريته ليثبت عليه الرجم فلا تصلح لذلك أي لا تصلح شهادة الكفار للإضرار بالمسلم وهو ما ذكر من تكذيبه ورفع إنكاره بمنزلة الكافر

وعلى هذا أي بناء على أن العلامة ليست في حكم العلة

(٢/٣١٠)

فيجوز أن يثبت بما لا يثبت به العلة

قالا إن شهادة القابلة على الولادة تقبل من غير فراش أي في المبتوتة والمتوفى عنها زوجها ولا حبل ظاهر عطف على قوله من غير فراش ولا إقرار به عطف على قوله ولا حبل أي بلا إقرار الزوج بالحبل لأنه لم يوجد هنا أي في شهادة القابلة إلا تعيين الولد وهي مقبولة فيه أي شهادة القابلة مقبولة في تعيين الولد فأما النسب فإنما يثبت بالفراش السابق فيكون انفصاله علامة للعلوق السابق

وعند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى لا تقبل لأنه إذا لم يوجد سبب ظاهر كان النسب مضافا إلى الولادة فشرط لإثباتها كمال الحجة بخلاف ما إذا وجد أحد الثلاثة وهو

إما الفراش

وإما الحبل الظاهر

وإما إقرار الزوج بالحبل

وإذا علق بالولادة طلاق تقبل شهادة امرأة عليها في حقه أي في حق الطلاق عندهما لأنه لما ثبت الولادة بها يثبت ما كان تبعا لها

لا عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى لأن الولادة شرط للطلاق فيتعلق بها الوجود فيشترط لإثباته أي لإثبات الشرط ما يشترط لإثبات حكمه وهو الطلاق كما في العلة فإنه يشترط لإثبات العلة ما يشترط لإثبات حكمها

على أن هذه الحجة ضرورية فلا تتعدى أي شهادة المرأة الواحدة حجة ضرورية لا تقبل إلا فيما لا يطلع عليه الرجال وهو الولادة فلا تتعدى عنه إلى ما لا ضرورة فيه وهو الطلاق لأن الطلاق مما يطلع عليه الرجال فلا يقبل فيه شهادة الواحدة

كما في

(٢/٣١١)

شهادة المرأة الواحدة على ثيابة أمة بيعت على أنها بكر في حق الرد فإن شهادة المرأة لا تقبل في حق الرد وإن كانت مقبولة في حق البكارة والثيابة فكذا هنا بل يحلف البائع

وقال الشافعي رحمه اللّه تعالى الأصل في المسلم العفة والقذف كبيرة ثم العجز عن إقامة البينة يعرف ذلك أي كونها كبيرة أي يتبين بالعجز عن إقامة البينة أن القذف حين وجد كان كبيرة لا أنه يصير كبيرة عند العجز فيكون العجز علامة لجناية فيثبت سقوط الشهادة وهو حكم شرعي سابق عليه أي على العجز عن إقامة البينة فمجرد القذف يسقط الشهادة عند الشافعي رحمه اللّه تعالى وإن لم يجلد وعندنا لا تسقط شهادته بمجرد القذف بل إنما تسقط إذا تحقق العجز عن إقامة البينة فأقيم عليه الجلد

بخلاف الجلد إذ هو فعل حسي أي لا يمكن إقامة الجلد سابقا عن العجز عن إقامة البينة فإنه فعل حسي لا مرد له فإن أقيم الجلد قبل العجز فربما يكون بغير حق

أما عدم قبول الشهادة فإنه حكم شرعي يمكن سبقه فإن تحقق

(٢/٣١٢)

العجز يظهر أن عدم قبول الشهادة كان ثابتا حين القذف وإن لم يتحقق العجز يظهر أنه كان مقبول الشهادة وكان صادقا في ذلك القذف

قلنا القذف في نفسه ليس كبيرة فإن الشهادة عليه مقبولة حسبة أي حسبة للّه تعالى وهو أي القذف لا يحل إلى أن يوجد الشهود فإذا مضى زمان يتمكن من إحضارهم ولم يحضرهم صار كبيرة فيكون العجز شرطا أي لرد القاضي شهادة الرامي والعفة أصل لكن لا تصلح لإثبات رد الشهادة لما عرفت أن الأصل لا يصلح حجة للإثبات بل للدفع فقط

ثم إن أتى بالبينة على الزنا من غير تقادم العهد بعدما جلد يبطل رد شهادته ويحد الزاني وإن تقادم العهد أي إن أتى بالبينة على الزنا بعدما جلد الرامي لكن بعد تقادم العهد يبطل الرد أي رد شهادة الرامي ولا يثبت الحد أي حد الزنا على المقذوف لأن تقادم العهد صار شبهة في درء الحد

باب المحكوم به وهو قسمان ما ليس له إلا وجود حسي وما له وجود آخر شرعي

فالأول بعد أن يكون متعلقا لحكم شرعي

إما أن يكون سببا لحكم آخر أو لم يكن

(٢/٣١٣)

كالزنا فإنه حرام وهو سبب لوجوب الحد وكالأكل ونحوه وكذا

الثاني كالبيع فإنه مباح وهو سبب لحكم آخر وهو الملك وكالصلاة المحكوم به وهو فعل المكلف قسمان ما ليس له إلا وجود حسي كالزنا والأكل ونحوه وما له وجود شرعي مع الوجود الحسي فالمحكوم به لا بد أن يكون متعلقا بحكم شرعي فبعد أن يكون كذلك لا يخلو من أن يكون سببا لحكم شرعي آخر أو لم يكن فحصل أربعة أنواع

الأول ما ليس له إلا وجود حسي وهو متعلق بحكم شرعي وسبب لحكم شرعي آخر كالزنا فإنه حرام وسبب لحكم شرعي وهو وجوب الحد

والثاني ما ليس له إلا وجود حسي وهو متعلق بحكم شرعي لكنه ليس سببا لحكم شرعي كالأكل

أما كونه متعلقا بحكم شرعي فلأن الأكل تارة واجب وأخرى حرام والثالث ما له وجود شرعي وهو متعلق بحكم شرعي وسبب لحكم شرعي كالبيع فإنه مباح وسبب للملك والرابع ما له وجود شرعي ومتعلق بحكم شرعي وليس سببا لحكم شرعي كالصلاة والوجود الشرعي بحسب أركان وشرائط اعتبرها الشرع فإن وجدت فإن حصل معها الأوصاف المعتبرة شرعا الغير الذاتية يسمى صحيحا وإلا فاسدا أي أن لم يحصل معها

(٢/٣١٤)

الأوصاف المذكورة يسمى فاسدا وإن لم توجد أي الأركان والشرائط يسمى باطلا والفاسد صحيح بأصله دون وصفه فأما الصحيح المطلق فيراد به

الأول أي ما وجدت الأركان والشرائط وحصلت الأوصاف المذكورة

ثم المحكوم به

إما حقوق اللّه أو حقوق العباد أو ما اجتمعا فيه والأول غالب أو ما اجتمعا فيه

والثاني غالب

أما حقوق اللّه فثمانية عبادات خالصة كالإيمان وفروعه وكل مشتمل على الأصل والملحق به والزوائد فالإيمان أصله التصديق والإقرار ملحق به حتى إن من تركه مع القدرة عليه لم يكن مؤمنا عند اللّه تعالى وعند الناس وهذا عند بعض علمائنا

أما عند البعض فالإيمان هو التصديق والإقرار شرط

(٢/٣١٥)

لإجراء الأحكام الدنيوية وهو أصل في حقها أي الإقرار أصل في حق الأحكام الدنيوية اتفاقا حتى صح إيمان المكروه في حق الدنيا ولا يصح ردته لأن الأداء دليل محض لا ركن وزوائد الإيمان الأعمال وعبادة فيها مؤنة كصدقة الفطر فلم يشترط لها كمال الأهلية ومؤنة فيها عقوبة كالخراج فلا يبتدأ على المسلم لكنه يبقى لأنه أي لأن الخراج لما تردد بين الأمرين أي بين العقوبة والمؤنة لا يبطل بالشك على أن الوصف

الأول وهو المؤنة غالب على ما سبق أنه مؤنة باعتبار الأصل وهو الأرض عقوبة باعتبار الوصف ومؤنة فيها عبادة كالعشر فلا يبتدأ على الكافر لكن يبقى عند محمد كالخراج على السلم وعند أبي يوسف يضاعف لأن فيه أي في العشر معنى العبادة والكفر ينافيها من كل وجه فأما الإسلام فلا ينافي العقوبة من كل وجه فيضاعف أي العشر إذ هي أي المضاعفة أسهل من

(٢/٣١٦)

الإبطال أصلا

اعلم أن محمدا قاس إبقاء العشر على الكافر على إبقاء الخراج على المسلم فقال أبو يوسف رحمه اللّه تعالى إن في العشر معنى العبادة والكفر ينافيها بالكلية فيجب تغيير العشر

أما الخراج فإن فيه معنى العقوبة والإسلام لا ينافي العقوبة من كل وجه فيبقى الخراج على المسلم قوله فيضاعف كلمة التعقيب وهي الفاء ترجع إلى قوله والكفر ينافيها فلا بد من تغيير العشر والمضاعفة أسهل من الإبطال فيضاعف إذ هي في حقه مشروع في الجملة

(٢/٣١٧)

وعند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى ينقلب خراجا إذ التضعيف أمر ضروري فلا يصار إليه مع إمكان الأصل وهو الخراج لأن التضعيف ثبت بإجماع الصحابة بخلاف القياس في قوم بأعيانهم لأن تلك الطائفة كفار لا يؤخذ منهم الجزية وغيرهم من الكفار يؤخذ منهم

(٢/٣١٨)

الجزية فلا يكونون في حكمهم وحق قائم بنفسه أي لا يجب في ذمة أحد كخمس الغنائم والمعادن وعقوبات كاملة كالحدود وقاصرة كحرمان الميراث بالقتل فلا يثبت في حق الصبي لأنه لا يوصف بالتقصير والبالغ الخاطئ مقصر فلزمه الجزاء القاصر ولا في القتل بسبب أي لا يثبت حرمان الميراث في القتل بسبب كحفر البئر ونحوه

والشاهد إذا رجع أي شهد على مورثه بالقتل فقتل ثم رجع هو عن شهادته لم يحرم ميراثه لأنه أي حرمان الإرث جزاء المباشرة وحقوق دائرة بين العبادة والعقوبة كالكفارات فلا تجب على المسبب كحافر البئر لأنها أي الكفارات جزاء الفعل والصبي أي لا تجب الكفارات على الصبي لأنه لا يوصف بالتقصير خلافا للشافعي رحمه اللّه تعالى فيهما أي في السبب والصبي لأنها عنده ضمان المتلف وهذا لا يصح في حقوق اللّه تعالى ولا الكافر أي لا تجب الكفارات على الكافر لوصف العبادة وهي أي العبادة فيها غالبة أي في الكفارات إلا في كفارة الظهار

(٢/٣١٩)

فإن وصف العقوبة فيها غالبة لأنه أي الظهار منكر من القول وزور وكذا كفارة الفطر أي وصف العقوبة غالبة فيها لقوله عليه السلام فعليه ما على المظاهر ولإجماعهم على أنها لا تجب على الخاطئ ولأن الإفطار عمدا ليس فيه شبهة الإباحة ثم ورد على هذا أن الإفطار عمدا لما لم يكن فيه شبهة الإباحة ينبغي أن يكون كفارة الفطر عقوبة محضة فلدفع هذا الإشكال قال

(٢/٣٢٠)

لكن الصوم لما كان حقا ليس مسلما إلى صاحبه ما دام فيه فلا يكون الإفطار إبطال حق ثابت بل هو منع عن تسليمه إلى المستحق فأوجبنا الزاجر بالوصفين أي العبادة والعقوبة وهي أي الكفارة عقوبة وجوبا وعبادة أداء وقد وجدنا في الشرع ما هذا شأنه أي ما يكون عقوبة وجوبا وعبادة أداء كإقامة الحدود ولم نجد على العكس أي لم نجد في الشرع ما هو عقوبة أداء وعبادة وجوبا وإنما قال هذا جوابا لمن يقول لم يعكس حتى تسقط بالشبهة كالحدود تفريع على أن كفارة الفطر عقوبة وبشبهة قضاء القاضي في المنفرد أي المنفرد برؤية هلال رمضان إذا رد القاضي شهادته وقضى أن اليوم من شعبان فأفطر بالوقاع عامدا لا

(٢/٣٢١)

يجب عليه الكفارة عندنا خلافا للشافعي رحمه اللّه تعالى فتسقط إذا أفطرت ثم حاضت أو مرضت وكذا إذا أصبح صائما ثم سافر فأفطر

وأما حقوق العباد فأكثر من أن يحصى وما اجتمعا فيه والأول غالب حد القذف وما اجتمعا فيه

والثاني غالب القصاص

وأما قاطع

(٢/٣٢٢)

الطريق فخالص حق اللّه تعالى عندنا وهذه الحقوق تنقسم إلى أصل وخلف ففي الإيمان أصله التصديق والإقرار ثم صار خلفا في أحكام الدنيا أي صار الإقرار المجرد قائما مقام الأصل في أحكام الدنيا ثم صار أداء أحد أبوي الصغير خلفا عن أدائه حتى لا يعتبر

(٢/٣٢٣)

التبعية إذا وجد أداؤه أي لما كان أداؤه أصلا وأداء الأبوين خلفا فإذا وجد الأصل وهو أداء الصغير العاقل لا تعتبر التبعية فيحكم بإيمانه أصالة لا بكفره تبعية ثم تبعية أهل الدار والغانمين خلفا عن أداء

أحدهما إذا عدما أي إذا عدم الأبوان وكذا الطهارة والتيمم لكنه أي التيمم خلف مطلق عندنا بالنص أي إذا عجز عن

(٢/٣٢٤)

استعمال الماء يكون التيمم خلفا عن الماء مطلقا فيجوز أداء الفرائض بتيمم واحد كما يجوز بوضوء واحد وعنده خلف ضروري أي التيمم خلف عن الماء عند الشافعي رحمه اللّه تعالى عند العجز بقدر ما تندفع به الضرورة حتى لم يجز أداء الفرائض بتيمم واحد وقال أي الشافعي رحمه اللّه تعالى عطف على قوله لم يجز في إناءين نجس وطاهر يتحرى ولا يتيمم فيتوضأ بما يغلب على ظنه طهارته ولا يتيمم بناء على أن التيمم خلف ضروري ولا ضرورة هنا وعندنا يتيمم إذا ثبت العجز بالتعارض أي بين النجس والطاهر ولا احتياج إلى الضرورة فإنه خلف مطلق لا ضروري

ثم عندنا التراب خلف عن الماء فبعد حصول الطهارة كان شرط الصلاة موجودا في كل واحد منهما بكماله فيجوز إمامة المتيمم للمتوضئ كإمامة الماسح للغاسل وعند محمد وزفر رحمهما اللّه تعالى التيمم خلف عن التوضؤ فلا يجوز لأن المتوضئ صاحب أصل والمتيمم صاحب خلف فلا يبني صاحب الأصل القوي صلاته على صاحب الخلف الضعيف كما لا يبني المصلي بركوع وسجود على المومئ

وشرط الخلفية إمكان الأصل ليصير السبب منعقدا له ثم عدمه بعارض كما في مسألة مس السماء بخلاف الغموس

(٢/٣٢٥)

