١ الركن الأول في الكتابأي القرآن وهو ما نقل إلينا بين دفتي المصاحف تواترا فخرج سائر الكتب والأحاديث الإلهية والنبوية والقراءة الشاذة وقد أورد ابن الحاجب أن هذا (١/٤٦) التعريف دوري لأنه عرف القرآن بما نقل في المصحف فإن سئل ما المصحف فلا بد وأن يقال الذي كتب فيه القرآن فأجبت عن هذا بقولي ولا دور لأن المصحف معلوم أي في العرف فلا يحتاج إلى تعريفه بقوله الذي كتب فيه القرآن ثم أردت تحقيقا في هذا (١/٤٧) الموضع ليعلم أن هذا التعريف أي نوع من أنواع التعريفات فإن إتمام الجواب موقوف على هذا فقلت وليس هذا تعريف ماهية الكتاب بل تشخيصه في جواب أي كتاب تريد ولا القرآن فإن علماءنا قالوا هو ما نقل إلينا إلخ فلا يخلو إما أن عرفوا الكتاب بهذا أو عرفوا القرآن بهذا فإن عرفوا الكتاب بهذا فليس تعريفا لماهية الكتاب بل تشخيصه في جواب أي كتاب تريد وإن عرفوا القرآن بهذا فليس تعريفا لماهية القرآن أيضا بل تشخيصه لأن القرآن اسم يطلق على الكلام الأزلي وعلى المقروء فهذا تعيين أحد محتمليه وهو المقروء فإن القرآن لفظ مشترك يطلق على الكلام الأزلي الذي هو صفة للحق عز وعلا ويطلق أيضا على ما يدل عليه وهو المقروء فكأنه قيل أي المعنيين تريد فقال ما نقل إلينا إلخ أي تريد المقروء فعلى هذا لا يلزم الدور وإنما يلزم الدور إن أريد تعريف ماهية القرآن لأنه لو (١/٤٨) عرف ماهية القرآن بالمكتوب في المصحف فلا بد من معرفة ماهية المصحف فلا يكفي حينئذ معرفة المصحف ببعض الوجوه كالإشارة ونحوها ثم معرفة ماهية المصحف موقوفة على معرفة ماهية القرآن ثم أراد أن يبين أن القرآن ليس قابلا للحد بقوله على أن الشخصي لا يحد فإن الحد هو القول المعرف للشيء المشتمل على أجزائه وهذا لا يفيد معرفة الشخصيات بل لا بد (١/٤٩) من الإشارة أو نحوها إلى مشخصاتها لتحصل المعرفة إذا عرفت هذا فاعلم أن القرآن لما نزل به جبرائيل صلوات اللّه عليه فقد وجد مشخصا فإن كان القرآن عبارة عن ذلك المشخص لا يقبل الحد لكونه شخصيا وإن لم يكن عبارة عن ذلك المشخص بل القرآن هذه الكلمات المركبة تركيبا خاصا سواء يقرأ جبرائيل أو زيد أو عمرو على أن الحق هذا فقولنا على أن الشخصي لا يحد له تأويلان أحدهما أنا لا نعني أن القرآن شخصي بل عنينا أن القرآن لما كان هو الكلام المركب تركيبا خاصا فإنه لا يقبل الحد كما أن الشخصي لا يقبل الحد فكون الشخصي لا يحد جعل دليلا على أن القرآن لا يحد إذ معرفة (١/٥٠) كل منهما موقوفة على الإشارة أما معرفة الشخصي فظاهر وأما معرفة القرآن فلا تحصل إلا بأن يقال هو هذه الكلمات ويقرأ من أوله إلى آخره وثانيهما أنا نقول لا مشاحة في الاصطلاح فنعني بالشخصي هذه الكلمات مع الخصوصيات التي لها مدخل في هذا التركيب فإن الأعراض تنتهي بمشخصاتها إلى حد لا يقبل التعدد ولا اختلاف باعتبار ذاتها بل باعتبار محلها فقط كالقصيدة المعينة لا يمكن تعددها إلا بحسب محلها بأن يقرأها زيد أو عمرو فعنينا بالشخصي هذا والشخصي بهذا المعنى لا يقبل الحد فإذا سئل عن القرآن فإنه لا يعرف أصلا إلا بأن يقال هو هذا التركيب المخصوص فيقرأ من أوله إلى آخره فإن معرفته لا تمكن إلا بهذا الطريق وقد عرف ابن الحاجب القرآن بأنه الكلام المنزل للإعجاز بسورة منه فإن حاول تعريف الماهية يلزم الدور أيضا لأنه إن قيل ما السورة فلا بد أن يقال بعض من القرآن أو نحو ذلك فيلزم الدور وإن لم يحاول تعريف الماهية بل التشخيص ويعني بالسورة هذا المعهود المتعارف كما عنينا بالمصحف لا يرد الإشكال عليه ولا علينا ونورد أبحاثه أي أبحاث الكتاب (١/٥١) في بابين الأول في إفادته المعنى اعلم أن الغرض إفادته الحكم الشرعي لكن إفادته الحكم الشرعي موقوفة على إفادته المعنى فلا بد من البحث في إفادته المعنى فيبحث في هذا الباب عن الخاص والعام والمشترك والحقيقة والمجاز وغيرها من حيث إنها تفيد المعنى والثاني في إفادته الحكم الشرعي فيبحث في الأمر من حيث إنه يوجب الوجوب وفي النهي من حيث إنه يوجب الحرمة والوجوب والحرمة حكم شرعي ١ الباب الأوللما كان القرآن نظما دالا على المعنى قسم اللفظ بالنسبة إلى المعنى أربع تقسيمات المراد بالنظم هاهنا اللفظ إلا أن في إطلاق اللفظ على القرآن نوع سوء أدب لأن اللفظ في الأصل إسقاط شيء من الفم فلهذا اختار النظم مقام اللفظ وقد روي عن أبي حنيفة رحمه اللّه أنه لم يجعل النظم ركنا لازما في حق جواز الصلاة خاصة بل اعتبر المعنى فقط حتى لو قرأ بغير العربية في الصلاة من غير عذر جازت الصلاة عنده وإنما قال خاصة لأنه جعله لازما في غير جواز الصلاة كقراءة الجنب والحائض حتى لو قرأ آية من القرآن بالفارسية يجوز لأنه ليس بقرآن لعدم النظم لكن الأصح أنه رجع عن هذا القول أي عن عدم لزوم النظم في حق جواز الصلاة فلهذا لم أورد هذا القول في المتن بل قلت إن القرآن عبارة عن النظم الدال على المعنى ومشايخنا قالوا إن القرآن هو النظم والمعنى والظاهر أن مرادهم النظم الدال على المعنى فاخترت هذه العبارة باعتبار وضعه له هذا هو التقسيم الأول من التقاسيم الأربعة فينقسم الكلام باعتبار الوضع إلى الخاص والعام والمشترك كما سيأتي وهذا ما قال فخر الإسلام رحمه اللّه الأول في وجوه النظم صيغة ولغة ثم باعتبار استعماله فيه هذا هو التقسيم الثاني فينقسم اللفظ باعتبار الاستعمال أنه مستعمل في الموضوع له أو في غيره كما يجيء ثم باعتبار ظهور المعنى عنه وخفائه ومراتبهما وهذا ما قال فخر الإسلام والثاني في وجوه البيان بذلك النظم وإنما جعلت هذا التقسيم ثالثا واعتبار الاستعمال ثانيا على عكس ما أورده فخر الإسلام لأن الاستعمال مقدم على ظهور المعنى وخفائه (والثالث) ثم في كيفية دلالته عليه وهذا ما قال فخر الإسلام والرابع في وجوه الوقوف على أحكام النظم التقسيم الأول أي الذي باعتبار وضع اللفظ للمعنى اللفظ إن وضع للكثير وضعا متعددا فمشترك كالعين مثلا وضع تارة للباصرة وتارة للذهب وتارة لعين الميزان أو وضعا واحدا أي وضع للكثير وضعا واحدا والكثير غير محصور فعام إن استغرق جميع ما يصلح له وإلا فجمع منكر ونحوه فالعام لفظ وضع وضعا واحدا لكثير غير محصور مستغرق جميع ما يصلح له فقوله وضعا واحدا يخرج المشترك والكثير يخرج ما لم يوضع لكثير كزيد وعمرو وغير محصور يخرج أسماء العدد فإن المائة مثلا وضعت وضعا واحدا للكثير وهي مستغرقة جميع ما يصلح له لكن الكثير محصور وقوله مستغرق جميع ما يصلح له يخرج الجمع المنكر نحو رأيت رجالا وهذا معنى قوله وإلا فجمع منكر أي وإن لم يستغرق جميع ما يصلح له وقوله ونحوه مثل رأيت جماعة من الرجال فعلى قول من لا يقول بعموم الجمع المنكر يكون الجمع المنكر واسطة بين الخاص والعام على قول من يقول بعمومه يراد بالجمع المنكر هاهنا الجمع المنكر الذي تدل القرينة على أنه غير عام فإن هذا يكون واسطة بين العام والخاص نحو رأيت اليوم رجالا فإن من المعلوم أن جميع الرجال غير مرئي وإن كان أي الكثير محصورا كالعدد والتثنية أو وضع للواحد فخاص سواء كان الواحد باعتبار الشخص كزيد أو باعتبار النوع كرجل وفرس ثم المشترك أن ترجح بعض معانيه بالرأي يسمى مؤولا أصحابنا قسموا اللفظ باعتبار الصيغة واللغة أي باعتبار الوضع على الخاص والعام والمشترك والمؤول وإنما لم أورد المؤول في القسمة لأنه ليس باعتبار الوضع بل باعتبار رأي المجتهد ثم هاهنا تقسيم آخر لا بد من معرفته ومعرفة الأقسام التي تحصل منه وهو هذا وأيضا الاسم الظاهر إن كان معناه عين ما وضع له المشتق منه مع وزن المشتق فصفة وإلا فإن تشخص معناه فعلم وإلا فاسم جنس وهما إما مشتقان أو لا ثم كل من الصفة واسم الجنس إن أريد المسمى بلا قيد فمطلق أو معه فمقيد أو أشخاصه كلها فعام أو بعضها معينا فمعهود أو منكرا فنكرة فهي ما وضع لشيء لا بعينه عند الإطلاق للسامع والمعرفة ما وضع لمعين عند الإطلاق له أي للسامع وإنما قلت عند الإطلاق إذ لا فرق بين المعرفة والنكرة في التعيين وعدم التعيين عند الوضع وإنما قلت للسامع لأنه إذا قال جاءني رجل يمكن أن يكون الرجل متعينا للمتكلم فعلم من هذا التقسيم حد كل واحد من الأقسام وعلم أن المطلق من أقسام الخاص لأن المطلق وضع للواحد النوعي واعلم أنه يجب في كل قسم من هذه الأقسام أن يعتبر من حيث هو كذلك حتى لا يتوهم التنافي بين كل قسم وقسم فإن بعض الأقسام قد يجتمع مع بعض وبعضها لا مثل قولنا جرت العيون (١/٥٩) فمن حيث إن العين وضعت تارة للباصرة وتارة لعين الماء تكون العين مشتركة بهذه الحيثية ومن حيث إن العيون شاملة لأفراد تلك الحقيقة وهي عين الماء مثلا تكون عامة بهذه الحيثية فعلم أنه لا تنافي بين العام والمشترك لكن بين العام والخاص تناف إذ لا يمكن أن يكون اللفظ الواحد خاصا وعاما بالحيثيتين فاعتبر هذا في البواقي فإنه سهل بعد الوقوف على الحدود التي ذكرنا فصل الخاص من حيث هو خاص أي من غير اعتبار العوارض والموانع كالقرينة الصارفة عن إرادة الحقيقة مثلا يوجب الحكم فإذا قلنا زيد عالم فزيد خاص فيوجب الحكم بالعلم على زيد وأيضا العلم لفظ خاص بمعناه فيوجب الحكم بذلك الأمر الخاص على زيد قطعا وسيجيء أنه يراد بالقطع معنيان والمراد هاهنا المعنى الأعم وهو أن لا يكون له احتمال ناشئ عن دليل لا أن لا يكون له احتمال أصلا ففي قوله تعالى ثلاثة قروء لا يحمل القرء على الطهر وإلا فإن احتسب الطهر الذي طلق فيه يجب طهران وبعض وإن لم يحتسب تجب ثلاثة وبعض اعلم أن القرء لفظ مشترك وضع للحيض ووضع للطهر ففي قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء المراد من القرء الحيض عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى والطهر عند الشافعي رحمه اللّه تعالى فنحن نقول لو كان المراد الطهر لبطل موجب الخاص وهو لفظ ثلاثة لأنه لو كان المراد الطهر والطلاق المشروع هو الذي يكون في حالة الطهر فالطهر الذي طلق فيه إن لم يحتسب من العدة يجب ثلاثة أطهار وبعض وإن احتسب كما هو مذهب الشافعي يجب طهران وبعض على أن بعض الطهر ليس بطهر وإلا لكان الثالث كذلك جواب عن سؤال مقدر وهو أن يقال لم قلتم إنه إذا احتسب يكون الواجب طهرين وبعضا بل الواجب ثلاثة لأن بعض الطهر طهر فإن الطهر أدنى ما يطلق عليه لفظ الطهر وهو طهر ساعة مثلا فنقول في جوابه إن بعض الطهر ليس بطهر لأنه لو كان كذلك لا يكون بين الأول والثالث فرق فيكفي في الثالث بعض طهر فينبغي أنه إذا مضى من الثالث شيء يحل لها التزوج وهذا خلاف الإجماع وهذا الجواب قاطع لشبهة الشافعي رحمه اللّه وقد تفردت بهذا وقوله تعالى فإن طلقها تحل له الفاء لفظ خاص للتعقيب وقد عقب الطلاق بالافتداء (١/٦٢) فإن لم يقع الطلاق بعد الخلع كما هو مذهب الشافعي رحمه اللّه تعالى يبطل موجب الخاص تحقيقه أنه تعالى ذكر الطلاق المعقب للرجعة مرتين ثم ذكر افتداء المرأة وفي تخصيص فعلها هنا تقرير فعل الزوج على ما سبق وهو الطلاق فقد بين نوعيه بغير مال وبمال كما يقول الشافعي رحمه اللّه تعالى أن الافتداء فسخ فإن ذلك زيادة على الكتاب ثم قال فإن طلقها أي بعد المرتين سواء كانتا بمال أو بغيره ففي اتصال الفاء بأول الكلام وانفصاله عن الأقرب فساد التركيب اعلم أن الشافعي رحمه اللّه تعالى يصل قوله تعالى فإن طلقها بقوله تعالى الطلاق مرتان ويجعل ذكر الخلع وهو قوله تعالى ولا (١/٦٣) يحل لكم أن تأخذوا إلى قوله تعالى فأولئك هم الظالمون معترضا ولم يجعل الخلع طلاقا بل فسخا وإلا يصر الأولان مع الخلع ثلاثة فيصير قوله فإن طلقها رابعا وقال المختلعة لا يلحقها صريح الطلاق فإن قوله فإن طلقها متصل بأول الكلام ووجه تمسكنا مذكور في المتن مشروحا (١/٦٤) وقوله تعالى أن تبتغوا بأموالكم الباء لفظ خاص يوجب الإلصاق فلا ينفك الابتغاء أي الطلب وهو العقد الصحيح عن المال أصلا فيجب بنفس العقد بخلاف الفاسد فإن المهر لا يجب بنفس العقد إذا كان فاسدا خلافا للشافعي والخلاف هاهنا في مسألة المفوضة أي التي نكحت بلا مهر أو نكحت على أن لا مهر لها لا يجب المهر عند الشافعي رحمه اللّه عند الموت وأكثرهم على وجوب المهر إذا دخل بها وعندنا يجب كمال مهر المثل إذا دخل بها أو مات أحدهما وقوله تعالى قد علمنا ما فرضنا عليهم خص فرض المهر أي تقديره بالشارع فيكون أدناه مقدرا خلافا له لأن قوله فرضنا معناه قدرنا وتقدير الشارع إما أن يمنع الزيادة أو يمنع النقصان والأول منتف لأن الأعلى غير مقدر في المهر إجماعا فتعين الثاني فيكون الأدنى مقدرا ولما لم يبين ذلك المفروض قدرناه بطريق الرأي والقياس بشيء هو معتبر شرعا في مثل هذا الباب أي كونه عوضا لبعض أعضاء الإنسان وهو عشرة (١/٦٥) دراهم فإنه يتعلق بها وجوب قطع اليد وعند الشافعي رحمه اللّه تعالى كل ما يصلح ثمنا يصلح مهرا وقد أورد فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى في هذا الفصل مسائل أخر أوردتها في الزيادة على النص في آخر فصل النسخ إلا مسألتين تركتهما بالكلية مخافة التطويل وهما مسألتا الهدم والقطع مع الضمان فصل حكم العام التوقف عند البعض حتى يقوم الدليل لأنه مجمل لاختلاف أعداد الجمع فإن جمع القلة يصح أن يراد منه كل عدد من الثلاثة إلى العشرة وجمع الكثرة يصح أن يراد منه كل عدد من العشرة إلى ما لا نهاية له فإنه إذا قال لزيد علي أفلس يصح بيانه من الثلاثة إلى العشرة فيكون مجملا وإنه يؤكد بكل وأجمع ولو كان مستغرقا لما احتيج إلى ذلك ولأنه يذكر الجمع ويراد به الواحد كقوله تعالى الذين قال لهم الناس إن الناس المراد منه نعيم بن السعود أو أعرابي آخر والناس الثاني أهل مكة وعند البعض يثبت الأدنى وهو الثلاثة في الجمع والواحد في غيره لأنه المتيقن فإنه إذا قال لفلان علي دراهم تجب ثلاثة باتفاق بيننا وبينكم لكنا نقول إنما تثبت الثلاثة لأن العموم غير ممكن فيثبت أخص الخصوص (١/٦٦) وعندنا وعند الشافعي رحمه اللّه يوجب الحكم في الكل نحو جاءني القوم يوجب الحكم وهو نسبة المجيء إلى كل أفراد تناولها القوم لأن العموم معنى مقصود فلا بد أن يكون لفظ يدل عليه فإن المعاني التي هي مقصودة في التخاطب قد وضع الألفاظ لها وقد قال رضي اللّه تعالى عنه في الجمع بين الأختين وطئا بملك اليمين أحلتهما آية وهي قوله تعالى أو ما ملكت أيمانكم فإنها تدل على حل وطء كل أمة مملوكة سواء كانت مجتمعة مع أختها في الوطء أو لا وحرمتهما آية وهي أن تجمعوا بين الأختين تدل على حرمة الجمع بين الأختين سواء كان الجمع بطريق النكاح أو بطريق الوطء بملك اليمين فالمحرم راجح كما يأتي في فصل التعارض أن المحرم راجح على المبيح وابن مسعود رضي اللّه تعالى عنه جعل قوله تعالى وأولات الأحمال ناسخا لقوله تعالى والذين يتوفون منكم (١/٦٧) حتى جعل عدة حامل توفي عنها زوجها بوضع الحمل اختلف علي وابن مسعود رضي اللّه تعالى عنهما في حامل توفي عنها زوجها فقال علي رضي اللّه تعالى عنه تعتد بأبعد الأجلين توفيقا بين الآيتين إحداهما في سورة البقرة وهي قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا والأخرى في سورة النساء القصرى وهي قوله تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن فقال ابن مسعود رضي اللّه تعالى عنه من شاء باهلته أن سورة النساء القصرى نزلت بعد سورة النساء الطولى وقوله وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن نزلت بعد قوله والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فقوله يتربصن يدل على أن عدة المتوفى عنها زوجها بالأشهر سواء كانت حاملا أو لا وقوله وأولات الأحمال يدل على أن عدة الحامل بوضع الحمل سواء توفي عنها زوجها أو طلقها فجعل قوله وأولات الأحمال أجلهن ناسخا لقوله يتربصن في مقدار ما تناوله الآيتان وهو ما إذا توفي عنها زوجها وتكون حاملا وذلك عام كله أي النصوص الأربعة التي تمسك بها علي وابن مسعود رضي اللّه تعالى عنهما في الجمع بين الأختين والعدة لكن عند الشافعي رحمه اللّه تعالى هو دليل فيه شبهة فيجوز تخصيصه بخبر الواحد والقياس أي تخصيص عام الكتاب بكل واحد من خبر الواحد والقياس لأن كل عام يحتمل التخصيص وهو شائع فيه أي التخصيص شائع في العام وعندنا هو قطعي مساو للخاص وسيجيء معنى القطعي فلا يجوز تخصيصه بواحد منهما ما لم يخص بقطعي لأن اللفظ متى وضع لمعنى كان ذلك المعنى لازما له إلا أن تدل القرينة على خلافه ولو جاز إرادة البعض بلا قرينة يرتفع الأمان عن اللغة والشرع بالكلية لأن خطابات الشرع عامة والاحتمال الغير الناشئ عن دليل لا يعتبر فاحتمال الخصوص هنا (١/٦٨) كاحتمال المجاز في الخاص فالتأكيد يجعله محكما هذا جواب عما قاله الواقفية أنه مؤكد بكل أو أجمع وأيضا جواب عما قاله الشافعي رحمه اللّه أنه يحتمل التخصيص فنقول نحن لا ندعي أن العام لا احتمال فيه أصلا فاحتمال التخصيص فيه كاحتمال المجاز في الخاص فإذا أكد يصير محكما أي لا يبقى فيه احتمال أصلا لا ناشئ عن دليل ولا غير ناشئ عن دليل فإن قيل احتمال المجاز الذي في الخاص ثابت في العام مع احتمال آخر وهو احتمال التخصيص فيكون الخاص راجحا فالخاص كالنص والعام كالظاهر قلنا لما كان العام موضوعا للكل كان إرادة البعض دون البعض بطريق المجاز وكثرة احتمالات المجاز لا اعتبار لها فإذا كان لفظ خاص له معنى واحد مجازي ولفظ خاص آخر له معنيان مجازيان أو أكثر ولا قرينة للمجاز أصلا فإن اللفظين متساويان في الدلالة على المعنى الحقيقي بلا ترجيح الأول على الثاني فعلم أن احتمال المجاز الواحد الذي لا قرينة له مساو لاحتمال مجازات كثيرة لا قرينة لها ولا نسلم أن التخصيص الذي يورث شبهة في العام شائع بلا قرينة فإن المخصص إذا كان هو العقل أو نحوه فهو في حكم الاستثناء على ما يأتي ولا يورث شبهة فإن كل ما يوجب العقل كونه غير داخل لا يدخل وما سوى ذلك يدخل تحت العام وإن كان المخصص هو الكلام فإن كان متراخيا لا نسلم أنه مخصص بل هو ناسخ بقي الكلام في المخصص الذي لا يكون موصولا وقليل ما هو (١/٦٩) فارغة (١/٧٠) فارغة (١/٧١) فارغة (١/٧٢) وإذا ثبت هذا فإن تعارض الخاص والعام فإن لم يعلم التاريخ حمل على المقارنة مع أن في الواقع أحدهما ناسخ والآخر منسوخ لكن لما جهلنا الناسخ والمنسوخ حملنا على المقارنة وإلا يلزم الترجيح من غير مرجح فعند الشافعي رحمه اللّه يخص به وعندنا يثبت حكم التعارض في قدر ما تناولاه وإن كان العام متأخرا ينسخ الخاص عندنا وإن كان (١/٧٣) الخاص متأخرا فإن كان موصولا يخصه فإن كان متراخيا ينسخه في ذلك القدر عندنا أي في القدر الذي تناوله العام والخاص ولا يكون الخاص ناسخا للعام بالكلية بل في ذلك القدر فقط حتى لا يكون العام عاما مخصصا بل يكون قطعيا في الباقي لا كالعام الذي خص منه البعض فصل قصر العام على بعض ما تناوله لا يخلو من أن يكون بغير مستقل أي بكلام يتعلق بصدر الكلام ولا يكون تاما بنفسه والمستقل ما لا يكون كذلك سواء كان كلاما أو لم يكن وهو أي غير المستقل الاستثناء والشرط والصفة والغاية فالاستثناء يوجب قصر العام (١/٧٤) على بعض أفراده والشرط يوجب قصر صدر الكلام على بعض التقادير نحو أنت طالق إن دخلت الدار والصفة توجب القصر على ما يوجد فيه الصفة نحو في الإبل السائمة زكاة والغاية توجب القصر على البعض الذي جعل الغاية حدا له نحو قوله تعالى أتموا الصيام إلى الليل ونحو فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق (١/٧٥) أو بمستقل وهو أي القصر بمستقل التخصيص وهو إما بالكلام أو غيره وهو إما العقل الضمير يرجع إلى غيره نحو خالق كل شيء يعلم ضرورة أن اللّه تعالى مخصوص منه وتخصيص الصبي والمجنون من خطابات الشرع من هذا القبيل وأما الحس نحو وأوتيت من كل شيء وأما العادة نحو لا يأكل رأسا يقع على المتعارف وأما كون بعض الأفراد ناقصا فيكون اللفظ أولى بالبعض الآخر نحو كل مملوك لي حر لا يقع على المكاتب ويسمى مشككا أو زائدا عطف على قوله ناقصا أي وأما كون بعض أفراده زائدة كالفاكهة لا تقع على العنب ففي غير المستقل أي فيما إذا كان الشيء الموجب لقصر العام غير مستقل وهو أي العام حقيقة في الباقي لأن الواضع وضع اللفظ الذي استثنى منه للباقي وهو أي العام حجة بلا شبهة فيه أي في الباقي وهذا إذا كان الاستثناء معلوما أما إذا كان مجهولا فلا وفي المستقبل كلاما أو غيره أي فيما إذا كان القاصر مستقلا ويسمى هذا تخصيصا سواء كان المخصص كلاما أو غيره (١/٧٦) مجاز أي لفظ العام مجاز في الباقي بطريق اسم الكل على البعض من حيث القصر أي من حيث إنه مقصور على الباقي حقيقة من حيث التناول أي من حيث إن لفظ العام متناول للباقي يكون حقيقة فيه على ما يأتي في فصل المجاز إن شاء اللّه تعالى وهو حجة فيه شبهة ولم يفرقوا بين كونه أي التخصيص بالكلام أو غيره فإن العلماء قالوا كل عام خص بمستقل فإنه دليل فيه شبهة ولم يفرقوا في هذا الحكم بين أن يكون المخصص كلاما أو غيره لكن يجب هناك فرق وهو أن المخصوص بالعقل ينبغي أن يكون قطعيا لأنه في حكم الاستثناء لكنه حذف الاستثناء معتمدا على العقل على أنه مفروغ عنه حتى لا نقول أن قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ونظائره دليل فيه شبهة وهذا فرق تفردت بذكره وهو واجب الذكر حتى لا يتوهم أن خطابات الشرع التي خص منها الصبي والمجنون بالعقل دليل فيه شبهة كالخطابات الواردة بالفرائض فإنه يكفر جاحدها إجماعا مع كونها مخصوصة عقلا فإن التخصيص بالعقل لا يورث شبهة فإن كل ما يوجب العقل تخصيصه يخص وما لا فلا (١/٧٧) وأما المخصوص بالكلام فعند الكرخي لا يبقى حجة أصلا معلوما كان المخصوص كالمستأمن حيث خص من قوله تعالى اقتلوا المشركين بقوله وإن أحد من المشركين استجارك فأجره أو مجهولا كالربا حيث خص من قوله تعالى وأحل اللّه البيع وحرم الربا لأنه إن كان مجهولا صار الباقي مجهولا لأن التخصيص كالاستثناء إذ هو يبين أنه لم يدخل أي التخصيص يبين أن المخصوص لم يدخل تحت العام كالاستثناء فإنه يبين أن المستثنى لم يدخل في صدر الكلام والاستثناء إن كان مجهولا يكون الباقي في صدر الكلام مجهولا ولا يثبت به الحكم وإن كان معلوما فالظاهر أن يكون معللا لأنه كلام مستقل والأصل في النصوص التعليل ولا يدرى كم يخرج بالتعليل فيبقى الباقي مجهولا وعند البعض إن كان معلوما بقي العام فيما وراء المخصوص كما كان لأنه كالاستثناء في أنه يبين أنه لم يدخل فلا يقبل التعليل إذ الاستثناء لا يقبل التعليل لأنه غير مستقل بنفسه وفي صورة الاستثناء العام حجة في الباقي كما كان فكذا التخصيص وإن كان مجهولا لا يبقى العام حجة لما قلنا إن التخصيص كالاستثناء (١/٧٨) والاستثناء المجهول يجعل الباقي مجهولا فلا يبقى العام حجة في الباقي وعند البعض إن كان معلوما فكما ذكرنا آنفا إن العام يبقى فيما وراء المخصوص كما كان وإن كان مجهولا يسقط المخصص لأنه كلام مستقل بخلاف الاستثناء ولما كان المخصص كلاما مستقلا وكان معناه مجهولا يسقط هو بنفسه ولا تتعدى جهالته إلى صدر الكلام بخلاف الاستثناء لأنه غير مستقل بنفسه بل يتعلق بصدر الكلام فجهالته تتعدى إلى صدر الكلام وعندنا تمكن فيه شبهة لأنه علم أنه غير محمول على ظاهره وهو إرادة الكل فعلم أن المراد البعض بطريق المجاز مثلا إذا كان كل أفراده مائة وعلم أن المائة غير مرادة فكل واحد من الأعداد التي دون المائة مساو في أن اللفظ مجاز فيه فلا يثبت عدد معين منها لأنه ترجيح من غير مرجح ثم ذكر ثمرة تمكن الشبهة فيه بقوله فيصير عندنا كالعام الذي لم يخص عند الشافعي رحمه اللّه تعالى حتى يخصصه خبر الواحد والقياس ثم أراد أن يبين أن مع وجود هذه الشبهة لا يسقط الاحتجاج به فقال لكن لا يسقط الاحتجاج به لأن المخصص يشبه الناسخ بصيغة والاستثناء بحكمه كما قلنا فإن كان مجهولا يسقط في نفسه للشبه الأول ويوجب جهالة في العام للشبه الثاني فيدخل الشك في سقوط العام فلا يسقط به أي بالشك (١/٧٩) إذ قبل التخصيص كان معمولا به فلما خص دخل الشك في أنه هل بقي معمولا به أم بطل فلا يبطل بالشك وإن كان أي المخصص معلوما فللشبه الأول يصح تعليله لا يريد بقوله فللشبه الأول أنه من حيث إنه يشابه الناسخ يصح تعليله كما يصح أن يعلل الناسخ الذي ينسخ بعض أفراد العام لينسخ بالقياس بعضا آخر من أفراد العام فإن تعليل الناسخ على هذا الوجه لا يصح على ما يأتي في هذه الصفحة بل يريد أنه من حيث إنه نص مستقل بنفسه يصح تعليله كما هو عندنا فإن عندنا وعند أكثر العلماء يصح تعليله خلافا للجبائي وإذا صح تعليله لا يدرى أنه كم يخرج بالتعليل أي بالقياس وكم يبقى تحت العلم فيوجب جهالة فيما بقي تحت العام وللشبه الثاني لا يصح تعليله كما هو عند البعض فدخل الشك في سقوط العام فلا سقط به أي الشبه الثاني هو شبه الاستثناء من حيث إن المخصص يبين أن (١/٨٠) المخصص غير داخل في العام فلهذا الشبه لا يصح تعليله كما هو مذهب الجبائي كما لا يصح تعليل المستثنى وإخراج البعض الآخر بطريق القياس فمن حيث إنه يصح تعليله يصير الباقي تحت العام مجهولا فلا يبقى العام حجة ومن حيث إنه لا يصح تعليله يبقى العام حجة وقد كان قبل التخصيص حجة فوقع الشك في بطلانه فلا يبطل بالشك هذا ما قالوا ويرد عليه أنه لما كان المذهب عندكم وعند أكثر العلماء صحة تعليل فيجب أن يبطل العام عندكم بناء على زعمكم في صحة تعليله ولا تمسك لكم بزعم الجبائي أن عنده لا يصح تعليله فلدفع هذه الشبهة قال على أن احتمال التعليل لا يخرجه من أن يكون حجة لأن مقتضى القياس تخصيصه يخص وما لا فلا فإن المخصص إن لم يدرك فيه علة لا يعلل فيبقى العام في الباقي حجة وإن عرف فيه علة فكل ما توجد العلة فيه يخص قياسا وما لا فلا فلا يبطل العام باحتمال التعليل فظهر هنا الفرق بين التخصيص والنسخ أي لما ذكرنا أن تعليل المخصص صحيح ظهر من هذا الحكم الفرق بين المخصص والناسخ فإنه لا يصح تعليل الناسخ الذي ينسخ الحكم في بعض أفراد العام ليثبت النسخ في بعض آخر قياسا صورته أن يرد نص خاص حكمه مخالف لحكم العام ويكون وروده متراخيا عن ورود العام فإنا نجعله ناسخا لا مخصصا على ما سبق فإن العام الذي نسخ بعض ما تناوله لا ينسخ بالقياس لأن القياس لا ينسخ النص إذ هو لا يعارضه لأنه دونه لكن يخصصه ولا يلزم به المعارضة لأنه يبين أنه لم يدخل وهنا مسائل من الفروع تناسب ما ذكرنا من الاستثناء والنسخ والتخصيص فنظير الاستثناء ما إذا باع الحر والعبد بثمن أو باع عبدين إلا هذا بحصته من الألف (١/٨١) يبطل البيع لأن أحدهما لم يدخل في البيع فصار البيع بالحصة ابتداء ولأن ما ليس بمبيع يصير شرطا لقبول المبيع فيفسد بالشرط الفاسد ففي المسألة الأولى ليست حقيقة الاستثناء موجودة لكنها تناسب الاستثناء في أن الاستثناء يمنع دخول المستثنى في حكم صدر الكلام وفي هذه المسألة لم يدخل الحر تحت الإيجاب مع أن صدر الكلام تناوله فصار كأنه مستثنى وفي المسألة الثانية وهي ما إذا باع عبدين إلا هذا حقيقة الاستثناء موجودة فإذا لم يدخل أحدهما في البيع لا يصح البيع في الآخر لوجهين أحدهما أنه يصير البيع في الآخر بحصته من الثمن المقابل بهما والبيع بالحصة ابتداء باطل للجهالة وإنما قلنا ابتداء لأن البيع بالحصة بقاء صحيح كما يأتي في المسألة التي هي نظير النسخ والثاني أن البيع في الآخر بيع بشرط مخالف لمقتضى العقد وهو أن قبول ما ليس بمبيع وهو الحر أو العبد المستثنى يصير شرطا لقبول المبيع ونظير النسخ ما إذا باع عبدين بألف فمات أحدهما قبل التسليم يبقى العقد في الباقي بحصته فهذه المسألة تناسب النسخ من حيث إن العبد الذي مات قبل التسليم كان داخلا تحت البيع لكن لما مات في يد البائع قبل التسليم انفسخ البيع فيه فصار كالنسخ لأن النسخ تبديل بعد الثبوت فلا يفسد البيع في العبد الآخر مع أنه يصير (١/٨٢) بيعا بالحصة لكن في حالة البقاء وأنه غير مفسد لأن الجهالة الطارئة لا تفسد ونظير التخصيص ما إذا باع عبدين بألف على أنه بالخيار في أحدهما صح إن علم محل الخيار وثمنه لأن المبيع بالخيار يدخل في الإيجاب لا في الحكم فصار في السبب كالنسخ وفي الحكم كالاستثناء فإذا جهل أحدهما لا يصح لشبه الاستثناء وإذا علم كل واحد منهما يصح لشبه النسخ ولم يعتبر هنا شبه الاستثناء حتى يفسد بالشرط الفاسد بخلاف الحر والعبد إذا بين حصة كل واحد منهما عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى وبيان مناسبتها التخصيص أن التخصيص يشابه النسخ بصيغته والاستثناء بحكمه وهنا العبد الذي فيه الخيار داخل في الإيجاب لا الحكم على ما عرف فمن حيث إنه داخل في الإيجاب يكون رده بخيار الشرط تبديلا فيكون كالنسخ ومن حيث إنه غير داخل في الحكم يكون رده بخيار الشرط بيان أنه لم يدخل فيكون كالاستثناء وإذا كان له شبهان يكون كالتخصيص الذي له شبه بالنسخ وشبه بالاستثناء فلرعاية الشبهين قلنا إن علم محل الخيار وثمنه يصح البيع وإلا فلا وهذه المسألة على أربعة أوجه أحدها أن يكون محل الخيار وثمنه معلومين كما (١/٨٣) إذا باع هذا وذاك بألفين هذا بألف وذاك بألف صفقة واحدة على أنه بالخيار في ذلك والثاني أن يكون محل الخيار معلوما لكن ثمنه لا يكون معلوما والثالث على العكس والرابع أن لا يكون شيء منهما معلوما فلو راعينا كونه داخلا في الإيجاب يصح البيع في الصور الأربع غاية ما في الباب أنه يصير بيعا بالحصة لكنه في البقاء لا في الابتداء فلا يفسد البيع ولو راعينا كونه غير داخل في الحكم يفسد البيع في الصور الأربع أما إذا كان كل واحد من محل الخيار وثمنه معلوما فلأن قبول غير المبيع يصير شرطا لقبول المبيع وأما إذا كان أحدهما أو كلاهما مجهولا فلهذه العلة ولجهالة المبيع أو الثمن أو كليهما فإذا علم أن شبه النسخ يوجب الصحة في الجميع وشبه الاستثناء يوجب الفساد في الجميع فراعينا الشبهين وقلنا إذا كان محل الخيار أو ثمنه مجهولا لا يصح البيع رعاية لشبه الاستثناء وإذا كان كل منهما معلوما يصح البيع رعاية لشبه النسخ ولم يعتبر هنا شبه الاستثناء حتى يفسد بالشرط الفاسد وهو أن قبول ما ليس بمبيع يصير شرطا لقبول المبيع بخلاف ما إذا باع الحر والعبد بألف صفقة واحدة وبين ثمن كل واحد منهما حيث يفسد البيع في العبد عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى لأن الحر غير داخل في البيع أصلا فيصير كالاستثناء بلا مشابهة النسخ فيكون ما ليس بمبيع شرطا لقبول المبيع فصل في ألفاظه وهي إما عام بصيغته ومعناه كالرجال وإما عام بمعناه وهذا إما أن (١/٨٤) يتناول المجموع كالرهط والقوم وهو في معنى الجمع أو كل واحد على سبيل الشمول نحو من يأتيني فله درهم أو على سبيل البدل نحو من يأتيني أولا فله درهم فالجمع وما في معناه يطلق على الثلاثة فصاعدا فقوله يطلق على الثلاثة فصاعدا أي يصح إطلاق اسم الجمع والقوم والرهط على كل عدد معين من الثلاثة فصاعدا إلى ما لا نهاية له فإذا أطلقت على عدد معين تدل على جميع أفراد ذلك العدد المعين فإذا كان له ثلاثة عبيد مثلا أو عشرة عبيد فقال عبيدي أحرار يعتق جميع العبيد وليس المراد أنه يحتمل الثلاثة فصاعدا فإن (١/٨٥) فارغة (١/٨٦) هذا ينافي معنى العموم لأن أقل الجمع ثلاثة وعند البعض اثنان لقوله تعالى فإن كان له إخوة والمراد اثنان وقوله تعالى فقد صغت قلوبكما وقوله عليه الصلاة والسلام الاثنان فما فوقهما جماعة ولنا إجماع أهل اللغة في اختلاف صيغ الواحد والتثنية والجمع ولا نزاع في الإرث والوصية فإن أقل الجمع فيهما اثنان وقوله تعالى فقد صغت قلوبكما مجاز كما يذكر الجمع للواحد والحديث محمول على المواريث أو على سنية تقدم الإمام فإنه إذا كان المقتدي واحدا يقوم على جنب الإمام وإذا كان اثنين فصاعدا فالإمام يتقدم أو على اجتماع الرفقة بعد قوة الإسلام فإنه لما كان الإسلام ضعيفا نهى عليه السلام عن أن يسافر واحد أو اثنان لقوله عليه السلام الواحد شيطان والاثنان شيطانان والثلاثة ركب فلما ظهر قوة الإسلام رخص في سفر اثنين (١/٨٧) وإنما حملناه على أحد هذه المعاني الثلاثة لئلا يخالف إجماع أهل العربية ولا تمسك لهم بنحو فعلنا لأنه مشترك بين التثنية والجمع لا أن المثنى جمع فإنهم يقولون فعلنا صيغة مخصوصة بالجمع ويقع على اثنين فعلم أن الاثنين جمع فنقول فعلنا غير مختص بالجمع بل مشترك بين التثنية والجمع لا أن المثنى جمع فيصح تخصيص الجمع تعقيب لقوله إن أقل الجمع ثلاثة والمراد التخصيص بالمستقل وما في معناه كالرهط والقوم إلى الثلاثة والمفرد بالجر عطف على الجمع أي المفرد الحقيقي كالرجل وما في معناه كالجمع الذي يراد به الواحد نحو لا أتزوج النساء إلى الواحد أي يصح تخصيص المفرد إلى الواحد (١/٨٨) والطائفة كالمفرد بهذا فسر ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما قوله تعالى فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ومنها أي أي من ألفاظ العام الجمع المعرف باللام إذا لم يكن معهودا لأن المعرف ليس هو الماهية في الجمع ولا بعض الأفراد لعدم الأولوية فتعين الكل اعلم أن لام التعريف إما للعهد الخارجي أو الذهني وإما لاستغراق الجنس وإما لتعريف الطبيعة لكن العهد هو الأصل ثم الاستغراق ثم تعريف الطبيعة لأن اللفظ الذي يدخل عليه اللام دال على الماهية بدون اللام فحمل اللام على الفائدة الجديدة أولى من حمله على تعريف الطبيعة والفائدة الجديدة أما تعريف العهد أو استغراق الجنس وتعريف العهد أولى من الاستغراق لأنه إذا ذكر بعض أفراد الجنس خارجا أو ذهنا فحمل اللام على ذلك البعض المذكور أولى من حمله على جميع الأفراد لأن البعض متيقن والكل محتمل فإذا علم ذلك ففي الجمع المحلى بالألف واللام لا يمكن حمله بطريق الحقيقة على تعريف الماهية لأن الجمع وضع لأفراد الماهية لا للماهية من حيث هي لكل يحمل عليها بطريق المجاز على ما يأتي في هذه الصفحة ولا يمكن حمله على العهد إذا لم يكن عهد فقوله ولا بعض الأفراد لعدم الأولوية إشارة إلى هذا فتعين الاستغراق ولتمسكهم بقوله عليه الصلاة والسلام الأئمة من قريش لما وقع الاختلاف بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الخلافة وقال الأنصار منا أمير ومنكم أمير تمسك أبو بكر رضي اللّه عنه بقوله عليه الصلاة والسلام الأئمة من قريش ولم يروه أحد (١/٨٩) فارغة (١/٩٠) فارغة (١/٩١) فارغة (١/٩٢) فارغة (١/٩٣) ولصحة الاستثناء قال مشايخنا هذا الجمع أي الجمع المحلى باللام مجاز عن الجنس وتبطل الجمعية حتى لو حلف لا أتزوج النساء يحنث بالواحدة ويراد الواحد بقوله تعالى إنما الصدقات للفقراء ولو أوصى بشيء لزيد وللفقراء نصف بينه وبينهم لقوله تعالى لا يحل لك النساء من بعد هذا دليل على أن الجمع مجاز عن الجنس ولأنه لما لم يكن هناك معهود وليس للاستغراق لعدم الفائدة يجب حمله على تعريف الجنس وإنما قال لعدم الفائدة أما في قوله لا أتزوج النساء فلأن اليمين للمنع وتزوج جميع نساء الدنيا غير ممكن (١/٩٤) فمنعه يكون لغوا وفي قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء لا يمكن صرف الصدقات إلى جميع فقراء الدنيا فلا يكون الاستغراق مرادا فيكون لتعريف الجنس مجازا فتكون الآية لبيان مصرف الزكاة فتبقى الجمعية فيه من وجه ولو لم يحمل على الجنس لبطل اللام أصلا أي إذا كان اللام لتعريف الجنس ومعنى الجمعية باق في الجنس من وجه لأن الجنس يدل على الكثرة تضمنا فعلى هذا الوجه حرف اللام معمول ومعنى الجمعية باق من وجه ولو لم يحمل على هذا المعنى وتبقى الجمعية على حالها يبطل اللام بالكلية فحمله على تعريف الجنس وإبطال الجمعية من وجه أولى وهذا معنى كلام فخر الإسلام رحمه اللّه في باب موجب الأمر في معنى العموم والتكرار لأنا إذا أبقيناه جمعا لغا حرف العهد أصلا إلى آخره فعلم من هذه الأبحاث أن ما قالوا أنه يحمل على الجنس مجازا مقيد بصور لا يمكن (١/٩٥) حمله على العهد والاستغراق حتى لو أمكن يحمل عليه كما في قوله تعالى لا تدركه الأبصار فإن علماءنا قالوا إنه لسلب العموم لا لعموم السلب فجعلوا اللام لاستغراق الجنس والجمع المعرف بغير اللام نحو عبيدي أحرار عام أيضا لصحة الاستثناء واختلف في الجمع المنكر والأكثر على أنه غير عام وعند البعض عام لصحة الاستثناء كقوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا اللّه لفسدتا والنحويون حملوا إلا على غيره ومنها المفرد المحلى باللام إذا لم يكن للمعهود كقوله تعالى إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وقوله تعالى والسارق والسارقة إلا أن تدل القرينة على أنه لتعريف الماهية نحو أكلت الخبز وشربت الماء وإنما يحتاج تعريف الماهية إلى القرينة لما ذكرنا أن الأصل في اللام العهد ثم الاستغراق ثم تعريف الماهية (١/٩٦) ومنها النكرة في موضع النفي لقوله تعالى قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى في جواب ما أنزل اللّه على بشر من شيء وجه التمسك أنهم قالوا ما أنزل اللّه على بشر من شيء فلو لم يكن مثل هذا الكلام للسلب الكلي لم يستقم في الرد عليهم الإيجاب الجزئي وهو قوله تعالى قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ولكلمة التوحيد والنكرة في موضع الشرط إذا كان أي الشرط مثبتا عاما في طرف النفي فإن قال إن ضربت رجلا فكذا معناه لا أضرب رجلا لأن اليمين للمنع هنا اعلم أن اليمين إما للحمل أو للمنع ففي قوله إن ضربت رجلا فعبدي حر اليمين للمنع فيكون كقوله لا أضرب رجلا فشرط البر أن لا يضرب أحدا من الرجال فيكون للسلب الكلي فيكون عاما في طرف النفي وإنما قيد بقوله (١/٩٧) فارغة (١/٩٨) إذا كان الشرط مثبتا حتى لو كان الشرط منفيا لا يكون عاما كقوله إن لم أضرب رجلا فعبدي حر فمعناه أضرب رجلا فشرط البر ضرب أحد من الرجال فيكون للإيجاب الجزئي وكذا النكرة الموصوفة بصفة عامة عندنا نحو لا أجالس إلا رجلا عالما فله أن (١/٩٩) يجالس كل عالم لقوله تعالى ولعبد مؤمن خير من مشرك قول معروف الآية وإنما يدل على العموم لأنه في معرض التعليل لقوله تعالى ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا وهذا الحكم عام ولو لم تكن العلة المذكورة عامة لما صح التعليل ولأن النسبة إلى المشتق تدل على علية المأخذ فكذا النسبة (١/١٠٠) إلى الموصوف بالمشتق لأن قوله لا أجالس إلا عالما معناه إلا رجلا عالما فيعم لعموم العلة فإن قوله لا أجالس إلا عالما لعموم العلة ومعناه لا أجالس إلا رجلا عالما فإن أظهرنا الموصوف وهو الرجل ونقول لا أجالس إلا رجلا عالما كان عاما أيضا فإن قيل النكرة الموصوفة مقيدة والمقيد من أقسام الخاص قلنا هو خاص من وجه وعام من وجه أي خاص بالنسبة إلى المطلق الذي لا يكون فيه ذلك القيد عام في إفراد ما يوجد فيه ذلك القيد والنكرة في غير هذه المواضع خاص لكنها تكون مطلقة إذا كانت في الإنشاء ونحو قوله تعالى إن اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرة ويثبت بها واحد مجهول عند السامع إذا كانت في الأخبار نحو رأيت رجلا فإذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى وإذا أعيدت معرفة كانت عينها لأن الأصل في اللام العهد والمعرفة إذا أعيدت فكذلك في الوجهين أي إذا أعيدت المعرفة نكرة كان الثاني غير الأول وإن أعيدت معرفة كان الثاني عين الأول فالمعتبر نكير الثاني وتعريفه (١/١٠١) (١/١٠٢) وقال ابن عباس رضي اللّه تعالى عنه في قوله تعالى فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا لن يغلب عسر يسرين والأصح أن هذا تأكيد وإن أقر بألف مقيد بصك مرتين يجب ألف وإن أقر به منكرا يجب ألفان عنده أي عند أبي حنيفة رحمه اللّه إلا أن يتحد المجلس فالأقسام العقلية أربعة ففي قوله تعالى كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول أعيدت النكرة معرفة وفي قوله تعالى إن مع العسر يسرا أعيدت النكرة نكرة والمعرفة معرفة ونظير المعرفة التي تعاد نكرة غير مذكور وهو ما إذا أقر بألف مقيد بصك ثم أقر في مجلس آخر بألف منكر لا رواية لهذا ولكن ينبغي أن يجب ألفان عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى ومنها أي وهي نكرة تعم بالصفة فإن قال أي عبيدي ضربك فهو حر فضربوه عتقوا وإن قال أي عبيدي ضربته لا يعتق إلا واحد قالوا لأن في الأول وصفه بالضرب فصار عاما به وفي الثاني قطع الوصف عنه وهذا الفرق مشكل من جهة النحو لأن في الأول وصفه بالضاربية وفي الثاني بالضروبية وهنا فرق آخر وهو أن أيا لا يتناول إلا الواحد المنكر ففي الأول في قوله أي عبيدي ضربك فهو حر لما كان عتقه أي عتق الواحد المنكر معلقا بضربه مع قطع النظر عن الغير فيعتق كل واحد باعتبار (١/١٠٣) أنه واحد مفرد فحينئذ لا تبطل الوحدة ولو لم يثبت هذا أي عتق كل واحد وليس البعض أولى من البعض لبطل أي الكلام بالكلية وفي الثاني وهو قوله أي عبيدي ضربته يثبت الواحد ويتخير فيه الفاعل إذ هناك يمكن التخيير من الفاعل المخاطب بخلاف الأول نحو أيما إهاب دبغ فقد طهر هذا نظير الأول فإن طهارته متعلقة بدباغته من غير أن يكون له فاعل معين يمكن منه التخيير فيدل على العموم ونحو كل أي حين تريد هذا نظير الثاني فإن التخيير من الفاعل المخاطب ممكن هنا فلا يتمكن من أكل كل واحد بل أكل واحد لكن يتخير فيه المخاطب ومثل هذا الكلام للتخيير في العرف ومنها من وهو يقع خاصا كقوله تعالى ومنهم من يستمعون إليك ومنهم من ينظر إليك فإن المراد بعض مخصوص من المنافقين ويقع عاما في العقلاء إذا كان للشرط نحو من دخل دار أبي سفيان فهو آمن فإن قال من شاء من عبيدي عتقه فهو حر فشاءوا عتقوا وفيمن شئت من عبيدي عتقه فاعتقه فشاء الكل يعتق الكل عندهما عملا بكلمة العموم ومن للبيان وعند أبي حنيفة رحمه اللّه يعتقهم إلا واحدا لأن من للتبعيض إذا دخل على ذي أبعاض كما في كل من هذا الخبز ولأنه متيقن أي البعض متيقن لأن من إذا كان للتبعيض فظاهر وإن كان للبيان فالبعض مراد فإرادة البعض متيقنة وإرادة الكل محتملة فوجب رعاية العموم والتبعيض وفي المسألة الأولى هذا مراعى لأن عتق كل معلق بمشيئته مع قطع النظر عن غيره فكل واحد بهذا الاعتبار بعض أي كل واحد مع قطع النظر عن غيره بعض من المجموع فيعتق كل واحد مع رعاية التبعيض بخلاف من شئت فإن المخاطب إن شاء الكل فمشيئة الكل مجتمعة فيه فيبطل التبعيض وهذا الفرق والفرق الأخير في أي مما تفردت به (١/١٠٤) (١/١٠٥) (١/١٠٦) (١/١٠٧) ومنها ما في غير العقلاء وقد يستعار لمن فإن قال إن كان ما في بطنك غلاما فأنت حرة فولدت غلاما وجارية لم تعتق لأن المراد الكل وإن قال طلقي نفسك من ثلاث ما شئت تطلق ما دونها وعندهما ثلاثا وقد مر وجههما ومنها كل وجميع وهما محكمان في عموم ما دخلا عليه بخلاف سائر أدوات العموم فإن دخل الكل على النكرة فلعموم الأفراد وإن دخل على المعرفة فلمجموع قالوا عمومه على سبيل الانفراد أي يراد كل واحد مع قطع النظر عن غيره وهذا إذا دخل على النكرة فإن قال كل من دخل هذا الحصن أولا فله كذا فدخل عشرة معا يستحق كل واحد إذ في كل فرد قطع النظر عن غيره فكل واحد أول بالنسبة إلى المتخلف بخلاف من دخل وهاهنا فرق آخر هو أن من دخل أولا عام على سبيل البدل فإذا أضاف الكل إليه اقتضى (١/١٠٨) عموما آخر لئلا يلغو فيقتضي العموم في الأول فيتعدد الأول وهذا الفرق قد تفرد به أيضا وتحقيقه أن الأول عبارة عن الفرد السابق بالنسبة إلى كل واحد ممن هو غيره ففي قوله من دخل هذا الحصن أولا يمكن حمل الأول على هذا المعنى وهو معناه الحقيقي أما في قوله كل من دخل أولا فلفظ كل دخل على قوله من دخل أولا فاقتضى التعدد في المضاف إليه وهو من دخل أولا فلا يمكن حمل الأول على معناه الحقيقي لأن الأول الحقيقي لا يكون متعددا فيراد معناه المجازي وهو السابق بالنسبة إلا المتخلف وجميع عمومه على سبيل الاجتماع فإن قال جميع من دخل هذا الحصن أولا فله كذا فدخل عشرة فلهم نفل واحد إن دخلوا فرادى يستحق الأول فيصير جميع مستعار الكل كذا ذكره فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى في أصوله ويرد عليه أنه يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز ولا يمكن أن يقال إن اتفق الدخول على سبيل الاجتماع يحمل على الحقيقة وإن اتفق فرادى يحمل على المجاز لأنه في حال التكلم لا بد أن يراد أحدهما معينا وإرادة كل واحد منهما معينا تنافي إرادة الآخر فحينئذ يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز فأقول معنى قوله إنه مستعار لكل أن الكل إلا فرادى يدل على أمرين أحدهما استحقاق الأول النفل سواء كان الأول واحدا أو جمعا والثاني أنه إذا كان الأول جمعا يستحق كل واحد منهم نفلا تاما فهاهنا يراد (١/١٠٩) الأمر الأول حتى يستحق الأول النفل سواء كان واحدا أو أكثر ولا يراد المعنى الحقيقي ولا الأمر الثاني حتى لو دخل جماعة يستحق الجميع نفلا واحدا أو ذلك لأن هذا الكلام للتحريض والحث على دخول الحصن أولا فيجب أن يستحق السابق النفل سواء كان منفردا أو مجتمعا ولا يشترط الاجتماع لأنه إذا أقدم الأول على الدخول فتخلف غيره من (١/١١٠) المسابقة لا يوجب حرمان الأول عن استحقاق النفل فالقرينة دالة على عدم اشتراط الاجتماع فلا يراد المعنى الحقيقي وأيضا لا دليل على أنه إذا دخل جماعة يستحق كل واحد من الجماعة نفلا تاما بل الكلام دال على أن للمجموع نفلا واحدا فصار الكلام مجازا عن قوله إن السابق يستحق النفل سواء كان منفردا أو مجتمعا فإن دخل منفردا أو مجتمعا يستحق لعموم المجاز فالاستحقاق مجتمعا ليس لأنه المعنى الحقيقي بل لدخوله تحت عموم المجاز وهذا بحث في غاية التدقيق مسألة حكاية الفعل لا تعم لأن الفعل المحكي عنه واقع على صفة معينة نحو صلى النبي عليه السلام في الكعبة فيكون هذا في معنى المشترك فيتأمل فإن ترجح بعض المعنى (١/١١١) بالرأي فذاك وإن ثبت التساوي فالحكم في البعض يثبت بفعله عليه السلام وفي البعض الآخر بالقياس قال الشافعي رحمه اللّه تعالى لا يجوز الفرض في الكعبة لأنه يلزم استدبار بعض أجزاء الكعبة ويحمل فعله عليه السلام على النفل ونحن نقول لما ثبت جواز البعض بفعله عليه السلام والتساوي بين الفرض والنفل في أمر الاستقبال حالة الاختيار ثابت فيثبت الجواز في البعض الآخر قياسا وأما نحو قضى بالشفعة للجار فليس من هذا القبيل وهو عام لأنه نقل الحديث بالمعنى ولأن الجار عام جواب إشكال هو أن يقال حكاية الفعل لما لم تعم فما روي أنه عليه السلام قضى بالشفعة للجار يدل على ثبوت الشفعة للجار الذي لا يكون شريكا فأجاب بأن هذا ليس من باب حكاية الفعل بل هو نقل الحديث بالمعنى فهو حكاية عن قول النبي عليه السلام الشفعة ثابتة للجار ولئن سلمنا أنه حكاية الفعل لكن الجار عام لأن اللام لاستغراق الجنس لعدم المعهود فصار كأنه قال قضى عليه السلام بالشفعة لكل جار مسألة اللفظ الذي ورد بعد سؤال أو حادثة إما أن لا يكون مستقلا أو يكون فحينئذ إما أن يخرج مخرج الجواب قطعا أو الظاهر أنه جواب مع احتمال الابتداء أو بالعكس أي الظاهر (١/١١٢) أنه ابتداء الكلام مع احتمال الجواب نحو أليس لي عليك كذا فيه فيقول بلى أو كان لي عليك كذا فيقول نعم هذا نظير غير المستقل ونحو سها فسجد وزنى ماعز فرجم هذا نظير المستقل الذي هو جواب قطعا ونحو تعال تغد معي فقال إن تغديت فكذا من غير زيادة هذا نظير المستقل الذي الظاهر أنه جواب ونحو إن تغديت اليوم مع زيادة على قدر الجواب هذا نظير المستقل الذي الظاهر أنه ابتداء مع احتمال الجواب ففي كل موضع ذكر لفظ نحو فهو نظير قسم واحد ففي الثلاثة الأول يحمل على الجواب وفي الرابع يحمل على الابتداء عندنا حملا للزيادة على الإفادة ولو قال عنيت الجواب صدق ديانة وعند الشافعي رحمه اللّه تعالى يحمل على الجواب وهذا ما قيل إن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب عندنا فإن الصحابة ومن بعدهم تمسكوا بالعمومات الواردة في حوادث خاصة فصل حكم المطلق أن يجري (١/١١٣) على إطلاقه كما أن المقيد على تقييده فإذا وردا أي المطلق والمقيد فإن اختلف الحكم لم يحمل المطلق على المقيد إلا في مثل قولنا أعتق عني رقبة ولا تملكني رقبة كافرة فالإعتاق يتقيد بالمؤمنة أي إلا في كل موضع يكون الحكمان المذكوران مختلفين لكن يستلزم أحدهما حكما غير مذكور يوجب تقييد الآخر كالمثال المذكور فإن أحد الحكمين إيجاب الإعتاق والثاني نفي تمليك الكافرة وهما حكمان مختلفان لكن نفي تمليك الكافرة يستلزم نفي إعتاقها ضرورة أن إيجاب الإعتاق يستلزم إيجاب التمليك ونفي اللازم يستلزم نفي الملزوم فصار كقوله لا تعتق عني رقبة كافرة ثم هذا أوجب تقييد الأول أي إيجاب الإعتاق بالمؤمنة وإن اتحد أي الحكم فإن اختلفت الحادثة ككفارة اليمين وكفارة القتل لا يحمل عندنا وعند الشافعي رحمه اللّه تعالى يحمل سواء اقتضى القياس أو لا وبعضهم زادوا إن اقتضى القياس أي بعض أصحاب الشافعي زادوا أنه يحمل عليه إن اقتضى القياس حمله عليه وإن اتحدت أي الحادثة كصدقة الفطر مثلا فإن دخلا على السبب نحو أدوا عن كل حر وعبد أدوا عن كل حر وعبد من المسلمين أي دخل النص المطلق والمقيد على السبب فإن الرأس سبب لوجود صدقة الفطر وقد ورد نصان يدل أحدهما على أن الرأس المطلق سبب وهو قوله عليه السلام أدوا عن كل حر وعبد ويدل الآخر أن رأس (١/١١٤) المسلم سبب وهو قوله عليه السلام أدوا عن كل حر وعبد من المسلمين لم يحمل عندنا بل يجب العمل بكل واحدة منهما إذ لا تنافي في الأسباب بل يمكن أن يكون المطلق سببا والمقيد سببا خلافا له أي للشافعي رحمه اللّه تعالى يتعلق بقوله لم يحمل عندنا وإن دخلا أي المطلق والمقيد على الحكم في صورة اتحاد الحادثة نحو فصيام ثلاثة أيام مع قراءة ابن مسعود رضي اللّه تعالى عنه وهي ثلاثة أيام متتابعات فإن الحكم وجوب صوم ثلاثة أيام من غير تقييد بالتتابع وفي قراءة ابن مسعود الحكم وجوب صوم ثلاثة أيام متتابعات يحمل بالاتفاق لامتناع الجمع بينهما فإن المطلق يوجب أجزاء غير المتتابع والمقيد يوجب عدم أجزائه هذا إذا كان الحكم مثبتا فإن كان منفيا نحو لا تعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة لا يحمل اتفاقا فلا تعتق أصلا له أن المطلق ساكت والمقيد ناطق فكان أولى لأن السكوت عدم فنقول في جوابه نعم إن المقيد أولى لكن إذا تعارضا ولا تعارض إلا في اتحاد الحادثة والحكم كما ذكرنا في صوم ثلاثة أيام متتابعات ولأن القيد زيادة وصف يجري مجرى الشرط فيوجب النفي أي نفي الحكم عند عدم الوصف في المنصوص وفي نظيره كالكفارات مثلا فإنها جنس واحد هذا دليل على المذهب الآخر وهو أن يحمل إن اقتضى (١/١١٥) القياس حمله وحاصله أن التقييد بالوصف كالتخصيص بالشرط والتخصيص بالشرط يوجب نفي الحكم عما عداه عنده وذلك النفي لما كان مدلول النص المقيد كان حكما شرعيا فيثبت النفي بالنص في المنصوص وفي نظيره بطريق القياس ولنا قوله تعالى لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم فهذه الآية تدل على أن المطلق يجري على إطلاقه ولا يحمل على المقيد لأن التقييد يوجب التغليظ والمساء كما في بقرة بني إسرائيل وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما أبهموا ما أبهم اللّه واتبعوا ما بين اللّه أي اتركوه على إبهامه والمطلق مبهم بالنسبة إلى المقيد المعين فلا يحمل عليه وعامة الصحابة ما قيدوا أمهات النساء بالدخول الوارد في الربائب ولأن إعمال الدليلين واجب ما أمكن فيعمل بكل واحد في مورده إلا أن لا يمكن وهو عند اتحاد الحادثة والحكم فهذه الدلائل لنفي المذهب الأول وهو الحمل مطلقا فالآن شرع في نفي المذهب الثاني وهو الحمل إن اقتضى القياس بقوله والنفي في المقيس عليه بناء على العدم الأصلي فكيف يعدى جواب عما قالوا إنه يحمل عليه فإنهم (١/١١٦) قالوا أن النفي حكم شرعي ونحن نقول هو عدم أصلي فإن قوله تعالى في كفارة القتل فتحرير رقبة مؤمنة يدل على إيجاب المؤمنة وليس له دلالة على الكافرة أصلا والأصل عدم إجزاء تحرير رقبة عن كفارة القتل وقد ثبت إجزاء المؤمنة بالنص فبقي عدم إجزاء الكافرة على العدم الأصلي فلا يكون حكما شرعيا ولا بد في القياس من كون المعدى حكما شرعيا وتوضيحه أن الإعدام على قسمين الأول عدم إجزاء ما لا يكون تحرير رقبة كعدم إجزاء الصلاة والصوم وغيرهما والثاني عدم إجزاء ما يكون تحرير رقبة (١/١١٧) غير مؤمنة فالقسم الأول إعدام أصلي بلا خلاف والقسم الثاني مختلف فيه فعند الشافعي رحمه اللّه تعالى حكم شرعي وعندنا عدم أصلي بناء على أن التخصيص بالوصف دال عنده على نفي الحكم عن الموصوف بدون ذلك الوصف فإنه لما قال فتحرير رقبة فلو لم يقل مؤمنة لجاز تحرير الكافرة فلما قال مؤمنة لزم منه نفي تحرير الكافرة فيكون النفي مدلول النص فكان حكما شرعيا ونحن نقول أوجب تحرير المؤمنة ابتداء وهو ساكت عن الكافرة لأنه إذا كان في آخر الكلام ما يغير أوله فصدر الكلام موقوف على (١/١١٨) الآخر ويثبت حكم الصدر بعد التكلم بالمغير لئلا يلزم التناقض فلا يكون إيجاب الرقبة ثم نفي الرقبة الكافرة بالنص المقيد بل النص لإيجاب الرقبة المؤمنة ابتداء فتكون الكافرة باقية على العدم الأصلي كما في القسم الأول من الإعدام وشرط القياس أن يكون الحكم المعدى حكما شرعيا لا عدما أصليا ولا يمكن أن يعدى القيد فيثبت العدم ضمنا جواب إشكال مقدر وهو أن يقال نحن نعدي القيد وهو حكم شرعي لأنه ثابت بالنص فيثبت عدم إجزاء الكافرة ضمنا لا أنا نعدي هذا العدم قصدا ومثل هذا يجوز في القياس فنجيب بقولنا لأن القيد وهو قيد الإيمان مثلا يدل على الإثبات في المقيد أي يدل على إثبات الحكم في المقيد وهو الإجزاء في تحرير رقبة يوجد فيه قيد الإيمان والنفي في غيره أي على نفي الحكم وهو نفي (١/١١٩) الإجزاء في الرقبة الكافرة فثبت أن القيد يدل على هذين الأمرين والأول وهو إجزاء المؤمنة حاصل في المقيس وهو كفارة اليمين بالنص المطلق وهو قوله أو تحرير رقبة فلا يفيد تعديته فهي أي التعدية في المثاني فقط فتعدية القيد تعدية العدم بعينها أي بعين تعدية العدم وإن كانت غيرها فهي مقصودة منها أي وإن كانت تعدية القيد غير تعدية العدم فتعدية العدم مقصودة من تعدية القيد وحاصل هذا الكلام أن تعدية القيد هي عين تعدية العدم وإن سلم أن مفهوم تعدية القيد غير مفهوم تعدية العدم فتعدية العدم مقصودة من تعدية القيد فبطل قوله نحن نعدي القيد فثبت العدم ضمنا بل العدم يثبت قصدا وهو ليس بحكم شرعي فلا يصح القياس فتكون أن تعدية القيد لإثبات ما ليس بحكم شرعي وهو عدم إجزاء الكافرة فإنه عدم أصلي وإبطال الحكم الشرعي وهو إجزاء الرقبة الكافرة في كفارة اليمين الذي دل عليه المطلق وهو قوله تعالى في كفارة اليمين أو تحرير رقبة وكيف يقاس مع ورود النص فإن شرط القياس أن لا يكون في المقيس نص دال على الحكم المعدى أو على عدمه وليس حمل المطلق على المقيد كتخصيص العام كما زعموا ليجوز بالقياس جواب عن الدليل الذي ذكر في المحصول على جواز حمل المطلق على المقيد إن اقتضى القياس حمله وهو أن دلالة العام على الأفراد فوق دلالة المطلق عليها لأن دلالة العام على الأفراد قصدية ودلالة المطلق عليها ضمنية والعام يخص بالقياس اتفاقا بيننا وبينكم فيجب أن يقيد المطلق بالقياس عندكم أيضا فأجاب بمنع جواز التخصيص بالقياس مطلقا بقوله لأن التخصيص بالقياس إنما يجوز عندنا إذا كان العام مخصصا بقطعي وهنا يثبت القيد ابتداء بالقياس لا أنه قيد أولا بالنص ثم بالقياس فيصير القياس هنا مبطلا للنص فالحاصل أن العام لا يخص بالقياس عندنا مطلقا بل إنما يخص إذا خص أولا بدليل قطعي وفي مسألة حمل المطلق على المقيد لم يقيد المطلق بنص أولا حتى يقيد ثانيا بالقياس بل الخلاف في تقييده ابتداء بالقياس فلا يكون كتخصيص العام وقد قام الفرق بين (١/١٢٠) الكفارات فإن القتل من أعظم الكبائر لما ذكر الحكم الكلي وهو أن تقييد المطلق بالقياس لا يجوز تنزله إلى هذه المسألة الجزئية وذكر فيها مانعا آخر يمنع القياس وهو أن القتل من أعظم الكبائر فيجوز أن يشترط في كفارته الإيمان ولا يشترط فيما دونه فإن تغليظ الكفارة بقدر غلظ الجناية لا يقال أنتم قيدتم الرقبة بالسلامة هذا إشكال أورده علينا في المحصول وهو أنكم قيدتم المطلق في هذه المسألة فأجاب بقوله لأن المطلق لا يتناول ما كان ناقصا في كونه رقبة وهو فائت جنس المنفعة وهذا ما قال علماؤنا أن المطلق ينصرف إلى الكامل أي الكامل فيما يطلق عليه هذا الاسم كالماء المطلق لا ينصرف إلى ماء الورد فلا يكون حمله على الكامل تقييدا ولا يقال أنتما قيدتم قوله عليه الصلاة والسلام في خمس من الإبل زكاة بقوله في خمس من الإبل السائمة زكاة مع أنهما دخلا في السبب والمذهب عندكم أن المطلق لا يحمل على المقيد وإن اتحدت الحادثة إذا دخلا على السبب كما في صدقة الفطر وقيدتم قوله تعالى وأشهدوا إذا تبايعتم بقوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم مع أنهما في حادثتين قال اللّه تعالى فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم فأجاب عن الإشكالين المذكورين بقوله لأن قيد (١/١٢١) الإسامة إنما يثبت بقوله عليه السلام ليس في العوامل والحوامل والعلوفة صدقة والعدالة بقوله تعالى إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فصل حكم المشترك التأمل حتى يترجح أحد معانيه ولا يستعمل في أكثر من معنى واحد لا حقيقة لأنه لم يوضع للمجموع اعلم أن الواضع لا يخلو إما إن وضع المشترك لكل واحد من المعنيين بدون الآخر أو لكل واحد منهما مع الآخر أي للمجموع أو لكل واحد منهما مطلقا والثاني غير واقع لأن الواضع لم يضعه للمجموع وإلا لم يصح استعماله في أحدهما بدون الآخر بطريق الحقيقة لكن هذا صحيح اتفاقا وأيضا على تقدير الوقوع يكون استعماله استعمالا في أحد المعنيين وإن وجد الأول أو الثالث ثبت المدعى لأن الوضع تخصيص اللفظ بالمعنى فكل وضع يوجب أن الإيراد باللفظ إلى هذا المعنى بالموضوع له ويوجب أن يكون هذا المعنى تمام المراد باللفظ فاعتبار كل من الموضوعين ينافي اعتبار الآخر ومن عرف سبب وقوع الاشتراك لا يخفى عليه امتناع استعمال اللفظ في المعنيين فقوله لا نعلم بوضع للمجموع إشارة إلى ما ذكرنا من أن المشترك إنما يصح استعماله في المعنيين إذا كان موضوعا للمجموع ووضعه للمجموع منتف أما على التقديرين الآخرين فلا يصح استعماله فيهما كما ذكرنا ولا مجازا لاستلزامه الجمع بين الحقيقة والمجاز فإن اللفظ إن استعمل في أكثر من معنى واحد بطريق المجاز يلزم أن يكون اللفظ الواحد مستعملا في المعنى الحقيقي والمجازي معا وهذا لا يجوز فإن قيل يصلون على النبي الآية والصلاة من اللّه رحمة ومن الملائكة استغفار قلنا لا اشتراك لأن سياق الكلام لإيجاب الاقتداء فلا بد من اتحاد معنى الصلاة من الجميع لكنه (١/١٢٢) (١/١٢٣) يختلف باختلاف الموصوف كسائر الصفات لا بحسب الوضع اعلم أن المجوزين تمسكوا بقوله تعالى إن اللّه وملائكته يصلون على النبي فإن الصلاة من اللّه تعالى رحمة ومن الملائكة استغفار وقد أوردوا على هذه الآية من قبلنا إشكالا فاسدا وهو أن هذا ليس من المتنازع فيه فإن الفعل متعدد بتعدد الضمائر فكأنه كرر لفظ يصلي وأجابوا عن هذا بأن التعدد بحسب المعنى لا بحسب اللفظ لعدم الاحتياج إلى هذا وهذا الإشكال من قبلنا فاسد لأنا لا نجوز في مثل هذه الصورة أي في صورة تعدد الضمائر أيضا فتكون الآية من المتنازع فيه والجواب الصحيح لنا أن في الآية لم يوجد استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد لأن سياق الآية لإيجاب اقتداء المؤمنين باللّه تعالى وملائكته في الصلاة على النبي عليه السلام فلا بد من اتحاد معنى الصلاة من الجميع لأنه لو قيل إن اللّه تعالى يرحم النبي والملائكة يستغفرون له يا أيها الذين آمنوا ادعوا له لكان هذا الكلام في غاية الركاكة فعلم أنه لا بد من اتحاد معنى الصلاة سواء كان معنى حقيقيا أو معنى مجازيا أما الحقيقي فهو الدعاء فالمراد واللّه أعلم أنه تعالى يدعو ذاته بإيصال الخير إلى النبي عليه السلام ثم من لوازم هذا الدعاء الرحمة فالذي قال إن الصلاة من اللّه تعالى (١/١٢٤) رحمة فقد أراد هذا المعنى لا أن الصلاة وضعت للرحمة كما ذكر في قوله تعالى يحبهم ويحبونه أن المحبة من اللّه إيصال الثواب ومن العبد طاعة ليس المراد أن المحبة مشتركة من حيث الموضوع بل المراد أنه أراد بالمحبة لازمها واللازم من اللّه تعالى ذلك ومن العبد هذا وأما المجازي فكإرادة الخير ونحوها مما يليق بهذا المقام ثم إن اختلف ذلك المعنى لأجل اختلاف الموصوف فلا بأس به فلا يكون هذا من باب الاشتراك بحسب الوضع ولما بينوا اختلاف المعنى باعتبار اختلاف المسند إليه يفهم منه أن معناه واحد لكنه يختلف بحسب الموصوف لا أن معناه مختلف وضعا وهذا جواب حسن تفردت به وتمسكوا أيضا بقوله تعالى ألم تر أن اللّه يسجد له من في السماوات ومن في الأرض الآية حيث نسب السجود إلى العقلاء وغيرهم كالشجر والدواب فما نسب إلى غير العقلاء يراد به الانقياد لا وضع الجبهة على الأرض وما نسب إلى العقلاء يراد به وضع الجبهة على الأرض فإن قوله تعالى وكثير من الناس يدل على أن المراد بالسجود المنسوب إلى الإنسان هو وضع الجبهة على الأرض إذ لو كان المراد (١/١٢٥) الانقياد لما قال وكثير من الناس لأن الانقياد شامل لجميع الناس أقول تمسكهم بهذه الآية لا يتم إذ يمكن أن يراد بالسجود الانقياد في الجميع وما ذكر أن الانقياد شامل لجميع الناس باطل لأن الكفار لا سيما المتكبرين منهم لا يمسهم الانقياد أصلا وأيضا لا يبعد أن يراد بالسجود وضع الرأس على الأرض في الجميع ولا يحكم باستحالته من الجمادات إلا من يحكم باستحالة التسبيح من الجمادات والشهادة من الجوارح والأعضاء يوم القيامة مع أن محكم الكتاب ناطق بهذا وقد صح أن النبي عليه السلام سمع تسبيح الحصا وقوله تعالى ولكن لا تفقهون تسبيحهم يحقق أن المراد هو حقيقة التسبيح لا الدلالة على وحدانيته تعالى فإن قوله تعالى لا تفقهون لا يليق بهذا فعلم بهذا أن وضع الرأس خضوعا للّه تعالى غير ممتنع من الجمادات بل هو كائن لا ينكره إلا منكر خوارق العادات التقسيم الثاني في استعمال اللفظ في المعنى فإن استعمل فيما وضع له يشمل الوضع اللغوي والشرعي والعرفي والاصطلاحي فاللفظ حقيقة أي بالحيثية التي يكون الوضع بتلك الحيثية فالمنقول الشرعي يكون حقيقة في المعنى المنقول إليه من حيث الشرع وفي المنقول عنه من حيث اللغة وإنما قال فاللفظ حقيقة لأن بعض الناس قد يطلقون الحقيقة والمجاز على المعنى إما مجازا وإما على أنه من خطأ العوام وإن استعمل في غيره لعلاقة بينهما فمجاز أي وإن استعمل في غير ما وضع له بحيثية ما سواء كان من حيث اللغة أو نحوها فمجاز بالحيثية التي يكون بها غير ما وضع له فالمنقول الشرعي مجاز في المعنى الأول من حيث الشرع وفي المعنى الثاني من حيث اللغة فاللفظ الواحد يمكن أن يكون حقيقة ومجازا بالنسبة إلى المعنى الواحد لكن من جهتين أولا العلاقة فمرتجل وهو حقيقة أيضا للوضع الجديد فاستعمال اللفظ في غير ما وضع له لا لعلاقة يكون وضعا جديدا فالمرتجل حقيقة في المعنى الثاني بسبب الوضع الثاني (١/١٢٦) (١/١٢٧) وأما المنقول فمنه ما غلب في معنى مجازي للموضوع الأول حتى هجر الأول وهو حقيقة في الأول مجاز في الثاني حيث اللغة وبالعكس أي حقيقة في الثاني مجاز في (١/١٢٨) الأول من حيث الناقل وهو إما الشرع أو العرف أو الاصطلاح ومنه ما غلب في بعض أفراد الموضوع له حتى هجر الباقي كالدابة مثلا فمن حيث اللغة إطلاقها على الفرس بطريق الحقيقة لكن إذا خصت به أي إذا خصت الدابة بالفرس مع رعاية المعنى أي المعنى الأول وهو ما يدب على الأرض صارت مجازا إذ أريد بها غير ما وضعت له وهو ما يدب على الأرض مع خصوصية الفرس ومن حيث العرف صارت كأنها موضوعة له ابتداء لأنها لما خصت به فكأنه لم يراع المعنى الأول فصارت اسما له فظهر أن اعتبار المعنى الأول فيه وهو ما يدب على الأرض ليس لصحة إطلاقه أي المنقول عليه الضمير يرجع إلى المعنى الأول ويراد بالمعنى الأول الأفراد التي يوجد فيها المعنى الأول كما في الحقيقة فإن الحقيقة إنما يعتبر المعنى الأول ليصح إطلاق اللفظ على كل ما يوجد فيه ذلك المعنى ولا لصحة إطلاقه أي المنقول على المعنى الثاني وهو ما يدب مع خصوصية الفرس كما في المجاز فإن في المجاز إنما يعتبر المعنى الأول وهو المعنى الحقيقي ليصح إطلاق اللفظ على كل ما يوجد فيه لازم ذلك المعنى واللازم هو المعنى الثاني بل لترجيح هذا الاسم على غيره أي اعتبار المعنى الأول في الاسم المنقول إنما هو لترجيح هذا الاسم على غيره من الأسماء في تخصيصه بالمعنى الثاني أي تخصيص هذا الاسم بالمعنى الثاني والمراد بالترجيح الأولوية فعلم بهذا أن الواضع قد لا يعتبر فيه المناسبة كالجدار والحجر وقد يعتبر فيه كالقارورة والخمر واعتبار المعنى الأول في الوضع الثاني لبيان المناسبة والأولوية لا لصحة الإطلاق وإلا يلزم أن يسمى الدن قارورة فلهذا السر لا يجري القياس في اللغة فلا يقال إن سائر الأشربة خمر لمعنى مخامرة العقل فإن معنى المخامرة ليس مراعى في الخمر لصحة إطلاق الخمر على كل ما يوجد فيه المخامرة بل لأجل المناسبة الأولوية ليضع الواضع لهذا المعنى لفظا مناسبا له فاحفظ هذا البحث فإنه بحث شريف بديع لم تزل أقدام من سوغ القياس في اللغة إلا لغفلة عنه فيطلق الأسد على كل من يوجد فيه الشجاعة مجازا بخلاف الدابة والصلاة أي لما علم أن اعتبار المعنى الأول في المجاز إنما هو لصحة إطلاق اللفظ على كل ما يوجد فيه لازم المعنى الأول واعتبار المعنى الأول في المنقول ليس لصحة الإطلاق فيصح إطلاق الأسد على كل ما يوجد فيه الشجاعة ولا يصح إطلاق الدابة في العرف على كل ما يوجد فيه الدبيب ولا يصح إطلاق اسم الصلاة شرعا على كل ما يوجد فيه دعاء (١/١٢٩) (١/١٣٠) ويثبت أيضا أن الحقيقة إذا قل استعمالها صارت مجازا والمجاز إذا كثر استعماله صار حقيقة ثم كل واحد من الحقيقة والمجاز إن كان في نفسه بحيث لا يستتر المراد فصريح وإلا فكناية فالحقيقة التي لم تهجر صريح والتي هجرت وغلب معناها المجازي كناية والمجاز الغالب الاستعمال صريح وغير الغالب كناية اعلم أن الصريح والكناية اللذين هما قسما الحقيقة صريح وكناية في المعنى الحقيقي واللذين هما قسما المجاز صريح وكناية في المعنى المجازي وعند علماء البيان الكناية لفظ يقصد بمعناه أي بمعناه الموضوع له معنى ثان ملزوم له وهي لا تنافي إرادة الموضوع له فإنها استعملت فيه لكن قصد بمعناه معنى ثان كما في طويل النجاد فإنه استعمل في الموضوع له لكن المقصود والغرض من طويل النجاد طويل القامة فطول القامة ملزوم لطول النجاد بخلاف المجاز فإنه استعمل في غير ما وضع له فينافي إرادة الموضوع له ثم كل من الحقيقة والمجاز أما في المفرد وقد مر تعريفهما وأما في الجملة فإن نسب المتكلم الفعل إلى ما هو فاعل عنده فالنسبة حقيقة فيه وإن نسب إلى غيره لملابسة بين الفعل والمنسوب إليه فالنسبة مجازية نحو أنبت الربيع البقل فقوله عنده أي عند المتكلم اعلم أن بعض العلماء قالوا إلى ما هو فاعل في العقل لكن صاحب المفتاح قال إلى ما هو فاعل عنده حتى لو قال الموحد أنبت الربيع البقل يكون الإسناد مجازيا لأن الفاعل عنده هو اللّه تعالى وإن قال الدهري أنبت الربيع البقل فقد أسند الفعل إلى ما هو فاعل عنده فالإسناد حقيقي مع أن الربيع ليس بفاعل في العقل وهو كاذب في هذا الكلام كما إذا قال رجل جاءني زيد نفسه مريدا معناه الحقيقي والحال أنه لم يجئ فكلامه حقيقية مع أنه كاذب فالمراد من الفاعل عنده ما يريد إفهام المخاطب أنه فاعل عنده حتى يشمل الخبر الصادق والكاذب فصل هذا الفصل في أنواع علاقات المجاز وهي مذكورة في الكتب غير مضبوطة لكني أوردتها على سبيل الحصر والتقسيم العقلي إذا أطلقت لفظا على مسمى هذا يشمل إطلاق اللفظ على المعنى سواء كان المعنى حقيقيا أو غير حقيقي وإطلاق اللفظ على أفراد ما يصدق عليها المعنى وكان ينبغي أن يقول فإن أردت عين الموضوع له فحقيقة لكن لم يذكر هذا القسم وذكر ما هو بصدده وهو أنواع المجازات فقال وأردت غير الموضوع له فالمعنى الحقيقي إن حصل له أي لذلك المسمى بالفعل في بعض الأزمان فمجاز باعتبار ما كان أو باعتبار ما يئول المراد ببعض الأزمان الزمان المغاير للزمان الذي وضع اللفظ للحصول فيه وإنما لم يقيد في المتن بعض الأزمان بهذا القيد لأن التقدير تقدير استعمال اللفظ في غير الموضوع له مع أن المعنى الحقيقي حاصل لذلك المسمى فإن كان زمان الحصول عين زمان وضع اللفظ للحصول فيه كان اللفظ مستعملا فيما وضع له والمقدر خلافه فهذا القيد مفروغ عنه أو بالقوة فمجاز بالقوة كالمسكر لخمر أريقت وإن لم يحصل له أصلا أي لا بالفعل ولا بالقوة فلا بد وأن تريد معنى لازما لمعناه الوضعي ذهنا أي ينتقل الذهن من الوضعي والمراد الانتقال في الجملة ولا يشترط أن يلزم من تصوره تصوره كالبصير إذا أطلق على الأعمى وكالغائط إذا أطلق على الحدث وهو أي اللازم الذهني إما ذهني محض إن لم يكن بينهما لزوم في الخارج كتسمية الشيء باسم مقابله كما يطلق البصير عن الأعمى أو منضم إلى العرفي إن كان بينهما لزوم في الخارج أيضا لكن بحسب عادات الناس كالغائط فإنه لما وقع في العرف قضاء الحاجة في المكان المطمئن حصل بينهما ملازمة عرفية فبناء على هذا العرف ينتقل الذهن من المحل إلى الحال فيكون ذهنيا منضما إلى العرفي أو الخارجي أي يكون الذهني منضما إلى الخارجي إن كان بينهما لزوم في الخارج لا بحسب عادات الناس بل بحسب الخلقة فصار اللزوم الخارجي قسمين عرفيا وخلقيا فسمى الأول عرفيا والثاني خارجيا وحينئذ أي إذا كان اللزوم الذهني منضما إلى العرفي أو الخارجي أما أن يكون أحدهما جزءا للآخر كإطلاق اسم الكل على الجزء وبالعكس كالجمع للواحد وهو نظير إطلاق اسم الكل على الجزء والرقبة للعبد وهو نظير إطلاق اسم الجزء على الكل أو خارجا عنه عطف على قوله جزءا للآخر وحينئذ إما أن لا يكون اللازم صفة للملزوم وهو أي اللزوم إما بحصول أحدهما في الآخر كإطلاق اسم المحل على الحال أو بالعكس وإما بالسببية كإطلاق اسم السبب على المسبب نحو عينا الغيث أي النبت أو بالعكس كقوله تعالى وينزل لكم من السماء رزقا وهذا يحتمل العكس أيضا أي قوله تعالى وينزل لكم من السماء رزقا يحتمل إطلاق اسم السبب على المسبب لأن الرزق سبب غائي للمطر وإما بالشرطية كقوله تعالى وما كان اللّه ليضيع إيمانكم أي صلاتكم هذا نظير إطلاق اسم الشروط على المشرط وكالعلم على المعلوم هذا نظير إطلاق اسم المشروط على الشرط ويكون صفته وهو الاستعارة وشرطها أن يكون الوصف بينا كالأسد يراد به لازمه وهو الشجاع فيطلق على زيد باعتبار أنه شجاع وإذا عرفت أن مبنى المجاز على إطلاق اسم الملزوم على اللازم والملزوم أصل واللازم فرع فإذا كانت الأصلية والفرعية من الطرفين يجري المجاز من الطرفين كالعلة مع المعلول الذي هو علة غائية لها وكالجزء مع الكل فإن الجزء تبع للكل أي بالنسبة إلى اللفظ الموضوع للكل فإن الجزء يفهم من هذا اللفظ بتبعية الكل فيصح أن يطلق هذا اللفظ ويراد به جزء الموضوع له والكل محتاج إلى الجزء فيكون الجزء أصلا فيصح أن يراد الكل باللفظ الموضوع للجزء فإطلاق اسم الكل على الجزء مطرد وعكسه غير مطرد بل يجوز في صورة يستلزم الجزء الكل كالرقبة والرأس مثلا فإن الإنسان لا يوجد بدون الرأس والرقبة وأما إطلاق اليد وإرادة الإنسان فلا يجوز (١/١٤١) وكالمحل فإنه أصل بالنسبة إلى الحال لاحتياج الحال إلى المحل وأيضا على العكس إذا كان المقصود هو الحال كالماء والكوز فإن المقصود من الكوز الماء والمراد (١/١٤٢) بالحلول الحصول فيه وهو أعم من حلول العرض في الجوهر واعلم أن الاتصالات المذكورة إذا وجدت من حيث الشرع تصلح علاقة للمجاز أيضا كالاتصال في المعنى (١/١٤٣) المشروع كيف شرع يصلح علاقة للاستعارة أي ينظر في التصرفات المشروعة كالبيع والإجارة والوصية وغيرها أن هذه التصرفات على وجه شرعت فالبيع عقد شرع لتمليك المال بالمال والإجارة شرعت لتمليك المنفعة بالمال فإذا حصل اشتراك التصرفين في هذا المعنى تصح استعارة أحدهما للآخر كالوصية والإرث فإن كلا منهما استخلاف بعد الموت إذا حصل الفراغ من حوائج الميت كالتجهيز والدين فالحاصل أنه كما يشترط للاستعارة في غير الشرعيات اللازم البين فكذلك في الشرعيات واللازم البين للتصرفات الشرعية هو المعنى الخارج عن مفهومها الصادق عليها الذي يلزم من تصورها تصوره وكالسببية عطف على قوله كالاتصال في المعنى المشروع كنكاحه عليه السلام انعقد بلفظ الهبة فإن الهبة وضعت لملك الرقبة والنكاح لملك المتعة وذلك أي ملك الرقبة سبب لهذا أي لملك المتعة فأطلق اللفظ الذي وضع لملك الرقبة وأريد به ملك المتعة وكذا نكاح غيره عندنا أي نكاح غير النبي صلى اللّه عليه وسلم ينعقد بلفظ الهبة عندنا إذا كانت المنكوحة حرة حتى لو كانت أمة تثبت الهبة عندنا وعند الشافعي رحمه اللّه لا ينعقد إلا بلفظ النكاح والتزويج لقوله تعالى خالصة لك ولأنه عقد شرع لمصالح لا تحصى كالنسب وعدم انقطاع النسل والاجتناب عن السفاح وتحصيل الإحصان والائتلاف بينهما واستمداد كل منهما في المعيشة بالآخر إلى غير ذلك مما يطول تعداده وغير هذين اللفظين أي غير لفظ النكاح والتزويج قاصر في الدلالة عليها أي على المصالح المذكورة قلنا الخلوص في الحكم وهو عدم وجوب المهر أي صحة النكاح بلفظ الهبة مع عدم وجوب المهر مخصوصة لك أما في غير النبي عليه السلام فالمهر واجب وأيضا يحتمل أن يكون المراد واللّه أعلم أنا (١/١٤٤) حللنا لك أزواجك حال كونها خالصة لك أي لا تحل أزواج النبي عليه السلام لأحد غيره كما قال اللّه تعالى وأزواجه أمهاتهم لا في اللفظ فإن المجاز لا يختص بحضرة الرسالة وأيضا تلك الأمور أي المصالح المذكورة ثمرات وفروع ومبنى النكاح للملك له عليها أي للزوج عن الزوجة حتى لزم المهر عليه عوضا عن ملك النكاح والطلاق بيده إذ هو المالك أي لو كان وضعه لتلك المصالح وهي مشتركة بينهما لما كان المهر واجبا للزوجة على الزوج أو ما كان الطلاق بيد الزوج خاصة فإذا كان المهر عليه والطلاق بيده علم أن وضع النكاح للملك له عليها وإذا صح بلفظين لا يدلان على الملك لغة فأولى أن يصح بلفظ يدل عليه وإنما يصح بهما أي بلفظ النكاح والتزويج لأنهما صارا علمين لهذا العقد جواب إشكال وهو أن يقال لما قلت إن النكاح والتزويج لا يدلان على الملك لغة ينبغي أن لا يصح النكاح بهما فأجاب بأنه إنما يصح بهما لأنهما صارا علمين لهذا العقد أي بمنزلة العلم في كونهما لفظين موضوعين لهذا العقد ولا يجب في الإعلام رعاية المعنى اللغوي وكذا ينعقد أي النكاح بلفظ البيع لما قلنا من طريق المجاز فإن البيع وضع لملك الرقبة فيراد به المسبب وهو ملك المتعة والجملة عطف على قوله وكذا نكاح غيره عندنا فإن قيل ينبغي أن يثبت العكس أيضا بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب أي ينبغي أن يصح إطلاق اسم النكاح إرادة البيع أو الهبة بطريق اسم المسبب على السبب فإن النكاح وضع لملك المتعة فيذكر ويراد به ملك الرقبة قلنا إنما كان كذلك أي إنما يصح (١/١٤٥) إطلاق المسبب على السبب إذا كان أي السبب علة شرعت للحكم أي لذلك المسبب أي يكون المقصود من شرعية السبب ذلك المسبب كالبيع للملك مثلا فإن الملك يصير كالعلة الغائبة فإن قال إن ملكت عبدا فهو حر أو قال إن اشتريت فشراه متفرقا يعتق في الثاني لا في الأول رجل قال إن ملكت عبدا فهو حر فاشترى نصف عبد ثم باعه ثم اشترى النصف الآخر لا يعتق هذا النصف لعدم تحقق الشرط وهو ملك العبد فإنه بعد اشتراء النصف الآخر لا يوصف بملك العبد وإن قال إن اشتريت عبدا فهو حر فشرى نصف عبد ثم باعه ثم اشترى النصف الآخر يعتق هذا النصف لأنه بعد اشتراء النصف الآخر يوصف بشراء العبد ويقال عرفا إنه مشتري العبد وهذا بناء على أن إطلاق اسم الصفات المشتقة كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة على الموصوف في حال قيام المشتق منه بذلك الموصوف إنما هو بطريق الحقيقة أما بعد زوال المشتق منه فمجاز لغوي لكن في بعض الصور صار هذا المجاز حقيقة عرفية ولفظ المشتري من هذا القبيل أنه بعد الفراغ من الشراء يسمى مشتريا عرفا فصار منقولا عرفيا أما لفظ المالك فلا يطلق بعد زوال الملك عرفا ففي قوله إن ملكت يراد الحقيقة اللغوية وفي قوله إن اشتريت يراد الحقيقة العرفية والمسألة المذكورة غير مقصودة في هذا الموضع بل المقصود المسألة التي تأتي وهو قوله (١/١٤٦) فإن قال عنيت بأحدهما الآخر صدق ديانة لا قضاء فيما فيه تخفيف يعني في صورة إن ملكت عبدا فهو حر إن قال عنيت بالملك الشراء بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب صدق ديانة وقضاء لأن العبد لا يعتق في قوله إن ملكت ويعتق في قوله إن اشتريت فقد عنى ما هو أغلظ عليه وفي قوله اشتريت إن قال عنيت بالشراء الملك بطريق إطلاق اسم السبب على المسبب صدق ديانة لا قضاء لأنه أراد تخفيفا أما إذا كان سببا محضا هذا الكلام يتعلق بقوله إنما كان كذلك إذا كان علة فلا ينعكس أي لا يصح إطلاق اسم المسبب على السبب على ما قلنا وهو قوله إذا كانت الأصلية والفرعية من الطرفين يجري المجاز من الطرفين إلخ فإنه قد فهم منه أنه إذا لم تكن الأصلية والفرعية من الطرفين لا يجري المجاز من الطرفين والمراد بالسبب المحض ما يفضي إليه في الجملة ولا يكون شرعيته لأجله كملك الرقبة إذ ليس شرعيته لأجل حصول ملك المتعة لأن ملك الرقبة مشروع مع امتناع ملك المتعة كما في العبد والأخت من الرضاعة ونحوهما فيقع الطلاق بلفظ العتق أي بناء على الأصل الذي نحن فيه فإن العتق وضع لإزالة ملك الرقبة والطلاق لإزالة ملك المتعة وتلك الإزالة سبب لهذه أي إزالة ملك الرقبة سبب لإزالة ملك المتعة إذ هي تفضي إليها وليست هذه أي إزالة ملك المتعة مقصودة منها أي من إزالة ملك الرقبة فلا يثبت العتق بلفظ الطلاق خلافا للشافعي رحمه اللّه تعالى لما قلنا إنه إذا لم يكن المسبب مقصودا من السبب لا يصح إطلاق اسم المسبب على السبب ولا يثبت العتق أيضا بطريق الاستعارة جواب إشكال وهو أن يقال سلمنا أنه لا يثبت العتق بلفظ الطلاق بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب لكن ينبغي أن يثبت بطريق الاستعارة ولا بد في الاستعارة من وصف مشترك فبينه بقوله إذ كل منهما إسقاط مبني على السراية واللزوم اعلم أن التصرفات إما إثباتات كالبيع والإجارة والهبة ونحوها وإما إسقاطات كالطلاق والعتاق والعفو عن القصاص ونحوها فإن فيها إسقاط الحق والمراد بالسراية ثبوت الحكم في الكل (١/١٤٧) بسبب ثبوته في البعض وباللزوم عدم قبول الفسخ وإنما لا يثبت بطريق الاستعارة أيضا لما قلنا لأنها لا تصح بكل وصف بل بمعنى المشروع كيف شرع ولا اتصال بينهما فيه أي بين الاعتقاد والطلاق في معنى المشروع كيف شرع لأن الطلاق رفع قيد النكاح والإعتاق إثبات القوة الشرعية فإن في المنقولات اعتبرت المعاني اللغوية ومعنى العتق لغة القوة يقال عتق الطائر إذا قوي وطار عن وكره ومنه عتاق الطير ويقال عتقت البكر إذا أدركت وقويت فنقله الشرع إلى القوة المخصوصة فإن قيل الإعتاق إزالة الملك عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى على ما عرف في مسألة تجزي الإعتاق والطلاق إثبات القيد فوجدت المناسبة المجوزة للاستعارة بينهما قلنا نعم يعني أن الإعتاق إزالة الملك عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى في مسألة تجزي الإعتاق لكن بمعنى أن التصرف الصادر من المالك هي أي إزالة الملك لا بمعنى أن الشارع وضع الإعتاق لإزالة الملك فالمراد بالإعتاق إثبات القوة المخصوصة أي يراد بالإعتاق إثبات القوة المخصوصة لأن الشارع وضعه له فيرد على هذا أن الإعتاق في الشرع إذا كان موضوعا لإثبات القوة المخصوصة ينبغي أن لا يسند إلى المالك فإنه ما