Geri

   

 

 

İleri

 

٤  الركن الرابع في القياس

وهو تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع بعلة متحدة لا تدرك بمجرد اللغة أي إثبات حكم مثل حكم الأصل في الفرع والمراد بالأصل المقيس عليه والفرع المقيس وقد قيل عليه إن التعدية توجب أن لا يبقى الحكم في الأصل وهذا باطل لأن التعدية في اصطلاح الفقهاء المعنى الذي ذكرنا وأيضا لا تشعر بعدم بقائه في الأصل بل تشعر ببقائه في الأصل في وضعها اللغوي ألا يرى أن تعدية الفعل هي أن لا يقتصر على التعلق بالفاعل بل يتعلق بالمفعول أيضا كما هو متعلق بالفاعل

فالمراد هنا أن لا يقتصر ذلك النوع من الحكم على الأصل بل يثبت في الفرع أيضا ولا حاجة إلى أن يقال تعدية الحكم المتحد لأن التعدية لا تمكن إلا وأن يكون الحكم متحدا من حيث النوع وإنما الاختلاف يكون باعتبار المحل

وقوله لا تدرك بمجرد اللغة احتراز عن دلالة النص وذكر هذا القيد واجب لاتفاق العلماء على الفرق بين دلالة النص والقياس

(٢/١١٠)

وبعض أصحابنا جعلوا العلة ركن القياس والتعدية حكمه فالقياس تبيين أن العلة في الأصل هذا ليثبت الحكم في الفرع

ذكر فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى أن العلة ركن القياس والتعدية حكمه فالركن ما يتقوم به الشيء والحكم هو الأثر الثابت بالشيء والمراد أن الشيء الذي يتقوم به ويتحقق به القياس هو العلة أي العلم بالعلة ثم التعدية هي أثر القياس فالقياس هو تبيين أن العلة في الأصل هذا الشيء ليثبت الحكم في الفرع فإثبات الحكم في الفرع وهو التعدية نتيجة القياس والغرض منه

وإنما

قلنا ليثبت الحكم في الفرع حتى لو علل بالعلة القاصرة كما هو مذهب الشافعي رحمه اللّه لا يكون هذا التعليل قياسا وهذا أحسن من جعل القياس تعدية وإثباتا للحكم في الفرع لأن إثبات الحكم في الفرع معلل

(٢/١١١)

بالقياس والعلة لا بد وأن تكون خارجة عن المعلول وعلة إثبات الحكم في الفرع ليست إلا الحكم بالمساواة بين الأصل والفرع في العلة لتثبت المساواة بينهما في الحكم

وهو يفيد غلبة الظن بأن الحكم هذا إلا أنه مثبت له ابتداء أي القياس يفيد غلبة ظننا بأن حكم اللّه في صورة الفرع هذا فما ذكرنا من إثبات الحكم فالمراد به هذا المعنى لا أن القياس مثبت للحكم ابتداء لأن مثبت الحكم هو اللّه تعالى وهذا ما قالوا إن القياس مظهر للحكم لا مثبت

(٢/١١٢)

وأصحاب الظواهر نفوه فبعضهم على أن لا عبرة للعقل أصلا وبعضهم على أن لا

(٢/١١٣)

عبرة له في الشرعيات لهم قوله تعالى ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ولما كان الكتاب تبيانا لكل شيء يكون كل الأحكام مستفادة من الكتاب والقياس إنما يكون حجة فيما لا يوجد في الكتاب

وقوله تعالى ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين إن كان المراد بالكتاب اللوح المحفوظ فلا تمسك لهم حينئذ وإن كان المراد القرآن فالتمسك به كما

(٢/١١٤)

ذكرنا في قوله تعالى تبيانا لكل شيء

وقوله عليه السلام فقاسوا ما لم يكن بما قد كان فضلوا وأضلوا لفظ الحديث هكذا لم يزل أمر بني إسرائيل مستقيما حتى كثرت فيهم أولاد السبايا فقاسوا إلخ

ولأن العمل بالأصل ممكن وقد دعينا إليه قال اللّه تعالى قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما أي دعينا إلى العمل بالأصل وهو الإباحة والبراءة الأصلية وإنما دعينا إليه بقوله تعالى قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا الآية وكل ما لا يوجد في كتاب اللّه تعالى محرما لا يكون محرما بل يكون باقيا على الإباحة الأصلية

ولأن الحكم حق الشارع وهو قادر على البيان القطعي فلم يجز إثباته بما فيه شبهة وهو تصرف الضمير يرجع إلى الإثبات أي إثبات الحكم المذكور

في حقه تعالى ولأنه طاعة اللّه تعالى أي الحكم الشرعي طاعة اللّه والمراد بالحكم هنا المحكوم به

ولا مدخل للعقل في دركها كالمقدرات مثل أعداد الركعات وسائر المقادير الشرعية التي لا مدخل للعقل في دركها

بخلاف أمر الحرب وقيم المتلفات ونحوهما فإن العمل بالأصل لا يمكن هنا وهي من حقوق العباد وهي تدرك بالحس أو العقل فقوله بخلاف أمر الحرب جواب عن سؤال مقدر هو أن هذه الأشياء يصح فيها القياس والعمل بالرأي اتفاقا فصح ثبوت بعض الأحكام بالقياس فأجاب بالفرق المذكور

وكذا أمر القبلة أي يدرك بالحس أو العقل أو بالسفر أو بمحاذاة الكواكب ونحوهما والاعتبار محمول على الاتعاظ بالقرون الخالية

اعلم أن النص

(٢/١١٥)

التمسك به للقائسين هو قوله تعالى فاعتبروا يا أولي الأبصار والمراد بالاعتبار الاتعاظ بالقرون الخالية يدل عليه سياق الآية

وقوله تعالى وشاورهم في الأمر محمول على الحرب أي إن تمسك بها أحد على صحة العمل بالرأي في الأحكام الشرعية نقول إنه محمول على أمر الحرب

ولنا قوله تعالى فاعتبروا الآية فإن الاعتبار رد الشيء إلى نظيره والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب واللفظ عام يشمل الاتعاظ وكل ما هو رد الشيء إلى نظيره أي الحكم على الشيء بما هو ثابت لنظيره واشتقاقه من العبور والتركيب يدل على التجاوز والتعدي

فيدل على الاتعاظ عبارة وعلى القياس إشارة لأن الاتعاظ يكون ثابتا بطريق المنطوق مع أن سياق الكلام له والقياس يكون ثابتا بطريق المنطوق من غير أن يكون سياق الكلام له

سلمنا أن الاعتبار هو الاتعاظ لكن يثبت القياس دلالة أي ما ذكرنا أنه يدل على القياس إشارة كان على تقدير أن المراد بالاعتبار رد الشيء إلى نظيره فالآن نسلم أن المراد بالاعتبار الاتعاظ ومع ذلك يدل على القياس بطريق دلالة النص التي تسمى فحوى الخطاب

وطريقها أي طريق دلالة النص في هذه أن الصورة في النص ذكره اللّه تعالى هلاك قوم بناء على سبب وهو اغترارهم بالقوة والشوكة ثم أمر بالاعتبار ليكف عن مثل ذلك السبب لئلا يترتب عليه مثل ذلك الجزاء

(٢/١١٦)

فالحاصل أن العلم بالعلة يوجب العلم بحكمه فكذا في الأحكام الشرعية من غير تفاوت وهذا المعنى يفهم منه من غير اجتهاد فيكون دلالة نص لا قياسا حتى لا يكون إثبات القياس بالقياس قال اللّه تعالى في سورة الحشر هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من اللّه فآتاهم اللّه من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار فعلى تقدير أن يكون المراد بالاعتبار الاتعاظ معناه اجتنبوا عن مثل هذا السبب لأنكم إن أتيتم بمثله يترتب على فعلكم مثل ذلك الجزاء فلما أدخل فاء التعليل على قوله فاعتبروا جعل القصة المذكورة علة لوجوب الاتعاظ

وإنما تكون علة لوجوب الاتعاظ باعتبار قضية كلية وهي أن كل من علم بوجود السبب يجب الحكم عليه بوجود المسبب حتى لو لم تقدر هذه القضية الكلية لا يصدق التعليل لأن التعليل إنما يكون صادقا إذا كان الحكم الكلي صادقا فيكون حينئذ هذا الحكم الجزئي صادقا فإذا ثبتت القضية الكلية ثبت وجوب القياس في الأحكام الشرعية وهذا المعنى يفهم من لفظ الفاء وهي للتعليل فيكون مفهوما بطريق اللغة فيكون دلالة نصا لا قياسا فلا يلزم الدور وهو إثبات القياس بالقياس ودلالة النص مقبولة اتفاقا

وإنما الخلاف في القياس الذي يعرف فيه العلة استنباطا واجتهادا ونظيره أي نظير القياس وإنما أورد هذا النظير هنا لأنه لما ذكر أن القياس في الأحكام الشرعية اعتبار حسب الاعتبار في الأمور التي يتعظ بها أراد أن يبين كيفية الاعتبار في القياس وكيفية استنباط العلة

قوله عليه الصلاة

(٢/١١٧)

والسلام الحنطة بالحنطة بالنصب أي بيعوا الحنطة ولما كان الأمر للإيجاب والبيع مباح يصرف إلى قوله مثلا بمثل أي يصرف الإيجاب إلى قوله مثلا بمثل كما في قوله تعالى فرهان مقبوضة يصرف الإيجاب إلى القبض حتى يصير القبض شرطا للرهن

فتكون هذه الحالة شرطا والمراد بالمثل القدر لأنه روي أيضا كيلا بكيل ثم قال عليه الصلاة والسلام والفضل ربا أي الفضل على القدر بأنه فضل خال عن عوض فحكم النص وجوب المساواة ثم الحرمة بناء على فوتها والداعي إلى هذا الحكم القدر والجنس إذ بهما يثبت المساواة صورة ومعنى فإذا وجدنا هذه العلة في سائر المكيلات والموزونات اعتبرناها بالحنطة وأيضا حديث معاذ رضي اللّه عنه عطف على قوله فاعتبروا وحديثه أن النبي عليه الصلاة والسلام لما بعث معاذا إلى اليمن قال له بم تقضي قال بما في كتاب

(٢/١١٨)

اللّه

قال فإن لم تجد في كتاب اللّه تعالى قال أقضي بما قضى به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال فإن لم تجد ما قضى به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال أجتهد برأيي

قال عليه السلام الحمد للّه الذي وفق رسول رسوله بما يرضى به رسوله

وقد روينا ما هو قياس عنه عليه الصلاة والسلام في آخر ركن السنة وهو قوله عليه السلام أرأيت لو كان على أبيك دين الحديث وحديث قبلة الصائم

وعمل الصحابة ومناظرتهم فيه أي في القياس أشهر من أن يخفى ثم شرع في جواب الدلائل المذكورة على نفي القياس فقال ويكون الكتاب تبيانا بمعناه لأن التبيان يتعلق بالمعنى والبيان باللفظ ولما كان الثابت بالقياس ثابتا بمعنى النص يكون النص دالا على حكم المقيس بطريق التبيان

وأما قوله تعالى

(٢/١١٩)

ولا رطب ولا يابس الآية

فكل شيء يكون في كتاب اللّه بعضه لفظا وبعضه معنى فالحكم في المقيس عليه يكون موجودا في الكتاب لفظا والحكم في المقيس يكون موجودا فيه معنى

وفي ذلك تعظيم شأن الكتاب والعمل لفظا ومعنى أي في العمل بالقياس تعظيم شأن الكتاب واعتبار نظمه في المقيس عليه واعتبار معناه في المقيس

وأما منكرو القياس فإنهم عملوا بنظم الكتاب فقط وأعرضوا عن اعتبار فحواه وإخراج الدرر المكنونة من بحار معناه وجهلوا أن للقرآن ظهرا وبطنا وأن لكل حد مطلعا وقد وفق اللّه تعالى العلماء الراسخين العارفين دقائق التأويل لكشف قناع الأستار عن جمال معاني التنزيل وإنكاره عليه الصلاة والسلام لقياس بني إسرائيل بناء على جهلهم وتعصبهم لا يقدح في قياسنا والعمل بالأصل أي في الاستصحاب عمل بلا دليل لأن وجود الشيء أي عدمه في زمان لا يدل على بقائه فإن الممكنات توجد بعد العدم وتعدم بعد الوجود

و قل لا أجد ليس أمرا به أي بالعمل بالأصل بل العمل بالنص أي بل هو أمر بالعمل بالنص وهو خلق لكم ما في الأرض جميعا فكل ما لم يوجد حرمته فيما أوحي إلى النبي عليه الصلاة والسلام يكون حلالا بقوله خلق لكم الآية ونحن نقول أيضا بأنه لا يجوز لنا أن نحرم شيئا مما في الأرض بطريق

(٢/١٢٠)

القياس فإنه قياس في مقابلة النص

والظن كاف للعمل جواب عن قوله فلم يجز إثباته بما فيه شبهة وهو تصرف في حقه تعالى بإذنه ولا يعمل به أي بالقياس فيما لا يدرك بالعقل وهو جواب عن قوله ولا مدخل للعقل في دركها

فصل في شرطه أي شرط القياس

اعلم أن للقياس أربعة شرائط أولها أن لا يكون حكم الأصل أي المقيس عليه مخصوصا به أي بالأصل بنص آخر كشهادة خزيمة والأحكام المخصوصة بالنبي عليه الصلاة والسلام كتحليل تسع زوجات وأن لا يكون أي حكم الأصل معدولا عن القياس هذا هو الشرط

الثاني وهو

إما بأن لا يدركه العقل كأعداد الركعات أو يكون مستثنى عن سننه كأكل الناسي فإنه ينافي ركن الصوم أي العدول عن القياس بأحد الأمرين

إما بأن لا يدرك العقل حكم الأصل أي لا يدرك علته وحكمته كأعداد الركعات أو يكون حكم الأصل مستثنى عن سنن القياس أي على طريقته المسلوكة وقاعدته المستمرة كأكل الناسي فإنه مستثنى عن سنن القياس وهو تحقق الفطر من كل ما دخل في الجوف وإذا كان مستثنى عن سننه لا يصح القياس عليه فلا يصح قياس الأكل خطأ على الأكل ناسيا وكتقوم المنافع في الإجارة فإنه مستثنى عن سنن القياس لأنه أي التقوم يعتمد الإحراز والإحراز يعتمد البقاء ولا بقاء للأعراض

وإن منع استحالة بقاء الأعراض فمثل هذه الأعراض أي المنافع لا شك في استحالة بقائها فالقياس يقتضي عدم تقوم كل ما لا يبقى فإذا كان تقومها مستثنى عن سنن القياس لا يقاس تقوم المنافع في الغصب على تقومها في الإجارة

وأن يكون المعدى حكما شرعيا هذا هو الشرط الثالث وهو واحد مقيد بقيود كثيرة وهي هذه ثابتا بأحد الأصول الثلاثة أي الكتاب والسنة والإجماع من غير تغيير إلى فرع متعلق بالمعدى هو نظيره أي الفرع يكون نظيرا للأصل في الحكم ولا نص فيه أي في

(٢/١٢١)

الفرع والمراد نص دال على الحكم المعدى أو عدمه لا مطلق النص فلا تثبت اللغة بالقياس هذا تفريع قوله حكما شرعيا وإنما لا تثبت اللغة بالقياس لما بينا في الحقيقة والمجاز أن في الوضع قد لا يراعى المعنى كوضع الفرس والإبل ونحوهما وقد يراعى المعنى كما في القارورة والخمر لكن رعاية المعنى إنما هي للوضع لا لصحة الإطلاق حتى لا تطلق القارورة على الدن لقرار الماء فيه فرعاية المعنى لأولوية وضع هذا اللفظ لهذا المعنى من بين سائر الألفاظ

كالخمر وضع لشراب مخصوص بمعنى وهو المخامرة فلا يطلق على سائر الأشربة لأنه إن أطلق مجازا فلا نزاع فيه لكن لا يحمل عليه مع إرادة الحقيقة وإن أطلق حقيقة فلا بد من وضع العرب وكذا الزنا على اللواطة ولا يقال الذمي أهل

(٢/١٢٢)

للطلاق فيكون أهلا للظهار كالمسلم هذا تفريع قوله من غير تغيير لأن الحكم في الأصل وهو المسلم حرمة تنتهي بالكفارة وفي الذمي حرمة لا تنتهي بها لعدم صحة الكفارة عنه لعدم أهليته لها

وكذا تعليل الربا بالطعم فإنه يوجب في العدديات حرمة مطلقة وهي في الأصل مقيدة بعدم التساوي حتى لو روعي التساوي لا تبقى الحرمة في الأصل وهو الحنطة والشعير والتمر والملح ولا يمكن رعاية التساوي في العدديات لأن التساوي في الأصل إنما هو بالكيل والعدديات ليست بمكيلة والتساوي بالعدد غير معتبر شرعا

ولا يصح قياس الخطأ على النسيان في عدم الإفطار هذا تفريع قوله إلى فرع هو نظيره

لأنه ليس نظيره لأن عذره دون عذر النسيان ولا يصح إن كان في الفرع نص هذا بيان تفريع قوله ولا نص فيه

لأنه إن كان موافقا للنص فلا حاجة إليه وإن كان مخالفا له يبطل والضمائر في قوله إن كان وفي قوله فلا حاجة إليه وفي قوله يبطل ترجع إلى القياس وأن لا يغير أي القياس حكم النص هذا هو الشرط الرابع فلا يصح شرطية التمليك في طعام الكفارة قياسا على الكسوة لأنها تغير حكم قوله تعالى فكفارته إطعام عشرة مساكين وكذا شرط الإيمان في كفارة اليمين قياسا على كفارة القتل يخالف إطلاق النص وكذا السلم الحال قياسا على المؤجل يخالف قوله عليه الصلاة والسلام إلى أجل معلوم وأيضا لم يعده أي الشافعي

(٢/١٢٣)

رحمه اللّه تعالى كما هو في الأصل فهذا بيان أن في قياس جواز السلم الحال على المؤجل فسادين

أحدهما أنه مغير للنص

والثاني أن الحكم لم يعد كما هو في المقيس عليه بل عدي بنوع تغيير وقد بينا في الشرط الثالث بطلان هذا إذ في الأصل جعل الأجل خلفا عن وجود المعقود عليه ليمكن تحصيله فيه وهنا أسقط

فإن قيل أنتم غيرتم أيضا قوله عليه الصلاة والسلام لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا سواء بسواء فإنه يعم القليل والكثير فخصصتم القليل من هذا النص العام فجوزتم بيع القليل بالقليل مع عدم التساوي بالتعليل بالقدر أي قلتم إن علة الربا هي القدر والجنس والقدر أي الكيل غير موجود في بيع الحفنة بالحفنتين فلا يجري فيه الربا فهذا التعليل مغير للنص

(٢/١٢٤)

وكذا في دفع القيم في الزكاة أي غيرتم النص وهو قوله عليه الصلاة والسلام في خمس من الإبل السائمة شاة وغيره مما يدل على دفع عين ذلك الشيء دون القيمة وفي

(٢/١٢٥)

صرفها إلى صنف واحد أي غيرتم النص الدال على صرفها إلى جميع الأصناف وهو قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين الآية بالتعليل بالحاجة أي قلتم إن العلة وجوب دفع الحاجة عن الفقير وهذا المعنى موجود في دفع القيم بل أكمل لأن الدراهم والدنانير خلقتا لتحصيل جميع الأشياء التي تمس بها الحاجة إلى دفع عين الواجب تندفع الحاجة الواحدة وربما لا يحتاج الفقير إلى ذلك الشيء بل يحتاج إلى غيره وقد قلتم عد الأصناف لبيان مواقع الحاجة والعلة هي دفع الحاجة فيجوز الصرف إلى صنف واحد توجد فيه الحاجة فالتعليل بالحاجة في الصورتين مغير لحكم النص

وفي جواز غير لفظ تكبيرة الافتتاح أي غيرتم النص وهو قوله تعالى وربك فكبر بالتعليل بأن المراد تعظيم اللّه تعالى فيجوز بأي لفظ كان نحو اللّه أجل ونحوه وفي إزالة الخبث بغير الماء أي غيرتم النص وهو قوله عليه الصلاة والسلام الماء طهور وقوله عليه الصلاة والسلام حتيه واقرصيه ثم اغسليه بالماء

قلنا المراد التسوية بالكيل وهي لا تتصور إلا في الكثير لأن المراد التسوية الشرعية في قوله عليه الصلاة والسلام إلا سواء بسواء والتسوية المعتبرة شرعا في المطعومات التسوية بالكيل وهي لا تتصور إلا في الكثير فلا نسلم أنه يعم القليل والكثير كما يقال لا تقتل حيوانا إلا بالسكين فإن معناه لا تقتل حيوانا من شأنه أن يقتل بالسكين إلا بالسكين فقتل حيوان لا يقتل بالسكين كالقملة والبرغوث لا يدخل تحت النهي

وإنما كان تغييرا إذا كان الأصل واجبا لعينه وليس كذلك فإن الصدقة حلت مع وسخها ضرورة دفع الحاجة وهي مختلفة فلا بد من جواز دفع القيم أي إنما كان التعليل في

(٢/١٢٦)