(٢/٣٢٦)

باب المحكوم عليه ولا بد من أهليته للحكم وهي لا تثبت إلا بالعقل قالوا هو نور يضيء به طريق يبتدأ به من حيث ينتهي إليه درك الحواس فيتبدى المطلوب للقلب أي نور يحصل بإشراق العقل

(٢/٣٢٧)

الذي أخبر النبي عليه السلام أنه من أوائل المخلوقات فكما أن العين مدركة بالقوة فإذا وجد النور الحسي يخرج إدراكها إلى الفعل فكذا القلب أي النفس الإنسانية مع هذا النور العقلي وقوله طريق يبتدأ به فابتداء درك الحواس ارتسام المحسوس في الحاسة الظاهرة ونهايته ارتسامه في الحواس الباطنة وحينئذ بداية تصرف القلب فيه بواسطة العقل بأن يدرك من الشاهد أو ينتزع الكليات من تلك الجزئيات المحسوسة ولهذا التصرف مراتب استعداده لهذا الانتزاع ثم علم البديهيات على وجه يوصل إلى النظريات ثم علم النظريات منها ثم استحضارها بحيث لا تغيب وهذا نهايته ويسمى العقل المستفاد والمرتبة الثانية هي مناط التكليف

اعلم أن ما ذكرنا من تعريف العقل أورده مشايخنا في كتبهم ومثلوه بالشمس كما ذكرنا في المتن وهذا مناسب لما قاله الحكماء والتمثيل بعينه مسطور في كتب الحكمة

واعلم أنهم أطلقوا العقل على جوهر مجرد غير متعلق بالبدن تعلق التدبير والصرف وقد ادعوا أن أول شيء خلقه اللّه تعالى هذا الجوهر وقد قال عليه السلام أول ما خلق اللّه تعالى العقل فيمكن أن يراد بهذا التعريف هذا الجوهر الذي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه من أوائل المخلوقات فيكون المراد بالنور المنور كما فسر في قوله تعالى اللّه نور السماوات والأرض وأيضا قد يطلق العقل على الأثر الفائض من هذا الجوهر في الإنسان فيمكن أن يراد

(٢/٣٢٨)

بهذا التعريف هذا المعنى وبيانه أن النفس الإنسانية مدركة بالقوة فإذا أشرف عليها الجوهر المذكور خرج إدراكها من القوة إلى الفعل بمنزلة الشمس إذا أشرقت خرج إدراك العين من القوة إلى الفعل فالمراد بالعقل هذا النور المعنوي الذي حصل بإشراق ذلك الجوهر وقد يطلق العقل على قوة للنفس بها تكسب العلوم وهي قابلية النفس لإشراق ذلك الجوهر ولها أربع مراتب كما ذكرت في المتن ويسمى

الأول العقل الهيولاني

والثاني العقل بالملكة والثالث العقل بالفعل والرابع العقل المستفاد وأيضا يطلق على بعض العلوم فقيل علم بوجوب الواجبات واستحالة المستحيلات وجواز الجائزات وقوله يبتدأ به يلزم من هذا

(٢/٣٢٩)

الكلام أن يكون لدرك الحواس الخمس بداية ونهاية وكذا للإدراك العقلي بداية ونهاية فنهاية درك الحواس هي بداية الإدراك العقلي فاعلم أن بداية درك الحواس ارتسام المحسوسات في إحدى الحواس الخمس ونهايته ارتسامه في الحواس الباطنة والمشهور أن الحواس الباطنة خمس الحس المشترك في مقدم الدماغ وهو الذي يرتسم فيه صور المحسوسات

(٢/٣٣٠)

ثم الخيال وهو خزانة الحس المشترك ثم الوهم في مؤخر الدماغ يرتسم فيه المعاني الجزئية ثم بعده الحافظة وهي خزانة الوهم ثم المفكرة في وسط الدماغ تأخذ المدركات من الطرفين وتتصرف فيها وتركب بينها تركيبا وتسمى مخيلة أيضا فهذا نهاية إدراك الحواس

(٢/٣٣١)

فإذا تم هذا انتزع النفس الإنسانية من المفكرة علوما فهذا بداية تصرف النفس بواسطة إشراق العقل وله أربع مراتب كما ذكرنا والعلم عند اللّه تعالى ثم معلومات النفس

إما أن لا يتعلق بها العمل كمعرفة الصانع تعالى وتسمى علوما نظرية

وإما أن يتعلق وتسمى علمية فإذا اكتسبت العلمية حركت البدن إلى ما هو خير وعما هو شر فيستدل بهذا على وجود تلك القوة وعدمها أي يستدل بهذا التحريك على وجود تلك القوة وهي قابلية النفس لإشراق ذلك الجوهر وإنما يستدل لأن النفس لا محالة آمرة للبدن محركة إلى ما هو خير عندها وعما هو شر عندها والجوهر المذكور دائم الإشراق فإذا حركته إلى الخير وعن الشر علم معرفتها بالخير والشر وهي لا تحصل إلا بالقابلية

(٢/٣٣٢)

المذكورة وإذا لم تحركه إلى الخير وعن الشر علم عدم معرفتها بالخير والشر إذ لو كانت عارفة لحركته ثم عدم معرفتها لعدم قابليتها إذ لو كانت قابلة وقد

قلنا إن ذلك الجوهر دائم الإشراق لكانت عارفة فعلم أن وجود العقل وعدمه يعرفان بالأفعال ثم لما كان العقل متفاوتا في أفراد الناس وذلك التفاوت إنما يكون لزيادة قابلية بعض النفوس ذلك الفيض والإشراق لشدة صفائها ولطافتها في مبدأ الفطرة ونقصان قابلية بعضها لكدورتها وكثافتها في أصل الخلقة متدرجا من النقصان إلى الكمال بواسطة كثرة العلوم ورسوخ الملكات المحمودة فيها فتصير أشد تناسبا بذلك الجوهر ويزداد استضاءتها بأنواره واستفادتها مغانم آثاره فالقابلية المذكورة سبب لحصول العلم والعمل ثم حصول العلم والعمل سبب لزيادة تلك القابلية

والاطلاع على حصول ما ذكرنا أنه مناط التكليف متعذر قدره الشرع بالبلوغ إذ عنده يتم التجارب بتكامل القوى الجسمانية التي هي مراكب للقوى العقلية ومسخرة لها بإذن اللّه تعالى وقد سبق في باب الأمر الخلاف في إيجابه الحسن والقبح فعند المعتزلة الخطاب

(٢/٣٣٣)

متوجه بنفس العقل هذا فرع مسألة الحسن والقبح المذكورة في باب الأمر فالصبي العاقل وشاهق الجبل مكلفان بالإيمان حتى إن لم يعتقدا كفرا ولا إيمانا يعذبان عند المعتزلة وعند الأشعري يعذران فلم يعتبر كفر شاهق الجبل فيضمن قاتله ولا إيمان الصبي والمذهب عندنا التوسط بينهما إذ لا يمكن إبطال العقل بالعقل ولا بالشرع وهو مبني عليه أي الشرع مبني على العقل لأنه مبني على معرفة اللّه تعالى والعلم بوحدانيته والعلم بأن المعجزة دالة على النبوة وهذه الأمور لا تعرف شرعا بل عقلا قطعا للدور لكن قد يتطرق الخطأ في العقليات فإن مبادئ الإدراكات العقلية الحواس فيقع الالتباس بين القضايا الوهمية والعقلية فيتطرق الغلط في مقتضيات الأفكار كما ترى من اختلافات العقلاء بل اختلاف الإنسان نفسه في زمانين فصار دليلنا على التوسط بين مذهب الأشعرية والمعتزلة أمرين

أحدهما التوسط المذكور في مسألة الجبر والقدر وفي مسألة الحسن والقبح وثانيهما معارضة الوهم العقل

(٢/٣٣٤)

في بعض الأمور العقلية وتطرق الخطأ فيها فهو وحده غير كاف أي العقل وحده غير كاف فيما يحتاج الإنسان إلى معرفته بناء على ما ذكرنا من الأمرين بل لا بد من انضمام شيء آخر

إما إرشاد أو تنبيه ليتوجه العقل إلى الاستدلال أو إدراك زمان يحصل له التجربة فيه فتعينه على الاستدلال فلهذا اخترنا التوسط في المسائل المتفرعة المذكورة في المتن وهي قوله فالصبي العاقل لا يكلف بالإيمان لعدم استيفاء مدة جعلها اللّه تعالى علما لحصول التجارب وكمال العقل ولكن يصح منه اعتبارا لأصل العقل ورعاية للتوسط فجعلنا مجرد العقل كافيا للصحة وشرطنا الانضمام المذكور للوجوب والمراهقة إن غفلت عن الاعتقادين

(٢/٣٣٥)

لا تبين من زوجها خلافا للمعتزلة وإن كفرت تبين فإنها إن لم تدرك المدة المذكورة لم يجعل مجرد عقلها كافيا في التوجه إلى الاستدلال لكن إن توجهت علم حينئذ أنها أدركت مدة إفادتها التوجه فجعلنا مجرد عقلها كافيا إذا حصل التوجه وشرطنا الانضمام إذا لم يحصل التوجه

وكذا الشاهق أي لا يكلف قبل مضي زمان يحصل فيه التجربة وبعده يكلف فلا يضمن قاتل الشاهق ولو قبل مدة التجربة فإنه لم يستوجب عصمة بدون دار الإسلام

فصل ثم الأهلية ضربان أهلية وجوب وأهلية أداء

أما الأولى فبناء على الذمة وهي في

(٢/٣٣٦)

اللغة العهد وفي الشرع وصف يصير به الإنسان أهلا لما له وعليه قال اللّه تعالى وإذ أخذ

(٢/٣٣٧)

ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى هذه الآية إخبار عن عهد جرى بين اللّه وبين بني آدم وعن إقرارهم بوحدانية اللّه تعالى وبربوبيته والإشهاد عليهم دليل على أنهم يؤاخذون بموجب إقرارهم من أداء حقوق تجب للرب تعالى على عباده فلا بد لهم من وصف يكونون به أهلا للوجوب عليهم فيثبت لهم الذمة بالمعنى اللغوي والشرعي

وقال وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه العرب كانوا ينسبون الخير والشر إلى الطائر فإن مر سانحا يتيمنون به وإن مر بارحا يتشاءمون به فاستعير الطائر لما هو في الحقيقة سبب للخير والشر وهو قضاء اللّه تعالى وقدره وأعمال

(٢/٣٣٨)

العباد فإنها وسيلة لهم إلى الخير والشر فالمعنى ألزمناه ما قضي له من خير أو شر وألزمناه عمله لزوم القلادة أو الغل العنق أي لا ينفك عنه أبدا فدلت الآية على لزوم العمل للإنسان فمحل ذلك اللزوم وهو الذمة فقوله في عنقه استعار العنق لذلك الوصف المعنوي الذي به يلزم التكليف لزوم القلادة أو الغل العنق

وقال وحملها الإنسان فهذه الآية تدل على خصوصية الإنسان بحمل أعباء التكليف أي وجوبها عليه فيثبت بهذه الآيات الثلاث أن للإنسان وصفا هو به يصير أهلا لما عليه وقد فسر الذمة بوصف يصير هو به أهلا لما له وما عليه ولا دليل في هذه الآيات على وصف يصير به أهلا لما له ولكن المقصود هنا إثبات أهلية الوجوب عليه فيكون هذا كافيا في إثبات المقصود

وأما الدلائل الدالة على الوصف الذي يصير به أهلا لما له فكثيرة منها قوله تعالى وما من دابة في الأرض إلا على اللّه رزقها وقوله تعالى خلق لكم ما في الأرض جميعا ونحوهما

فقبل الولادة له ذمة من وجه يصلح ليجب له الحق لا ليجب عليه فإذا ولد تصير

(٢/٣٣٩)

ذمته مطلقة لكن الوجوب غير مقصود بنفسه بل المقصود حكمه وهو الأداء فكل ما يمكن أداؤه يجب وما لا يمكن فلا فحقوق العباد ما كان منها غرما وعرضا يجب أي على الصبي وهذا فهم من قوله فإذا ولد لأن المقصود هو المال وأداؤه يحتمل النيابة وكذا ما كان صلة تشبه المؤن أو الأعواض كنفقة القريب نظير الصلة التي تشبه المؤن والزوجة نظير الصلة التي تشبه الأعواض لا صلة تشبه الأجزية أي لا يجب فلا يتحمل العقل أي لا يتحمل الصبي الدية

وإن كان عاقلا في هذا الكلام إبهام لأنه يشبه أن يكون جزاء أنه لم يحفظه عما فعل ولا العقوبة أي لا يجب على الصبي العقوبة كالقصاص ولا الأجزية كحرمان الميراث على ما مر في باب المحكوم به وهو قوله كحرمان الميراث بالقتل في حق الصبي لأنه لا يوصف بالتقصير

وأما حقوق اللّه تعالى فالعبادات لا تجب عليه

أما البدنية فظاهرة لأن الصبا سبب العجز

(٢/٣٤٠)

وأما المالية فلأن المقصود هو الأداء لا المال فلا يحتمل النيابة فصارت كالبدنية ولا العقوبات كالحدود ولا عبادة فيها مؤنة كصدقة الفطر عند محمد رحمه اللّه تعالى لرجحان معنى العبادة ويجب عندهما اجتزاء أي اكتفاء بالأهلية القاصرة وما كان مؤنة محضة كالعشر والخراج يجب وعلى الأصل المذكور وهو أن ما يمكن أداؤه يجب وما لا

(٢/٣٤١)

فلا

قلنا لو وجب أداء الصلاة على الحائض والحيض ينافيها لظهور ذلك في حق القضاء وفي قضائها حرج فيسقط أصل الوجوب بخلاف الصوم إذ ليس في القضاء حرج والأداء محتمل أي يحتمل أن يكون أداء الصوم من الحائض واجبا لأن الحدث لا ينافي الصوم وعدم جوازه منها أي عدم جواز الصوم من الحائض خلاف القياس فينتقل إلى الخلف أي ينتقل الوجوب إلى الخلف وهو القضاء والجنون الممتد بوجوب الحرج في الصلاة والصوم وكذا الإغماء الممتد في الصلاة دون الصوم لأنه أي الإغماء يندر مستوعبا شهر رمضان

وأما الثانية أي أهلية الأداء فقاصرة وكاملة وكل تثبت بقدرة كذلك أي أهلية الأداء القاصرة تثبت بقدرة قاصرة وأهلية الأداء الكاملة تثبت بقدرة كاملة

والقدرة القاصرة تثبت بالعقل القاصر وهو عقل الصبي والمعتوه والكاملة بالعقل الكامل وهو عقل البالغ غير المعتوه فما يثبت بالقاصرة أقسام فحقوق اللّه تعالى كالإيمان وفروعه تصح من الصبي لقوله عليه الصلاة والسلام مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعا واضربوهم إذا بلغوا عشرا وإنما الضرب للتأديب جواب إشكال وهو أن يقال كيف

(٢/٣٤٢)

يضرب والضرب عقوبة والصبي ليس من أهلها فأجاب بأن هذا الضرب للتأديب والصبي أهل للتأديب ولأنه عطف على قوله لقوله عليه الصلاة والسلام أهل للثواب ولأن الشيء إذا وجد لا ينعدم شرعا إلا بحجره أي بحجر الشرع وهو باطل فيما هو حسن وفيه نفع محض ولا ضرر إلا في لزوم أدائه وهو عنه موضوع

