باب بيان قسم الرابع وهو الخبرقوله أما الطرف الذي هو طرف السامع وقع في بعض النسخ التبليغ مكان السامع وقيل هذا أصح فإن قوله ما يكون من جنس الأسماع يدل عليه إذ الإسماع إنما يتحقق من جهة المبلغ والظاهر أن الأول هو الأصح فإن قوله وأنت تسمعه وهو يسمع وقوله في آخر الباب وإذا صح السماع وجب الحفظ يدل على أن المقصود تقسيم جانب السماع وكذا قوله في آخر الباب يليه وأما طرف التبليغ فكذا يدل عليه أيضا إذ لا يستقيم إقامة لفظ السامع مقام التبليغ هناك لأن نقل الحديث بالمعنى من قبل التبليغ لا من قبل السماع وإذا كان كذلك لا بد من أن يكون هاهنا لفظ السامع دون التبليغ وليس لقوله ما يكون من جنس الأسماع دلالة على ما قالوا لأن معناه العزيمة في ذلك أي في السماع ما يكون أي يحصل أو يحدث من جنس الأسماع حقيقة يوضحه ما ذكر شمس الأئمة رحمه اللّه ولهذا النوع أطراف ثلاثة طرف السماع وطرف الحفظ وطرف الأداء فطرف السماع نوعان عزيمة ورخصة فالعزيمة ما يكون بحسن الاستماع وهو أربعة أوجه إلى آخره فثبت أن الصحيح ما ذكرنا قوله أما القسمان الأولان إلى آخره إذا قال الشيخ حدثني فلان بكذا أو أخبرني أو سمعت فلانا يقول كذا يلزم السامع العمل بهذا الخبر ويجوز له الرواية عنه (٣/٥٦) بقوله حدثني أو أخبرني مطلقا أو بقوله قال فلان أو سمعته يقول وقيل إن الشيخ إن قصد إسماعه خاصة ذلك الكلام أو كان هو في جمع قصد الشيخ إسماعهم فله أن يقول هاهنا حدثني وأخبرني وسمعته يحدث عن فلان وأما إذا لم يكن يقصد إسماعه لا على التفصيل ولا على الجملة فله أن يقول سمعته يحدث عن فلان لكن ليس له أن يقول حدثني ولا أخبرني لأنه لم يحدثه ولم يخبره وإذا قيل له هل سمعت هذا الحديث عن فلان فيقول نعم أو يقول بعد الفراغ من القراءة الأمر كما قرئ علي من غير استفهام فهو كالقسم الأول في وجوب العمل به وجواز الرواية بقوله حدثني أو أخبرني لما ذكر في الكتاب وإن قرئ عليه فسكت ولم يوجد منه إقرار ولا نكير فهو كالقسم الأول أيضا في وجوب العمل إذا غلب على ظن السامع أنه ما سكت إلا لأن الأمر كما قرئ عليه لأنه حصل ظن أنه قول الرسول والعمل بالظن واجب وكذا يجوز له الرواية عند الجمهور وقال بعض أصحاب الظاهر لا يجوز وإليه ذهب صاحب القواطع وأبو إسحاق الشيرازي وأبو الفتح سليم الرازي وأبو نصر الصباغ من فقهاء الشافعية لأن الإنسان إذا قرئ عليه كتابه فيه حكاية إقراره بدين أو بيع أو نحوهما فلم يقر به ولم يعترف بصحته لا يثبت الإقرار ولا يجوز لأحد أن يشهد عليه به فكذا هذا وتمسك الجمهور بأن العرف دال على أن سكوت الشيخ في هذا المقام تقرير له على الرواية وإقرار بصحة ما قرئ عليه ولو لم يكن صحيحا لما جاز تقريره عليها ولكان سكوته على الإنكار مع القدرة عليه فسقا لما فيه من إيهام الصحة فأما الإقرار فلم يجز فيه عرف أن السكوت فيه تصديق ثم عند القائلين بالجواز يجوز للسامع في هذا القسم أن يقول قرأت على فلان أو قرئ عليه أو حدثني أو أخبرني قراءة عليه بلا خلاف فأما إذا قال حدثني أو أخبرني (٣/٥٧) مطلقا أو سمعت فلانا فقد اختلف فيه فذهب الغزالي وأبو الحسين