أثبت قوة فأجاب بقوله فيسند إلى المالك مجازا لأنه صدر منه سببه وهو إزالة الملك فيكون المجاز في الإسناد كما في أنبت الربيع البقل أو يطلق أي الإعتاق عليها أي إزالة الملك مجازا بقوله (١/١٤٨) أعتق فلان عبده معناه أزال ملكه بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب وحينئذ يكون المجاز في المفرد فقوله أو يطلق عطف على قوله فيسند فإن قيل ليس مجازا هذا إشكال على قوله أو يطلق عليها مجازا أي ليس إطلاق الإعتاق على إزالة الملك بطريق المجاز بل هو اسم منقول أي منقول شرعي والمنقول الشرعي حقيقة شرعية قلنا منقول في إثبات القوة المخصوصة لا في إزالة الملك ثم يطلق مجازا على سببه وهو إزالة الملك يرد عليه أي على ما سبق أن الطلاق رفع القيد والإعتاق إثبات القوة الشرعية أنا نستعير الطلاق وهو إزالة القيد لإزالة الملك لا للفظ الإعتاق حتى يقولوا الإعتاق ما هو فالاتصال المجوز للاستعارة موجود بين إزالة الملك وإزالة القيد ولا يتعلق ببحثنا أن الإعتاق ما هو بالجواب اعلم أن هذا الجواب ليس لإبطال هذا الإيراد فإن هذا الإيراد حق بل يبطل الاستعارة بوجه آخر وهو أن إزالة الملك أقوى من إزالة القيد وليست أي إزالة الملك لازمة لها أي لإزالة القيد فلا تصح استعارة هذه أي إزالة القيد لتلك أي لإزالة الملك بل على العكس فإن الاستعارة لا تجري إلا من طرف واحد كالأسد الشجاع وكذا إجارة الحر عطف على قوله فيقع الطلاق بلفظ العتق وإنما قيد بالحر حتى لو كان عبدا يثبت البيع تنعقد بلفظ البيع دون العكس لأن ملك الرقبة سبب لملك المنفعة وهذه المسألة مبنية أيضا على الأصل المذكور أن الشيء إذا كان سببا محضا يصح إطلاقه على المسبب دون العكس (١/١٤٩) ولا يلزم عدم الصحة فيما أضافه إلى المنفعة جواب إشكال وهو أن يقال إذا صح استعارة البيع للإجارة ينبغي أن يصح عقد الإجارة بقوله بعت منافع هذه الدار في هذا الشهر بكذا لكنه لا يصح بهذا اللفظ فقوله لأن ذلك ليس لفساد المجاز دليل على قوله ولا يلزم وقوله ذلك إشارة إلى عدم الصحة باللفظ المذكور بل لأن المنفعة المعدومة لا تصلح محلا للإضافة حتى لو أضاف الإجارة إليها لا تصح فكذا المجاز عنها فالإجارة إنما تصح إذا أضيف العقد إلى العين فإن العين تقوم مقام المنفعة في إضافة العقد ثم اعلم أن في الأمثلة (١/١٥٠) المذكورة وهي النكاح بلفظ الهبة والبيع والطلاق بلفظ العتق والإجارة بلفظ البيع الحق أن جميع ذلك بطريق الاستعارة لا بطريق إطلاق اسم السبب على المسبب لأن الهبة ليست سببا لملك المتعة الذي ثبت بالنكاح بل إطلاق اللفظ على مباين معناه للاشتراك بينهما في اللازم وهو الاستعارة ثم إنما لا يثبت العكس لما ذكرت أن الاستعارة لا تجري إلا من طرف واحد وأما مثال البيع والملك فصحيح واعلم أنه يعتبر السماع في أنواع العلاقات لا في أفرادها فإن إبداع الاستعارات اللطيفة من فنون البلاغة وعند البعض لا بد من السماع فإن النخلة تطلق على الإنسان الطويل دون غيره قلنا لاشتراط المشابهة في أخص الصفات مسألة المجاز خلف عن الحقيقة في حق التكلم عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى وعندهما في حق الحكم فعنده التكلم بهذا ابني للأكبر سنا منه في إثبات الحرية خلف عن التكلم به في إثبات البنوة والتكلم بالأصل صحيح من حيث إنه مبتدأ وخبر وعندهما ثبوت الحرية بهذا اللفظ خلف عن ثبوت البنوة به والأصل ممتنع ومن شرط الخلف إمكان الأصل وعدم ثبوته لعارض فيعتق عنده لا عندهما اتفق العلماء في أن المجاز خلف عن الحقيقة أي فرع لها ثم اختلفوا في أن الخلفية في حق التكلم أو في حق الحكم فعندهما في حق الحكم أي الحكم الذي ثبت بهذا اللفظ بطريق المجاز كثبوت الحرية مثلا بلفظ هذا ابني خلف عن الحكم الذي يثبت بهذا اللفظ بطريق الحقيقة كثبوت البنوة مثلا وعند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى في حق التكلم فبعض الشارحين فسروه بأن لفظ هذا ابني إذا أريد به الحرية خلف عن لفظ هذا حر فيكون التكلم باللفظ الذي يفيد عين ذلك المعنى بطريق المجاز خلفا عن التكلم باللفظ الذي يفيد عين ذلك المعنى بطريق الحقيقة وبعضهم فسروه بأن لفظ هذا ابني إذا أريد به الحرية خلف عن لفظ هذا ابني إذا أريد به البنوة والوجه الأول صحيح في هذا المعنى مفيد للغرض فإن لفظ هذا ابني خلف عن لفظ هذا حر أي قائم مقامه والأصل وهو هذا حر صحيح لفظا وحكما فيصح الخلف لكن الوجه الثاني أليق بهذا المقام لأمرين أحدهما أن المجاز خلف عن الحقيقة بالاتفاق ولم يذكروا الخلاف إلا في جهة الخلفية فقط فيجب أن لا يكون الخلاف فيما هو الأصل وفيما هو الخلف بل الخلاف يكون في جهة الخلفية (١/١٥١) (١/١٥٢) فقط فعندهما هذا ابني إذا كان مجازا خلف عن هذا ابني إذا كان حقيقة في حق الحكم أي حكمه المجازي خلف عن حكمه الحقيقي وعند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى هذا اللفظ خلف عن عين هذا اللفظ لكن بالجهتين فعلى كلا المذهبين الأصل هذا ابني والخلاف في الجهة فقط عندهما من حيث الحكم وعنده من حيث اللفظ ولو كان المراد أن هذا ابني خلف عن هذا حر فالخلاف يكون في الأصل والخلف لا في جهة الخلفية فقط والأمر الثاني أن فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى قال إنه يشترط صحة الأصل من حيث إنه مبتدأ وخبر موضوع للإيجاب بصيغته وقد وجد ذلك فإذا وجد وتعذر العمل بحقيقته أي بالمعنى الحقيقي فصحة الأصل من حيث إنه مبتدأ وخبر وتعذر العمل بالمعنى الحقيقي مخصوصان بهذا ابني فأما هذا حر فإنه صحيح مطلقا والعمل بحقيقته غير متعذر فعلم أن الأصل هذا ابني مرادا به البنوة فحاصل الخلاف أنه إذا استعمل لفظ وأريد به المعنى المجازي هل يشترط إمكان المعنى الحقيقي بهذا اللفظ أم لا فعندهما يشترط فحيث يمنع المعنى الحقيقي لا يصح المجاز وعنده لا بل يكفي صحة اللفظ من حيث العربية لهما أن في المجاز ينتقل الذهن من الموضوع له إلى لازمه فالثاني أي اللازم موقوف على الأول أي الموضوع له فيكون اللازم خلفا وفرعا للموضوع له وهذا هو المراد بالخلفية في حق الحكم فلا بد من إمكانه أي إمكان الأول وهو المعنى الموضوع له لتوقف المعنى المجازي عليه (١/١٥٣) وأيضا بناء على أن الأصل المتفق عليه أن من شرط صحة الخلف إمكان الأصل كما في مسألة مس السماء فإن إمكان الأصل فيها شرط لصحة الخلف وصورة المسألة أن يحلف بقوله واللّه لأمس السماء تجب الكفارة لأن الكفارة خلف عن البر ففي كل موضع (١/١٥٤) يمكن البر ينعقد اليمين وتجب الكفارة وفي كل موضع لا يمكن البر لا ينعقد اليمين ولا تجب الكفارة ففي مسألة مس السماء البر وهو مس السماء ممكن في حق البشر كما كان النبي عليه السلام وإن حلف لأشربن الماء الذي في هذا الكوز ولا ماء فيه لا تجب الكفارة لأن الأصل هو البر غير ممكن فالمستشهد هاتان المسألتان والفرق الذي بينهما وإنما لم نذكر في المتن مسألة الكوز لأن المعتاد في كتبنا ذكرهما معا فكل منهما ينبئ عن الآخر قلنا موقوف على فهم الأول لا على إرادته إذ لا جمع بينهما أي بين الحقيقة والمجاز والمراد المعنى الحقيقي والمجازي فيها أي في الإرادة فإذا لم يتوقف على إرادة الأول لا يجب إمكان الأول وحيث توقف على فهم الأول وفهم الأول مبني على صحة اللفظ من حيث العربية يكفي صحة اللفظ من حيث العربية فإذا فهم الأول وامتنع إرادته علم أن المراد لازمه وهو عتقه من حين ملكه فإن هذا المعنى لازم للبنوة فيجعل إقرارا فيعتق قضاء من (١/١٥٥) غير نية لأنه متعين ولا يعتق بقوله يا بني لأنه لاستحضار المنادى بصورة الاسم بلا قصد المعنى فلا تجري الاستعارة لتصحيح المعنى فإن الاستعارة تقع أولا في المعنى وبواسطته في اللفظ فيستعار أولا الهيكل المخصوص للشجاع ثم بتوسط هذه الاستعارة يستعار لفظ الأسد للشجاع ولأجل أن الاستعارة تقع أولا في المعنى لا تجري الاستعارة في الأعلام إلا في أعلام تدل على المعنى كحاتم ونحوه ويعتق بقوله يا حر لأنه موضوع له فإن قيل قد ذكره في علم البيان أن زيدا أسد ليس (١/١٥٦) باستعارة بل هو تشبيه بغير آلة لأنه دعوى أمر مستحيل قصدا لأن التصديق والتكذيب يتوجهان إلى الخبر وإنما يكون استعارة إذا حذف المشبه نحو رأيت أسدا يرمي وإن كان هذا مستحيلا أيضا بواسطة القرينة لكن غير مقصود فإن القصد إلى الرؤية هاهنا فعلى هذا لا يكون هذا ابني استعارة (١/١٥٧) اعلم أن الاستعارة عند علماء البيان ادعاء معنى الحقيقة في الشيء لأجل المبالغة في التشبيه مع حذف التشبيه لفظا ومعنى فالاستعارة لا تجري في خبر المبتدأ عندهم فقولهم زيد أسد ليس باستعارة بل تشبيه بغير آلة بناء على الدليل الذي ذكر في المتن فعلى هذا لا يكون هذا ابني استعارة بل يكون تشبيها وفي التشبيه لا يعتق فعلم من هذا أنهم لا يجوزون الاستعارة إذا كانت مستلزمة لدعوى أمر مستحيل قصدا فهذا عين مذهبهما لأن شرط صحة المجاز إمكان المعنى الحقيقي قلنا هذا في الاستعارة في أسماء الأجناس وتسمى استعارة أصلية لأنه يلزم حينئذ قلب الحقائق لا في الاستعارة في المشتقات وتسمى استعارة تبعية نحو نطقت الحال أو الحال ناطقة فإن هذا استعارة بالاتفاق ولا يلزم هنا قلب الحقائق وهذا ابني من هذا القبيل هذا الذي ذكر وهو أن زيدا أسد ليس باستعارة بناء على أن الاستعارة لا تقع في خبر المبتدأ إنما هو مخصوص بالاستعارة في أسماء الأجناس أما الاستعارة في المشتقات فإنها تجري في خبر المبتدأ عند علماء البيان كما يقال الحال ناطقة أي دلالة استعير الناطقة للدلالة وهذه الاستعارة في خبر المبتدأ لكن ليست في أسماء الأجناس بل في الاسم المشتق فيجوزون هذا في خبر المبتدأ وفرقهم أن الاستعارة في خبر المبتدأ تستلزم قلب الحقائق إذا كان خبر المبتدأ اسم جنس أما إذا كان اسما مشتقا فلا تستلزم قلب الحقائق نحو الحال ناطقة فلا تجوز في أسماء الأجناس وتجوز في المشتقات وهنا خبر المبتدأ وهو ابني اسم مشتق لأن معناه مولود مني فتجوز فيه الاستعارة فإنه من قبيل قولنا الحال ناطقة واعلم أنهم يسمون الاستعارة في أسماء الأجناس استعارة أصلية والاستعارة في الأفعال والأسماء المشتقة استعارة تبعية لأن الاستعارة إنما تقع فيها بتبعية وقوعها في المشتق منه وسيأتي قريبا ويجب أن يعلم أن الجواب الذي أوردته في المتن إنما هو على تقدير تسليم زعم علماء البيان وترك المناقشة على دلائلهم الواهية وذلك أن قولهم زيد أسد ليس باستعارة مع أن قولهم رأيت أسدا يرمي استعارة ليس بقوي والفرق الذي ذكرته في المتن أن زيدا أسد دعوى أمر مستحيل قصدا بخلاف رأيت أسدا يرمي لا شك أنه فرق واه وما ذكر بعد ذلك أن في أسماء الأجناس لا تجري الاستعارة في خبر المبتدأ وتجري في الأسماء المشتقة أضعف من الأول وفرقهم أن الأول يقضي إلى قلب الحقائق دون الثاني أوهن من نسج العنكبوت لأن قولهم الحال ناطقة ليس في الاستحالة أدنى من قولهم زيد أسد فما الذي أوجب أن أحدهما استعارة والآخر ليس باستعارة (١/١٥٨) وإنما لم أذكر هذه الاعتراضات في المتن لعدم الاحتياج إليها فإن قولهم الحال ناطقة لما كانت استعارة بالاتفاق علم أن إمكان المعنى الحقيقي لا يشترط لصحة المجاز وعلى تقدير تسليم الفرق بين المشتقات وأسماء الأجناس قولهم هذا ابني من قبيل المشتقات فتصح فيه الاستعارة بلا اشتراط إمكان المعنى الحقيقي مسألة قال بعض الشافعية لا عموم للمجاز لأنه ضروري يصار إليه توسعة فيقدر بقدر الضرورة قلنا لا ضرورة في استعماله لأنه إنما يستعمل لأجل الداعي الذي يأتي من بعد وإذا لم تكن الضرورة الترديد في استعماله بل يكون معنى الضرورة أنه إذا استعمل اللفظ يجب أن يحمل على المعنى الحقيقي فإذا لم يمكن فعلى المجازي فهذه الضرورة لا تنافي العموم بل العموم إنما يثبت إن استعمله المتكلم وأراد به المعنى العام ولا مانع لهذا لأنه ما وجد في الاستعمال ضرورة وهو أحد نوعي الكلام بل فيه من البلاغة ما ليس في الحقيقة (١/١٥٩) وهو في كلام اللّه تعالى كثير كقوله تعالى يريد أن ينقض فأقامه وقوله تعالى لما طغى الماء واللّه متعال عن العجز والضرورات نظيره قوله عليه السلام لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين ولا الصاع بالصاعين وقد أريد به الطعام إجماعا فلا يشمل غيره عنده ذكر الصاع وأراد به ما فيه من الطعام بطريق إطلاق اسم المحل على الحال (١/١٦٠) مسألة لا يراد من اللفظ الواحد معناه الحقيقي والمجازي معا لرجحان المتبوع على التابع فلا يستحق معتق المعتق مع وجود المعتق إذا أوصى لمواليه ولا يراد غير الخمر بقوله (١/١٦١) عليه السلام من شرب الخمر فاجلدوه لأنه أريد بها ما وضعت له ولا المس باليد بقوله تعالى أو لامستم النساء لأن الوطء وهو المجاز مراد بالإجماع اعلم أن لفظ المولى حقيقة في المولى الأسفل وهو المعتق مجاز في معتق المعتق فإذا أوصى لمواليه لا يستحق معتق المعتق مع وجود المعتق وكذا إذا أوصى لأولاد فلان أو لأبنائه وله بنون وبنو بنين فالوصية لأبنائه دون بني بنيه أما دخول بني البنين في الأمان في قوله آمنونا على أولادنا فلأن الأمان لحقن الدم فيبتني على الشبهات وفي هذه المسألة روايتان ولا جمع بينهما بالحنث إذا دخل حافيا أو متنعلا أو راكبا في لا يضع قدمه في دار فلان لأنه مجاز عن لا يدخل فيحنث كيف دخل (١/١٦٢) فلهذا من باب عموم المجاز اعلم أنه تذكر هنا مسائل تتراءى أنا جمعنا فيما بين الحقيقة والمجاز أولها إذا حلف لا يضع قدمه في دار فلان يحنث إذا دخل حافيا أو متنعلا أو راكبا والدخول حافيا معناه الحقيقي والباقي بطريق المجاز فقوله في لا يضع متعلق بقوله لا جمع بينهما وإنما حملناه على معنى المجاز لأن معناه الحقيقي مهجور إذ ليس المراد أن ينام ويضع القدمين في الدار وباقي الجسد يكون خارج الدار وفي العرف صار عبارة عن لا يدخل (١/١٦٣) وكذا أي من باب عموم المجاز قوله لا يدخل في دار فلان يراد به نسبة السكنى أي يراد بطريق المجاز بقوله دار فلان كون الدار منسوبة إلى فلان نسبة السكنى إما حقيقة وإما دلالة حتى لو كانت ملك فلان ولا يكون فلان ساكنا فيها يحنث بالدخول فيها وهي تعم الملك والإجارة والعارية لا نسبة الملك حقيقة وغيرها مجازا أي لا يراد نسبة الملك بطريق الحقيقة وغيرها أي الإجارة والعارية بطريق المجاز حتى يلزم الجمع بينهما أي بين (١/١٦٤) الحقيقة والمجاز ولا بالحنث عطف على قوله بالحنث في قوله ولا جمع بينهما بالحنث إذا قدم نهارا أو ليلا في قوله امرأته كذا يوم يقدم زيد لأنه يذكر للنهار وللوقت كقوله تعالى ومن يولهم يومئذ دبره صورة المسألة أنه إذا قال لامرأته أنت طالق يوم يقدم زيد يحنث إن قدم نهارا أو ليلا فاليوم حقيقة في النهار مجاز في الليل فيلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز فقوله لأنه يذكر دليل على قوله ولا بالحنث والهاء في لأنه يرجع إلى اليوم والمراد باليوم في الآية الوقت فاليوم حقيقة في النهار وكثيرا ما يراد به الوقت مجازا فاحتجنا إلى ضابط يعرف به في كل موضع أن المراد باليوم النهار أو مطلق الوقت والضابط هو قوله فإذ تعلق بفعل ممتد فللنهار وبغير ممتد فللوقت لأن الفعل إذا نسب إلى ظرف الزمان بغير في يقتضي كونه أي كون ظرف الزمان معيارا له أي للفعل والمراد بالمعيار ظرف لا يفضل عن المظروف كاليوم للصوم وهذا البحث كله يأتي في كلمة في فصل حروف المعاني (١/١٦٥) فإن امتد الفعل امتد المعيار فيراد باليوم النهار لأن النهار أولى وإن لم يمتد أي للفعل كوقوع الطلاق هنا أي في قوله أنت طالق يوم يقدم زيد لا يمتد المعيار فيراد به الآن إذ لا يمكن إرادة النهار باليوم فيراد به مطلق الآن ولا يعتبر كون ذلك الآن جزءا من النهار لقوله تعالى ومن يولهم يومئذ دبره ولأن العلاقة موجودة بين معناه الحقيقي ومطلق الآن سواء كان ذلك الآن جزءا من النهار أو من الليل ولا بالحنث عطف على قوله بالحنث الذي سبق بأكل الحنطة وما يتخذ منها عندهما في لا يأكل من هذه الحنطة لأنه يراد باطنها عادة فيحنث بعموم المجاز ولا يرد قول أبي حنيفة ومحمد (١/١٦٦) رحمهما اللّه تعالى أي على مسألة امتناع الجمع بين الحقيقة والمجاز فيمن قال للّه علي صوم رجب ونوى به اليمين أنه نذر ويمين هذا مقول القول حتى لو لم يصم يجب القضاء لكونه نذرا والكفارة لكونه يمينا فهذه ثمرة الخلاف وإذا كان نذرا ويمينا يكون جمعا بين الحقيقة والمجاز لأن هذا اللفظ حقيقة في النذر مجاز في اليمين لأنه نذر بصيغته يمين بموجبه هذا دليل على قوله ولا يرد ثم أثبت أنه يمين بموجبه بقوله لأن إيجاب المباح يوجب تحريم ضده وتحريم الحلال يمين لقوله تعالى قد فرض اللّه لكم تحلة أيمانكم كما أن شراء القريب شراء بصيغته تحرير بموجبه فالحاصل أن هذا ليس جمعا بين الحقيقة والمجاز بل الصيغة موضوعة للنذر وموجب هذا الكلام اليمين والمراد بالموجب اللازم المتأخر فدلالة اللفظ على لازمه لا تكون مجازا كما أن لفظ الأسد إذا أريد به الهيكل المخصوص يدل على الشجاعة التي هي لازمة للأسد بطريق الالتزام ولا يكون مجازا وإنما المجاز هو اللفظ الذي استعمل ويراد به لازم الموضوع له من غير إرادة الموضوع له وهنا وقع في خاطري إشكال وهو قوله يرد عليه أنه إن كان هذا موجبه يكون يمينا وإن لم ينو أي اليمين كما إذا اشترى القريب يعتق عليه وإن لم ينو (١/١٦٧) وإن لم يكن موجبه يكون جمعا بين الحقيقة والمجاز ويمكن أن يقال في جواب هذا الإشكال لا جمع بينهما في الإرادة لأنه نوى اليمين ولم ينو النذر لكنه يثبت النذر بصيغته واليمين بإرادته لأن الكلام موضوع للنذر وهو إنشاء فيثبت الموضوع له وإن لم ينو وحقيقة هذا الجواب أنا نسلم أن اليمين هو المعنى المجازي لكن في الإنشاءات يمكن أن يثبت للكلام المعنى الحقيقي والمجازي فالحقيقي لمجرد الصيغة سواء أراد أو لم يرد والمجازي إن أراد فهذه المسألة تنقسم أقساما فإن لم ينو شيئا أو نوى النذر فقط أو نوى (١/١٦٨) النذر مع نفي اليمين كان نذرا فقط عملا بالصيغة وإن نواهما أو نوى اليمين فقط فنذر ويمين أما النذر فبالصيغة ولا تأثير للإرادة فيما نواهما وأما اليمين فبالإرادة وإن نوى اليمين مع نفي النذر فيمين فقط وهذا الذي أوردته إشكالا وهو قوله فإن قيل يلزم أن يثبت النذر أيضا إذا نوى أنه يمين وليس بنذر لأن النذر يثبت بالصيغة فيجب أن يثبت مع أنه نوى أنه ليس بنذر فأجاب بقوله قلنا لما نوى مجازه ونفى حقيقته يصدق ديانة لأن هذا حكم ثابت بينه وبين اللّه تعالى فإذا نفى النذر يصدق ديانة بينه وبين اللّه تعالى ولا مدخل للقضاء فيه حتى يوجبه القاضي ولا يصدقه في نفيه بخلاف الطلاق والعتاق فإنه إذا قال أردت المعنى المجازي ونفيت الحقيقي لا يصدق في القضاء لأن هذا حكم فيما بين العباد فقضاء القاضي أصل فيه مسألة لا بد للمجاز من قرينة تمنع إرادة الحقيقة عقلا أو حسا أو عادة أو شرعا وهي إما خارجة عن المتكلم والكلام كدلالة الحال نحو يمين الفور أو معنى من المتكلم كقوله تعالى واستفزز من استطعت منهم فإنه تعالى لا يأمر بالمعصية أو لفظ خارج عن هذا الكلام كقوله تعالى فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فإن سياق الكلام وهو قوله تعالى إنا أعتدنا يخرجه من أن يكون للتخيير ونحو طلق امرأتي إن كنت رجلا لا يكون توكيلا أو غير (١/١٦٩) خارج فإما أن يكون بعض الأفراد أولى كما ذكرنا في التخصيص أو لم يكن نحو الأعمال بالنيات ورفع عن أمتي الخطأ والنسيان لأن عين فعل الجوارح لا يكون بالنية وعين الخطأ والنسيان غير مرفوع بل المراد الحكم وهو نوعان الأول الثواب والإثم والثاني الجواز والفساد ونحوهما والأول بناء على صدق عزيمته والثاني بناء على ركنه وشرطه فإن من توضأ (١/١٧٠) بماء نجس جاهلا وصلى لم يجز في الحكم لفقد شرطه ويثاب عليه لصدق عزيمته ولما اختلف الحكمان صار الاسم بعد كونه مجازا مشتركا فلا يعم أما عندنا فلأن المشترك لا عموم له وأما عنده فلأن المجاز لا عموم له فإذا ثبت أحدهما وهو النوع الأول من الحكم وهو الثواب اتفاقا لم يثبت الآخر أي النوع الآخر وهو الجواز ونحو لا يأكل من هذه (١/١٧١) النخلة ولا يأكل من هذا الدقيق ولا يشرب من هذا البئر حتى إذا استف أو كرع لا يحنث ونحو لا يضع قدمه في دار فلان وكالأسماء المنقولة ونحو التوكيل بالخصومة فإنه يصرف إلى الجواب لأن معناه الحقيقي مهجور شرعا وهو كالمهجور عادة فيتناول الإقرار والإنكار اعلم أن القرينة إما خارجة عن المتكلم والكلام أي لا تكون معنى في المتكلم أي صفة له ولا تكون من جنس الكلام أو تكون معنى في المتكلم أو تكون من جنس الكلام ثم هذه القرينة التي هي من جنس الكلام إما لفظ خارج عن هذا الكلام الذي يكون المجاز فيه بل يكون في كلام آخر أي يكون ذلك اللفظ الخارج دالا على عدم إرادة الحقيقة أو (١/١٧٢) غير خارج عن هذا الكلام بل عين هذا الكلام أو شيء منه يكون دالا على عدم إرادة الحقيقة ثم هذا القسم على نوعين إما أن يكون بعض الأفراد أولى كما ذكر في التخصيص أن المخصص قد يكون كون بعض الأفراد ناقصا أو زائدا فيكون اللفظ أولى بالبعض الآخر فإذا قال كل مملوك لي حر لا يقع على المكاتب مع أن المكاتب مملوك حقيقة فيكون هذا اللفظ مجازا من حيث إنه مقصور على بعض الأفراد وهو غير المكاتب أو لم يكن بعض الأفراد أولى فانحصرت القرينة في هذه الأقسام فإن قيل قد جعل في فصل التخصيص كون بعض الأفراد أولى من قسم المخصص غير الكلامي وهنا جعل من قسم القرينة اللفظية فما الفرق بينهما قلنا المراد بالمخصص الكلامي أن الكلام بصريحه يوجب في بعض الأفراد حكما مناقضا لحكم يوجبه العام وكل مخصص ليس كذلك لا يكون كلاميا فيكون بعض الأفراد أولى بكونه مخصصا غير كلامي بهذا التفسير وهاهنا نعني بالقرينة اللفظية أن يفهم من اللفظ بأي طريق كان أن الحقيقة غير مرادة وفي كل مملوك لي حر يفهم من اللفظ عدم تناوله المكاتب فتكون القرينة لفظية جئنا إلى الأمثلة المذكورة في المتن فكل قسم من الأقسام فنظيره مذكور عقيب ذلك القسم لكن لم نذكره في كل مثال أن القرينة المانعة من إرادة الحقيقة مانعة عقلا أو حسا أو عادة أو شرعا فنبين هنا هذا المعنى ففي يمين الفور كما إذا أرادت المرأة الخروج فقال إن خرجت فأنت طالق يحمل على الفور فالقرينة مانعة عن إرادة الحقيقة عرفا والمعنى الحقيقي الخروج مطلقا وفي (١/١٧٣) قوله تعالى واستفزز من استطعت منهم القرينة تمنع الحقيقة عقلا وكذا في قوله تعالى فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر لأن التخيير وهو الإباحة مع العذاب المستفاد من قوله إنا أعتدنا للظالمين نارا ممتنع عقلا وفي قوله طلق امرأتي إن كنت رجلا الحقيقة ممتنعة عرفا وفي قوله عليه السلام الأعمال بالنيات الحقيقة غير مرادة عقلا وفي لا يأكل من هذه النخلة أو الدقيق حسا وفي لا يشرب من هذه البئر حسا وعرفا وفي لا يضع قدمه عرفا وفي الأسماء المنقولة إما عرفا عاما أو خاصا أو شرعا وفي التوكيل بالخصومة شرعا فإن قيل لا نسلم أن المعنى الحقيقي ممتنع في قوله لا يأكل من هذه النخلة حسا لأن المحلوف عليه عدم أكلها وهو غير ممتنع حسا بل أكلها كذلك قلنا اليمين إذا دخلت على النفي كانت للمنع فوجب اليمين أن يصير ممنوعا باليمين وما لا يكون مأكولا حسا أو عادة لا يكون ممنوعا باليمين ثم عطف أول المسألة وهو أنه لا بد للمجاز من قرينة قوله فأما إذا كانت الحقيقة مستعملة والمجاز متعارفا فعند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى المعنى الحقيقي أولى لأن الأصل لا يترك إلا لضرورة وعندهما المعنى المجازي أولى ونظيره لا يأكل من هذه الحنطة يصرف إلى القضم عنده وعندهما إلى أكل ما فيها مسألة وقد يتعذر المعنى الحقيقي والمجازي معا كقوله لامرأته وهي أكبر منه سنا أو معروفة النسب هذه بنتي أما الحقيقة أي المعنى الحقيقي (١/١٧٤) وهو النسب في الفصل الأول أي في الأكبر سنا منه فظاهر وفي الثاني فلأنها أي الحقيقة والمراد المعنى الحقيقي إما أن تثبت مطلقا أي في حقه وفي حق من اشتهر النسب منه أي تكون دعوته معتبرة في حقهما يثبت النسب منه وينتفي ممن اشتهر منه ولا يمكن هذا أي ثبوت النسب من المدعي وانتفاؤه ممن اشتهر منه لأنه يثبت ممن اشتهر منه أو في حق نفسه فقط أي يثبت المعنى الحقيقي وهو النسب في حق نفسه فقط بأن يثبت منه من غير أن ينتفي ممن اشتهر منه وذا متعذر أي الثبوت في حق نفسه فقط لأن الشرع يكذبه لاشتهاره من الغير فلا يكون أي تكذيب الشرع المدعي أقل من تكذيبه نفسه والنسب مما يحتمل التكذيب والرجوع بخلاف العتق في أنه لا يحتمل التكذيب والرجوع وأما المجاز عطف على قوله أما الحقيقة والمراد أن المعنى المجازي متعذر وهو التحريم فلأن التحريم الذي يثبت بهذا أي بلفظ هذه بنتي مناف لملك النكاح فلا يكون حقا من حقوقه بيانه أنه إن ثبت التحريم بهذا اللفظ لا يخلو إما أن يثبت التحريم الذي يقتضي صحة النكاح السابق أو التحريم الذي لا يقتضيها والثاني منتف لأنه لو قال لأجنبية معروفة النسب هذه بنتي يكون لغوا فعلم أنه إن ثبت التحريم يثبت التحريم الذي يقتضي صحة النكاح السابق ويكون حقا من حقوق النكاح كالطلاق وذلك أيضا محال لأن هذا اللفظ يدل على التحريم الذي يقتضي بطلان النكاح السابق فكيف يثبت به التحريم الذي هو حق من حقوق النكاح واعلم أن تقرير فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى على هذا الوجه أن الحقيقة إما أن تثبت في حقه وحق من اشتهر منه وذا غير ممكن أو في حق نفسه فقط ثم هذا إما أن يثبت في حق النسب وذا متعذر لأن الشرع يكذبه أو في حق التحريم وذا لا يمكن أيضا لأن التحريم الذي يثبت بهذا مناف لملك النكاح كما ذكرنا وأما المجاز وهو التحريم فلتلك المنافاة أيضا (١/١٧٥) والفرق بين التحريم الأول والثاني أن المراد بالتحريم الأول ما ثبت بدلالة الالتزام فإن ثبوت النسب موجب للتحريم والمراد بالتحريم الثاني ما ثبت بطريق المجاز فإن لفظ السقف إذا أريد به الموضوع له دال على الجدار بطريق الالتزام ولا يكون هذا مجازا بل إنما يكون مجازا إذا أطلق السقف وأريد به الجدار فأقول لا حاجة إلى قوله إما أن يثبت في حق النسب أو في حق التحريم لأن الموضوع له ثبوت النسب فإن لم يثبت النسب لا يمكن ثبوت التحريم بطريق الالتزام لعدم ثبوت الأصل فهذا الترديد يكون قبيحا فالدليل النافي لهذا التحريم المدلول التزاما ليس كونه منافيا لملك النكاح بل الدليل النافي هو عدم ثبوت الموضوع له فعلم أن ثبوت التحريم لا يثبت إلا بطريق المجاز وذا متعذر أيضا للمنافاة المذكورة ولو ردد بهذا الوجه وهو أنه إن ثبت التحريم فإما أن يثبت بطريق الالتزام وهو محال لعدم ثبوت الموضوع له وهو النسب أو بطريق المجاز وهو أيضا محال للمنافاة المذكورة لكان أحسن (١/١٧٦) مسألة الداعي إلى المجاز اعلم أن المجاز يحتاج إلى عدة أشياء المستعار منه وهو الهيكل المخصوص والمستعار له وهو الإنسان الشجاع والمستعار وهو لفظ الأسد والعلاقة وهي الشجاعة والقرينة الصارفة عن إرادة المعنى الحقيقي إلى إرادة المعنى المجازي وهو يرمي في رأيت أسدا يرمي والأمر الداعي إلى استعمال المجاز فإنك إذا حاولت أن تخبر عن رؤية شجاع فالأصل أن تقول رأيت شجاعا فإذا قلت رأيت أسدا فلا بد أن يوجد أمر يدعو إلى ترك استعمال ما هو الأصل في المعنى المطلوب واستعمال ما هو خلاف الأصل وهو المجاز وذلك الداعي إما لفظي وإما معنوي فاللفظي اختصاص لفظه أي لفظ المجاز بالعذوبة فربما يكون لفظ الحقيقة لفظا ركيكا كلفظ الخنفقيق مثلا ولفظ المجاز يكون أعذب منه أو صلاحيته للشعر أي إذا استعمل لفظ الحقيقة لا يكون الكلام موزونا وإن استعمل لفظ المجاز يكون موزونا أو لسجع فإذا كان السجع داليا مثل الأحد والعدد فلفظ الأسد يستقيم في السجع لا لفظ الشجاع أو أصناف البديع كالتجنيسات ونحوها فربما يحصل التجنيس بلفظ المجاز لا الحقيقة نحو البدعة شرك الشرك فإن الشرك هنا مجاز استعمل ليجانس الشرك فإن بينهما شبه الاشتقاق أو معناه أي اختصاص معناه فمن هنا شرع في الداعي المعنوي بالتعظيم كاستعارة اسم أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى لرجل عالم فقيه متق أو التحقير كاستعارة الهمج وهو الذباب للصغير الجاهل أو الترغيب أو الترهيب أي اختصاص المعنى المجازي بالترغيب أو الترهيب كاستعارة ماء الحياة لبعض المشروبات ليرغب السامع واستعارة السم لبعض المطعومات ليتنفر السامع أو (١/١٧٧) زيادة البيان أي اختصاص المعنى المجازي بزيادة البيان فإن قولك رأيت أسدا يرمي أبين في الدلالة على الشجاعة من قولك رأيت شجاعا فإن ذكر الملزوم بينة على وجود اللازم وفي المجاز أطلق اسم الملزوم على اللازم فاستعمال المجاز يكون دعوى الشيء بالبينة واستعمال الحقيقة يكون دعوى بلا بينة أو تلطف الكلام بالرفع عطف على قوله واختصاص لفظه أي الداعي إلى استعمال المجاز قد يكون تلطف الكلام كاستعارة بحر من المسك موجه الذهب لفحم فيه جمر موقد فيفيد لذة تخيلية وزيادة شوق إلى إدراك معناه فيوجب سرعة التفهم أو مطابقة تمام المراد بالرفع عطف على قوله أو تلطف الكلام أي الداعي إلى استعمال المجاز قد يكون معناه مطابقة تمام المراد فيمكن أن يكون معناه مطابقة تمام المراد في زيادة وضوح الدلالة أو نقصان وضوح الدلالة فإن دلالة الألفاظ الموضوعة على معانيها تكون على نهج واحد فإن حاولت أن تؤدي المعنى بدلالة أوضح من لفظ الحقيقة أو أخفى منه فلا بد أن تستعمل لفظ المجاز فإن المجازات متكثرة فبعضها أوضح في الدلالة وبعضها أخفى فإن قيل كيف يكون دلالة لفظ المجاز أوضح من دلالة لفظ الحقيقة بل المجاز مخل بالفهم قلنا لما كانت القرينة مذكورة ارتفع الإخلال بالفهم ثم إذا كان المستعار منه أمرا محسوسا ويكون أشهر المحسوسات المتصفة بالمعنى المطلوب والمستعار له معقولا كان المجاز أوضح من الحقيقة وأيضا ما ذكر أن ذكر الملزوم بينة على وجود اللازم وأن المجاز يوجب سرعة التفهم يؤيد هذا المعنى ويمكن أن يكون معناه أن يؤدي بعبارة لسانه كنه ما في قلبه فإنك إذا أردت وصف الشيء بالسواد على مقدار مخصوص فأصل المراد أن تصفه بالسواد وتمام المراد أن تصفه بالسواد المخصوص فاللفظ الموضوع يدل على أصل المراد لكن لا يدل على تمام المراد وهو بيان كمية السواد فلا بد (١/١٧٨) أن يذكر شيء يعرف به السامع كمية سواده فيشبه به أو يستعار له ليتبين للسامع تمام المراد أو غير ذلك بالرفع أيضا أي يكون الداعي إلى المجاز غير ما ذكرنا في هذه المواضع مما ذكرنا في مقدمة كتاب الوشاح وفي فصلي التشبيه والمجاز فإني قد ذكرت في مقدمته وفي فصل التشبيه أن الغرض من التشبيه ما هو فإنه يكون غرضا للاستعارة أيضا وفي فصل المجاز أن المجاز ربما لا يكون مفيدا وربما يكون مفيدا ولا يكون فيه مبالغة في التشبيه وربما يكون مفيدا ويكون فيه مبالغة في التشبيه كالاستعارة فصل وقد تجرى الاستعارة التبعية في الحروف ذكر علماء البيان أن الاستعارة على قسمين استعارة أصلية وهي في أسماء الأجناس واستعارة تبعية وهي في المشتقات والحروف وإنما قالوا هي تبعية لأن الاستعارة في المشتقات لا تقع إلا بتبعية وقوعها في المشتق منه كما تقول الحال ناطقة أي دالة فاستعير الناطقة للدلالة بتبعية استعارة النطق للدلالة وكذا الاستعارة في الحروف فإن الاستعارة تقع أولا في متعلق معنى الحرف ثم فيه أي في الحرف كاللام مثلا فيستعار أولا التعليل للتعقيب فإن التعقيب لازم للتعليل فإن المعلول يكون عقيب العلة فيراد بالتعليل التعقيب وهو أعم من أن يكون تعقيب العلة (١/١٧٩) المعلول أو غيره ثم بواسطتها أي بواسطة استعارة التعليل للتعقيب يستعار اللام له أي للتعقيب نحو لدوا للموت وابنوا للخراب لما كان الموت عقيب الولادة جعل كأن الولادة علة للموت فاستعمل لام التعليل وأريد أن الموت واقع بعد الولادة قطعا بلا تخلف كوقوع المعلول عقيب العلة وهذا بناء على أن اللام تدخل في العلة الغائية وهي الغرض بلا شك أنه معلول للعلة الفاعلية فعلم أن اللام الداخلة في الغرض داخلة حقيقة على المعلول وهاهنا نذكر حروفا تشتد الحاجة إليها وتسمى حروف المعاني منها حروف العطف الواو (١/١٨٠) لمطلق الجمع بالنقل عن أئمة اللغة واستقراء مواضع استعمالها وهي بين الاسمين المختلفين كالألف بين المتحدين فإنه يمكن جاء رجلان ولا يمكن هذا في رجل وامرأة فأدخلوا واو العطف وقولهم لا تأكل السمك وتشرب اللبن أي لا تجمع بينهما فلهذا لا يجب الترتيب في الوضوء (١/١٨١) (١/١٨٢) وأما في السعي بين الصفا والمروة فوجب الترتيب بقوله عليه السلام ابدءوا بما بدأ اللّه تعالى لا بالقرآن فإن كونهما من الشعائر لا يحتمله أي الترتيب وقوله عليه السلام ابدءوا بما بدأ اللّه تعالى لا يدل على أن بداءته تعالى موجبة لبداءتكم لكن تقديمه في القرآن لا يخلو عن مصلحة كالتعظيم أو الأهمية أو غيرهما ولا شك أن هذا يقتضي الأولوية لا الوجوب وإنما الوجوب في الحقيقة بما لاح له عليه السلام من وحي غير متلو وبالنسبة إلى علمنا بقوله ابدءوا وزعم البعض أنه للترتيب عند أبي حنيفة رحمه اللّه وللمقارنة عندهما استدلالا بوقوع الواحدة عنده والثلاث عندهما في إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق لغير المدخول بها وهذا أي زعم ذلك البعض باطل بل الخلاف راجع إلى أن عنده (١/١٨٣) كما يتعلق الثاني والثالث بالشرط بواسطة الأول يقع كذلك فإن المعلق بالشرط كالمنجز عند الشرط وفي المنجز تقع واحدة لأنه لا يبقى المحل للثاني والثالث وعندهما يقع جملة لأن الترتيب في التكلم لا في صيرورته طلاقا أي لا ترتيب في صيرورته هذا اللفظ تطليقا عند الشرط كما إذا كرر ثلاث مرات مع غير المدخول بها قوله إن دخلت الدار فأنت طالق فعند الشرط يقع الثلاث كذا هنا وإن قدم الأجزية أي قال لغير المدخول بها أنت طالق وطالق (١/١٨٤) وطالق إن دخلت الدار يقع الثلاث أي اتفاقا لأنه إذا قال إن دخلت الدار تعلق به الأجزية المتوقفة دفعة فإن قيل إذا تزوج أمتين بغير إذن مولاهما ثم أعتقهما المولى معا صح نكاحهما وبكلامين منفصلين أي قال أعتقت هذه ثم قال للأخرى بعد زمان أعتقت هذه أو بحرف العطف أي قال أعتقت هذه وهذه بطل نكاح الثانية فجعلتموه للترتيب هكذا وضع المسألة في أصول شمس الأئمة وأما فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى فقد وضع المسألة هكذا زوج رجل أمتين من رجل بغير إذن مولاهما وبغير إذن الزوج فقوله بغير إذن الزوج لا حاجة إلى التقييد به وعلى تقدير أن يقيد به لا بد أن يقبل النكاح فضولي آخر من قبل الزوج إذ لا يجوز أن يتولى الفضولي الواحد طرفي النكاح وقد قيد في الحواشي كون نكاح الأمتين بعقد واحد اتباعا لوضع المسألة في الجامع الكبير ولا حاجة لنا إلى التقييد به إذ البحث الذي نحن بصدده لا يختلف بكونه بعقد واحد أو بعقدين وفي الجامع الكبير قيد المسألة بعقد واحد لأنه نظم كثيرا من المسائل في سلك واحد وبعض تلك المسائل يختلف حكمه بالعقد الواحد وبعقدين كما إذا كان نكاح الأمتين برضى المولى وبرضاهما دون رضا الزوج فإن هذه المسألة تختلف بالعقد الواحد وبعقدين فلأجل هذا الغرض قيد بعقد واحد وإن أردت معرفة تفاصيله فعليك بمطالعة الجامع الكبير (١/١٨٥) وإن زوجه الفضولي أختين بعقدين فأجازهما متفرقا بطل نكاح الثانية وإن أجازهما معا أي قال أجزت نكاحهما أو بحرف العطف أي قال أجزت نكاح هذه وهذه بطلا أي بطل نكاح كل واحدة منهما فجعلتموه للقران فإن قال أعتق أبي في مرض موته هذا وهذا وهذا ولا وارث له ولا مال سوى ذلك فإن أقر متصلا عتق من كل ثلثه وإن سكت فيما بين ذلك عتق الأول ونصف الثاني وثلث الثالث لأنه لما قال أعتق أبي هذا وسكت يعتق كله لأنه يخرج من الثلث لأن المفروض أن قيمة العبيد على السواء فإذا قال بعد السكوت وهذا وسكت فقد عطفه على الأول وموجبه أن يعتق نصف الثاني مع نصف الأول لكن لما عتق كل الأول لا يمكن الرجوع عنه ثم لما قال وهذا فموجبه عتق ثلث الثالث مع عتق ثلث كل من الأولين فيعتق ثلث الثالث ولا يمكن الرجوع عن الأولين فجعلتموه للقران أي جعلتم حرف العطف فيما إذا أقر متصلا للقران بمنزلة قولهم أعتقهم أبي معا لأنه لو لم يكن للقران بل يثبت الترتيب كان كمسألة السكوت قلنا أما الأول فلأنه لما عتقت الأولى لم (١/١٨٦) تبق الثانية محلا ليتوقف نكاحها على عتقها فإن نكاح الأمة على الحرة لا يجوز فلم تبق الأمة محلا للنكاح فبطل نكاحها وأما الثاني والثالث فلأن الكلام يتوقف على آخره إذا كان آخره مغيرا بمنزلة الشرط والاستثناء وهاهنا إشارة إلى هاتين المسألتين كذلك أي آخر الكلام مغير لأوله أما في الأختين فلأن إجازة نكاح الثانية توجب بطلان نكاح الأولى وأما في الإخبار بالإعتاق فلأن قوله أعتق أبي هذا يوجب عتق كله ثم قوله وهذا يوجب أن يكون الثلث منقسما بينهما ولا يعتق من الأول إلا بعضه فيكون مغيرا لأول الكلام بخلاف الأمتين أي في المسألة الأولى ليس آخر الكلام مغايرا للأول لأنه إذا قال أعتقت هذه وهذه فإعتاق الثانية لا يغير إعتاق الأولى فلا يتوقف أول الكلام على آخره وفي مسألة الأختين آخر الكلام مغير للأول فيتوقف وقد ذكر في الجامع الحصيري قد قيل لا فرق بين مسألة الأمتين ومسألة الأختين بل إنما جاء الفرق لاختلاف وضع المسألة وهو أن في مسألة الأمتين قال هذه حرة وهذه حرة وفي مسألة الأختين قال أجزت نكاح هذه وهذه فإنه أفرد لكل واحدة منهما تحريرا في مسألة الأمتين فلا يتوقف صدر الكلام على الآخر وفي مسألة (١/١٨٧) الأختين لم يفرد فيتوقف حتى لو أفرد هنا صح نكاح الأولى ولو لم يفرد في الأمتين بأن قال أعتقت هذه وهذه عتقا معا وصح نكاحهما وقد تدخل بين الجملتين فلا توجب المشاركة ففي قوله هذه طالق ثلاثا وهذه طالق تطلق الثانية واحدة وإنما تجب هي أي المشاركة إذا افتقر الآخر إلى الأول فيشارك الأول أي آخر الكلام أوله فيما تم به الأول بعينه أي بعين ما تم لا بتقدير مثله أي مثل ما تم إن لم يمتنع الاتحاد أي إن لم يمتنع أن يكون ما تم به الأول متحدا في المعطوف والمعطوف عليه نحو إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق وليس كتكرار قوله إن دخلت الدار فأنت طالق فلا يقع الثلاث عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى هنا بخلاف التكرار فإنه يمكن أن يتعلق الأجزية المتكثرة بشرط متحد فيتعلق طالق وطالق وطالق بعين الشرط المذكور وهو قوله إن دخلت الدار لا بتقدير (١/١٨٨) مثلها أي لا يقدر شرط آخر حتى يصير كقوله إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق كما زعم أبو يوسف ومحمد رحمهما اللّه تعالى وبتقديره أي بتقدير مثله وهو عطف على قوله لا بتقدير مثله إن امتنع أي الاتحاد نحو جاءني زيد وعمرو لا بد أن يكون مجيء زيد غير مجيء عمرو وبعضهم أوجبوا الشركة في عطف الجمل أيضا حتى قالوا إن القران في النظم يوجب القران في الحكم فقالوا في وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة لا تجب الزكاة على الصبي كما لا تجب الصلاة عليه يشبه أن يكون هذا الحكم عندهم بناء على أنه يجب أن يكون المخاطب بأحدهما عين المخاطب بالآخر ولما لم يكن الصبي مخاطبا بقوله تعالى وأقيموا الصلاة لا يكون مخاطبا بقوله تعالى وآتوا الزكاة لكنا نقول إنما لا تجب الزكاة على الصبي لأنها عبادة محضة والصبي ليس من أهلها لا للقران في النظم والقائل بوجوب الزكاة على الصبي يقول الخطاب بالصلاة والزكاة يتناول الصبيان لكن العقل خصهم عن وجوب الصلاة إذ هي عبادة بدنية لا عن وجوب الزكاة إذ هي عبادة مالية يمكن أداء الولي عنه وهذا فاسد عندنا الإشارة راجعة إلى إيجاب الشركة في الجمل لأن الشركة إنما تثبت إذا افتقرت الثانية ففي قوله إن دخلت الدار فأنت طالق وعبدي حر يتعلق العتق بالشرط أيضا لأن الأصل في الواو الشركة وهذه إنما تثبت إذا عطفت على الجزاء فهذه الجملة وإن كانت تامة لكنها في قوة (١/١٨٩) المفرد في حكم الافتقار فعطف على الجزاء فتكون الواو على أصلها وعطف الاسمية