وأما حرمان الميراث والفرقة فيضافان إلى كفر الآخر جواب إشكال وهو أن لزوم أداء الإسلام لما كان موضوعا عن الصبي لكونه ضررا يلزم أن لا يثبت بإسلامه حرمان الميراث عن مورثه الكافر ولا الفرقة بينه وبين زوجته الوثنية لأن كلا منهما ضرر فأجاب بأنهما يضافان إلى كفر الآخر لا إلى إسلامه وأيضا هما من ثمرات الإيمان وإنما يعرف صحة الشيء بحكمه الذي وضع له وهو سعادة الدارين ألا ترى أنهما يثبتان تبعا ولم يعدا ضررا حتى لو كان ضررا لا يلزم بتبعية

(٢/٣٤٣)

الأب إذ تصرفات الأب لا تلزم الصغير فيما هو ضرر محض

وأما الكفر فيعتبر منه أيضا لأن الجهل لا يعد علما فتصح ردته فيلزم أحكام الآخرة لأنها تتبع الاعتقاديات والاعتقاديات أمور موجودة حقيقة لا مرد لها بخلاف الأمور الشرعية وكذا أحكام الدنيا لأنها تثبت ضمنا أي لأن أحكام الدنيا تثبت بالكفر ضمنا والأحكام القصدية في الإسلام والكفر هي الأحكام الأخروية ولما كانت ثابتة ضمنا تثبت وإن كانت ضررا مع أنه لا يصح منه قصدا ما هو ضرر دنيوي على أنها تلزم تبعا أيضا أي الأحكام الدنيوية بسبب الكفر تلزم الصبي تبعا للأبوين وإن كان لا يلزمه تصرفاتهما الضارة قصدا

وأما حقوق العباد فما كان نفعا محضا كقبول الهبة ونحوه يصح وإن لم يأذن وليه فإن آجر المحجور أي الصبي المحجور أو العبد المحجور نفسه وعمل يجب الأجر استحسانا وفي القياس لا يجب الأجر لبطلان العقد

(٢/٣٤٤)

وجه الاستحسان أن عدم الصحة كان لحق المحجور حتى لا يلزمه ضرر فإذا عمل فوجوب الأجرة نفع محض وإنما الضرر في عدم الوجوب لكن في العبد يشترط السلامة حتى إن تلف فيه يضمن أي إن تلف العبد المحجور في ذلك العمل يضمن المستأجر بخلاف الصبي لأن الغصب لا يتحقق في الحر وإذا قاتلا لا يستحقان الرضخ الضمير يرجع إلى الصبي والعبد المحجورين والرضخ عطاء لا يكون كثيرا أي لا يبلغ سهم الغنيمة ويصح تصرفهما وكيلين بلا عهدة وإن لم يأذن الولي إذ في الصحة اعتبار الآدمية وتوسل إلى إدراك المضار والمنافع واهتداء في التجارة بالتجربة قال اللّه تعالى وابتلوا اليتامى وما كان ضررا محضا عطف على قوله فما كان نفعا كالطلاق والهبة والقرض ونحوها لا يصح منه وإن أذن وليه ولا مباشرته أي لا يصح مباشرة الولي الطلاق والهبة والقرض من قبل الصبي إلا القرض للقاضي وإنما يصح إقراض مال الصبي للقاضي دون غيره من الأولياء لأن القاضي أقدر على استيفائه فإن عليه صيانة الحقوق والعين لا يؤمن هلاكها جملة حالية أي لما كان صيانة الحقوق على القاضي والحال أن العين ربما تهلك فيقرضها القاضي لتلزم في ذمة المستقرض ويأمن هلاكها

(٢/٣٤٥)

وما كان مترددا بينهما أي بين النفع والضرر كالبيع والشراء ونحوهما فمن حيث إنه يدخل المشترى في ملك المشتري نفع ومن حيث إنه يخرج البدل من ملكه ضرر يصح شرط رأي الولي لأنه أي الصبي أهل لحكمه إذا باشر وليه فكذا إذا باشر بنفسه برأي الولي ويحصل بهذا أي بمباشرة الصبي برأي الولي ما يحصل بذلك أي بمباشرة الولي مع فضل تصحيح عبارته وتوسيع طريق حصول المقصود ثم هذا أي تصرف الصبي برأي الولي فيما يتردد بين النفع والضرر عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى بطريق أن احتمال الضرر في تصرفه يزول برأي الولي فيصير كالبالغ حتى يصح بغبن فاحش من الأجانب ولا يملكه الولي فأما من الولي أي بيع الصبي من الولي مع غبن فاحش ففي رواية يصح لما

قلنا أنه يصير كالبالغ وفي رواية لا لأنه أي الصبي في الملك أصيل وفي الرأي أصيل من وجه دون وجه لأن له أصل الرأي باعتبار أصل العقل دون وصفه إذ ليس له كمال العقل فثبت شبهة النيابة أي شبهة أنه نائب الولي إذا كان كذلك صار كأن الولي يبيع من نفسه مال الصبي بالغبن فاعتبرت أي شبهة النيابة في موضع التهمة وهو أن يبيع الصبي من الولي وسقطت في غير موضعها أي في غير موضع التهمة وهو ما إذا باع من الأجانب وعندهما متعلق بقوله ثم هذا عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى بطريق أنه أي تصرف الصبي يصير برأيه أي برأي الولي كمباشرته أي الوالي فلا يصح بالغبن الفاحش أصلا أي لا من الولي ولا من الأجانب

وأما وصيته أي وصية الصبي فباطلة لأن الإرث شرع نفعا للمورث قال عليه الصلاة والسلام لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم فقراء عالة يتكففون الناس أي

(٢/٣٤٦)

يمدون أكفهم سائلين وإنما ذكر الوصية لأنها تراد إشكالا وهو أن الوصية نفع لأنها سبب لثواب الآخرة مع أنه لا يزول الموصى به ما دام حيا من ملكه فينبغي أن يصح وصيته فأجاب بأن الإرث شرع نفعا للمورث وفي الوصية إبطال الإرث حتى شرع في حق الصبي فرع على أن الإرث شرع نفعا للمورث حتى لو كان ضررا لما شرع في حق الصبي إلا أنها شرعت في حق البالغ كالطلاق جواب إشكال وهو أن الوصية لما كانت ضررا لكونها إبطالا للإرث ينبغي أن لا تصح من البالغ فأجاب بأنها شرعت من البالغ وإن كان ضررا كالطلاق

(٢/٣٤٧)

فصل الأمور المعترضة على الأهلية سماوية ومكتسبة أو السماوية فمنها الجنون وهو اختلال العقل بحيث يمنع جريان الأفعال والأقوال على نهج العقل إلا نادرا وهو في القياس مسقط لكل العبادات لمنافاته القدرة ولهذا عصم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عنه وحيث لم يمكن الأداء يسقط الوجوب لكنهم استحسنوا أنه إذا لم يمتد لا يسقط الوجوب لعدم الحرج على أنه لا ينافي أهلية الوجوب فإنه يرث ويملك لبقاء ذمته وهو أهل للثواب ثم عند أبي يوسف رحمه اللّه تعالى هذا إشارة إلى أنه لا يسقط الوجوب إذا لم يمتد الجنون إذا اعترض بعد البلوغ

أما إذا بلغ مجنونا فإنه يسقط مطلقا ومحمد لم يفرق ما بين عرض بعد

(٢/٣٤٨)

البلوغ وبين ما إذا بلغ مجنونا فالممتد مسقط وغير الممتد مسقط ففي كل واحد من الصورتين الممتد مسقط وغير الممتد غير مسقط عنده ثم الامتداد في الصلاة بأن يزيد على يوم وليلة بساعة وعند محمد بصلاة فتصير الصلاة ستا وفي الصوم بأن يستغرق شهر رمضان وبالزكاة بأن يستغرق الحول عند محمد رحمه اللّه تعالى وعند أبي يوسف رحمه اللّه تعالى

(٢/٣٤٩)

أكثره كاف أي الجنون في أكثر الحول كاف لسقوط الزكاة

وأما إيمانه فلا يصح لعدم ركنه وهو الاعتقاد لعدم العقل وذلك لا يكون حجرا وإنما قال هذا جوابا لسؤال وهو أن عدم صحة الإسلام من المجنون إذا تكلم بكلمة التوحيد إنما يكون بطريق الحجر والحجر إنما شرع بطريق النظر ولا نظر في الحجر عن الإسلام لأنه نفع محض فلا يصح الحجر عنه فأجاب عنه بأن عدم صحته ليس بطريق الحجر ويصح تبعا عطف على قوله فلا يصح

(٢/٣٥٠)

وإذا أسلمت امرأته عرض الإسلام على وليه ويصير مرتدا تبعا لأبويه

وأما المعاملات فإنه يؤاخذ بضمان الأفعال في الأموال لما

قلنا في الصبي في أول فصل الأهلية وهو قوله فحقوق العباد ما كان منها غرما وعوضا يجب ولما بينا أنه أهل لكن هذا العارض من أسباب الحجر

وأما ما هو من الأقوال فتفسد عباراته

ومنها الصغر إنما جعل الصغر من العوارض مع أنه حالة أصلية للإنسان في مبدأ الفطرة لأن الصغر ليس لازما لماهية الإنسان إذ ماهية الإنسان لا تقتضي الصغر فنعني بالعوارض على الأهلية هذا المعنى أي حالة لا تكون لازمة للإنسان وتكون منافية للأهلية ولأن اللّه تعالى خلق الإنسان لحمل أعباء التكاليف ولمعرفة اللّه تعالى فالأصل أن يخلقه على صفة تكون وسيلة إلى حصول ما قصده من خلقه

(٢/٣٥١)

وهو أن يكون من مبدأ الفطرة وافر العقل تام القدرة كامل القوى والصغر حالة منافية لهذه الأمور فتكون من العوارض فقبل أن يعقل كالمجنون

أما بعده فيحدث له ضرب من أهلية الأداء لكن الصبا عذر مع ذلك فيسقط عنه ما يحتمل السقوط عن البالغ فلا يسقط نفس الوجوب في الإيمان حتى إذا أداه كان فرضا لا نفلا حتى إذا بلغ لا يجب عليه الإعادة لكن التكليف والعهدة عنه ساقطان فلا يحرم الميراث بالقتل تعقيب لقوله لكن التكليف والعهدة عنه ساقطان بالقتل ولا يلزم على هذا الحرمان بالكفر والرق لأنهما ينافيان الإرث فعدم الحق لعدم سببه أو لعدم الأهلية لا يعد جزاء إنما قال هذا لأن الحرمان بسبب القتل إنما هو بطريق الجزاء فإن القاتل تعجل بأخذ الميراث فجوزي بحرمانه لكن الصبي ليس من أهل الجزاء بالشر فلم يحرم ولا يشكل على هذا الحرمان بالكفر والرق لأن الحرمان بهما ليس بطريق الجزاء بل لعدم سببه في الكفر وعدم الأهلية في الرق

ومنها العته وهو اختلال في العقل بحيث يختلط كلامه فيشبه مرة كلام العقلاء ومرة كلام المجانين وحكمه حكم الصبي

(٢/٣٥٢)

مع العقل فيما ذكرنا إلا أن امرأة المعتوه إذا أسلمت لا يؤخر عرض الإسلام عليه كما لا يؤخر عرضه على ولي المجنون بخلاف الصبي والفرق أنهما أي الجنون والعته غير مقدرين والصبا مقدر

ومنها النسيان وهو لا ينافي الوجوب لكنه لما كان من جهة صاحب الشرع يكون عذرا في حقه أي في حق صاحب الشرع فيما يقع فيه غالبا لا في حق العباد وهو

إما أن يقع فيه المرء بتقصيره كالأكل في الصلاة مثلا فإن حالها مذكرة

وإما لا بتقصيره

إما بأن يدعو إليه

(٢/٣٥٣)

الطبع كالأكل في الصوم أو بمجرد أنه مركوز في الإنسان كما هو في تسمية الذبيحة والأول ليس بعذر بخلاف الأخيرين فسلام الناسي يكون عذرا لأنه غالب الوجود

ومنها النوم وهو لما كان عجزا عن الإدراكات والحركات الإرادية أوجب تأخير الخطاب لا الوجوب أي نفس الوجوب لاحتمال الأداء بعده بلا حرج لعدم امتداده قال عليه الصلاة والسلام من نام عن صلاة الحديث وأبطل عباراته أي أبطل النوم عبارات النائم وهو عطف على قوله أوجب تأخير الخطاب لعدم الاختيار فإذا قرأ في صلاته نائما لا تصح القراءة وإذا تكلم لا تفسد وإذا قهقه لا يبطل الوضوء ولا الصلاة

ومنها الإغماء وهو تعطل القوى المدركة

(٢/٣٥٤)

والمحركة حركة إرادية بسبب مرض يعرض للدماغ أو القلب وهو ضرب من المرض حتى لم يعصم منه النبي عليه الصلاة والسلام وهو فوق النوم فيما ذكرنا لأن النوم حالة طبيعية يتعطل معها القوى المدركة بسبب ترقي البخارات إلى الدماغ ولما كان النوم حالة طبيعية كثيرة الوقوع وسببه شيء لطيف سريع الزوال والإغماء على خلافه في جميع هذه الأمور كان الإغماء فوق النوم ألا ترى أن التنبيه والانتباه من النوم في غاية السرعة

أما التنبيه من الإغماء فغير ممكن فيبطل العبادات ويوجب الحدث في كل حال أي سواء كان قائما أو راكعا أو ساجدا أو متكئا أو مستندا بخلاف النوم وإنما جعلناه كذلك لما ذكرنا من قوة سبب الإغماء وكثافته ولطافة سبب النوم فمنافاة الإغماء تماسك اليقظة أشد من منافاة النوم إياه فجعل الإغماء حدثا في كل حال لا النوم وأيضا كثرة وقوع النوم وقلة الإغماء توجب ذلك دفعا للحرج

(٢/٣٥٥)

ولما كان نادرا في الصلاة يمنع البناء وهو في القياس لا يسقط شيئا من الواجبات كالنوم وفي الاستحسان يسقط ما فيه حرج وهو في الصلاة بأن يمتد حتى يزيد على يوم وليلة وفي الصوم والزكاة لا يعتبر لأنه يندر وجوده شهرا أو سنة

ومنها الرق وهو عجز حكمي شرع في الأصل جزاء عن الكفر فيكون حق اللّه تعالى لكنه في البقاء أمر حكمي به يصير

(٢/٣٥٦)

المرء عرضة للتملك فحينئذ يكون حق العبد وهو لا يحتمل التجزي حتى إن أقر مجهول النسب أن نصفه ملك فلان يجعل عبدا في شهادته وجميع أحكامه وكذا العتق الذي هو ضده أي لا يحتمل التجزي لأنه يلزم من تجزيه تجزي الرق وكذا الإعتاق عندهما لعدم تجزي لازمه اتفاقا فمعتق البعض معتق الكل عندهما وعند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى متجزئ إذ الإعتاق إزالة الملك لأن العبد إنما يتصرف في حقه ثم يلزم من إزالة كله زوال الرق وهو

(٢/٣٥٧)