دفع القيم تغييرا للنص إذا كان الأصل وهو الشاة مثلا واجبا للفقير لعينه وليس كذلك فإن الزكاة عبادة محضة لا حق للعباد فيها وإنما هي حق اللّه تعالى لكن سقط حقه في صورة ذلك الواجب بإذنه بدلالة النص لأنه تعالى وعد أرزاق الفقراء بقوله إلا على اللّه رزقها ثم أوجب على الأغنياء مالا مسمى ثم أمر بأداء تلك المواعيد وهي الأرزاق المختلفة من ذلك المسمى ولا يمكن ذلك الأداء إلا بالاستبدال فيكون متضمنا للأمر بالاستبدال كالسلطان يعد مواعيد مختلفة ثم يأمر بعض وكلائه بأدائها من مال معين عنده يكون إذنا بالاستبدال

فكذا هاهنا مثبت هناك حكمان جواز الاستبدال وصلاحية عين الشاة

(٢/١٢٧)

لأن تكون مصروفة إلى الفقير فالحكم

الأول يثبت بدلالة النص

وأما الحكم

الثاني المستفاد من قوله عليه الصلاة والسلام في خمس من الإبل السائمة شاة فقد عللناه بالحاجة فإن الصدقة مع وسخها حلت لهذه الأمة لأجل الحاجة بعد أن لم تكن في الأمم الماضية فإذا كانت عين الشاة صالحة للصرف إلى الفقير للحاجة تكون قيمتها صالحة أيضا بهذه العلة فالتعليل وقع في هذا الحكم وليس فيه تغيير النص بل يكون التغيير في الحكم

الأول وهو ثابت بالنص لا بالتعليل فيكون تغيير النص بالنص مجتمعا مع التعليل في حكم آخر ليس فيه تغيير النص وهذا معنى قول فخر الإسلام رحمه اللّه فصار التغيير مجامعا للتعليل بالنص لا بالتعليل وقد قال أيضا فصار صلاح الصرف إلى الفقير بعد الوقوع للّه بابتداء اليد ليصير مصروفا إلى الفقير بدوام يده حكما شرعيا في الشاة فعللناه بالتقويم وعديناه إلى سائر الأموال معناه أن الصدقة تقع للّه تعالى بابتداء يد الفقير

قال عليه الصلاة والسلام الصدقة تقع في كف الرحمن قبل أن تقع في كف الفقير

ففي حال ابتداء يد الفقير تقع للّه تعالى وفي حال بقاء يد الفقير تصير للفقير فقوله صلاح الصرف أي صلاح المحل وهو عين الشاة مثلا للصرف إلى الفقير وقوله ليصير مصروفا علة غائية للصلاح أي صلاحية الشاة للصرف إلى الفقير ليصير مصروفا إليه بدوام يده فقوله إلى الفقير يتعلق بالصرف وبابتداء اليد يتعلق بالوقوع وليصير يتعلق بالصلاح وبدوام يده يتعلق

(٢/١٢٨)

بقوله مصروفا وقوله حكما شرعيا خبر صار فهذا الحكم هو الحكم

الثاني المذكور وفي قوله إن الصدقة واقعة في الابتداء للّه وفي البقاء مصروف إلى الفقير بيان أن الصدقة ليست في الابتداء حق الفقير حتى يلزم تغيير حقه من غير إذنه وهذه المسألة مع هذه العبارة من مشكلات كتب أصحابنا في الأصول

وذكر الأصناف لعد المصارف فإن قوله تعالى إنما الصدقات الآية ذكروا أن

(٢/١٢٩)

اللام للعاقبة لا للتمليك وإنما يلزم تغيير النص لو كان اللام للتملك فيلزم حينئذ دفع ملك شخص إلى شخص آخر وإنما

قلنا إن اللام ليست للتمليك لأن الصدقات والفقراء لا يمكن أن يراد بهما الجميع لما عرفت أن حرف التعريف إذا دخل على الجميع تبطل الجمعية ويراد به الجنس

وأيضا في هذا الموضع لو أريد الجمع لكان المراد جمعا مستغرقا فمعناه أن جميع الصدقات لجميع الفقراء والمساكين وهذا غير مراد إجماعا إذ ليس في وسع أحد أن يوزع جميع الصدقات على جميع الفقراء بحيث لا يحرم واحد على أنه إن أريد هذا يبطل مذهب الشافعي رحمه اللّه تعالى وإذا لم يكن الجمع مرادا كان المراد الجنس فيراد أن جنس الصدقة لجنس الفقير والمسكين من غير أن يراد الإفراد فتكون اللام للعاقبة لا للتمليك الذي يوجب التوزيع على الأفراد فيكون لعد المصارف

والتكبير لتعظيم اللّه تعالى فأداء القيمة وذكر لفظ آخر يكونان في معنى المنصوص

اعلم أن بعض العلماء فرقوا بين الكبرياء

(٢/١٣٠)

والعظمة فإنه جاء عن الأحاديث الإلهية الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فالكبرياء صفة هي للّه تعالى بمنزلة الرداء للإنسان والعظمة بمنزلة الإزار

فالأول أدل على الظهور

والثاني على البطون فلا يكون اللّه أعظم وأجل بمعنى أكبر لكنا نقول قوله تعالى وربك فكبر لا يراد به قل اللّه أكبر لأنه لو قيل وربك قل اللّه أكبر لا يفيد معنى فمعناه وربك فعظم أي قل أو افعل ما فيه تعظيم اللّه والفرق الذي ذكروا بين الكبرياء والعظمة لا يفيد لأنه ليس في وسع العبد إثبات ذلك المعنى بل في وسعه ذكر اللّه بالتعظيم والإجلال وإثبات المعنى المشترك بين التكبير والتعظيم والإجلال على أنه ليس لبعض صفات اللّه تعالى مزية على البعض لا سيما إذا كانت من جنس واحد فإذا كان المقصود التعظيم فكل لفظ فيه التعظيم يكون في معنى اللّه أكبر

وقوله فأداء القيمة راجع إلى مسألة دفع القيم وإنما ذكره هاهنا لأن فيه وفي مسألة التكبير معنى مشتركا وهو كونهما في معنى المنصوص فلذلك جمعهما في سلك واحد

واستعمال الماء لإزالة النجاسة فيجوز بكل ما يصلح لها

اعلم أنه إن أورد الإشكال على قوله تعالى وأنزلنا من السماء ماء طهورا وقوله عليه السلام الماء طهور فغير وارد لأنه لا يدل على أن غير الماء ليس بطهور وإن أورد

(٢/١٣١)

على قوله عليه الصلاة والسلام حتيه واقرصيه ثم اغسليه بالماء فوارد

والجواب أن استعمال الماء ليس مقصودا بالذات لأن من ألقى الثوب النجس أو قطع موضع النجاسة بالمقراض سقط عنه استعمال الماء ولو كان استعماله مقصودا بالذات لم يسقط بدون العذر لكن الواجب إزالة العين النجسة

وإنما لا يزول الحدث بسائر المائعات لكونه غير معقول في الأصل وهو الماء بخلاف الخبث فإن إزالته معقولة ولا يضر أن يلزمها أمر غير معقول دفعا للحرج وهو أن لا يتنجس كل ما يصل إليه ولأن الماء مطهر طبعا فيزول به كلاهما وغيره كالخل مثلا قالع يزول به الخبث لا الحدث

فإن قيل لما كان إزالة الحدث غير معقولة وجبت النية كالتيمم

قلنا يأتي الجواب في فصل المناقضة

فصل العلة قيل المعرف ويشكل بالعلامة اختلفوا في تعريف العلة فقال البعض هي

(٢/١٣٢)

المعرف أي ما يكون دالا على وجود الحكم وقالوا العلل الشرعية كلها معرفات لأنها ليست في الحقيقة بمؤثرة بل المؤثر هو اللّه تعالى

قلنا تدخل العلامة في تعريف العلة ولا يبقى الفرق بينهما لكن الفرق ثابت لأن الأحكام بالنسبة إلينا مضافة إلى العلل كالملك إلى الشراء والقصاص إلى القتل وليست الأحكام مضافة إلى العلامات كالرجم إلى الإحصان فلا بد من الفرق بين العلة والعلامة

وقيل المؤثر وهي في الحقيقة ليست بمؤثرة

اعلم أن البعض عرفوا العلة بالمؤثر والمراد بالمؤثر ما به وجود الشيء كالشمس للضوء والنار للإحراق والبعض أبطلوا تعريف العلة بالمؤثر بأنها في الحقيقة ليست بمؤثرة بل العلل الشرعية كلها معرفات لأن الحكم قديم فلا يؤثر فيه الحادث

والجواب عن هذا أنا قد ذكرنا أن الحكم المصطلح هو أثر حكم اللّه القديم فإن إيجاب اللّه قديم والوجوب حادث فالمراد من المؤثر في الحكم ليس أنه مؤثر في الإيجاب القديم بل في الوجوب الحادث بمعنى أن اللّه تعالى رتب بالإيجاب القديم الوجوب على أمر حادث كالدلوك مثلا فالمراد بكونه مؤثرا أن اللّه تعالى حكم بوجوب ذلك الأثر بذلك الأمر كالقصاص بالقتل والإحراق بالنار ولا فرق في هذا بين العلل العقلية والشرعية فكل من جعل العلل العقلية مؤثرة بذواتها يجعل العلل الشرعية كذلك وهم المعتزلة فكما أن النار علة للاحتراق عندهم بالذات بلا خلق اللّه تعالى الاحتراق فإن القتل العمد بغير حق علة لوجوب القصاص أيضا عقلا

وكل من جعل العلة العقلية مؤثرة بمعنى أنه جرت العادة الإلهية بخلق الأثر عقيب ذلك الشيء فيخلق الاحتراق عقيب مماسة النار لا أنها مؤثرة بذاتها بجعل العلل الشرعية كذلك بأنه تعالى حكم أنه كلما وجد ذلك الشيء يوجد عقيبه الوجوب حسب وجود الاحتراق عقيب مماسة النار فإن المتولدات بخلق اللّه تعالى عند أهل السنة والجماعة على ما عرف في علم الكلام

إلا أن يقال بالنسبة إلينا فإن الأحكام تضاف إلى الأسباب في حقنا فإنا مبتلون بنسبة الأحكام إلى الأسباب الظاهرة فيجب القصاص بالقتل وإن كان في الحقيقة المقتول ميت بأجله ففي ظاهر الشرع الأحكام مضافة إلى الأسباب فهذا معنى كونها مؤثرة

(٢/١٣٣)

وقيل الباعث لا على سبيل الإيجاب بعض الناس عرفوا العلة بالباعث يعني ما يكون باعثا للشارع على شرع الحكم كما في قولك جئتك لإكرامك الإكرام باعث على المجيء والقتل العمد باعث للشارع على شرع القصاص صيانة للنفوس وقوله لا على سبيل الإيجاب احتراز عن مذهب المعتزلة فإن العلة توجب على اللّه تعالى شرع الحكم عندهم على ما عرف أن الأصلح للعباد واجب على اللّه تعالى عندهم أي المشتمل على حكمة مقصودة للشارع في شرعه الحكم هذا تفسير الباعث لا على سبيل الإيجاب فإن المراد من الحكمة المصلحة والمراد من كونه مشتملا على الحكمة أن ترتب الحكم على هذه العلة محصل للحكمة فإن العلة لوجوب القصاص القتل العمد العدوان ولا يتصور اشتماله على الحكمة إلا بهذا المعنى من جلب نفع أي إلى العباد أو دفع ضر أي عن العباد

وهذا مبني على أن أفعال اللّه تعالى معللة بمصالح العباد عندنا مع أن الأصلح لا يكون واجبا عليه خلافا

(٢/١٣٤)

للمعتزلة وما أبعد عن الحق قول من قال إنها غير معللة بها فإن بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لاهتداء الخلق وإظهار المعجزات لتصديقهم فمن أنكر التعليل فقد أنكر النبوة وقوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وقوله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا اللّه وأمثال ذلك كثيرة في القرآن ودالة على ما

قلنا وأيضا لو لم يفعل لغرض أصلا يلزم العبث

ودليلهم أنه إن فعل لغرض فإن لم يكن حصول ذلك الغرض أولى به من عدمه امتنع منه فعله وإن كان أولى به كان مستكملا به فيكون ناقصا في ذاته وقد قيل عليه إنه إنما يكون مستكملا به لو كان الغرض راجعا إليه وهنا راجع إلى العبد وأجابوا عن ذلك أن تحصيل مصلحة العبد وعدمه إن استويا بالنسبة إليه لا يكون غرضا وداعيا له إلى الفعل لأنه حينئذ يلزم الترجيح من غير مرجح وإن لم يستويا بالنسبة إليه يكون فعله أولى فيلزم الاستكمال أقول هذا الجواب غير مرضي لأنا لا نسلم أنه إن استويا بالنسبة إليه لا يكون غرضا وداعيا ولا نسلم أن الترجيح من غير مرجح

لم لا يجوز أن تكون الأولوية بالنسبة إلى العباد مرجحا

وكون العلة هكذا تسمى مناسبة أي كونها بحيث تجلب النفع إلى العباد وتدفع الضرر عنهم يسمى مناسبة والوصف المناسب ما يجلب نفعا أو يدفع ضررا وقد قال القاضي الإمام أبو زيد الوصف المناسب ما لو عرض

(٢/١٣٥)

على العقول تلقته بالقبول وقد ذكروا أن المناسب

إما حقيقي

وإما إقناعي فالحقيقي

إما لمصلحة دينية كرياضة النفس وتهذيب الأخلاق فالوصف المناسب كالدلوك وشهود الشهر والحكم وجوب الصلاة والصوم

والحكمة رياضة النفس وقهرها أو دنيوية وهي

إما ضرورية وهي خمسة حفظ النفس والمال والنسب والدين والعقل فهذه الخمسة هي الحكمة والمصلحة في شرعية القصاص والضمان وحد الزنا والجهاد وحرمة المسكرات والوصف المناسب هو القتل العمد العدوان والسرقة والغصب مثلا والزنا وحربية الكافر والإسكار

وإما محتاج إليها كما في تزويج الصغيرة فالوصف المناسب هو الصغر والحكم شرعية التزويج والحكمة والمصلحة كون المولية تحت الكفء وهذه المصلحة ليست ضرورية لكنها في محل الحاجة لأنه يمكن أن يفوت الكفء لا إلى بدل

وإما أن لا تكون ضرورية ولا محتاجا إليها بل للتحسين كحرمة القاذورات فإنها حرمت لنجاستها وعلو منصب الآدمي فلا يحسن تناولها والإقناعي ما يتوهم أنه مناسب ثم إذا تؤمل يظهر خلافه كنجاسة الخمر لبطلان بيعها فمن حيث إنها نجسة تناسب الإدلال والبيع يقتضي الإعزاز لكن معنى النجاسة كونها مانعة من صحة الصلاة وهذا لا يناسب بطلان البيع

(٢/١٣٦)

والحكمة المجردة لا تعتبر في كل فرد لخفائها وعدم انضباطها بل في الجنس فيضاف الحكم إلى وصف ظاهر منضبط يدور معها أي يدور الوصف مع الحكمة

أو يغلب وجودها أي وجود الحكمة عنده أي عند الوصف والمراد أن ترتب الحكم على الوصف يكون محصلا للحكمة دائما وفي الأغلب كالسفر مع المشقة أي ليس المراد أن المشقة هي الحكمة بل الحكمة هي دفع الضرر ودفع الضرر إنما يتحقق في صورة وجود الضرر ووجود الضرر لا يتحقق إلا أن تكون المشقة موجودة ثم المشقة غالبة الوجود في السفر فترتب الحكم وهو الرخصة على الوصف وهو السفر يكون محصلا للحكمة التي هي دفع الضرر في الأغلب

وهنا أبحاث

الأول الأصل في النصوص عدم التعليل عند البعض إلا بدليل كما قال عليه الصلاة والسلام الهرة ليست بنجسة لأنها من الطوافين والطوافات عليكم فتعليله عليه الصلاة والسلام دل على أن هذا النص معلل وأن عدم نجاستها معلل بالطواف لأن النص موجب بصيغته لا بالعلة ولأن التعليل بكل الأوصاف محال وبالبعض محتمل وعند البعض هي معللة بكل وصف إلا لمانع لأن كل وصف صالح لهذا أي للتعليل

والنص مظهر للحكم والعلة داعية جواب عن قوله أن النص موجب للحكم بصيغته إلا بالعلة أي نعم أن النص موجب للحكم بمعنى أنه مظهر للحكم بصيغته لا أنه داع بل الداعي إلى الحكم هو العلة

والتعليل لإثبات الحكم في الفرع جواب آخر عن قوله أن النص موجب بصيغته أي نعم أن النص موجب للحكم بصيغته في الأصل لا في الفرع بل في الفرع موجب للحكم بسبب العلة ونحن إنما نعلل لإثبات الحكم في الفرع لا في الأصل

وعند الشافعي رحمه اللّه تعالى معللة لكن لا بد من دليل مميز لأن بعض الأوصاف متعد وبعضها قاصر فلو علل بكل وصف يلزم التعدية وعدمها وعندنا لا بد مع ذلك أي مع ما قاله الشافعي رحمه اللّه تعالى من الدليل على أن النص معلل في الجملة لاحتمال أن يكون من النصوص الغير المعللة نظيره في حديث الربا أن قوله عليه الصلاة والسلام يدا بيد يوجب التعيين

وذلك من باب الربا أيضا لأنه لما شرط تعيين أحد البدلين احترازا عن بيع الدين بالدين فإنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الكالئ بالكالئ شرط تعيين الآخر احترازا عن شبهة الفضل

(٢/١٣٧)

فإن للنقد مزية على النسيئة

وقد وجدنا هذا الحكم متعديا حتى لا يجوز بيع الحنطة بعينها بشعير بغير عينه إجماعا وشرط الشافعي رحمه اللّه تعالى التقابض في بيع الطعام بالطعام فإذا وجدناه معللا في ربا النسيئة نعللّه في ربا الفضل أيضا لأنه أثبت منه لأن الربا هو الفضل الخالي من العوض وهو موجود حقيقة في ربا الفضل كبيع قفيز من الحنطة بقفيزين منها

أما الربا في النسيئة وهو بيع الحنطة بعينها بشعير بغير عينه نسيئة فشبهة الفضل قائمة لا حقيقة الفضل هذا ما قالوا

واعلم أن اشتراط هذا الشرط وهو كون هذا النص معللا في الجملة في غاية الصعوبة لأن التعليل إن توقف على تعليل آخر فالتعليل الموقوف عليه إن توقف على تعليل آخر يلزم التسلسل وإن لم يتوقف يثبت أن بعض التعليلات لم يتوقف على هذا ويمكن أن يجاب عن هذا بأنا لما شرطنا في العلة التأثير وهو أن يثبت بالنص أو الإجماع اعتبار الشارع جنس هذا الوصف أو نوعه في جنس هذا الحكم أو نوعه لا يثبت التأثير إلا وأن يثبت كون هذا النص من النصوص المعللة لأنه كلما ثبت اعتبار الشارع جنس هذا الوصف أو نوعه في جنس هذا الحكم أو نوعه ثبت أن هذا النص من النصوص المعللة

الثاني يجوز أن تكون العلة وصفا لازما كالثمنية للزكاة في المضروب عندنا فإن الذهب والفضة خلقا ثمنا وهذا الوصف لا ينفك عنهما أصلا حتى تجب الزكاة في الحلي وللربا عنده وعارضا كالكيل للربا فإن الكيل ليس بلازم حسا للحنطة والشعير فإنهما قد يباعان وزنا وجليا وخفيا على ما يأتي واسما أي اسم جنس كقوله عليه الصلاة والسلام في المستحاضة أنه دم عرق انفجر وهذا اسم مع وصف عارض الدم اسم جنس والانفجار وصف عارض وحكما كقوله عليه الصلاة والسلام أرأيت لو كان على أبيك دين قاس النبي

(٢/١٣٨)

عليه الصلاة والسلام إجزاء قضاء الحج عن الأب على إجزاء قضاء دين العباد عن الأب والعلة كونهما دينا وهو حكم شرعي لأن الدين لزوم حق في الذمة

وكقولنا في المدبر أنه مملوك تعلق عتقه بمطلق موت المولى فلا يباع كأم الولد فيه قياس عدم جواز بيع المدبر على عدم جواز بيع أم الولد والعلة كونهما مملوكين تعلق عتقهما بمطلق موت المولى وهذا حكم شرعي وإنما قال بمطلق موت المولى احترازا عن المدبر المقيد كقوله إن مت في هذا المرض فأنت حر ومركبا كالكيل والجنس وغير مركب وهذا ظاهر ومنصوصة وغير منصوصة كما يأتي

مسألة ولا يجوز التعليل بالعلة القاصرة عندنا وعند الشافعي رحمه اللّه تعالى يجوز فإنه جعل علة الربا في الذهب والفضة الثمنية فهي مقتصرة على الذهب والفضة غير متعدية عنهما إذ غير الحجرين لم يخلق ثمنا

والخلاف فيما إذا كانت العلة مستنبطة

أما إذا كانت منصوصة فيجوز عليتها اتفاقا لأن الحكم في الأصل ثابت بالنص سواء كان معقول المعنى أو لا

(٢/١٣٩)

وإنما يجوز التعليل للاعتبار إذ ليس للعبد بيان علية أحكام اللّه تعالى وما قالوا أن فائدة التعليل لا تنحصر في هذا أي في الاعتبار

وفائدته أن يصير الحكم أقرب إلى القبول ليس بشيء إذ الفائدة الفقهية ليست إلا إثبات الحكم