البصري وجماعة إلى أنه لا يجوز لأنه يشعر بالنطق إذ الخبر والحديث والمسموع نطق كلها ولم يوجد منه نطق فيكون قوله أخبرني أو حدثني أو سمعت كذبا إلا إذا علم تصريح قول السامع أو بقرينة خالية أنه يريد القراءة على الشيخ دون سماع حديثه ولا يقال إمساكه عن النكير جار مجرى إباحته أن يتحدث عنه لأنهم يقولون بإباحته لم يجز لهم التحدث عنه إذا لم يحدثهم لأن الكذب لا يصير مباحا بإباحته وذهب جمهور الفقهاء المحدثين إلى أنه يجوز لأن الإخبار في أصل اللغة لإفادة الخبر والعلم وهذا السكوت قد أفاد العلم بأن هذا المسموع كلام الرسول عليه السلام فوجب أن يكون إخبارا وأيضا فلا نزاع أن لكل قوم من العلماء اصطلاحات مخصوصة يستعملونها في معاني مخصوصة أما لأنهم نقلوها بحسب عرفهم إلى تلك المعاني أو لأنهم استعملوها فيها على سبيل التجوز ثم صار المجاز شائعا والحقيقة مغلوبة ولفظ أخبرني وحدثني هاهنا كذلك لأن هذا السكوت يشابه الإخبار في إفادة الظن والمشابهة إحدى أسباب المجاز وإذا جاز هذا الاستعمال مجازا ثم استقر عرف المحدثين عليه صار ذلك كالاسم المنقول بعرف المحدثين أو كالمجاز الغالب وإذا ثبت ذلك وجب جواز استعماله قياسا على سائر الاصطلاحات فما يقرؤه عليك أي المحدث أو المبلغ وهو من قبيل قوله تعالى إنا أنزلناه في ليلة القدر أعلى المنزلتين أي أرفع وأحوط ألا ترى أنها أي المنزلة الأولى طريقة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإنه كان يبلغ بنفسه ويقرأ على الصحابة لا أن يقرأ عليه ثم يقال له أهكذا الأمر فيقول نعم ولما كانت قراءة المحدث تشبه فعل النبي عليه السلام وأنه أبعد من السهو والخطأ كان ذلك أحوط وأولى وهو المطلق من الحديث والمشافهة أي مطلق قولك حدثني فلان بكذا أو شافهني به يدل على أن التكلم صدر عنه وأنت تسمع لا على العكس ودلالة المطلق على الكامل على ما عرف فدل أن الوجه الأول أكمل ولهذا قال بعض المحدثين أن السامع في القسم الأول تقول حدثني وفي القسم الثاني أخبرني لأن الإخبار أعم قوله كان مأمونا عن السهو أي عن التقرير عليه في تبليغ الوحي وبيان الأحكام وغيره ليس بهذه الصفة فلذلك كانت قراءته عليه السلام أولى فأما غير النبي عليه السلام (٣/٥٨) فجاز عليه السهو والغلط والتقرير عليه فكانت قراءة المحدث وقراءة غيره سواء وما كان يكتب دليل آخر أي ولأنه عليه السلام لم يكن كاتبا ولا قارئا من المكتوب شيئا وإنما يقرأ ما يقرأ عن حفظ فكانت قراءته أولى فأما إذا كانت الرواية عن كتاب والسماع في كتاب فهما سواء أي قراءة المحدث والقراءة عليه سواء في معنى التحدث بما في الكتاب وكون كل واحد منهما مشافهة حتى لو كانت الرواية عن حفظ كانت قراءة المحدث أولى لأنه أشد عناية في الضبط ولأنه يتحدث به حقيقة لأن اللغة لا يفصل أي لا فصل في اللغة بين كذا وكذا فإن من عليه الحق لو قرأ ذكر إقراره عليك أو تقرأ عليه ثم تستفهمه هل تقر لجميع ما قرأته عليك فيقول نعم كأنا سواء ألا ترى أنهما أي الوجهين سواء في أداء الشهادة حتى لو قال القاضي للشاهد أتشهد بكذا فيقول نعم كان مثل قوله أشهد بكذا في إثبات الحق