على مثلها بخلاف وضرتك طالق فإن إظهار الخبر هنا دليل على عدم المشاركة في الجزاء لما ذكرنا أن الشركة بين المعطوف والمعطوف عليه إنما تثبت إذا افتقرت الثانية فقوله وعبدي حر في قوله إن دخلت الدار فأنت طالق وعبدي حر يراد إشكالا لأنها جملة تامة غير مفتقرة إلى ما قبلها فينبغي أن لا يتعلق بالشرط بل يكون كلاما مستأنفا عطفا على المجموع فأجاب بأنها في قوة المفرد في حكم الافتقار مع أنها جملة تامة لأن مناسبتها الجزاء في كونهما جملتين اسميتين ترجع كونها معطوفة على الجزاء لا على مجموع الشرط والجزاء وإذا كانت معطوفة على الجزاء تكون في قوة المفرد لأن جزاء الشرط بعض الجملة (١/١٩٠) وأيضا الواو للعطف والأصل في العطف الشركة فتحمل على الشركة ما أمكن وهذا إذا كان المعطوف مفتقرا إلى ما قبله حقيقة كما في المفرد أو حكما كما في الجملة التي يمكن اعتبارها في قوة المفرد فحينئذ يحمل على الشركة لتكون الواو جارية على أصلها بقدر الإمكان أما إذا لم يمكن حملها على الشركة فلا تحمل وهذا إذا كان المعطوف جملة لا تكون في قوة المفرد فلا تكون مفتقرة إلى ما قبلها أصلا كما في وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فالواو وتكون لمجرد النسق والترتيب ففي قوله إن دخلت الدار فأنت طالق وضرتك طالق يمكن حمل قوله وضرتك طالق على الوجهين لكن إظهار الخبر وهو طالق في قوله وضرتك طالق يرجع العطف على المجموع لا على الجزاء لأنه لو كان معطوفا على الجزاء لكي أن يقول وضرتك فقوله بخلاف وضرتك طالق يرجع إلى قوله يتعلق العتق بالشرط ولهذا جعلنا قوله تعالى ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا معطوفا على الجزاء لا على قوله وأولئك هم الفاسقون أي ولأجل ما ذكرنا في قوله وعبدي حر مما يوجب كونه معطوفا على الجزاء وما ذكرنا في قوله وضرتك طالق من قيام الدليل على عدم المشاركة في الجزاء جعلنا قوله تعالى ولا تقبلوا إلخ معطوفا على الجزاء فإن قوله ولا تقبلوا جملة إنشائية مثل قوله تعالى فاجلدوا والمخاطب بهما الأئمة وقوله تعالى وأولئك جملة إخبارية وليس الأئمة مخاطبين بها فدليل المشاركة في الجزاء قائم ولا تقبلوا ودليل عدم المشاركة في أولئك فعطفنا الأول على الجزاء لا الآخر وثمرة هذا تأتي في آخر فصل الاستثناء إن شاء اللّه تعالى الفاء للتعقيب فلهذا تدخل في الجزاء فإن قال إن دخلت هذه الدار فهذه الدار فأنت طالق فالشرط أن تدخل على الترتيب من غير تراخ وقد تدخل على المعلول نحو جاء الشتاء فتأهب وقد يكون المعلول عين العلة في الوجود (١/١٩١) لكن في المفهوم غيرها نحو سقاه فأرواه ونحو قوله عليه السلام لن يجزي ولد والده حتى يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه فإن قال بعت هذا العبد منك فقال الآخر فهو حر يكون قبولا بخلاف هو حر ولو قال لخياط أيكفيني هذا الثوب قميصا فقال نعم فقال فاقطعه فقطعه فإذا هو لا يكفيه يضمن كما لو قال إن كفاني فاقطعه بخلاف قوله اقطعه وقد تدخل على العلل نحو أبشر فقد أتاك الغوث ونظيره أد إلي ألفا فأنت حر يعتق في الحال وكذا انزل فأنت آمن (١/١٩٢) اعلم أن أصل الفاء أن تدخل على المعلول لأنها للتعقيب والمعلول يعقب العلة وإنما تدخل على العلل لأن المعلول إذا كان مقصودا من العلة يكون علة غائية للعلة فتصير العلة معلولا فلهذا تدخل على العلة باعتبار أنها معلول ومن ذلك قوله تعالى وتزودوا فإن خير الزاد التقوى وقول الشاعر ذا ملك لم يكن ذا هبه فدعه فدولته ذاهبه ونظائره كثيرة وإنما قلنا يعتق في الحال لأن قوله فأنت حر معناه لأنك حر ولا يمكن أن يكون فأنت حر جوابا للأمر لأن جواب الأمر لا يقع إلا الفعل المضارع لأن الأمر إنما يستحق الجواب بتقدير إن وكلمة إن تجعل الماضي بمعنى المستقبل والجملة الاسمية الدالة على الثبوت بمعنى المستقبل وإنما تجعل ذلك إذا كانت ملفوظة أما إذا كانت مقدرة فلا كما تقول إن تأتني أكرمتك ولا تقول ائتني أكرمتك بل يجب أن تقول ائتني أكرمك فكذا في الجملة الاسمية تقول إن تأتني فأنت مكرم ولا تقول ائتني فأنت مكرم فكما لا تجعل إن المقدرة الماضي بمعنى المستقبل فكذلك لا تجعل الاسمية بمعنى المستقبل أيضا بل أولى لأن مدلول الجملة الاسمية بعيد من المستقبل ومدلول الماضي قريب إليه لاشتراكهما في كونهما فعلا ودلالتهما على الزمان فلما لم تجعل الماضي بمعنى المستقبل لم تجعل الاسمية بمعناه بالطريق الأولى ما ثم للترتيب مع التراخي وهو أي الترتيب مع التراخي راجع إلى التكلم عنده أي عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى وإلى الحكم عندهما فإن قال أنت طالق ثم طالق ثم طالق إن (١/١٩٣) دخلت الدار فعندهما يتعلقن جميعا وينزلن مرتبا فإن كانت مدخولا بها يقع الثلاث وإن لم تكن مدخولا بها تقع واحدة وكذا إن قدم الشرط وعنده في غير المدخول بها أي عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى في غير المدخول بها إذا قدم الجزاء وإنما لم نذكر تقديم الجزاء لأنه يأتي هناك قوله وإن قدم الشرط فيدل على أن البحث السابق في تقديم الجزاء يقع الأول أي في الحال لعدم تعلقه بالشرط كأنه قال أنت طالق وسكت لأن التراخي عنده إنما هو في التكلم ويلغو الباقي لعدم المحل لأن المرأة غير مدخول بها وإن قدم الشرط تعلق الأول ونزل الثاني أي وقع في الحال لعدم تعلقه بالشرط كأنه قال إن دخلت الدار فأنت طالق وسكت ثم قال وأنت طالق ولغا الثالث لعدم المحل وفائدة تعلق الأول أنه إن ملكها ثانيا ووجد الشرط يقع الطلاق وفي المدخول بها أي إن قدم الجزاء ولم يذكره للعذر السابق نزل الأول والثاني أي يقعان في الحال لعدم تعلقهما بالشرط لها كأنه سكن عنهما ثم قال أنت طالق إن دخلت الدار ولما كانت المرأة مدخولا بها تكون محلا فيقع تطليقتان وتعلق الثالث لقربه بالشرط وإن قدم أي الشرط تعلق الأول ونزل الباقي وهذا ظاهر وإنما جعل أبو حنيفة رحمه اللّه تعالى التراخي راجعا إلى التكلم لأن التراخي في الحكم مع (١/١٩٤) عدمه في التكلم ممتنع في الإنشاءات لأن الأحكام لا تتراخى عن التكلم فيها فلما كان الحكم متراخيا كان التكلم متراخيا تقديرا كما في التعليقات فإن قوله إن دخلت الدار فأنت طالق يصير كأنه قال عند الدخول أنت طالق وليس هذا القول في الحال تطليقا أي تكلما بالطلاق بل يصير تطليقا عند الشرط بل للإعراض عما قبله وإثبات ما بعده على سبيل التدارك نحو جاءني زيد بل عمرو فلهذا قال زفر في قوله له علي ألف درهم بل ألفان يجب ثلاثة آلاف لأنه لا يملك إبطال الأول كقوله أنت طالق واحدة بل ثنتين تطلق ثلاثا قلنا الإخبار يحتمل التدارك وذا في العرف نفي انفراده ذا إشارة إلى التدارك أي التدارك في الإعداد بكلمة بل يراد به نفي الانفراد عرفا نحو سني ستون بل سبعون بخلاف الإنشاء فإنه لا يحتمل الكذب أي الإنشاء لا يحتمل التدارك لأن المراد بالتدارك تدارك الكذب والإنشاء (١/١٩٥) لا يحتمل الكذب فقلنا تعقيب لقوله بخلاف الإنشاء أي لما لم يكن الإنشاء محتملا للصدق والكذب قلنا تقع الواحدة إذا قال ذلك أي قوله أنت طالق واحدة بل ثنتين لغير المدخول بها فإنه إذا قال لغير المدخول بها أنت طالق واحدة وقعت واحدة لا يمكن التدارك والإبطال لكونه إنشاء فإذا وقعت واحدة لم يبق المحل ليقع بقوله بل ثنتين بخلاف التعليق وهو قوله لغير المدخول بها إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة بل ثنتين فإنه يقع الثلاث عند الشرط لأنه قصد إبطال الأول أي الكلام الأول وهو تعليق الواحدة بالشرط وإفراد الثاني بالشرط مقام الأول أي قصد تعليق الكلام الثاني بالشرط حال كونه منفردا غير منضم إلى الأول ولا يملك الأول أي الإبطال المذكور ويملك الثاني أي الإفراد المذكور فتعلق بشرط آخر أي تعلق الثاني وهو قوله ثنتين بشرط آخر فاجتمع تعليقان أحدهما إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة والثاني إن دخلت الدار فأنت طالق ثنتين فإذا وجد الشرط وقع الثلاث فصار كما إذا قال لا بل أنت طالق ثنتين إن دخلت الدار بخلاف الواو فإنه العطف على تقدير الأول فيتعلق الثاني بواسطة الأول كما قلنا أي بخلاف ما إذا قال لغير المدخول بها إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق فإن الواو للعطف مع تقرير الأول فيتعلق الثاني بعين ما تعلق به الأول بواسطة الأول فعند وجود الشرط يكون (١/١٩٦) الوقوع على الترتيب ولما لم يبق المحل بوقوع الأول لا يقع الثاني والثالث كما قلنا في حرف الواو لكن للاستدراك بعد النفي إذا دخل في المفرد وإن دخل في الجملة يجب اختلاف ما قبلها وما بعدها وهي بخلاف بل اعلم أن لكن للاستدراك فإن دخل في المفرد يجب أن يكون بعد النفي نحو ما رأيت زيدا لكن عمرا فإنه يتدارك عدم رؤية زيد برؤية عمرو وإن دخل في الجملة لا يجب كونه بعد النفي بل يجب اختلاف الجملتين في النفي والإثبات فإن كانت الجملة التي قبل لكن مثبتة وجب أن تكون الجملة التي بعدها منفية وإن كانت التي قبلها منفية وجب أن تكون التي بعدها مثبتة وهي بخلاف بل في أن بل للإعراض عن الأول ولكن ليست للإعراض عن الأول فإن أقر لزيد بعبد فقال زيد ما كان لي قط (١/١٩٧) لكن لعمرو فإن وصل فلعمرو وإن فصل فللمقر لأن النفي يحتمل أن يكون تكذيبا لإقراره فيكون أي النفي ردا إلى المقر ويمكن أن لا يكون تكذيبا إذ يجوز أن يكون العبد معروفا بكونه لزيد ثم وقع في يد المقر فأقر به لزيد فقال زيد العبد وإن كان معروفا بأنه لي لكنه كان في الحقيقة لعمرو فقوله لكنه لعمرو بيان تغيير لذلك النفي فيتوقف بيان عليه أي على قوله لكن لعمرو بشرط الوصل لأن بيان التغيير لا يصح إلا موصولا وقد ذكرنا في المتن أنه بيان تغيير لأن ظاهر كلامه يدل على الاحتمال الأول المذكور في المتن وقد عرف في بيان التغيير أن صدر الكلام موقوف على الآخر فيثبت حكمهما معا لا أنه يثبت الحكم في الصدر ثم يخرج البعض وعلى هذا قالوا في المقتضى له بدار بالبينة إذا قال ما كانت لي قط لكنها لزيد وقال زيد باع مني أو وهب لي بعد القضاء أن الدار لزيد وعلى المقتضى له القيمة للمقضي عليه لأنه إذا وصل فكأنه تكلم بالنفي والاستدراك معا فيثبت معا موجبهما وهو النفي عن نفسه وثبوت ملك لزيد ثم تكذيب الشهود وإثبات ملك المقضي عليه لازم لذلك النفي فيثبت الملك لعمرو بعد ثبوت موجبي الكلامين وهما النفي عن نفسه وثبوت ملك لزيد فيكون حجة عليه أي على المقضي له لا على زيد فيضمن القيمة ثم إن اتسق الكلام تعلق ما بعده (١/١٩٨) بما قبله يرجع إلى أول البحث وهو أن لكن للاستدراك فينظر أن الكلام مرتبط أم لا أي يصلح أن يكون ما بعد لكن تداركا لما قبلها أولا فإن صلح يحمل على التدارك وإلا فهو كلام مستأنف أي وإن لم يتسق أي لا يصلح أن يكون ما بعدها تداركا لما قبلها يكون ما بعدها كلاما مستأنفا نحو لك علي ألف قرض فقال المقر له لا لكن غصب الكلام متسق فصح الوصل على أنه نفي السبب لا الواجب فإن قوله لا لا يمكن حمله على نفي الواجب لأنه لو حمل على نفي الواجب لا يستقيم قوله لكن غصب ولا يكون الكلام متسقا (١/١٩٩) مرتبطا فحملناه على نفي السبب فلما نفى كونه قرضا تدارك بكونه غصبا فصار الكلام مرتبطا ولا يكون ردا لإقراره بل يكون نفي السبب بخلاف ما إذا تزوجت أمة بغير إذن مولاها بمائة فقال لا أجيز النكاح لكن أجيزه بمائتين ينفسخ النكاح وجعل لكن مبتدأ لأنه لا يمكن إثبات هذا النكاح بمائتين ففي هذه المسألة الكلام غير متسق لأن اتساقه بأن لا يصح النكاح الأول بمائة لكن يصح بمائتين وذا لا يمكن لأنه لما قال لا أجيز النكاح انفسخ النكاح الأول فلا يمكن إثبات ذلك النكاح بمائتين فيكون نفي ذلك النكاح وإثباته بعينه (١/٢٠٠) فعلم أنه غير متسق فحملنا قوله لكن أجيزه بمائتين على أنه كلام مستأنف فيكون إجازة لنكاح آخر مهره مائتان أو لأحد الشيئين لا للشك فإن الكلام للإفهام وإنما يلزم الشك من المحل وهو الإخبار بخلاف الإنشاء فإنه حينئذ للتخيير كآية الكفارة فقوله هذا حر أو هذا إنشاء شرعا فأوجب التخيير بأن يوقع العتق في أيهما شاء ويكون هذا أي إيقاع العتق في أيهما شاء إنشاء حتى يشترط صلاحية المحل حينئذ أي حين إيقاع العتق في أيهما شاء وإخبار لغة عطف على قوله إنشاء شرعا فيكون بيانه إظهارا للواقع فيجبر عليه أي على البيان اعلم أن هذا الكلام إنشاء في الشرع لكنه يحتمل الإخبار لأنه وضع للإخبار لغة حتى لو جمع بين حر وعبد وقال أحدكما حر أو قال هذا حر أو هذا لا يعتق العبد لاحتمال الإخبار هنا فمن حيث إنه إنشاء شرعا يوجب التخيير أي يكون له ولاية إيقاع هذا العتق في أيهما شاء ويكون هذا الإيقاع إنشاء ومن حيث إنه إخبار لغة يوجب الشك ويكون إخبارا بالمجهول فعليه أن يظهر ما في الواقع وهذا الإظهار لا يكون إنشاء بل إظهارا لما هو الواقع فلما كان للبيان وهو تعيين أحدهما شبهان شبه الإنشاء وشبه الإخبار عملنا بالشبهين فمن حيث إنه إنشاء شرطنا صلاحية المحل عند البيان حتى إذا مات أحدهما فقال أردت الميت لا يصدق ومن حيث إنه إخبار قلنا يجبر على البيان فإنه لا جبر في الإنشاءات بخلاف الإخبارات كما إذا أقر بالمجهول حيث يجبر على البيان (١/٢٠١) وهذا ما قيل إن البيان إنشاء من وجه إخبار من وجه وفي قوله وكلت هذا أو هذا أيهما تصرف صح فلهذا أي لما قلنا إن أو في الإنشاءات للتخيير أوجب البعض التخيير في كل أنواع قطع الطريق بقوله تعالى أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض وقلنا ذكر الأجزية مقابلة لأنواع الجناية وهي معلومة عادة من قتل أو قتل وأخذ مال أو أخذ مال أو تخويف فالقتل جزاؤه القتل والقتل والأخذ جزاؤه الصلب وأخذ المال جزاؤه قطع اليد والرجل والتخويف جزاؤه النفي أي الحبس الدائم على أنه ورد في الحديث بيانه على هذا المثال فإن أخذ وقتل فعند أبي حنيفة رحمه اللّه إن شاء قطع ثم قتل أو صلب وإن شاء قتل أو صلب لأن الجناية تحتمل الاتحاد والتعدد ولهذا قالا في هذا حر أو هذا مشيرا إلى عبده ودابته أنه باطل لأن وضعه لأحدهما الذي هو أعم من كل (١/٢٠٢) وهو غير صالح لعتق هنا وقال أبو حنيفة رضي اللّه تعالى عنه يحمل على الواحد للعين مجازا إذ العمل بالحقيقة متعذر ولو قال لعبيده الثلاثة هذا حر أو هذا وهذا يعتق الثالث ويخير في الأولين كأنه قال أحدهما حر وهذا يمكن أن يكون معناه هذا حر أو هذان فيخير بين الأول والأخيرين لكن حمله على قولنا أحدهما حر وهذا أولى لوجهين الأول أنه حينئذ يكون تقديره أحدهما حر وهذا حر وعلى ذلك الوجه يكون تقديره هذا حر أو هذان حران ولفظ حر مذكور في المعطوف عليه لا لفظ حران فالأولى أن يضمر في المعطوف ما هو مذكور في المعطوف عليه والثاني أن قوله أو هذا مغير لمعنى قوله هذا حر ثم قوله وهذا غير مغير لما قبله لأن الواو للتشريك فيقتضي وجود الأول فيتوقف (١/٢٠٣) أول الكلام على المغير لا على ما ليس بمغير فيثبت التخيير بين الأول والثاني بلا توقف على الثالث فصار معناه أحدهما حر ثم قوله وهذا يكون عطفا على أحدهما وهذان الوجهان تفرد بهما خاطري (١/٢٠٤) وإذا استعمل أو في النفي يعم نحو ولا تطع منهم آثما أو كفورا أي لا هذا ولا ذاك لأن تقديره لا تطع أحدا منهما فيكون نكرة في موضع النفي فإن قال لا أفعل هذا أو هذا يحنث بفعل أحدهما وإذا قال هذا وهذا يحنث بفعلهما لا بأحدهما لأن المراد المجموع أي لا يحنث بفعل أحدهما لأنه حلف على أنه لا يفعل هذا المجموع فلا يحنث بفعل البعض بل بفعل المجموع إلا أن يدل الدليل على أن المراد أحدهما كما إذا حلف لا يرتكب الزنا وأكل مال اليتيم فإن الدليل دال على أن المراد أحدهما في النفي أي لا يفعل أحدا منهما لا هذا ولا ذاك بأن لا يكون للاجتماع تأثير في المنع أي دلالة الدليل على أن المراد أحدهما إنما تثبت بأن لا يكون للاجتماع تأثير في المنع واعلم أن هذا اليمين للمنع فإن كان لاجتماع الأمرين تأثير في المنع أي إنما منعه لأجل الاجتماع فالمراد نفي المجموع كما إذا حلف لا يتناول السمك واللبن فهاهنا للاجتماع تأثير في المنع فإن تناول أحدهما لا يحنث أما في الصورة الأولى فالدليل دال على أنه إنما حلف لأجل أن كل واحد منهما محرم في الشرع فالمراد نفي كل واحد منهما فيحنث بفعل أحدهما وأيضا كما أن الواو للجمع فإنها أيضا (١/٢٠٥) نائبة عن العامل فيحتمل أن يراد لا يفعل المجموع فلا يحنث بفعل واحد منهما ويحتمل أن يراد لا يفعل هذا ولا يفعل هذا فيتعدد اليمين فيحنث بفعل كل واحد منهما فيحتاج إلى الترجيح بدلالة الحال وهو ما ذكرنا فاحفظ هذا البحث فإنه بحث بديع محتاج إليه في كثير من المسائل وقد تكون للإباحة نحو جالس الفقهاء أو المحدثين والفرق بينها وبين التخيير أن المراد فيه أحدهما فلا يملك الجمع بينهما بخلاف الإباحة فله أن يجالس كلا الفريقين اعلم أن المراد بالتخيير منع الجمع وبالإباحة منع الخلو (١/٢٠٦) ويعرف بدلالة الحال أن المراد أيهما فعلى هذا قالوا في لا أكلم أحدا إلا فلانا أو فلانا له أن يكلمهما لأن الاستثناء من الحظر إباحة وقد يستعار لحتى كقوله تعالى ليس لك من (١/٢٠٧) الأمر شيء أو يتوب عليهم لأن أحدهما يرتفع بوجود الآخر كالمغيا يرتفع بالغاية فإن حلف لا أدخل هذه الدار أو أدخل تلك الدار فإن دخل الأولى أولا حنث وإن دخل الثانية أولا بر حتى للغاية نحو حتى مطلع الفجر وحتى رأسها وقد تجيء للعطف فيكون المعطوف إما أفضل أو أخس وتدخل على جملة مبتدأة فإن ذكر الخبر نحو ضربت القوم حتى زيد غضبان (١/٢٠٨) جواب الشرط هنا محذوف أي فبها ونعمت أو فالخبر ذلك وإلا أي وإن لم يذكر الخبر يقدر من جنس ما تقدم نحو أكلت السمكة حتى رأسها بالرفع أي مأكول إن دخلت الأفعال فإن احتمل الصدر الامتداد والآخر الانتهاء إليه فللغاية نحو حتى يعطوا الجزية حتى تستأنسوا وإلا فإن صلح لأن يكون سببا للثاني يكون بمعنى كي نحو أسلمت حتى أدخل الجنة وإلا فللعطف المحض فإن قال عبدي حر إن لم أضربك حتى تصيح حنث إن أقلع قبل الصياح لأن حتى للغاية في مثل هذه الصورة وإن قال عبدي حر إن لم آتك حتى تغديني (١/٢٠٩) فأتاه فلم يغده لم يحنث لأن قوله حتى تغديني لا يصلح للانتهاء بل هو داع إلى الإتيان ويصلح سببا والغداء جزاء فحمل عليه ولو قال حتى أتغدى عندك فللعطف المحض لأن فعله لا يصلح جزاء لفعله فصار كقوله إن لم آتك فأتغدى عندك حتى إذا تغدى من غير تراخ بر وليس لهذا أي للعطف المحض نظير في كلام العرب بل اخترعوه أي الفقهاء استعارة (١/٢١٠) حروف الجر الباء للإلصاق والاستعانة فتدخل على الوسائل كالأثمان فإن قال بعت هذا العبد بكر يكون بيعا وفي بعت كرا بالعبد يكون سلما فتراعى شرائطه ولا يجري الاستبدال في الكر بخلاف الأول قال لا تخرج إلا بإذني يجب لكل خروج إذن لأن معناه إلا خروجا ملصقا بإذني وفي إلا أن آذن لا أي إن قال لا تخرج إلا أن آذن لا يجب لكل خروج إذن بل إن أذن مرة واحدة فخرج ثم خرج مرة أخرى بغير إذنه لا يحنث قالوا لأنه استثنى الإذن من الخروج لأن أن مع الفعل المضارع بمعنى المصدر والإذن ليس من جنس الخروج فلا يمكن إرادة المعنى الحقيقي وهو الاستثناء فيكون مجازا عن الغاية والمناسبة بين الاستثناء والغاية ظاهرة فيكون معناه إلى أن آذن فيكون الخروج ممنوعا إلى وقت وجود الإذن وقد وجد مرة فارتفع المنع أقول يمكن تقريره على وجه آخر وهو أن أن مع الفعل المضارع بمعنى المصدر والمصدر قد يقع حينا لسعة الكلام تقول آتيك (١/٢١١) خفوق النجم أي وقت خفوق النجم فيكون تقديره لا تخرج وقتا إلا وقت إذني فيجب لكل خروج إذن ويمكن أن يجاب عنه بأنه على هذا التقدير يحنث إن خرج مرة أخرى بلا إذن وعلى التقدير الأول لا يحنث فلا يحنث بالشك وقالوا إن دخلت الباء في آلة المسح نحو مسحت الحائط بيدي يتعدى إلى المحل فيتناول كله وإن دخلت في المحل نحو وامسحوا برءوسكم لا يتناول كل المحل تقديره ألصقوها برءوسكم اعلم أن الآلة غير مقصودة بل هي واسطة بين الفاعل والمنفعل في وصول أثره إليه والمحل هو المقصود في الفعل المتعدي فلا يجب استيعاب الآلة بل يكفي منها ما يحصل به المقصود بل يجب استيعاب المحل في مسحت الحائط بيدي لأن الحائط اسم المجموع وقد وقع مقصودا (١/٢١٢) فيراد كله بخلاف اليد فإذا دخلت الباء في المحل وهي حرف مخصوص بالآلة فقد شبه المحل بالآلة فلا يراد كله وإنما ثبت استيعاب الوجه في التيمم وإن دخل الباء في المحل في قوله تعالى فامسحوا بوجوهكم لأن المسح خلف عن الغسل والاستيعاب ثابت فيه فكذا في خلفه أو لحديث عمار وهو مشهور يزاد به على الكتاب على للاستعلاء ويراد به الوجوب لأن الدين يعلوه ويركبه معنى ويستعمل للشرط نحو يبايعنك على أن لا يشركن باللّه شيئا وهي في المعاوضات المحضة بمعنى الباء إجماعا مجازا لأن اللزوم يناسب الإلصاق هذا بيان علاقة المجاز وإنما يراد به المجاز لأن المعنى الحقيقي وهو الشرط لا يمكن في المعاوضات المحضة لأنها لا تقبل الخطر والشرط حتى لا تصير قمارا فإذا قال بعت منك هذا العبد على ألف فمعناه بألف وكذا في الطلاق عندهما وعنده للشرط عملا بأصله أي عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى كلمة على في الطلاق للشرط لأن الطلاق يقبل الشرط فيحمل على معناه الحقيقي ففي طلقني ثلاثا على ألف فطلقها واحدة لا يجب ثلث الألف عنده لأنها للشرط عنده وأجزاء الشرط لا تنقسم على أجزاء المشروط ويجب عندهما أي ثلث الألف لأنها بمعنى الباء عندهما فيكون الألف عوضا لا شرطا وأجزاء العوض تنقسم على أجزاء المعوض وأما من فقد مر مسائلها أي في فصل العام في قوله من شئت من عبيدي إلى لانتهاء الغاية فصدر الكلام إن احتمله فظاهر أي (١/٢١٣) إن احتمل الانتهاء إلى الغاية وإلا فإن أمكن تعلقه بمحذوف دل الكلام عليه فذاك نحو بعت إلى شهر يتأجل الثمن لأن صدر الكلام وهو البيع لا يحتمل الانتهاء إلى الغاية لكن يمكن تعلق قوله إلى شهر بمحذوف دل الكلام عليه فصار كقوله بعت وأجلت الثمن إلى شهر وإن لم يكن أي وإن لم يمكن تعلقه بمحذوف دل الكلام عليه يحمل على تأخير صدر الكلام إن احتمله أي التأخير نحو أنت طالق إلى شهر ولا ينوي التأخير والتنجيز يقع عند مضي شهر وعند زفر رحمه اللّه تعالى يقع في الحال فيبطل قوله إلى شهر (١/٢١٤) ثم الغاية إن كانت غاية قبل تكلمه نحو بعت هذا البستان من هذا الحائط إلى ذاك وأكلت السمكة إلى رأسها لا تدخل تحت المغيا وإن لم تكن أي وإن لم تكن غاية قبل تكلمه فصدر الكلام إن لم يتناولها فهي لمد الحكم فكذلك نحو أتموا الصيام إلى الليل فإن صدر الكلام لا يتناول الغاية وهي الليل فتكون الآية حينئذ لمد الحكم إليها فقوله فكذلك جواب الشرط أي لا تدخل الغاية تحت المغيا وإن تناولها أي تناول صدر الكلام الغاية نحو اليد فإنها تتناول المرفق فذكرها لإسقاط ما وراءها أي ذكر الغاية يكون لإسقاط ما وراء الغاية نحو إلى المرافق فتدخل تحت المغيا وللنحويين في إلى أربعة مذاهب الدخول إلا مجازا أي دخول حكم الغاية تحت حكم المغيا إلا مجازا وعكسه أي المذهب الثاني هو أن لا تدخل الغاية تحت حكم المغيا إلا مجازا كالمرافق فدخولها تحت حكم المغيا يكون بطريق المجاز على هذا المذهب والاشتراك أي المذهب الثالث هو الاشتراك أي دخول الغاية تحت المغيا في إلى بطريق الحقيقة وعدم الدخول أيضا بطريق الحقيقة والدخول إن كان ما بعدها من جنس ما قبلها وعدمه إن لم يكن هذا هو المذهب (١/٢١٥) @ ٢١٦ الرابع وما ذكرنا في الليل وهو أن صدر الكلام لما لم يتناول الغاية لا تدخل تحت حكم المغيا والمرافق وهو أن صدر الكلام لما تناول الغاية دخل تحت حكم المغيا يناسب هذا الرابع أي معنى ما ذكرنا ومعنى ما ذكره النحويون في المذهب الرابع شيء واحد وإنما الاختلاف في العبارة فقط فإن قول النحويين إن الغاية إن كانت من جنس المغيا معناه أن لفظ المغيا إن كان متناولا للغاية وإنما اخترنا هذا المذهب الرابع لأن الأخذ به عمل بنتيجة المذاهب الثلاثة لأن تعارض الأولين أوجب الشك وكذا الاشتراك أوجب الشك فإن كان صدر الكلام لم يتناول الغاية لا يثبت دخولها تحت حكم المغيا بالشك وإن تناولها لا يثبت خروجها بالشك وبعض الشارحين قالوا هي غاية للإسقاط فلا تدخل تحته أي بعض المتأخرين من أصحابنا الذين شرحوا كلام علمائنا المتقدمين رحمهم اللّه تعالى بينوا بهذا (١/٢١٦) الوجه وهو أن إلى للغاية والغاية لا تدخل تحت المغيا مطلقا لكن الغاية هنا ليست الغسل بل للإسقاط فلا تدخل تحت الإسقاط فتدخل تحت الغسل ضرورة وذلك لأن اليد لما كانت اسما للمجموع لا تكون الغاية غاية لغسل المجموع لأن غسل المجموع إلى المرافق محال فقوله إلى المرافق يفهم منه سقوط البعض ومعلوم أن البعض الذي سقط غسله هو البعض الذي يلي الإبط فقوله إلى المرافق غاية لسقوط غسل ذلك البعض فلا يدخل تحت السقوط فإن قال له علي من درهم إلى عشرة يدخل الأول للضرورة لأنه جزء لما فوقه والكل (١/٢١٧) بدون الجزء محال لا الآخر عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى فيجب تسعة وعندهما تدخل الغايتان فتجب عشرة لأن العشرة لا توجد إلا بعشرة أجزاء وعند زفر لا تدخل الغايتان فتجب ثمانية وتدخل الغاية في الخيار عنده أي إذا باع على أنه بالخيار إلى غد يدخل الغد في الخيار أي يكون الخيار ثابتا في الغد عند أبي حنيفة رحمه اللّه لأن قوله على أنه بالخيار يتناول ما فوقه فقوله إلى الغد لإسقاط ما وراءه وكذا في الأجل واليمين في رواية الحسن عنه أي عن أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى لما ذكرنا في المرافق أما الأجل فنحو (١/٢١٨) بعت إلى رمضان أي لا أطلب الثمن إلى رمضان وأما اليمين فنحو لا أكلم زيدا إلى رمضان فإن قوله لا أطلب الثمن ولا أكلم يتناول العمر فقوله إلى رمضان لإسقاط ما وراءه في للظرف والفرق ثابت بين إثباته وإضماره نحو صمت هذه السنة يقتضي الكل بخلاف صمت في هذه السنة فلهذا في أنت طالق غدا يقع في أول النهار ليكون واقعا في جميع الغد وفي الغد إن نوى آخر النهار يصح ولو قال أنت طالق في الدار تطلق في الحال إلا أن ينوي في دخولك الدار فيتعلق به وقد تستعار للمقارنة إن لم تصلح ظرفا نحو أنت طالق في دخولك الدار فتصير بمعنى الشرط فلا يقع بأنت طالق في مشيئة اللّه ويقع في علم اللّه لأنه يراد به المعلوم اعلم أن التعليق بالمشيئة متعارف لا التعليق بالعلم فلا يقال أنت طالق إن علم اللّه وذلك لأن مشيئة اللّه تعالى متعلقة ببعض الممكنات دون البعض فأما علم اللّه تعالى فإنه متعلق بجميع الممكنات والممتنعات فقوله في علم اللّه لا يراد به التعليق فالمراد أن هذا ثابت في معلوم اللّه (١/٢١٩) (١/٢٢٠) أسماء الظروف مع للمقارنة فيقع ثنتان إن قال لغير المدخول بها أنت طالق واحدة مع واحدة وقبل للتقديم فتقع واحدة إن قال لها أي لغير المدخول بها أنت طالق واحدة قبل واحدة لأن القبلية صفة للطلاق المذكور أولا فلم يبق محلا للآخر وثنتان لو قال قبلها أي (١/٢٢١) تقع ثنتان إن قال لغير المدخول بها أنت طالق واحدة قبلها واحدة لأن الطلاق المذكور أولا واقع في الحال والذي وصف بأنه قبل هذا الطلاق الواقع في الحال يقع أيضا في الحال بناء على أنه لو قال أنت طالق أمس يقع في الحال فيقعان معا وبعد على العكس أي لو قال لغير المدخول بها أنت طالق واحدة بعد واحدة تقع ثنتان لما بينا في قوله قبل واحدة ولو قال لها أنت طالق واحدة بعدها واحدة تقع واحدة لما بينا في قوله قبل واحدة وعند للحضرة فقوله لفلان عندي ألف يكون وديعة لأنه لا يدل على اللزوم كلمات الشرط إن (١/٢٢٢) للشرط فقط فتدخل في أمر على خطر الوجود فإن قال إن لم أطلقك فأنت طالق فالشرط وهو عدم الطلاق يتحقق عند الموت فيقع في آخر الحياة وإذا عند الكوفيين يجيء للظرف وللشرط نحو وإذا يحاس الحيس يدعى جندب ونحو وإذا تصبك خصاصة فتجمل وعند البصريين حقيقة في الظرف وقد يجيء للشرط بلا سقوط معنى الظرف ودخوله في أمر كائن أو منتظر لا محالة ومتى للظرف خاصة فيقع بأدنى سكوت في متى لم أطلقك أنت طالق لأنه وجد وقت لم يطلق فيه وإن قال إذا أي إن قال إذا لم أطلقك فأنت طالق فعندهما كمتى أي كقوله متى لم أطلقك أنت طالق حتى يقع بأدنى سكوت كما في إذا شئت فإنه كمتى شئت لا يتقيد بالمجلس أي لو قال لها طلقي نفسك إذا شئت فإنه كمتى شئت بالاتفاق حتى لا يتقيد بالمجلس بخلاف طلقي نفسك إن شئت فإنه يتقيد بالمجلس فأبو يوسف ومحمد حملا كلمة إذا على كلمة متى في قوله إذا لم أطلقك أنت طالق كما أن إذا محمول على متى باتفاق في قوله طلقي نفسك إذا شئت وعند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى كان أي قوله إذا لم أطلقك أنت طالق عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى هو كقوله (١/٢٢٣) (١/٢٢٤) إن لم أطلقك أنت طالق فاحتاج أبو حنيفة رحمه اللّه تعالى إلى الفرق والفرق أنه لما جاء لكلا المعنيين وقع الشك في مسألتنا في الوقوع في الحال فلا يقع بالشك وثمة في انقطاع تعلقه بالمشيئة فلا ينقطع بالشك أي لما جاء إذا بمعنى متى وبمعنى إن ففي قوله إذا لم أطلقك أنت طالق إن حمل على متى يقع في الحال وإن حمل على إن يقع عند الموت فوقع الشك في الوقوع في الحال فلا يقع بالشك فصار مثل إن وثمة أي في طلقي نفسك إذا شئت لا شك أن الطلاق تعلق في الحال بمشيئتها فإن حمل على إن انقطع تعلقه بالمشيئة وإن حمل على متى لا ينقطع ولا شك أنه في الحال متعلق فلا ينقطع بالشك وكيف للسؤال عن الحال فإن استقام أي السؤال عن الحال وجواب إن محذوف أي فيها ويحمل على (١/٢٢٥) السؤال عن الحال وإلا بطلت أي وإن لم يستقم السؤال عن الحال تبقى كلمة كيف ويحنث فيعتق في أنت حر كيف شئت لأنه لا يستقيم السؤال عن الحال فيعتق بقوله أنت حر وبطل كيف شئت واعلم أن كلمة كيف في مثل قوله أنت حر كيف شئت أو أنت طالق كيف شئت ليست للسؤال عن الحال بل صارت مجازا ومعناها أنت حر أو أنت طالق بأية كيفية شئت فعلى هذا المراد بالاستقامة هو أن يصح تعلق الكيفية بصدر الكلام كأنت طالق كيف شئت فإن الطلاق له كيفية وهي أن يكون رجعيا أو بائنا وأما العتق فلا كيفية له فلا يستقيم تعلق الكيفية بصدر الكلام وتطلق في أنت طالق كيف شئت وتبقى الكيفية أي كونه رجعيا أو بائنا خفيفة أو غليظة مفوضة إليها إن لم ينو الزوج وإن نوى فإن اتفقا فذاك وإلا فرجعية وهذا لأنه لما فوض الكيفية إليها فإن لم ينو الزوج اعتبر نيتهما وإن نوى الزوج فإن اتفق نيتهما يقع ما (١/٢٢٦) نويا وإن اختلف فلا بد من اعتبار النيتين أما نيتها فلأنه فوض إليها أو نيته فلأن الزوج هو الأصل في إيقاع الطلاق فإذا تعارضا تساقطا فبقي أصل الطلاق وهو الرجعي وعندهما يتعلق الأصل أيضا أي في أنت طالق كيف شئت يتعلق أصل الطلاق أي وقوع الطلاق أيضا بمشيئتها فعندهما ما لا يقبل الإشارة أي ما لا يكون من قبيل المحسوسات فحاله وأصله سواء أظن أن هذا مبني على امتناع قيام العرض بالعرض فإن العرض الأول ليس (١/٢٢٧) محلا للعرض الثاني بل كلاهما حالان في الجسم وليس أحدهما أولى بكونه أصلا ومحلا والآخر بكونه فرعا وحالا ففيما نحن فيه لا نقول إن الطلاق أصل والكيفية عرض قائم به وأن الأصل موجود بدون الفرع بل هما سواء في الأصلية والفرعية لكن لا انفكاك لأحدهما عن الآخر إذ الطلاق لا يوجد إلا وأن يكون رجعيا أو بائنا فإذا تعلق أحدهما بمشيئتها تعلق الآخر فصل في الصريح والكناية الصريح لا يحتاج إلى النية والكناية تحتاج إليها ولاستتارها لا يثبت بها ما يندرئ بالشبهات فلا يحد بالتعريض نحو لست أنا بزان قالوا وكنايات الطلاق تطلق عليها مجازا لأن معانيها غير مستترة لكن الإبهام فيما يتصل بها كالبائن مثلا فإنه مبهم في أنها بائنة عن أي شيء عن النكاح أو عن غيره فإذا نوى نوعا منها وهو البينونة عن النكاح تعين وتبين بموجب الكلام ولو جعلت كناية حقيقة تطلق رجعية لأنهم (١/٢٢٨) فسروها بما يستتر منه المراد والمراد المستتر هاهنا الطلاق فيصير كقوله أنت طالق اعلم أن علماءنا رحمهم اللّه لما قالوا بوقوع الطلاق البائن بقوله أنت بائن وأمثاله بناء على أن موجب الكلام هو البينونة ورد عليهم أن هذه الألفاظ كنايات عندكم والكناية هي ما استتر المراد منها والمراد المستتر هو الطلاق في هذه الألفاظ فيجب أن يقع بها الرجعي كما في أنت طالق فأجاب مشايخنا بأن إطلاق لفظ الكناية على هذه الألفاظ بطريق المجاز كما ذكرنا في المتن فيقع بها البائن لأن موجب الكلام هو البينونة وهذا بناء على تفسير الكناية عندهم ولو فسروها بتفسير علماء البيان يثبت المدعى وهو البينونة ولا يحتاج في الجواب إلى هذا التكلف وهو أن هذه الألفاظ كنايات بطريق المجاز فلهذا قال (١/٢٢٩) وبتفسير علماء البيان لا يحتاجون إلى هذا التكلف لأنها عندهم أن يذكر لفظ ويقصد بمعناه معنى ثان ملزوم له فيراد بالبائن معناه ثم ينتقل منه بنيته إلى الطلاق فتطلق على صفة البينونة لا أنه أريد به الطلاق يتصل هذا بقوله فيراد بالبائن معناه إلا في اعتدي فإنه يقع به الرجعي وهو استثناء من قوله فتطلق على صفة البينونة لأنه يحتمل ما يعد من الأقراء فإذا (١/٢٣٠) نواه اقتضى الطلاق إن كان بعد الدخول وإن كان قبله يثبت بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب ويرد عليه أن المسبب إنما يطلق على السبب إذا كان المسبب مقصودا منه وهاهنا ليس كذلك وكذا استبرئي رحمك بعين هذا الدليل أي الدليل الذي ذكر في اعتدي فيحتمل أنه أمرها باستبراء الرحم لتتزوج زوجا آخر فإذا نوى اقتضى الطلاق كما مر وكذا أنت واحدة لأنها تحتمل الطلاق فإذا نوى يقع بها الرجعي ولا تبين لعدم دلالته على البينونة (١/٢٣١) التقسيم الثالث في ظهور المعنى وخفائه اللفظ إذا ظهر منه المراد يسمى ظاهرا بالنسبة إليه ثم إن زاد الوضوح بأن سيق الكلام له يسمى نصا ثم إن زاد حتى سد باب التأويل والتخصيص يسمى مفسرا ثم إن زاد حتى سد باب احتمال النسخ أيضا يسمى محكما كقوله تعالى وأحل اللّه البيع وحرم الربا ظاهر في الحل والحرمة نص في التفرقة بينهما أي بين البيع والربا لأنه في جواب الكفار عن قولهم إنما البيع مثل الربا وقوله تعالى مثنى وثلاث ورباع ظاهر في الحل نص في العدد لأن الحل قد علم من غير هذه الآية ولأنه إذا ورد الأمر بشيء مقيد ولا يكون ذلك الشيء واجبا فالمقصود إثبات هذا القيد نحو قوله عليه الصلاة والسلام بيعوا سواء بسواء ونظير المفسر قوله تعالى (١/٢٣٢) فسجد الملائكة كلهم أجمعون أو قوله تعالى قاتلوا المشركين كافة والمحكم قوله تعالى إن اللّه بكل شيء عليم وقوله عليه الصلاة والسلام الجهاد ماض إلى يوم القيامة النظير أن الأولان للمفسر والمحكم مذكوران في كتب الأصول وفي التمثيل بهما نظر لأن الفرق بين المفسر والمحكم أن المفسر قابل للنسخ والمحكم غير قابل له والمثالان المذكوران وهما قوله تعالى فسجد الملائكة كلهم أجمعون وقوله تعالى إن اللّه بكل شيء عليم في ذلك سواء بحسب اللفظ لأنهم إن أرادوا قبول النسخ وعدمه بحسب اللفظ فكل منهما مفسر إذ ليس في الآيتين ما يمنع النسخ بحسب اللفظ وإن أرادوا بحسب محل الكلام أو أعم من كل منهما فكل منهما محكم لأن الإخبار بسجود الملائكة لا يقبل النسخ كما أن الإخبار بعلم اللّه لا يقبله فلأجل هذا أوردت مثالين في الحكم الشرعي ليظهر الفرق بين المفسر والمحكم فقوله تعالى قاتلوا المشركين كافة مفسر لأن قوله كافة سد لباب التخصيص لكنه يحتمل النسخ لكونه حكما شرعيا وقوله عليه السلام الجهاد ماض إلى يوم القيامة محكم لأن قوله إلى يوم القيامة سد لباب النسخ (١/٢٣٣) (١/٢٣٤) والكل يوجب الحكم إلا أنه يظهر التفاوت عند التعارض وإذا خفي فإن خفي لعارض يسمى خفيا وإن خفي لنفسه فإن أدرك عقلا فمشكل أو بل نقلا فمجمل أو لا أصلا فمتشابه فالخفي كآية السرقة خفيت في حق النباش والطرار لاختصاصهما باسم آخر فينظر إن كان الخفاء لمزية يثبت فيه الحكم ولنقصان لا والمشكل إما لغموض في المعنى نحو وإن كنتم جنبا فاطهروا فإن غسل ظاهر البدن واجب وغسل باطنه ساقط فوقع الإشكال في الفم فإنه باطن من وجه حتى لا يفسد الصوم بابتلاع الريق وظاهر من وجه حتى لا يفسد بدخول شيء (١/٢٣٥) في الفم فاعتبرنا الوجهين فألحق بالظاهر في الطهارة الكبرى حتى وجب غسله في الجنابة وبالباطن في الصغرى فلا يجب غسله في الحدث الأصغر وهذا أولى من العكس لأن قوله تعالى وإن كنتم جنبا فاطهروا بالتشديد يدل على التكلف والمبالغة لا قوله تعالى فاغسلوا وجوهكم أو لاستعارة بديعة نحو قوارير من فضة فقوله (١/٢٣٦) أو لاستعارة عطف على قوله والمشكل إما لغموض في المعنى وإنما أشكل هذا بسبب الاستعارة لأن القارورة تكون من الزجاج لا من الفضة فالمراد أن صفاءها صفاء الزجاج وبياضها بياض الفضة والمجمل كآية الربا فإن قوله تعالى وحرم الربا مجمل لأن الربا في اللغة هو الفضل وليس كل فضل حراما بالإجماع ولم يعلم أن المراد أي فضل فيكون مجملا ثم لما بين النبي صلى اللّه عليه وسلم الربا في الأشياء الستة احتيج بعد ذلك إلى الطلب والتأمل ليعرف علة الربا (١/٢٣٧) والحكم في غير الأشياء الستة والمتشابه كالمقطعات في أوائل السور واليد والوجه ونحوهما وحكم الخفي الطلب والمشكل الطلب ثم التأمل والمجمل الاستفسار ثم الطلب ثم التأمل إن احتيج إليهما كما في الربا والمتشابه التوقف أي حكم المتشابه التوقف فهذا من باب العطف على معمولي عاملين والمجرور مقدم نحو في الدار زيد والحجرة عمرو وعلى اعتقاد الحقية عندنا على قراءة الوقف على إلا اللّه في قوله تعالى وما يعلم تأويله إلا اللّه والراسخون في العلم يقولون آمنا فبعض العلماء قرأ بالوقف على إلا اللّه وقفا لازما والبعض قرأ بلا وقف فعلى الأول والراسخون غير عالمين بالمتشابهات وهو مذهب علمائنا وهذا أليق بنظم القرآن حيث جعل اتباع المتشابهات حظ الزائغين والإقرار بحقيقته مع العجز عن دركه حظ الراسخين وهذا يفهم من قوله تعالى آمنا به كل من عند ربنا أي سواء علمنا أو لم نعلم والأليق بهذا المقام أن يكون قوله تعالى ربنا لا تزغ قلوبنا سؤالا للعصمة عن الزيغ السابق ذكره الداعي إلى اتباع المتشابهات الذي يوقع صاحبه في الفتنة والضلالة وأيضا على ذلك المذهب يقولون آمنا خبر مبتدأ محذوف والحذف خلاف الأصل فكما ابتلي من له ضرب جهل بالإمعان في (١/٢٣٨) (١/٢٣٩) السير أي في طلب العلم والمراد بذل المجهود والطاقة في طلب العلم ابتلي الراسخ في العلم بالتوقف أي عن طلبه وهذا جواب إشكال وهو أن الكلام للإفهام فلما لم يكن للراسخين في العلم حظ في العلم بالمتشابهات فما الفائدة في إنزال المتشابهات فنجيب أن الفائدة هي الابتلاء فكما ابتلي الجاهل بالمبالغة في طلب العلم ابتلي الراسخ بكبح عنان ذهنه عن التأمل والطلب فإن رياضة البليد تكون بالعدو ورياضة الجواد تكن بكبح العنان والمنع عن السير وهذا أعظمها بلوى وأعمها جدوى أي هذا النوع من الابتلاء أعظم النوعين بلوى والنوعان من الابتلاء ما ذكرنا من ابتلاء الجاهل والعالم وإنما كان أعظمهما بلوى لأن هذا الابتلاء هو أن يسلم ذلك إلى اللّه تعالى ويفوضه إليه ويلقي نفسه في مدرجة العجز والهوان ويتلاشى علمه في علم اللّه ولا يبقى له في بحر الفناء اسم ولا رسم وهذا منتهى إقدام الطالبين وقد قيل العجز عن درك الإدراك إدراك مسألة قيل الدليل اللفظي لا يفيد اليقين لأنه مبني على نقل اللغة والنحو والصرف وعدم الاشتراك والمجاز والإضمار والنقل أي يكون منقولا من الموضوع له إلى معنى آخر والتخصيص والتقديم وقد أوردوا في مثاله وأسروا النجوى الذين ظلموا (١/٢٤٠) تقديره والذين ظلموا أسروا النجوى كي لا يكون من قبيل أكلوني البراغيث والتأخير والناسخ والمعارض العقلي وهي ظنية أما الوجوديات وهي نقل اللغة والصرف والنحو فلعدم عصمة الرواة وعدم التواتر وأما العدميات وهي من قوله وعدم الاشتراك إلى آخره فلأن مبناها على الاستقراء وهذا باطل أي ما قيل إن الدليل اللفظي لا يفيد اليقين لأن بعض اللغات والنحو والتصريف بلغ حد التواتر كاللغات المشهورة غاية الشهرة ورفع (١/٢٤١) الفاعل ونصب المفعول وأن ضرب وما على وزنه فعل ماض وأمثال ذلك فكل تركيب مؤلف من هذه المشهورات قطعي كقوله تعالى إن اللّه بكل شيء عليم ونحن لا ندعي قطعية جميع النقليات ومن ادعى أن لا شيء من التركيبات بمفيد للقطع بمدلوله فقد أنكر جميع المتواترات كوجود بغداد فما هو إلا محض السفسطة والعناد والعقلاء لا يستعملون الكلام في خلاف الأصل عند عدم القرينة وأيضا قد نعلم بالقرائن القطعية أن الأصل هو المراد وإلا تبطل فائدة التخاطب وقطعية المتواتر أصلا واعلم أن العلماء يستعملون العلم القطعي في معنيين أحدهما ما يقطع الاحتمال أصلا كالمحكم والمتواتر والثاني ما يقطع الاحتمال الناشئ عن الدليل كالظاهر والنص والخبر المشهور مثلا فالأول يسمونه علم اليقين والثاني علم الطمأنينة التقسيم الرابع في كيفية دلالة اللفظ على المعنى فهي على الموضوع له أو جزئه أو لازمه المتأخر عبارة إن سيق الكلام له وإشارة إن لم يسق الكلام له وعلى لازمه المحتاج إليه اقتضاء وعلى الحكم في شيء يوجد فيه معنى يفهم لغة أن الحكم في المنطوق لأجله دلالة اعلم أن مشايخنا رحمهم اللّه تعالى لما قسموا الدلالات على هذه الأربع وجب أن يحمل كلامهم على الحصر لئلا يفسد تقسيمهم فأقول الذي فهمت من كلامهم ومن الأمثلة التي (١/٢٤٢) أوردوها لهذه الدلالات أن عبارة النص دلالته على المعنى المسوق له سواء كان ذلك المعنى عين الموضوع له أو جزأه أو لازمه المتأخر وإشارة النص دلالته على أحد هذه الثلاثة إن لم يكن مسوقا له وإنما قلنا ذلك لأن الحكم الثابت بالعبارة في اصطلاحهم يجب أن يكون ثابتا بالنظم ويكون سوق الكلام له والحكم الثابت بالإشارة أن يكون ثابتا بالنظم ولا يكون سوق الكلام له ومرادهم بالنظم اللفظ وقد قالوا قوله تعالى للفقراء المهاجرين الآية سيق لإيجاب سهم من الغنيمة للفقراء المهاجرين وفيه إشارة إلى زوال ملكهم عما خلفوا في دار الحرب والمعنى الأول وهو إيجاب سهم من الغنيمة لهم هو المعنى الموضوع له وقد جعلوه عبارة فيه فيكون المعنى الموضوع له ثابتا بالنظم والمعنى الثاني وهو زوال ملكهم عما خلفوا في دار الحرب جزء الموضوع له لأن الفقراء هم الذين لا يملكون شيئا فكونهم بحيث لا يملكون شيئا مما خلفوا في دار الحرب جزء لكونهم بحيث لا يملكون شيئا فيكون جزء الموضوع له فلما سمعوا دلالته على زوال ملكهم عما خلفوا إشارة والإشارة ثابتة بالنظم فيكون جزء الموضوع له ثابتا بالنظم وأما أن اللازم المتأخر ثابت بالنظم عندهم فلأنهم قالوا إن قوله تعالى وعلى المولود له رزقهن سيق لإيجاب نفقة الزوجات على الزوج الذي ولدن لأجله وهو المعنى الموضوع له فيه إشارة إلى أن الأب منفرد في الإنفاق على الولد إذ لا يشاركه أحد (١/٢٤٣) في هذه النسبة فكذا في حكمها وهو الإنفاق على الولد وهذا المعنى لازم خارجي للموضوع له متأخر عنه ولما جعلوه إشارة إلى هذا المعنى جعلوا اللازم الخارجي المتأخر ثابتا بالنظم فالمثال الأول عبارة في الموضوع له إشارة إلى جزئه والمثال الثاني عبارة في الموضوع له إشارة إلى لازمه وهو الانفراد بنفقة الأولاد وأيضا إلى جزئه وهو أن النسب إلى الآباء إلى آخر ما ذكرنا في المتن وإذا قالت المرأة لزوجها نكحت علي امرأة فطلقها فقال إرضاء لها كل امرأة لي فطالق طلقت كلهن قضاء فالمعنى الموضوع له طلاق جميع نسائه وقد سيق الكلام لجزء الموضوع له وهو طلاق بعضهن أي غير هذه المرأة فيكون عبارة في جزء الموضوع له وإشارة إلى الموضوع له وهو طلاق الكل وأيضا إلى الجزء الآخر وهو طلاق هذه المرأة وأيضا إلى لازم الموضوع له وهو لوازم الطلاق كوجوب المهر والعدة ونحوهما وقوله تعالى وأحل اللّه البيع وحرم الربا سيق اللازم (١/٢٤٤) المتأخر وهو التفرقة بينهما فيكون عبارة فيه وإشارة إلى الموضوع له وإلى أجزائه وإلى اللوازم الأخر وإنما قيدنا اللازم بالمتأخر لأنهم سموا دلالة اللفظ على اللازم المتقدم اقتضاء وإنما جعلوا كذلك لأن دلالة الملزوم على اللازم المتأخر كالعلة على المعلول أقوى من دلالته على اللازم غير المتأخر كالمعلول على العلة فإن الأولى مطردة دون الثانية إذ لا دلالة للمعلول على العلة إلا أن يكون معلولا مساويا ولأن النص المثبت للعلة مثبت للمعلول تبعا لها أما المثبت للمعلول فغير مثبت لعلته التي هي أصل بالنسبة إلى المعلول فيحسن أن يقال إن المعلول ثابت بعبارة النص المثبت للعلة ولا يحسن أن يقال إن العلة ثابتة بعبارة النص المثبت للمعلول فتبين من هذه الأبحاث حدود العبارة والإشارة والاقتضاء وأما حد دلالة النص فهو قوله على الحكم في شيء أي دلالة اللفظ على الحكم في شيء يوجد فيه معنى يفهم كل من يعرف اللغة أن الحكم في المنطوق لأجل ذلك المعنى يسمى دلالة النص نحو فلا تقل لهما أف يدل على حرمة (١/٢٤٥) الضرب فالضرب شيء يوجد فيه الأذى والأذى هو معنى يفهم كل من يعرف اللغة أن الحكم بالحرمة في المنطوق وهو التأفيف لأجله ووجه الحصر في هذه الأربع أن المعنى إن كان عين الموضوع له أو جزأه أو لازمه الغير المتقدم عليه فعبارة إن سيق الكلام له وإشارة إن لم يسق وإن كان لازمه المتقدم فاقتضاء وإن لم يكن شيء من ذلك فإن وجد في هذا المعنى علة يفهم كل من يعرف اللغة أن الحكم في المنطوق لأجلها فدلالة نص وإن لم يوجد فلا دلالة له أصلا وإنما قلنا يفهم كل من يعرف اللغة لأنه إن لم يفهم أحد أو يفهم البعض دون البعض فلا دلالة من حيث اللفظ إذ الدلالة اللفظية إنما اعتبرت بالنسبة إلى كل من هو عالم بالوضع وبهذا القيد خرج القياس فإن المعنى في القياس لا يفهمه كل من يعرف اللغة فإنه لا يفهمه إلا المجتهد هذا هو نهاية أقدام التحقيق والتنقيح في هذا الموضع ولم يسبقني أحد إلى كشف الغطاء عن وجوه هذه الدلالات ومن لم يصدقني فعليه بمطالعة كتب المتقدمين والمتأخرين واللّه تعالى الموفق كقوله تعالى للفقراء المهاجرين سيق لاستحقاق سهم من الغنيمة لهم وفيه إشارة إلى زوال ملكهم عما خلفوا في دار الحرب وكقوله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن (١/٢٤٦) سيق لإيجاب نفقتها على الولد وفيه إشارة إلى أن النسب إلى الآباء وإلى أن للأب ولاية تملك ماله لأنه نسب إليه فاللام الملك فيقتضي كمال اختصاص الولد واختصاص ماله بأبيه على قدر الإمكان وتملك الولد غير ممكن لكن تملك ماله ممكن فيثبت هذا وإلى انفراده بالإنفاق على الولد إذ لا يشاركه أحد في هذه النسبة فكذلك في حكمها وإلى أن أجر الرضاع يستغني عن التقدير لأنه تعالى أوجب على الأب رزق أمهات الأولاد من غير تقدير فإن (١/٢٤٧) أراد استئجار الوالدة لإرضاع ولدها يكون ثابتا بالإشارة وإن أراد استئجار غير الوالدة فثبوته بدلالة النص لا بالإشارة لعدم ثبوته بالمنطوق وقوله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك إشارة إلى أن الورثة ينفقون بقدر الإرث لأن العلة هي الإرث لأن النسبة إلى المشتق توجب علية المأخوذ وكقوله تعالى إطعام عشرة مساكين فيه إشارة إلى أن الأصل فيه هو الإباحة والتمليك ملحق به وعند الشافعي لا يجوز لا بالتمليك كما في الكسوة لأن الإطعام جعل الغير طاعما لا جعله مالكا وألحق به التمليك دلالة لأن المقصود قضاء حوائجهم وهي كثيرة فأقيم التمليك مقامها ولا كذلك في الكسوة أي لا يكون الأصل في الكسوة الإباحة لأن الكسوة بالكسر الثوب فوجب أن تصير العين كفارة وإذا بتمليك العين لا إعارة لا إذ هي ترد على المنفعة على أن الإباحة في الطعام تتم المقصود أي سلمنا أن الكسوة بالكسر مصدر لكن الإباحة في الطعام وهي أن يأكلوا على ملك المبيح يتم بها المقصود دون إعارة الثوب وهي أن يلبسوا على ملك المبيح فإنه لا يتم بها المقصود فإن للمبيح ولاية الاسترداد في إعارة الثوب ولا يمكن الرد في الطعام بعد الأكل (١/٢٤٨) وأما دلالة النص وتسمى فحوى الخطاب فكقوله تعالى فلا تقل لهما أف يدل على حرمة الضرب لأن معنى المفهوم منه وهو الأذى أي المعنى الذي يفهم منه أن التأفيف حرام لأجله وهو الأذى موجود في الضرب بل هو أشد كالكفارة وبالوقاع وجبت عليه أي على الزوج نصا وعليها أي على المرأة دلالة لأن المعنى الذي يفهم موجبا للكفارة هو الجناية على الصوم وهي مشتركة بينهما وكوجوب الكفارة عندنا في الأكل والشرب بدلالة نص ورد في الوقاع لأن المعنى الذي يفهم في الوقاع موجبا للكفارة هو كونه جناية على الصوم فإنه (١/٢٤٩) الإمساك عن المفطرات الثلاث فيثبت الحكم فيهما بل أولى لأن الصبر عنهما أشد والداعية إليهما أكثر فبالأحرى أن يثبت الزاجر فيهما وكوجوب الحد عندهما في اللواطة بدلالة نص ورد في الزنا فإن المعنى الذي يفهم فيه قضاء الشهوة بسفح الماء في محل محرم مشتهى وهذا موجود في اللواطة بل زيادة لأنها في الحرمة وسفح الماء فوقه أي فوق الزنا أما في الحرمة فلأن حرمة اللواطة لا تزول أبدا وأما في سفح الماء فلأنها تضييع الماء على وجه لا يتخلق منه الولد وفي الشهوة مثله لكنا نقول الزنا أكمل في سفح الماء والشهوة لأن فيه هلاك البشر لأن ولد الزنا هالك حكما وفيه إفساد الفراش أي فراش الزوج لأنه يجب فيه اللعان وتثبت الفرقة بسببه ويشتبه النسب (١/٢٥٠) وأما تضييع الماء فقاصر أي ما قال من تضييع الماء في اللواطة فقاصر في الحرمة لأنه قد يحل بالعزل والشهوة فيه من الطرفين فيغلب وجوده أي وجود الزنا والترجيح بالحرمة غير نافع أي ترجيح اللواطة على الزنا بالحرمة غير نافع في وجوب الحد لأن الحرمة المجردة بدون هذه المعاني أي المعاني المخصوصة بالزنا وهي إهلاك البشر وإفساد الفراش واشتباه النسب لا توجب الحد كالبول مثلا وكوجوب القصاص بالمثقل عندهما بدلالة قوله عليه السلام لا قود إلا بالسيف يحتمل معنيين أحدهما أن القصاص لا يقام إلا بالسيف الثاني أن لا قود إلا بسبب القتل بالسيف فإن المعنى الذي يفهم موجبا حال من الضمير في يفهم للجزاء الكامل عن انتهاك حرمة النفس متعلق بالجزاء والانتهاك افتعال من النهك وهو القطع يقال سيف نهيك أي قاطع ومعناه قطع الحرمة بما لا يحل في تاج المصادر الانتهاك حرمة كسي شكستن الضرب خبران بما لا يطيقه البدن وقال أبو حنيفة رحمه اللّه المعنى جرح ينقض البنية ظاهرا وباطنا فإنه حينئذ يقع الجناية قصدا على النفس (١/٢٥١) الحيوانية التي بها الحياة فتكون أكمل وكوجوب الكفارة عند الشافعي رحمه اللّه تعالى في القتل العمد واليمين الغموس بدلالة نص ورد في الخطأ والمعقودة أوجب الشافعي الكفارة في القتل العمد بدلالة نص ورد في الخطأ وهو قوله تعالى ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة وأوجب الكفارة في الغموس بدلالة نص ورد في المعقودة وهو قوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته الآية لأنه لما أوجب القتل الخطأ الكفارة مع وجود العذر فأولى أن تجب بدونه وإذا وجبت الكفارة في المعقودة إذا كذبت فأولى أن تجب في الغموس وهي كاذبة في الأصل لكنا نقول الكفارة عبادة ليصير ثوابها جبرا لما ارتكب فلهذا تؤدى بالصوم وفيها معنى العقوبة فإنها جزاء يزجره عن ارتكاب المحظور فيجب أن يكون سببها دائرا بين الحظر والإباحة كقتل الخطأ والمعقودة فإن اليمين مشروعة والكذب حرام فأما العمد والغموس فكبيرة محضة وهي لا تلائم العبادة (١/٢٥٢) وهي تمحو الصغائر لا الكبائر وقال اللّه تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات فإن قيل ينبغي أن لا تجب في القتل بالمثقل لأنه حرام محض هذا إشكال على قوله فيجب أن يكون سببها دائرا بين الحظر والإباحة فإن القتل بالمثقل حرام محض فيجب أن لا تجب فيه الكفارة قلنا فيه شبهة الخطأ أي في القتل بالمثقل شبهة الخطأ فإنه ليس بآلة القتل وهي أي الكفارة مما يحتاط في إثباته فتجب بشبهة السبب والسبب القتل الخطأ فإن قيل ينبغي أن تجب فيما إذا قتل مستأمنا عمدا فإن الشبهة قائمة هذا إشكال على قوله فيه شبهة الخطأ فإن قتل المستأمن فيه شبهة الخطأ بسبب المحل فإن المستأمن كافر حربي فظنه محلا يباح قتله كما إذا قتل مسلما ظنه صيدا أو حربيا وإذا كان فيه شبهة الخطأ ينبغي أن تجب فيه الكفارة كما في القتل بالمثقل تجب الكفارة لشبهة الخطأ (١/٢٥٣) قلنا الشبهة في محل الفعل فاعتبرت في القود فإنه مقابل بالمحل من وجه لقوله تعالى أن النفس بالنفس فأما الفعل فعمد خالص والكفارة جزاء الفعل وفي المثقل الشبهة في الفعل فأوجبت الكفارة وأسقطت القصاص فإنه جزاء الفعل أيضا من وجه يعني شبهة الخطأ في قتل المستأمن إنما هي في محل الفعل لا في الفعل فإن قتل المستأمن من حيث الفعل عمد محض فاعتبرت الشبهة فيما هو جزاء المحل والقصاص جزاء المحل من وجه فاعتبرت الشبهة فيه حتى لا يجب القصاص بقتل المستأمن ولم تعتبر هذه الشبهة فيما هو جزاء الفعل من كل الوجوه وهو الكفارة فلم تجب الكفارة في قتل المستأمن أما القتل بالمثقل فإن شبهة الخطأ فيه من حيث الفعل فاعتبرت فيما هو جزاء الفعل من كل الوجوه وهو الكفارة حتى وجبت الكفارة فيه وكذا اعتبرت فيما هو جزاء الفعل من وجه وهو القصاص حتى لم يجب القصاص فيه وينبغي أن يعلم أن الشبهة مما تثبت الكفارة وتسقط القصاص وإنما قلنا إن القصاص من وجه جزاء المحل ومن وجه آخر جزاء الفعل أما الأول فلقوله تعالى أن النفس بالنفس وكونه حقا لأولياء المقتول يدل (١/٢٥٤) على هذا وأما الثاني فلأنه شرع ليكون زاجرا عن هدم بنيان الرب والزواجر كالحدود والكفارات إنما هي أجزية الأفعال ووجوب القصاص على الجماعة بالواحد يدل على كونه جزاء الفعل والثابت بدلالة النص كالثابت بالعبارة والإشارة إلا عند التعارض وهو فوق القياس لأن المعنى في القياس مدرك رأيا لا لغة بخلاف الدلالة فيثبت بها ما يندرئ بالشبهات ولا يثبت ذا بالقياس أي ما يندرئ بالشبهات كالحدود والقصاص لا يثبت (١/٢٥٥) بالقياس قال عليه السلام ادرءوا الحدود بالشبهات واعلم أن في بعض المسائل المذكورة في المتن كلاما في أنها ثابتة بدلالة النص أم بالقياس فعليك بالتأمل فيها (١/٢٥٦) وأما المقتضي فنحو أعتق عبدك عني بألف يقتضي البيع ضرورة صحة العتق فصار كأنه قال بع عبدك عني بألف وكن وكيلي في الإعتاق فيثبت أي البيع بقدر الضرورة ولا يكون كالملفوظ حتى لا يثبت شروطه أي لا يجب أن يثبت جميع شروطه بل يثبت من الأركان والشروط ما لا يحتمل السقوط أصلا لكن ما يحتمل السقوط في الجملة لا يثبت فقال أبو يوسف رحمه اللّه تعالى هذا تفريع لما مر أنه لا يثبت شروطه لو قال أعتق عبدك عني بغير شيء أنه يصح عن الآمر وتستغني الهبة عن القبض وهو شرط كما يستغني البيع ثمة عن القبول وهو ركن قلنا يسقط ما يحتمل السقوط والقبول مما يحتمله أي (١/٢٥٧) القبول باللسان في البيع مما يحتمل السقوط كما في التعاطي لا القبض أي في الهبة ولا عموم للمقتضى أي إذا كان المعنى المقتضى معنى تحته أفراد لا يجب أن يثبت جميع أفراده لأنه ثابت ضرورة فيتقدر بقدرها ولما لم يعم لم يقبل التخصيص في قوله واللّه لا آكل لأن طعاما ثابت اقتضاء وأيضا لا تخصيص إلا في اللفظ فإن قيل يقدر أكلا وهو مصدر ثابت لغة ودلالة الفعل على المصدر بطريق المنطوق لأنها دلالة تضمينية فالثابت لغة على قسمين حقيقي منطوق كالمصدر ومجازي محذوف نحو واسأل القرية فيصير كقوله لا آكل أكلا ونية التخصيص في لا آكل أكلا صحيحة بالاتفاق (١/٢٥٨) قلنا المصدر الثابت لغة هو الدال على الماهية لا على الأفراد بخلاف قوله لا آكل أكلا فإن أكلا نكرة في موضع النفي وهي عامة فيجوز تخصيصها بالنية فإن قيل إذا لم يكن لا آكل عاما ينبغي أن لا يحنث بكل أكل قلنا إنما يحنث لأنه مندرج تحت ماهية الأكل فإن قوله لا آكل معناه لا يوجد منه ماهية الأكل وعدم وجود ماهية الأكل موقوف على أن لا يوجد منه فرد من أفراد الأكل أصلا للدلالة على هذا المعنى بطريق الاقتضاء لا لأن اللفظ يدل على جميع الأفراد أي بطريق المنطوق فإن قيل إن قال لا أساكن فلانا ونوى في بيت واحد تصح نيته والبيت ثابت اقتضاء قلنا إنما تصح نيته لأن المساكنة نوعان قاصرة وهي أن يكونا في دار واحدة وكاملة وهي هذه أي المساكنة الكاملة هي التي يسكنان في بيت واحد فنية البيت الواحد لا تكون من باب عموم المقتضى بل من باب نية أحد محتملي اللفظ المشترك أو نية (١/٢٥٩) أحد نوعي الجنس وسيأتي تمامه في هذا الفصل وقد غيرت هنا عبارة المتن بالتقديم والتأخير هكذا فنوى الكامل ولذلك قلنا في أنت طالق وطلقتك ونوى الثلاث إن نيته باطلة لأن المصدر الذي يثبت من المتكلم إنشاء أمر شرعي لا لغوي فيكون ثابتا اقتضاء بخلاف طلقي نفسك فإنه يصح نية الثلاث لأن معناه افعلي فعل الطلاق فثبوت مصدر في المستقبل بطريق اللغة فيكون كالملفوظ كسائر أسماء الأجناس على ما يأتي فإن قيل ثبوت البينونة في أنت بائن أمر شرعي أيضا فينبغي أن لا يصح فيه نية الثلاث قلنا نعم لكن البينونة على نوعين (١/٢٦٠) فتصح نية أحدهما ولا كذلك الطلاق فإنه لا اختلاف فيه إلا بالعدد ومما يتصل بذلك المحذوف وهو ما يغير إثباته المنطوق بخلاف المقتضى نحو واسأل القرية أي أهلها فإثباته يغير الكلام بنقل النسبة من القرية إليه فالمفعول حقيقة هو الأهل فيكون ثابتا لغة فيكون كالملفوظ فيجري فيه العموم والخصوص قوله ولذلك أي لما ذكر أن المقتضى لا عموم له أصلا لا يصح نية الثلاث في أنت طالق وطلقتك فإن دلالة أنت طالق وطلقتك على الطلاق بطريق الاقتضاء لا بطريق اللغة لأنه من حيث اللغة يدل على اتصاف المرأة بالطلاق لكن لا يدل على ثبوت الطلاق بطريق الإنشاء من المتكلم بهذا اللفظ وإنما ذلك أمر شرعي لا ثابت لغة فإن قيل الطلاق الذي يثبت من المتكلم بطريق الإنشاء كيف يكون ثابتا بالاقتضاء لأن المقتضى في اصطلاحهم هو اللازم والمحتاج إليه وهنا ليس كذلك لأن الطلاق يثبت بهذا اللفظ فثبوته يكون متأخرا فيكون من باب العبارة فيصح فيه نية الثلاث (١/٢٦١) قلنا عنه جوابان أحدهما أنه ليس المراد بوضع الشرع هذا اللفظ للإنشاء أن الشرع أسقط اعتبار معنى الإخبار بالكلية ووضعه للإنشاء ابتداء بل الشرع في جميع أوضاعه اعتبر الأوضاع اللغوية حتى اختار للإنشاء ألفاظا تدل على ثبوت معانيها في الحال كألفاظ الماضي والألفاظ المخصوصة بالحال فإذا قال أنت طالق وهو في اللغة للإخبار يجب كون المرأة موصوفة به في الحال فيثبت الشرع الإيقاع من جهة المتكلم اقتضاء ليصح هذا الكلام فيكون الطلاق ثابتا اقتضاء فهذا معنى وضع الشرع للإنشاء وإذا كان الطلاق ثابتا اقتضاء لا يصح فيه نية الثلاث لأنه عموم للمقتضى ولأن نية الثلاث إنما تصح بطريق المجاز من حيث إن الثلاث واحد اعتباري ولا تصح نية المجاز إلا في اللفظ كنية التخصيص وثانيهما أن قوله أنت طالق يدل على الطلاق الذي هو صفة المرأة لغة ويدل على التطليق الذي هو صفة الرجل اقتضاء فالذي هو صفة المرأة لا تصح فيه نية الثلاث لأنه غير متعدد في ذاته وإنما التعدد في التطليق حقيقة وباعتبار تعدده يتعدد لازمه أي الذي هو صفة المرأة فلا تصح فيه نية الثلاث (١/٢٦٢) وأما الذي هو صفة الرجل فلا يصح فيه نية الثلاث أيضا لأنه ثابت اقتضاء وهذا الوجه مذكور في الهداية والجواب الأول شامل لأنت طالق وطلقتك والثاني مخصوص بأنت طالق وإذا قال أنت طالق طلاقا أو أنت الطلاق فإنه يصح فيهما نية الثلاث ووجهه على هذا الجواب الثاني مشكل لأن الجواب الثاني هو أن الطلاق الذي هو صفة المرأة لا يصح فيه نية الثلاث وفي قوله أنت طالق طلاقا لا شك أن طلاقا هو صفة المرأة فينبغي أن لا يصح فيه نية الثلاث فنقول إذا نوى الثلاث تعين أن المراد بالطلاق هو التطليق فيكون مصدر الفعل محذوفا تقديره أنت طالق لأني طلقتك تطليقات وقوله ثلاثا أنت الطلاق إذا نوى الثلاث فمعناه أنت ذات وقع عليك التطليقات الثلاث وأما على الجواب (١/٢٦٣) الأول فلا يجيء هذا الإشكال إذ لم يقل إن الطلاق الذي هو صفة المرأة لا يصح فيه نية الثلاث بل يجوز ذلك والطلاق ملفوظ فيصح فيه نية الثلاث وإن كان صفة للمرأة وقوله كسائر أسماء الأجناس إذا كان كالملفوظ لكنه اسم جنس وهو اسم فرد لا يدل على العدد بل يدل على الواحد الحقيقي أو الاعتباري كسائر أسماء الأجناس إذا كانت ملفوظة لا تدل على العدد بل على الواحد إما حقيقة أو اعتبارا على ما يأتي في فيه أن الأمر لا يدل على العموم والتكرار أن الطلاق اسم فرد يتناول الواحد الحقيقي ويمكن أن يراد به الواحد الاعتباري أن المجموع من حيث هو المجموع والمجموع في الطلاق هو الثلاث وقوله فإن قيل ثبوت البينونة هذا إشكال على بطلان نية الثلاث في أنت طالق وتقريره أنكم قلتم إن المصدر الذي يثبت من المتكلم إنشاء أمر شرعي لا لغوي فيكون ثابتا اقتضاء فلا يصح فيه نية الثلاث فكذلك ثبوت البينونة من المتكلم بقوله أنت بائن أمر شرعي أيضا فينبغي أن لا يصح فيه نية الثلاث وقوله قلنا نعم لكن البينونة جواب عن هذا الإشكال ووجهه أنا سلمنا أن البينونة ثابتة بطريق الاقتضاء لكن البينونة من حيث هي البينونة مشتركة بين الخفيفة وهي التي يمكن رفعها والغليظة وهي التي لا يمكن رفعها وهي الثلاث أو هي جنس بالنسبة إليهما ونية أحد المحتملين صحيحة في المقتضى وكذلك نية أحد النوعين لأنه لا بد أن يثبت أحدهما ولا يمكن اجتماعهما فلا بد أن ينوي أحدهما لكن لا يصح فيه نية عدد معين فيه إذ لا عموم للمقتضى ولا دلالة له على الأفراد أصلا ولأن المقتضى ثابت ضرورة ولا ضرورة في العدد المعين فيثبت ما ترتفع به الضرورة وهو الأقل (١/٢٦٤) المتيقن ولا كذلك في النوعين لأنه لا يتصور فيهما الأقل المتيقن لأن الأنواع لا تكون إلا متنافية فلا بد وأن تصح نية أحد النوعين وأيضا لا تصح نية المجاز في المقتضى كنية ثلاث تطليقات في أنت طالق طلاقا بناء على أنها واحد اعتباري كما ذكرنا وقوله ولا كذلك الطلاق فإنه لا اختلاف بين أفراده بحسب النوع بل يختلف بحسب العدد فقط ولا يمكن أن يقال إن الطلاق يتنوع على ما يمكن رفعه وعلى ما لا يمكن رفعه فإن الطلاق لا يمكن رفعه أصلا وقوله ومما يتصل بذلك أي بالمقتضى هو المحذوف واعلم أنه يشتبه على بعض الناس المحذوف بالمقتضى ولا يعرفون الفرق بينهما فيعطون أحدهما حكم الآخر (١/٢٦٥) ويغلطون في كثير من الأحكام وإن توهم متوهم أن المحذوف يصير قسما خامسا بعد العبارة والإشارة والدلالة والاقتضاء فيبطل الحصر في الأربعة المذكورة فهذا وهم باطل لأن مرادنا باللفظ الدال على المعنى في مورد القسمة اللفظ إما حقيقة وإما تقديرا وكل ما هو محذوف فهو غير ملفوظ لكنه ثابت لغة فإنه في حكم الملفوظ فيكون اللفظ المنطوق دالا على اللفظ المحذوف ثم اللفظ المحذوف دال على معناه بأحد هذه الأقسام الأربعة فالدلالة المنقسمة على الأربع دلالة اللفظ على المعنى أما دلالة اللفظ على لفظ آخر فليست من باب دلالة اللفظ على المعنى فصل اعلم أن بعض الناس يقولون بمفهوم المخالفة وهو أن يثبت الحكم في المسكوت عنه على خلاف ما ثبت في المنطوق وشرطه أي وشرطه مفهوم المخالفة عند القائلين به أن لا تظهر أولويته أي أولوية المسكوت عنه من المنطوق بالحكم الثابت للمنطوق ولا مساواته إياه أي مساواة المسكوت عنه المنطوق في الحكم الثابت للمنطوق (١/٢٦٦) حتى لو ظهر أولوية المسكوت عنه أو مساواته يثبت الحكم في المسكوت عنه بدلالة النص الذي ورد في المنطوق أو بقياسه عليه ولا يخرج أي المنطوق مخرج العادة نحو قوله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم حرم الربائب على أزواج الأمهات ووصفن بكونهن في حجورهم فلو لم يوجد هذا الوصف لا يقال بانتفاء الحرمة لأنه إنما وصف الربائب بكونهن في حجورهم إخراجا للكلام مخرج العادة فإن العادة جرت بكون الربائب في حجورهم فحينئذ لا يدل على نفي الحكم عما عداه ولا يكون أي المنطوق لسؤال أو حادثة كما إذا سئل عن وجوب الزكاة لا الإبل السائمة مثلا فقال بناء على السؤال أو بناء على وقوع الحادثة إن في الإبل السائمة زكاة فوصفها بالسوم هاهنا لا يدل على عدم وجوب الزكاة عند عدم السوم أو علم المتكلم بالجر عطف على قوله لسؤالي بأن السامع يسمع هذا الحكم المخصوص كما إذا علم أن السامع لا يعلم بوجوب الزكاة في الإبل السائمة فقال بناء على هذا إن في الإبل السائمة زكاة لا يدل أيضا على عدم الحكم عند عدم السوم فإذا بين شرائط مفهوم المخالفة شرع في أقسامه فقال منه أي من مفهوم المخالفة هذه المسألة (١/٢٦٧) وهي أن تخصيص الشيء باسمه سواء كان اسم جنس أو اسم علم يدل على نفي الحكم عما عداه أي عما عدا ذلك الشيء عند البعض لأن الأنصار فهموا من قوله عليه السلام الماء من الماء أي الغسل من المني عدم وجوب الغسل بالإكسال وهو أن يفتر الذكر قبل الإنزال وعندنا لا يدل ولا يلزم الكفر والكذب في محمد رسول اللّه وفي زيد موجود ونحوهما أي إن دل على نفي الحكم عما عداه لا يلزم الكفر في قوله محمد رسول اللّه إذ يلزم حينئذ أن لا يكون غير محمد رسول اللّه وهو كفر ويلزم الكذب في زيد موجود لأنه يلزم حينئذ أن لا يكون غير زيد موجودا ولإجماع العلماء على جواز التعليل فإن الإجماع على جواز التعليل والقياس دال على أن تخصيص الشيء باسمه لا يدل على نفي الحكم عما عداه لأن القياس هو إثبات حكم مثل حكم الأصل في صورة الفرع فعلم أنه لا دلالة للحكم في الأصل على الحكم المخالف فيما عداه وإنما فهموا ذلك أي عدم وجوب الغسل بالإكسال من اللازم وهو للاستغراق غير أن الماء يثبت مرة عيانا ومرة دلالة جواب (١/٢٦٨) عن إشكال وهو أن يقال لما قلتم إن اللام للاستغراق كان معناه أن جميع أفراد الغسل في صورة وجود المني فلا يجب الغسل بالتقاء الختانين بلا ماء فأجاب عن هذا بأن الغسل لا يجب بدون الماء إلا أن التقاء الختانين دليل الإنزال والإنزال أمر خفي فيدور الحكم مع دليل الإنزال وهو التقاء الختانين كما تدور الرخصة مع دليل المشقة وهو السفر ومنه أي من مفهوم المخالفة هذه المسألة وهي أن تخصيص الشيء بالوصف يدل على نفي الحكم عما عداه عند الشافعي رحمه اللّه تعالى أو نقول تخصيص الشيء مبتدأ ومنه خبره وقوله يدل خبر مبتدأ محذوف أي وهو الراجع إلى تخصيص الشيء وقوله عما عداه أي ما عدا ذلك الوصف والمراد نفي الحكم عن ذلك الشيء بدون ذلك الوصف كقوله تعالى من فتياتكم المؤمنات خص الحل بالفتيات المؤمنات فيلزم عندهم عدم حل نكاح الفتيات أي الإماء غير المؤمنات للعرف فإن في قوله الإنسان الطويل لا يطير يتبادر الفهم منه إلى ما ذكرنا ولهذا يستقبحه العقلاء والاستقباح ليس لأجل نسبة عدم الطيران إلى الإنسان الطويل لأنه لو قال الإنسان الطويل وغير الطويل لا يطير لا يستقبحه العقلاء فعلم أن الاستقباح لأجل أنه يفهم منه أن غير الطويل يطير ولتكثير الفائدة (١/٢٦٩) ولأنه لو لم يكن فيه تلك الفائدة لكان ذكره ترجيحا من غير مرجح لأنه لو لم يدل على نفي الحكم عما عداه لكان الحكم فيما عدا الموصوف ثابتا فتخصيص الحكم بالموصوف يكون ترجيحا من غير مرجح لأن التقدير تقدير عدم المرجحات الأخر كالخروج مخرج العادة إلخ ولأن مثل هذا الكلام يدل على علية هذا الوصف نحو في الإبل السائمة زكاة فيقتضي العدم عند عدمه وعندنا لا يدل لأن موجبات التخصيص لا تنحصر فيما ذكر اعلم أن القائلين بمفهوم المخالفة ذكروا في شرائطه أن التخصيص إنما يدل على نفي الحكم عما عداه إذا لم يخرج مخرج العادة ولم يكن لسؤال أو حادثة أو علم المتكلم بأن السامع يجهل هذا الحكم المخصوص فجعلوا موجبات التخصيص بالحكم منحصرة في هذه الأربعة وفي نفي الحكم عما عداه فإذا لم توجد هذه الأربعة علم أن التخصيص لنفي الحكم عما عداه فأقول إن موجبات التخصيص لا تنحصر في تلك المذكورات نحو الجسم الطويل العريض العميق متحيز فإن شيئا من هذه الأشياء لا يوجد فيه ومع ذلك لا يراد منه نفي الحكم عما عداه لأنه لو كان لنفي الحكم عما عداه يلزم أن الجسم الذي لا يوجد فيه ذلك الوصف لا يكون متحيزا وهذا محال لأن الجسم لا يوجد بدون هذه الصفة وإنما وصفه تعريفا للجسم وإشارة إلى أن علة التحيز هذا الوصف وكالمدح أو الذم فإنه قد يوصف الشيء للمدح أو الذم ولا يراد بالوصف نفي الحكم عما عداه مع أن الأمور الأربعة المذكورة غير متحققة وقوله كالمدح عطف على (١/٢٧٠) قوله نحو الجسم أي موجبات التخصيص لا تنحصر فيما ذكر نحو الجسم إلخ ونحو المدح والذم فإن موجبات التخصيص في هذه الصور أشياء أخر غير ما ذكروا أو التأكيد نحو أمس الدابر لا يعود أو غيره أي غير التأكيد نحو وما من دابة في الأرض فلم يوجد الجزم بأن كل الموجبات منفية إلا نفي الحكم عما عداه فقوله تعالى وما من دابة في الأرض وصف الدابة بكونها في الأرض ولا يراد نفي الحكم بدون ذلك الوصف لأن الدابة لا تكون إلا في الأرض مع أنه لم يوجد شيء من موجبات التخصيص المذكورة وقد ذكر في المفتاح أنه تعالى إنما وصفها بكونها في الأرض ليعلم أن المراد ليس دابة مخصوصة بل كل ما يدب في الأرض فعلم أن موجبات التخصيص وفوائده أشياء كثيرة غير محصورة فلا يحصل الجزم بأن كل موجبات التخصيص منتفية إلا نفي الحكم عما عداه وما ذكروا من استقباح العقلاء فلأنهم لم يجدوا في مثل هذا المثال لوصف الإنسان بالطول فائدة أصلا لكن المثال الواحد لا يفيد الحكم الكلي على أنه كثيرا ما يكون في كتاب اللّه وكلام الرسول لكلمة واحدة ألف فائدة تعجز عن دركها أفهام العقلاء وقوله لكان ذكره ترجيحا من غير مرجح في حيز المنع لأن المرجح لا ينحصر فيما ذكر ولأن أقصى درجاته أي الوصف أن يكون علة وهي لا تدل على ما ذكر لأن الحكم يثبت بعلل شتى جواب عن قوله ولأن مثل هذا الكلام يدل ونحن نقول أيضا بعدم الحكم أي عند عدم الوصف لكن بناء على عدم العلة فيكون عدم الحكم عدما أصليا لا حكما شرعيا لا أنه علة لعدمه أي (١/٢٧١) لا بناء على أن عدم الوصف علة لعدم الحكم عند عدم الوصف ومن ثمرات الخلاف أنه إذا كان الحكم المذكور حكما عدميا لا يثبت الحكم الثبوتي فيما عدا الوصف عندنا كقوله عليه السلام ليس في العلوفة زكاة فإنه لا يلزم منه أن الإبل إذا لم تكن علوفة كان فيها زكاة عندنا لأن الحكم الثبوتي لا يمكن أن يثبت بناء على العدم الأصلي وعنده يثبت فيما عدا الوصف الحكم الثبوتي وأيضا من ثمرات الخلاف صحة التعدية وعدمها كما في قوله تعالى فتحرير رقبة مؤمنة هل تصح تعدية عدم جواز الكافرة في كفارة القتل إلى كفارة اليمين وقد مر في فصل المطلق والمقيد (١/٢٧٢) ونظيره قوله تعالى من فتياتكم المؤمنات هذا لا يوجب تحريم نكاح الأمة الكتابية عندنا خلافا له مع أنه يحتمل الخروج مخرج العادة فالعادة أن لا ينكح المؤمن إلا المؤمنة ثم أورد مسألتين يتوهم فيهما أنا قائلون بأن التخصيص بالوصف يدل على نفي (١/٢٧٣) الحكم عما عداه وهما مسألتا الدعوة والشهادة فقال ولا يلزم علينا أمة ولدت ثلاثة في بطون مختلفة فقال المولى الأكبر مني فإنه نفى الأخيرين لأن هذا ليس لتخصيصه هذا دليل على قوله لا يلزم والمعنى أن كونه نفيا للآخرين ليس لأجل أن التخصيص دال على نفي الحكم عما عداه بل لأن السكوت في موضع الحاجة بيان فإنه يحتاج إلى البيان أي إلى الدعوة لو كان الولد منه فلما سكت عن الدعوة يكون بيانا بأنه ليس منه وأيضا إنما انتفى نسب الآخرين لأن الدعوة شرط لثبوت نسبهما ولم توجد لا لأنه نفى نسبهما وإنما قال في بطون مختلفة حتى لو ولدت في بطن واحدة فإن دعوة الواحد دعوة للجميع لا يقال لا حاجة إلى البيان فإنها صارت بالأول أم ولد فيثبت نسبا الأخيرين بلا دعوة لأنه إنما يكون كذلك أن لو كانت دعوة الأكبر قبل ولادة الأخيرين أما هاهنا فلا فإن دعوة الأكبر في مسألتنا متأخرة عن ولادة الأخيرين فلا يكون الأخيران ولدي أم لولد بل هما ولدا الأمة فيحتاج ثبوت نسبهما إلى الدعوة ولا يلزم إذا قال الشهود لا نعلم له وارثا في أرض كذا أنه لا تقبل شهادتهم عندهما فهذا أي عدم قبول الشهادة عندهما بناء على أن التخصيص دال على ما قلنا أي على نفي الحكم عما عداه فيفهم من هذا الكلام أن الشهود يعلمون له وارثا في غير تلك الأرض فبناء على هذا المعنى لا تقبل شهادتهم لأن الشاهد دليل على قوله ولا يلزم لما ذكر ما لا حاجة إليه جاء شبهة وبها ترد الشهادة ونحن لا ننفي الشبهة فيما نحن فيه أي في التخصيص بالوصف أي لا ننفي كونه شبهة في نفي الحكم عما عداه والشبهة كافية في عدم قبول الشهادة ولا حاجة إلى الدلالة وقال أبو حنيفة رحمه اللّه تعالى هذا أي السكوت عن غير الأرض المذكورة سكوت في غير موضع الحاجة لأن ذكر المكان غير واجب وهو هاهنا أي ذكر المكان المذكور يحتمل الاحتراز عن المجازفة فإنهم ربما كانوا متفحصين على أحوال تلك الأرض فأرادوا بنفي علمهم بالوارث في أرض كذا نفي وجوده فيها لأنه لو كان موجودا فيها لكانوا عالمين به أما سائر الأراضي فلا معرفة لهم بأحوالها فخصوا عدم الوارث بالأرض المذكورة دون سائر الأراضي احترازا عن المجازفة ومنه التعليق بالشرط يوجب العدم عند عدمه عند (١/٢٧٤) الشافعي رحمه اللّه عملا بشرطيته فإن الشرط ما ينتفي بانتفائه وعندنا العدم لا يثبت به أي بالتعليق بل يبقى الحكم على العدم الأصلي حتى لا يكون هذا العدم حكما شرعيا بل عدما أصليا بعين ما ذكرنا في التخصيص بالوصف وما ذكرنا من ثمرة الخلاف ثمت يظهر هنا أيضا لأن الشرط يقال لأمر خارج يتوقف عليه الشيء ولا يترتب كالوضوء وقد يقال للمعلق به وهو ما يترتب الحكم عليه ولا يتوقف عليه فالشرط بالمعنى الأول يوجب ما ذكرتم لا بالمعنى الثاني أي ينتفي المشروط عند انتفاء الشرط بالمعنى الأول كالوضوء شرط لصحة الصلاة فإنه ينتفي صحة الصلاة عند انتفاء الوضوء وليس المراد أن انتفاء المشروط عند انتفاء الشرط بهذا المعنى حكم شرعي بل لا شك أن عدم صحة الصلاة عند عدم الوضوء عدم أصلي لكن مع ذلك يكون عدم الوضوء دالا على عدم صحة الصلاة وأما الشرط بالمعنى الثاني فإنه لا دلالة لانتفائه على انتفاء المشروط فإن المشروط يمكن أن يوجد بدون الشرط نحو إن دخلت الدار فأنت طالق فعند انتفاء الدخول يمكن أن يقع الطلاق بسبب آخر فقوله تعالى ومن لم يستطع منكم طولا الآية يوجب عدم جواز نكاح الأمة عند طول (١/٢٧٥) الحرة عنده ويجوز عندنا قال اللّه تعالى ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات علق جواز نكاح الأمة بعدم القدرة على نكاح الحرة فإن كانت القدرة على نكاح الحرة ثابتة يثبت عدم جواز نكاح الأمة عنده فيصير مفهوم هذه الآية مخصصا عنده لقوله تعالى وأحل لكم ما وراء ذلكم وعندنا لما لم يدل على نفي الجواز لا يصلح مخصصا ولا ناسخا لتلك الآية فيثبت الجواز بتلك الآية وهذا بناء على أي هذا الخلاف مبني على أن الشافعي رحمه اللّه تعالى اعتبر المشروط بدون الشرط فإنه يوجب الحكم على جميع التقادير فالتعليق قيده أي الحكم بتقدير معين وأعدمه أي الحكم على غيره فيكون له أي للتعليق تأثير في العدم أي عدم الحكم ونحن نعتبره معه أي نعتبر المشروط مع الشرط فإن الشرط والجزاء كلام واحد أوجب الحكم على تقدير وهو ساكت عن غيره فالمشروط بدون الشرط مثل أنت في أنت طالق أي المشروط وهو قولنا أنت طالق في قولنا أنت طالق إن دخلت الدار إذا أخذ (١/٢٧٦) مجردا عن الشرط فهو بمنزلة أنت في أنت طالق لأنه ليس بكلام بل مجموع الشرط والجزاء كلام واحد فلا يكون موجبا للحكم على جميع التقادير كما زعم فعلى هذا أي على هذا الأصل وهو أنه اعتبر المشروط بدون الشرط ونحن اعتبرنا المشروط مع الشرط المعلق بالشرط نحو إن دخلت الدار فأنت طالق انعقد سببا عنده لكن التعليق أخر الحكم إلى زمان وجود الشرط على ما ذكرنا من أن المشروط بدون الشرط موجب للحكم على جميع التقادير والتعليق قيد الحكم بتقدير معين وأعدم الحكم على غيره من التقادير فصار أنت طالق سببا للحكم ويكون تأثير التعليق في تأخير الحكم لا في منع السببية فأبطل تعليق الطلاق والعتاق بالملك هذا تفريع على أن المعلق بالشرط انعقد سببا عنده فإن وجود الملك شرط عند وجود السبب بالاتفاق والمعلق انعقد سببا عند الشافعي رحمه اللّه تعالى فإذا علق الطلاق أو العتاق بالملك فالملك غير موجود عند وجود السبب فيبطل التعليق وجوز تعجيل النذر المعلق فإن التعجيل بعد وجود السبب قبل وجوب الأداء صحيح بالاتفاق كتعجيل الزكاة قبل الحلول إذا وجد السبب وهو النصاب فالنذر المعلق انعقد سببا عنده فيجوز التعجيل وكفارة اليمين إذا كانت مالية فإن الشافعي رحمه اللّه تعالى جوز تعجيل الكفارة المالية قبل الحنث فإن اليمين سبب للكفارة عنده بناء على هذا الأصل فيثبت نفس الوجوب بناء على السبب وإنما يثبت وجوب الأداء عند الشرط وهو الحنث لأن المالي يحتمل الفصل بين نفس الوجوب ووجوب الأداء كما في الثمن بأن يثبت المال (١/٢٧٧) في الذمة مع أنه لا يجب أداؤه بخلاف البدني ففي الكفارة المالية الفصل بين نفس الوجوب ووجوب الأداء ثابت كما في الثمن فإن نفس الوجوب بالشراء ووجوب الأداء بالمطالبة فأما في البدنية فلا ينفك أحدهما عن الآخر ففي المالي لما ثبت نفس الوجوب بناء على السبب أفاد صحة الأداء وفي البدني لما لم يثبت لم يصح الأداء وأما قوله فلا ينفك أحدهما عن الآخر ففي فصل الأمر يأتي أن في العبادة البدنية لا ينفك نفس الوجوب عن وجوب الأداء وعندنا لا ينعقد سببا إلا عند وجود الشرط لأن السبب ما يكون طريقا إلى الحكم (١/٢٧٨) وقبل وجود الشرط ليس كذلك على ما عهدنا من الأصل وهو أنا نعتبر المشروط مع الشرط فلا يكون موجبا للوقوع لما ذكرنا أن الجزاء بمنزلة أنت في قولنا أنت طالق فلا ينعقد سببا للحكم بل إنما يصير سببا عند وجود الشرط فيختلف الحكم في المسائل المذكورة على أن اليمين انعقدت للبر فكيف تكون سببا للكفارة بل سببها الحنث لما لم ينعقد سببا عندنا اختلف الحكم في المسائل المذكورة فيجوز تعليق الطلاق والعتاق بالملك لأن الملك متحقق عند وجود السبب قطعا ولا يجوز تعجيل النذر والكفارة عندنا لأن التعجيل قبل السبب لا يجوز بالاتفاق والسبب إنما يصير سببا عند وجود الشرط في باب النذر والسبب للكفارة هو الحنث عندنا فإن اليمين لم تنعقد سببا للكفارة لأنها انعقدت للبر والكفارة إنما تجب على تقدير الحنث فلا يكون اليمين سببا للكفارة بل هي شرط لها والحنث سبب وفرقه بين المالي والبدني غير صحيح إذ المال غير مقصود في حقوق اللّه تعالى وإنما المقصود هو الأداء فيصير كالبدنية وتبين الفرق أي على مذهبنا بين الشرط وبين الأجل وشرط الخيار فإن هذين دخلا على الحكم أما الأجل فظاهر فإنه داخل على الثمن لا على البيع (١/٢٧٩) وأما خيار الشرط فلأن البيع لا يحتمل الحظر وإنما يثبت الخيار بخلاف القياس فدخوله على الحكم دون السبب أسهل من دخوله عليهما وأما الطلاق والعتاق فيحتملان الحظر أي الشرط والبيع لا يحتمله لأنه يصير بالشرط قمارا فشرط الخيار شرط مع المنافي فإن كان داخلا على السبب يكون داخلا على السبب والحكم معا فدخوله على الحكم فقط أسهل من دخوله عليهما فأما الطلاق والعتاق فيحتملان الشرط والأصل أن يدخل التعليق في السبب كي لا يتخلف الحكم عن السبب ولا مانع من دخوله على السبب فيدخل عليه بخلاف البيع (١/٢٨٠) ٢ الباب الثانيفي إفادة الحكم الشرعي أي في إفادة اللفظ الحكم الشرعي كالوجوب والحرمة ونحوهما اللفظ المفيد له إما خبر إن احتمل الصدق والكذب من حيث هو أي مع قطع النظر عن العوارض ككونه خبر مخبر صادق أو إنشاء إن لم يحتمل وأخبار الشارع كقوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن آكد أي من الإنشاء لأنه أدل على الوجود اعلم أن إخبار الشارع يراد به الأمر مجازا وإنما عدل عن الأمر إلى الإخبار لأن المخبر به إن لم يوجد في الأخبار يلزم كذب الشارع والمأمور به إن لم يوجد في الأمر لا يلزم ذلك فإذا أريد المبالغة في وجود المأمور به عدل إلى لفظ الإخبار مجازا وأما الإنشاء فالمعتبر من أقسامه هاهنا الأمر والنهي فالأمر قول القائل استعلاء افعل والنهي قوله استعلاء لا تفعل والأمر حقيقة في هذا القول اتفاقا مجاز عن الفعل عند الجمهور (١/٢٨١) وعند البعض حقيقة فما يدل على أنه أي على أن الأمر للإيجاب يدل على إيجاب فعل الرسول صلى اللّه عليه وسلم