فإن قيل التعدية موقوفة على التعليل فتوقفه عليها دور

قلنا يتوقف على علمه بأن الوصف حاصل في الغير أي التعليل لا يتوقف على التعدية بل يتوقف التعليل على العلم بأن هذا الوصف حاصل في غير مورد النص

واعلم أن كثيرا من العلماء قد تحيروا في هذه المسألة واستبعدوا مذهب أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى فيها توهما منهم أن الحق أن يتفكروا أولا في استنباط العلة أن العلة في الأصل ما هي فإذا حصل غلبة الظن بالعلة فإن كانت متعدية من الأصل أي حاصلة في غير صورة الأصل يتعدى

(٢/١٤٠)

الحكم وإلا فلا بل يقتصر الحكم على مورد النص أو مورد الإجماع فيقتصر الحكم

أما توقف التعليل على التعدية أو على العلم بأن العلة حاصلة في غير الأصل فلا معنى له فأقول هذه المسألة مبنية على اشتراط التأثير عند أبي حنيفة رحمه اللّه وعلى الاكتفاء بالإخالة عند الشافعي رحمه اللّه ومعنى التأثير اعتبر الشارع جنس الوصف أو نوعه في جنس الحكم أو نوعه فإن كان الوصف مقتصرا على مورد النص غير حاصل في صورة أخرى لا يحصل غلبة الظن بالعلة أصلا لأن نوع العلة أو جنسها لما لم يوجد في صورة أخرى لا يدرى أن الشارع اعتبره أو لم يعتبره

وعند الشافعي رحمه اللّه لما كان مجرد الإخالة كافيا يحصل الوقوف على العلة مع الاقتصار على مورد النص فحاصله الخلاف أنه إذا كان الوصف مقتصرا على مورد النص أو الإجماع يمتنع الوقوف بطريق الاستنباط على كونه علة عندنا خلافا له فهذا الذي ذكرنا من مبنى الخلاف أفاد عدم صحة التعليل بالوصف القاصر عندنا وصحته عنده وثمرة الخلاف أنه إذا وجد في مورد النص وصفان قاصر ومتعد وغلب

(٢/١٤١)

على ظن المجتهد أن القاصر علة هل يمنع التعليل بالمتعدي أم لا فعنده يمنع وعندنا لا فإنه لا اعتبار لغلبة الظن بعلية الوصف القاصر فإنها مجرد وهم لا غلبة ظن فلا تعارض غلبة الظن بغلبة الوصف المتعدي المؤثر

كما أن توهم أن لخصوصية الأصل تأثيرا في الحكم فهذا المعنى لا يمنع التعليل بالوصف المتعدي المؤثر فكذا هاهنا إلا إذا كان الوصف القاصر يثبت عليته بالنص كقوله عليه الصلاة والسلام حرمت الخمر لعينها فحينئذ يثبت عليته ويكون مانعا من علية وصف آخر

فإن قيل تعليلكم بالثمنية للزكاة في المضروب تعليل بالوصف القاصر

قلنا لا بل متعد إلى الحلي

فإن قيل تعديته إلى الحلي لا تدل على كونه وصفا مؤثرا وقد جعلتم هذه المسألة مبنية على التأثير

قلنا معنى قولنا أن الثمنية علة للزكاة في المضروب هو أن كون الذهب والفضة خلقا ثمنين دليل على أنهما غير مصروفين إلى الحاجة الأصلية بل هما من أموال التجارة خلقة فيكونان من المال النامي وتأثير المال النامي في وجوب الزكاة عرف شرعا فمعنى كون الثمنية علة للزكاة أن الثمنية من جزئيات كون المال ناميا فتكون علة مؤثرة باعتبار أن الشارع اعتبر جنسه في حكم وجوب الزكاة فالعلة في الحقيقة النماء لا الثمنية

(٢/١٤٢)

مسألة ولا يجوز التعليل بعلة اختلف في وجودها في الفرع أو في الأصل كقوله في الأخ أنه شخص يصح التكفير بإعتاقه فلا يعتق إذا ملكه كابن العم فإنه إن أراد عتقه إذا ملكه لا يفيده لأن هذا الوصف غير موجود في ابن العم وإن أراد إعتاقه بعدما ملكه فلا نسلم ذلك في الأخ وكقوله إن تزوجت زينب فكذا تعليق فلا يصح بلا نكاح

كما لو قال زينب التي أتزوجها طالق لأنا نمنع وجود التعلق في الأصل أو ثبت الحكم في الأصل بالإجماع مع الاختلاف في العلة كقوله في قتل الحر بالعبد إنه عبد فلا يقتل بالحر كالمكاتب أي مكاتب قتل وله مال يفي ببدل الكتاب وله وارث غير سيده فنقول العلة في الأصل جهالة المستحق لا كونه عبدا

مسألة ولا يجوز التعليل بوصف يقع به الفرق كقوله مكاتب فلا يصح التكفير بإعتاقه كما إذا أدى بعض البدل فنقول أداء بعض البدل عوض مانع

الثالث تعرف العلة

(٢/١٤٣)

بأمور أولها النص

إما صريحا كقوله تعالى كي لا يكون دولة يقال صار الفيء دولة بينهم يتداولونه بأن يكون مرة لهذا ومرة لذلك وقوله تعالى لدلوك الشمس وقوله تعالى فبما رحمة من اللّه وغيرها من ألفاظ التعليل أو إيماء بأن يترتب الحكم على الوصف بالفاء في أيهما كان نحو قوله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما وقوله عليه الصلاة والسلام لا تقربوه طيبا فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا والحق أن هذا صريح لأن الفاء في مثل هذه الصورة للتعليل فصار كاللام فمعناه لأنه يحشر وكذا في لفظ الراوي نحو زنى ماعز فرجم أو يترتب الحكم

(٢/١٤٤)

على المشتق نحو أكرم العالم أو يقع جوابا نحو واقعت امرأتي في نهار رمضان فقال أعتق رقبة أو يكون بحيث لو لم يكن علة لم يفد نحو إنها من الطوافين والحق أن هذا صريح إذ كلمة إن إذا وقعت بين الجملتين تكون لتعليل الأولى بالثانية كقوله تعالى وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ونظائره كثيرة فإما أن تكون إن في مثل هذا الكلام للتعليل أو يكون تقديره لأن والحذف غير الإيماء ونحو أرأيت لو كان على أبيك دين الحديث أو يفرق في الحكم بين شيئين بحسب وصف مع ذكرهما نحو للفارس سهمان

(٢/١٤٥)

وللراجل سهم فإنه فرق في هذا الحكم بين الفارس والراجل بحسب وصف الفروسية وضدها فقوله مع ذكرهما

إما أن يرجع الضمير إلى الحكمين باعتبار أنه ذكر الفرق بين الشيئين في الحكم ففهم الحكمان فيرجع الضمير إليهما أو يرجع الضمير إلى الشيئين أو ذكر

أحدهما أي أحد الحكمين أو أحد الشيئين نحو القاتل لا يرث فإن تخصيص القاتل بالمنع من الإرث مع سابقة الإرث يشعر بأن علة المنع القتل أو يفرق بينهما بطريق الاستثناء نحو إلا أن يعفون قال اللّه تعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون والعفو يكون علة لسقوط المفروض أو بطريق الغاية نحو حتى يطهرن أو بطريق الشرط نحو مثلا بمثل فإن اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم فاختلاف الجنس يكون علة لجواز البيع

(٢/١٤٦)

واعلم أن في هذه المواضع إن سلم العلية إنما قال إن سلم العلية لأن العلية في بعض هذه المواضع غير مسلمة نحو واقعت امرأتي لأنه وإن نسب الحكم إلى المواقعة لكن يمكن أن تكون العلة شيئا يشمل علية المواقعة كهتك حرمة الصوم مثلا لكن بعد تلك العلل لا يمكن بها القياس أصلا نحو السارق والسارقة لأن السرقة إن كانت علة فكلما وجدت يثبت الحكم القطعي نصا لا قياسا وكذا في زنى ماعز ونحوه فاستخرجه وأيضا النص يدل على ترتب الحكم على تلك القضية في واقعت امرأتي ونحوها لا على كونها مناطا فإنه يمكن أن يكون هتك حرمة الصوم وأيضا الغاية والاستثناء لا يدلان على العلية وثانيها الإجماع كإجماعهم على أن الصغر علة لثبوت الولاية عليه في المال

وثالثها

(٢/١٤٧)

المناسبة وشرطها الملاءمة وهي أن تكون على وفق العلل الشرعية وأظن أن المراد منه أن الشرع اعتبر جنس هذا الوصف في جنس هذا الحكم ويكفي الجنس البعيد هنا بعد أن يكون أخص من كونه متضمنا لمصلحة فإن هذا مرسل لا يقبل اتفاقا وكلمة هذا إشارة إلى كونه متضمنا لمصلحة لكن كلما كان الجنس أقرب كان القياس أقوى الاستدراك يتعلق بقوله ويكفي الجنس البعيد هنا والملائم كالصغر فإنه علة لثبوت الولاية عليه لما فيه من العجز وهذا يوافق تعليل الرسول عليه الصلاة والسلام لطهارة سؤر الهرة بالطواف لما فيه من

(٢/١٤٨)

الضرورة فإن العلة في أحد الصورتين العجز وفي الأخرى الطواف فالعلتان وإن اختلفتا لكنهما مندرجتان تحت جنس واحد وهو الضرورة والحكم في إحدى الصورتين الولاية وفي الأخرى الطهارة وهما مختلفان لكنهما مندرجان تحت جنس واحد وهو الحكم الذي يندفع به الضرورة فالحاصل أن الشرع اعتبر الضرورة في إثبات حكم يندفع به الضرورة أي اعتبر الضرورة في حق الرخص

(٢/١٤٩)

وكما يقال قليل النبيذ يحرم كقليل الخمر والعلة أن قليله يدعو إلى كثيره والشرع اعتبر جنس هذا في الخلوة مع الجماع وكذا حمل حد الشرب على حد القذف فإن الشرع اعتبر إقامة السبب الداعي مقام المدعو إليه في الخلوة مع الجماع فإن فيه إقامة الداعي مقام المدعو إليه وقد قال علي كرم اللّه وجهه في حد الشرب إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى وحد المفترين ثمانون وإذا وجدت الملاءمة يصح العمل ولا يجب عندنا بل يجب إذا كانت مؤثرة فالملاءمة كأهلية الشهادة والتأثير كالعدالة وعند بعض الشافعية

(٢/١٥٠)

يجب العمل بالملائم بشرط شهادة الأصل وهي أن يكون للحكم أصل معين من نوعه يوجد فيه جنس الوصف أو نوعه وعند البعض بمجرد كونه مخيلا أي يقع في الخاطر أن هذا الوصف علة لذلك الحكم وهذا يسمى بالمصالح المرسلة أي الأوصاف التي تعرف عليتها بمجرد كونه مخيلا تسمى بالمصالح المرسلة

(٢/١٥١)

وتقبل عند الغزالي رحمه اللّه تعالى أي المصالح المرسلة فاعلم أن الوصف المرسل نوعان نوع لا يقبل اتفاقا وهو الذي اعتبر الشرع جنسه الأبعد وهو كونه متضمنا لمصلحة في إثبات الحكم ونوع يقبل عند الغزالي وهو أن الشرع اعتبر جنسه البعيد الذي هو أقرب من ذلك الجنس الأبعد إذا كانت المصلحة ضرورية قطعية كلية كتترس الكفار بأسارى المسلمين فإنه لم يوجد اعتبار الشارع الجنس القريب لهذا الوصف في الجنس القريب لهذا الحكم إذ لم يعهد في الشرع إباحة قتل المسلم بغير حق

(٢/١٥٢)

لكن وجد اعتبار الضرورة في الرخص في استباحة المحرمات

واعلم أنه قيد المصلحة بكونها ضرورية قطعية كلية كما لو تترس الكفار بجمع من المسلمين ونعلم أنا لو تركناهم استولوا على المسلمين وقتلوهم ولو رمينا الترس يخلص أكثر المسلمين فتكون المصلحة ضرورية لأن صيانة الدين وصيانة نفوس عامة المسلمين داعية إلى جواز الرمي إلى الترس وتكون قطعية لأن حصول المصلحة وهي صيانة الدين ونفوس عامة المسلمين برمي الترس تكون قطعية لا ظنية كحصول المصلحة في رخص السفر فإن السفر مظنة المشقة وتكون كلية لأن استخلاص عامة المسلمين مصلحة كلية فخرج بقيد الضرورة ما لو تترس الكافرون في قلعة بمسلم لا يحل رمي الترس وبالقطعية ما لم نعلم تسلطهم إن تركنا رمي الترس وبالكلية ما إذا لم تكن المصلحة كلية كما إذا كانت جماعة في سفينة وثقلت السفينة فإن طرحنا البعض في البحر نجا الباقون لا يجوز طرحهم لأن المصلحة غير كلية لأنه على تقدير ترك الطرح لا تهلك إلا جماعة مخصوصة وفي التترس لو تركنا الرمي لقتلوا كافة المسلمين مع الأسارى والتأثير عندنا أن يثبت بنص أو إجماع اعتبار نوعه أو جنسه في نوعه أو جنسه أي نوع

(٢/١٥٣)

الوصف أو جنسه في نوع الحكم أو جنسه والمراد بالجنس هنا الجنس القريب كالسكر في الحرمة هذا نظير اعتبار النوع في النوع وكقوله عليه الصلاة والسلام أرأيت لو تمضمضت الحديث هذا نظير اعتبار الجنس في النوع فإن للجنس وهو عدم دخول شيء اعتبارا في عدم فساد الصوم وكقياس الولاية على الثيب الصغيرة وعلى البكر الصغيرة بالصغر هذا نظير اعتبار النوع في الجنس ولنوعه اعتبار في جنس الولاية لثبوتها في المال على الثيب الصغيرة

(٢/١٥٤)

وكطهارة سؤر الهرة نظير اعتبار الجنس في الجنس فإن لجنس الضرورة اعتبارا في جنس التخفيف وقد يتركب بعض الأربعة مع بعض فاستخرجه كالصغر مثلا فإن لنوعه اعتبارا في جنس الولاية ولجنسه اعتبارا في جنسها فإن جنسه العجز والولاية ثابتة على العاجز كالمجنون مثلا وقس عليه البواقي والمركب ينقسم بالتقسيم العقلي أحد عشر قسما واحد منها مركب من الأربعة وأربعة منها مركبة من ثلاثة وستة مركبة من اثنين ولا شك أن المركب من أربعة أقوى الجميع ثم المركب من ثلاثة ثم المركب من اثنين ثم ما لا يكون مركبا قد سمى البعض أول الأربعة غريبا والثلاثة ملائمة ثم لا يخلو من أن يكون له أصل

(٢/١٥٥)

معين من نوعه يوجد فيه جنس الوصف أو نوعه ويسمى شهادة الأصل وهي أعم من أولى الأربعة مطلقا أي شهادة الأصل أعم من اعتبار نوع الوصف في نوع الحكم ومن اعتبار جنس الوصف في نوع الحكم لأنه كلما وجد اعتبار نوع

(٢/١٥٦)

الوصف أو جنسه في نوع الحكم فقد وجد للحكم أصل معين من نوعه يوجد فيه جنس الوصف أو نوعه لكن لا يلزم أنه كلما وجد له أصل معين من نوعه يوجد فيه جنس الوصف أو نوعه فقد وجد اعتبار نوع الوصف أو جنسه في نوع الحكم وبينها وبين أخيري الأربعة عموم وخصوص من وجه أي قد يوجد شهادة الأصل بدون واحد من أخيري الأربعة وقد يوجد واحد من أخيري الأربعة بدون شهادة الأصل وقد يوجدان معا

(٢/١٥٧)

فالتعليل بهما بدون الشهادة حجة ويسمى عند البعض تعليلا لا قياسا وعند البعض هو قياس أيضا وإذا وجد شهادة الأصل بدون التأثير لا يكون حجة عندنا ويسمى غريبا أيضا

اعلم أن التعليل بأولى الأربعة لا يكون إلا مع شهادة الأصل لما

قلنا إنها أعم فيكون التعليل بكل منهما قياسا اتفاقا والتعليل بأخيري الأربعة إذا وجد مع شهادة الأصل يكون قياسا اتفاقا وإذا وجد بدون شهادة الأصل فعند البعض قياس وعند البعض لا ويسمى تعليلا لكنه مقبول اتفاقا وإنما الخلاف في تسميته قياسا وشهادة الأصل قد توجد بدون الأولين لأنها أعم من كل منهما مطلقا وقد توجد بدون أخيري الأربعة لأنها أعم من كل منهما من وجه فإذا وجدت بدون التأثير لا يقبل عندنا ويسمى غريبا أي يسمى الوصف الذي يوجد في صورة يوجد فيها نوع الحكم من غير تأثير غريبا فالغريب نوعان

أحدهما مقبول وهو الوصف

(٢/١٥٨)

الذي اعتبر نوعه في نوع الحكم

والثاني مردود وهو الوصف الذي يوجد جنسه أو نوعه في نوع ذلك الحكم لكن لا نعلم أن الشارع اعتبر هذا الوصف أو لا وإنما اعتبرنا التأثير لأنه أي القياس أمر شرعي فيعتبر فيه أي في القياس اعتبار الشارع وهو أن يكون القياس بوصف اعتبره الشارع أو اعتبر جنسه ولأن العلل المنقولة ليست إلا مؤثرة كقوله عليه الصلاة والسلام إنها من الطوافين والطوافات عليكم وقوله في المستحاضة إنه دم عرق انفجر ولانفجار الدم من العرق وهو النجاسة تأثير في وجوب الطهارة وفي عدم كونه حيضا وفي كونه مرضا لازما فيكون له تأثير في التخفيف وقوله عليه

(٢/١٥٩)

الصلاة والسلام أرأيت لو تمضمضت بماء الحديث وغيرها من أقيسة الرسول عليه السلام والصحابة رضي اللّه تعالى عنهم وعلى هذا

قلنا مسح الرأس مسح فلا يسن تثليثه كمسح الخف لأن كونه مسحا مؤثر في التخفيف حتى لم يستوعب محله

وأما قوله ركن فيسن تثليثه

(٢/١٦٠)

كما في سائر الأركان فغير معقول وكذا جعلنا الصغر علة للولاية بخلاف البكارة وأيضا

قلنا صوم رمضان متعين فلا يجب التعيين وقد ظهر تأثيره أي تأثير المتعين في عدم التعيين في الودائع والمغصوب فإن رد الوديعة والمغصوب واجب عليه ولا يجب عليه رد وغير هذا ولما كان هذا الرد متعينا لا يجب عليه تعيينه بأن يقول هذا الرد هو رد الوديعة فإن ردها مطلقا يصرف إلى الواجب عليه وهو رد الوديعة وفي النقل فإنه إذا نوى في غير رمضان صوما مطلقا ينصرف إلى النقل لتعينه ففي رمضان ينصرف إلى صوم رمضان لتعينه فإن فرض رمضان فيه كالنقل في غيره وبعض العلماء احتجوا بالتقسيم فيه أي على العلية في القياس وهو أن يقول العلة

إما هذا أو هذا أو هذا والأخيران باطلان فتعين

الأول فإن لم يكن حاصرا لا يقبل وإن كان

(٢/١٦١)

حاصرا بأن يثبت عدم علية الغير أي غير هذه الأشياء التي ردد فيها بالإجماع مثلا إنما قال مثلا لأنه يمكن أن يثبت عدم علية الغير بالنص بعدما ثبت تعليل هذا النص يقبل كإجماعهم على أن علة الولاية

إما الصغر أو البكارة فهذا إجماع على نفي ما عداهما وبتنقيح المناط وهو أن يبين عدم علية الفارق ليثبت علية المشترك الفارق هو الوصف الذي يوجد في الأصل دون الفرع والمشترك هو الوصف الذي يوجد فيهما وعلماؤنا رحمهم اللّه لم يتعرضوا لهذين فإنه على تقدير قبولهما يكون مرجعهما إلى النص أو الإجماع أو المناسبة

(٢/١٦٢)

وبالدوران وهو باطل عندنا ففسره بعضهم بأنه وجود الحكم في كل صور وجود الوصف وزاد بعضهم العدم عند العدم وشرط بعضهم قياس النص في الحالين أي في حال وجود الوصف وعدمه ولا حكم له نظيره أن المرء إذا قام إلى الصلاة وهو متوضئ لا يجب عليه الوضوء وإذا قعد وهو محدث يجب فعلم أن الوجوب دائر مع الحدث فإنا قد وجدنا وجوب الوضوء دائرا مع الحدث وجودا وعدما والنص موجود في الحالين أي حال وجود الحدث وحال عدمه ولا حكم له لأن النص يوجب أنه كلما وجد القيام إلى الصلاة وجب الوضوء وكلما لم يوجد لم يجب

أما عند القائلين بالمفهوم فظاهر

وأما عندنا فلأن

(٢/١٦٣)

الأصل هو العدم على ما مر في مفهوم المخالفة وموجب النص غير ثابت في الحالين

أما حال عدم الحدث فإن ظاهر النص يوجب أنه إذا وجد القيام مع عدم الحدث يجب الوضوء وهذا غير ثابت

وأما حال وجود الحدث فلأنه ينبغي أنه إذا لم يقم إلى الصلاة مع وجود الحدث لا يجب الوضوء