العتق فإعتاق البعض إيجاد شطر العلة ففي الابتداء ثبوت حق العبد يتبع ثبوت حق اللّه تعالى وفي البقاء على العكس حتى أن زواله يتبع زوال حق العبد أي زوال حق اللّه تعالى يتبع زوال حق العبد فمعتق البعض مكاتب عنده إلا في الرد إلى الرق والرق يبطل مالكية المال لأنه مملوك مالا فلا يملك المكاتب التسري ولا يصح منهما الحج أي من الرقيق والمكاتب

(٢/٣٥٨)

حتى إذا أعتقا ووجب الحج عليهما لا يقع المؤدى قبل العتق من الواجب بخلاف الفقير لأن منافع بدنهما ملك المولى إلا ما استثنى من الصلاة والصوم ويصح من الفقير لأن أصل القدرة ثابت له وإنما الزاد والراحلة لنفي الحرج ولا يبطل مالكية غير المال كالنكاح والدم والحياة فيصح إقراره بالحدود والقصاص وبالسرقة المستهلكة سواء كان أقر بها المأذون أو المحجور إذ ليس فيها إلا القطع وبالقائمة المأذون

وأما من المحجور فيصح عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى مطلقا أي في القطع ورد المال وعند محمد رحمه اللّه تعالى لا

(٢/٣٥٩)

يصح مطلقا وعند أبي يوسف رحمه اللّه تعالى يصح في حق القطع دون المال وينافي كمال أهلية الكرامات البشرية كالذمة والحل والولاية فيضعف الذمة حتى لا يحتمل الدين إلا إذا ضمنت إليها مالية الرقبة والكسب فيباع في دين لا تهمة في ثبوته كدين الاستهلاك أي استهلاك مال الإنسان والتجارة لا فيما كان في ثبوته تهمة كما إذا أقر المحجور أو تزوج بغير إذن مولاه ودخل بل يؤخر إلى عتقه وينصف الحل بتنصيف المحل في حق الرجال أي يحل للحر أربع وللرقيق ثنتان وباعتبار الأحوال في حق النساء كما سبق أي في فصل الترجيح أي تحل الأمة إذا كانت مقدمة على الحرة ولا تحل إذا كانت مؤخرة عنها أو مقارنة وينصف الحد والعدة والقسم والطلاق لكن الوحدة لا تقبله أي التنصيف فيتكامل

(٢/٣٦٠)

وعدد الطلاق عبارة عن اتساع المملوكية فاعتبر بالنساء

فإن قيل يلزم من اتساع المملوكية اتساع المالكية أيضا فكما يعتبر بالنساء يجب أن يعتبر بالرجال أيضا

قلنا قد اعتبر مالكية الزوج مرة حتى انتقص عدد الزوجات فإن انتقص مالكيته في هذا العدد الناقص يلزم النقصان من المنصف ولما كان أحد الملكين وهو ملك النكاح والطلاق ثابتا له على الكمال والملك الآخر وهو ملك المال ناقصا غير منتف بالكلية لأنه يملك اليد لا الرقبة أوجب ذلك نقصانا في قيمته فانتقصت ديته عن دية الحر بشيء هو معتبر شرعا في المهر والسرقة وهو

(٢/٣٦١)

عشرة دراهم

وأما المرأة فهي مالكة لأحدهما وهو المال دون الآخر فتنصف ديتها

اعلم أن الملك نوعان ملك المال وملك ما ليس بمال وهو ملك المتعة كالنكاح

والثاني ثابت للعبد والأول ناقص لأنه يملك ملك اليد لا ملك الرقبة فتكون قيمته ناقصة عن قيمة الحر أي عن ديته لا نصفها أي إذا بلغ قيمة العبد المقتول خطأ عشرة آلاف درهم فإنه ينقص عن قيمته عشرة دراهم

وأما المرأة الحرة فإن ملك المال ثابت لها دون ملك النكاح فديتها نصف دية الرجل هذا ما ذكروا وقد وقع على هذا التقرير في خاطري اعتراض فقلت لكن هذه العلة لا تختص بالدية وأيضا توجب الإكمال فيما هو من باب الازدواج أي لو كانت العلة لنقصان دية العبد عن دية الحر هذا الأمر وجب أن لا يختص هذا الحكم بالدية بل يكون مطردا في جميع الصور ولا يكون الرق منصفا لشيء من الأحكام بل يوجب نقصانا والواقع خلاف هذا وأيضا لما ذكروا أن أحد الملكين ثابت للرقيق وهو الازدواج ينبغي أن يكون كل ما هو من باب الازدواج كاملا في الأرقاء وليس كذلك ثم لما ثبت أن العلة لنقصان ديته عن دية الحر ليست ما ذكروا أردت أن أبين ما هو العلة لثبوت هذا الحكم فقلت وإنما انتقص ديته لأن المعتبر فيه أي في العبد المالية فلا تنصف لكن في الإكمال شبهة المساواة بالحر فينتقص وهو أهل للتصرف في المال حتى أن المأذون يتصرف لنفسه

(٢/٣٦٢)

بأهليته عندنا وعند الشافعي رحمه اللّه تعالى لا بل هو كالوكيل وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا أذن العبد في نوع من التجارة فعندنا يعم إذنه لسائر الأنواع وعنده لا بل يختص الإذن بما أذن فيه كما في الوكالة لأنه لما لم يكن أهلا للملك لم يكن أهلا لسببه وقلنا هو أهل للتكلم والذمة فيحتاج إلى قضاء ما يجب في ذمته وأدنى طرقه اليد على أنها أي اليد ليست بمال فلا يكون الرق منافيا لملك اليد لكنه مناف لملك المال لكونه مملوكا حال كونه مالا وهي الحكم الأصلي في التصرفات أي اليد هي الغرض الأصلي في التصرفات فإن الإنسان محتاج إلى الانتفاع بما يكون سببا لبقائه ولا يمكن الانتفاع إلا بكونه في يده فشرع التصرفات كالشراء ونحوه لحصول ملك اليد ثم ملك الرقبة إنما يثبت ليكون وسيلة إلى ملك اليد فإن ملك الرقبة هو اختصاص المالك بالشيء فيقطع طمع الطامعين والإفضاء إلى التنازع والتقاتل ونحوهما فثبت أن المقصود في التصرفات ملك اليد فأما ملك الرقبة فإنما يثبت ضرورة إكمال ملك اليد فيبطل ما قال لما لم يكن أهلا للملك لم يكن أهلا لسببه لأن مباشرة سبب الملك لا تكون خالية عن المقصود الأصلي لأن المقصود وهو ملك اليد حاصل للعبد فأما الملك أي ملك الرقبة فإنما هو حكم ضروري أي ليس مقصودا

(٢/٣٦٣)

أصليا أي مقصودا لذاته وإنما يثبت ضرورة أن يثبت شيء آخر وإذا كان كذلك فعدم أهليته لما هو المقصود بالذات يوجب عدم أهليته لما شرع لأجله

أما عدم أهليته لما هو المقصود بالغير فلا يوجب عدم أهليته لما يكون وسيلة إليه لا سيما إذا كان أهلا لذلك الغير المقصود لذاته كملك اليد في مسألتنا فاليد تثبت له والملك للمولى خلافة عنه أي يكون المولى قائما مقام العبد فإن الأصل أن يثبت الملك للمباشر وهو كالوكيل في الملك أي العبد المأذون في الملك بمنزلة الوكيل أي إذا اشترى شيئا يقع الملك للمولى كما يقع الملك للموكل في شراء الوكيل وفي بقاء الإذن في مسائل مرض المولى وعامة مسائل المأذون أي المأذون في حال بقاء الإذن بمنزلة الوكيل في هاتين الصورتين وهما مرض المولى وعامة مسائل المأذون

أما

(٢/٣٦٤)

مرض المولى فصورته أن المأذون إن تصرف في حال مرض المولى وحابى محاباة فاحشة وعلى المولى دين لا يصح تصرفه أصلا وإذا لم يكن على المولى دين والمسألة بحالها يعتبر من الثلث لا من جميع المال فهو في حال مرض المولى كالوكيل ولو كان هذا التصرف في حال الصحة يصح ويعتبر من جميع المال ففي حال صحة المولى ليس كالوكيل

وأما عامة مسائل المأذون فكما إذا أذن المولى عبده والعبد المأذون عبدا اشتراه من كسبه في التجارة ثم حجر المولى المأذون

الأول لا ينحجر

الثاني بمنزلة الوكيل إذا وكل غيره وعزل الموكل الوكيل

الأول لم ينعزل

الثاني وكذا إذا مات المأذون

الأول لا ينحجر

الثاني كالوكيل إذا مات وإنما قال في بقاء الإذن لأنه في حال ابتداء الإذن ليس كالوكيل عندنا فإن الوكيل لا يثبت له التصرف إلا فيما وكل به بخلاف المأذون لكن في بقاء الإذن هو كالوكيل وهو معصوم الدم كالحر لأنها أي العصمة وقد فهمت من قوله وهو معصوم الدم بناء على الإسلام وداره فيقتل الحر بالعبد والرق يوجب نقصانا في الجهاد على ما

قلنا

(٢/٣٦٥)

في الحج إن منافعه ملك المولى إلا ما استثني فلا يستحق السهم الكامل وينافي الولايات كلها فلا يصلح أمان المحجور لأنه تصرف على الناس ابتداء

وأما أمان المأذون فليس من باب

(٢/٣٦٦)

الولاية لأنه لا يصح أولا في حقه إذ هو شريك في الغنيمة ثم يتعدى كما في شهادته بهلال رمضان فإن صوم رمضان يثبت أولا في حقه ثم يتعدى إلى كافة الناس ولا تشترط الولاية لمثل هذا وينافي ضمان ما ليس بمال فلا تجب الدية في جناية العبد بل يجب دفعه جزاء أي لا يجب على العبد ضمان ما ليس بمال لأن الضمان ما ليس بمال صلة والعبد ليس بأهل

(٢/٣٦٧)

لها حتى لا يجب عليه نفقة المحارم فلا يجب الدية في جناية العبد خطأ لأن الدية صلة في حق الجاني كأنه يهب ابتداء وعوض في حق المجني عليه فكون المتلف غير مال ينافي الوجوب على العبد وكون الدم مما لا ينبغي أن يهدر يوجب الحق للمتلف عليه فصارت رقبته جزاء إلا أن يختار المولى الفداء فيصير الوجوب عائدا إلى الأصل فإن الأرش أصل في الباب حتى لا يبطل بالإفلاس وعندهما يصير كالحوالة أي الأرش أصل في باب الجنايات خطأ لكن العبد ليس أهلا لأن يجب عليه الأرش لما

قلنا أنه صلة ولما لم يجب عليه الأرش لا يمكن تحمل العاقلة عنه فصارت رقبته جزاء لكن لما اختار المولى الأرش فداء عن العبد لئلا يفوته العبد صار وجوب الفداء عائدا إلى الأصل لا كالحوالة حتى إذا

(٢/٣٦٨)

أفلس المولى بعد اختيار الفداء لا يجب الدفع عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى وعندهما يكون كالحوالة حتى يعود حق ولي الجناية في الدفع

ومنها الحيض والنفاس وهما لا يعدمان الأهلية إلا أن الطهارة عندهما شرط للصلاة والصوم على ما مر

ومنها المرض وهو لا ينافي الأهلية لكنه لما فيه من العجز شرعت العبادات فيه للقدرة الممكنة ولما كان سبب الموت وهو علة للخلافة كان سبب تعلق الوارث والغريم فيوجب الحجر إذا اتصل بالموت الضمير في وهو يرجع إلى الموت والضمير في كان وفي يوجب وفي اتصل يعود إلى المرض والمعنى أن الموت علة لأن يقوم الغير

(٢/٣٦٩)

مقامه مستندا إلى أوله أي أول المرض وهو حال عن قوله فيوجب الحجر فإن مرض الموت يوجب الحجر ولا يظهر أنه مرض الموت إلا باتصاله بالموت فإذا اتصل به يثبت الحجر مستندا إلى أول المرض في قدر ما يصان به حقهما فقط أي حق الغريم والوارث وقوله في قدر متعلق بالحجر فيجوز النكاح بمهر المثل ففي مقدار مهر المثل لم يتعلق به حق الوارث والغريم لأن المريض محتاج إلى النكاح لبقاء نسله وفي كل ما يحتاج هو إليه لا يتعلق به حق الغير وإذا لم يتعلق حقهما بمهر المثل لم يكن في الحجر عن النكاح بمهر المثل صيانة حقهما إذ لا حق لهما فيه وكل تصرف يحتمل الفسخ يصح في الحال ثم ينقض إن احتيج إليه وما لا يحتمله أي الفسخ كالإعتاق يصير كالمعلق بالموت إذ لا يقبل النقض فإن كان على الميت دين مستغرق ينفذ على وجه لا يبطل حق الدائن فيجب السعاية في الكل وإن لم يكن دين مستغرق ينفذ على وجه لا يبطل حق الوارث في الثلثين والقياس في الوصية البطلان لكن الشرع جوزها نظرا له أي للمريض ليتدارك

(٢/٣٧٠)

بتقصيرات أيام حياته في القليل ليعلم أن الحجر وترك إيثار الأجنبي على الوارث أصل ولما أبطل الشرع الوصية للوارث إذ تولى بنفسه

اعلم أنه تعالى فرض أولا الوصية للوارث بقوله تعالى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف ثم تولى بنفسه حيث قال يوصيكم اللّه فنسخ

الأول بطلت أي الوصية للوارث صورة بأن يبيع المريض عينا من التركة من الوارث بمثل القيمة لأنه وصية بصورة العين لا بمعناه ومعنى بأن يقر لأحد من الورثة فإنه وصية معنى وحقيقة بأن أوصى لأحد الورثة وشبهة بأن باع الجيد من الأموال الربوية برديء منها وتقومت الجودة عطف على قوله بطلت في حقه أي في حق الوارث كما في الصغار أي إن باع الولي مال الصبي من نفسه تقومت الجودة حتى لا يجوز إلا باعتبار القيمة ولما تعلق

(٢/٣٧١)

حق الورثة والغرماء بما له صورة ومعنى في حقهم أي في حق الورثة والغرماء حتى لا يكون لأحد الورثة أن يأخذ التركة ويعطي باقي الورثة القيمة ولو قضى المريض حق بعض الغرماء بمثل القيمة شاركهم البقية ولا يجوز للمريض البيع من أحد الورثة أو الغرماء بمثل القيمة ومعنى فقط في حق غيرهم حتى يصح بيع المريض من الأجانب بمثل القيمة لا ينفذ إعتاق المريض هذا تفريع على قوله ومعنى فقط في حق غيرهم فإن حق الغرماء والورثة لما تعلق بالتركة من حيث المعنى فقط بالنسبة إلى غيرهم والعبد غيرهم فبالنسبة إلى العبد تعلق حقهم بماليته لا بصورته فيصح إعتاق المريض من حيث الصورة فيصير العبد مستحقا للحرية ولا يمكن نقض الإعتاق لكن لا ينفذ من حيث المعنى وهي المالية حتى يجب السعاية في الكل إذا استغرق الدين وفيما وراء ثلث المال إذا لم يستغرق فيكون بمنزلة المكاتب إلا أنه لا يمكن رده إلى الرق بخلاف إعتاق الراهن لأن حق المرتهن في ملك اليد

(٢/٣٧٢)