لأن فعله أمر حقيقة وكل أمر للإيجاب احتجوا على الأصل وهو أن الأمر حقيقة في الفعل بقوله تعالى وما أمر فرعون برشيد أي فعله وعلى الفرع وهو أن فعله عليه (١/٢٨٢) السلام للإيجاب بقوله عليه السلام صلوا كما رأيتموني أصلي قلنا ليس حقيقة في الفعل لأن الاشتراك خلاف الأصل ولأنه إذا فعل ولم يقل افعل يصح نفيه أي نفي الأمر أي يصح لغة وعرفا أن يقال إنه لم يأمر ومن هذا الدليل ظهر أن الأمر الذي هو مصدر ليس حقيقة في الفعل الذي هو مصدر لكن لم يثبت بهذا الدليل أن الأمر الذي هو اسم ليس بمعنى الشأن (١/٢٨٣) وتسميته أمرا مجاز إذ الفعل يجب به قوله إذ الفعل إلخ بيان لعلاقة المجاز بين الأمر والفعل سلمنا أنه حقيقة فيه أي في الفعل لكن الدلائل تدل على أن القول للإيجاب لا الفعل أي الدلائل التي تدل على أن الأمر القولي للإيجاب لا الفعل فإن تلك الدلائل غير قوله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن أمره يراد بها الأمر القولي ولا (١/٢٨٤) يمكن حملها على الفعلي وسيأتي وأما قوله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن أمره فالضمير في أمره إن كان راجعا إلى اللّه تعالى لا يمكن حمله على الفعل وإن كان راجعا إلى الرسول فالقول مراد إجماعا فلا يحمل على الفعل لأن المشترك لا يراد به أكثر من معنى واحد على أنا لا نحتاج إلى إقامة الدليل على أن الفعل غير مراد بل هو محتاج إلى إقامة الدليل على أن المراد الفعل ونحن في صدد المنع فصح ما قلنا إن الدلائل الدالة على (١/٢٨٥) أن الأمر للإيجاب لا تدل على أن الفعل للإيجاب واللفظ كاف أي الأمر القولي كاف للمقصود وهو الإيجاب والترادف خلاف الأصل وإيجاب فعله عليه السلام استفيد من قوله عليه السلام صلوا على أنه أنكر على الأصحاب صوم الوصال وخلع النعال مع أنه فعل (١/٢٨٦) وموجبه التوقف عند ابن سريج حتى يتبين المراد لأنه يستعمل في معان مختلفة وهي ستة عشر الإيجاب كقوله تعالى أقيموا الصلاة الندب كقوله تعالى فكاتبوهم التأديب كقوله عليه السلام كل مما يليك (١/٢٨٧) الإرشادات كقوله تعالى وأشهدوا إذا تبايعتم الإباحة نحو كلوا التهديد نحو اعملوا ما شئتم الامتنان نحو وكلوا مما رزقكم اللّه الإكرام نحو ادخلوها بسلام آمنين التعجيز نحو فأتوا بسورة التسخير نحو كونوا قردة الإهانة نحو ذق إنك أنت العزيز الكريم التسوية نحو اصبروا أو لا تصبروا الدعاء نحو اللّهم اغفر لي التمني نحو ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي الاحتقار نحو ألقوا ما أنتم ملقون التكوين نحو كن فيكون قلنا لو وجب التوقف هنا لوجب في النهي لاستعماله في معان وهي التحريم كقوله تعالى لا تأكلوا الربا والكراهة كالنهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة والتنزيه نحو ولا تمنن تستكثر والتحقير نحو ولا تمدن عينيك وبيان العاقبة نحو لا تعتدوا والإرشاد نحو لا تسألوا عن أشياء والشفقة نحو النهي عن اتخاذ الدواب كراسي والمشي في نعل واحد ولأن النهي أمر بالانتهاء عطف على قوله لاستعماله في معان فلا يبقى الفرق بين قولك افعل ولا تفعل لأنه يصير موجبهما التوقف والفرق بين طلب الفعل وطلب الترك ثابت بديهة وهذا الاحتمال يبطل الحقائق يمكن أن يراد بها حقائق الأشياء فإنه لو اعتبر مثل هذه الاحتمالات يجوز أن لا يكون زيد زيدا بل عدم الشخص الأول وخلق مكانه (١/٢٨٨) شخص آخر وهو عين مذهب السوفسطائية النافين حقائق الأشياء ويمكن أن يراد حقائق الألفاظ إذ ما من لفظ إلا وله احتمال قريب أو بعيد من نسخ أو خصوص أو اشتراك أو مجاز فإن اعتبرت هذه الاحتمالات مع عدم القرينة تبطل دلالات الألفاظ على المعاني الموضوع لها وأيضا لم ندع أنه محكم وعند العامة موجبه واحد إذ الاشتراك خلاف الأصل وهو الإباحة عند بعضهم إذ هي الأدنى والندب عند بعضهم إذ لا بد من ترجيح جانب الوجود وأدناه الندب والوجوب عند أكثرهم لقوله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم يفهم من هذا الكلام خوف إصابة الفتنة أو العذاب بمخالفة الأمر إذ لولا ذلك الخوف لقبح التحذير فيكون مأمورا به واجبا إذ ليس على ترك غير الواجب خوف الفتنة أو العذاب و أن يكون لهم الخيرة من أمرهم قال اللّه تعالى وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى اللّه ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم القضاء واللّه أعلم بمعنى الحكم وأمرا مصدر من غير لفظه أو حال أو تمييز ولا يمكن أن يكون المراد من القضاء ما هو المراد من قوله تعالى فقضاهن سبع سماوات لأن عطف الرسول على اللّه تعالى يمنع ذلك ولا يراد القضاء الذي يذكر في جنب القدر بعين ذلك فتعين أن المراد الحكم والمراد من الأمر القول لا الفعل لأنه إن أريد الفعل فإما أن يراد فعل القاضي أو المقضي عليه والأول لا يليق لأن اللّه تعالى إذا فعل فعلا فلا (١/٢٨٩) معنى لنفي الخيرة وإن أريد فعل المقضي عليه فالمراد إذا قضى بأمر فالأصل عدم تقدير الباء وأيضا يكون المعنى إذا حكم بفعل لا تكون الخيرة والحكم بفعل مطلقا لا يوجب نفي الخيرة إذ يمكن أن يكون الحكم بإباحة فعل أو ندبه وإن أوجب ذلك فهو المدعي فعلم أن المراد بالأمر ما ذكرنا لا الفعل و ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك فالذم على تركه يوجب الوجوب و إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون وهذا حقيقة لا مجاز عن سرعة الإيجاد ذهب الشيخ الإمام أبو منصور الماتريدي رحمه اللّه إلى أن هذا مجاز عن سرعة الإيجاد والمراد التمثيل لا حقيقة القول وذهب فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى إلى أن حقيقة الكلام مرادة بأن أجرى اللّه تعالى سننه في تكوين الأشياء أن يكونها بهذه الكلمة لكن المراد هو الكلام النفسي المنزه عن الحروف والأصوات وعلى المذهبين يكون الوجود مرادا من هذا الأمر أما على المذهب الثاني فظاهر وأما على المذهب الأول فلأنه جعل الأمر قرينة (١/٢٩٠) للإيجاد ومثل سرعة الإيجاد بالتكلم بهذا الأمر وترتب وجود المأمور به عليه ولولا أن الوجود مقصود من الأمر لما صح هذا التمثيل فيكون الوجود مرادا بهذا الأمر أي إرادة اللّه تعالى أنه كلما وجد الأمر يوجد المأمور به فكذا في كل أمر من اللّه تعالى لأن معناه كن فاعلا لهذا الفعل أي يكون الوجود مرادا في كل أمر من اللّه تعالى لأن كل أمر فإن معناه كن فاعلا لهذا الفعل فقوله صل أي كن فاعلا للصلاة وزك أي كن فاعلا للزكاة فثبت أن كل أمر أمر بالكون فيجب أن يتكون ذلك الفعل إلا أن هذا أي كون الوجود مرادا من كل أمر يعدم الاختيار فلم يثبت الوجود ويثبت الوجوب لأنه مفض إلى الوجود وغيرها من النصوص كقوله تعالى أفعصيت أمري (١/٢٩١) وقوله تعالى وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون وللعرف فإن كل من يريد طلب الفعل جزما يطلب بهذا اللفظ (١/٢٩٢) (١/٢٩٣) مسألة وكذا بعد الحظر لما قلنا وقيل للندب كما في وابتغوا من فضل اللّه أي اطلبوا الرزق وقيل للإباحة كما في فاصطادوا قلنا ثبت ذلك بالقرينة أي الندب والإباحة في الآيتين ثبتا بالقرينة فإن الابتغاء والاصطياد إنما أمر بهما لحق العباد ومنفعتهم فلا ينبغي أن يثبتا على وجه تنقلب المنفعة مضرة بأن يجب عليهم مسألة وإن أريد به الإباحة أو الندب فاستعارة عند البعض والجامع جواز الفعل لا إطلاق اسم الكلي على البعض لأن الإباحة مباينة للوجوب لا جزؤه اعلم أن الأمر إذا كان حقيقة في الوجوب فإذا أريد به الإباحة أو الندب يكون بطريق المجاز لا محالة لأنه أريد به غير ما وضع له فقد ذكر فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى في هذه المسألة اختلافا فعند الكرخي والجصاص مجاز فيهما وعند البعض حقيقة وقد اختار فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى هذا وتأويله أن المجاز في اصطلاحه لفظ أريد به معنى خارج عن الموضوع له فأما إذا أريد به جزاء الموضوع له فإنه لا يسميه مجازا بل يسميه حقيقة قاصرة والذي يدل على هذا الاصطلاح قوله في هذا الموضوع أن معنى (١/٢٩٤) الإباحة والندب من الوجوب بعضه في التقدير كأنه قاصر لا مغاير أما في اصطلاح غيره من العلماء فالمجاز لفظ أريد به غير ما وضع له سواء كان جزأه أو معنى خارجا عنه وهذا التعريف صحيح عند فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى لكن يحمل غير الموضوع له على المعنى الخارجي بناء على عدم إطلاق الغير على الجزء فإن الجزء عنده ليس عينا ولا غيرا على ما عرف من تفسير الغير في علم الكلام (١/٢٩٥) فحاصل الخلاف في هذه المسألة أن إطلاق الأمر على الإباحة أو الندب أهو بطريق إطلاق اسم الكل على الجزء أم بطريق الاستعارة ومعنى الاستعارة أن تكون علاقة المجاز وصفا بينا مشتركا بين المعنى الحقيقي والمجازي كالشجاعة بين الإنسان الشجاع والأسد والأصح الثاني وهو إطلاق اسم الكل على الجزء لأنا سلمنا أن الإباحة مباينة للوجوب فإن معنى الإباحة جواز الفعل وجواز الترك ومعنى الوجوب جواز الفعل مع حرمة الترك لكن معنى قولنا أن الأمر للإباحة هو أن الأمر يدل على جزء واحد من الإباحة وهو جواز الفعل فقط لا أنه يدل على كلا جزأيه لأن الأمر لا دلالة له على جواز الترك أصلا بل إنما يثبت جواز الترك بناء على أن هذا الأمر لا يدل على حرمة الترك التي هي جزء آخر للوجوب فيثبت جواز الترك بناء على هذا الأصل لا بلفظ الأمر فجواز الفعل الذي يثبت بالأمر جزء للوجوب فيكون إطلاق لفظ الكل على الجزء وهذا معنى قوله لأن الأمر دال على جواز (١/٢٩٦) الفعل الذي هو جزؤهما أي الإباحة والوجوب لا على جواز الترك الذي به المباينة لكن يثبت ذا لعدم الدليل على حرمة الترك التي هي جزء آخر للوجوب وهذا بحث دقيق ما مسه إلا خاطري (١/٢٩٧) هذا إذا استعمل وأريد الإباحة أو الندب ما إذا استعمل في الوجوب لكن عدم الوجوب بالنسخ حتى يبقى الندب أو الإباحة عند الشافعي فلا يكون مجازا لأن هذه دلالة الكل على الجزء والمجاز اللفظ المستعمل في غير ما وضع له ولم يوجد أي هذا الخلاف الذي ذكرنا وهو أن دلالة الأمر على الإباحة بطريق إطلاق لفظ الكل على الجزء أم بطريق الاستعارة إنما يكون ذلك إذا استعمل الأمر وأريد به الندب أو الإباحة أما إذا استعمل الأمر وأريد به الوجوب ثم نسخ الوجوب وبقي الندب أو الإباحة على مذهب الشافعي فالأمر هل يكون مجازا أم لا فأقول لا يكون مجازا لأن المجاز لفظ أريد به غير ما وضع له ولم يوجد لأنه أريد بالأمر الوجوب بل يكون دلالة الكل على الجزء والدلالة لا تكون مجازا فإنك إذا أطلقت الإنسان وأردت به الحيوان الناطق فإن اللفظ يدل على كل واحد من الأجزاء ولا مجاز هنا بل إنما يكون مجازا إذا أطلقت الإنسان وأردت به الحيوان فقط أو الناطق فقط وإنما قلنا على مذهب الشافعي لأنه على مذهبنا إذا نسخ الوجوب لا تبقى الإباحة التي تثبت في ضمن الوجوب كما أن قطع الثوب كان واجبا بالأمر إذا أصابته نجاسة ثم نسخ الوجوب فإنه لم يبق القطع مستحبا ولا مباحا فصل الأمر المطلق عند البعض يوجب العموم والتكرار لأن اضرب مختصر من أطلب منك الضرب والضرب اسم جنس يفيد العموم ولسؤال السائل في الحج ألعامنا هذا أم للأبد سأل أقرع بن حابس في الحج ألعامنا هذا أم للأبد فهم أن الأمر بالحج يوجب (١/٢٩٨) التكرار قلنا اعتبره بسائر العبادات وعند الشافعي رحمه اللّه تعالى يحتمله لما قلنا غير أن المصدر نكرة في موضع الإثبات فيخص على احتمال العموم وعند بعض علمائنا لا يحتمل التكرار إلا أن يكون معلقا بشرط أو مخصوصا بوصف كقوله تعالى وإن كنتم جنبا فاطهروا أقم الصلاة لدلوك الشمس قلنا لزوم لتجدد السبب لا لمطلق الأمر وعند عامة علمائنا لا يحتملهما أصلا لأن لفظ المصدر فرد إنما يقع على الواحد الحقيقي وهو متيقن أو مجموع الأفراد لأنه واحد من حيث المجموع وذا محتمل لا يثبت إلا بالنية على العدد المحض أي لا يقع على العدد المحض ففي طلقي نفسك يوجب الثلاث على الأول ويحتمل الاثنين والثلاث عند الشافعي رحمه اللّه تعالى وعندنا يقع على الواحد ويصح نية الثلاث لا الاثنين لأن الثلاث مجموع أفراد الطلاق فيكون واحدا اعتباريا ولا يصح نية الاثنين لأن الاثنين (١/٢٩٩) عدد محض ولا دلالة لاسم الفرد على العدد فذكروا هذه المسألة بيانا لثمرة الاختلاف ولم يذكروا ثمرة الاختلاف بيننا وبين من قال لا يحتمل التكرار إلا أن يكون معلقا بشرط فأوردت هذه المسألة وهي إن دخلت الدار فطلقي نفسك فعلى ذلك المذهب ينبغي أن يثبت التكرار وإنما قلت ينبغي لأنه لا رواية عن هؤلاء في هذه المسألة لكن بناء على أصلهم وهو أنه يوجب التكرار إذا كان معلقا بشرط يجب أن يثبت التكرار عندهم وفي إن دخلت الدار فطلقي نفسك ينبغي أن يثبت التكرار على المذهب الثالث لا عندنا وقوله تعالى فاقطعوا أيديهما لا يراد به كل الأفراد إجماعا فيراد الواحد فلم يدل على اليسار فصل الإتيان بالمأمور به نوعان أداء أي تسلم عين الثابت بالأمر وقضاء أي تسليم (١/٣٠٠) (١/٣٠١) (١/٣٠٢) مثل الواجب به وقلنا في الأول الثابت به ليشمل النفل ويطلق كل منهما على الآخر مجازا والقضاء يجب بسبب جديد عند البعض لأن القربة عرفت في وقتها فإذا فات شرف الوقت لا (١/٣٠٣) يعرف له مثل إلا بنص وعند عامة أصحابنا يجب بما أوجب الأداء لأنه لما وجب بسببه لا يسقط بخروج الوقت وله مثل من عنده يصرفه إلى ما عليه فما فات إلا شرف الوقت وقد فات غير مضمون إلا بالإثم إذا كان عامدا لقوله تعالى فعدة من أيام أخر وقوله عليه السلام من نام عن صلاة الحديث قال اللّه تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وقال عليه السلام من نام على صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها استدل بالآية والحديث على أن شرف الوقت غير مضمون أصلا إذا لم يكن عامدا في الترك (١/٣٠٤) وإذا ثبت في الصوم والصلاة وهو معقول ثبت في غيرهما كالمنذورات المعينة والاعتكاف قياسا وما ذكرنا من النص لإعلام أن ما وجب بالسبب السابق غير ساقط بخروج الوقت وأن شرف الوقت ساقط لا للإيجاب ابتداء جواب إشكال مقدر وهو أن القضاء إنما وجب بالنص وهو فعدة من أيام أخر فيكون واجبا بسبب جديد لا بالسبب الذي أوجب الأداء فقال في جوابه وما ذكرنا من النص لإعلام إلخ وأيضا لا يرد قضاء الاعتكاف (١/٣٠٥) والمنذورات قياسا لأن القياس مظهر لا مثبت فإن قيل فهذا الأصل وهو أن القضاء يجب بما أوجب الأداء قضاء الاعتكاف المنذور في رمضان ينبغي أن يجوز في رمضان آخر أي إذا نذر الاعتكاف في رمضان ولم يعتكف إلى رمضان آخر ينبغي أن يجوز قضاء الاعتكاف المنذور في رمضان آخر لأن القضاء إنما يجب بما أوجب الأداء والأداء قد أوجبه النذر والنذر بالاعتكاف في رمضان لم يوجب صوما مخصوصا بالاعتكاف فيجوز القضاء في رمضان آخر قلنا القضاء هاهنا يجب بما أوجب الأداء أي النذر وهو يقتضي صوما مخصوصا بالاعتكاف لكنه أي الصوم المخصوص بالاعتكاف سقط في رمضان بعارض شرف الوقت فإذا فات هذا أي عارض شرف الوقت بحيث لا يمكن دركه إلا بوقت مديد يستوي فيه الحياة والموت وهو من شوال إلى رمضان آخر عاد إلى الأصل موجبا لصوم مقصود أي لصوم مخصوص بالاعتكاف فوجوب القضاء مع سقوط شرف الوقت أحوط من وجوبه مع رعاية شرف الوقت إذ سقوطه يوجب صوما مقصودا وفضيلة الصوم المقصود أحوط من فضيلة شرف الوقت هذا هو مراد فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى بقوله وكان هذا (١/٣٠٦) أحوط الوجهين والإشارة ترجع إلى السقوط في قوله فسقط ما ثبت بشرف الوقت من الزيادة فالحاصل أن وجوب القضاء مع سقوط زيادة تثبت بشرف الوقت أحوط من الوجه الآخر وهو أن يجب القضاء مع وجوب رعاية شرف الوقت كما أن الأداء وجب معه فكأنه يرد عليه أن في سقوط شرف الوقت ترك الاحتياط فنجيب بأن هذا أحوط من وجوب رعاية شرف الوقت والدليل على الأحوطية ما قال فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى لأن ما ثبت بشرف الوقت إلخ فمعناه أن شرف الوقت أوجب زيادة وأوجب نقصانا فالزيادة هي أفضلية صوم رمضان على صيام سائر الأيام والنقصان هو عدم وجوب الصوم (١/٣٠٧) (١/٣٠٨) المقصود فلما مضى رمضان سقط وجوب رعاية تلك الزيادة لما ذكرنا من إمكان الموت قبل رمضان آخر فينبغي أن يسقط ذلك النقصان المنجبر بتلك الزيادة أيضا وهو عدم وجوب الصوم المقصود بالطريقة الأولى ووجه الأولوية أن العبادة مما يحتاط في إثباته فسقوط النقصان أولى من سقوط الزيادة وأيضا سقوط الزيادة بشرف الوقت إنما يثبت بخوف الموت وسقوط النقصان وهو عبارة عن وجوب صوم مقصود يثبت بخوف الموت والنذر بالاعتكاف أيضا فإذا سقطت الزيادة المذكورة سقط النقصان المذكور أيضا بالطريق الأولى وسقوط النقصان عبارة عن وجوب صوم مقصود فعلم أن سقوط شرف الوقت يوجب وجوب صوم مقصود ولا شك أن وجوب القضاء مع فضيلة الصوم المقصود أحوط من وجوب القضاء مع فضيلة شرف الوقت إذ فضيلة شرف الوقت فضيلة يغلب فوتها بخلاف فضيلة الصوم المقصود وهذا البحث من مشكلات مباحث أصول فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى وقد فسر في بعض الحواشي الوجهان بغير ما فسرت لكن لا يخفى على ذوي الكياسة الممارسين للعلوم أن الدليل الذي استدل به على الأحوطية يدل على أن المراد ما ذكرت لا ما توهموه والحمد للّه ملهم الصواب (١/٣٠٩) والأداء إما كامل وهو أن يؤدى بالوصف الذي شرع كالجماعة أو قاصر إن لم يكن به كصلاة المنفرد والمسبوق منفرد أو شبيه بالقضاء كفعل اللاحق فإنه أداء باعتبار الوقت وقضاء لأنه يقضي ما انعقد له إحرام الإمام بمثله فكأنه خلف الإمام فعلى هذا إن اقتدى المسافر بمثله في الوقت ثم سبقه الحدث ثم أقام إما بدخول مصره ليتوضأ وإما بنية الإقامة في غير مصره وقد فرغ إمامه يبني ركعتين باعتبار أنه قضاء والقضاء لا يتغير أصلا لا بإقامة ولا بالسفر وإن لم يفرغ أي إمامه وصورة المسألة اقتدى مسافر بمسافر في الوقت ثم سبق المقتدي حدث فدخل مصره للوضوء أو نوى الإقامة والإمام لم يفرغ يتم أربعا لأن نية الإقامة اعترضت على الأداء فصار فرضا أربعا أو كان هذا المسافر مسبوقا أي كان المسافر (١/٣١٠) الذي اقتدى بمسافر في صلاة الظهر في الوقت مسبوقا أي اقتدى بعد ما صلى الإمام ركعة فلما تم صلاة الإمام نوى المقتدي الإقامة فإنه يتم أربعا لأن نية الإقامة اعترضت على قدر ما سبق وهو مؤد هذا القدر من كل الوجوه لأن الوقت باق ولم يلتزم أداء هذا القدر مع الإمام حتى يكون قاضيا لما التزم أداءه مع الإمام أما اللاحق فإنه التزم أداء جميع الصلاة مع الإمام فيكون في المقدار الذي سبقه الحدث ولم يؤد مع الإمام قاضيا أو تكلم أي تكلم اللاحق بعد فراغ الإمام أو قبله ونوى الإقامة يتم أربعا لأنه أداء فيتغير بالإقامة لأن عليه الاستئناف فإذا استأنف يكون مؤديا من كل الوجوه فنية الإقامة اعترضت على الأداء فيتم أربعا ولهذا لا يقرأ اللاحق ولا يسجد للسهو أي لأجل أن اللاحق كأنه خلف الإمام لا يقرأ ولا يسجد للسهو أي إذا سها في القدر الذي لم يصل مع الإمام لا يسجد للسهو كالمقتدي إذا سها لا يسجد للسهو بخلاف المسبوق فإنه منفرد فيما سبق فيقرأ ويسجد للسهو وأما القضاء فإما بمثل معقول كالصلاة للصلاة وإما بمثل غير معقول كالفدية للصوم وثواب النفقة للحج وكل ما لا يعقل له مثل قربة لا يقضى إلا بنص كالوقوف بعرفة ورمي (١/٣١١) الجمار والأضحية وتكبيرات التشريق فإنها على صفة الجهر لم تعرف قربة إلا في هذا الوقت لأن الأصل فيه الإخفاء قال اللّه تعالى واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر وقال اللّه تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية فإن كونها قربة مخصوص بزمان ولا يقضى تعديل الأركان لأن إبطال الأصل بالوصف باطل والوصف وحده لا يقوم بنفسه فلم يبق إلا الإثم وكذا صفة الجودة أي لا تقضى لأن إبطال الأصل إلخ إذا أدى الزيوف في الزكاة فإن قيل فلم أوجبتم الفدية في الصلاة قياسا أي على الصوم هذا الإشكال على قوله وما لا يعقل له مثل قوله لا يقضى إلا بنص وقد عدم النص بوجوب الفدية إذا فاتت الصلاة للشيخ الفاني والنص ورد في الصوم بوجوب الفدية وهذا حكم لا يدرك بالقياس فينبغي أن لا يقاس عليه غيره وأما الأضحية فلأن إراقة الدم لم تعرف قربة في غير هذه الأيام ولا يدرى أن التصدق بعين الشاة أو بقيمتها هل هو مثل قربة الإراقة أم لا والتصدق بالعين أو القيمة في الأضحية قلنا يحتمل في الصوم التعليل بالعجز فقلنا بالوجوب احتياطا فيكون آتيا بالمندوب أو الواجب ونرجو القبول فإنه يحتمل أن تكون الفدية واجبة قضاء للصلاة وإن لم تكن واجبة فلا أقل من أن يكون آتيا بالمندوب ومحمد قال في هذا الموضع نرجو القبول في الأضحية لأن الأصل في العبادة المالية التصدق بالعين إلا أنه نقل إلى الإراقة تطييبا للطعام وتحقيقا لضيافة اللّه لكن لم نعمل بهذا التعليل المظنون وهو أن الأصل في العبادة المالية التصدق بالعين وفي الوقت حتى لم نقل إن التصدق بالعين في الوقت يجوز في معرض النص وعملنا به بعد الوقت احتياطا فلهذا (١/٣١٢) الإشارة ترجع إلى قوله وعملنا به بعد الوقت إذا جاء العام الثاني لم ينتقل إلى التضحية لأنه لما احتمل جهة أصالته ووقع الحكم به لم يبطل بالشك وإما قضاء يشبه الأداء عطف على قوله وإما بمثل غير معقول كما إذا أدرك الإمام في العيد راكعا كبر في ركوعه أي كبر تكبيرات الزوائد فإنه وإن فات موضعه وليس لتكبيرات العيد قضاء إذ ليس لها المثل قربة لكن للركوع شبه بالقيام فيكون شبيها بالأداء وحقوق العباد أيضا تنقسم إلى هذا الوجه فالأداء الكامل كرد غير الحق في الغصب والبيع والصرف والسلم لما عقد الصرف أو السلم يجب له بدل الصرف والمسلم فيه في الذمة فكان ينبغي أن يكون تسليم بدل الصرف والمسلم فيه قضاء إذ العين غير الدين لكن الشرع جعله عين ذلك الواجب في الذمة لئلا يكون استبدالا في بدل الصرف والمسلم فيه والاستبدال فيهما حرام والقاصر كرد المغصوب والمبيع مشغولا بجناية أو دين أو غيرهما بأن كان حاملا أو مريضا حتى إذا هلك بذلك السبب انتقض القبض عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى وعندهما هذا عيب وهو لا يمنع تمام التسليم وكأداء الزيوف إذا لم يعلم به صاحب الحق حتى لو هلك عنده بطل حقه أصلا لما مر (١/٣١٣) (١/٣١٤) (١/٣١٥) والأداء الذي يشبه القضاء كما إذا أمهر أباها فاستحق صورة المسألة أن يكون أب المرأة عبد الرجل فتزوجها ذلك الرجل على أن المهر أبوها فاستحق حتى وجبت قيمته للمرأة على الزوج ولم يقض بها القاضي حتى ملكه ثانيا فمن حيث إنه عين حقها أداء أي تسليم الزوج إليها أداء فلا يملك منعه أي إذا طلبت المرأة من الزوج أن يسلم أباها إليها لا يملك الزوج أن يمنعه منها ومن حيث إن تبدل الملك يوجب تبدل العين قضاء روي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دخل على بريرة فأتت بريرة بتمر والقدر كان يغلي باللحم فقال عليه الصلاة والسلام ألا تجعلين لنا من اللحم نصيبا فقالت هو لحم تصدق علينا يا رسول اللّه فقال (١/٣١٦) عليه الصلاة والسلام هي لك صدقة ولنا هدية فقد جعل تبدل الملك موجبا لتبدل العين حكما مع أن العين واحد ولأن حكم الشرع على الشيء بالحل والحرمة وغيرهما يتعلق بذلك الشيء من حيث إنه مملوك لا من حيث الذات حتى لو كان حكم الشرع يتعلق من حيث الذات لا يتغير أصلا كلحم الخنزير فإنه حرام لعينه ونجس لعينه أما إذا تعلق حكم الشرع بهذا الذات من حيث الاعتبار فإذا تبدل الاعتبار تبدل هذا المجموع وقد أراد بالعين هذا المجموع أي الذات مع الاعتبار لأن العين الذي تعلق به حكم الشرع هو هذا المجموع فلا يعتق قبل تسليمه إليها ويملك الزوج إعتاقه وبيعه وقبله أي بيع العبد قبل تسليمه إليها وإن كان قضى القاضي بقيمته عليه ثم ملكه لا يعود حقها فيه ومن الأداء القاصر ما إذا أطعم المغصوب المالك جاهلا وعند الشافعي رحمه اللّه تعالى لا يبرأ عن الضمان لأنه (١/٣١٧) مأمور بالأداء لا بالتغرير وربما يأكل الإنسان في موضع الإباحة فوق ما يأكل من ماله ولنا أنه أداء حقيقة وإن كان فيه قصور فتم بالإتلاف وبالجهل لا يعذر والعادة المخالفة للديانة لغو وهو أن يأكل في موضع الإباحة فوق ما يأكل من ماله والقضاء بمثل معقول إما كامل كالمثل صورة ومعنى وإما قاصر كالقيمة إذا انقطع المثل أو لا مثل له لأن الحق في الصورة قد فات للعجز فبقي المعنى فلا يجب القاصر إلا عند العجز عن الكامل ففي قطع اليد ثم القتل خير الولي بين القطع ثم القتل وهو مثل كامل وبين القتل فقط وهو قاصر وعندهما لا يقطع لأنه إنما يقتص بالقطع إذا تبين أنه لم يسر فإذا أفضى إليه يدخل موجبه في موجب القتل المراد بالموجب هنا ما يجب بالقتل والقطع وهو القصاص إذ القتل أتم موجب القطع المراد بالموجب هنا الأثر الحاصل بالقطع في محله فصار كما إذا قتله بضربات قلنا (١/٣١٨) هذا من حيث المعنى أي هذا الذي ذكر أن القتل أتم أثر القطع فاتحد الجناية فيتحد موجبهما إنما هو من حيث المعنى أما من حيث الصورة في جزاء الفعل فلا لأن الفعل وهو القطع والقتل من حيث الصورة متعدد فيتعدد ما هو جزاء الفعل وهو القصاص وإنما يدخل في جزاء المحل أي إنما يدخل ضمان الجزء في ضمان الكل فيما هو جزاء المحل كما يدخل أرش الموضحة في دية الشعر وهذا لأن الدية جزاء المحل والقتل قد يمحو أثر القطع كما يتم قال اللّه تعالى وما أكل السبع إلا ما ذكيتم جعل القتل ماحيا أثر الجرح فهذا منع لقوله إن القتل أتم أثر القطع وإنما لا يجب أي القصاص جواب عن قوله فصار كما إذا قتله بضربات بتلك الضربات إذ لا قصاص فيها وإذا انقطع المثل يجب القيمة يوم الخصومة لأنه حينئذ تحقق العجز عن الكامل بالقضاء أي قضاء القاضي وهذا عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى وعند أبي يوسف يوم الغصب وعند محمد يوم الانقطاع والقضاء بمثل غير معقول كالنفس تضمن بالمال المتقوم فلا يجب عند احتمال المثال المعقول صورة ومعنى وهو القصاص خلافا للشافعي رحمه اللّه فإن عنده ولي الجناية مخير بين القصاص وأخذ الدية وإنما شرع أي المال عند عدم احتماله أي القصاص منه على (١/٣١٩) القاتل بأن سلم نفسه وعلى القتيل بأن لم يهدر حقه بالكلية وما لا يعقل له مثل لا يقضى إلا بنص قد ذكر هذه المسألة في حقوق اللّه تعالى فالآن نذكرها في حقوق العباد لنفرع عليها فروعها فلا يضمن المنافع بالمال المتقوم لأنها غير متقومة إذ لا تقوم بلا إحراز ولا إحراز بلا بقاء ولا بقاء للأعراض فإن قيل فكيف يرد العقد عليها أي إن لم تكن المنافع متقومة فكيف يرد عقد الإجارة على المنافع قلنا بإقامة العين مقامها فإن قيل هي في العقد متقومة أي المنافع في العقد مال متقوم لتقومها في عقد النكاح لأن ابتغاء البضع وهو النكاح لا يجوز إلا به أي بالمال المتقوم قال اللّه تعالى أن تبتغوا بأموالكم ويجوز أي (١/٣٢٠) ابتغاء البضع بمنفعة الإجارة فتكون منفعة الإجارة في عقد النكاح مالا متقوما فتكون في نفسها كذلك أي لما كانت المنافع في العقد متقومة كانت في نفسها متقومة لأن ما ليس بمتقوم لا يصير بورود العقد متقوما ولأن تقومها ليس لاحتياج العقد إليه هذا دليل آخر على قوله فتكون في نفسها كذلك لأن العقد قد يصح بدونه كالخلع فإن منافع البضع غير متقومة في حال الخروج عن العقد وإن كانت متقومة في حال الدخول في العقد فمع أنها غير متقومة حال الخروج يصح مقابلتها بالمال في العقد وهو عقد الخلع فعلم أن العقد لا يحتاج إلى تقومها فتقومها في العقد ليس لضرورة العقد ولما ثبت تقومها في العقد تكون في نفسها متقومة قلنا تقومها في العقد ثبت بالرضا هذا منع لقوله إن ما ليس بمتقوم لا يصير بورود العقد متقوما بل يصير في العقد متقوما بالرضا بخلاف القياس لما بينا أنه لا تقوم بلا إحراز فلا يقاس عليه فيشمل معنيين أحدهما أنه لا يقاس تقوم المنافع في الغصب على تقومها في العقد والثاني أنه لا يقاس كون المنافع مقابلا بالمال في الغصب على كونها مقابلا بالمال في العقد لهذا أي لكونه التقوم في العقد بخلاف القياس وهذا دليل على بطلان القياس بالمعنى الأول (١/٣٢١) وقوله وللفارق أيضا وهو الرضا دليل على بطلان القياس بالمعنى الثاني فإن له أثرا في إيجاب المال مقابلا بغير المال ولا يضمن الشاهد بعفو الولي القصاص إذا قضى القاضي به ثم رجع هذا تفريع آخر على قوله وما لا يعقل له مثل لا يقضى إلا بنص وصورة المسألة شهد شاهدان بعفو الولي عن القصاص فقضى القاضي بالعفو ثم رجعا عن الشهادة لم (١/٣٢٢) يضمنا ولا غير ولي القتيل إذا قتل القاتل أي لا يضمن غير ولي القتيل إذا قتل القاتل لأن الشهود وقاتل القتيل لم يفوتوا لولي القتيل شيئا إلا استيفاء القصاص وهو معنى لا يعقل له مثل والقضاء الشبيه بالأداء كالقيمة فيما إذا أمهر عبدا غير معين فإنها قضاء حقيقة لكن لما (١/٣٢٣) كان الأصل مجهولا من حيث الوصف ثبت العجز أي عن أداء الأصل وهو تسليم العبد فوجب القيمة فكأنها أصل ولما كان أي الأصل وهو العبد معلوما من حيث الجنس يجب هو أي الأصل وهو العبد فيخير بينه وبين القيمة وأيهما أدى تجبر على القبول وأيضا الواجب من الأصل الوسط وذا يتوقف على القيمة فصارت أصلا من وجه فقضاؤها يشبه الأداء فصل لا بد للمأمور به من الحسن هذه المسألة من أمهات مسائل الأصول ومهمات مباحث المعقول والمنقول ومع ذلك هي مبنية على مسألة الجبر والقدر الذي زلت في بواديها أقدام الراسخين وضلت في مباديها أفهام المتفكرين وغرقت في بحارها عقول المتبحرين وحقيقة الحق فيها أعني الحق بين طرفي الإفراط والتفريط سر من أسرار اللّه تعالى التي لا يطلع عليها إلا خواص عباده وها أنا بمعزل عن ذلك لكن أوردت مع (١/٣٢٤) العجز عن درك الإدراك قدر ما وقفت عليه ووقفت لإيراده اعلم أن العلماء قد ذكروا أن الحسن والقبح يطلقان على ثلاثة معان الأول كون الشيء ملائما للطبع ومنافرا له والثاني كونه صفة كمال وكونه صفة نقصان والثالث كون الشيء متعلق المدح عاجلا والثواب (١/٣٢٥) آجلا وكونه متعلق الذم عاجلا والعقاب آجلا فالحسن والقبح بالمعنيين الأولين يثبتان بالعقل اتفاقا أما بالمعنى الثالث فقد اختلفوا فيه فعند الأشعري لا يثبتان بالعقل بل بالشرع فقط وهذا بناء على أمرين أحدهما أنهما ليسا لذات الفعل وليس للفعل صفة يحسن الفعل أو يقبح لأجلها عند الأشعري وثانيهما أن فعل العبد ليس باختياره عنده فلا يوصف بالحسن والقبح ومع ذلك جوز كونه متعلق الثواب والعقاب بالشرع بناء على أن عنده لا يقبح من اللّه تعالى أن يثيب العبد أو يعاقبه على ما ليس باختياره لأن الحسن والقبح لا ينسبان إلى أفعال اللّه تعالى عنده فالحسن والقبيح بالمعنى الثالث يكونان عند الأشعري بمجرد كون الفعل مأمورا به ومنهيا عنه فلهذا قال فالحسن عند الأشعري ما أمر به سواء كان الأمر للإيجاب أو الإباحة أو الندب والقبيح ما نهي عنه سواء كان النهي للتحريم أو للكراهة وعند المعتزلة ما يحمد على فعله سواء كان يحمد عليه شرعا أو عقلا وهذا تفسير الحسن (١/٣٢٦) وما يذم على فعله هذا تفسير القبيح وبالتفسير الآخر ما يكون للقادر العالم بحاله أو يفعله احترز بالقيدين عن فعل المضطر والمجنون وهذا تفسير آخر للحسن فإن المعتزلة فسروا الحسن والقبيح بتفسيرين فالحسن بالتفسير الأول يختص بالوجوب والمندوب وبالتفسير الثاني يتناول المباح أيضا وما ليس له ذلك أي القبيح ما ليس للقادر العالم بحاله أن يفعله فكلا تفسيري القبيح متساويان لا يتناولان إلا الحرام والمكروه فعلى التفسير الأول للحسن المباح واسطة بين الحسن والقبيح وعلى الثاني لا واسطة بينهما فعند الأشعري لا يثبتان إلا بالأمر والنهي لما ذكرت أن هذا الحكم مبني عنده على أصلين أوردت على مذهبه دليلين لإثبات الأصلين أما الأول فقوله لأنهما ليسا لذات الفعل أو لصفة له وإلا يلزم قيام العرض وضعفه ظاهر أي ضعف هذا الدليل ظاهر لأنه إن عني بقيام العرض بالعرض اتصافه به فلا نسلم امتناعه فإنه واقع كقولنا هذه الحركة سريعة أو بطيئة على أن قيام العرض بالعرض بهذا المعنى لازم على تقدير كونهما شرعيين أيضا نحو هذا (١/٣٢٧) الفعل حسن شرعا أو قبيح شرعا وإن عني أن العرض لا يقوم بعرض آخر بل لا بد من جوهر يقوم به العرضان فالقيام بهذا المعنى غير لازم على تقدير كون الحسن والقبح لذات الفعل أو لصفة له إذ لا بد من فاعل يقوم الفعل الحسن به وإن عني به معنى آخر فلا بد من بيانه لنتكلم عليه وأما الثاني فقوله ولأن فاعل القبيح إن لم يتمكن من تركه ففعله اضطراري وإن تمكن فإن لم يتوقف على مرجح كان اتفاقيا وإن توقف يجب عنده لأنا فرضناه مرجحا تاما ولئلا يترجح المرجوح ولا (١/٣٢٨) يكون المرجح باختياره لئلا يتسلسل فيكون اضطراريا والاضطراري والاتفاقي لا يوصفان بهما اتفاقا تقريره أن فاعل القبيح لا يخلو إما أن يكون متمكنا من تركه أو لا فإن لم يكن متمكنا من تركه ففعله اضطراري لأن التمكن من الفعل مع عدم التمكن من الترك لا يكون باختياره إذ لو كان يتكلم في ذلك الاختيار أنه باختياره أم لا فإما أن يتسلسل أو ينتهي إلى الاضطرار وإن كان متمكنا من تركه ففعله إن لم يتوقف على مرجح يكون اتفاقيا وهو لا يوصف بالحسن والقبح اتفاقا وأيضا يكون رجحانا من غير مرجح وهو محال وإن توقف على مرجح يجب وجود الفعل عند وجود المرجح لأنا فرضناه مرجحا تاما أي جملة ما يتوقف عليه وجود الفعل فلو لم يجب الفعل مع هذه الجملة فصدور الفعل مع هذه الجملة تارة وعدم صدوره أخرى يكون رجحانا من غير مرجح ولأنه لو لم يجب حينئذ يمكن عدمه لكن عدمه يوجب رجحان المرجوح وهو أشد امتناعا من رجحان أحد المتساويين وإذا وجب عند وجود المرجح لا يكون اختياريا لأن المرجح لا يكون باختياره وألا نتكلم في ذلك الاختيار كما ذكرنا فيؤدي إلى التسلسل أو الاضطرار والتسلسل باطل فثبت أنه اضطراري والاضطراري يوصف بالحسن والقبح اتفاقا واعلم أن كثيرا من العلماء (١/٣٢٩) اعتقدوا هذا الدليل يقينيا والبعض الذي لا يعتقدونه يقينيا لم يوردوا على مقدماته منعا يمكن أن يقال إنه شيء وقد خفي على كل الفريقين مواقع الغلط فيه وأنا أسمعك ما سنح لخاطري وهذا مبني على أربع مقدمات المقدمة الأولى أن الفعل يراد به المعنى الذي وضع المصدر بإزائه ويمكن أن يراد به المعنى الحاصل بالمصدر فإنه إذا تحرك زيد فقد قامت الحركة بزيد فإن أريد بالحركة الحالة التي تكون للمتحرك في أي جزء يفرض من أجزاء المسافة فهي المعنى الثاني وإن أريد بها إيقاع تلك الحالة فهي المعنى الأول والمعنى الثاني موجود في الخارج أما الأول فأمر يعتبره العقل ولا وجود له في الخارج إذ لو كان لكان له موقع ثم إيقاع ذلك الإيقاع يكون واقعا إلى ما لا يتناهى فيلزم التسلسل في طرف المبدأ في الأمور الواقعة في الخارج وهو محال ولأنه يلزم أنه إذا أوقع الفاعل شيئا واحدا فقد أوجد أمورا غير متناهية وهذا بديهي الاستحالة على أن كون الإيقاع أمرا غير موجود في الخارج أظهر على مذهب الأشعري فإن التكوين عنده أمر غير موجود في الخارج (١/٣٣٠) (١/٣٣١) (١/٣٣٢) المقدمة الثانية كل ممكن فلا بد من أن يتوقف وجوده على موجد وألا يكون واجبا بالذات ثم إن لم يوجد جملة ما يتوقف عليه وجوده يمتنع وجوده وإلا أمكن وجوده وكل ممكن لا يلزم من فرض وقوعه محال وهاهنا يلزم لأنه إن وقع بدون تلك الجملة لم تكن هي جملة ما يتوقف عليه والمفروض خلافه وإن وجد تلك الجملة يجب وجوده عندها وإلا أمكن عدمه ففي حال العدم إن توقف على شيء آخر لم يكن المفروض جملة وإن لم يتوقف على شيء آخر فوجوده مع الجملة تارة وعدمه أخرى رجحان من غير مرجح وهو محال فإن قيل لا نسلم أنه محال بل الرجحان بلا مرجح بمعنى وجود الممكن من غير أن (١/٣٣٣) يوجده شيء آخر محال ولم يلزم هذا المعنى قلت قد لزم هذا المعنى لأنه إن أمكن عدمه مع هذه الجملة يجب أن لا يلزم من فرض عدمه محال لكنه يلزم لأنه لا شك أنه في زمان عدمه لم يوجده شيء ففي الزمان الذي وجد إن وجد بإيجاد شيء آخر إياه يكون الإيجاد من جملة ما يتوقف عليه وجوده فلا يكون المفروض جملة وإن وجد من غير إيجاد شيء (١/٣٣٤) آخر إياه لزم ما سلمتم استحالته فثبت أنه لا بد لوجود كل شيء ممكن من شيء يجب عنده وجود ذلك الممكن ولولاه يمتنع وجوده عند وجود جملة وهذه القضية متفق عليها بين أهل السنة والحكماء لكن أهل السنة يقولون بها على وجه لا يلزم منه الموجب بالذات فإن وجود الشيء يجب على تقدير إيجاد اللّه تعالى إياه ويمتنع على تقدير أن لا يوجده واعلم أن ما زعموا أن كل موجود ممكن محفوف بوجهين (١/٣٣٥) سابق ولاحق باطل لأنه إن أريد السبق الزماني فمحال لأنه يلزم وجوب وجود الشيء حال عدمه وإن أريد سبق المحتاج إليه فكذا لأنه مع العلة الناقصة لا يجب ومع التامة لا يكون الوجوب منها ضرورة أن الوجوب معلولها فالوجوب ليس إلا مقارنا بحيث لا يحتاج الوجود إليه وكل منهما أثر المؤثر التام ثم العقل قد يعتبر أحد المتضايفين مؤخرا من حيث إنه يحتاج إلى الآخر في التعقل ومقدما من حيث إن الآخر يحتاج إليه وأيضا مقارنا مع أنه في الحقيقة واحد (١/٣٣٦) المقدمة الثالثة لما ثبت أنه لا بد لوجود كل ممكن من شيء يجب عنده وجود ذلك الممكن يلزم أنه لا بد أن يدخل في جملة ما يجب عنده وجود الحادث أمور لا موجودة في الخارج ولا معدومة كالأمور الإضافية وهو القول بالحال وذلك لأن جملة ما يجب عنده وجود زيد الحادث لا يكون تمامها قديما لأن القديم إن أوجبه في وقت معين فحدوثه يتوقف على حصول ذلك الوقت فلا يكون تمام ما يجب عنده قديما وإن أوجبه لا في وقت معين فحدوثه في وقت معين رجحان من غير مرجح فيكون بعضها حادثة فحينئذ إن لم يدخل في تلك الجملة أمور لا موجودة ولا معدومة فهي إما موجودات محضة وهي مستندة (١/٣٣٧) إلى الواجب فيلزم إما قدم الحادث أو انتفاء الواجب وإما معدومات محضة وهي لا تصلح علة الموجود وأيضا وجود زيد متوقف على أجزائه الموجودة وإما الموجودات مع معدومات وهذا باطل أيضا لأن هذه القضية ثابتة وهي أنه كلما وجد جميع الموجودات التي يفتقر إليها زيد يوجد زيد من غير توقف على عدم شيء إذ لو توقف على عدم عمرو مثلا يتوقف على عدمه الذي بعد الوجود لأن العدم الذي قبل الوجود قديم فيلزم قدم زيد الحادث ثم عدم عمرو الذي بعد الوجود لا يمكن إلا بزوال جزء من العلة الموجبة لوجود عمرو أو بقائه وذلك الجزء إما أن يكون موجودا محضا فيصير معدوما وهذا لا يمكن لأنه لا يصير معدوما إلا بعدم جزء من علة وجوده أو بقائه وهلم جرا إلى الواجب فلا يمكن عدم (١/٣٣٨) عمرو حينئذ لا يمكن وجود زيد لتوقفه على عدم عمرو وكلامنا في زيد الموجود وإما أن يكون لزوال العدم مدخل في زوال ذلك الجزء وزوال ذلك العدم هو الوجود ونفرضه وجود بكر فعدم عمرو يتوقف على وجود بكر وقد فرضناه وجود زيد متوقفا على عدم عمرو فيلزم توقف وجود زيد على وجود بكر على تقدير وجود جميع الموجودات التي يفتقر إليها زيد هذا خلف وإذا ثبت القضية المذكورة يلزم أنه كلما عدم زيد لا يكون عدمه إلا بعدم شيء من تلك الموجودات ثم هكذا الواجب فيثبت على تقدير افتقار وجود كل ممكن إلى شيء يجب ذلك الممكن عنده دخول ما ليس بموجود ولا معدوم في جملة ما يجب عنده وجود الحادث (١/٣٣٩) (١/٣٤٠) (١/٣٤١) فإن قيل لا يثبت هذا الأمر على ذلك التقدير لأنه يراد بالمعدوم نقيض الموجود فالأمر الذي يسمونه حالا داخل في أحد النقيضين ضرورة قلت هذا التأويل صحيح إلا في قوله وذلك الجزء إما أن يكون موجودا محضا إلى آخره فإن الانحصار فيما ذكر من الأمرين ممنوع فإنه يمكن أن يدخل في العلة الموجبة لعمرو أمور لا موجودة ولا معدومة كالإضافيات فإن فسر الموجود بما يندرج فيه الإضافيات لا نسلم أن كل موجود يجب بواسطة الموجودات المستندة إلى الواجب فلا يصح قوله وهلم جرا إلى الواجب وإن فسر بما لا يندرج فيه الإضافيات في الموجود بل في المعدوم لا نسلم حينئذ أن زوال كل معدوم لا يكون إلا بوجود شيء فإن الإضافيات الوجودية