أما عند القائلين بالمفهوم فلأن هذا الحكم هو مدلول النص

وأما عندنا فلأن عدم وجوب الوضوء وإن كان بناء على العدم الأصلي لكن جعل هذا الحكم حكم النص مجازا فعلم بهذا علية الحدث إذ لولا ذلك لما تخلف الحكم عن النص أصلا قوله عليه الصلاة والسلام لا يقضي القاضي وهو غضبان فإنه يحل القضاء وهو غضبان عند فراغ القلب ولا يحل عند شغله بغير الغضب لهم أن علل الشرع أمارات فلا

(٢/١٦٤)

حاجة إلى معنى يعقل

قلنا نعم في حقه تعالى

أما في حق العباد فإنهم مبتلون بنسبة الأحكام إلى العلل كنسبة الملك إلى البيع والقصاص إلى القتل فإنه يجب القصاص مع أن المقتول ميت بأجله فلا بد من التمييز بين العلل والشروط والوجود عند الوجود لا يدل على العلية لأنه قد يقع اتفاقا وقد يقع في العلامة ولا يشترط لها أيضا أي لا يشترط الوجود عند الوجود للعلية لأن التخلف لمانع لا يقدح فيها ثم العلة عين ذلك الوصف عند القائلين بتخصيصها وذلك الوصف مع عدم المانع عند من لا يقول به

اعلم أن تخلف الحكم عن العلة لمانع لا يقدح في العلية

أما عند القائلين بتخصيص العلة فلأن الشيء يمكن أن يكون علة والحكم تخلف عنه لمانع وهذا التخلف لا يقدح في العلية

وأما عند من لا يقول بتخصيص العلة

(٢/١٦٥)

فإن العلة مجموع ذلك الوصف مع عدم المانع فالوصف يكون جزءا للعلة فمعنى قولنا إن التخلف لمانع لا يقدح فيها أن التخلف لمانع لا يقدح في كون الوصف جزءا للعلة ولا يشترط العدم عند العدم لأنه قد يوجد بعلة أخرى وقيام النص في الحالين ولا حكم له أمر لا يوجد إلا نادرا فكيف يجعل أصلا في باب القياس وأيضا هو غير مسلم في آية الوضوء لأنه ثبت الحدث بالنص لأن ذكره في الخلف ذكر في الأصل ولأن المعنى إذا قمتم من مضاجعكم والنوم دليل الحدث ولما كان الماء مطهرا دل على قيام النجاسة فاكتفى فيه أي في الماء يعني في إيجاب الوضوء بدلالة النص أي على وجود الحدث واختار في التيمم التصريح أي بوجود الحدث وهو قوله تعالى أو جاء أحد منكم

(٢/١٦٦)

من الغائط إلى قوله فتيمموا وأيضا فيه إيماء أي في النص إشارة إلى أن الوضوء عند عدم الحدث سنة لكونه ائتمارا لظاهر الأمر وعند الحدث واجب بخلاف الغسل فإنه ليس بسنة لكل صلاة وهذا وجه آخر لترك التصريح بالحدث في الوضوء والتصريح به في التيمم والغضب لا يوجد بدون شغل القلب ولا يحل القضاء إلا بعد سكونه هذا منع لقوله فإنه يحل القضاء وهو غضبان عند فراغ القلب فما ذكر أن النص قائم في الحالين ولا حكم له ممنوع

أما حال وجود الوصف فإنه لا يحل القضاء إلا بعد سكون النفس عن الغضب كما ذكر في المتن

وأما حال عدم الوصف وهو غير مذكور في المتن فعندنا لا دلالة للنص على عدم الحكم عند عدم الوصف وكذا عند من يقول بالمفهوم لأن من شرائط مفهوم المخالفة أن لا يثبت التساوي بين المنطوق والمسكوت وقد ذكرتم أن القضاء لا يحل عند شغل القلب بغير الغضب فيثبت التساوي بين المنطوق والمسكوت فلم يوجد شرط صحة مفهوم المخالفة فلا يكون النص حينئذ دالا على عدم الحكم عند عدم الوصف فبطل قوله إن النص قائم في الحالين ولا حكم له

فصل لا يجوز التعليل لإثبات العلة كإحداث تصرف موجب للملك أي لا يجوز

(٢/١٦٧)

بالقياس إحداث تصرف يكون علة لثبوت الملك وقولنا الجنس بانفراده يحرم النساء بالنص وهو نهي عن الربا والريبة جواب إشكال وهو أنكم أثبتم بالقياس شيئا هو علة لحرمة النساء وهو الجنس بانفراده أي بدون الكيل والوزن فأجاب بأن هذا النص وهو قول الراوي نهى النبي صلى اللّه عليه وسلم عن الربا والريبة والريبة الشك والمراد بالريبة هنا شبهة الربا وشبهة الربا ثابتة فيما إذا كان الجنس بانفراده موجودا أو قد باع نسيئة لأن للنقد مزية على النسيئة وكون الأكل والشرب موجبا للكفارة بدلالة النص وكذا القصاص في القتل بالمثقل عندهما أي ثابت بدلالة النص لا بالقياس المستنبط فلا يرد حينئذ إشكال وصفتها بالجر أي لا يجوز التعليل لإثبات صفة العلة كإثبات السوم في الأنعام ولإثبات الشرط أو صفته كالشهود في النكاح هذا نظير إثبات الشرط وككونهم رجالا أو مختلطة نظير إثبات صفة الشرط ولإثبات

(٢/١٦٨)

الحكم أو صفته كصوم بعض اليوم نظير إثبات الحكم وكصفة الوتر نظير إثبات صفة الحكم لأن فيه نصب الشرع بالرأي فلا يجوز ابتداء

أما إذا كان له أصل فيصح كاشتراط التقابض في بيع الطعام بالطعام أي عند الشافعي رحمه اللّه فإن له أي لاشتراط التقابض عند الشافعي رحمه اللّه أصلا وهو الصرف ولجوازه بدونه أصلا أي لجواز البيع بدون التقابض عندنا أصلا وهو بيع سائر السلع فالحاصل أن اشتراط التقابض عند الشافعي رحمه اللّه وإن كان إثبات الشرط فإنه يوجد له أصل وهو بيع الصرف وعدم اشتراطه عندنا كذلك يوجد له أصل وهو بيع سائر السلع

(٢/١٦٩)

فالتعليل لا يصح إلا للتعدية هذا ما قالوا إنما قلت هذا لأني نقلت هذا الفصل عن أصول الإمام فخر الإسلام رحمه اللّه ولم أدر ما مراده فإن أراد أن القياس لا يجري في هذه الأشياء أصلا فهذا لا يصح وقد قال في آخر الباب وإنما أنكرنا هذه الجملة إذا لم يوجد له في الشريعة أصل يصح تعليله

وأما إذا وجد له فلا بأس به وإن أراد أنه لا يصح التعليل في هذه الأمور إلا إذا كان لها أصل فلا معنى لتخصيص هذه الأمور بهذا الحكم ولا فائدة في تفصيلها بل يكفيه أن يقول لا يصح القياس إلا إذا كان له أصل وهذا المعنى معلوم من تعريف القياس فإنه تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع بعلة متحدة والحق إثبات العلة أنه إن ثبت أن عليتها لمعنى آخر يصلح للتعليل فكل شيء يوجد فيه ذلك المعنى يحكم بعليته لكن لا يكون هذا إثبات العلة بالقياس لأن العلة في الحقيقة ذلك المعنى وإن لم يثبت ذلك فلا لأنه يكون تعليلا بالمرسل وهذا هو المختلف فيه

(٢/١٧٠)

فصل القياس جلي وخفي فالخفي يسمى بالاستحسان لكنه أعم من القياس الخفي فإن كل قياس خفي استحسان وليس كل استحسان قياسا خفيا لأن الاستحسان قد يطلق على غير القياس الخفي أيضا كما ذكر في المتن لكن الغالب في كتب أصحابنا أنه إذا ذكر الاستحسان أريد به القياس الخفي وهو دليل يقابل القياس الجلي الذي يسبق إليه الأفهام هذا تفسير الاستحسان وبعض الناس تحيروا في تعريفه وتعريفه الصحيح هذا وهو أنه دليل يقع في مقابلة القياس الجلي

وقوله الذي يسبق إليه الأفهام تفسير للقياس الجلي وهو حجة عندنا لأن ثبوته بالدلائل التي هي حجة إجماعا ضمير وهو راجع إلى الاستحسان وقد أنكر بعض الناس العمل بالاستحسان جهلا منهم فإن أنكروا هذه التسمية فلا مشاحة في الاصطلاحات وإن أنكروه من حيث المعنى فباطل أيضا لأنا نعني به دليلا من الأدلة المتفق

(٢/١٧١)

عليها يقع في مقابلة القياس الجلي ويعمل به إذا كان أقوى من القياس الجلي فلا معنى لإنكاره لأنه

إما بالأثر كالسلم والإجارة وبقاء الصوم في النسيان

وإما بالإجماع كالاستصناع

وإما بالضرورة كطهارة الحياض والآبار

وإما بالقياس الخفي وذكروا له أي للقياس الخفي قسمين

الأول ما قوي أثره أي تأثيره

والثاني ما ظهر صحته وخفي فساده أي إذا نظرنا إليه بادئ النظر نرى صحته ثم إذا تأملنا حق التأمل علمنا أنه فاسد

(٢/١٧٢)

وللقياس أي للقياس الجلي قسمان ما ضعف أثره وما ظهر فساده وخفي صحته فأول ذلك راجح على أول هذا أي القسم الأول من الاستحسان وهو ما قوي أثره راجح على القسم الأول من القياس الجلي وهو ما ضعف أثره

واعلم أنا إذا ذكرنا القياس نريد به القياس الجلي وإذا ذكرنا الاستحسان نريد به القياس الخفي فلا تنس هذا الاصطلاح لأن المعتبر هو الأثر لا الظهور وثاني هذا على ثاني ذلك أي القسم الثاني من القياس وهو ما ظهر فساده وخفي صحته راجح على القسم الثاني من الاستحسان وهو ما ظهر صحته وخفي فساده

فالأول وهو أن يقع القسم

الأول من الاستحسان في مقابلة القسم

الأول من القياس كسؤر سباع الطير فإنه نجس قياسا على سؤر سباع البهائم طاهر استحسانا لأنها تشرب بمنقارها وهو عظم طاهر

والثاني وهو أن يقع القسم

الثاني من الاستحسان في مقابلة القسم

الثاني من القياس كسجدة التلاوة تؤدى بالركوع قياما لأنه تعالى جعل الركوع مقام السجدة

(٢/١٧٣)

في قوله وخر راكعا استحسانا لأن الشرع أمر بالسجود فلا تؤدى بالركوع كسجود الصلاة فعملنا بالصحة الباطنة في القياس وهي أن السجود غير مقصود هنا وإنما الغرض ما يصلح تواضعا مخالفة للمتكبرين

واعلم أنهم جعلوا في هذه المسألة كون السجود يؤدى بالركوع حكما ثابتا بالقياس وعدمه حكما ثابتا بالاستحسان ولا أدري خصوصية

الأول بالقياس

والثاني بالاستحسان فلهذا أوردت مثالا آخر وهو قوله وكما إذا اختلفا في ذراع المسلم فيه ففي القياس يتحالفان لأنهما اختلفا في المستحق بعقد السلم فيوجب التحالف وفي الاستحسان لا لأنهما ما اختلفا في أصل المبيع بل في وصفه وذا لا يوجب التحالف لكن عملنا بالصحة الباطنة للقياس وهي أن الاختلاف في الوصف هنا يوجب الاختلاف في الأصل

اعلم أنه إذا اختلف المتعاقدان في ذراع المسلم فيه ففي القياس يتحالفان وفي الاستحسان لا وذلك لأنهما اختلفا في المستحق بعقد السلم فيوجب التحالف كما في المبيع

(٢/١٧٤)

فهذا قياس جلي يسبق إليه الأفهام ثم إذا نظرنا علمنا أنهما ما اختلفا في أصل المبيع بل في وصفه لأنهما اختلفا في الذراع والذراع وصف لأن زيادة الذراع توجب جودة في الثوب بخلاف الكيل والوزن وإذا كان الذراع وصفا والاختلاف في الوصف لا يوجب التحالف فهذا المعنى أخفى من

الأول فيكون هذا استحسانا والأول قياسا هذا ما ذكروه

واعلم أنه لا دليل على انحصار القياس والاستحسان في هذين القسمين وعلى انحصار التعارض بينهما في هذين الوجهين فلهذا أوردت الأقسام الممكنة عقلا وقلت وبالتقسيم العقلي ينقسم كل إلى ضعيف الأثر وقويه وعند التعارض لا يرجع الاستحسان إلا في صورة واحدة وهي أن يكون القياس ضعيف الأثر والاستحسان قوي الأثر

أما في الصور الثلاث الأخر فالقياس راجح على الاستحسان

أما إذا كان القياس قوي الأثر والاستحسان ضعيف الأثر فواضح

وأما إذا كانا قويين فالقياس يرجح لظهوره

وأما إذا كانا ضعيفين فإما أن يسقط أو يعمل بالقياس لظهوره فلهذا أوردت الحكم المتيقن وهو أن الاستحسان لا يرجح على القياس في هذه الصور الثلاث ويرجح في صورة واحدة وإلى

(٢/١٧٥)

صحيح الظاهر والباطن وفاسدهما وصحيح الظاهر فاسد الباطن والعكس

فالأول من القياس يرجح على كل استحسان وثانيه مردود بقي الأخيران

فالأول من الاستحسان أي صحيح الظاهر والباطن يرجح عليهما أي على قياس صحيح الظاهر فاسد الباطن وعكسه وثانيه مردود أي ثاني الاستحسان وهو فاسد الظاهر والباطن بقي الأخيران أي من الاستحسان وهما صحيح الظاهر فاسد الباطن وعكسه فالتعارض بينهما وبين أخيري القياس إن وقع مع خلاف النوع فما ظهر فساده بادئ النظر لكن إذا تؤمل تبين صحته أقوى مما كان على العكس

اعلم أن التعارض بين كل واحد من هذين القسمين من الاستحسان أي صحيح الظاهر فاسد الباطن وعكسه وبين كل واحد من أخيري القياس إن وقع مع اختلاف النوع وهذا في

(٢/١٧٦)

صورتين إحداهما أن يعارض صحيح الظاهر فاسد الباطن من الاستحسان فاسد الظاهر صحيح الباطن من القياس وثانيتهما أن يعارض فاسد الظاهر صحيح الباطن من الاستحسان صحيح الظاهر فاسد الباطن من القياس فلا شك أن ما ظهر فساده بادئ النظر لكن إذا تؤمل تبين صحته أقوى مما كان على العكس سواء كان قياسا أو استحسانا ومع اتحاده إن أمكن فالقياس أولى أي إن وقع التعارض بينهما مع اتحاد النوع وهو أن يعارض استحسان صحيح الظاهر فاسد الباطن قياسا كذلك أو يعارض استحسان فاسد الظاهر صحيح الباطن قياسا كذلك يكون القياس راجحا في الصورتين وإنما

قلنا إن أمكن لأنا لم نجد تعارض القياس والاستحسان على هذه الصفة والظاهر أنه إذا كان الاستحسان على صفة كان القياس على خلاف تلك الصفة لأن القياس لا يكون صحيحا في نفس الأمر إلا وقد جعل الشرع وصفا من الأوصاف علة للحكم بمعنى أنه كلما وجد ذلك الوصف مطلقا أو كلما وجد ذلك الوصف بلا مانع يوجد ذلك الحكم لكنه وجد ذلك الوصف بإحدى الصفتين المذكورتين في الفرع فيوجد ذلك الحكم فإن كان القياس بهذه الصفة لا يعارضه قياس صحيح سواء كان جليا أو خفيا لأنه لا يمكن أن يجعل الشرع وصفا آخر علة لنقيض ذلك الحكم بالمعنى المذكور ثم يوجد ذلك الوصف في الفرع إذ لو كان كذلك يلزم حكم الشرع بالتناقض وهذا محال على الشارع تعالى وتقدس فعلم أن تعارض قياسين صحيحين في الواقع ممتنع وإنما يقع التعارض لجهلنا بالصحيح والفاسد فالتعارض لا يقع بين قياس قوي الأثر واستحسان كذلك وكذا لا يقع بين قياس صحيح الظاهر والباطن وبين استحسان كذلك وكذا لا يقع بين قياس فاسد الظاهر صحيح الباطن وبين استحسان كذلك وما ذكروا من حيث القوة والضعف فعند التحقيق داخل في هذا التفصيل أيضا لأنه لا يخلو

إما أن يكون صحيح الظاهر أو فاسد الظاهر وعلى كل من التقديرين لا يخلو من أنه إذا تؤمل حق التأمل يتبين صحته أو يتبين فساده وإذا كانت القسمة منحصرة في هذه الأقسام فقوي الأثر وضعيفه لا يخلو من أحد هذه الأقسام قطعا

(٢/١٧٧)

والمستحسن بالقياس الخفي يعدى لا المستحسن بغيره نظيره أن في الاختلاف في الثمن قبل قبض المبيع اليمين على المشتري فقط قياسا لأنه المنكر وعليهما قياسا خفيا لأن البائع ينكر تسليم المبيع أي إنما يحلف البائع لأنه ينكر وجوب تسليم المبيع بقبض ما هو ثمن في زعم المشتري وإنما يحلف المشتري لأنه ينكر زيادة الثمن

ولما كان هذا ظاهرا لم يذكره في المتن فيعدى إلى الوارثين أي إذا اختلف وارثا البائع والمشتري في قدر الثمن قبل قبض المبيع تحالف الوارثان

وإلى الإجارة أي إذا اختلف المؤجر والمستأجر في مقدار الأجرة قبل استيفاء المنفعة تحالفا

وأما بعد القبض فثبوته بقوله عليه الصلاة والسلام إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة تحالفا وترادا فلا يعدى إلى الوارث وإلى حال هلاك السلعة والاستحسان ليس من باب تخصيص العلة على ما يأتي بعض الناس زعموا أن الاستحسان من باب تخصيص العلة وليس كذلك لما يأتي في تخصيص العلة أن ترك القياس بدليل أقوى لا يكون تخصيصا

فصل في دفع العلل المؤثرة أي الاعتراضات الواردة على العلل المؤثرة منه النقض وهو وجود العلة في صورة مع تخلف الحكم ودفعه بأربع طرق أي الجواب عنه يكون بأربع طرق

(٢/١٧٨)

الأول منع وجود العلة في صورة النقض نحو خروج النجاسة علة الانتقاض فنوقض بالقليل فيمنع الخروج فيه وكذا وجود ملك بدل المغصوب يوجب ملكه أو ملك المغصوب لئلا يجتمع البدل والمبدل منه في ملك شخص واحد فنوقض بالمدبر أي إذا كان ملك بدل المغصوب علة لملك المغصوب ففي غصب المدبر يكون كذلك لكن الحكم متخلف لأن المدبر غير قابل للانتقال من ملك إلى ملك عندكم فيمنع ملك بدله أي ملك بدل المغصوب بأن يمنع في المدبر كون بدله بدل المغصوب فإنه ليس بدل العين بل بدل اليد الفائتة فإن ضمان المدبر ليس بدلا عن العين بل بدل عن اليد الفائتة

(٢/١٧٩)

والثاني منع معنى العلة في صورة النقض أي المعنى الذي صارت العلة علة لأجله وهو بالنسبة إلى العلة كالثابت بدلالة النص بالنسبة إلى المنصوص نحو مسح الرأس مسح فلا يسن فيه التثليث كمسح الخف فنوقض بالاستنجاء فيمنع في الاستنجاء المعنى الذي في المسح وهو أنه تطهير حكمي غير معقول ولأجله أي لأجل أنه تطهير حكمي غير معقول لا يسن في المسح التثليث لأنه لتوكيد التطهير المعقود فلا يفيد أي التثليث في المسح كما في التيمم ويفيد في الاستنجاء والثالث قالوا هو الدفع بالحكم وهو أن يمنع تلف الحكم عن العلة في صورة النقض وذكروا له أمثلة خروج النجاسة علة للانتقاض وملك بدل المغصوب علة لملك المغصوب وحل الإتلاف لإحياء المهجة لا ينافي عصمة المال كما في المخمصة فيضمن الجمل الصائل فنوقض بالمستحاضة والمدبر ومال الباغي فأجابوا في الأولين بالمانع لكن هذا تخصيص العلة ونحن لا نقول به وفي الثالث بأنا لا نسلم حل الإتلاف ينافي العصمة في مال الباغي بل إنما انتفت بالبغي أورد الإمام فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى للدفع بالحكم ثلاثة أمثلة أحدها خروج النجاسة علة للانتقاض فنوقض بالمستحاضة أن خروج النجاسة موجود فيها بدون الانتقاض وثانيها أن ملك بدل المغصوب علة لملك المغصوب فنوقض بالمدبر فأجاب فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى في الصورتين بأنه إنما تخلف الحكم في الصورتين

(٢/١٨٠)