فقط فإن إعتاق الراهن ينفذ فإن كان الراهن غنيا فلا سعاية على العبد وإن كان فقيرا يسمى في الأقل من قيمته ومن الدين لكن يرجع على المولى بعد غناء فعتق الراهن حر مديون فتقبل شهادته قبل السعاية ومعتق المريض قبل السعاية بمنزلة المكاتب فلا تقبل شهادته

ومنها الموت وهو عجز ظاهر كله والأحكام هنا دنيوية وأخروية

أما الأولى فكل ما هو من باب التكليف يسقط به إلا في حق الإثم وما شرع عليه لحاجة غيره إن كان متعلقا بالعين يبقى ببقائها كالوديعة لأنها أي العين هي المقصودة وإن كان دينا لا يبقى بمجرد الذمة إلا أن يضم إليها أي إلى الذمة مال أو كفيل فلا تجوز الكفالة عن ميت إلا عند وجود

أحدهما أي الكفالة لا تجوز إلا أن يبقى عنه مال أو كفيل ويلزمه الدين مضافا إلى سبب صح في حياته كما إذا حفر بئرا فوقع فيها حيوان بعد موته

وأما ما شرع صلة كنفقة المحارم إلا أن يوصي فيصح من الثلث

وأما ما شرع له لحاجته فتبقى ما تنقضي به الحاجة فتبقى التركة على حكم ملكه حتى يترتب منها حقوقه ولهذا تبقى الكتابة بعد موت المولى لحاجته

(٢/٣٧٣)

إلى الثواب وكذا بعد موت المكاتب عن وفاء لحاجته إلى انقطاع أثر الكفر وإلى حرية أولاده

وأما المملوكية فتابعة هنا فإن الأصل في هذا العقد ثبوت اليد أي تابعة في باب الكتابة وهو جواب عن سؤال مقدر وهو أنه لما ذكر أن كل ما يحتاج إليه الميت يبقى بعد موته ضرورة قضاء حاجته وكل ما لا يحتاج إليه لا يبقى لقيام الدليل على عدم بقائه والضرورة الموجبة للبقاء غير ثابتة وعقد الكتابة إنما يمكن بقاؤه إذا بقي مملوكية الميت ولا حاجة له إلى بقاء المملوكية فلا يبقى فبعد الكتابة لا يبقى فأجاب بأن المملوكية تابعة والمقصود من بقاء عقد الكتابة به المالكية يدا والمملوكية رقبة تبقى ضمنا لا قصدا ويثبت الإرث نظرا له خلافة والخلافة إذا ثبت سببها وهو مرض الموت يحجر الميت عن إبطالها فكذا إذا ثبتت أي الخلافة نصا فيما لا يحتمل الفسخ كتعليق العتق به أي بالموت وإنما يثبت به الخلافة لأن التعليق بالموت وصية والموصى له خليفة للميت في

(٢/٣٧٤)

الموصى به فيكون سببا أي التعليق بالموت سببا في الحال للعتق بخلاف سائر التعليقات لأنه أي الموت كائن بيقين

فإن قيل فعلى هذا ينبغي أن لا يجوز بيع عبد علق عتقه بأمر كائن يقينا

قلنا بيع العبد المعلق عتقه بالموت إنما لا يجوز لأمرين

أحدهما الاستخلاف كما ذكرنا

والثاني التعليق بأمر كائن لا محالة فصار مجموع الأمرين علة لعدم جواز بيعه فكل منهما على الانفراد جزء العلة فلا يجوز بيع المدبر ويصير كأم الولد في استحقاق الحرية دون سقوط التقوم لأن تقومها إنما يسقط لأنه لما استفرشها صار التمتع فيها أصلا والمال تبعا على عكس ما كان قبل وعلى هذا الأصل وهو أن ما يحتاج إليه الميت يبقى دون ما لا يحتاج إليه

قلنا المرأة تغسل الزوج في عدتها بخلاف العكس لأن مالكيته حق له فتبقى بخلاف مملوكيتها لأنها حق عليها

وأما ما لا يصلح لحاجته كالقصاص لأن القصاص عقوبة وجبت لدرك الثأر عند انقضاء الحياة والميت لا يحتاج إلى هذا بل الورثة محتاجون إليه فإنه يجب حقا للورثة ابتداء حتى يصح عفوهم قبل موت المجروح لكن السبب انعقد في حق

(٢/٣٧٥)

الميت حتى يصح عفوه أيضا ولهذا أي ولأجل أن القصاص يجب ابتداء للورثة قال أبو حنيفة رحمه اللّه تعالى القصاص غير مورث حتى لا ينتصب بعض الورثة خصما عن البقية لكن إذا انقلب أي القصاص مالا وهو يصلح لحوائج الميت يصرف إلى حوائجه ويورث منه

وأما أحكام الآخرة فكلها ثابتة في حقه

وأما العوارض المكتسبة فهي

إما من نفسه

وإما من غيره

أما

الأول فمنها الجهل وهو

إما جهل لا يصلح عذرا كجهل الكافر لأنه مكابرة بعدما وضح الدليل فديانة الكافر أي اعتقاده في حكم لا يحتمل التبدل كعبادة الصنم مثلا باطلة فلا يكون للكفر حكم الصحة أصلا بخلاف الأحكام القابلة للتبدل كبيع الخمر مثلا فإنه يصح منهم

(٢/٣٧٦)

وأما في حكم يحتمله فدافعة للتعرض لهم فقط عند الشافعي رحمه اللّه تعالى أي ديانته دافعة للتعرض لهم لقوله عليه الصلاة والسلام اتركوهم وما يدينون فلا يحد الذمي بشرب الخمر وعند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى هي دافعة له أي للتعرض ولدليل الشرع في أحكام الدنيا استدراجا ومكرا وزيادة لإثمهم وعذابهم كأن الخطاب لم يتناولهم فيها أي في أحكام الدنيا

اعلم أن الاستدراج تقريب اللّه تعالى العبد إلى العقوبة بالتدريج فتكون ديانتهم دافعة لدليل الشرع في أحكام الدنيا فيوهم تخفيفا لكنه تغليظ في الحقيقة كما بينا في فصل

(٢/٣٧٧)

خطاب الكفار بالشرائع أن الطبيب يعرض عن مداواة العليل عند اليأس وصورة التخفيف والإمهال توقعهم في زيادة ارتكاب المعاصي وفي توهم الإهمال كما نطق به الحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام أمهلناهم فظنوا أننا أهملناهم وكما قال اللّه تعالى سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين وقال إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين وقال نوله ما تولى الآية فيثبت عنده أي عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى تقوم الخمر والضمان بإتلافها وجواز البيع ونحوها وصحة نكاح المحارم حتى إن وطئ فيه أي في نكاح المحارم ثم أسلم يكون محصنا فإن العفة عن الزنا شرط لإحصان القذف فعند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى أن وطأه في هذا النكاح لا يكون زنا فيحد قاذفه وتجب به النفقة أي بنكاح المحارم ولا يفسخ أي نكاح المحارم ما دام الزوجان كافرين إلا أن يترافعا ثم أقام الدليل على ثبوت تقوم الخمر في حقهم وثبوت الإحصان بنكاح المحارم بقوله لأن تقوم المال وإحصان النفس من باب العصمة وهي الحفظ فيكون في ثبوتهما الحفظ عن التعرض تقريره أن ديانتهم تصلح دافعة للتعرض اتفاقا ودافعة لدليل الشرع في أحكام الدنيا أي في الأحكام التي تصلح ديانتهم دافعة لها لا يتناولهم دليل الشرع في تلك الأحكام عندنا فإذا عرفت هذا فتقوم الخمر وإحصان النفس من باب دفع التعرض لا من باب التعدي إلى الغير

(٢/٣٧٨)

فيثبتان ولا يلزم الربا لأنهم قد نهوا عنه هذا جواب إشكال على أن ديانتهم معتبرة في ترك التعرض فإنه يجب أن يتركوا على ديانتهم في باب الربا أيضا فأجاب بأن معتقدهم في الربا ليس هو الحل لقوله تعالى وأكلهم الربا وقد نهوا عنه وقد خطر ببالي على هذا الجواب نظر وهو أن قوله ديانتهم دافعة للتعرض اتفاقا ودليل الشرع لا يراد به أن ديانتهم الصحيحة دافعة لهما فإن ديانة الكافر لا تكون صحيحة بل المراد أن معتقدهم وإن كان باطلا دافع كنكاح المحارم مثلا فإنه لا يحل في شريعة من الشرائع لأن حله كان في شريعة آدم عليه الصلاة والسلام للضرورة ثم نسخ في شريعة نوح عليه الصلاة والسلام فارتكاب المجوس ذلك وارتكاب أهل الكتاب الربا سيان والفرق بينهما صعب جدا ويمكن أن يقال حرمة الربا مذكورة في التوراة فارتكابهم ذلك يكون بطريق الفسق وحرمة نكاح المحارم غير مذكورة في كتب المجوس ولا يمكن لنا إلزامهم بما في كتبنا فافترقا

فإن قيل ديانتهم ليست حجة متعدية إجماعا فلا توجب ضمان الخمر وحد القذف والنفقة كما في مجوسي غلب بنتين إحداهما لا ترث بالزوجية

اعلم أن الحكم في المقيس عدم وجوب الضمان وعدم وجوب حد القذف وعدم وجوب النفقة والحكم في المقيس عليه عدم الإرث فالحكمان مختلفان في الأصل والفرع لكنهما مندرجان تحت حكم واحد هو

(٢/٣٧٩)

بمنزلة الجنس لهما وهو أن ديانتهم غير متعدية

قلنا يثبت بديانتهم بقاء تقوم الخمر على ما كان فليس فيه إلا دفع دليل الشرع ثم هو أي التقوم شرط للضمان لا علته وكذا الإحصان أي إحصان المقذوف شرط لوجوب الحد على القاذف فلا يكون في إثباتهما أي في إثبات التقوم والإحصان إثبات الضمان والحد بل الضمان والحد إنما يثبتان بإتلاف الخمر وبالقذف وإنما يلزم القول بتعدي دياتهم لو أثبتنا الضمان والحد باعتقادهم التقوم والإحصان ولم نفعل كذلك

وأما النفقة فإنما تجب دفعها للّهلاك فتكون دافعة لا متعدية ولأنهما لما تناكحا دانا بصحته فيؤخذ الزوج بديانته ولا كذلك من ليس في نكاحهما كالوارث الآخر لأن تقوم المال وإحصان النفس من باب العصمة وهي الحفظ فيكون في ثبوتهما الحفظ عن التعرض ولا يلزم الربا لأن هم قد نهوا عنه جواب عن القياس المذكور وهو قوله كما في مجوسي وتقريره أن في إرث البنت التي هي زوجته ضررا بالوارث الآخر أي البنت التي هي ليست زوجته فتكون متعدية هنا

وأما عندهما فكذلك

اعلم

أما ما ذكر هو مذهب أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى

وأما على قولهما فكذلك أيضا أي ديانتهم دافعة للتعرض ولدليل الشرع في أحكام الدنيا إلا أن نكاح المحارم ليس حكما أصليا بخلاف تقوم الخمر بل كان ضروريا إذ في شريعة آدم عليه الصلاة والسلام لم يحل نكاح الأخت من بطن واحد أي نكاح المحارم كان في شريعة آدم عليه الصلاة والسلام حكما ضروريا إذ لولا جوازه في ذلك العهد لا يحصل النسل أصلا والدليل على هذا أن نكاح الأخت من بطن واحد لم يكن جائزا في شريعة آدم عليه السلام وكانت السنة الإلهية في ذلك الزمان ولادة ذكر مع أنثى من بطن

(٢/٣٨٠)

واحد والمشروع أن يتزوج كل أنثى ذكر من بطن آخر فكان النكاح بين التوأمين حرام ولا شك أن التوأمين مخلوقان من ماء اندفق دفعة واحدة والولدان من بطنين مخلوقان من ماءين اندفقا دفعتين فالأخت من بطن واحد أقرب من أخت لا تكون كذلك ولما كانت الضرورة تنقضي بالبعد لم تحل القربى فعلم أن الأصل في نكاح المحارم الحرمة وقد ثبت الحل بالضرورة فلما ارتفعت الضرورة بكثرة النسل نسخ حل الأخوات فعلى تقدير كون ديانتهم دافعة لدليل الشرع لا يثبت لهم حل نكاح المحارم إذ بعد قصر دليل الشرع عنهم يبقى الحكم على ما كان وهو الحرمة في نكاح المحارم بخلاف الخمر إذ بعد قصر دليلنا عنهم يبقى الحكم على ما كان وهو الحل وإذا ثبت هذا فنكاح المحارم لا يكون مثبتا للإحصان ولا يحد قاذف من نكح المحارم ووطئ ثم أسلم وأيضا حد القذف يندرئ بالشبهة أي سلمنا أن هذا النكاح صحيح في حقهم لكن شبهة عدم الصحة ثابتة في حقهم فيندرئ حد القذف بها فقوله وأيضا عطف على قوله أن نكاح المحارم إلخ وكل واحد من المعطوف والمعطوف عليه دليل على عدم وجوب الحد على قاذف من نكح المحارم ووطئ ثم أسلم فلهذا المعنى قال وأيضا ولا تجب النفقة

(٢/٣٨١)

أيضا عطف على الحكم المفهوم من الدليلين المذكورين ونعني بالحكم المفهوم عدم وجوب حد القذف

أما على الدليل

الأول فظاهر وهو أن حل نكاح المحارم ليس حكما أصليا وذلك لأن الدليل

الأول يوجب بطلان النكاح فلا تجب النفقة

وأما على

الثاني وهو أن حد القذف يندرئ بالشبهة فالنكاح وإن صح لكن النفقة صلة مبتدأة فلا تجب كالميراث إذ لو وجبت تصير الديانة متعدية فالحاصل أن المراد بالشبهة لدرء حد القذف شبهة عدم صحة النكاح فهذا الدليل مشعر بتسليم صحة نكاح المحارم وكونها حكما أصليا في حقهم والجواب أي جواب أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى في النفقة أنها لدفع الهلاك فإيجاب النفقة بناء على ديانتهم لا يكون قولا بأن ديانتهم متعدية بل ديانتهم دافعة وذلك لأن الزوج حابس للزوجة فإن حبسها بلا نفقة يكون متعرضا لها بالإهلاك فإيجاب النفقة دفع لهذا التعرض ثم ورد على هذا أن إيجاب النفقة ليس لدفع الهلاك بدليل وجوبها مع غنى المرأة فأجاب بقوله وغناها لا يدفع الحاجة الدائمة بدوام الحبس

وأما جهل كما ذكرنا أي لا يصلح عذرا وهو عطف على قوله

وأما جهل لا يصلح عذرا لكنه دونه أي دون الجهل

الأول كجهل صاحب الهوى في صفات اللّه تعالى وأحكام الآخرة لأنه مخالف للدليل الواضح لكنه لما كان مؤولا للقرآن كان دون

الأول ولما كان مسلما لزمنا مناظرته وإلزامه فلا يترك على ديانته فلزمه جميع أحكام الشرع وكجهل الباغي فيضمن بإتلاف مال العادل أو

(٢/٣٨٢)