معدومة في الخارج وزوالها لا (١/٣٤٢) يكون بوجود شيء فثبت توقف الموجودات الحادثة على أمور لا موجودة ولا معدومة ولا يمكن استناد تلك الأمور إلى الواجب بطريق الإيجاب لأنه يلزم حينئذ المحالات المذكورة من قدم الحادث وانتقاء الواجب ولا يلزم من عدم استناد الأمور المذكورة استغناؤها عن الواجب إذ لا شك أنها مفتقرة إلى الواجب بلا واسطة أو بواسطة الموجودات المستندة إليه (١/٣٤٣) لكن لا على سبيل الوجوب وحينئذ إما أن يجب بالتزام التسلسل فيها وهذا باطل أو بكون إضافة الإضافة عين الأولى وإما أن لا يجب والظاهر أن الحق هذا فإن إيقاع الحركة غير واجب ومع ذلك أوقعها الفاعل ترجيحا لأحد المتساويين ثم الحركة أي الحالة المذكورة تجب على تقدير الإيقاع إذ لو لم تجب فوجودها رجحان بلا مرجح ولا يلزم في الإيقاع الرجحان بلا مرجح أي الوجود بلا موجد إذ لا وجود للإيقاع واعلم أن إثبات تلك الأمور عن تقدير أن كل ممكن يحتاج وجوده إلى مؤثر يوجبه مخلص عن القول بالموجب بالذات وموجب للفاعل بالاختيار ولولا تلك الأمور لا يمكن نفي الموجب بالذات إلا بالتزام وجود بعض الموجودات من غير وجوب ويلزم من هذا وجود الممكن بلا موجد وهو محال كما مر في المقدمة الثانية (١/٣٤٤) المقدمة الرابعة الرجحان بلا مرجح باطل وكذا الترجيح من غير مرجح لكن ترجيح أحد المتساويين أو المرجوح واقع لأنه إما أن لا يكون ترجيح أصلا أو يكون للراجح فقط أو المتساوي أو المرجوح والأول باطل لأنه لولا الترجيح لا يوجد ممكن أصلا وكذا ترجيح الراجح باطل لأن الممكن لا يكون راجحا بالذات بل بالغير فترجيح الراجح يؤدي إلى إثبات الثابت أو احتياج كل ترجيح إلى ترجيح قبله إلى غير النهاية فالترجيح لا يكون إلا للمتساوي والمرجوح ولأن كل ممكن معدوم فعدمه راجح على وجوده في نفس الأمر بالنسبة إلى علة العدم ومساو له بالنسبة إلى ذات الممكن فإيجاده ترجيح المرجوح أو المساوي على أن الإرادة صفة من شأنها أن يرجح الفاعل بها أحد المتساويين أو المرجوح على الآخر فعلم أن الإرادة لا تعلل كما أن الإيجاب بالذات لا يعلل لأن ذات الإرادة تقتضي ما ذكرنا وإنما يمتنع رجحان المرجوح أو المتساوي ما داما كذلك فإذا رجح (١/٣٤٥) الفاعل لم يبقيا كذلك واعلم أن المتكلمين أوردوا لتجويز ترجيح المختار أحد المتساويين المثال المشهور وهو الهارب من السبع إذا رأى طريقين متساويين فقال الحكماء القضية البديهية التي لولاها لانسد باب العلم بالصانع هو أن الرجحان بلا مرجح باطل ولا تبطل بإيراد مثال لا يدل على عدم المرجح بل غايته عدم العلم بالمرجح فأقول القضية التي تستعمل في إثبات العلم بالصانع هي أن رجحان أحد طرفي الممكن بلا مرجح محال بمعنى أن وجوده بلا موجد محال مع أنه يمكن إثبات هذا المطلوب مع الغنية عن هذه القضية بأن نقول الموجود إما أن لا يحتاج في وجوده إلى غيره أو يحتاج ولا بد من الأول قطعا للتسلسل ثم على تقدير تسليم تلك القضية وبداهتها الفاعل هو المرجح فلا يلزم وجود الممكن بلا موجد وأيضا إنما أوردوا المثال سندا للمنع فعليكم البرهان على الرجحان في المثال المذكور على أنا نقول إن وجب المرجوح في المثال المذكور فإما أن يجب بحسب نفس الأمر وهذا باطل (١/٣٤٦) لأن الاعتقاد الذي لا يطابق لما في نفس الأمر كاف للأفعال الاختيارية وإما أن يجب بحسب اعتقاد الفاعل وذا باطل أيضا إذ يفعل أفعالا مع عدم اعتقاد الرجحان كما في الهارب بل مع اعتقاد المرجوحية ومن أنكر هذا فقد أنكر الوجدانيات فبطل قولهم إن غايته عدم العلم بالرجحان فإن عدم علم الفاعل بالرجحان كاف في هذا الغرض فعلم أن المراد بقولنا إن الرجحان بلا مرجح باطل هو أن وجود الممكن بلا موجد محال سواء كان الموجد موجبا أو لا فالرجحان هو الوجود فقط لا أنه يصير راجحا قبل الوجود (١/٣٤٧) إذا عرفت هذه المقدمات فقوله يجب وجود الفعل عند وجود المرجح إن أراد بالفعل الحالة التي تكون للمتحرك في أي جزء يفرض من أجزاء المسافة فعلى تقدير القول بوجود بعض الأشياء بلا وجوب نمنع وجوب تلك الحالة فلا يلزم الجبر على أنا قد أبطلنا هذا التقدير لكن إثبات المطلوب على هذا التقدير أيضا أقرب من الاحتياط وعلى تقدير امتناع وجود الأشياء بلا وجوب الجبر منتف أيضا إما بالقول بأن اختيار الاختيار عين الاختيار فلا يلزم التسلسل على تقدير كون المرجح من العبد وإما بأنه يلزم حينئذ توقف الموجود على ما ليس بموجود ولا معدوم فالحالة المذكورة تتوقف على أمر لا موجود ولا معدوم كالإيقاع مثلا ثم هو إما أن يجب بطريق التسلسل أو بأن إيقاع الإيقاع عين الأول وإما أن لا يجب لكن الفاعل يرجح أحد المتساويين وإن أراد بالفعل الإيقاع فيعين ما قلنا في الإيقاع هذا الذي ذكرنا هو إبطال دليل الجبر فالآن جئنا إلى إثبات ما هو الحق وهو التوسط بين الجبر والقدر أي ما هو حاصل بمجموع خلق اللّه تعالى وفعل العبد فنقول التفرقة ضرورية بين الأفعال الاختيارية والاضطرارية وليست التفرقة بمجرد كونها موافقة (١/٣٤٨) لإرادتنا لأن الإرادة إن كانت صفة بها يرجح الفاعل أحد المتساويين ويخصص الأشياء بما هي عليه من الخصوصيات يلزم من وجود الإرادة لنا كون الترجيح والتخصيص صادرين منا وهو المطلوب وإن لم يكونا صادرين منا لا تكون الإرادة إلا مجرد شوق فيجب أن لا يقع فرق بين الاختيارية والاضطرارية التي تشتاق إليها كحركة نبضنا على نسق نشتهي أن تكون عليه لكنا نفرق بينهما ونعلم أن الأولى بفعلنا لا الثانية (١/٣٤٩) وأيضا نفرق في الاختياريات بين ما نقدر على تركه وبين ما لا نقدر على تركه كانحدار إلى صبب بالعدو الشديد الذي لا نقدر على الإمساك عنه وكذا نفرق في الترك بين ما نقدر على الفعل وبين ما لا نقدر أيضا قد نفعل بداعية وقد نفعل بلا داعية فعلم أن العلم الوجداني قاض بأنا نفعل من غير اضطرار ولا وجوب ونرجح أحد المتساويين أو المرجوح وهذا الترجيح هو الاختيار والقصد ثم مع ذلك نشاهد خوارق العادات في صدور الأفعال كالحركات القوية من القوى الضعيفة كقطع مسافة بعيدة في طرفة عين وأمثاله وكذا في عدم صدورها كما تواتر في أخبار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصديقين أن الكفار قصدوهم بأنواع الأذى فلم يقدروا على ذلك مع سلامة الآلات وتوافر الدواعي والإرادات مع قدرتهم في ذلك الزمان على أمور أشق من ذلك فعلم أن المؤثر في وجود الحركة أي الحالة المذكورة ليس قدرة العبد وإرادته إذ لو كان لم يخالف إرادته ولو كان مؤثرا طبعا فيما جرى عليه العادة لم يوجد خوارق العادات وأيضا لا تمكن الحركات إلا بتمديد الأعصاب وإرخائها ولا شعور لنا بشيء من ذلك ولا ندري أي عصبة يجب تمديدها لتحصيل الحركة المخصوصة وكذا لا شعور لنا بكيفية خروج الحروف عن مخارجها فعلم من وجدان ما يدل على الاختيار ووجدان اختيار العبد ليس مؤثرا في وجود الحالة المذكورة أنه جرى عادته تعالى أنا متى قصدنا الحركة الاختيارية قصدا جازما من غير اضطرار إلى القصد يخلق (١/٣٥٠) اللّه تعالى عقيبه الحالة المذكورة الاختيارية وإن لم نقصد لم يخلق ثم القصد مخلوق اللّه بمعنى أنه تعالى خلق قدرة يصرفها العبد إلى كل منهما على سبيل البدل ثم صرفها إلى واحد معين بفعل العبد وهو القصد والاختيار فالقصد مخلوق اللّه بمعنى استناده لا على سبيل الوجوب إلى موجودات هي مخلوقة اللّه تعالى لا أن اللّه خلق هذا الصرف مقصورا لأن هذا ينافي خلق القدرة فحصلت الحالة المذكورة بمجموع خلق اللّه واختيار العبد فلهذا قال قلنا توقفه على مرجح لا يوجب كونه اضطراريا لأن لاختياره تأثيرا في فعله أيضا وإنما قال أيضا ليعلم أن الاختيار ليس بمؤثر تام بل هو جزء المؤثر ببرهان آخر قد ثبت أنه لا يوجد شيء إلا وأن يجب وجوده بالغير فإن كان العبد موجبا لوجود بلا واسطة أمر فلا صنع له فيه كما لا صنع له في وجوده وفي ذاته وإن كان يتوسط وجود أمر فذلك الأمر يجب بالموجودات المستندة إلى الواجب فيخرج من صنع العبد وإن كان يتوسط عدم أمر لا يكون ذلك العدم العدم السابق على الوجود إذ لا صنع للعبد فيه فيكون العدم الذي بعد الوجود وهذا العدم لا يمكن إلا بزوال العلة التامة لذلك الأمر أو لبقائه فالعلة التامة إن (١/٣٥١) كانت موجودات محضة تكون واجبة بالاستناد إلى الواجب تعالى فلا يقدر العبد على إعدامها وإن كان للعدم مدخل في تلك العلة التامة فزوال العدم هو الوجود فيكون يتوسط وجود أمر وقد مر امتناعه وقد ثبت بالوجدان أن للعبد صنعا ما فلا يكون إلا في أمر لا موجود ولا معدوم ولا يكون ذلك الأمر واجبا بواسطة الموجودات المستندة إلى الواجب تعالى إذ حينئذ يخرج من صنع العبد ثم ذلك الشيء الموجود لا يجب على تقدير ذلك الأمر لتوقفه على أمور لا صنع للعبد فيها أصلا كقدرة العبد ووجوده وأمثالهما فالأمر الإضافي الذي هو الصادر من العبد وهو الذي لا يجب عند وجود الأثر يسمى كسبا وقد قال مشايخنا إن ما يقع به المقدور مع صحة انفراد القادر به فهو خلق وما يقع به المقدور لا مع صحة انفراد القادر به (١/٣٥٢) فهو كسب ثم إن مقدورات اللّه قسمان الأول ما يصح انفراد القادر به مع تحقق الانفراد كما في الموجودات التي لا صنع للعبد فيها والثاني ما يصح انفراد القادر به لكن لا يكون منفردا بل يكون لقدرة العبد مدخل ما في ذلك الشيء كالأفعال الاختيارية للعبادة وقد قيل ما وقع لا في محل قدرته فهو خلق وما وقع في محل قدرته فهو كسب هذا وإن كان تفسيرا آخر لكن في الحقيقة المجموع تفسير واحد فالخلق أمر إضافي يجب أن يقع به المقدور لا في محل القدرة ويصح انفراد القادر بإيقاع المقدور بذلك الأمر والكسب أمر إضافي يقع به المقدور في محل القدرة ولا يصح انفراد القادر بإيقاع المقدور بذلك الأمر فالكسب لا يوجب وجود المقدور بل يوجب من حيث هو كسب اتصاف الفاعل بذلك المقدور ثم اختلاف الإضافات ككونه طاعة أو معصية حسنة أو قبيحة مبنية على الكسب لا على الخلق إذ خلق القبيح ليس بقبيح إذ خلقه لا ينافي المصلحة والعاقبة الحميدة بل يشتمل على كثير منهما وإنما الاتصاف به بإرادته وقصده قبيح وقد علم أن الكسب من حيث هو هو يوجب الاتصاف به فالقصد إليه قبيح لأنه موصل إلى القبيح لأنه يعلم أنه كلما قصده يخلقه اللّه تعالى ولا جبر في القصد فالحاصل أن مشايخنا رحمهم اللّه تعالى ينفون عن العبد قدرة الإيجاد والتكوين فلا خالق ولا مكون إلا اللّه لكن يقولون إن للعبد قدرة ما على وجه لا يلزم منه وجود أمر حقيقي لم يكن بل إنما يختلف بقدرته النسب والإضافات فقط كتعيين أحد المتساويين وترجيحه هذا ما وقفت عليه من مسألة الجبر والقدرة وباللّه التوفيق ثم بعد ذلك رجعنا إلى ما نحن بصدده وهو مسألة الحسن والقبح فقوله إن الاتفاقي والاضطراري لا يوصفان بالحسن والقبح غير مسلم لأن كون الفعل اتفاقيا أو اضطراريا لا ينافي كونه حسنا لذاته أو لصفة من صفاته فيمكن أن يوجب ذات الفعل أو صفة من صفاته لحوق المدح أو الذم بكل من اتصف به سواء كان اتصافه به اختياريا أو (١/٣٥٣) اضطراريا أو اتفاقيا ألا ترى أن اللّه تعالى يحمد على صفاته العليا مع أن اتصافه بها ليس باختياره على أن الأشعري يسلم القبح والحسن عقلا بمعنى الكمال والنقصان فلا شك أن كل كمال محمود وكل نقصان مذموم وأن أصحاب الكمالات محمودون بكمالاتهم وأصحاب النقائص مذمومون بنقائصهم فإنكاره الحسن والقبح بمعنى أنهما صفتان لأجلهما يحمد أو يذم الموصوف بهما في غاية التناقض وإن أنكرهما بمعنى أنه لا يوجد في الفعل شيء يثاب الفاعل أو يعاقب لأجله فنقول إنه عنى أنه لا يجب على اللّه تعالى الإثابة والعقاب لأجله فنحن نساعده في هذا الفعل وإن عني أنه لا يكون في معرض ذلك فهذا بعيد عن الحق وذلك لأن الثواب والعقاب آجلا وإن كان لا يستقل العقل بمعرفة كيفيتهما لكن كل من علم أن اللّه تعالى عالم بالكليات والجزئيات فاعل بالاختيار قادر على كل شيء وعلم أنه غريق في نعم اللّه في كل لمحة ولحظة ثم مع ذلك كله ينسب من الصفات والأفعال ما يعتقد أنه في غاية القبح والشناعة إليه تعالى عن ذلك علوا كبيرا فلم ير بعقله أنه يستحق بذلك مذمة ولم يتيقن أنه في معرض سخط عظيم وعذاب أليم فقد سجل غوايته على غباوته ولجاجته وبرهن على سخافة عقله واعوجاجه واستخف بفكره ورأيه حيث لم يعلم بالشر الذي في ورائه عصمنا اللّه من الغباوة والغواية وأهدانا هدايا الهداية فلما أبطلنا دليل الأشعري رجعنا إلى إقامة الدليل على مذهبنا وإلى الخلاف الذي بيننا وبين المعتزلة (١/٣٥٤) وعند بعض أصحابنا والمعتزلة حسن بعض أفعال العباد وقبحها يكونان لذات الفعل أو لصفة له ويعرفان عقلا أيضا أي يكون ذات الفعل بحيث يحمد فاعله عاجلا ويثاب آجلا أو يذم فاعله عاجلا ويعاقب آجلا أو يكون للفعل صفة يحمد فاعل الفعل ويثاب لأجلها أو يذم ويعاقب لأجلها وإنما قال أيضا لأنه لا خلاف في أنهما يعرفان شرعا لأن وجوب تصديق النبي صلى اللّه عليه وسلم إن توقف على الشرع يلزم الدور واعلم أن النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا ادعى النبوة وأظهر المعجزة وعلم السامع أنه نبي فأخبر بأمور مثل أن الصلاة واجبة عليكم وأمثال ذلك فإن لم يجب على السامع تصديق شيء من ذلك تبطل فائدة النبوة وإن وجب فلا يخلو من أن يكون وجوب تصديق بعض إخباراته عقليا أو لا يكون بل يكون وجوب تصديق كل إخباراته شرعيا والثاني باطل لأنه لو كان وجوب تصديق الكل شرعيا لكان وجوبه بقول النبي عليه السلام فأول الإخبارات الواجبة التصديق لا بد أن يجب تصديقه بقوله عليه السلام إن تصديق الإخبار الأول واجب فنتكلم في هذا القول فإن لم يجب تصديقه لا يجب تصديق الأول وإن وجب فإما أن يجب بالإخبار الأول فيلزم الدور أو بقول آخر فنتكلم فيه فيلزم التسلسل وإذا ثبت ذلك تعين الأول وهو كون وجوب تصديق شيء من إخباراته عقليا فقوله وإلا أي وإن لم يتوقف على الشرع كان واجبا عقلا فيكون حسنا عقلا لأن الواجب العقلي ما يحمد على فعله ويذم على تركه عقلا والحسن العقلي ما يحمد على فعله عقلا فالواجب العقلي أخص من الحسن العقلي وكذلك نقول في امتثال أوامره إنه إما واجب عقلا إلخ هذا الدليل لإثبات العقلي صريحا وقوله (١/٣٥٥) وأيضا وجوب تصديق النبي عليه السلام موقوف على حرمة الكذب فهي إن ثبتت شرعا يلزم الدور وإن ثبتت عقلا يلزم قبحها عقلا هذا يدل على القبح العقلي صريحا وكل منهما يدل على الآخر التزاما لأنه إذا كان الشيء واجبا عقلا يكون تركه قبيحا عقلا وإن كان الشيء حراما عقلا فتركه يكون واجبا فيكون حسنا عقلا ثم عند المعتزلة العقل حاكم بالحسن والقبح موجب للعلم بهما وعندنا الحاكم بهما هو اللّه تعالى (١/٣٥٦) والعقل آلة للعلم بهما فيخلق اللّه العلم عقيب نظر العقل نظرا صحيحا لما أثبتنا الحسن والقبح العقليين وفي هذا القدر لا خلاف بيننا وبين المعتزلة أردنا أن نذكر بعد ذلك الخلاف بيننا وبينهم وذلك في أمرين أحدهما أن العقل عندهم حاكم مطلق بالحسن والقبح على اللّه تعالى وعلى العباد أما على اللّه فلأن الأصلح للعباد واجب على اللّه بالعقل فيكون تركه حراما على اللّه والحكم بالوجوب والحرمة يكون حكما بالحسن والقبح ضرورة وأما على العباد فلأن العقل عندهم يوجب الأفعال عليهم ويبيحها ويحرمها من غير أن يحكم اللّه فيها بشيء من ذلك وعندنا الحاكم بالحسن والقبح هو اللّه وهو متعال عن أن يحكم عليه غيره وعن أن يجب عليه شيء وهو خالق أفعال العباد على ما مر جاعل بعضها حسنا وبعضها قبيحا وله في كل قضية كلية أو جزئية حكم معين وقضاء مبين وإحاطة بظواهرها وبواطنها وقد وضع فيها ما وضع من خير أو شر ومن نفع أو ضر ومن حسن أو قبح وثانيهما أن العقل عندهم موجب للعلم بالحسن والقبيح بطريق التوليد بأن يولد العقل العلم بالنتيجة عقيب النظر الصحيح وعندنا العقل آلة لمعرفة بعض من ذلك إذ كثير مما يحكم اللّه بحسنه أو قبحه لم يطلع العقل على شيء منه بل معرفته موقوفة على تبليغ الرسل لكن البعض منه قد أوقف اللّه العقل عليه على أنه غير مولد للعلم بل أجرى عادته أنه خلق بعضه من غير كسب وبعضه بعد الكسب أي ترتيب العقل المقدمات المعلومة ترتيبا صحيحا على ما مر أنه ليس لنا قدرة إيجاد الموجودات وترتيب الموجودات ليس بإيجاد والمأمور به في صفة الحسن نوعان حسن لمعنى في نفسه وحسن لمعنى في غيره لما ثبت أن الحسن والقبح يعرفان عقلا علم أنهما ليسا بمجرد الأمر والنهي بل إنما يحسن الفعل أو يقبح إما لعينه أو لشيء آخر ثم ذلك الشيء حسن لعينه أو قبيح لعينه قطعا للتسلسل وهو إما أن يكون جزء ذلك الفعل أو خارجا (١/٣٥٧) عنه والجزء إما صادق على الكل كالعبادة تصدق على الصلاة والصلاة عبادة مع خصوصية فالعادة جزؤها أو لم تصدق كالأجزاء الخارجية كالسجود لا يصدق على الصلاة والحسن لمعنى في نفسه يعم الحسن لعينه والحسن لجزئه ويجب أن يعلم أن الحسن باعتبار الجزء إنما يكون حسنا إذا كان جميع أجزائه حسنا بمعنى أنه لا يكون جزء واحد منه قبيحا لعينه إذ لو كان لا يكون المجموع حسنا ثم الخارج إما أن يكون صادقا على ذلك الفعل نحو الجهاد إعلاء كلمة اللّه تعالى فالجهاد حسن لكونه إعلاء والإعلاء خارج عن مفهوم الجهاد وإما أن لا يكون صادقا كالوضوء حسن للصلاة والصلاة لا تصدق على الوضوء فثبت أن الحسن ينقسم إلى هذه الأقسام وكذا القبيح لكن أمثلة هذا ستأتي في فصل النهي إن شاء اللّه تعالى وإنما أطلق الحسن لمعنى في نفسه على الحسن لعينه إما اصطلاحا ولا مشاحة في الاصطلاحات أو لأن الحسن لعينه هو الفعل المطلق كالعبادة مثلا وهو لا يوجد في ضمن جزئياته إلا الموجودة وبحثنا في تلك الجزئيات المعلوم وجودها حسا وهي لا تكون إلا حسنة لمعنى في نفسها أو حسنة لغيرها والفرق بين الجزء الصادق وبين الخارج الصادق أن ما يكون مفهوم الفعل متوقفا عليه فهو الجزء وما ليس كذلك فهو الخارج كالصلاة مثلا فإن مفهومها الشرعي إنما هو عبادة (١/٣٥٨) مخصوصة بالخصوصيات المعلومة فمفهومها متوقف على العبادة وأما الجهاد فمفهومه القتل والضرب والنهب مع الكفار وليس إعلاء كلمة اللّه تعالى داخلا في هذا المفهوم بل يلزم ذلك في الخارج فيكون لازما لا جزءا وهذا هو الفرق المشهور بين الذاتي والعرضي إذا عرفت هذا علمت بطلان قول من أنكر كون الفعل حسنا أو قبيحا لذاته بأن قال قد يختلف حسن الفعل وقبحه باعتبار الإضافة فلا يكون حسنا لذاته أو قبيحا لذاته لأن الاختلاف بالإضافة لا يدل على ما ذكر لأن الإضافة داخلة في ذات ذلك الفعل لأن الفعل من الأعراض النسبية والأعراض النسبية تتقوم بالنسب والإضافات فالإضافات المختلفة فصول مقومة لها فقولنا شكر المنعم حسن لذاته معناه أن الشكر المضاف إلى المنعم حسن لا أن ذات الشكر من غير إضافة حسن أما الأول فإما أن لا يقبل سقوط التكليف كالتصديق وإما أن يقبل كالإقرار باللسان يسقط حال الإكراه والتصديق هو الأصل والإقرار ملحق به لأنه دال عليه فإن الإنسان مركب من الروح والجسد فلا تتم صفة إلا بأن تظهر من الباطن إلى الظاهر بالكلام الذي هو أدل على الباطن ولا كذلك سائر الأفعال إنما قال هذا للفرق بين الإقرار وعمل الأركان فإن الإقرار نجعله داخلا في الإيمان ولا نجعل عمل الأركان داخلا فيه واعلم أن المنقول من علمائنا رحمهم اللّه تعالى في هذه المسألة قولان أحدهما أن الإيمان هو التصديق وإنما الإقرار لإجراء الأحكام الدنيوية عليه والثاني أن الإيمان هو التصديق والإقرار معا (١/٣٥٩) فمن صدق بقلبه وترك الإقرار من غير عذر لم يكن مؤمنا اعتبار الجهة ركنية الإقرار في حال الاختيار وإن صدق ولم يصادف وقتا يقر فيه يكون مؤمنا اعتبار الجهة التبعية في حال الاضطرار وكالصلاة تسقط بالعذر وهو عطف على قوله كالإقرار وإما (١/٣٦٠) أن يكون شبيها للحسن لمعنى في غيره كالزكاة والصوم والحج يشبه أن يكون حسنها بالغير وهو دفع حاجة الفقير وقهر النفس وزيارة البيت لكن الفقير والبيت لا يستحقان هذه العبادة والنفس مجبولة على المعصية فلا يحسن قهرها فارتفع الوسائط فصارت تعبدا محضا للّه تعالى يرد عليه أنكم إن (١/٣٦١) أردتم بالحسن لمعنى في نفسه أن يكون الحسن لذات الفعل أو لجزئه لا تكون الزكاة وأمثالها من هذا القسم إذا بينتم أن جهة حسنها لمعنى في نفسها كونها تعبدا محضا للّه تعالى فيكون عينها حسنا لكونها مأمورا بها لا لذاتها ولا لجزئها وإن أردتم بالحسن لمعنى في نفسه كون الفعل مأمورا به فهذا عين مذهب الأشعري ولا يستقيم تقسيم الحسن إلى الحسن لمعنى في نفسه والحسن لمعنى في غيره لأن كل المأمورات حسنة لمعنى في نفسها بهذا المعنى والجواب عنه وجهان الأول أنه قد علم مما تقدم أن حسن الفعل عند الأشعري لكونه مأمورا به وعندنا لا بل إنما أمر به لأنه كان حسنا قال اللّه تعالى إن اللّه يأمر بالعدل والإحسان يقتضي كونه عدلا وإحسانا قبل الأمر لكنه خفي عن العقل فأظهره اللّه تعالى بالأمر (١/٣٦٢) فالأمر بالزكاة وأمثالها دال على حسنها لمعنى في نفسها على ما يأتي في هذا الفصل أن الأمر المطلق يتناول الضرب الأول من القسم الأول فيكون حسنا لمعنى في نفسها لكنا لا نعلم ذلك المعنى والثاني أن الإتيان بالمأمور به من حيث إنه إتيان بالمأمور به حسن لمعنى في نفسه لأن طاعة اللّه تعالى وترك مخالفته مما يحكم العقل بحسنه خلافا للأشعري فإن شكر المنعم عنده ليس بحسن عقلا فأداء الزكاة يكون حسنا لمعنى في نفسه لأنه إتيان بالمأمور به والإتيان بالمأمور به حسن لمعنى في نفسه وعند الأشعري إنما يحسن أداء الزكاة لأنه مأمور به فيصدق عليه تفسير الحسن وهو ما أمر به من غير ملاحظة أنه طاعة اللّه تعالى فهذا بناء على أن الحسن لمعنى في نفسه نوعان أحدهما أن يكون حسنا إما لعينه وإما لجزئه والثاني أن يكون حسنا لكونه إتيانا بالمأمور به وقد يجتمع المعنيان كالإيمان باللّه تعالى فإنه حسن لعينه وإتيان بالمأمور به وقد يوجد الأول بدون الثاني وإذا أتى به لكونه حسنا لعينه أو لجزئه لكن لم يؤمر به وأيضا على العكس في الحسن لا لجزئه ولا لعينه لكن يكون مأمورا به وقد أتى به لكونه مأمورا به كالوضوء فعلم فساد ما قال أن كل المأمورات حسنة لمعنى في نفسها بهذا المعنى لأنه إنما يكون كذلك إذا أتى به لكونه مأمورا به فالوضوء الغير المنوي حسن لغيره عندنا لأجل الصلاة والمنوي بنية امتثال أمر (١/٣٦٣) اللّه تعالى حسن لغيره ولمعنى في نفسه لأنه إتيان بالمأمور به حتى شرط فيه الأهلية الكاملة فإن العبادات يشترط لها الأهلية الكاملة حتى لا تجب على الصبي بخلاف المعاملات على ما يأتي في فصل الأهلية إن شاء اللّه تعالى وأما الثاني وهو الحسن لغيره فذلك الغير إما منفصل عن هذا المأمور به كأداء الجمعة فإنه منفصل عن السعي وفي هذه العبارة تغيير وقد كانت قبل التغيير هكذا فذلك (١/٣٦٤) الغير إما قائم بنفسه منفصل عن هذا المأمور به فأسقطت قولي إما قائم لأن الأعراض لا تقوم بنفسها فالمراد به أنه لا يكون قائما بهذا المأمور به فقوله منفصل يكون مكررا كالسعي إلى الجمعة حسن لأداء الجمعة فالوضوء حسن للصلاة وليس قربة مقصودة حيث يسقط بسقوطها فلا يحتاج في كونه وسيلة لها إلى النية وإما قائم بهذا المأمور به كالجهاد لإعلاء كلمة اللّه تعالى وصلاة الجنازة لقضاء حق الميت حتى إن أسلم الكفار بأجمعهم لا يشرع الجهاد وإن قضى البعض حق الميت يسقط عن الباقين ولما كان المقصود يتأدى بعين المأمور به كان هذا الضرب وهو أن يكون الغير قائما بالمأمور به لا الضرب الأول وهو أن يكون الغير منفصلا عن المأمور به شبيها بالقسم الأول وهو الحسن لمعنى في نفسه وجه المشابهة أن مفهوم الجهاد وهو القتل والضرب وأمثالهما وهذا المعنى ليس مفهوم إعلاء كلمة اللّه تعالى لكن في الخارج صار هذا القتل والضرب إعلاء كلمة اللّه تعالى كما أن السعي في المفهوم غير الأداء لكن في الخارج عينه وكما أن الحيوان في الحقيقة والمفهوم غير الناطق والكاتب لكن في الخارج هو عينهما فالجهاد حقيقة وهي القتل ليست حسنة لمعنى في نفسها لكن في الخارج وهو عين الإعلاء والإعلاء حسن لمعنى في نفسه فشابه هذا الضرب القسم الأول لا الضرب الأول لأن السعي غير أداء الجمعة في المفهوم وفي الخارج والأمر المطلق أي من غير انضمام قرينة تدل على الحسن لمعنى في نفسه أو غيره يتناول الضرب الأول من القسم الأول ويصرف عنه إن دل الدليل أي الذي لا يقبل سقوط التكليف من الحسن بمعنى في نفسه لأن كمال الأمر يقتضي كمال صفة المأمور به لما علم أن المطلق ينصرف إلى الكامل لزم أن الأمر المطلق يكون أمرا كاملا بأن يكون للإيجاب فأما الأمر الذي للإباحة أو الندب فناقص في كونه أمرا إذا ثبت هذا وقد علم أن الحسن مقتضى الأمر أي لو لم يكن الشيء حسنا لما أمر اللّه تعالى به فيكون الأمر الكامل أي الأمر الذي هو للإيجاب مقتضيا للحسن الكامل لأن الشيء لو لم يكن بحيث يكون في فعله (١/٣٦٥) مصلحة عظيمة وفي تركه مفسدة عظيمة لما أوجب اللّه تعالى فعله ليكون الإيجاب محصلا لفعله ومانعا من تركه فالإيجاب يدل على كمال العناية بوجود المأمور به وكمال العناية بوجود المأمور به يدل على كمال حسنه وكمال الحسن أن يكون حسنا لمعنى في نفسه وهو لا يقبل سقوط التكليف وكونه عبادة يوجب ذلك أيضا وقوله ذلك إشارة إلى الحسن لمعنى في نفسه بمعنى أنه إتيان بالمأمور به وإنما اخترت في الأول لفظ يقتضي وفي الثاني يوجب لأن المعنى الأول مقتضى الأمر والثاني موجب الأمر والفرق بينهما لا يخفى على أهل التحصيل فقال الشافعي رحمه اللّه تعالى الأمر بالجمعة يوجب صفة حسنها وأن لا يكون المشروع في ذلك اليوم إلا هي فلا يجوز ظهر غير المعذور إذا لم تفت الجمعة ولما لم يخاطب المعذور بالجمعة فإذا أدى الظهر لم ينتقض بالجمعة قلنا لما كان الواجب قضاء الظهر لا الجمعة علمنا أن الأصل هو الظهر لكنا أمرنا بإقامة الجمعة مقامه في الوقت فصارت مقررة له لا ناسخة ولا فرق في هذا بين المعذور وغيره لعموم فاسعوا لكن سقطت عنه الجمعة رخصة فإذا أتى بالعزيمة صار كغير المعذور فانتقض الظهر هذه المسألة تفريع على أن الأمر المطلق يقتضي ما ذكره والخلاف هنا في أمرين أحدهما أن غير المعذور إذا أدى الظهر في البيت قبل فوات الجمعة لا يجوز عنده ويجوز عندنا بناء على أن الأصل في هذا اليوم الجمعة عنده والظهر عندنا ودليلنا في المتن مذكور وثانيهما أن المعذور إذا أدى الظهر هل ينتقض إذا حضر الجمعة أم لا فعنده لا وعندنا ينتقض لأن الأمر بالسعي يعم المعذور وغير المعذور فالعزيمة في هذا اليوم إقامة الجمعة مقام الظهر الذي هو الأصل لكن هذا ساقط من المعذور بطريق الرخصة فإذا حضر الجمعة صار كغير المعذور فانتقض الظهر (١/٣٦٦) فصل التكليف بما لا يطاق غير جائز خلافا للأشعري لأنه لا يليق من الحكيم ولقوله تعالى لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها إلى غير ذلك من الآيات وهو غير واقع في الممتنع لذاته اتفاقا واقع عنده في غيره أي واقع عند الأشعري في غير الممتنع لذاته كإيمان أبي جهل وعندنا ليس هذا تكليفا بما لا يطاق بناء على أن لقدرة العبد تأثيرا في أفعاله توسطا بين الجبر والقدر وقد سبق تقريره في الفصل المتقدم فإن قيل التكليف بالمحال لازم على تقدير التوسط أيضا لأن العبد غير قادر على إيجاد الفعل بل يوجد بخلق اللّه فيكون التكليف بالفعل تكليفا بالمحال قلنا نعم لكن للعبد قصد اختياري فالمراد بالتكليف بالحركة التكليف بالقصد إليها ثم بعد القصد الجازم يخلق اللّه تعالى الحركة أي الحالة المذكورة بإجراء عادته أو التكليف بالحركة بناء على قدرته على سببها الموصل إليها غالبا وهو القصد على أن علمه تعالى بأنه لا يؤمن باختياره لا يخرجه عن حيز الإمكان هذا جواب عن دليل الأشعري وهو أن اللّه تعالى علم في الأزل أن أبا جهل لا يؤمن أصلا فإن آمن ينقلب علم اللّه جهلا وهو محال فإيمانه محال فالأمر بالإيمان يكون تكليفا بالمحال فنجيب بأن اللّه علم كل شيء على ما هو عليه والعلم تابع للمعلوم فعلمه تعالى بأنه لا يؤمن باختياره لا يخرجه من حيز الإمكان أي عن أن يكون مقدورا ومختارا له وعنده لا تأثير لها أي لقدرة العبد في (١/٣٦٧) أفعاله بل هو مجبور ثم عندنا عدم جوازه أي عدم جواز التكليف بما لا يطاق ليس بناء على أن الأصلح واجب على اللّه خلافا للمعتزلة بل بناء على أنه لا يليق بحكمه وفضله ثم القدرة شرط لوجوب الأداء لا لنفس الوجوب لأنه قد ينفك عن وجوب الأداء فلا حاجة إلى القدرة وسيأتي الفرق بين نفس الوجوب ووجوب الأداء في الفصل المتأخر بل هو يثبت أي نفس الوجوب بالسبب والأهلية على ما يأتي أي في فصل الأهلية والقدرة نوعان ممكنة وميسرة فالممكنة أدنى ما يتمكن به المأمور على أداء المأمور به أي من غير حرج غالبا وإنما قيدنا بهذا لأنهم جعلوا الزاد والراحلة في الحج من قبيل القدرة الممكنة وهي (١/٣٦٨) شرط لأداء كل واجب فضلا من اللّه تعالى بدنيا كان أو ماليا فلهذا يجب التيمم مع العجز والصلاة قاعدا أو موميا معه أي مع العجز وتسقط الزكاة إذا هلك المال بعد الحول قبل التمكن اتفاقا فعلى هذا يتصل بقوله وهي شرط لأداء كل واجب قال زفر لا يجب القضاء على من صار أهلا للصلاة في الجزء الأخير من الوقت لأنه لا يجب الأداء لعدم القدرة قلنا إنما يشترط حقيقة القدرة للأداء إذا كان هو الفرض وأما هاهنا فالفرض القضاء وقد وجد السبب فإمكان القدرة على الأداء بإمكان امتداد الوقت كاف لوجوب القضاء كمسألة الحلف بمس السماء فإنه ينعقد اليمين لإمكان البر في الجملة كما كان للنبي عليه السلام فإمكان الأصل وهو البر كاف لوجوب الخلف وهو الكفارة على أن القدرة التي شرطناها متقدمة هي سلامة الآلات والأسباب فقط وقد وجدت هنا (١/٣٦٩) (١/٣٧٠) فأما القدرة الحقيقية فإنها مقارنة للفعل أي ولئن سلمنا أن إمكان القدرة على الأداء غير كاف لوجوب القضاء بل يشترط لوجوب القضاء وجود القدرة على الأداء فوجود القدرة على الأداء حاصل هنا لأن القدرة التي تشترط لوجوب العبادات متقدمة هي سلامة الآلات والأسباب فقط وهي حاصلة هنا ولا تشترط القدرة التامة الحقيقية لأنها مقارنة للفعل لأن العلة التامة تكون مقارنة للمعلول إذ لو كانت سابقة زمانا يلزم تخلف المعلول عن العلة التامة أو نقول القضاء يبتنى على نفس الوجوب لا على وجوب الأداء كما في قضاء المسافر والمريض الصوم ولا يشترط بقاء هذه القدرة أي الممكنة لبقاء الواجب إذ التمكن (١/٣٧١) على الأداء يستغني عن بقائها أي استمرارها فلهذا لا تشترط للقضاء فلهذا إذا ملك الزاد والراحلة فلم يحج فهلك المال لا يسقط عنه لأن الحج وجب بالقدرة الممكنة فقط لأن الزاد والراحلة أدنى ما يتمكن به على هذا السفر غالبا اعلم أن جعل الزاد والراحلة من القدرة الممكنة يناقض قوله لأن القدرة التي شرطناها متقدمة إلخ (١/٣٧٢) والقدرة الميسرة ما يوجب اليسر على الأداء كالنماء في الزكاة ويشترط بقاؤها لبقاء الواجب لئلا ينقلب إلى العسر فلا تجب الزكاة في هلاك النصاب بعد الحول بعد التمكن بخلاف الاستهلاك لأنه تعد فإن قيل لما شرطتم بقاءها لبقاء الواجب يجب أن يشترط بقاء (١/٣٧٣) النصاب للوجوب في البعض فلا تجب بعد هلاك بعضه في الباقي توجيه السؤال أنكم شرطتم بقاء القدرة الميسرة لبقاء الواجب والنصاب شرط لليسر فيجب أن يشترط بقاء النصاب للوجوب في البعض فينبغي أن لا تجب الزكاة في الباقي إذا هلك بعض النصاب فنجيب بأن النصاب ما شرط لليسر بل للتمكن وفي هذا الكلام ما فيه قلنا النصاب ما شرط لليسر لأن الواجب ربع العشر ونسبته إلى كل المقادير سواء بل ليصير غنيا فيصير أهلا (١/٣٧٤) للإغناء لقوله عليه السلام لا صدقة إلا عن ظهر غنى ولا حد له فقدره الشرع بالنصاب وكذا الكفارة وجبت بهذه القدرة لدلالة التخيير ولقوله تعالى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام وليس المراد العجز في العمر لأن ذا يبطل أداء الصوم فالمراد العجز الحالي مع احتمال القدرة في المستقبل أي تشترط القدرة المقارنة للأداء كالاستطاعة مع الفعل أي القدرة التامة الحقيقية التي تقارن الفعل كما ذكرنا آنفا فالقدرة المشروطة في الكفارة قدرة كذلك أي مقارنة لأداء الكفارة لا سابقة ولا لاحقة وذا دليل اليسر أي اشتراط بقاء القدرة المقارنة دليل اليسر فيشترط بقاؤها لبقاء الواجب أي يشترط بقاء القدرة في باب الكفارة لبقاء الواجب حتى إن تحققت القدرة على الإعتاق فوجب الإعتاق (١/٣٧٥) ثم إن لم تبق القدرة يسقط الإعتاق لأنها لما لم تتصل بالأداء علم أن القدرة المقارنة للأداء لم توجد وهو الشرط لما ذكرنا أن وجوب الكفارة بالقدرة الميسرة فيشترط بقاؤها إلا أن المال هاهنا غير عين فلا يكون الاستهلاك تعديا فيكون كالهلاك جواب سؤال مقدور وهو أنه لما سوى بين الزكاة والكفارة في أنهما واجبتان بالقدرة الميسرة ينبغي أن لا تسقط الكفارة بالمال إذا استهلك المال كما لا تسقط الزكاة فأجاب بأن المال غير معين في الكفارة فلا (١/٣٧٦) يكون الاستهلاك تعديا وهو في الزكاة معين لأن الواجب جزء من النصاب فتعين أن الواجب من هذا المال فإذا استهلك المال كله استهلك الواجب فيضمن واعلم أن في قولهم إن بقاء القدرة الميسرة شرط لبقاء الواجب وإلا انقلب اليسر عسرا نوع نظر لأنه إن يسر اللّه تعالى لنا أمرا لا يلزم من ذلك أن يثبت يسر آخر وهو بقاء النصاب أبدا فإن اشتراط هذا اليسر يؤدي إلى فوات أداء الزكاة فإنه إن أخر أداء الزكاة خمسين سنة ثم هلك المال بعد ذلك لا يجب عليه شيء وأيضا لا ينقلب اليسر عسرا فإن اليسر الذي حصل باشتراط الحول لا ينقلب عسرا بل غايته أن لا يثبت يسرا آخر أنه الميسر للصواب فصل المأمور به نوعان مطلق ومؤقت هذا الفصل هو أصل الشرائع قد تأسس عليه مباني الأصول والفروع فإن طالعت هذا الموضع في كتب الأصول علمت سعيي في تنقيح هذه المباحث وتحقيقها المراد بالمطلق غير المؤقت كالكفارات والنذور المطلقة والزكاة أما المطلق فعلى التراخي لأنه أي الأمر جاء للفور وجاء للتراخي فلا يثبت الفور (١/٣٧٧) إلا بالقرينة وحيث عدمت يثبت التراخي لا أن الأمر يدل عليه لأن المراد بالفور الوجوب في الحال والمراد بالتراخي عدم التقييد بالحال لا التقييد بالمستقبل حتى لو أداه في الحال يخرج عن العهدة فالفور يحتاج إلى القرينة لا التراخي (١/٣٧٨) وأما المؤقت فإما أن يتضيق الوقت عن الواجب وهذا غير واقع لأنه تكليف بما لا يطاق إلا لغرض القضاء كمن وجب عليه الصلاة آخر الوقت إما أن يفضل كوقت الصلاة وإما أن يساوي وحينئذ إما أن يكون الوقت سببا للوجوب كصوم رمضان أو لا يكون كقضاء رمضان وقسم آخر كالحج مشكل في أن يفضل أو يساوي كالحج أما وقت الصلاة فهو ظرف للمؤدي وشرط للأداء إذ الأداء يفوت بفوات الوقت لأن الأداء تسليم عين الثابت بالأمر (١/٣٧٩) والثابت بالأمر هو الصلاة في الوقت أما الصلاة خارج الوقت فتسليم مثل الثابت بالأمر وسبب للوجوب لقوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس ولإضافة الصلاة إليه إذ الإضافة تدل على اختصاص فمطلقها ينصرف إلى الاختصاص الكامل أن يرى أن قوله المال لزيد ينصرف إلى الاختصاص بطريق الملك ولو لم يمكن ينصرف إلى ما دونه أما الإضافة بأدنى ملابسة فمجاز فالاختصاص الكامل في مثل قولنا صلاة الفجر إنما هو بالسببية فالأمور التي ذكرنا من الإضافة إلى آخرها كل واحد منها يوجب غلبة الظن بالسببية لكن مجموعها يفيد القطع ولتغيرها بتغيره صحة وكراهة وفسادا ولتجدد الوجوب بتجدده ولبطلان التقديم عليه فإن التقديم على الشرط أي التقديم على شرط وجوب الأداء صحيح كالزكاة قبل الحول يحققه أي يحقق كون الوقت سببا للوجوب إن الوقت وإن لم يكن مؤثرا في ذاته بل بجعل اللّه تعالى بمعنى أنه تعالى رتب الأحكام على أمور ظاهرة تيسيرا كالملك على الشراء إلى غير ذلك فتكون الأحكام بالنسبة إلينا مضافة إلى هذه الأمور فهذه الأمور مؤثرة في الأحكام بجعل اللّه تعالى كالنار في الإحراق عند أهل السنة فإن قيل الحكم قديم فلا يؤثر فيه (١/٣٨٠) الحادث قلنا الإيجاب قديم وهو حكمه تعالى في الأزل أنه إذا بلغ زيد يجب عليه ذا وأثره وهو الحكم المصطلح أي الوجوب حادث فإنه مضاف إلى الحادث فلا يوجد قبله ثم هو أي الوقت لما بين أن الوقت سبب للوجوب أراد أن يبين أن المراد بالوجوب نفس الوجوب لا وجوب الأداء سبب لنفس الوجوب لأن سببها الحقيقي الإيجاب القديم وهو رتب الحكم على شيء ظاهر فكان هذا أي الشيء الظاهر وهو الوقت سببا لها أي لنفس الوجوب بالنسبة إلينا ثم لفظ الأمر لمطالبة ما وجب بالإيجاب المرتب الحكم على (١/٣٨١) ذلك الشيء وهو الوقت فيكون أي لفظ الأمر سببا لوجوب الأداء والفرق بين نفس الوجوب ووجوب الأداء أن الأول هو اشتغال ذمة المكلف بالشيء والثاني هو لزوم تفريغ الذمة عما تعلق بها فلا بد له من سبق حق في ذمته فإذا اشترى شيئا يثبت الثمن في الذمة فثبوت الثمن في الذمة نفس الوجوب أما لزوم الأداء فعند المطالبة بناء على أصل الوجوب (١/٣٨٢) وأيضا واجب على المغمى عليه والنائم والمريض والمسافر ولا أداء عليهم لعدم الخطاب أما في الأولين فلأن خطاب من لا يفهم لغو وأما في الأخيرين فلأنهما مخاطبان بالصوم في أيام أخر (١/٣٨٣) ولا بد للقضاء من وجوب الأصل فيكون نفس الوجوب ثابتا ويكون سببه أي سبب نفس الوجوب شيئا غير الخطاب وهو الوقت لما ذكرنا من عدم الخطاب لأنه لا شيء غير الوقت والخطاب يصلح للسببية فالسببية منحصرة فيهما إما لهذا أو للإجماع فيلزم من نفي أحدهما ثبوت الآخر ثم اعلم أن بعض العلماء لا يدركون الفرق بين نفس الوجوب ووجوب الأداء ويقولون إن الوجوب لا ينصرف إلا إلى الفعل وهو الأداء فبالضرورة يكون نفس الوجوب هي نفس وجوب الأداء فلا يبقى فرق بينهما وللّه در من أبدع الفرق بينهما (١/٣٨٤) وما أدق نظره وما أمتن حكمته وتحقيق ذلك أنه لما كان الوقت سببا لوجوب الصلاة كان معناه أنه لما حضر وقت شريف كان لازما أن يوجد فيه هيئة مخصوصة وضعت لعبادة اللّه تعالى وهي الصلاة فلزوم وجود تلك الهيئة عقيب السبب هو نفس الوجوب ثم الأداء هو إيقاع تلك الهيئة فوجوب الأداء هو لزوم إيقاع تلك الهيئة وذلك مبني على الأول لأن السبب أوجب وجود تلك الهيئة لمناسبة بينهما فإن المراد بالسبب الداعي ثم بواسطة هذا الوجوب يجب إيقاع تلك الهيئة فالوجوب الأول يتعلق بالصلاة وهي الهيئة والثاني بأدائها حتى لو كان السبب بذاته داعيا إلى نفس الإيقاع لا إلى الهيئة الحاصلة بالإيقاع فلزوم ذلك الإيقاع يكون نفس الوجوب فإذا تصوره العقل لازم الوقوع لا بد له من إيقاع فلزم إيقاع (١/٣٨٥) الإيقاع هو وجوب الأداء وقد يوجد نفس الوجوب بدون الوجوب الأداء كما في المريض والمسافر فإن لزوم وجود الحالة التي هي الصوم حاصل لأن ذلك اللزوم باعتبار أن السبب داع إليه والمحل وهو المكلف صالح لهذا فلو لم يحصل ذلك اللزوم لما كان السبب سببا لكن لا يجب إيقاعه مع أنه يجوز أن يكون واقعا إذا وجد البيع بثمن غير معين والبيع مبادلة المال بالمال وقد ملك المشتري المبيع فلا بد أن يملك البائع مالا على المشتري تحقيقا للمبادلة فهذا نفس الوجوب ثم لزوم أداء المال الواجب فرع على الأول فهو وجوب الأداء فلما ذكر أن الوقت سبب لنفس الوجوب أراد أن يبين أن السبب ليس كل الوقت بل بعضه فقال ثم إذا كان الوقت سببا وليس ذلك كله أي السبب ليس كل الوقت لأنه إن كان الكل سببا لا يخلو إما أن تجب الصلاة في الوقت أو بعده فإن وجبت في الوقت يلزم التقدم على (١/٣٨٦) السبب لأنه إن كان الكل سببا فما لم ينقض كل الوقت لا يوجد السبب إن وجبت بعد الوقت لزم الأداء بعد الوقت وكل منهما باطل فلا يكون الكل سببا وهذا معنى قوله لأنه إن وجبت في الوقت تقدم الأداء على السبب وإن لم تجب فيه تأخر الأداء عن الوقت فالبعض سبب ولا يتعين الأول بدليل الوجوب على من صار أهلا في الآخر إجماعا ولا الآخر وإلا لما صح التقديم عليه فالجزء الذي اتصل به الأداء سبب فهذا الجزء إن كان كاملا يجب الأداء كاملا فإذا اعترض عليه الفساد بطلوع الشمس يفسد وإن كان ناقصا كوقت الأحمر يجب كذلك فإذا اعترض عليه الفساد