بالمانع فأقول هذا الجواب ليس دفعا بالحكم بل هو تخصيص العلة ونحن لا نقول به وثالثها أن حل الإتلاف لإحياء المهجة لا ينافي العصمة كما في المخمصة فإنه إن أكل مال الغير في المخمصة لإحياء المهجة يجب الضمان فيضمن الجمل الصائل فنوقض بمال الباغي أن العادل إذا أتلف مال الباغي حال القتال لإحياء المهجة لا يجب الضمان فعلم أن حل الإتلاف لإحياء المهجة ينافي العصمة فأجاب بأنا لا نسلم أن حل الإتلاف ينافي العصمة في مال الباغي فإن عصمة مال الباغي لم تنتف بحل الإتلاف بل بالبغي فأقول الظاهر أن الحكم المدعى في الجمل الصائل وجوب الضمان وبقاء العصمة فحينئذ لا تكون هذه الصورة نظيرا للدفع بالحكم بل حاصل هذا المثال أن المعلل ادعى حكما أصليا وهو العصمة مثلا فإن الأصل في أموال المسلمين العصمة وهي لا ترتفع إلا بعارض وليس في المتنازع فيه وهو الجمل الصائل إلا عارض واحد وهو حل الإتلاف وقد ثبت بالقياس على المخمصة أن حل الإتلاف لا يصلح رافعا للعصمة فتبقى العصمة في الجمل الصائل فيجب الضمان فنوقض بمال الباغي أن حل الإتلاف رافع للعصمة في مال الباغي فأجاب بأن رافع العصمة في مال الباغي ليس حل الإتلاف بل الرافع هو البغي فهذا لا يكون دفعا بالحكم بل بيان أن علة الحكم وهو ارتفاع العصمة في صورة النقض شيء آخر هذا معنى قوله

(٢/١٨١)

والضابط المنتزع من هذه الصورة أن المعلل إذا ادعى حكما أصليا لا يرتفع إلا بعارض كالعصمة هنا وليس في المتنازع فيه إلا عارض واحد وهو حل الإتلاف وأثبت بالقياس أن هذا العارض لا يرفعه كما في المخمصة فنوقض بصورة كمال الباغي مثلا فأجاب بأن الرافع شيء آخر فهذا بيان أن علة الحكم في صورة النقض شيء آخر ويمكن أن يتكلف في أن تصير هذه المسألة نظيرا للدفع بالحكم ووجهه أن يراد بالحكم عند منافاة حل الإتلاف العصمة وهذا الحكم ثابت في الجمل الصائل قياسا على المخمصة فنوقض بمال الباغي أن حل الإتلاف ثابت فيه وعدم منافاته العصمة غير ثابت لأن الثابت فيه منافاة حل الإتلاف العصمة فأجاب بأن منافاة حل الإتلاف العصمة غير ثابتة فيه لأن العصمة لم تنتف في مال الباغي بحل الإتلاف بل إنما انتفت للبغي هذا غاية التكلف ومع هذا لا يوجد النقض في هذه الصورة لأن النقض وجود العلة مع تخلف الحكم وحل الإتلاف لإحياء المهجة ليس علة لعدم منافاته العصمة لثبوت حل الإتلاف في مال الباغي مع المنافاة فلا يكون نقضا فلأجل هذه الفسادات في الأمثلة الثلاثة أورد مثلا آخر في المتن فقال وأنا أورد للدفع بالحكم مثالا وهو القيام إلى الصلاة مع خروج النجاسة علة لوجوب الوضوء

(٢/١٨٢)

فيجب في غير السبيلين فنوقض بالتيمم أي في صورة عدم القدرة على الماء يوجد القيام إلى الصلاة مع خروج النجاسة ومع ذلك لا يوجب الوضوء فيمنع عدم وجوب الوضوء فيه بل الوضوء واجب لكن التيمم خلف عنه معناه أنا لا نسلم عدم وجوب الوضوء في صور عدم الماء بل الوضوء واجب لكن التيمم خلف عنه الرابع الدفع بالغرض نحو خارج نجس فيكون ناقضا فنوقض بالاستحاضة فنقول الغرض التسوية بين السبيلين وغيرهما فإنه حدث ثمة لكن إذا استمر يصير عفوا فكذلك هنا

ثم

اعلم أنه إن تيسر الدفع أي دفع النقض بهذه الطرق فيها وإلا فإن لم يوجد في صورة النقض مانع فقد بطلت العلة وإن وجد المانع فلا لكن بعض أصحابنا يقولون العلة توجب هذا لكن تخلف الحكم لمانع فهذا تخصيص العلة ونحن لا نقول به بل نقول إنما عدم الحكم لعدم ما هو والعلة حقيقة فنجعل عدم المانع جزءا للعلة أو شرطا لها لهم في جواز

(٢/١٨٣)

تخصيص القياس على الأدلة اللفظية والثابت بالاستحسان عطف على قوله القياس على الأدلة اللفظية فإنه مخصوص عن القياس ولأن التخلف قد يكون لفساد العلة وقد يكون لمانع كما في العلل العقلية وذكروا أن جملة ما يوجب عدم الحكم خمسة المسطور في كتبنا أنه ذكر القائلون بتخصيص العلة أن الموانع خمسة لكني عدلت عن هذه العبارة لما سيأتي مانع من انعقاد العلة كانقطاع الوتر في الرمي وكبيع الحر أو من تمامها كما إذا حال شيء فلم يصب السهم وكبيع ما لا يملكه أو من ابتداء الحكم كما إذا أصاب السهم فدفعه الدرع وكخيار الشرط أو من تمامه كما إذا اندمل بعد إخراج السهم والمداواة وكخيار الرؤية أو من لزومه كما إذا خرج وامتد حتى صار طبعا له وأمن وكخيار العيب فالتخصيص ليس في الأولين بل في الثلاث الأخر لأن التخصيص أن توجد العلة ويتخلف الحكم لمانع فالمانع ما يمنع الحكم بعد وجود العلة ففي الأوليين من الصور الخمس ليس كذلك لأن العلة لم

(٢/١٨٤)

توجد فيهما وفي الثلاث الأخر العلة موجودة والحكم متخلف لمانع فتخصيص العلة مقصور على الثلاث الأخر فلهذا لم يقل في المتن إن الموانع خمسة بل قال ما يوجب عدم الحكم خمسة والفرق بين الخيارات أن في خيار الشرط قد وجد السبب وهو البيع والخيار داخل على الحكم وهو الملك على ما عرف في فصل مفهوم المخالفة أن الخيار يثبت بالضرورة فدخوله على الحكم أسهل من دخوله على السبب لأن دخوله على السبب يوجب الدخول على المسبب والحكم فإذا كان داخلا على الحكم لم يكن الملك ثابتا

وأما خيار الرؤية فإن البيع صدر مطلقا من غير شرط فأوجب الحكم وهو الملك لكن الملك لم يتم لعدم الرضا بالحكم عند عدم الرؤية

وأما خيار العيب فإنه حصل السبب والحكم بتمامه لتمام الرضا بالحكم لأنه قد وجد الرؤية لكن على تقدير العيب يتضرر المشتري فقلنا بعدم اللزوم على تقدير العيب فلا خيار العيب يتمكن المشتري من رد البعض لأنه تفريق الصفقة وهو بعد التمام جائز وفي خيار الرؤية لا يتمكن لأنه تفريق قبل التمام وذا لا يجوز

(٢/١٨٥)

ولنا أن التخصيص في الألفاظ مجاز فيخص بها وترك القياس بدليل أقوى لا يكون تخصيصا لأنه ليس بعلة حينئذ ولأن العلة في القياس ما يلزم من وجوده وجود الحكم لإجماع العلماء على وجوب التعدية إذا علم وجود العلة في الفرع من غير تقييدهم بعدم المانع مع أن هذا التقييد واجب فعلم أن عدم المانع حاصل عند وجود العلة فهو

إما ركنها أو شرطها أي عدم المانع

إما ركن العلة أو شرطها فإذا وجد المانع فقد عدم العلة ثم عدمها قد يكون لزيادة وصف كما أن البيع المطلق علة للملك فإذا زيد الخيار فقد عدمت أو لنقصانه كالخارج النجس مع عدم الحرج علة للانتقاض وهذا معدوم في المعذور ومنه فساد

(٢/١٨٦)

الوضع وهو أن يترتب على العلة نقيض ما تقتضيه ولا شك أن ما ثبت تأثيره شرعا لا يمكن فيه فساد الوضع وما ثبت فساد وضعه على عدم تأثيره شرعا وسيأتي مثاله ومنه عدم العلة مع وجود الحكم وهذا لا يقدح لاحتمال وجوده بعلة أخرى ومنه الفرق قالوا هو فاسد لأنه غصب منصب المعلل وهذا نزاع جدلي ولأنه إذا ثبت علية المشترك لا يضره الفارق لكن إذا أثبت في الفرع مانعا يضره وكل كلام صحيح في الأصل إذا أورد على سبيل الفرق لا يقبل فينبغي أن يورد على سبيل الممانعة حتى يقبل كقول الشافعي رحمه اللّه تعالى إعتاق الراهن تصرف يبطل حق المرتهن هذا تعليم ينفع في المناظرات وهو أن كل كلام يكون في نفسه صحيحا أي يكون في الحقيقة منعا للعلة المؤثرة فإنه إذا أورد على سبيل الفرق يمنع الجدلي توجيهه فيجب أن يورد على سبيل المنع لا على سبيل الفرق فلا يتمكن الجدلي من رده كقول الشافعي رحمه اللّه تعالى إعتاق الراهن تصرف يبطل حق المرتهن فيرد كالبيع فإن

(٢/١٨٧)

قلنا بينهما فرق فإن البيع يحتمل الفسخ لا العتق يمنع توجيه هذا الكلام فينبغي أن نورده على هذا الوجه وهو أن حكم الأصل إن كان هو البطلان فلا نسلم الأصل هنا بيع الراهن فإن أراد أن الحكم فيه البطلان فهذا ممنوع لأن الحكم عندنا في بيع الراهن التوقف وإن كان التوقف أي إن كان حكم الأصل التوقف ففي الفرع إن ادعيتم البطلان لا يكون الحكمان متماثلين وإن ادعيتم التوقف لا يمكن لأن العتق لا يحتمل الفسخ وكقوله في العمد قتل آدمي مضمون فيوجب المال كالخطأ فنقول ليس كالخطأ إذ لا قدرة فيه على المثل أي في الخطأ على المثل لأن المثل جزاء كامل فلا يجب مع قصور الجناية وهو

(٢/١٨٨)

الخطأ فإن أورد على هذا الوجه ربما لا يقبله الجدلي فنورده على سبيل الممانعة فتوجيه هذا أي توجيه هذا الكلام على سبيل الممانعة أن حكم الأصل وهو الخطأ شرع المال خلفا عن القود وفي الفرع مزاحمته إياه يعني أن المال شرع خلفا عن القود لأن حكم الأصل وجوب القود لكن لم يجب لما

قلنا فوجب خلفه وفي الفرع وهو العمد الحكم عند الشافعي رحمه اللّه تعالى مزاحمة المال القود فلا يكون الحكمان متماثلين

ومنه الممانعة فهي

إما في نفس الحجة لاحتمال أن يكون متمسكا بما لا يصلح دليلا كالطرد والتعليل بالعدم ولاحتمال أن لا تكون العلة هذا بل غيره كما ذكرنا في قتل الحر بالعبد

وأما في وجودها في الأصل أو في الفرع كما مروا في شروط التعليل وأوصاف العلة ككونها مؤثرة ومنه المعارضة

واعلم أن المعترض

إما أن يبطل دليل المعلل ويسمى مناقضة أو يسلمه لكن يقيم الدليل على نفي مدلوله ويسمى معارضة وتجري في الحكم وفي علته والأولى تسمى

(٢/١٨٩)

معارضة في الحكم والثانية في المقدمة فقوله

واعلم أن المعترض هذا تقسيم الاعتراض على المناقضة والمعارضة لا تقسيم المعارضة فإذا علل المعلل فللمعترض أن يمنع مقدمات دليله ويسمى هذا ممانعة فإذا ذكر لمنعه سندا يسمى مناقضة كما يقول ما ذكرت لا يصلح دليلا لأنه طرد مجرد من غير تأثير إلى آخر ما عرفت في الممانعة وله أن يسلم دليله فيقول ما ذكرت من الدليل وإن دل على ما ذكرت من المدلول لكن عندي ما ينفي ذلك المدلول ويقيم دليلا على نفي مدلوله سواء كان المدلول هو الحكم أو مقدمة من مقدمات دليله

الأول يسمى معارضة في الحكم

والثاني يسمى معارضة في المقدمة كما إذا أقام المعلل دليلا على أن العلة للحكم هي الوصف الفلاني فللمعترض أن لا ينقض دليله بل

(٢/١٩٠)

يثبت بدليل آخر أن هذا الوصف ليس بعلة فهذا معارضة في المقدمة ثم شرع في تقسيم المعارضة في الحكم فقال

(٢/١٩١)

أما الأولى فإما بدليل المعلل وإن كان بزيادة شيء عليه وهي معارضة فيها مناقضة فإن دل على نقيض الحكم بعينه فقلب كقوله صوم رمضان صوم فرض فلا يتأدى إلا بتعيين النية كالقضاء فنقول صوم فرض فيستغنى عن التعيين بعد تعيينه كالقضاء لكن هنا التعيين قبل

(٢/١٩٢)

الشروع وفي القضاء بالشروع أي تعيين الصوم في رمضان تعيين قبل الشروع بتعيين اللّه وفي القضاء إنما يتعين بالشروع بتعيين العبد وكقوله مسح الرأس ركن فيسن تثليثه كغسل الوجه فنقول ركن فلا يسن تثليثه بعد إكماله بزيادة على الفرض في محله وهو الاستيعاب كغسل الوجه وإن دل على حكم آخر يلزم منه ذلك النقيض يسمى عكسا كقوله في صلاة النفل عبادة لا تمضي في فاسدها فلا تلزم بالشروع كالوضوء فنقول لما كان كذلك وجب أن يستوي فيه النذر والشروع كالوضوء

اعلم أن كل عبادة تجب بالشرع لا بد أن يجب المضي فيها إذا فسدت كما في الحج فيلزم أن كل عبادة إذا فسدت لا يجب المضي فيها لا تجب بالشروع فنقول لو كان عدم وجوب المضي في الفاسد علة لعدم الوجوب بالشروع لكان علة لعدم الوجوب بالشروع والنذر كما في الوضوء فإنه لا يمضى في فاسده فلا يجب بالشروع والنذر فيلزم استواء النذر والشروع في هذا الحكم والأول أقوى من هذا أي القلب أقوى من العكس لأنه جاء بحكم آخر وبحكم

(٢/١٩٣)

مجمل وهو الاستواء أي المعترض جاء في العكس بحكم آخر وفي القلب جاء بنقيض حكم يدعيه المعلل فالقلب أقوى لأنه في العكس اشتغل بما ليس هو بصدده وهو إثبات الحكم الآخر وفي القلب لم يشغل بذلك وأيضا جاء بحكم مجمل وهو الاستواء إذ الاستواء يكون

(٢/١٩٤)

بطريقين والمعترض لم يبين أن المراد أيهما وإثبات الحكم المبين أقوى من إثبات الحكم المجمل وأيضا الاستواء الذي في الفرع غير الاستواء الذي هو في الأصل وهذا هو قوله ولأنه مختلف في الصورتين ففي الوضوء بطريق شمول العدم وفي الفرع بطريق شمول الوجود

وإما بدليل آخر عطف على قوله فأما بدليل المعلل وهو معارضة خالصة وهو

إما أن يثبت نقيض حكم المعلل بعينه أو بتغيير أو حكما يلزم منه ذلك النقيض كقوله المسح ركن في الوضوء فيسن تثليثه كالغسل فنقول مسح فلا يسن تثليثه كمسح الخف وهذا أي الوجه

الأول من الوجوه الثلاثة من المعارضة أقوى الوجوه فقوله المسح ركن نظير الوجه

الأول من المعارضة وكقولنا في الصغيرة التي لا أب لها صغيرة فتنكح كالتي لها أب فيقال صغيرة فلا يولى عليها بولاية الأخوة كالمال فلم ينف مطلق الولاية بل ولاية بعينها لكن إذا انتفت هي ينتفي سائرها بالإجماع أي لعدم القائل بالفصل فإن كل من ينفي الإجبار بولاية الإخوة ينفي الإجبار بولاية العمومة ونحوها فهذا نظير الوجه

الثاني من المعارضة وكالتي نظير الوجه الثالث نعي إليها زوجها فنكحت وولدت ثم جاء

الأول فهو

(٢/١٩٥)

أحق بالولد عندنا لأنه صاحب فراش صحيح فيقال

الثاني صاحب فراش فاسد فيستحق النسب كمن تزوج بغير شهود فولدت فالمعارض وإن أثبت حكما آخر وهو ثبوت النسب من الزوج

الثاني لكن يلزم من ثبوته للثاني نفيه من

الأول فإذا ثبت المعارضة فالسبيل الترجيح بأن

الأول صاحب فراش صحيح وهو أولى بالاعتبار من كون

الثاني حاضرا

وأما الثانية فمنها ما فيه معنى المناقضة وهو أن تجعل العلة معلولا والمعلول علة وهي قلب أيضا وإنما يرد هذا إذا كانت العلة حكما لا وصفا لأنه إذا كان وصفا لا يمكن جعله معلولا والحكم علة نحو الكفار جنس يجلد بكرهم مائة فيرجم ثيبهم كالمسلمين لأن جلد المائة غاية حد البكر والرجم غاية حد الثيب فإذا وجب في البكر غايته وجب في الثيب غايته أيضا فإن النعمة كلها كانت أكمل فالجناية عليها تكون أفحش فجزاؤها يكون أغلظ فإذا وجب في البكر المائة يجب في الثيب أكثر من ذلك وليس هذا إلا الرجم فإن الشرع ما أوجب فوق جلد المائة إلا الرجم والقراءة تكررت فرضا في الأوليين فكانت فرضا في الأخريين كالركوع والسجود فنقول المسلمون إنما يجلد بكرهم مائة لأنه يرجم ثيبهم يعني لو جعل المعلل جلد البكر علة لرجم الثيب فنقول لا نسلم هذا بل رجم الثيب علة لجلد البكر وإنما تكرر الركوع والسجود فرضا في الأوليين لأنه يتكرر فرضا في الأخريين والمخلص عن هذا أي التعليل بوجه لا يرد عليه هذا القلب أن لا يذكر على سبيل التعليل

(٢/١٩٦)

بل يستدل بوجود

أحدهما على وجود الآخر إذا ثبت المساواة بينهما نحو ما يلزم بالنذر يلزم بالشروع إذا صح كالحج فتجب الصلاة والصوم بالشروع تطوعا وفيه خلاف الشافعي رحمه اللّه تعالى فقالوا الحج إنما يلزم بالنذر لأنه يلزم بالشروع فنقول الغرض الاستدلال من لزوم المنذور على لزوم ما شرع لثبوت التساوي بينهما بل الشروع أولى لأنه لما وجب رعاية ما هو سبب القربة وهو النذر فلأن يجب رعاية ما هو القربة أولى ونحو الثيب الصغيرة يولى عليها في مالها فكذا في نفسها كالبكر الصغيرة فيثبت إجبار الثيب الصغيرة على النكاح وفيه خلاف الشافعي رحمه اللّه تعالى فقالوا إنما يولى على البكر في مالها لأنه يولى في نفسها فنقول الولاية شرعت للحاجة والنفس والمال والبكر والثيب فيها سواء أي لا نقول إن الولاية في المال علة للولاية في النفس بل نقول كلتاهما شرعتا للحاجة فتكونان متساويين فإذا ثبتت إحداهما ثبتت الأخرى لأن حكم المتساويين واحد

(٢/١٩٧)

وهذه المساواة غير ثابتة في المسألتين الأوليين على ما ذكروا وهما مسألتا رجم الكفار والقراءة في الشفع الأخير فأراد أن يبين أنه يمكن لنا في مسألة الشروع في النفل وفي الثيب الصغيرة المخلص عن القلب ولو يمكن للشافعي رحمه اللّه تعالى هذا في مسألة الرجم والقراءة

أما في مسألة الرجم فلأن الرجم والجلد ليسا بسواء في أنفسهما لأن

أحدهما قتل

والآخر ضرب ولا في شروطهما حيث يشترط لأحدهما ما لا يشترط للآخر فلا يمكن الاستدلال بوجود

أحدهما على وجود الآخر

وأما في مسألة القراءة فلأن الشفع

الأول

والثاني ليسا بسواء في القراءة لأن قراءة السورة ساقطة في الشفع

الثاني وأيضا الجهر ساقط فيه فقوله على ما ذكروا إشارة إلى هذا ومنها خالصة فإن أقام الدليل على نفي علية ما أثبته

(٢/١٩٨)

المعلل فمقبولة وإن أقام على علية شيء آخر فإن كانت قاصرة لا يقبل عندنا وكذا إن كانت متعدية إلى مجمع عليه كما يعارضنا مالك بأن العلة الطعم والادخار وهو متعد إلى الأرز وغيره فلا فائدة له إلا نفي الحكم في الجص لعدم العلة وهي لا تفيد ذلك لأن الحكم قد ثبت بعلل شتى وإن تعدى إلى مختلف فيه يقبل عند أهل النظر للإجماع على أن العلة

أحدهما فقط فإذا ثبت

أحدهما انتفى الآخر لا عند الفقهاء لأنه ليس لصحة

أحدهما تأثير في فساد الآخر

فصل في دفع العلل الطردية لما عرف أن العلة نوعان

إما علة مؤثرة وهي المعتبرة

(٢/١٩٩)

عندنا

وإما علة تثبت عليتها بالدوران دون التأثير وهي المعتبرة عند البعض وليست بمعتبرة عندنا وتسمى علة طردية ففي هذا الفصل تذكر الاعتراضات الواردة على القياس بالعلة الطردية وهو أربعة