نفسه إلا أن يكون له منعة فتسقط ولاية الإلزام وتجب علينا محاربته ولم يحرم الميراث بقتله لأن الإسلام جامع أي بيننا وبين الباغي فيكون سبب الإرث موجودا والقتل حق فلا يكون مانعا من الإرث وكذا إن قتل عادلا أي لا يحرم الباغي الإرث إن قتل عادلا لأنه حق في زعمه وولايتنا منقطعة عنه ولما كان الدار واحدة والديانة مختلفة تثبت العصمة من وجه فلا نملك ماله لكن لا نضمن بالإتلاف كما في غصب مال غير متقوم فإن الغاصب لا يملكه حتى

(٢/٣٨٣)

يجب عليه رده

وأما إذا أتلف لا يجب عليه الضمان وإنما لم يعكس لأن القول بأنه يملك ماله مع القول بأنه يملك ماله مع التناقض وكجهل من خالف في اجتهاده الكتاب كمتروك التسمية عمدا فإن فيه مخالفة قوله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم اللّه عليه والقضاء بالشاهد واليمين أي يمين المدعي فإن فيه مخالفة قوله تعالى فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان أو السنة المشهورة كالتحليل بدون الوطء على مذهب سعيد بن المسيب فإن فيه مخالفة حديث العسيلة والقصاص في مسألة القسامة فإنه إن وجد لوث أي علامة القتل استحلف الأولياء خمسين يمينا عمدا كانت الدعوى أو خطأ وهذا عند الشافعي رحمه اللّه تعالى

وأما عند مالك رحمه اللّه يقضى بالقود

(٢/٣٨٤)

إن كانت الدعوى في العمد وهو أحد قولي الشافعي رحمه اللّه تعالى وفيه خلاف قوله عليه الصلاة والسلام البينة على المدعي واليمين على من أنكر وهذا وحديث العسيلة من المشاهير أو الإجماع كبيع أم الولد فإن إجماع الصحابة انعقد على بطلانه حتى لا ينفذ قضاء القاضي فيه متعلق بأول البحث وهو أن الجهل ليس بعذر حتى إن قضى القاضي في هذه المسائل لا ينفذ قضاؤه لكونه مخالفا للكتاب أو السنة المشهورة أو الإجماع

(٢/٣٨٥)

وأما جهل يصلح شبهة عطف على النوعين المذكورين في الجهل كالجهل في موضع الاجتهاد الصحيح أي غير مخالف للكتاب أو السنة المشهورة أو الإجماع أو في موضع الشبهة كمن صلى الظهر بلا وضوء ثم العصر به أي بالوضوء زاعما صحة ظهره ثم تذكر أنه صلى الظهر بلا وضوء ثم قضى الظهر بناء على هذا التذكر ثم صلى المغرب على ظن أن العصر جائز بناء على جهله بفرضية الترتيب يصح المغرب لأن الترتيب مجتهد فيه فلا يضر جهله فلا تجب عليه إعادة المغرب كما يجب قضاء العصر عندنا لأنه أداه زاعما صحة ظهره وهذا زعم بخلاف الإجماع وعند الشافعي رحمه اللّه تعالى لا يجب قضاء العصر لعدم فرضية الترتيب عنده هذا إذا كان يزعم وقت أداء المغرب أن عصره جائز

أما لو علم وقت أداء المغرب أن عصره لم يجز كان عليه إعادة المغرب كما يجب قضاء العصر وإن لم يقض الظهر وصلى العصر بناء على ظن أن الظهر جائز أي صلى الظهر بلا وضوء

(٢/٣٨٦)

ثم العصر بوضوء زاعما صحة الظهر ولم يقض الظهر بناء على أنه غير عالم بعدم الوضوء فإن من صلى صلاة بغير وضوء جاهلا أن لا وضوء له ثم توضأ وصلى فرضا آخر ثم تذكر أنه كان على غير وضوء فالفرض

الثاني غير صحيح في ظاهر الرواية خلافا لحسن بن زياد فإن عنده إنما يجب رعاية الترتيب على من يعلمه وأيضا فيه خلاف زفر رحمه اللّه فإنه يقول إذا كان عنده أن الفرض

الأول يجزيه فهو في معنى الناسي للفائتة فيجزيه الفرض

الثاني لم يصح العصر أي صلى الظهر بلا وضوء ثم العصر بوضوء زاعما صحة الظهر ولم يقض الظهر لم يصح العصر لأن زعمه مخالف للإجماع والمسألة المستشهد بها هي الأولى لا الثانية وإذا عفا أحد الوليين ثم اقتص الآخر على ظن أن القصاص لكل واحد على الكمال فلا قصاص عليه لأنه موضع الاجتهاد فإن عند البعض لا يسقط القصاص فصار هذا شبهة في درء القصاص عن قاتل القاتل وكذا المحتجم إذا ظن أنه أفطر فأكل عمدا فلا كفارة عليه لأن قوله عليه الصلاة والسلام أفطر الحاجم والمحجوم صار شبهة في درء

(٢/٣٨٧)

الكفارة إذ هذه الكفارة مما يندرئ بالشبهة وكذا القصاص في المسألة السابقة ومن زنى بجارية امرأته أو والده بظن أنها تحل له لا يحد لأنه موضع الاشتباه فتصير شبهة في درء الحد حتى يندرئ الحد بهذه الشبهة إلا في النسب والعدة أي لا يثبت النسب والعدة بهذه الشبهة وإن كانا يثبتان بالوطء بشبهة

وكذا حربي أسلم فدخل دارنا فشرب خمرا جاهلا بالحرمة أي لا يحد لأن جهله يكون شبهة لا إن زنى هو أي زنى حربي أسلم حيث يحد لأن جهله في حرمة الزنا لا يكون شبهة لأن الزنا حرام في جميع الأديان أو شرب ذمي أسلم أي يجب الحد لأن حرمة الخمر شائعة في دار الإسلام والذمي ساكن فيها فلا يعذر بالجهل بحرمة الخمر فلا يصير شبهة في درء الحد

وأما جهل يصلح عذرا هذا هو النوع

(٢/٣٨٨)

@ ٣٨٩ الرابع من الجهل كجهل مسلم لم يهاجر بالشرائع وكذا إذا نزل خطاب ولم ينتشر بعد في دارنا كما في قصة أهل قباء فإنهم إذ بلغهم تحويل القبلة وكانوا في الصلاة استداروا إلى الكعبة فاستحسن رسول اللّه عليه الصلاة والسلام وكانوا يقولون كيف صلاتنا إلى بيت المقدس قبل علمنا بالتحويل فأنزل اللّه تعالى وما كان اللّه ليضيع إيمانكم أي صلاتكم إلى بيت المقدس وقصة تحريم الخمر لما نزل تحريم الخمر قال الصحابة يا رسول اللّه فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون مال الميسر أي بعد التحريم قبل بلوغ الخطاب إليهم فنزل قوله تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا فأما إذا انتشر التبليغ في ديارنا فقد تم التبليغ فمن جهل هنا يكون لتقصيره كمن لم يطلب الماء في العمرانات فتيمم وكان الماء موجودا لا يصح وكذا الجهل بأنه وكيل أو

(٢/٣٨٩)

مأذون أي يكون عذرا حتى إن تصرف لا يصح أي من الموكل فإن شراء الوكيل قبل العلم بالوكالة يقع عن الوكيل ولو باع مال الموكل قبل العلم بالوكالة يتوقف كبيع الفضولي وكذا جهل الوكيل بالعزل والمأذون بالحجر والمولى بجناية العبد الجاني والشفيع بالبيع والأمة المنكوحة بالإعتاق أو بالخيار والبكر بالنكاح لا بالخيار أي جهل الوكيل بالعزل وجهل المأذون بالحجر عذر حتى إن تصرفا قبل العلم بالعزل والحجر يصح تصرفهما وكذا جهل المولى بجناية العبد الجاني عذر حتى لو باع العبد الجاني قبل العلم بالجناية لا يكون مختارا للفداء وكذا جهل الشفيع بالبيع حتى لو باع الشفيع الدار المشفوع بها بعد ما بيعت دار بجنبها لكن قبل علمه ببيعها لا يكون مسلما للشفعة والأمة المنكوحة إذا جهلت أن المولى أعتقها فسكتت عن فسخ النكاح فجهلها عذر حتى لا يبطل خيارها وكذا إذا علمت بالإعتاق ولكن جهلت أن لها خيار العتق فجهلها عذر حتى لا يبطل خيارها وإذا بلغت البكر التي زوجها غير الأب والجد جاهلة بالنكاح فسكتت فجهلها عذر فلا يكون سكوتها رضى

أما إذا علمت بالنكاح وجهلت بأن لها الخيار لا يكون جهلها عذرا حتى يبطل خيارها إذ جهلها بالأحكام الشرعية ليس بعذر لأن الدليل مشهور في حقها لأن طلب العلم واجب عليها

(٢/٣٩٠)

فدلائل الشرع يجب أن تكون مشهورة في حقها فبالجهل لا تعذر وفي حق الأمة مخفي لأن خدمة المولى تشغلها عن التعلم فالدليل مخفي في حقها فتعذر بالجهل ولأن البكر تريد إلزام الفسخ والأمة تريد دفع زيادة الملك هذا فرق آخر بين البكر والأمة في أن الأمة تعذر بالجهل لا البكر وتقريره أن البكر تريد إلزام الفسخ على الزوج والمعتقة تريد بالفسخ دفع زيادة الملك فإن طلاق الأمة ثنتان وطلاق الحرة ثلاثة والجهل عدم أصلي يصلح للدفع لا للإلزام وهذا الفرق أحسن من

الأول لأن البكر قبل البلوغ لم تكلف بالشرائع لا سيما في المسائل التي لا يعرفها إلا أحذق الفقهاء حتى يشترط القضاء ثمة لا هنا تفريع على أن فسخ النكاح بخيار البلوغ إلزام ضرورة وبخيار العتق دفع ضرر

ومنها السكر هو

وإما بطريق مباح كسكر المضطر والسكر بدواء كالبنج والأفيون وبما يتخذ من الحنطة أو الشعير أو العسل وهو كالإغماء يمنع صحة جميع التصرفات حتى الطلاق والعتاق

وأما بطريق محظور كالسكر من شراب محرم أو مثلث لأنه إنما يحل أي المثلث بشرط أن لا يسكر فالسكر به يصير كالسكر بالمحرم فيحد به أي بالسكر من المثلث وهو أي القسم

الثاني من السكر وهو السكر بشراب محرم أو بالمثلث لا ينافي الخطاب لقوله تعالى ولا تقربوا الصلاة وأنتم

(٢/٣٩١)

سكارى فهذا خطاب متعلق بحال السكر فهو لا يبطل الأهلية أصلا فيلزمه كل الأحكام وتصح عباراته وإنما ينعدم به القصد حتى إن تكلم بكلمة الكفر لا يرتد استحسانا لعدم ركنه وهو القصد كما إذا أراد أن يقول اللّهم أنت ربي وأنا عبدك فجرى على لسانه عكسه لا يرتد وإذا أسلم يصح كالمكره وإذا أقر بما يحتمل الرجوع كالزنا وشرب الخمر لا يحد حتى يصحو فيقر لأن السكر دليل الرجوع وإذا أقر بما لا يحتمله كالقصاص والقذف وغيرهما أو باشر سبب الحد يلزمه لكن إنما يحد إذا صحا وحده اختلاط الكلام أي حد السكر والمراد به الحالة المميزة بين السكر والصحو

(٢/٣٩٢)

وزاد أبو حنيفة رحمه اللّه تعالى أن لا يعرف الأرض من السماء لوجوب الحد فقط

ومنها الهزل وهو أن لا يراد باللفظ معناه لا الحقيقي ولا المجازي وهو ضد الجد وهو أن يراد به

أحدهما وشرطه أن يشترط باللسان لا يعتبر دلالته أي دلالة الهزل أي شرط الهزل أن تجري المواضعة قبل العقد بأن يقال نحن نتكلم بلفظ العقد هازلا ولا يشترط كونه أي كون

(٢/٣٩٣)

@ ٣٩٤ الشرط وهو المواضعة في نفس العقد بل يكفي أن تكون المواضعة سابقة على العقد وهو أي الهزل لا ينافي الأهلية أصلا ولا اختيار المباشرة والرضى بها بل اختيار الحكم والرضى به فوجب النظر بالتصرفات كيف تنقسم فيهما أي في الاختيار والرضى وهي

إما من الإنشاءات أو الإخبارات أو الاعتقادات

أما الإنشاءات فإما أن تحتمل النقض أو لا فما يحتمله كالبيع والإجارة فإما أن يتواضعا في أصل العقد أي تجري المواضعة قبل العقد بأنا نتكلم بلفظ البيع عند الناس ولا نريد البيع فإن اتفقا على الإعراض أي فالأبعد البيع إنا قد أعرضنا وقت البيع عن الهزل وبعنا بطريق الجد صح البيع وبطل الهزل لإعراضهما وإن اتفقا على بناء العقد على المواضعة صار كخيار الشرط لهما مؤبدا أي للمتعاقدين لوجود الرضى بالمباشرة لا بالحكم هذا دليل على كونه بمنزلة خيار الشرط فإنه إذا بيع بالخيار فالرضى بالمباشرة حاصل لا بالحكم وهو الملك فيفسد العقد كما في الخيار المؤبد لكن لا يملك

(٢/٣٩٤)

بالقبض فيه لعدم الرضى بالحكم هذا استدراك عن قوله فيفسد العقد فإن الملك بالقبض يثبت في البيع الفاسد فإن نقضه

أحدهما انتقض وإن أجازاه في الثلاث جاز أي إن أجازاه في ثلاثة أيام جاز عند أبي حنيفة رحمه اللّه أي ينقلب جائز الارتفاع المفسد كما في الخيار المؤبد إلا إن أجاز

أحدهما لأنه كخيار الشرط للمتعاقدين فيتوقف على إجازتهما وعندهما لا يشترط في الثلاث أي عندهما لا تنتهي الإجازة بالثلاثة فكلما أجازاه جاز البيع كما في الخيار المؤبد وإن اتفقا على أن لا يحضرهما شيء أي لم يقع في خاطريهما وقت العقد أنهما بنيا على المواضعة أو أعرضا أو اختلفا في الإعراض والبناء يصح العقد عند أبي حنيفة رحمه اللّه عملا بالعقد وهو أولى بالاعتبار من المواضعة التي لم تتصل به أي بالعقد لا عندهما أي لا يصح العقد عندهما فاعتبر العادة تحقيق المواضعة ما أمكن على أن المواضعة أسبق

قلنا الأخير ناسخ أي الأخير وهو العقد ناسخ للمواضعة السابقة لأن

أحدهما لم يمض على المواضعة

واعلم أنه بقي بالتقسيم العقلي قسمان لم يذكرا وهما إذا أعرض

أحدهما وقال

(٢/٣٩٥)

الآخر لم يحضرني شيء أو بنى

أحدهما وقال الآخر لم يحضرني شيء فعلى أصل أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى يجب أن يكون عدم الحضور كالإعراض وعلى أصلهما كالبناء

وإما أن يتواضعا على البيع بألفين على أن الثمن ألف فهما يعملان بالمواضعة إلا في صورة إعراضهما وأبو حنيفة رحمه اللّه تعالى يعمل بظاهر العقد في الكل والفرق بين البناء هنا وثمة أن العمل بالمواضعة هنا يجعل قبول

أحدهما الألفين شرطا لوقوع البيع بالآخر فيفسد العقد وقد جدا في أصل العقد فهو أولى بالترجيح من الوصف