بالغروب لا يفسد لتحقق الملاءمة بين الواجب والمؤدى لأنه وجب ناقصا وقد أدى كما وجب بخلاف الفصل الأول لأنه شرع في الوقت الكامل لأن ما قبل طلوع الشمس وقت كامل لا نقصان فيه قطعا فوجب عليه كاملا فإذا فسد الوقت بالطلوع يكون مؤديا كما وجب لأن النهي عن الصلاة في هذه الأوقات باعتبار أن عبدة الشمس يعبدونها في هذه الأوقات فالعبادة في هذه الأوقات مشابهة لعبادة الشمس (١/٣٨٧) فلهذا ورد النهي وعبادة الشمس إنما هي بعد الطلوع وقبل الغروب فقبل الطلوع وقت كامل ولا كذلك قبل الغروب فإن قيل يلزم أن يفسد العصر إذا شرع فيه في الجزء الصحيح ومدها إلى أن غربت الشمس قلنا لما كان الوقت متسعا جاز له شغل كل الوقت فيعفى الفساد الذي يتصل بالبناء البناء هنا ضد الابتداء والمراد أنه ابتدأ الصلاة في الوقت الكامل والفساد الذي اعترض في حالة البقاء جعل عذرا لأن الاحتراز عنه مع الإقبال على الصلاة متعذر لكن هذا يشكل (١/٣٨٨) بالفجر يعني من شرع في الفجر ومدها إلى أن طلعت الشمس ينبغي أن لا يفسد كما في العصر إذا شرع في الوقت الكامل ومدها إلى أن غربت فإن الصورتين الشروع في الوقت الكامل فالفساد المعترض في العصر أن جعل عفوا ينبغي أن يجعل في الفجر عفوا بعين تلك العلة هذا إشكال اختلج في خاطري ولم أذكر له جوابا في المتن فيخطر ببالي عنه جواب وهو أن في العصر لما كان له شغل في الوقت فلا بد أن يؤدي البعض في الوقت الكامل والبعض في الوقت الناقص وهو وقت الاحمرار فاعترض الفساد بالغروب على البعض الناقص فلا تفسد وأما في الفجر فإن كل وقته كامل فيجب أداء الكل في الوقت الكامل فإن شغل كل الوقت يجب أن يشغله على وجه لا يعترض الفساد بالطلوع على الكامل ولو لم يؤد فكل الوقت سبب في حق القضاء لأن العدول عن الكل إلى الجزء في الأداء كان لضرورة وقد انتفت هنا هذا البحث الذي ذكرناه وهو أن بعض الوقت سبب إنما هو في الأداء أما إذا لم يؤد في الوقت ففي حق القضاء كل الوقت سبب لأن الدلائل دالة على سببية كله لكن في الأداء عدلنا عن سببية الكل إلى سببية البعض لضرورة وهي أنه يلزم حينئذ التقدم على السبب أو تأخر الأداء عن الوقت وهذه الضرورة غير متحققة في القضاء فوجب القضاء بصفة الكمال أي لا نقول إنه إذ لم يؤد في الوقت انتقلت السببية من أول الوقت إلى آخره فاستقرت السببية عليه في حق القضاء حتى يجب القضاء ناقصا في العصر فيجوز القضاء في وقت الغروب بل نقول الكل سبب للقضاء فيجب كاملا ثم وجوب الأداء يثبت آخر الوقت إذ هنا توجه الخطاب حقيقة لأنه الآن يأثم بالترك لا قبله حتى إذا مات في الوقت لا شيء عليه ومن حكم هذا القسم أن الوقت لما لم يكن (١/٣٨٩) متعينا شرعا والاختيار في الأداء إلى العبد لم يتعين بتعيينه نصا إذ ليس له وضع الشرائع وإنما له الارتفاق فعلا فيتعين فعلا كالخيار في الكفارات ومنه أنه لما كان الوقت متسعا شرع فيه غير هذا الواجب فلا بد من تعيين النية ولا يسقط التعيين إذا ضاق الوقت بحيث لا يسع إلا لهذا الواجب هذا جواب إشكال وهو أن التعيين إنما وجب لاتساع الوقت فإذا ضاق الوقت ينبغي أن يسقط التعيين فقال لأن ما ثبت حكما أصليا وهو وجوب التعيين بالنية وقوله حكما منصوب على الحال بناء على سعة الوقت لا يسقط بالعواض وتقصير العباد ٢ وأما القسم الثاني وهو أن يكون الوقت مساويا للواجب ويكون سببا للوجوب فوقت الصوم وهو رمضان أي نهار رمضان شرط للأداء ومعيار للمؤدي لأنه قدر وعرف به فإن الصوم مقدر بالوقت وهذا ظاهر ومعرف بالوقت فإنه الإمساك عن المفطرات الثلاث من الصبح إلى الغروب مع النية فالوقت داخل في تعريف الصوم وسبب للوجوب لقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومثل هذا الكلام للتعليل ونظائره كثيرة فإنه إذا كان الشيء خبرا للاسم الموصول فإن الصلة علة للخبر وقد ذكر غير مرة أنه إذا حكم على المشتق فإن المشتق منه علة له وهنا كذلك لأن قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر معناه شاهد الشهر فالشهود علة ولنسبة الصوم إليه ولتكرره به ولصحة الأداء فيه للمسافر مع عدم (١/٣٩٠) الخطاب ومن حكمه أن لا يشرع فيه غيره فلهذا يقع عند أبي يوسف ومحمد رحمهما اللّه تعالى عن رمضان إذا نوى المسافر واجبا آخر لأن المشروع في هذا اليوم هذا لا غير إشارة إلى الصوم المخصوص برمضان في حق الجميع ولهذا يصح الأداء منه أي من المسافر لكنه رخص بالفطر وذا لا يجعل غيره مشروعا فيه قلنا لما رخص فيه لمصالح بدنه فمصالح دينه وهو قضاء دينه أولى وإنما لم يشرع للمسافر غيره إن أتى بالعزيمة وهنا لم يأت إذ صام واجبا آخر جواب عما قالا إن المشروع في هذا اليوم في حق الجميع صوم رمضان لا غير فنقول لا نسلم أن المشروع في حق المسافر هذا لا غير مطلقا بل إن أتى المسافر بالعزيمة أما إذا أعرض عنها فلا نسلم ذلك ولأن وجوب الأداء ساقط عنه فصار هذا الوقت في حقه كشعبان فعلى الدليل الأول وهو قوله فمصالح دينه وهو قضاء دينه أولى إن شرع في النفل يقع عن رمضان لأنه إذا شرع في واجب آخر إنما يقع عنه لمصالح دينه فإن (١/٣٩١) قضاء ما فات أولى للمسافر من أداء رمضان لأنه إن مات قبل إدراك عدة من أيام أخر لقي اللّه تعالى وعليه صوم القضاء ولا يكون عليه صوم رمضان فإذا كان الوقوع عن واجب آخر لمصالح دينه ففيما إذا نوى النفل فمصالح دينه إنما هي أداء رمضان لا النفل وعلى الثاني أي وعلى الدليل الثاني وهو أن الوقت بالنسبة إليه كشعبان يقع عن النفل وهنا روايتان أي بناء على هذين الدليلين في هذه المسألة روايتان وإن أطلق فالأصح أنه يقع عن رمضان إذا لم يعرض عن العزيمة وأما المريض إذا نوى واجبا آخر يقع عن رمضان لتعلق الرخصة بحقيقة العجز فإذا صام ظهر فوات شرط الرخصة فيه فصار كالصحيح وفي المسافر قد تعلقت بدليل العجز وهو السفر فشرط الرخصة ثابت هنا قوله ظهر فوات شرط الرخصة فيه وفي هذا الكلام نظر لأن المرخص هو المرض الذي يزداد بالصوم لا المرض الذي لا يقدر به على الصوم فلا نسلم أنه إذا صام ظهر فوات شرط الرخصة فصار كالصحيح وقال زفر هذه مسألة ابتدائية لا تعلق لها بالمريض والمسافر وهي أنه لما صار الوقت متعينا له فكل إمساك يقع فيه يكون مستحقا على الفاعل أي يكون حقا مستحقا للّه تعالى على الفاعل كالأجير الخاص فإن منافعه حق المستأجر فيقع الفرض وإن لم ينو كهبة كل النصاب من الفقير بغير النية قلنا هذا يكون جبرا (١/٣٩٢) والشرع عين الإمساك الذي هو قربة لهذا أي لصوم رمضان ولا قربة بدون القصد وقال الشافعي رحمه اللّه تعالى لما كان منافعه على ملكه لا أن منافعه صارت حقا للّه جبرا لا بد من التعيين لئلا يصير جبرا في صفة العبادة قلنا نعم لكن الإطلاق في المتعين تعيين هذا قول بموجب العلة أي تسليم دليل المعلل مع بقاء الخلاف على ما يأتي فحاصله أنا نسلم أن التعيين واجب لكن نقول الإطلاق في المتعين تعيين فإنه إذا كان في الدار زيد وحده فقال آخر يا إنسان فالمراد به زيد ولا يضر الخطأ في الوصف بأن نوى النفل أو واجبا آخر وهو صحيح مقيم لأن الوصف لم يكن مشروعا يبطل فبقي الإطلاق وهو تعيين وقال أي الشافعي رحمه اللّه تعالى لما وجب التعيين وجب من أوله إلى آخره لأن كل جزء يفتقر إلى النية فإذا عدمت في البعض فسد ذلك فيفسد الكل لعدم التجزي أي لعدم تجزي الصوم صحة وفسادا فإنه إذا فسد الجزء الأول من الصوم شاع وفسد الكل والنية المعترضة لا تقبل التقدم (١/٣٩٣) قلنا لما صح بالنية المتقدمة المنفصلة عن الكل فلأن يصح بالمتصلة بالبعض أولى جواب عن قوله أن النية المعترضة لا تقبل التقدم واعلم أولا أن الاستناد هو أن يثبت الحكم في الزمان المتأخر ويرجع القهقرى حتى يحكم بثبوته في الزمان المتقدم كالمغصوب (١/٣٩٤) فإنه يملكه الغاصب بأداء الضمان مستندا إلى وقت الغصب حتى إذا استولد الغاصب المغصوبة فهلكت فأدى الضمان يثبت النسب من الغاصب فالشافعي رحمه اللّه تعالى يقول إذا اعترض النية في النهار لا يمكن تقدمه إلى الفجر بطريق الاستناد لأن الاستناد إنما يمكن في الأمور الثابتة شرعا كالملك ونحوه وأما في الأمور الحسية والعقلية فلا يمكن الاستناد وهنا صحة الصوم متعلقة بحقيقة النية وهي أمر وجداني فإذا كان حاصلا في وقت لا يكون حاصلا قبل ذلك الوقت ألا يرى أنها لا تستند إذا اعترضت النية بعد الزوال وكما في صوم القضاء فإذا لم تستند بقي البعض بلا نية فنجيب بأنا لا نقول إن النية المعترضة تثبت في الزمان المتقدم بطريق الاستناد بل نقول إن النية في الزمان المتقدم متحققة تقديرا فإن الأصل هو مقارنة العمل بالنية فإذا نوى في أول الليل فجعلها الشرع مقارنة للعمل تقديرا فكذا هنا وأيضا إذا كان الأكثر مقرونا بالنية وللأكثر حكم الكل يكون الكل مقارنا بالنية تقديرا فلهذا قال وتكون تقديرية لا مستندة والطاعة قاصرة في أول النهار لأن الإمساك في أول النهار عادة الناس فيكفيها النية التقديرية فلا نقول إن الجزء الأول من الصوم إذا خلا عن النية فسد ويشيع ذلك الفساد ولا يعود صحيحا باعتراض النية بل نقول إن الجزء الأول لم يفسد بل موقوفة فإن وجدت النية في الأكثر علم أن النية التقديرية كانت موجودة في الأول والنية التقديرية كافية في الجزء الأول لقصور العبادة فيه وإن لم توجد في الأكثر علم أن (١/٣٩٥) النية التقديرية لم تكن موجودة في الأول على أنا نرجح بالكثرة لأن للأكثر حكم الكل وهذا الترجيح الذي بالذات أولى من ترجيحه بالوصف على ما يأتي في باب الترجيح اعلم أنا نرجح البعض الذي وجد فيه النية على البعض الذي لم توجد فيه النية بالكثرة والشافعي رحمه اللّه تعالى يرجح على العكس بوصف العبادة فإن العبادة لا تصلح بدون النية فيفسد ذلك البعض فيشيع الفساد إلى البعض الذي وجد فيه النية فيرجع البعض الفاسد على البعض الصحيح بوصف العبادة ونحن نرجح البعض الصحيح على البعض الفاسد الذي لم توجد فيه النية بالكثرة وترجيحنا ترجيح بالذاتي لأنا نرجح بالإجزاء وترجيحه بالوصف غير الذاتي وهو وصف العبادة فإن قيل في التقديم ضرورة فإن محافظة وقت الصبح متعذرة جدا فالتقديم الذي لا يعترض عليه المنافي كالاتصال قلنا وفي التأخير أيضا ضرورة كما في يوم الشك لأن تقديم نية الفرض حرام ونية النفل لغو عندكم فيثبت الضرورة وأيضا الضرورة لازمة في غير يوم الشك أيضا إذا نسي النية في الليل أو نام أو أغمي عليه ولأن صيانة الوقت الذي لا درك له أصلا واجبة حتى أن الأداء مع النقصان أفضل من القضاء بدونه وعلى هذا الوجه لا كفارة ويروى هذا عن أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى اعلم أنه لما أقام الدليلين على صحة الصوم المنوي نهارا أولهما قوله لما صح بالنية المنفصلة وثانيهما قوله ولأن صيانة الوقت الذي إلخ والدليل الثاني يشعر بأن الصوم المنوي نهارا إنما يصح ضرورة أن الصيانة واجبة فعلى (١/٣٩٦) هذا الدليل لا تجب الكفارة إذا أفسده ومن حكمه أي من حكم هذا القسم وهو أن يكون الوقت معيارا للمؤدى أن الصوم مقدر بكل اليوم فلا يقدر النفل ببعضه أي ببعض النهار خلافا للشافعي رحمه اللّه فإن عنده إذا نوى النفل من النهار يكون صومه من زمان النية وإن كان بعد الزوال ومن هذا الجنس أي من جنس صوم رمضان المنذور في الوقت المعين يصح بالنية المطلقة ونية النفل لكن إن صام عن واجب آخر يصح عنه لأن تعيينه مؤثر في حقه وهو النفل لا في حق الشارع فإن الوقت صار متعينا بتعيين الناذر فتعيينه صار مؤثر في حقه وهو النفل حتى يقع عن المنذور بسبب أن الوقت متعين للمنذور بتعيينه لكن لا يؤثر في حق الشارع أي إن نوى واجبا آخر لا يقع عن المنذور وأما القسم الثالث فالوقت معيار لا سبب كالكفارات والنذور المطلقة والقضاء وحكمه أنه لما لم يكن الوقت متعينا لها كان (١/٣٩٧) الصوم من عوارض الوقت فلا بد من التبييت أي من النية في الليل بخلاف صوم رمضان والنذر المعين فإن الوقت متعين فتكفي النية الحاصلة في الأكثر وتكون النية التقديرية حاصلة في أول النهار بناء على تعيين الوقت فإن تعيين الوقت يوجب كونه صائما وهنا لم يتعين الوقت فوجبت النية الحقيقية في أول النهار وأما النفل فهو المشروع الأصلي في غير رمضان كالفرض في رمضان فتكفي النية في الأكثر وأما القسم الرابع وهو الحج فيشبه الظرف لأن أفعاله لا تستغرق أوقاته ويشبه المعيار لأنه لا يصح في عام واحد إلا حج واحد ولأن وقته العمر فيكون ظرفا حتى إن أتى به بعد العام الأول يكون أداء بالاتفاق لكن عند أبي يوسف رحمه اللّه تعالى يجب مضيقا لا يجوز تأخيره عن العام الأول وهو لا يسع إلا حجا واحدا فيشبه المعيار وعند محمد رحمه اللّه تعالى يجوز بشرط أن لا يفوته قال الكرخي هذا بناء على الخلاف الذي بينهما في أن الأمر المطلق أيوجب الفور أم لا وعند عامة مشايخنا رحمهم اللّه تعالى أن أمر المطلق لا يوجب الفور اتفاقا بيننا فمسألة الحج مبتدأة فقال محمد رحمه اللّه تعالى لما كان الإتيان به في العمر أداء إجماعا علم أن كل العمر وقته كقضاء الصلاة والصوم وغيرهما وقال أبو يوسف رحمه اللّه تعالى لما وجب عليه لا يسعه أن يؤخره لأن الحياة إلى العام القابل مشكوكة حتى إذا أدرك القابل زال ذلك الشك فقام مقام الأول بخلاف قضاء الصلاة والصوم (١/٣٩٨) فإن الحياة إلى اليوم الثاني غالبة فاستوت الأيام كلها فإن قيل لما تعين العام الأول ينبغي أن لا يشرع فيه النفل قلنا إنما عينا احتياطيا احترازا عن الفوت فظهر ذلك في حق الاسم فقط لا في أن يبطل اختيار جهة التقصير والإثم أي لما كان الحج فرض العمر كان الأصل أن لا يتعين بالعام الأول وإنما عينا احتياطا لئلا يفوت ويظهر أثر هذا التعيين في الإثم فقط أي إن أخر عن العام الأول ثم مات ولم يدرك الحج كان آثما لكن لا يظهر أثر التعيين في بطلان اختياره لما اختار جهة التقصير والإثم بأن أدرك الوقفة ولم ينو حجة الإسلام بل نوى النفل وإذا كان هذا الوقت يشبه المعيار ولكنه ليس بمعيار لما قلنا ولأن أفعاله غير مقدرة (١/٣٩٩) بالوقت بخلاف الصوم فإنه مقدر بالوقت فإن المعيار هو ما يقدر الشيء به كالمكيال ونحوه فإن تطوع هذا جواب إذا في قوله وإذا كان هذا الوقت وعليه حجة الإسلام يصح وعند الشافعي رحمه اللّه تعالى يقع عن الفرض إشفاقا عليه فإن هذا أي التطوع وعليه حجة الإسلام من السفه فيحجر عليه أي إذا نوى التطوع يحجر عن نية التطوع فبطلت نيته فبقيت النية المطلقة وهي كافية على أنه يصح بإطلاق النية وبلا نية كمن أحرم عنه أصحابه وهو مغمى عليه قلنا الحجر يفوت الاختيار ولا عبادة بدونه أما الإطلاق ففيه دلالة التعيين إذ الظاهر أن لا يقصد النفل وعليه حجة الإسلام والإحرام غير مقصود جواب عن قوله كمن أحرم عنه أصحابه بل هو شرط عندنا كالوضوء فيصح بفعل غيره بدلالة الأمر فإن عقد الرفاقة دليل الأمر بالمعاونة فصل هذا الفصل في أن الكفار هل يخاطبون بالشرائع أم لا وهو غير مذكور في أصول الإمام فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى ولما كان مهما نقلته من أصول الإمام شمس الأئمة ذكر الإمام السرخسي لا خلاف في أن الكفار يخاطبون بالإيمان والعقوبات والمعاملات (١/٤٠٠) وبالعبادات في حق المؤاخذة في الآخرة لقوله تعالى ما سلككم في سقر الآية اعلم أن الكفار مخاطبون بالثلاثة الأول مطلقا إجماعا أما بالعبادات فهم مخاطبون بها في حق المؤاخذة في الآخرة اتفاقا أيضا لقوله تعالى ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وأما في حق وجوب الأداء في الدنيا فمختلف فيه كما ذكر في المتن وهو قوله أما في حق وجوب الأداء فكذا عند العراقيين من مشايخنا رحمهم اللّه تعالى لأنه لو لم يجب لا يؤاخذون على تركها ولأن الكفر لا يصلح مخففا ولا يضر كونها غير معتد بها مع الكفر جواب إشكال وهو أن العبادات لما لم تكن (١/٤٠١) معتدا بها مع الكفر لا يكون في وجوب الأداء فائدة فأجاب بأن هذا لا يضر لأنه يجب عليه بشرط الإيمان كالجنب يجب عليه الصلاة بشرط الطهارة لا عند مشايخ ديارنا يتعلق بقوله فكذا عند العراقيين لقوله عليه السلام ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا اللّه فإن هم أجابوك فأعلمهم أن اللّه فرض عليهم خمس صلوات الحديث يفهم منه أن فرضية الصلوات الخمس مختصة بتقدير الإجابة فعلى تقديم عدم الإجابة لا تفرض أما عند القائلين بأن التعليق بالشرط يدل على نفي الحكم عند عدم الشرط فظاهر وأما عندنا فلعدم الدليل على الفرضية لا أنه دليل على عدم الفرضية على ما مر في فصل مفهوم المخالفة ولأن الأمر بالعبادة لنيل الثواب والكافر ليس أهلا له وليس في سقوط العبادة عنهم تخفيف بل تغليظ ونظيره أن الطبيب لا يأمر العليل بشرب الدواء عند اليأس لأنه غير مفيد فكذا هاهنا وقد ذكر أي الإمام (١/٤٠٢) شمس الأئمة رحمه اللّه تعالى أن علماءنا لم ينصوا في هذه المسألة لكن بعض المتأخرين استدلوا من مسائلهم على هذا وعلى الخلاف بينهم وبين الشافعي رحمه اللّه تعالى فاستدل البعض بأن المرتد إذا أسلم لا يلزمه قضاء صلاة الردة خلافا للشافعي رحمه اللّه تعالى فدل على أن المرتد غير مخاطب بالصلاة عندنا وعند الشافعي رحمه اللّه تعالى مخاطب بها والبعض بأنه إذا صلى في أول الوقت ثم ارتد ثم أسلم والوقت باق فعليه الأداء خلافا له بناء على أن الخطاب ينعدم بالردة وصحة ما مضى كانت بناء عليه أي على الخطاب فإذا علم الخطاب عدم صحة ما مضى فبطل ذلك الأداء فإذا أسلم في الوقت وجب ابتداء وعنده الخطاب باق فلا يبطل الأداء والبعض فرعوه على أن الشرائع ليست من الإيمان عندنا خلافا (١/٤٠٣) له وهم يخاطبون بالإيمان فقط فلا يخاطبون بالشرائع عندنا لأنها غير داخلة في الإيمان ويخاطبون عنده لكونها من الإيمان عنده والكل ضعيف فاحتج على ضعف الاستدلال الأول بقوله لأنه إنما يسقط القضاء عندنا لقوله تعالى إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف فسقوط القضاء عندنا لا يدل على أن المرتد غير مخاطب بل يمكن أن يكون مخاطبا لكن سقط عنه لقوله تعالى إن ينتهوا الآية واحتج على ضعف الاستدلال الثاني بقوله ولأن المؤدى إنما بطل لقوله تعالى ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله فإذا أسلم في الوقت يجب لا محالة أي فإذا حبط العمل ثم أسلم والوقت باق يجب عليه قطعا واحتج على ضعف التفريع المذكور بقوله ولأنهم مخاطبون للعقوبات والمعاملات عندنا مع أنها ليست مع الإيمان فقولهم إنهم مخاطبون بالإيمان فقط ممنوع ثم لما أبطل الاستدلالات المذكورة قال والاستدلال الصحيح على مذهبنا أن من نذر بصوم شهر ثم ارتد ثم أسلم لا يجب عليه فعلم أن الردة تبطل وجوب أداء العبادات فصل والنهي إما عن الحسيات كالزنا وشرب الخمر المراد بالحسيات ما لها وجود حسي فقط والمراد بالشرعيات ما لها وجود شرعي مع الوجود الحسي كالبيع فإن له وجودا حسيا فإن الإيجاب والقبول موجودان حسا ومع هذا الوجود الحسي له وجود شرعي فإن الشرع يحكم بأن الإيجاب والقبول الموجودين (١/٤٠٤) حسا يرتبطان ارتباطا حكميا فيحصل معنى شرعي يكون ملك المشتري أثرا له فذلك المعنى هو البيع حتى إذا وجد الإيجاب والقبول في غير المحل لا يعتبره الشرع بيعا وإذا وجد مع الخيار يحكم الشرع بوجود البيع بلا ترتب الملك عليه فيثبت الوجود الشرعي فيقتضي القبح لعينه اتفاقا إلا بدليل أن النهي لقبح غيره فهو إن كان وصفا فكالأول لا إن كان مجاورا كقوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن وأما عن الشرعيات كالصوم والبيع فعند الشافعي رحمه اللّه تعالى هو كالأول وعندنا يقتضي القبح لغيره فيصح ويشرع بأصله إلا بدليل أن النهي للقبح لعينه ثم إن القبح لعينه باطل اتفاقا اعلم أن النهي يقتضي القبح وإنما اخترنا لفظ الاقتضاء لما ذكرنا أن اللّه تعالى إنما ينهى عن الشيء لقبحه لا أن النهي يثبت القبح فإن كان النهي عن الحسيات يقتضي القبح لعينه لأن الأصل أن يكون عين المنهي عنه قبيحا لا غيره فقبح عين المنهي عنه إما لقبح جميع أجزائه أو بعض أجزائه فالقبح لبعض أجزائه داخل في القبح لعينه فإذا كان الأصل أن يكون قبيحا لعينه لا يصرف عنه إلا إذا دل الدليل على أن النهي عنه لغيره فحينئذ يكون قبيحا لغيره ثم ذلك الغير إن كان وصفا فحكمه حكم القبيح لعينه وهو ملحق بالقسم الأول إلا أن القسم الأول حرام لعينه وهذا حرام لغيره وإن كان مجاورا لا يلحق بالقسم الأول كقوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن دل الدليل على أن النهي عن القربان للمجاور وهو الأذى حتى إن قربها ووجد العلوق يثبت (١/٤٠٥) النسب اتفاقا وإن كان النهي عن الشرعيات فعند الشافعي رحمه اللّه تعالى هو كالأول أي يقتضي القبح لعينه إلا إذا دل الدليل على أن النهي للقبح لغيره وعندنا يقتضي القبح لغيره والصحة والمشروعية بأصله إلا إذا دل الدليل على أن النهي للقبح لعينه ثم كل ما هو قبيح لعينه باطل اتفاقا وإنما أوردنا للشرعيات نظيرين الصوم والبيع ليعلم أنه لا فرق عندنا وعند الشافعي رحمه اللّه تعالى بين العبادات والمعاملات وهو يقول لا صحة لها أي للشرعيات شرعا إلا وأن تكون مشروعة ولا تكون مشروعة مع نهي الشرع عنها إذ أدنى درجات المشروعية الإباحة وقد انتفت ولأن النهي يقتضي القبح وهو ينافي المشروعية اعلم أن الخلاف بيننا وبين الشافعي رحمه اللّه تعالى في أمرين أولهما أن النهي عن الشرعيات بلا قرينة أصلا يقتضي القبح لعينه عنده وفائدته أن يكون التصرف باطلا وعندنا يقتضي القبح لغيره والصحة بأصله وثانيهما أنه إذا وجدت القرينة على أن النهي بسبب القبح لغيره ويكون ذلك الغير وصفا فإنه باطل عند الشافعي رحمه اللّه تعالى وعندنا يكون صحيحا بأصله لا بوصفه ونسميه فاسدا وهذا الخلاف مبني على الخلاف الأول وسيجيء هذا الخلاف في هذا الفصل والدليلان المذكوران في المتن يدلان على مذهبه في الخلاف الأول وهو كون التصرف باطلا قلنا حقيقة النهي توجب كون المنهي عنه ممكنا فيثاب بالامتناع عنه ويعاقب بفعله والنهي عن المستحيل عبث هذا هو الدليل المشهور لأصحابنا على أن النهي عن الشرعيات (١/٤٠٦) يقتضي الصحة وقد أورد الخصم عليهم أن إمكان المنهي عنه بالمعنى اللغوي كاف ولا نسلم أنه يجب أن يكون ممكنا بالمعنى الشرعي فأجبت عن هذا بقولي فإمكانه إما بحسب المعنى الشرعي أو اللغوي والثاني باطل لأن المعنى اللغوي لا يوجب المفسدة التي نهى لأجلها حتى لو وجب يكون النهي عن الحسيات ولا نزاع فيه فتعين الأول تحقيقه أنه إذا نهى عن بيع درهم بدرهمين فهنا أمران أحدهما أمر لغوي من غير المعنى الشرعي الذي ذكرنا وهو قولهما بعت واشتريت وهذا أمر حسي والثاني هذا القول مع المعنى الشرعي المذكور وهذا هو البيع الشرعي فإن كان النهي عن الأمر الأول يكون النهي عن الحسيات وحينئذ إن كانت المفسدة التي نهى لأجلها في نفس هذا القول من حيث هو القول فلا نزاع في كونه باطلا لكن الواقع ليس هذا القسم لأن المفسدة ليست في نفس هذا القول وهو بعت هذا الدرهم بدرهمين وإن كانت المفسدة في غير هذا القول الحسي لا يكون هذا القول قبيحا لعينه كقوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن وإن كان النهي عن الأمر الثاني يجب إمكانه بحسب المعنى الشرعي فلا يكون النهي للقبح لذاته أو لجزئه لأن ذلك ينافي إمكان وجوده شرعا فيكون لقبح أمر خارجي وأيضا إذا اجتمع الموضوع له لغة وشرعا لا بد من حمل اللفظ على الموضوع له الشرعي فيجب الإمكان (١/٤٠٧) بالمعنى الشرعي فإن قيل النهي عن البيع مثلا ليس إلا عن التصرف الحسي فأما المعنى الشرعي فلا قدرة للعبد عليه فكيف يصح النهي عنه قلنا الشارع قد وضع اللفظ لإنشاء البيع بمعنى أنه كلما وجد هذا اللفظ من الأهل مضافا إلى المحل يوجد إنشاء البيع الشرعي قطعا فالقدرة حاصلة على إنشاء المعنى الشرعي بأن يتكلم باللفظ الموضوع له مضافا إلى المحل الصالح له فإذا كان المعنى الشرعي مقدورا يصح أن يكون منهيا عنه ثم بتبعية هذا النهي يكون التكلم باللفظ منهيا عنه لأنه إن تكلم به يثبت به ما هو المنهي عنه وهو الإنشاء فإذا تكلم به ثبت المعنى الموضوع له وهو الإنشاء الشرعي ونظيره الطلاق في حالة الحيض ولأن النهي يدل على كونه معصية لا على كونه غير مفيد لحكمه كالملك مثلا فنقول بصحته لإباحته والقبح مقتضى النهي فلا يثبت على وجه يبطل النهي وقد ثبت فيما مضى أن الأمر يقتضي كون المأمور به حسنا قبل الأمر والنهي يقتضي كونه قبيحا قبله خلافا (١/٤٠٨) للأشعري وهذا معنى الاقتضاء فلا يمكن أن يثبت المقتضى على وجه يبطل المقتضي وهو النهي فإنه لو كان قبيحا لعينه في الشرعيات يكون باطلا أي لا يمكن وجوده شرعا والنهي عن المستحيل عبث فيثبت على الوجه الذي ادعيناه وهو القبح لغيره والبعض سلموا ذلك في المعاملات لما قلنا لا في العبادات أصلا فلا تصح الصلاة في الأرض المغصوبة اعلم أن أبا الحسين البصري أخذ في المعاملات مذهبنا على التفصيل الذي يأتي أما في العبادات فمذهبه أن النهي يقتضي البطلان مطلقا وإن كان الدليل دالا على أن النهي بسبب القبح في المجاور كالصلاة في الأرض المغصوبة فإنها باطلة عنده وأما عندنا وعند الشافعي رحمه اللّه تعالى صحيحة لكن على صفة الكراهة لأنه لم يأت بالمأمور به لأن المنهي عنه لم يؤمر به قلنا كل معين يأتي به فإنه لم يؤمر به بل مطلق الفعل مأمور به لكنه يخرج عن العهدة (١/٤٠٩) بإتيانه بمعين لاشتماله على المأمور به ذاتا والمنهي عنه عرضا والمشروعات تحتمل هذا الوصف إجماعا كالإحرام الفاسد والطلاق الحرام والنكاح الحرام ونحوهما وإنما قيدنا بقولنا ذاتا وعرضا لأنه بالتقسيم العقلي إما أن يكون مأمورا به لذاته ومنهيا عنه لذاته أو مأمورا به بالعرض ومنهيا عنه بالعرض أو مأمورا به بالذات ومنهيا عنه بالعرض أو بالعكس أما الأول فمحال لأنه إما بحسب عينه فيوجب أن يكون حسنا لعينه وقبيحا لعينه فيجتمع الضدان وأما بحسب جزئه فهذا الجزء القبيح يكون قبيحا لعينه قطعا للتسلسل فيكون باطلا فلا يتحقق الكل فعلم من هذا أن القبيح لمعنى في نفسه يمكن أن يكون قبيحا لجزء واحد وأما الحسن لمعنى في نفسه فلا يتصور إلا وأن يكون جميع أجزائه حسنا أي لا يكون شيء من أجزائه قبيحا لعينه وأما الثاني فقد ذكرنا أن الأمر المطلق يقتضي الحسن لمعنى في نفسه فلا يتأدى بما هو مأمور به بالعرض لأن هذا حسن لغيره فلا يتأدى به المأمور به فهذا القسم ممكن بل واقع لكن لا يتأدى به المأمور به أمرا مطلقا وأما الرابع وهو العكس فيكون باطلا لا يتأدى به المأمور به فبقي القسم الثالث وهو المدعى ثم يرد علينا إشكال وهو أنكم قد اخترعتم نوعا من الحكم لا نظير له في المشروعات فيكون نصب الشرع بالرأي فنقول في جوابه المشروعات تحتمل هذا الوصف أي كونه حسنا لعينه قبيحا لغيره وبعبارة أخرى كونه مأمورا به لذاته منهيا عنه لعارض وبعبارة أخرى كونه صحيحا ومشروعا بأصله لا بوصفه أو مجاوره والكل واحد (١/٤١٠) فعلى هذا الأصل وهو أن النهي عن المشروعات يقتضي القبح لعينه عنده إلا بدليل أن النهي للقبح لغيره وعندنا يقتضي القبح لغيره والصحة والمشروعية بأصله إلا بدليل أن النهي للقبح لعينه إن لم يدل الدليل على أن النهي للقبح لعينه أو لغيره يبطل عنده ويصح بأصله عندنا وإن دل الدليل على أن النهي للقبح لغيره فذلك الغير إن كان وصفا له يبطل عنده ويفسد عندنا أي يصح بأصله لا بوصفه إذ الصحة تتبع الأركان والشرائط فيحسن لعينه ويقبح لغيره بلا ترجيح العارضي على الأصلي وعنده الباطل والفاسد سواء هذا هو الخلاف الآخر الذي وعدت ذكره وهو بناء على الخلاف الأول لأنه لما كان الأصل في المنهي عنه البطلان عنده يجب أن يجري على أصله الأول إلا عند الضرورة فالضرورة مقتصرة على ما إذا دل الدليل على أن النهي لقبح المجاور كالبيع وقت النداء أما إذا دل الدليل على أن (١/٤١١) النهي لقبح الوصف اللازم فلا ضرورة في أن لا يجري النهي على أصله فإن بطلان الوصف اللازم يوجب بطلان الأصل بخلاف المجاورة فإنه ليس بلازم وأما عندنا فلأن الأصل في النهي عنه إذا كان تصرفا شرعيا يجب أن يكون وجوده وصحته شرعا فيجري على أصله إلا عند الضرورة وهي منحصرة فيما إذا دل الدليل على أن القبح لعينه أو لجزئه أما إذا دل الدليل على أن النهي لقبح الوصف اللازم فلا ضرورة في البطلان لأن صحة الأجزاء والشروط فيه كافية لصحة الشيء وترجيح الصحة بصحة الأجزاء أولى من ترجيح البطلان بالوصف الخارجي وإذا لم تكن الضرورة قائمة هنا يجري النهي على أصله وهو أن يكون المنهي عنه موجودا شرعا أي صحيحا وذلك كالبيع بالشرط والربا والبيع بالخمر وصوم الأيام المنهية هذه أمثلة الصحيح بأصله لا بوصفه الذي نسميه فاسدا لكن صح النذر به أي مع أن صوم الأيام المنهية فاسد يصح النذر به لأنه طاعة والمعصية غير متصلة به ذكرا بل فعلا وهو الإعراض عن ضيافة اللّه تعالى وأما في ذكره والتلفظ به فلا معصية فصح النذر به لأن النذر ذكره لا فعله فلا يلزم بالشروع لأن الشروع فعل وهو معصية (١/٤١٢) وأما الصلاة في الأوقات المنهية فقد نهيت لفساد في الوقت وهو سببها وظرفها فأوجب نقصانا فلا يتأدى به الكامل لا معيارها فلم يوجب فسادا فيضمن بالشروع بخلاف الصوم اعلم أن الوقت سبب للصلاة وظرف لها فمن حيث إنه سبب يجب الملاءمة بينهما فإذا وجب كاملا لا يتأدى ناقصا كما في الفجر وقضاء الصلاة في الأوقات المنهية وإن وجب ناقصا يتأدى ناقصا كما في أداء العصر ومن حيث إنه ظرف لا معيار يكون تعلقه (١/٤١٣) بالصلاة تعلق المجاورة لا تعلق الوصفية فلا يوجب الفساد بل يوجب النقصان بخلاف الصوم فإن الوقت معياره فالصوم عبادة مقدرة بالوقت فيكون كالوصف له ففساده يوجب فساد الصوم وهذا الفرق إنما يظهر أثره في النفل حتى لو شرع في الصلاة في الأوقات المنهية يجب عليه إتمامها ولو أفسد يجب عليه قضاؤها أما إن شرع في الصوم في الأيام المنهية لا يجب إتمامه بل يجب رفضه فإن رفضه لا يجب القضاء وإن كان مجاورا يقتضي كراهته عندنا وعنده هذا الكلام يتعلق بقوله فذلك الغير إن كان وصفا له وإنما قال عندنا وعنده لما مر أن على مذهب أبي الحسين البصري النهي في العبادات يوجب البطلان مطلقا مع أن الدليل يكون دالا على أن النهي لقبح أمر مجاور كالصلاة في الأرض المغصوبة والبيع وقت النداء أوردت هنا مثالين أحدهما للعبادات والآخر للمعاملات وإن دل على أن النهي لعينه أي لذاته أو لجزئه يبطل اتفاقا هذا الكلام يتعلق بقوله وإن دل على أن النهي لغيره كالملاقيح والمضامين فإن الركن معدوم فدل الدليل على أنه مجاز عن النسخ فيكون قبيحا لعينه قوله فيكون قبيحا لعينه تعقيب لقوله فإن الركن معدوم فيلزم من بطلانه قبحه لعينه لأنهما متلازمان الملاقيح جمع ملقوحة وهي ما في البطن من الجنين والمضامين جمع مضمون وهو ما في أصلاب الفحول من الماء وفي الحديث نهي عن بيع المضامين والملاقيح فلما كان ركن البيع وهو المبيع معدوما لا يمكن وجود البيع فلا يراد حقيقة النهي لما ذكرنا أن النهي عن المستحيل عبث فيكون النهي مجازا عن النسخ فإن النسخ (١/٤١٤) لإعدام الصحة والمشروعية روعية والجامع أن الحرمة تثبت لكل منهما إلا أن الحرمة بالنسخ لعدم بقاء المحل بخلاف الحرمة بالنهي ثم اعلم أن من جملة مشكلات هذا الفصل التفرقة بين الجزء والوصف والمجاور فكل واحد من هذه الثلاثة إما أن يصدق على ذلك المنهي عنه أو لم يصدق فالجزء إما صادق على الكل وهو ما يصدق على الشيء ويتوقف تصور ذلك الشيء على تصوره كالعبادة للصلاة وإما غير صادق كأركان الصلاة للصلاة والإيجاب والقبول والمبيع للبيع وأما الوصف فالمراد به اللازم الخارجي وهو إما أن يصدق على الملزوم نحو الجهاد إعلاء كلمة اللّه وصوم الأيام المنهية إعراض عن ضيافة اللّه تعالى وإما أن لا يصدق كالثمن فإنه كلما يوجد البيع يوجد الثمن لكن الثمن لا يصدق على البيع وليس ركن البيع لأنه وسيلة إلى المبيع لا مقصود أصلي فجرى مجرى آلات الصناعة كالقدوم وأما المجاور فهو الشيء الذي يصحبه ويفارقه في الجملة وهو إما صادق على الشيء كما يقال البيع وقت النداء اشتغال عن السعي الواجب فإنه قد يوجد الاشتغال عن السعي الواجب بدون البيع وأيضا على العكس إذا جرى البيع في حالة السعي وإما غير صادق كقطع الطريق لا يصدق على السفر بل السفر الموصل إلى القطع فالقطع يوجد بدون سفر المعصية كما إذا قطع بدون السفر أو سافر للحج فقطع الطريق وأيضا على العكس بأن سافر بدون نية القطع ولم يوجد القطع أو سافر بنية القطع لكن لم يوجد القطع إذا ثبت هذا جئنا إلى تطبيق هذه الأصول على الأمثلة المذكورة أما الربا فإنه فضل خال عن العوض شرط في عقد المعاوضة فلما كان مشروطا في العقد كان لازما للعقد ثم هو خال عن العوض لأن الدرهم لا يصلح عوضا إلا لمثله فإن المعادلة بين الزائد والناقص عدول عن قضية العدل فلم توجد المبادلة في الزائد لكن الزائد هو فرع على المزيد عليه فكان كالوصف أو نقول ركن البيع وهو مبادلة المال بالمال وقد وجد لكن لم توجد المبادلة التامة فأصل المبادلة حاصل لا وصفها وهو كونها تامة وأما البيع بالشرط فكالربا لأن الشرط أمر زائد وأما البيع بالخمر (١/٤١٥) فإن الخمر مال غير متقوم فجعلها ثمنا لا يبطل البيع لما ذكرنا أن الثمن غير مقصود بل تابع ووسيلة فيجري مجرى الأوصاف التابعة ولأن ركن البيع وهو مبادلة المال بالمال متحقق لكن المبادلة التامة لم توجد لعدم المال المتقوم في أحد الجانبين وأما صوم الأيام المنهية فلما ذكرنا أن الوقت كالوصف ولأنه إعراض عن ضيافة اللّه تعالى وهذا وصف له وأما الصلاة في الأرض المغصوبة فإن شغل مكان الغير لم يلزم من الصلاة بل إنما يلزم من المصلي فإن كل جسم متمكن فوقع بين شغل مكان الغير وبين الصلاة ملازمة اتفاقية وأما البيع الفاسدة فإنها أوجبت تلك المفاسد أي المفاسد المذكورة كالبيع بالشرط والربا فتكون قبيحة بوصفها وأما البيع وقت النداء فقد سبق ذكره وقد وقع بينه وبين الاشتغال عن السعي ملازمة اتفاقية وكذا النكاح بغير شهود لأنه منفي بقوله عليه الصلاة والسلام لا نكاح إلا بشهود أي يكون باطلا لأنه منفي لا منهي وكلامنا في المنهي فيرد إشكال وهو أنه لما كان باطلا ينبغي أن لا يثبت النسب ولا يسقط الحد فأجاب بقوله وإنما النسب وسقوط الحد للشبهة ولأنه عطف على قوله لأنه منفي وضع للحل فلا ينفصل عنه والبيع وضع للملك والحل تابع له لأنه قد يشرع في موضع الحرمة وفيما لا يحتمل الحل أصلا كالأمة المجوسية والعبد أي وإن سلم أن النكاح منهي عنه فإن نهيه يوجب البطلان لأنه لا خلاف في أن النهي يوجب الحرمة والنكاح عقد موضوع للحل فلما انفصل عنه ما وضع له وهو الحل يكون باطلا بخلاف البيع لأن وضعه للملك لا للحل بدليل مشروعيته في موضع الحرمة كالأمة المجوسية وفيما لا يحتمل الحل أصلا كالعبد فإذا انفصل عنه الحل لا يبطل البيع (١/٤١٦) فإن قيل النهي عن الحسيات يقتضي القبح لعينه والقبح لعينه لا يفيد حكما شرعيا إجماعا فلا يثبت حرمة المصاهرة بالزنا والملك بالغصب واستيلاء الكفار والرخصة بسفر المعصية لا توجب النعمة ثم ورد على هذا إشكال وهو أنا لا نسلم أنه إذا ورد النهي عن الحسيات لا يفيد حكما شرعيا فإن الطلاق في الحيض يفيد حكما شرعيا والظهار يفيد الحكم الشرعي وهو الكفارة فأجاب بقوله ولا يلزم أن الطلاق في الحيض يوجب حكما شرعيا لأنه قبيح لغيره ولا الظهار لأن الكلام في حكم مطلوب عن سبب لا في حكم (١/٤١٧) زاجر فإن هذا يعتمد حرمة سببه فحاصل الجواب في الطلاق إن بحثنا في النهي عن الحسيات إذا لم يدل الدليل على أنه لقبح المجاور وفي الطلاق قد دل الدليل وأما في الظهار فبحثنا في أن المنهي عنه لا يفيد حكما شرعيا هو مطلوب عن السبب والظهار لا يفيد حكما شرعيا كذلك بل أفاد حكما شرعيا هو زاجر قلنا الزنا لا يوجب ذلك بنفسه بل لأنه سبب للولد وهو الأصل في إيجاب الحرمة ثم يتعدى منه إلى الأطراف والأسباب كالوطء تقريره أن الزنا بذاته لا يوجب حرمة المصاهرة حتى يرد الإشكال بل لأن الولد يوجب الحرمة لأن الاستمتاع بالجزء لا يجوز ثم تتعدى منه الحرمة إلى أطرافه أي فروعه وأصوله كأمهات النساء وتتعدى إلى الأسباب أي الولد هو موجب لحرمة أمهات النساء فأقيم ما هو سبب الولد مقام الولد في إيجاب حرمتهن كما أقمنا السفر مقام المشقة في إثبات الرخصة وسبب الولد هو الوطء ودواعيه فجعلناها موجبة لحرمة المصاهرة لا ذاتا بل بتبعية الولد (١/٤١٨) وما يعمل بالخلفية يعتبر في عمله صفة لأصل والأصل وهو الولد لا يوصف بالحرمة أي لما جعل الوطء موجبا لحرمة المصاهرة لكونه خلفا عن الولد لا تعتبر حرمته لأن المعتبر في الخلف صفات الأصلي لا صفات الخلف كالتراب جعل خلفا عن الماء لا تعتبر صفات التراب بل تعتبر صفات الماء من الطهورية ونحوها فهنا لا يعتبر صفات الوطء وهي الحرمة بل المعتبر الولد وهو لا يوصف بالحرمة والملك بالغصب لا يثبت مقصودا بل شرطا لحكم شرعي وهو الضمان لئلا يجتمع البدل والمبدل منه في ملك شخص واحد هذا (١/٤١٩) جواب عما يقال لا يثبت الملك بالغصب وتقريره أن الغصب لا يفيد ملكا مقصودا بل إنما يثبت الملك في المغصوب بناء على أن الضمان صار ملكا للمغصوب منه فلو لم يخرج المغصوب عن ملكه ولم يدخل في ملك الغاصب لاجتمع البدل والمبدل منه في ملك شخص واحد هذا لا يجوز ثم ورد على هذا إشكال وهو أن يقال لا نسلم أن اجتماع البدل والمبدل منه في ملك شخص واحد لا يجوز فإن (١/٤٢٠) ضمان المدبر يصير ملكا للمغصوب منه مع أن المدبر لا ينتقل عن ملكه فأجاب عن هذا بقوله والمدبر يخرج عن ملك المولى تحقيقا للضمان لكن لا يدخل في ملك الغاصب ضرورة لئلا يبطل حقه أي المدبر يخرج عن ملك المغصوب منه إذ لو لم يخرج عن ملكه لا يدخل الضمان في ملكه لكن لا يدخل في ملك الغاصب إذ لو دخل لبطل حق المدبر وهو استحقاق الحرية ثم أجاب بجواب آخر وهو قوله أو هو في مقابلة ملك اليد فلما كان ضمان المدبر في مقابلة إزالة ملك اليد فلا يرد الإشكال المذكور ثم أجاب عن استيلاء الكفار بقوله وأما الاستيلاء فإنما نهي لعصمة أموالنا وهي غير ثابتة في زعمهم أو هي ثابتة ما دام محرزا وقد زال فسقط النهي في حق الدنيا أما في حق الآخرة فلا حتى يكون آثما مؤاخذا به وأجاب عن سفر المعصية بقوله وسفر المعصية قبيح لمجاوره على ما بيناه من قبل فصل اختلفوا في الأمر والنهي هل لهما حكم في الضد أم لا والصحيح أنه إن فوت (١/٤٢١) المقصود بالأمر يحرم وإن فوت عدمه المقصود بالنهي يجب وإن لم يفوت فالأمر يقتضي كراهته والنهي كونه سنة مؤكدة يعني إذا أمر بالشيء فضد ذلك الشيء إن فوت المقصود بالأمر ففعل الضد يكون حراما وإن لم يفوته يكون فعله مكروها وإذا نهي عن الشيء فعدم ضده إن فوت المقصود بالنهي ففعل الضد يكون واجبا وإن لم يفوته ففعله يكون سنة مؤكدة فالحاصل أنه إن وجد شرائط التناقض بين الضدين فوجوب أحدهما يوجب حرمة الآخر وحرمة أحدهما توجب وجوب الآخر لأنه لما لم يقصد الضد لا يعتبر إلا من حيث يفوت المقصود فيكون هذا القدر مقتضى الأمر والنهي وإذا لم يفوت المقصود نقول بكراهته وكونه سنة مؤكدة ملاحظة لظاهر الأمر والنهي فإن مشابهة المنهي عنه توجب الكراهة ومشابهة المأمور به توجب الندب وكونه سنة مؤكدة (١/٤٢٢) فقوله تعالى ولا يحل لهن أن يكتمن وهو في معنى النهي يقتضي وجوب الإظهار والأمر بالتربص يقتضي حرمة التزوج وقوله تعالى ولا تعزموا عقدة النكاح يقتضي الأمر بالكف لكنه غير مقصود فيجري التداخل في العدة بخلاف الصوم فإن الكف ركنه وهو مقصود وأما المأمور بالقيام في الصلاة إذا قعد ثم قام لا يبطل لكنه يكره والمحرم لما نهي عن لبس المخيط كان لبس الإزار والرداء سنة والسجود على (١/٤٢٣) النجس لا يفسد عند أبي يوسف لأنه لا يفوت المقصود حتى إذا أعاده على الطاهر يجوز وعندهما يفسد لأنه يصير مستعملا للنجس في عمل هو فرض والتطهير عن النجاسة في الأركان فرض دائم فيصير ضده مفوتا فهذه المسائل تفريعات على ما ذكر من الأصل وبعد معرفة أحكام الأصل معرفة هذه الفروع تكون سهلة إنه المسهل لكل عسير (١/٤٢٤) |