الأول القول بموجب العلة وهو التزام ما يلزمه المعلل مع بقاء الخلاف وهو يلجئ المعلل إلى العلة المؤثرة أي يجعل المعلل مضطرا إلى القول بمعنى مؤثر يرفع الخلاف ولا يتمكن الخصم من تسليمه مع بقاء الخلاف كقوله المسح ركن في الوضوء فيسن تثليثه كغسل الوجه فنقول يسن عندنا أيضا لكن الفرض البعض لقوله تعالى برءوسكم وهو

إما ربع أو أقل فالاستيعاب تثليث وزيادة وإن غير فقال يسن تكراره يمنع ذلك في الأصل بل المسنون في الركن التكميل كما في أركان الصلاة بالإطالة لكن الغسل لما استوعب المحل لا يمكن التكميل إلا بالتكرار وهنا المحل متسع أي في مسح الرأس المحل

(٢/٢٠٠)

وهو الرأس متسع يمكن الإكمال بدون التكرار على أن التكرار ربما يصير غسلا فيلزم تغيير المشروع فالاعتراض على التقدير

الأول قول بموجب العلة وعلى تقدير التغيير ممانعة فالحاصل أن نقول إن أردتم بالتثليث جعله ثلاثة أمثال الفرض فنحن قائلون به لأن الاستيعاب تثليث وزيادة وإن أردتم بالتثليث التكرار ثلاثة مرات نمنع هذا في الأصل أي لا نسلم أن الركنية توجب هذا بل الركنية توجب الإكمال كما في أركان الصلاة فالاعتراض على تقدير أن يراد بالتثليث جعله ثلاث أمثال الفرض يكون قولا بموجب العلة وعلى تقدير التغيير وهو أن يراد بالتثليث التكرار فالاعتراض ممانعة وكقوله صوم رمضان صوم فرض فلا يتأدى إلا بتعيين النية فنسلم موجبه لكن الإطلاق تعيين وكقوله المرفق لا يدخل في الغسل لأن الغاية لا تدخل تحت المغيا

قلنا نعم لكنها غاية للإسقاط فلا تدخل تحته

الثاني الممانعة وهي

إما في الوصف أي تمنع وجود الوصف الذي يدعي المعلل عليته في الفرع كقوله في مسألة الأكل والشرب عقوبة متعلقة بالجماع فلا تجب بالأكل والشرب كحد الزنا فلا نسلم تعلقها بالجماع بل هي متعلقة بالفطر وكقوله في بيع التفاحة بالتفاحتين إنه بيع مطعوم بمطعوم مجازفة فيحرم كالصبر بالصبر فنقول إن أراد المجازفة بالوصف أو بالذات بحسب الأجزاء فهي جائزة لجواز الجيد

(٢/٢٠١)

بالرديء هذا دليل على جواز المجازفة بالوصف وللجواز عند تفاوت الأجزاء هذا دليل على جواز المجازفة بالذات بحسب الأجزاء وإن أرادها أي المجازفة بحسب المعيار فتختص بما يدخل فيه أي في المعيار

وأما في الحكم عطف على قوله وهي

إما في الوصف كما في هذه المسألة إن ادعيت حرمة تنتهي بالمساواة لا نسلم إمكانها في الفرع وإن ادعيتها غير متناهية لا نسلم في الصبرة فقوله كما في هذه المسألة إشارة إلى مسألة بيع التفاحة بالتفاحتين فالممانعة في الحكم أن يمنع ثبوت الحكم الذي يكون الوصف علة له في الفرع قوله لا نسلم إمكانها في الفرع إشارة إلى هذا أو نمنع ثبوت الحكم الذي يدعيه المعلل بالوصف المذكور في الأصل وقوله لا نسلم في الصبرة إشارة إلى هذا وكقوله صوم فرض فلا يصح إلا بتعيين النية كالقضاء فنقول أبعد التعين فلا نسلم في الأصل أو قبله فلا نسلم في الفرع أي إن ادعيتم أن الصوم لا يصح إلا بتعيين النية بعد

(٢/٢٠٢)

صيرورته متعينا فلا نسلم هذا في القضاء وإن ادعيتم أن الصوم لا يصح إلا بتعيين النية قبل صيرورته متعينا فلا نسلم هذا في المتنازع فيه لأن تعيين النية قبل صيرورته متعينا ممتنع في المتنازع فيه لأن الصوم متعين في المتنازع بتعيين الشارع فلا تكون صحة الصوم في المتنازع موقوفة على تعيين النية قبل صيرورته متعينا لأنه حينئذ تكون صحة صوم رمضان ممتنعة وهذا باطل

وأما في صلاح الوصف للحكم فإن الطرد باطل عندنا كما مر

وأما في نسبة الحكم إلى الوصف كقوله في الأخ لا يعتق على أخيه لعدم البعضية كابن العم فلا نسلم أن العلة في الأصل هذا أي لا نسلم أن علة عدم عتق ابن العم هي عدم البعضية فإن عدم البعضية لا يوجب عدم العتق لجواز أن توجد علة أخرى للعتق بل إنما لم يعتق ابن العم لعدم القرابة المحرمية وكقوله لا يثبت النكاح بشهادة النساء مع الرجال لأنه ليس بمال كالحد فلا نسلم أن العلة في الحد عدم المالية وكذا في كل موضع يستدل بالعدم على العدم فإنه يمكن أن يقول عدم تلك العلة لا يوجب عدم الحكم فإن الحكم يمكن أن يثبت بعلة أخرى الثالث

(٢/٢٠٣)

فساد الوضع وقد مر تفسيره وهو فوق المناقضة إذ يمكن الاحتراز عنها بتغيير الكلام

أما هو فيبطل العلة أصلا فإن المعلل إذا تمسك بالعلة الطردية ويرد عليها مناقضة فربما يغير الكلام ويجعل علته مؤثرة فحينئذ تندفع المناقضة كما سيأتي في المناقضة في قوله الوضوء والتيمم طهارتان

أما فساد الوضع فإنه يبطل العلة بكليتها إذ لا يندفع بتغيير الكلام كتعليله لإيجاب الفرقة بإسلام أحد الزوجين أي أحد الزوجين الذميين إذا أسلم قبل الدخول فعند الشافعي رحمه اللّه تعالى بانت في الحال وبعد الدخول بانت بعد ثلاثة أقراء فقد جعل الإسلام علة لإيجاب الفرقة وعندنا يعرض الإسلام على الآخر فإن أسلم فهي له وإن أبى يفرق بينهما في الحال سواء كان بعد الدخول أو قبله ولإبقاء النكاح مع ارتداد

أحدهما أي إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول بانت في الحال وبعد الدخول بانت بعد ثلاثة أقراء عند الشافعي

(٢/٢٠٤)

رحمه اللّه تعالى فيجعل الردة علة لبقاء النكاح بمعنى أنه لا يجعلها قاطعة للنكاح وعندنا تبين في الحال سواء كان قبل الدخول أو بعده ثم في المتن يقيم الدليل على أن تعليله مقرون بفساد الوضع بقوله فإن الإسلام لا يصلح قاطعا للنعمة والردة لا تصلح عفوا وكقوله إذا حج بإطلاق النية يقع عن الفرض فكذا بنية النفل فإن بعض العلماء حملوا المطلق على المقيد فأما هذا فحمل المقيد على المطلق وهو باطل وكقوله المطعوم شيء ذو خطر فيشترط لتملكه شرط زائد وهو التقابض كالنكاح فإنه يشترط له الشهود فيقال ما كان الحاجة إليه أكثر جعله اللّه أوسع

الرابع المناقضة وهي تلجئ أهل الطرد إلى المؤثرة كقوله الوضوء والتيمم طهارتان فيستويان في النية فينتقض بتطهير الخبث فيضطر إلى أن يقول الوضوء تطهير

(٢/٢٠٥)

تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة

(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت)

شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه.

عبيد اللّه بن مسعود المحبوبي البخاري الحنفي.

سنة الولادة / سنة الوفاة ٧١٩هـ.

تحقيق زكريا عميرات

الناشر دار الكتب العلمية

سنة النشر ١٤١٦هـ - ١٩٩٦م.

مكان النشر بيروت

عدد الأجزاء ٢

حكمي كالتيمم بخلاف تطهير الخبث فنقول نعم أي الوضوء تطهير حكمي بمعنى النجاسة حكمية أي حكم الشرع بالنجاسة في حق الصلاة فجعلها كالحقيقة فيزيلها الماء كما يزيل الحقيقية فهي غير معقولة الضمير يرجع إلى النجاسة وهذا الجواب هو الذي أحاله في فصل شرائط القياس إلى فصل المناقضة لكن تطهيرها بالماء معقول بخلاف التراب فلا يحتاج إلى النية في ذلك أي في التطهير فيحصل الطهارة سواء نوى أو لم ينو بل في صيرورته قربة أي يحتاج إلى النية في صيرورة الوضوء قربة والصلاة تستغني عنها أي عن صيرورة الوضوء قربة كما في سائر شرائط الصلاة بل تحتاج إلى كون الوضوء طهارة

(٢/٢٠٦)

وأما المسح فملحق بالغسل تيسيرا جواب عن سؤال مقدر هو أنكم قلتم إن الغسل تطهير معقول فلا يحتاج إلى النية لكن مسح الرأس تطهير غير معقول فيجب أن يحتاج إلى

(٢/٢٠٧)

النية كالتيمم فأجاب بأن مسح الرأس ملحق بالغسل ووظيفة الرأس كانت هي الغسل لكن لدفع الحرج اقتصر على المسح فيكون خلفا عن الغسل فاعتبر فيه أحكام الأصل

فإن قيل غسل الأعضاء الأربعة غير معقول هذا إشكال على قوله لكن تطهيرها بالماء معقول

قلنا لما اتصف البدن بها اقتصر على غسل الأطراف في المعتاد دفعا للحرج وأقر على الأصل في غير المعتاد كالمني والحيض أي لما اتصف البدن بالنجاسة بحكم الشرع وجب غسل جميع البدن لأن الشرع لما حكم بسراية النجاسة وليس بعض الأعضاء أولى بالسراية من البعض وجب غسل جميع البدن لكن سقط البعض في المعتاد دفعا للحرج وبقي غسل الأطراف الأربعة التي هي أمهات الأعضاء فلا يكون غسل الأعضاء الأربعة غير معقول فلا تجب النية

واعلم أن الإمام فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى ذكر أن تغير وصف محل الغسل من الطهارة إلى الخبث غير معقول وقوله في التنقيح فهي غير معقولة إشارة إلى هذا ويرد عليه أنه لما كان غير معقول لا يصح قياس غير السبيلين على السبيلين في هذا الحكم وقد ذكر في الهداية أن مؤثرية خروج النجاسة في زوال الطهارة أمر معقول فعلى تقدير الهداية لا يرد هذا الإشكال لكن يرد عليه إشكال آخر وهو أنه لما كان هذا الحكم معقولا ينبغي أن يقاس سائر المائعات على الماء في تطهير الحدث كما قد قيس في تطهير الخبث

وجوابه أنه إنما قيس في الخبث باعتبار أنها قالعة لا باعتبار أنها مطهرة فلا يقاس في الحدث

واعلم أنه يمكن التوفيق بين قول فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى وصاحب الهداية أن مراد فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى بكونه غير معقول أن العقل لا يستقل بدركه ومراد صاحب الهداية بكونه معقولا أنه إذا علم أن هذا الوصف قد وجد وأن الشرع قد حكم بهذا الحكم يحكم العقل بأن هذا الحكم إنما هو لأجل هذا الوصف وشرط صحة القياس كون الحكم معقولا بهذا المعنى وهو أعم من

الأول فاندفع عن قول فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى ما ذكرنا من الإشكال وهو أنه يلزم أن لا يصح قياس غير السبيلين على السبيلين

(٢/٢٠٨)

(٢/٢٠٩)

وفي هذا الفصل فروع أخر طويتها مخافة التطويل

فصل في الانتقال أي الانتقال من كلام إلى آخر وهو إنما يكون قبل أن يتم إثبات الحكم

الأول فلا يخلو

إما أن ينتقل إلى علة أخرى لإثبات علته أو لإثبات الحكم

الأول أو لإثبات حكم آخر يحتاج إليه الحكم

الأول أو ينتقل إلى حكم كذلك أي حكم يحتاج إليه الحكم

الأول والانتقال منحصر في هذه الأربعة لأنه

إما في العلة فقط وهو على قسمين لإثبات علته وهو

الأول أو لإثبات حكمه وهو

الثاني حتى لو لم يكن لشيء منهما كان كلاما حشوا

وأما في الحكم فقط وهو الرابع ولا بد أن يكون حكما يحتاج إليه الحكم

الأول وإلا لكان كلاما حشوا

وأما فيهما وهو الثالث فيثبت الحكم بالعلة الأولى

فالأول صحيح كما إذا قال الصبي المودع إذا استهلك الوديعة

(٢/٢١٠)

لا يضمن لأنه مسلط على الاستهلاك

فلما أنكره الخصم احتاج إلى إثباته فهذا لا يسمى انتقالا حقيقة لأن الانتقال أن يترك الكلام

الأول بالكلية ويشتغل بآخر كما في قصة الخليل عليه السلام وإنما أطلق الانتقال على هذا القسم لأنه ترك هذا الكلام واشتغل بكلام آخر وإن كان هو دليلا على الكلام

الأول وكذا

الثاني عند البعض كقصة الخليل عليه الصلاة والسلام حيث قال فإن اللّه يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ولأن الغرض إثبات الحكم فلا يبالي بأي دليل كان لا عند البعض لأنه لما لم يثبت الحكم بالعلة الأولى يعد انقطاعا في عرف النظار

وأما

(٢/٢١١)

قصة الخليل فإن الحجة الأولى وهو قوله تعالى ربي الذي يحيي ويميت كانت ملزومة واللعين عارضه بأمر باطل وهو قوله تعالى أنا أحيي وأميت فالخليل عليه السلام لما خاف الاشتباه والتلبيس على القوم انتقل إلى العلة التي لا يكون فيها اشتباه أصلا والثالث كقولنا الكتابة عقد يحتمل الفسخ بالإقالة فلا تمنع الصرف إلى الكفارة أي إن أعتق المكاتب بنية الكفارة يجوز كالبيع بالخيار والإجارة أي باع عبدا بشرط الخيار يجوز إعتاقه بنية الكفارة وكذا إذا آجر عبدا ثم أعتقه بنية الكفارة

فإن قيل عندي لا يمنع هذا العقد بل نقصان الرق أي نقصان الرق يمنع الصرف إلى الكفارة عندي فنقول الرق لم ينقص ونثبت هذا أي عدم نقصان الرق بعلة أخرى وهي قوله الكتابة عقد يحتمل الفسخ فيجوز صرفه إلى الكفارة كما نقول الكتابة عقد معاوضة فلا توجب نقصانا في الرق وإن أثبتناه بالعلة الأولى فهو نظير الرابع كما نقول احتماله الفسخ دليل على أن الرق لم ينقص وكلاهما صحيحان والرابع أحق لأن العلة التي أوردها تكون تامة في قطع الشبهات بلا احتياج إلى شيء آخر وإن انتقل إلى حكم لا حاجة إليه أو إلى علة لإثبات حكم كذلك فهو باطل

فصل في الحجج الفاسدة الاستصحاب حجة عند الشافعي رحمه اللّه تعالى في كل شيء ثبت وجوده بدليل ثم وقع الشك في بقائه وعندنا حجة للدفع لا للإثبات له أن بقاء الشرائع بالاستصحاب ولأنه إذا تيقن بالوضوء ثم شك في الحدث يحكم بالوضوء وفي

(٢/٢١٢)

العكس بالحدث

إذا شهدوا أنه كان ملكا للمدعي فإنه حجة عنده ولنا أن الدليل الموجب لا يدل على البقاء وهذا ظاهر فبقاء الشرائع بعد وفاته عليه الصلاة والسلام ليس بالاستصحاب بل لأنه لا نسخ لشريعته وفي حياته فقد مر جوابه في النسخ والوضوء والبيع والنكاح ونحوها يوجب حكما ممتدا إلى زمان ظهور مناقض فيكون البقاء للدليل وكلامنا فيما لا دليل على البقاء كحياة المفقود فيرث عنده لا عندنا لأن الإرث من باب الإثبات فلا يثبت به ولا يورث لأن عدم الإرث من باب الدفع فيثبت به والصلح على الإنكار ولا يصح عنده فجعل براءة الذمة وهي الأصل حجة على المدعي فلا يصح الصلح كما بعد اليمين وعندنا يصح لما

قلنا إن الاستصحاب لا يصح حجة للإثبات فلا يكون براءة الذمة حجة على المدعي فيصح الصلح و تجب البينة على الشفيع عندنا على ملك المشفوع به إذا أنكره المشتري لأن ملك الشفيع الدار المشفوع بها ثابت بالاستصحاب فلا يكون حجة على المشتري فتجب البينة على الشفيع على ملك المشفوع بها لا عنده وإذا قال لعبده إن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر ولا يدري أنه دخل أم لا فالقول قول المولى عندنا فإن العبد تمسك بالأصل وهو أن الأصل عدم الدخول فلا يصلح حجة لاستحقاق العتق على المولى

ومنها أي من الحجج الفاسدة التعليل بالنفي كما ذكرنا في شهادة النساء أي في الممانعة في دفع العلل الطردية والأخ فإنه يمكن الوجود بعلة أخرى إلا أن يثبت بالإجماع أن له علة واحدة فقط كقول محمد في ولد الغصب إنه غير مضمون لأنه لم يغصب الولد

(٢/٢١٣)

ومنها الاحتجاج بتعارض الأشباه كقول زفر إن غسل المرافق ليس بفرض لأن من الغايات ما يدخل وما لا يدخل فلا يدخل بالشك فإن هذا جهل محض لأنه لم يعلم أن هذه من أي القسمين

باب المعارضة والترجيح إذا ورد دليلان يقتضي أحدهم عدم ما يقتضيه الآخر في محل واحد في زمان واحد فإن تساويا قوة أو يكون

أحدهما أقوى بوصف هو تابع فبينهما المعارضة والقوة المذكورة رجحان وإن كان أقوى بما هو غير تابع لا يسمى رجحانا فلا يقال النص راجح على القياس من قوله عليه الصلاة والسلام زن وأرجح

والمراد الفضل القليل لئلا يلزم الربا في قضاء الديون فيجعل ذلك عفوا لأنه لقلته في حكم العدم بالنسبة إلى المقابل

والعمل بالأقوى وترك الآخر واجب في الصورتين أي فيما إذا كان

أحدهما أقوى بوصف هو تابع وفيما إذا كان

أحدهما أقوى بما هو غير تابع وإذا تساويا قوة

واعلم أن الأقسام ثلاثة

الأول أن يكون أحد الدليلين أقوى من الآخر بما هو غير تابع كالنص مع القياس

والثاني أن يكون

أحدهما أقوى يوصف بما هو تابع كما في خبر الواحد الذي يرويه عدل فقيه مع خبر الواحد الذي يرويه عدل غير فقيه

والثالث أن يكونا متساويين قوة ففي القسمين الأولين العمل بالأقوى وترك الآخر واجب

وأما الثالث فيأتي حكمه هنا وهو قوله في المتن وإذا تساويا قوة فالمعارضة تختص بالقسم

الثاني والثالث

أما

الأول فبمعزل

(٢/٢١٤)

عنها وإن كان العمل بالأقوى واجبا لكن لا يسمى هذا ترجيحا فالترجيح إنما يكون بعد المعارضة فيختص بالقسم

الثاني

(٢/٢١٥)

(٢/٢١٦)

ففي الكتاب والسنة أي في معارضة الكتاب الكتاب والسنة السنة يحمل ذلك على فسخ

أحدهما الآخر إذ لا تناقض بين أدلة الشرع لأنه دليل الجهل

واعلم أن في الكتاب والسنة حقيقة التعارض غير متحققة لأنه إنما يتحقق التعارض إذا اتحد زمان ورودهما ولا شك أن الشارع تعالى وتقدس منزه عن تنزيل دليلين متناقضين في زمان واحد بل ينزل

(٢/٢١٧)

أحدهما سابقا

والآخر متأخرا ناسخا للأول لكنا لما جهلنا المتقدم والمتأخر توهمنا التعارض لكن في الواقع لا تعارض

فقوله يحمل ذلك الإشارة ترجع إلى التعارض والمراد صورة التعارض وهي ورود دليلين يقتضي

أحدهما عدم ما يقتضيه الآخر

فإن علم التاريخ جواب لشرط محذوف أي يكون المتأخر ناسخا للمتقدم وإلا يطلب المخلص أي يدفع المعارضة ويجمع بينهما ما أمكن ويسمى عملا بالشبهين فإن تيسر فيها وإلا يترك ويصار من الكتاب إلى السنة ومنها إلى القياس وأقوال الصحابة رضي اللّه تعالى عنهم إن أمكن ذلك وإلا يجب تقرير الأصل على ما كان في سؤر الحمار عند تعارض الآثار روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنه نجس وروي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه طاهر وأيضا قد تعارضت الأدلة في حرمة لحمه وحله فلما تعارضت الأدلة يبقى الحكم على ما كان وهو أن الماء كان طاهرا فيكون طاهرا ولا يزيل الحدث لوقوع الشك في زوال الحدث فلا يزول بالشك