أي أصل العقد أولى بالترجيح من الوصف فإن اعتبار أصل العقد يوجب الصحة لأن المتعاقدين جدا في أصل العقد وإنما الهزل في مقدار الثمن وهو المراد بالوصف فإن اعتبر المواضعة والهزل في الوصف حتى يصح العقد بالألف يلزم فساد العقد كما بينا في المتن

(٢/٣٩٦)

وأما أن يتواضعا على أن الثمن جنس آخر فالعمل بالعقد اتفاقا والفرق لهما بين هذا والمواضعة في القدر أن العمل بها مع صحة العقد ممكن ثمة لا هنا والهزل بأحد الألفين ثمة

(٢/٣٩٧)

شرط لا طالب له فلا يفسد وإنما قال هذا جوابا عما ذكر أنه يجعل قبول أحد الألفين شرطا لوقوع البيع بالآخر وإنما قال إنه لا طالب له لاتفاق المتعاقدين على أن الثمن ألف لا ألفان وإذا لم يكن للشرط طالب لا يفسد كما إذا اشترى حمارا على أن يحمله حملا خفيفا أو نحو ذلك لا يفسد العقد لعدم الطالب لكن الجواب لأبي حنيفة رحمه اللّه تعالى أن الشرط في مسألتنا وقع لأحد المتعاقدين وهو الطالب لكن لا يطالب هنا للمواضعة وعدم الطلب بواسطة الرضا لا يفيد الصحة كالرضى بالربا ثم عطف على قوله

وإما أن يحتمل النقض قوله

وإما أن لا يحتمل النقض فمنه ما لا مال فيه وهو الطلاق والعتاق والعفو عن القصاص واليمين والنذر وكله صحيح والهزل باطل لقوله عليه الصلاة والسلام ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق واليمين ولأن الهازل راض بالسبب لا الحكم وحكم هذه

(٢/٣٩٨)

الأسباب لا يحتمل التراخي والرد حتى لا يحتمل خيار الشرط ومنه ما يكون المال فيه تبعا كالنكاح فإن كان الهزل في الأصل فالعقد لازم أو في قدر البدل فإن اتفقا على الإعراض فالمهر ألفان أو على البناء فألف والفرق لأبي حنيفة رحمه اللّه تعالى بين هذا وبين البيع أن البيع يفسد بالشرط لكن النكاح لا يفسد بالشرط وعلى أنه لم يحضرهما شيء أو اختلفا ففي رواية محمد عن أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى المهر ألف بخلاف البيع لأن الثمن مقصود بالإيجاب فترجح به أي بالثمن فيترجح الثمن بالإيجاب

(٢/٣٩٩)

وفي رواية أبي يوسف رحمه اللّه تعالى ألفان قياسا على البيع وفي جنس البدل فإن اتفقا على الإعراض فالمسمى وعلى البناء فمهر المثل إجماعا وعلى أنه لم يحضرهما أو اختلفا ففي رواية محمد رحمه اللّه تعالى مهر المثل لأن الأصل في رواية محمد رحمه اللّه تعالى بطلان المسمى عند الاختلاف وعدم الحضور في المواضعة في قدر المهر على ما ذكر وكذا في المواضعة في جنس في المهر لكن المواضعة في قدر المهر العمل بالمواضعة ممكن لأن ما تواضعا عليه وهو الألف داخل في المسمى وهو الألفان

أما في المواضعة في الجنس فهذا غير ممكن فلما بطل المسمى وجب مهر المثل وفي رواية أبي يوسف رحمه اللّه المسمى وعندهما مهر المثل ومنه ما يكون المال فيه مقصودا كالخلع والعتق على مال والصلح عن دم عمد سواء هزلا في الأصل أو القدر أو الجنس ففي الإعراض يلزم الطلاق والمال وكذا في الاختلاف وعدم الحضور

أما عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى فلترجيح الإيجاب أي ترجيح العقد على المواضعة

وأما عندهما فلعدم تأثير الخيار فإنه إذا شرط في الخلع الخيار لها فعندهما الطلاق واقع والمال واجب والخيار باطل وعند أبي حنيفة رحمه اللّه لا يقع الطلاق ولا يجب المال حتى تشاء المرأة فكذا في مسألتنا على كلا المذهبين

(٢/٤٠٠)

وكذا في البناء عندهما على أن المال يلزم تبعا

اعلم أن المال في الخلع والعتق على مال والصلح عن دم عمد يجب عندهما بطريق التبعية والمقصود هو الطلاق والعتق وسقوط القصاص والهزل لا يؤثر في هذه الأمور فيثبت ثم يجب المال ضمنا لا قصدا فلا يؤثر الهزل في وجوب المال وعند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى يتوقف على مشيئتها

وأما تسليم الشفعة فقبل طلب المواثبة يكون كالسكوت لأنه لما اشتغل بالهزل عن طلب الشفعة فقد سكت عن الطلب فتطلب الشفعة وبعده التسليم باطل لأنه من جنس ما يبطل بالخيار حتى لو قال سلمت الشفعة على أني بالخيار ثلاثة أيام يبطل التسليم ويكون طلب الشفعة باقيا وكذا الإبراء أي يبطل إبراء الغريم هازلا كما يبطل الإبراء بشرط الخيار

وأما الإخبارات فالهزل

(٢/٤٠١)

يبطلها سواء كان فيما يحتمل الفسخ أو لا لأنه يعتمد صحة المخبر به ألا يرى بالطلاق والعتاق مكرها باطل فكذا هازلا

وأما الاعتقادات فالهزل بالردة كفر لأنه استخفاف فيكون مرتدا بعين الهزل لا بما هزل به أي ليس كفره بسبب ما هزل به وهو اعتقاد معنى كلمة الكفر التي تكلم بها هازلا فإنه غير معتقد معناها بل كفره بعين الهزل فإنه استخفاف بالدين وهو كفر نعوذ باللّه تعالى منه قال اللّه تعالى إنما كنا نخوض ونلعب قل أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم

وأما الإسلام هازلا فيصح لأنه إنشاء لا يحتمل حكمه الرد والتراخي ترجيحا لجانب الإيمان كما في الإكراه

ومنها السفه وهو خفة تعتري الإنسان فتبعثه على العمل بخلاف موجب العقل وقال الإمام فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى هو العمل بخلاف موجب الشرع من وجه واتباع الهوى وخلاف دلالة العقل وإنما قال من وجه لأن التبذير أصله مشروع وهو البر والإحسان إلا أن الإسراف حرام والفرق ظاهر بين السفه والعته فإن المعتوه يشابه المجنون في بعض أفعاله

(٢/٤٠٢)

وأقواله بخلاف السفيه فإنه لا يشابه المجنون لكن تعتريه خفة

إما فرحا

وإما غضبا فيتابع مقتضاها في الأمور من غير نظر وروية في عواقبها ليقف على أن عواقبها محمودة أو وخيمة أي مذمومة وهو لا ينافي الأهلية ولا شيئا من الأحكام وأجمعوا على منع ماله عنه في أول البلوغ لقوله تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ثم علق الإيتاء بإيناس رشد منكر لا ينفك سن الجدية عن مثله إلا نادرا فيسقط حينئذ المنع وهي خمس وعشرون سنة لأن أقل مدة البلوغ اثنتا عشرة سنة وأقل مدة الحمل نصف سنة فيكون أقل سن يمكن أن يصير المرء فيه جدا خمسا وعشرين سنة واختلفوا في السفيه فعندهما يحجر الحجر هو منع نفاذ التصرفات القولية لأن النظر واجب حقا له لدينه فإن العفو عن صاحب الكبيرة حسن وإن أصر عليها كالقتل عمدا

(٢/٤٠٣)

فإن العفو عن القصاص فيه حسن فغاية فعل السفيه ارتكاب الكبيرة ومرتكب الكبيرة إذا كان مؤمنا يستحق النظر إليه وقياسا عطف على قوله حقا له على منع المال وأيضا صحة العبارة لأجل النفع فإذا صارت ضررا يجب دفعها وأيضا حقا للمسلمين فإن السفهاء إذا لم يحجروا أسرفوا فتركب عليهم الديون فتضيع أموال المسلمين في ذمتهم مثل أن يشتري جارية بألف دينار ولا فلس له فيعتقها في الحال كما فعله واحد من ظرفاء طلبة العلم في

(٢/٤٠٤)

بخارى وقصته أنه دخل ذات يوم في سوق النخاسين فعشق جارية بلغت في الحسن غايته فعجز عن مكابدة شدائد هجرها وكان في الفقر والمتربة بحيث لم يملك قوت يومه فضلا عن أن يملك مالا يجعله ذريعة إلى مواصلتها فاستعار من بعض خلانه ثيابا نفيسة وبغلة لا يركبها إلا أعاظم الملوك فلبس لباس التلبيس وركب البغلة وشركاء درسه يمشون في ركابه مطرقين حتى دخل السوق فظن التجار أنه حاكم بخارى الملقب بصدر جهان فجلس على نمرقة ودعا صاحب الجارية وساومها فاشتراه بألف دينار وأعتقها وتزوجها في المجلس بحضرة العدول فرجع إلى منزله ممتلئا بهجة وسرورا ورد العواري إلى أهلها فلما جاء البائع لتقاضي الثمن لقي المشتري وعرف فنونه فأخذ ينتف عثنونه وهذا بناء على أن الإنسان يمنع عن التصرف في ملكه بما يضر جاره عند أبي يوسف رحمه اللّه تعالى وعند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى لا يحجر لأن السفه لما كان مكابرة وتركا للواجب عن علم أي صادرا عن علم ومعرفة لم يكن سببا للنظر وما ذكر من النظر حقا له فذلك جائز لا واجب كما في صاحب الكبيرة وإنما يحسن أي حجر السفيه بطريق النظر إذا لم يتضمن ضررا فوقه وهو إهدار الأهلية والعبارة والأهلية نعمة أهلية واليد زائدة فيبطل قياس الحجر على منع

(٢/٤٠٥)

المال ثم إذا كان الحجر بطريق النظر أي عند أبي يوسف ومحمد رحمهما اللّه تعالى يلحق في كل حكم إلى من كان في إلحاقه إليه نظر من الصبي والمريض والمكره أي المحجور بسبب السفه عندهما إن ولدت جاريته فادعاه يثبت نسبه منه وكان الولد حرا لا سبيل عليه والجارية أم ولد له وإن مات كانت حرة لأن توفير النظر كان في إلحاقه بالمصلح في حكم الاستيلاد فإنه يحتاج إلى ذلك لإبقاء نسله وصيانة مائه ويلحق في هذا الحكم بالمريض فإن المريض المديون إذا ادعى نسب ولد جاريته يكون في ذلك كالصحيح حتى يعتق من جميع ماله بموته ولا تسعى هي ولا ولدها لأن حاجته متقدمة على حق غرمائه ولو اشترى هذا

(٢/٤٠٦)

المحجور عليه ابنه وهو معروف وقبضه كان شراؤه فاسدا ويعتق الغلام حين قبضه ويجعل في هذا الحكم بمنزلة شراء المكره فيثبت له الملك بالقبض فإذا ملكه بالقبض فالتزام الثمن أو القيمة بالعقد منه غير صحيح لما في ذلك من الضرر عليه وهو في هذا الحكم ملحق بالصبي وإذا لم يجب على هذا المحجور عليه شيء لا يسلم له أيضا شيء من سعايته فتكون السعاية الواجبة على العبد للبائع وهذا الحجر عندهما أي الحجر المختلف فيه الذي هو بطريق النظر أنواع

إما بسبب السفه فينحجر بنفسه أي بنفس السفه بلا احتياج إلى أن يحجر القاضي له عند محمد ويحجر القاضي عند أبي يوسف رحمه اللّه تعالى

وإما بسبب الدين بأن يخاف أن يلجئ أمواله التلجئة هي المواضعة المذكورة مفصلة ببيع أو إقرار فيحجر على أن لا يصح تصرفه إلا مع الغرماء وإن لم يكن سفيها متصل بما قبله وهو قوله فيحجر

وإما بأن يمتنع عن بيع ماله لقضاء الديون فيبيع القاضي فهذا ضرب حجر

ومنها السفر وهو خروج مديد لا ينافي الأهلية ولا شيء من الأحكام لكنه من أسباب التخفيف بنفسه لأنه من أسباب المشقة بخلاف المرض لأن بعضه يضره الصوم وبعضه لا بل ينفعه واختلفوا في الصلاة فعند

(٢/٤٠٧)

الشافعي رحمه اللّه تعالى القصر رخصة وعندنا إسقاط لقول عائشة فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فأقرت في السفر وزيدت في الحضر ولأن حد النافلة يصدق على الركعتين الساقطتين ولتسميته بالصدقة ولعدم إفادة التخيير على ما مر أي في فصل العزيمة والرخصة وإنما يثبت هذا الحكم أي القصر بالسفر إذا اتصل بسبب الوجوب أي اتصل السفر بسبب الوجوب وهو الوقت فيثبت القصر في الأداء

أما إذا لم يتصل بسبب الوجوب بل اتصل بحال القضاء لا يجوز القصر ولما كان السفر بالاختيار قيل إذا شرع المسافر في صوم رمضان لا يحل له الفطر بخلاف المريض لكن إذا أفطر يصير السفر شبهة في الكفارة فإذا سافر الصائم لا يفطر بخلاف ما إذا مرض لكن إن أفطر لا كفارة عليه أي الصائم المقيم إذا سافر وأفطر لا يجب عليه الكفارة وإذا أفطر ثم سافر لم تسقط أي الكفارة بخلاف ما إذا مرض والفرق بينهما

(٢/٤٠٨)

أن الصحيح إذا أفطر حكمنا عليه بوجوب الكفارة لكن إذا مرض في هذا اليوم تسقط الكفارة لأنه تبين بعروض المرض أن الصوم لم يكن واجبا عليه في هذا اليوم بخلاف عروض السفر فإنه أمر اختياري والمرض ضروري وأحكام السفر تثبت بالخروج بالسنة المشهورة وإن لم يتم السفر علة والسنة المشهورة ما روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه أنهم ترخصوا برخص المسافر بمجاوزتهم العمران والقياس أن لا يثبت القصر إلا بعد مضي مدة السفر لأن حكم العلة لا يثبت قبلها لكن ترك القياس بما روينا ثم إذا نوى الإقامة قبل الثلاثة تصح وإن كان في غير موضع الإقامة قبل ثلاثة أيام منع الثلاثة ويشترط موضع الإقامة لأن

الأول منع أي نية الإقامة وإن نواها بعد للسفر وهذا رفع أي نية الإقامة بعد ثلاثة أيام رفع للسفر والمنع أسهل من الرفع وسفر المعصية يوجب الرخصة وقد مر أي في فصل النهي على أن المعصية منفصلة عنه فإن البغي وقطع الطريق والتمرد معصية وإن كانت في المصر والرجل قد يخرج غازيا ثم يستقبله غيره فيقطع عليهم فصار النهي عن هذا السفر لمعنى في غيره من

(٢/٤٠٩)