وهو أي التعارض في الكتاب والسنة

إما بين آيتين أو قراءتين أو سنتين أو آية أو

(٢/٢١٨)

سنة مشهورة والمخلص

إما من قبل الحكم والمحل أو الزمان

أما

الأول فإما أن يوزع الحكم كقسمة المدعى بين المدعين أو بأن يحمل على تغاير الحكم كقوله تعالى لا يؤاخذكم اللّه باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم وفي موضع آخر ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته الآية اللغو في الأولى ضد كسب القلب أي السهو

بدليل اقترانه به أي بكسب القلب حيث قال لا يؤاخذكم اللّه باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم وفي الثانية ضد العقد أي في الآية الثانية وهي قوله تعالى لا يؤاخذكم اللّه باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان باللغو ضد العقد بدليل اقترانه بالعقد

والعقد قول يكون له حكم في المستقبل كالبيع ونحوه قال اللّه تعالى يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود فاللغو في هذه الآية ما يخلو عن الفائدة وقد جاء اللغو بهذا المعنى كما ذكر في المتن فاللغو يكون شاملا للغموس في

(٢/٢١٩)

هذه الآية فتقتضي هذه الآية عدم المؤاخذة في الغموس والآية الأولى تقتضي المؤاخذة في الغموس لأن الغموس من كسب القلب والمؤاخذة ثابتة في كسب القلب فوقع التعارض في الغموس وهذا ما قاله في المتن

فاللغو في الآية الثانية يشمل الغموس إذ هو ما يخلو عن الفائدة كقوله تعالى لا يسمعون فيها لغوا وقوله تعالى وإذا سمعوا اللغو فأوجب عدم المؤاخذة فوقع التعارض فجمعنا بينهما بأن المراد من المؤاخذة في الأولى في الآخرة بدليل اقترانه بكسب القلب وفي الثانية في الدنيا أي بالكفارة فقال فكفارته

والشافعي رحمه اللّه تعالى يحمل المؤاخذة في

(٢/٢٢٠)

الآية الأولى على المؤاخذة في الثانية أي في الدنيا أي يحمل المؤاخذة في الآية الأولى على المؤاخذة في الآية الثانية وهي المؤاخذة في الدنيا حتى أوجب الكفارة في الغموس

والعقد في الثانية على كسب القلب الذي ذكر في الأولى أي يحمل الشافعي رحمه اللّه تعالى العقد في الآية الثانية على كسب القلب حتى يكون اللغو هو عين اللغو المذكور في الآية الأولى وهو السهو فلا يكون التعارض واقعا لكن ما

قلنا أولى من هذا لأن على مذهبه يلزم أن لا يكون العقد مجرى على معناه الحقيقي وأيضا الدليل دال على أن المؤاخذة في الآية الأولى هي المؤاخذة الأخروية بدليل اقترانها بكسب القلب وهو يحملها على الدنيوية

وأما على

(٢/٢٢١)

مذهبنا فإن اللغو جاء لمعنيين فيحمل في كل موضع على ما هو أليق به وتحمل المؤاخذة في كل موضع على ما هو أليق به من الدنيوية أو الأخروية

وأقول لا تعارض هنا واللغو في الصورتين واحد وهو ضد الكسب لأنه لا يليق من الشارع أن يقول لا يؤاخذكم اللّه تعالى بالغموس والمؤاخذة في الصورتين في الآخرة لكن في الثانية سكت عن الغموس وذكر المنعقدة واللغو وقال الإثم الذي في المنعقدة يستر بالكفارة لا أن المراد المؤاخذة في الدنيا وهي الكفارة هذا وجه وقع في خاطري لدفع التعارض

واللغو في الآيتين واحد وهو السهو

أما في الآية الأولى فبدليل اقترانه بكسب القلب

وأما في الآية الثانية فلأنه لا يليق من الشارع أن يقول لا يؤاخذكم اللّه بالقول الخالي عن الفائدة الذي يدع الديار بلاقع أعني اليمين الفاجرة بل اللائق أن يقول لا يؤاخذكم اللّه بالسهو كما قال اللّه تعالى ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا والمراد بالمؤاخذة المؤاخذة الأخروية لأن الآخرة هي دار الجزاء والمؤاخذة

وقوله فكفارته لا يدل على أن المراد المؤاخذة الدنيوية لأن معنى الكفارة الستارة أي الإثم الحاصل بالمنعقدة يستر بالكفارة والآية الثانية دلت على عدم المؤاخذة في اليمين السهو وعلى المؤاخذة في المنعقدة وهي ساكتة عن الغموس فاندفع التعارض وثبت الحكم على وفق مذهبنا وهو عدم الكفارة في الغموس

وأما

الثاني وهو المخلص من قبل المحل فبأن يحمل على تغاير المحل كقوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن بالتشديد والتخفيف فبالتخفيف يوجب الحل بعد الطهر قبل

(٢/٢٢٢)

الاغتسال وبالتشديد يوجب الحرمة قبل الاغتسال فحملنا المخفف على العشرة والمشدد على الأقل وإنما لم يحمل على العكس لأنها إذا طهرت لعشرة أيام حصلت الطهارة الكاملة لعدم احتمال العود وإذا طهرت لأقل منها يحتمل العود فلم تحصل الطهارة الكاملة فاحتيج إلى الاغتسال لتتأكد الطهارة

وأما الثالث أي المخلص من قبل الزمان فإنه إذا كان صريح اختلاف الزمان يكون

الثاني ناسخا للأول فكذا إن كان دلالته كنصين

أحدهما محرم

والآخر مبيح يجعل المحرم ناسخا لأن قبل البعثة كان الأصل الإباحة والمبيح ورد لإبقائه ثم المحرم نسخه ولو جعلنا على العكس يتكرر النسخ أي لو

قلنا إن المحرم كان متقدما على المبيح فالمحرم كان

(٢/٢٢٣)

ناسخا للإباحة الأصلية ثم المبيح يكون ناسخا للمحرم فيتكرر النسخ فلا يثبت التكرار بالشك وفيه نظر لأن الإباحة الأصلية ليست حكما شرعيا فلا تكون الحرمة بعده نسخا

وبيانه أنا لا نسلم أن المحرم لو كان متقدما لكان ناسخا للإباحة فإنه إنما كان ناسخا لها إن قد ورد في الزمان الماضي دليل شرعي دال على إباحة جميع الأشياء فيلزم حينئذ كون المحرم ناسخا لذلك المبيح لكن ورد الدليل المذكور غير مسلم فلا يكون المحرم ناسخا لذلك المبيح لما عرفت من تعريف النسخ ويمكن إتمام الدليل المذكور على وجه لا يرد عليه هذا النظر وهو أنه إذا انتفع المكلف بشيء قبل ورود ما يحرمه أو يبيحه فإنه لا يعاقب بالانتفاع به لقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا لقوله تعالى خلق لكم ما في الأرض جميعا فإن هذا الإخبار يدل على أن الإنسان إن انتفع بما في الأرض قبل ورود محرمه أو مبيحه لا يعاقب ثم لا شك أنه إذا ورد المحرم فقد غير الأمر المذكور وهو عدم العقاب على الانتفاع ثم إذا ورد المبيح فقد نسخ ذلك المحرم فيلزم منا تغييران

وأما على العكس فلا يلزم إلا تغيير واحد فاندفع الإيراد المذكور بهذا التقرير فتقرر الدليل بهذا الطريق أو نقول عنينا بتكرر النسخ هذا المعنى لا النسخ بالتفسير الذي ذكرتم

وقد قال فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى هذا أي تكرر النسخ بناء على قول من جعل الإباحة أصلا ولسنا نقول بهذا في

(٢/٢٢٤)

الأصل لأن البشر لم يتركوا سدى في شيء من الزمان وإنما هذا أي كون الإباحة أصلا بناء على زمان الفترة قبل شريعتنا فإن الإباحة كانت ظاهرة في الأشياء كلها بين الناس في زمان الفترة وذلك ثابت إلى أن يوجد المحرم وإنما كان كذلك لاختلاف الشرائع في ذلك الزمان ووقوع التحريفات في التوراة فلم يبق الاعتماد والوثوق على شيء من الشرائع فظهرت الإباحة بالمعنى المذكور وهو عدم العقاب على الإتيان به ما لم يوجد له محرم ولا مبيح

واعلم أن الشيء الذي لا يوجد له محرم ولا مبيح فإن كان الانتفاع به ضروريا كالتنفس ونحوه فغير ممنوع اتفاقا وإن لم يكن ضروريا كأكل الفواكه فعند بعض الفقهاء على الإباحة فإن أرادوا بالإباحة أن اللّه تعالى حكم بإباحته في الأزل فهذا غير معلوم وإن أرادوا عدم العقاب على الانتفاع به فحق

وعند بعض المعتزلة على الحظر فإن أرادوا أن اللّه تعالى حكم بحظره فغير معلوم وإن أرادوا العقاب على الانتفاع به فباطل لقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقوله تعالى خلق لكم ما في الأرض جميعا

وعند الأشعري على الوقف ففسر الوقف تارة بعدم الحكم وهذا باطل لأنه

إما ممنوع من اللّه عن الانتفاع به أو ليس بممنوع والأول حظر

والثاني إباحة ولا خروج عن النقيضين

وأجاب الإمام في المحصول عن هذا بأن المباح هو الذي

أعلم الشارع فاعله أو دل على أنه لا حرج عليه في الفعل وهذا الجواب ليس بشيء لأن الخلاف في شيء لم يعلم الشارع بالحرج في فعله وتركه وعدمه فمعنى كلامه أن الشيء الذي لم يعلم الشارع بالحرج في فعله وتركه وعدم الحرج لم يعلم الشارع بعدم الحرج فيه

وهذا كلام حشو ولا خلاف في هذا وقد فسر الوقف تارة بعدم العلم بأن هناك حكما أم لا وإن كان حكم فلا نعلم أنه حظر أو إباحة

أما عدم العلم بأن هناك حكما أم لا فباطل لأنا نعلم أن عند اللّه تعالى حكما لازما

إما بالمنع أو بعدمه

وأما أنه لا نعلم أن

(٢/٢٢٥)

الحكم حظر أو إباحة فحق فالحق عندنا أنا لا نعلم أن الحكم عند اللّه تعالى الحظر أو الإباحة ومع ذلك لا عقاب على فعله وتركه فعلم أنه لا خلاف بين من يقول إنا لا نعلم أن الحكم عند اللّه الحظر أو الإباحة وبين من يقول بالإباحة إذ لا معنى للإباحة إلا أنه لا يعاقب على الفعل والترك وهذا حاصل عند من يقول لا نعلم أن الحكم أيهما ولقوله عليه الصلاة والسلام ما اجتمع الحلال والحرام الحديث إلا وقد غلب الحرام الحلال

(٢/٢٢٦)

(٢/٢٢٧)

(٢/٢٢٨)

وأما إذا كان

أحدهما مثبتا

والآخر نافيا فإن كان النفي يعرف بالدليل كان مثل الإثبات وإن كان لا يعرف به بل بناء على العدم الأصلي فالمثبت أولى لما

قلنا في المحرم والمبيح وإن احتمل الوجهين ينظر فيه أي إن احتمل النفي أن يعرف بدليل وأن يعرف بغير دليل بناء على العدم الأصلي ينظر في ذلك النفي فإن تبين أنه يعرف بالدليل يكون كالإثبات وإن تبين أنه بناء على العدم الأصلي فالإثبات أولى

فما روي أنه عليه الصلاة والسلام تزوج ميمونة وهو حلال مثبت وما روي أنه محرم ناف فإنه اتفق على أنه لم يكن في الحل الأصلي والإحرام حالة مخصوصة تدرك عيانا فكلاهما سواء فرجح بالراوي وروي أنه المحرم عبد اللّه بن عباس ولا يعدله يزيد بن الأصم ونحوه هذا نظير النفي الذي يعرف بالدليل

اعلم أن نكاح المحرم جائز عندنا تمسكا بما روي أنه عليه الصلاة والسلام تزوج ميمونة وهو محرم وتمسك الخصم بما روي أنه عليه الصلاة والسلام تزوج وهو حلال واتفقوا على أنه لم يكن في الحل الأصلي فالخلاف في أنه كان في الإحرام أو في الحل الذي بعد الإحرام فمعنى أنه تزوجها في الإحرام أنه لم يتغير الإحرام بعد ومعنى أنه تزوجها في الحل الذي بعد الإحرام أن الإحرام تغير إلى الحل

فالأول ناف

والثاني مثبت لكن الإحرام حالة مخصوصة مدركة عيانا فتكون كالإثبات فرجحنا بالراوي وهو ابن عباس رضي اللّه عنهما

(٢/٢٢٩)

ونحو أعتقت بريرة وزوجها حر مثبت وأعتقت وزوجها عبد ناف وهذا النفي مما يعرف بظاهر الحال فالمثبت أولى هذا نظير النفي الذي لا يكون بالدليل

اعلم أن الأمة التي زوجها حر إذا أعتقت يثبت لها خيار العتق عندنا خلافا للشافعي رحمه اللّه تعالى ولنا أنها أعتقت بريرة وزوجها حر ويروى أنها أعتقت وزوجها عبد

فالأول مثبت

والثاني ناف لأن معناه أن رقيته لم تتغير بعد وهذا نفي لا يدرك عيانا بل بقاء على ما كان فالمثبت أولى

(٢/٢٣٠)

وإذا أخبر بطهارة الماء ونجاسته فالطهارة وإن كانت نفيا لكنه مما يحتمل المعرفة بالدليل فيسأل فإن بين وجه دليله كان كالإثبات وإن لم يبين فالنجاسة أولى هذا نظير النفي الذي يحتمل معرفته بالدليل وتحتمل بناء على العدم الأصلي لأن طهارة الماء قد تدرك بظاهر الحال وقد تدرك عيانا بأن غسل الإناء بماء السماء أو بالماء الجاري وملأه بأحدهما ولم يغب عنه أصلا ولم يلاقه شيء نجس فإذا أخبر واحد بنجاسة الماء

والآخر بطهارته فإن تمسك بظاهر الحال فإخبار النجاسة أولى وإن تمسك بالدليل كان مثل الإثبات

وعلى هذا الأصل يتفرع الشهادة على النفي

وأما في القياس عطف على قوله ففي الكتاب والسنة ومعناه إذا تعارض قياسان فلا يحمل على النسخ

وقول الصحابي فيما يدرك بالقياس كالقياس فيأخذ بأيهما شاء من القياسين وكذا يأخذ بأيهما شاء من قول الصحابي والقياس بعد شهادة قلبه ولا يسقطان بالتعارض كما يسقط النصان حتى يعمل بعده بظاهر الحال إذ في

الأول أي في تعارض النصين إنما يقع التعارض للجهل المحض بالناسخ منهما فلا يصح عمله بأحدهما مع الجهل وهنا أي في القياسين ليس أي التعارض لجهل محض لأنه أي المجتهد وهو لم يذكر لفظا بل دلالة في كل واحد من الاجتهادين مصيب بالنظر إلى الدليل وإن لم يكن مصيبا بالنظر إلى المدلول على ما يأتي فكل واحد دليل له في حق العمل

فصل ما يقع به الترجيح فعليك استخراجه من مباحث الكتاب والسنة متنا وسندا

أما المتن فكترجيح النص على الظاهر والمفسر على النص والمحكم على المفسر والحقيقة على المجاز والصريح على الكناية والعبارة على الإشارة والإشارة على الدلالة والدلالة على الاقتضاء

وأما السند فكترجيح المشهور على خبر الواحد والترجيح بفقه الراوي وبكونه معروفا بالرواية والقياس عطف على الكتاب والسنة فما عرف عليته نصا صريحا أولى مما عرف إيماء وما عرف إيماء فبعضه أولى من البعض ثم ما عرف

(٢/٢٣١)

إيماء أولى مما عرف بالمناسبة وأيضا ما عرف بالإجماع تأثير نوعه في نوعه أولى مما عرف بالإجماع تأثير الجنس في النوع وهذا أولى من عكسه وكل منهما أولى من الجنس في الجنس ثم الجنس القريب في الجنس القريب أولى من غير القريب ثم المركب من هذه الأقسام أولى من المفرد وأقسام المركبات بعضها أولى من بعض ومن أتقن المباحث السابقة لا يخفى عليه شيء من ذلك

والذي ذكروا في ترجيح القياس أربعة أمور

الأول قوة لا أثر أي قوة التأثير كما مر في القياس والاستحسان وكما في مسألة طول الحرة فإن الشافعي رحمه اللّه تعالى يقول يرق ماؤه مع غنية عنه فلا يجوز كالذي تحته حرة وقلنا هذا نكاح يملكه العبد بإذن مولاه إذا دفع إليه مهرا يصلح للحرة وللأمة وقال تزوج من شئت فيملكه الحر وهذا أقوى أثرا أي قياسنا أقوى تأثيرا من قياس الشافعي رحمه اللّه تعالى إذ زيادة محل حل العبد على حل الحر قلب المشروع وتضييع الماء بالعزل بإذن الحرة يجوز فالإرقاق دونه لأن في

الأول تضييع الأصل وفي

الثاني تضييع الوصف وهو الحرية ونكاح الأمة لمن له سرية جائز مع وجود

(٢/٢٣٢)

ما ذكر من العلة وكما في نكاح الأمة الكتابية فإنه يقول الرق من الموانع وكذا الكفر فإذا اجتمعا يصير كالكفر بلا كتاب فلا يجوز للمسلم ولأن الضرورة ترتفع بإحلال الأمة المسلمة وقلنا هو نكاح يملكه العبد المسلم فكذا الحر المسلم على ما مر

وأيضا هو دين يصح معه للحر المسلم نكاح الحرة فكذا يصح للحر نكاح الأمة أي دين الكتابية دين يصح معه للحر المسلم نكاح الحرة التي هي على هذا الدين فكذا يصح للحر المسلم نكاح الأمة التي هي على هذا الدين فهذا أقوى أثرا لأن الرق منصف لا محرم كما في الطلاق والعدة والقسم والحدود لأن الرقيق له شبه بالحيوانات والجمادات بواسطة الكفر فمن هذا الشبه

قلنا إنه مال ثم له شبه بالحر من حيث الذات فأوجب هذان الشبهان التنصيف في استحقاق النعم التي تختص بالإنسان

(٢/٢٣٣)

فطرف الرجال يقبل العدد بأن يحل للحر أربع وللعبد ثنتان لا طرف النساء فينتصف باعتبار الأحوال فتحل الأمة مقدمة على الحرة لا مؤخرة فأما في المقارنة فقد غلبت الحرمة كما في الطلاق والقرء أي لما كان الرق منصفا وطرف الرجال يقبل التنصيف بالعدد في حل النكاح بأن يحل للعبد ثنتان وللحر أربع

أما طرف النساء فلا يقبل التنصيف بالعدد لأن الحرة لا يحل لها إلا زوج واحد فلا يمكن تنصيف الزوج الواحد فاعتبرنا التنصيف بالأحوال بأنها لو كانت متقدمة على الحرة يصح نكاحها وإن كانت متأخرة لا يصح وإن كانت

(٢/٢٣٤)

مقارنة لا يصح أيضا تغليبا للحرمة كما في الطلاق والأقراء فثبت بهذا أن كل نكاح يصح للحرة فإنه يصح للأمة الكتابية إذا لم تكن متأخرة عن الحرة أو مقارنة لها فيصح للحر المسلم نكاح الأمة الكتابية إذا لم تكن على الحرة

وقوله كما في الطلاق فيه نظر فإن كون طلاق الأمة اثنين ليس تغليب الحرمة بل تغليب الحل لأن الزوج إذا كان مالكا للطلقتين عليها فإن الحل يكون أكثر مما كان مالكا للطلقة الواحدة ثم عطف على قوله وكما في نكاح الأمة الكتابية قوله وكما في مسح الرأس إن المسح في التخفيف أقوى أثرا من الركن في التثليث

والثاني قوة ثباته على الحكم والمراد منه كثرة اعتبار الشارع هذا الوصف في هذا الحكم كالمسح في التخفيف في كل تطهير غير معقول كالتيمم ومسح الخف والجبيرة والجورب بخلاف الركن فإن الركنية لا توجب التكرار كما في أركان الصلاة بل الإكمال ونحن نقول به أي بالإكمال وهو الاستيعاب

وكقولنا في صوم رمضان إنه متعين فلا يجب التعيين وهذا الوصف اعتبره الشارع في الودائع والمغصوب ورد المبيع بيعا فاسدا والأيمان ونحوها فإن رد الوديعة والمغصوب متعين عليه فلا يجب أن يعين أن هذا الرد رد الوديعة والمغصوب وكذا لا

(٢/٢٣٥)

يجب التعيين في رد المبيع بيعا فاسدا وكذا في الأيمان أن البر واجب عليه متعينا فلا يجب عليه التعيين أنه فعله لأجل البر

وكمنافع الغصب فإنه يقول ما يضمن بالعقد يضمن بالإتلاف تحقيقا للجبر بالمثل تقريبا وإن كان فيه فضل فهو على المعتدي أي إن كان المثل التقريبي وهو الضمان مماثلا في الحقيقة لتلك المنافع فهو المطلوب وإن لم يكن مماثلا في الحقيقة يكون المثل التقريبي أفضل من تلك المنافع لأن الأعيان الباقية خير من الأعراض الغير باقية وهذا الفضل على المتعدي أولى من إهدار حق المظلوم اللازم على تقدير عدم وجوب الضمان ولأن إهدار الوصف أسهل من إهدار الأصل يعني إن أوجبنا الضمان لا يلزم إلا إهدار كون المماثلة تامة وإن لم نوجب الضمان يلزم إهدار حق المغصوب منه في

(٢/٢٣٦)

المثل بالكلية في الأصل والوصف

فالأول أسهل من هذا

قلنا التقييد بالمثل واجب في كل باب كالأموال كلها والصلاة والصوم ونحوهما ووضع الضمان عن المعصوم جائز في الجملة أي عدم إيجاب الضمان في إتلاف المال المعصوم جائز في الجملة كإتلاف العادل مال الباغي والحربي مال المسلم والفضل على المتعدي غير مشروع أصلا قال اللّه تعالى فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم

ويلزم منه أي من إيجاب الفضل على المتعدي نسبة الجور ابتداء إلى صاحب الشرع المراد من الابتداء أن يكون بلا واسطة فعل العبد وفيه احتراز عن إيجاب القيمة فيما لا مثل له لأن الواجب فيه قيمة عدل وهو معلوم عند اللّه تعالى والتفاوت إنما يقع لعجزنا عن معرفة ذلك الواجب فإن وقع فيه جور فهو منسوب إلى العبد

أما في مسألتنا في التفاوت في نفس ذلك الواجب لأن المال المتقوم لا يماثل المنفعة فلو وجب يكون التفاوت مضافا إلى الشارع وذا لا يجوز

أما عدم الضمان فمضاف إلى عجزنا عن الدرك أي إن

قلنا بعدم الضمان فإنما نقول به لعجزنا عن درك المثل فإن وقع جور يكون منسوبا إلينا لا إلى الشارع فهذا أولى ثم أجاب عن قوله ولأن إهدار الوصف أسهل إلخ بقوله ولأن الوصف وإن قل فائت أصلا

(٢/٢٣٧)

بلا بدل والأصل وإن عظم فائت إلى ضمان في دار الجزاء فكان هذا تأخيرا والأول إبطالا وتقريره أن الوصف وهو كون المماثلة تامة يفوت على تقدير وجوب الضمان بلا بدل والأصل وهو حق المغصوب منه في المثل يفوت إلى بدل يصل إليه في دار الجزاء فهذا الفوت تأخير والأول وهو فوت الوصف إبطال فالتأخير أولى

وضمان العقد قد يثبت بالتراضي مع عدم المماثلة جواب عن قياس الشافعي رحمه اللّه تعالى وهو قوله ما يضمن بالعقد يضمن بالإتلاف فالأمثلة الثلاثة المذكورة وهي قوله كالمسح في التخفيف وكقولنا في صوم رمضان وكمنافع الغصب أوردناها لترجيح القياس على القياس بكثرة اعتبار الشارع الوصف في الحكم المذكور

أما

الأول فقياسنا وهو قولنا مسح فلا يسن تثليثه راجح على قياس قول الشافعي رحمه اللّه تعالى وهو قوله ركن فيسن تثليثه لكثرة اعتبار الشارع المسح في التخفيف

وأما

الثاني فقياسنا وهو قولنا صوم رمضان متعين فلا يجب تعيينه كما في سائر المتعينات راجح على قياسه وهو قوله صوم رمضان صوم فرض فيجب تعيينه كالقضاء لكثرة اعتبار الشارع التعين في سقوط التعيين

وأما الثالث فقياسنا وهو أن التقييد بالمثل واجب في غصب المنافع كما في سائر العدوانات لكن رعاية المثل غير ممكن في المنافع فلا يجب راجح على قياسه وهو قوله ما يضمن بالعقد إلخ لكثرة اعتبار الشارع المماثلة في جميع صور قضاء الصلاة والصوم ونحوهما وجميع العدوانات

والثالث كثرة الأصول وهو قريب من

الثاني

والرابع وهو العكس أي العدم عند العدم أي عدم الحكم في

(٢/٢٣٨)

جميع صور عدم الوصف كقولنا مسح أي مسح الرأس مسح فلا يسن تكراره كمسح الخف فإنه ينعكس فإن كل ما ليس بمسح فإنه يسن تكراره

بخلاف قوله ركن لأن المضمضة متكررة وليست بركن أي مسح الرأس ركن وكل ما هو ركن يسن تكراره كسائر الأركان فإنه غير منعكس لأن عكسه أن كل ما هو ليس بركن لا يسن تكراره وهذا غير صادق لأن المضمضة والاستنشاق ليس بركنين ومع ذلك يسن تكرارهما

واعلم أنه إنما جعل عدم الحكم في جميع صور عدم الوصف عكسا لأن المراد بالعكس ما هو متعارف بين الناس وهو جعل المحكوم به محكوما عليه مع رعاية الكلية إذا كان الأصل كليا

يقال كل إنسان حيوان ولا ينعكس أي لا يصدق كل حيوان إنسان وإذا عرفت هذا فعدم الحكم في جميع صور عدم الوصف لازم لهذا العكس فسماه عكسا لهذا

وإنما

قلنا إنه لازم لأن الأصل وهو قولنا كلما وجد الوصف وجد الحكم وعكسه كلما وجد الحكم وجد الوصف ومن لوازم هذا كلما لم يوجد الوصف لم يوجد هذا الحكم فسمي هذا عكسا

وكقولنا في بيع الطعام بالطعام مبيع عين فلا يشترط قبضه أي كل مبيع متعين لا يشترط قبضه كما في سائر المبيعات المعينة

وينعكس بدل الصرف والسلم فإن كل مبيع غير متعين يشترط قبضه كما في الصرف والسلم فإنه أولى من قوله كل منهما مال لو قوبل بجنسه حرم ربا الفضل أي كل من الطعامين مال لو قوبل بجنسه حرم ربا الفضل فكل مال لو قوبل بجنسه حرم ربا الفضل فإنه يشترط التقابض فيه فإنه لا ينعكس لاشتراط قبض رأس مال السلم في غير الربوي وذلك لأن عكس القضية المذكورة هو قولنا كل مال لو قوبل بجنسه لا يحرم ربا الفضل فإنه لا يشترط قبضه وهذا غير صحيح لأن رأس مال السلم يشترط قبضه وإن كان مالا لو قوبل بجنسه لا يحرم ربا الفضل فالمراد بغير الربوي في المتن هذا المال كالثياب مثلا وهذا العكس هو أضعف وجوه الترجيح

أما كونه من وجوه الترجيح فلأنه إذا وجد وصفان مؤثران

أحدهما بحيث يعدم الحكم عند عدمه فإن الظن بعليته أغلب من الظن بعلية ما ليس كذلك

وأما كونه أضعف فلأن المعتبر في العلية التأثير ولا اعتبار للعدم عند عدم الوصف

(٢/٢٣٩)

لأن الحكم يثبت بعلل شتى فما يرجع إلى تأثير العلل وهو الثلاثة

الأول أقوى من العدم عند العدم

مسألة إذا تعارض وجوه الترجيح فما كان بالذات أولى مما كان بالحال أي الترجيح بالوصف الذاتي أولى من الترجيح بالوصف العارض كما إذا تعارض جهتا الفساد والصحة في صوم رمضان لم يبيته أي لم ينو الصوم من الليل فإنه لا يصح الصوم عند الشافعي رحمه اللّه تعالى ويصح عندنا

هو يرجح الفساد بكونه عبادة ونحن نرجح الصحة بكون النية في أكثر اليوم فالترجيح بالكثرة ترجيح بالذات وذلك بالعارضي وذلك لأن بعض الصوم وقع فاسدا لعدم النية فإنه لا عبادة بدون النية والبعض وقع صحيحا لوجود النية لكن الصوم لا يتجزأ فإما أن يفسد الكل

وإما أن يصح الكل فلا بد من ترجيح

أحدهما على الآخر فالشافعي رحمه اللّه تعالى يرجح الفاسد على الصحيح بوصف العبادة فإن وصف العبادة يوجب الفساد وهو وصف عارضي لأن وصف العبادة للإمساك عارضي لأن الإمساك من حيث الذات ليس بعبادة بل صار عبادة بجعل اللّه تعالى وهو أمر خارج عن الإمساك ونحن نرجح الصحيح على الفاسد بكون النية واقعة في أكثر النهار والترجيح بالكثرة ترجيح بالوصف الذاتي لأن الكثرة وصف يقوم بالكثير بحسب أجزائه فيكون وصفا ذاتيا إذ المراد بالوصف الذاتي وصف يقوم بالشيء بحسب ذاته أو بحسب بعض أجزائه والوصف العارضي وصف يقوم بالشيء بحسب أمر خارج عنه

(٢/٢٤٠)

وذكروا له أمثلة أخرى وفيما ذكرنا كفاية

فصل ومن التراجيح الفاسدة الترجيح بغلبة الأشباه كقوله أي كقول الشافعي رحمه اللّه تعالى في أن الأخ المشترى لا يعتق عنده الأخ يشبه الولد بوجه وهو المحرمية وابن العم بوجوه كحل الزكاة وحل زوجته وقبول الشهادة ووجوب القصاص وهذا باطل لأن المشابهة في وصف واحد مؤثر في الحكم المطلوب أقوى منها أي من المشابهة في ألف وصف غير مؤثر

ومنها الترجيح بكون الوصف أعم كالطعم فإنه يشمل القليل والكثير ولا اعتبار لهذا إذ الترجيح بالقوة وهو التأثير لا بصورته

ومنها الترجيح بقلة الأجزاء فإن علة ذات جزء أولى من ذات جزأين ولا أثر لهذا المسألة يرجح بكثرة الدليل عند البعض لغلبة الظن بها أي لأجل حصول غلبة الظن بالحكم بسبب كثرة الدليل

ولأن ترك الأقل أسهل من ترك الكل أو الأكثر أي إذا تعارض الأدلة الكثيرة والقليلة

(٢/٢٤١)

ولا يمكن الجمع بينهما لامتناع اجتماع الضدين فإما أن يترك الجميع أو الأكثر أو الأقل وترك الدليل خلاف الأصل فترك الأقل أسهل من ترك الكل أو الأكثر

لا عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى وأبي يوسف لهما أن كل دليل مع قطع النظر عن غيره مؤثر فوجود الغير وعدمه سواء وأيضا القياس على الشهادة فإنه لا يرجح بكثرة الشهود إجماعا فقوله والقياس عطف على قوله أن كل دليل ثم عطف على القياس قوله والإجماع على عدم ترجيح ابن عم هو زوج أو أخ لأم في التعصيب فإنه لا يرجح بحيث يستحق جميع المال على ابن عم ليس كذلك بل يستحق بكل سبب على انفراده ولو كان الترجيح بكثرة الدليل ثابتا كان الترجيح بكثرة دليل الإرث ثابتا واللازم منتف

خلافا لابن مسعود رضي اللّه عنه في الأخير أي في ابن عم هو أخ لأم فإنه راجح عند ابن مسعود

(٢/٢٤٢)

رضي اللّه عنه على ابن عم ليس كذلك أي يستحق جميع الميراث ويحجب الآخر

بخلاف الأخ لأب وأم فإنه يرجح على الأخ لأب بالأخوة لأم لأن هذه الجهة أي جهة الأخوة لأم تابعة للأولى أي للإخوة لأب والحيز متحد أي حيز القرابة متحد لأن الأخوة لأب والأخوة لأم كل منهما أخوة فيحصل بهما أي بأخوة لأب والأخوة لأم هيئة اجتماعية بخلاف الأوليين فيصير مجموع الأخوتين قرابة واحدة قوية فيترجح على الأضعف فلا يرجح بكثرة الرواة ما لم تبلغ حد الشهرة فإنه يحصل حينئذ هيئة اجتماعية

هذه تفريعات

(٢/٢٤٣)

على عدم الترجيح بكثرة الدليل فالرواة إذا لم يبلغوا حد التواتر لم تحصل هيئة اجتماعية

أما إذا بلغوا فقد حصل هيئة اجتماعية تمنع التوافق على الكذب وقبل بلوغ هذا الحد يحتمل كذب كل واحد منهم

واعلم أنا نرجح بالكثرة في بعض المواضع كالترجيح بكثرة الأصول وكترجيح الصحة على الفساد بالكثرة في صوم غير مبيت ولا نرجح بالكثرة في بعض المواضع كما لم نرجح بكثرة الأدلة ولنا في ذلك فرق دقيق

وهو أن الكثرة معتبرة في كل موضع يحصل بها هيئة اجتماعية ويكون الحكم منوطا بالمجموع من حيث هو المجموع وأنها غير معتبرة في كل موضع لا يحصل بالكثرة هيئة اجتماعية ويكون الحكم منوطا بكل واحد منها لا بالمجموع واعتبر هذا بالشاهد فإن كل أمر منوط بالكثرة كحمل الأثقال والحروب ونحوهما فإن الأكثر فيه راجح على الأقل وكل أمر منوط بكل واحد واحد كالمصارعة مثلا فإن الكثير لا يغلب القليل فيها بل رب واحد قوي يغلب الآلاف من الضعاف فكثرة الأصول من قبيل

الأول لأنها دليل قوة تأثير الوصف فهي راجعة إلى القوة فتعتبر وكثرة الأدلة من قبيل

الثاني لأن كل واحد دليل هو مؤثر بنفسه بلا مدخل لوجود الآخر أصلا فإن الحكم منوط بكل واحد لا بالمجموع من حيث هو المجموع بخلاف الكثرة التي هي في الصوم فإن هذا الحكم تعلق بالأكثر من حيث هو الأكثر لا بكل واحد من

(٢/٢٤٤)

الأجزاء فيكون من قبيل

الأول هذا هو الأصل فأحكمه وفرع عليه الفروع

وقوله ولا القياس بقياس آخر عطف على الضمير المرفوع في قوله فلا يرجح ومعناه أنه إذا كانت العلة في

أحدهما مغايرة للعلة في الآخر لكنهما أديا إلى حكم واحد كما أن علة الربا عند الشافعي رحمه اللّه تعالى الطعم وعند مالك الطعم والادخار فكل واحد من العلتين يوجب حرمة بيع الحفنة من الحنطة بحفنتين منها

وأما إذا كانت العلة فيهما شيئا واحدا لكن المقيس عليه متعدد فإنه حينئذ لا يكون قياسان بل قياس واحد مع كثرة الأصول وهذا يصلح للترجيح

ولا الحديث بحديث آخر وعلى هذا كل ما يصلح علة لا يصلح مرجحا وكذا إذا جرح

أحدهما جراحة

والآخر عشر جراحات فالدية نصفان وكذا الشفيعان بشقصين متفاوتين

والشافعي رحمه اللّه تعالى لا يرجح صاحب الكثير أيضا بمعنى أن يكون هو المستحق دون الآخر ولكن يقسم بقدر الملك لأن الشفعة من مرافق الملك كالثمرة والولد فنقول حكم العلة لا يتولد منها ولا ينقسم عليها المراد بالعلة هاهنا العلة الفاعلية وهي التي يحصل المعلول بها فإن المعلول غير متولد منها وغير منقسم عليها بخلاف العلة المادية وهي التي يحصل المعلول منها فالمعلول يتولد منها وينقسم عليها كالولد والثمر فاستحقاق الشفعة غير متولد من الدار المشفوع بها بل هو ثابت بها لا منها فلا تنقسم عليها

باب الاجتهاد شرطه أن يحوي علم الكتاب بمعانيه لغة وشرعا وأقسامه المذكورة وعلم السنة متنا وسندا ووجوه القياس كما ذكرنا

وحكمه غلبة الظن على احتمال الخطأ

(٢/٢٤٥)

فالمجتهد عندنا يخطئ ويصيب وعند المعتزلة كل مجتهد مصيب وهذا بناء على أن عندنا في كل حادثة حكما معينا عند اللّه تعالى وعندهم لا بل الحكم ما أدى إليه اجتهاد كل مجتهد فإذا اجتهدوا في حادثة فالحكم عند اللّه تعالى في حق كل واحد مجتهده

لهم أن المجتهدين كلفوا بإصابة الحق ولولا تعدد الحقوق يلزم التكليف بما ليس في وسعهم وهذا كالاجتهاد في القبلة فإن القبلة جهة التحري حتى أن المخطئ يخرج عن عهدة الصلاة

واختلاف الحكم بالنسبة إلى قومين جائز كما كان في إرسال رسولين على قومين ثم اختلفوا فقال بعضهم بتساوي الحقوق لأن دليل التعدد لا يوجب التفاوت وعند بعضهم واحد منها أحق لأنها لو

(٢/٢٤٦)

استوت لأصيبت بمجرد الاختيار ولسقط الاجتهاد وفيه نظر لأنه قبل الاجتهاد لا يعلم أن جميع الاجتهادات تتفق على شيء واحد فيكون الحق واحدا أو تختلف فيكون حينئذ متعددا

ولنا قوله تعالى ففهمناها سليمان وقوله عليه الصلاة والسلام إن أصبت فلك عشر حسنات وإن أخطأت فلك حسنة وفي حديث آخر جعل اللّه للمصيب أجرين وللمخطئ واحدا وقال ابن مسعود رضي اللّه عنه إن أصبت فمن اللّه تعالى وإن أخطأت فمني ومن الشيطان ولأن الثابت بالقياس ثابت بمعنى النص وإن ورد نصان صيغة في حادثة لا يتعدد الحق اتفاقا فكيف إذا وردا معنى أي كيف يتعدد الحق إذا وردا معنى

نظيره حلي النساء فإنا نقول بوجوب الزكاة فيها قياسا على المضروب والشافعي رحمه اللّه تعالى بعدم وجوب الزكاة قياسا على الثياب فإن كلا منهما مصروف لحاجته فمعنى القياس أن النص الوارد في

(٢/٢٤٧)

المقيس عليه وارد في المقيس معنى وإن لم يكن واردا صريحا فلو كان النصان واردين فيه صريحا كان الحق واحدا لأنه لا تعارض في أدلة الشرع فيكون

أحدهما منسوخا

والآخر ناسخا فإذا كان النصان وهما النص الوارد في المضروب والنص الوارد في الثياب واردين في الحلي من حيث المعنى لا يدلان على حقيقة مدلولي كل منهما إذ دلالتهما معنى لا تزيد على دلالتهما صريحا ولو وجدت دلالتهما صريحا لا يكون مدلول كل منهما حقا فكذا إذا وجدت دلالتهما معنى بالطريق الأولى

(٢/٢٤٨)

(٢/٢٤٩)

ولأن الجمع بين الحظر والإباحة ممتنع وكذا بالنسبة إلى قومين في شريعتنا والتكليف بالاجتهاد يفيد جواب عن قول المعتزلة أن المجتهدين كلفوا لأنه إن أخطأ فهو مصيب نظرا إلى الدليل وله الأجر

وأما مسألة القبلة فإن فساد صلاة من خالف الإمام عالما يدل على

(٢/٢٥٠)

مذهبنا فأما عدم إعادة المخطئ للكعبة فلأنها غير مقصودة لكن الشرع جعلها وسيلة إلى المقصود وهو وجه اللّه تعالى فأقيم غلبة ظن إصابتها مقام إصابتها ثم اختلف علماؤنا في المخطئ فعند البعض مخطئ ابتداء وانتهاء أي بالنظر إلى الدليل وبالنظر إلى الحكم لما روينا من إطلاق الخطأ في الحديث ولقوله عليه الصلاة والسلام في أسارى بدر حين نزل لولا كتاب من اللّه سبق الآية لو نزل بنا عذاب ما نجا منه إلا عمر رضي اللّه تعالى عنه هذا هو المقول لقوله عليه الصلاة والسلام فدل هذا الحديث على أن المجتهد المخطئ مخطئ ابتداء وانتهاء لأن المجتهد لو كان مصيبا من وجه لما كانوا مستحقين لنزول العذاب وقد مر هذا الحديث وقصته في الركن

الثاني في السنة

وعند البعض مصيب ابتداء مخطئ انتهاء وهذا ما قال أبو حنيفة رحمه اللّه تعالى كل مجتهد مصيب والحق عند اللّه واحد فإن كان الحق عند اللّه واحدا لا يراد أن كل مجتهد

(٢/٢٥١)

مصيب بالنظر إلى الحكم بل بالنظر إلى الدليل بمعنى أنه قد أقام الدليل كما هو حقه مستجمعا لشرائطه وأركانه فيكون آتيا بما كلف به من الاعتبار وليس في وسعه إقامة البرهان القطعي في الشرعيات حتى يكون مدلوله قطعيا ألبتة لقوله تعالى ففهمناها سليمان الآية فسمى عمل كليهما حكما وعلما لكن سليمان عليه الصلاة والسلام خص بإصابة الحق المطلوب وتنصيف الأجر يدل على هذا أيضا أي على أنه مصيب من وجه دون وجه آخر

وأما قوله تعالى لولا كتاب من اللّه سبق لمسكم فإن الحكم في الأسارى من قبل كان

إما القتل أو المن ورخص النبي عليه الصلاة والسلام بالفداء أيضا فلولا الكتاب السابق بإباحة الفداء وهو الرخصة لمسكم العذاب على ترك العزيمة فنزول العذاب كان واجبا على تقدير عدم سبق الكتاب لكن سبق الكتاب كان واقعا فلا يستحقون العذاب واقعا بسبب الخطأ في الاجتهاد بعد سبق الكتاب

(٢/٢٥٢)

والمخطئ في الاجتهاد لا يعاقب إلا أن يكون طريق الصواب بينا واللّه أعلم