كل وجه بخلاف السكر لأنه عصيان بعينه فلا يثبت بالسكر الحرام الرخص المنوطة بزوال العقل قوله تعالى غير باغ ولا عاد أي فأكل غير طالب ولا متجاوز حد سد الرمق قد تمسك به الشافعي رحمه اللّه تعالى على عدم الرخصة لمن يسافر سفر المعصية فجعل قوله تعالى غير باغ حالا من قوله فمن اضطر ونحن نقول لا بد من تقدير قوله فأكل ثم نجعل قوله غير باغ حالا من أكل فمعناه غير طالب للميتة قصدا إليها ولا آكل الميتة تلذذا واقتضاء للشهوة بل يأكلها دافعا للضرورة ولا عاد حد ما يسد جوعته أو لا ينبغي أن يتجاوز حد سد الرمق ولا يعدو أي لا يرفعها لجوعة أخرى

(٢/٤١٠)

ومنها الخطأ وهو أن يفعل فعلا من غير أن يقصده قصدا تاما كما إذا رمى صيدا فأصاب إنسانا فإنه قصد الرمي لكن لم يقصد به الإنسان فوجد قصد غير تام وهو يصلح عذرا في سقوط حق اللّه تعالى إذا حصل عن اجتهاد ويصلح شبهة في العقوبة حتى لا يأثم إثم القتل ولا يؤاخذ بحد ولا قصاص لأنه جزاء كامل فلا يجب على المعذور وليس بعذر في

(٢/٤١١)

حقوق العباد حتى يجب ضمان العدوان لأنه ضمان مال لا جزاء فعل ويصلح أي الخطأ مخففا لما هو صلة لم تقابل مالا ووجبت بالفعل كالدية إنما قال هذا لأن ما يجب بسبب المحل لا يكون الخطأ مخففا فيه كما ذكرنا في المتن لأنه ضمان مال لا جزاء فعل ويوجب الكفارة إذ لا ينفك عن ضرب تقصير فيصلح سببا لما هو دائر بين العباد والعقوبة إذ هو جزاء قاصر الضمير يرجع إلى ما هو دائر والمراد به الكفارة ويقع طلاقه عندنا لا عند الشافعي رحمه اللّه تعالى لعدم الاختيار فصار كالنائم ولنا أن دوام العمل بالعقل بلا سهو وغفلة أمر لا يوقف عليه إلا بحرج فأقيم البلوغ مقامه لا مقام اليقظة والرضى فيما يبتنى عليهما كالبيع إذ لا حرج في دركهما تقريره أن الأصل أن لا تعتبر الأعمال إلا وأن تكون

(٢/٤١٢)

صادرة عن العقل بلا سهو وغفلة

وأما إذا كانت صادرة عن سهو وغفلة يجب أن لا تعتبر ولا يؤاخذ الإنسان بها لقوله تعالى ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ولأن السهو والغفلة مركوزان في الإنسان فيكونان عذرا لكن هذا أمر لا يوقف عليه إلا بالحرج فأقمنا البلوغ مقام دوام العقل من غير سهو وغفلة إقامة للدليل مقام المدلول فإن السهو والغفلة إنما يعرضان لنقصان العقل فإذا كمل العقل بكثرة التجارب عند البلوغ لا يقع السهو والغفلة إلا نادرا وكل عمل صدر عن العاقل البالغ اعتبر في جميع الأوقات صادرا عن العقل بلا سهو وغفلة ولم يعتبر أنه ربما يسهو في وقت ما وهذا معنى قوله أن دوام العمل بالعقل إلخ

وإنما لم نقم البلوغ مقام اليقظة حتى أبطلنا عبارات النائم وكذا لم نقم البلوغ مقام الرضى في التصرفات المبنية على الرضى كالبيع ونحوه إذ لا حرج في درك اليقظة والرضا ولا يحتاج إلى إقامة الدليل مقامهما فإن الأصل أن الأمور الخفية التي يتعذر الوقوف عليها تقيم ما هو دليل عليها مقامها كالسفر مقام المشقة

أما الأمور الظاهرة فلا وإنما ذكر اليقظة والرضى دفعا لشبهة الشافعي رحمه اللّه تعالى فإنه قال لو قام البلوغ مقام اعتدال العقل لوقع طلاق النائم ولقام البلوغ مقام الرضا فيما يعتمد على الرضا ثم عطف على قوله ويقع طلاقه قوله وإذا جرى البيع على لسانه أي لسان الخاطئ خطأ وصدقه خصمه يكون كبيع المكره

وأما الذي من غيره فالإكراه هذا هو القسم

الثاني من العوارض المكتسبة وهو

إما ملجئ بأن يكون بفوت النفس أو العضو وهذا معدم للرضا ومفسد للاختيار

وإما غير

(٢/٤١٣)

ملجئ بأن يكون بحبس أو قيد أو ضرب وهذا معدم للرضا غير مفسد للاختيار والإكراه بهما لا ينافي الأهلية ولا الخطاب لأن المكره عليه

إما فرض كما إذا أكره على شرب الخمر بالقتل أو مباح كما إذا أكره على الإفطار في شهر رمضان أو مرخص كما إذا أكره على إجراء كلمة الكفر أو حرام كما إذا أكره على قتل مسلم بغير الحق حتى يؤجر مرة ويأثم أخرى ولا الاختيار أي لا ينافي الاختيار لأنه حل على اختيار الأهون وأصل الشافعي في

(٢/٤١٤)

ذلك أن الإكراه بغير حق إن كان عذرا شرعا يقطع الحكم عن فعل الفاعل لعدم اختياره الإكراه عند الشافعي

إما أن يكون بحق كالإكراه على الإسلام

وإما بغير حق ثم هذا

إما أن يكون عذرا

وإما أن لا يكون

واعلم أني أقمت لفظ الفاعل مقام المكره بالفتح ولفظ الحامل مقام المكره بالكسر لئلا يشتبه الفتح بالكسر والعصمة تقتضي دفع الضرر بدون رضاه أي رضا الفاعل ثم إن أمكن نسبة الفعل إلى الحامل ينسب وإلا يبطل فتبطل الأقوال كلها لأن نسبة الأقوال إلى غير المتكلم باطل لأن الإنسان لا يتكلم بلسان غيره ويضمن الحامل الأموال أي إذا أكرهه على إتلاف مال الغير لأن نسبة الإتلاف إلى الحامل ممكن فيجعل الفاعل آلة للحامل وإن لم يكن عذرا لا يقطع أي الحكم عن فعل الفاعل فيحد الزاني ويقتص القاتل مكرهين وإنما يقتص الحامل بالتسبيب جواب إشكال هو أنه لما لم تقطع نسبة الحكم عن فعل الفاعل يكون الفاعل هو القاتل فيجب أن يقتص هو

(٢/٤١٥)

ولا يقتص الحامل لكن القصاص يجب عليهما عند الشافعي رحمه اللّه تعالى فأجاب بأن الحامل إنما يقتص بالتسبيب وإن كان الإكراه حقا لا يقطع أيضا أي الحكم عن فعل الفاعل فيصح إسلام الحربي وبيع المديون ماله لقضاء الديون وطلاق المولي بعد المدة بالإكراه متعلق بما ذكر وهو إسلام الحربي وطلاق المولي وبيع المديون ماله وهو مذهب الشافعي رحمه اللّه تعالى أن الزوج يجبر على الطلاق بعد مدة الإيلاء لا إسلام الذمي به أي بالإكراه لأن إكراه الذمي على الإسلام ليس بحق فيبطل لما ذكرنا أنه يبطل الأقوال كلها والإكراه بالقتل والحبس عنده سواء وأصلنا أن الإكراه الملجئ لما أفسد الاختيار فإن عارض هذا

(٢/٤١٦)

الاختيار اختيار صحيح وهو اختيار الحامل يصير اختيار الفاعل كالمعدوم وهذا أي صيرورة اختيار الفاعل كالمعدوم لا يكون إلا بأن يصير الفاعل آلة للحامل فإن احتمل ذلك أي كونه آلة له ينسب إلى الحامل وإلا أي وإن لم يحتمل كون الفاعل آلة للحامل يبقى منسوبا إلى الفاعل فالأقوال كلها لا تحتمل ذلك أي كون الفاعل آلة للحامل لما ذكرنا أن التكلم بلسان الغير ممتنع فإن كانت أي الأقوال مما لا ينفسخ ولا يتوقف على الاختيار كالطلاق والعتاق تنفذ لأنها أي الأقوال التي لا تنفسخ تنفذ مع الهزل وهو ينافي الاختيار أصلا والرضى بالحكم ومع خيار الشرط عطف على قوله مع الهزل وهو ينافي الاختيار أصلا أي ينافي اختيار الحكم أصلا

أما اختيار السبب فحاصل في الخيار فلأن تنفذ أي الأقوال التي لا تنفسخ بالإكراه وهو يفسد الاختيار أولى

وجه الأولوية أن في الهزل اختيار المباشرة والرضا بها

(٢/٤١٧)

ثابتان لكن اختيار الحكم والرضا به منتفيان

أما الإكراه فالرضا بالسبب والحكم منتف فيه

أما اختيار السبب فحاصل في الإكراه مع الفساد فإن كان الطلاق والعتاق واقعين في الهزل من غير اختيار الحكم والرضا به فوقوعهما في الإكراه مع فساد الاختيار أولى هذا ما قالوا ولكن يرد عليه أن اختيار السبب والرضا به حاصل في الهزل بدون الفساد

وأما في الإكراه فلا رضا بالسبب أصلا واختيار السبب موجود مع الفساد فلا يلزم من الوقوع في الهزل الوقوع في الإكراه وإذا اتصل بقبول المال أي إذا اتصل الإكراه بقبول المال في الطلاق يقع الطلاق بلا مال لأنه أي الإكراه بعدم الرضا بالسبب والحكم فكأن المال لم يوجد فلم يتوقف الطلاق

(٢/٤١٨)

عليه أي على المال كما في خلع الصغيرة فإنه يقع الطلاق فيه بلا مال بخلاف الهزل

أما عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى فلأن الرضا بالسبب ثابت أي في الهزل دون الحكم فيصح إيجاب المال فيتوقف الطلاق عليه أي على المال في الخلع بطريق الهزل كما في خيار الشرط في جانبها أي إذا خالعها بشرط الخيار لهما فيتوقف الطلاق على قبولها المال وإنما قال في جانبها لأن شرط الخيار في جانب الزوج لا يصح في الخلع لما عرف أن الخلع يمين في حقه معاوضة في حقها

وأما عندهما فالهزل لا يؤثر في بدل الخلع فيجب وإن كانت مما

(٢/٤١٩)

ينفسخ ويتوقف على الرضا كالبيع والإجارة تفسد والملجئ وغيره هنا سواء لعدم الرضا وكذا الأقارير كلها لقيام الدليل على عدم المخبر به والأفعال منها ما لا يحتمل ذلك أي كون

(٢/٤٢٠)

الفاعل آلة للحامل كالأكل والشرب والزنا فيقتصر على الفاعل منها ما يحتمل فإن لزم من جعله آلة تبديل محل الجناية فيقتصر عليه أيضا لأن في تبديل المحل مخالفة الحامل وفيها بطلان الإكراه كإكراه المحرم على قتل الصيد لأنه إنما حمله على الجناية على إحرامه ولو جعل آلة يصير المحل إحرام الحامل وكما أكره على البيع والتسليم فالتسليم يقتصر عليه لأنه أكرهه على تسليم المبيع ولو جعل آلة يصير تسليم المغصوب ويتبدل ذات الفعل أيضا فإن البيع حينئذ يصير غصبا والإعتاق وإن كان لا يحتمل ذلك لا يحتمل كون الفاعل آلة للحامل لأنه من

(٢/٤٢١)

الأقوال لكن الإتلاف فعل يحتمله فالحاصل أن الإعتاق تصرف قولي لكنه إتلاف نفي المعنى

الأول لم يجعل آلة فيعتق على الفاعل وفي المعنى

الثاني وهو الإتلاف يجعل آلة فيضمن الحامل فهذا معنى قوله لكن لإتلاف فعل يحتمل فينتقل إلى الحامل فيضمن ويكون الولاء للفاعل لأنه من حيث إنه إعتاق يقتصر على الفاعل وإن لم يلزم منه التبديل أي وإن لم يلزم من جعله آلة تبديل محل الجناية يجعل آلة كإتلاف المال والنفس فيصير كأنه ضربه عليه وأتلفه فيخرج الفاعل من البين فيضاف إلى الحامل ابتداء فموجب الجناية عليه فقط أي على الحامل فإن كان عمدا يقتص هو فقط لكن في الإثم لا يمكن جعله آية لأنه أكرهه بالجناية على دينه ولو جعل آلة لتبدل محل الجناية فيأثم كل منهما والحرمات

(٢/٤٢٢)

أنواع حرمة لا تسقط بالإكراه ولا تدخلها الرخصة كالقتل والجرح والزنا لأن دليل الرخصة خوف الهلاك وهما في ذلك سواء أي القاتل والمقتول وإذا كان سواء لا يحل للفاعل قتل غيره ليخلص نفسه

(٢/٤٢٣)

وكذا جرح الغير أي إذا أكره على جرح الغير بالقتل لا يحل له الجرح لا جرح نفسه حتى لو أكره على قطع يده بالقتل حل له لأن حرمة نفسه فوق حرمة يده ولا كذلك بالنسبة إلى الغير والزنا قتل معنى فإن ولد الزنا بمنزلة الهالك فإن انقطاع نسبه من الغير هلاك فإن أكره على الزنا لا يحل له الزنا وحرمة تسقط كالميتة والخمر والخنزير فالإكراه الملجئ يبيحها لأن الاستثناء من الحرمة حل وهو قوله تعالى وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه حتى إن امتنع أثم لا غير الملجئ أي لا يبيحها غير الملجئ لعدم الضرورة وحرمة لا تسقط لكن تحتمل الرخصة وهي

إما من حقوق اللّه التي لا تحتمل السقوط أبدا كإجراء كلمة الكفر فإن الإيمان لا يحتمل السقوط أبدا

وإما في حقوقه

(٢/٤٢٤)

تعالى التي تحتمل السقوط في الجملة كالعبادات فيرخص بالملجئ وإن صبر صار شهيدا وقد مر في فصل الرخصة وزنا المرأة من هذا القسم إذ ليس فيه معنى قطع النسب بخلاف زناه أي إذا أكرهت المرأة على الزنا بالملجئ رخص لها فإن حرمة الزنا عليها حق اللّه تعالى وليس من باب الإكراه على قتل النفس إذ في زنا المرأة ليس قطع النسب إذ لا نسب من المرأة فلا يكون بمنزلة قتل النفس

بخلاف زنا الرجل فإنه بمنزلة القتل لأنه قطع النسب

(٢/٤٢٥)

ولما رخص زناها بالملجئ لا تحد بغير الملجئ للشبهة ويحد هو أي إذا أكرهت المرأة على الزنا بالملجئ يكون زناها مرخصا فينبغي أنها إن زنت بالإكراه بغير الملجئ يكون في زناها شبهة الرخصة فلا تحد

وأما الرجل فزناه لا يرخص بالملجئ فإن زنى بغير الملجئ يحد لعدم شبهة الرخصة

وأما في حقوق العباد كإتلاف مال المسلم وحكمه حكم أخويه أي في أنه يرخص بالملجئ وإن صبر صار شهيدا والمراد بأخويه حرمة لا تحتمل السقوط وحرمة تحتمل السقوط لكنها لم تسقط وهما حق اللّه تعالى ويجب الضمان لوجود العصمة واللّه ولي العصمة والتوفيق وبيده أزمة التحقيق تم

(٢/٤٢٦)