وإيجاب حكم على القاضي مع أن باب الشهادة أضيق لاختصاصها بشرائط لم توجد في الرواية وقوله وما قلناه أحوط يشير إلى أن التسوية بين الوجهين أحوط من ترجيح الأول على الثاني لأنه لم يسبق إلا ذكر المعنيين وليس المراد ذلك بل الغرض أن الوجه الثاني أحوط من الوجه الأول وإن كان هذا اللفظ لا ينقاد له بدليل ما ذكر في بعض نسخ أصول الفقه وأظنه تصنيفه قال أبو حنيفة رحمه اللّه الوجهان سواء بل الثاني أحوط ويترجح على الأول لأن السامع إذا قرأه بنفسه كان هو أشد عناية في ضبط المتن والسند من المبلغ لحاجته إلى ذلك فإن لم يترجح هذا الجانب فلا أقل من المساواة أشد عادة وطبيعة لأن الإنسان في أمر نفسه أحوط منه في أمر غيره ثم الطالب عامل لنفسه والمحدث عامل لغيره فيحتمل أن يسهو عن البعض ويشذ منه أكثر ما يشذ من الطالب فلا يؤمن على الذي يقرأ وهو المحدث الغلط في بعض ما يقرأه لقلة رعايته إذ هو لا يحتاط في أمر غيره كما يحتاط الغير في أمر نفسه وقوله وإنما بقي احتمال الغفلة إلى آخره إشارة إلى الجواب عما يقال قد (٣/٥٩) يتوهم عند قراءة الطالب أن يسهو المحدث عن بعض ما قرئ عليه وينتفي هذا التوهم عند قراءة المحدث لشدة رعاية الطالب في ضبط ما يسمع منه فأجاب أن كلا الأمرين موهوم إلا أن سهو المحدث عن سماع البعض الذي لا يمكن التحرز عنه عادة أهون من ترك شيء في المتن أو السند ولا بد من تحمل أحد الأمرين فيحتمل أيسرهما وذكر في كتاب معرفة أنواع علم الحديث أنهم اختلفوا في أن القراءة على الشيخ ويسمى عرضا عند أكثر المحدثين من حيث إن القارئ يعرض على الشيخ ما يقرأه كما يعرض القرآن على المقرئ مثل السماع من لفظ الشيخ في المرتبة أو دونه أو فوقه فنقل عن أبي حنيفة وابن أبي ذئب وغيرهما ترجيح القراءة على الشيخ على السماع من لفظه وروي ذلك عن مالك أيضا وروي عن مالك وغيره أنهما سواء وقد قيل إن التسوية بينهما مذهب معظم علماء الحجاز والكوفة ومذهب مالك وأصحابه وأشياخه من علماء المدينة ومذهب البخاري وغيرهم قوله وأما الكتاب فعلى رسم الكتب وذلك بأن يكون مختوما بختم معروف معنونا وهو أن يكتب فيه قبل التسمية من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان ثم يبدأ بالتسمية ثم بالثناء ثم بالمقصود قال الشيخ رحمه اللّه في شرح التقويم فإن كان الكتاب على جهة الكتب مرسوما برسم الكتب مصدرا تصدير الكتب وثبت الكتاب لحجة صحيحة وكان فيه أخبرني فلان عن فلان حتى اتصل بالنبي عليه السلام فإذا جاءك هذا الحديث فحدثه عني بهذا الإسناد حلت له الرواية لأن الكتاب من الغائب بمنزلة الخطاب من الحاضر إلى آخره ثم الكتاب على نوعين أحدهما أن يقترن به الإجازة كما ذكر الشيخ في الكتاب وهو مثل السماع في جواز الرواية بالاتفاق والثاني ما يتجرد عن الإجازة وأجاز الرواية به كثير من المتقدمين والمتأخرين منهم أيوب السختياني ومنصور والليث بن سعد وغير واحد من الشافعيين وأتى ذلك قوم آخرون منهم القاضي الماوردي لأنه لم يحتمل منه شيئا لا بالسماع ولا بالإجازة فكيف يسند إليه والصحيح (٣/٦٠) هو الأول عند أهل الحديث لأن في الكتابة إشعارا بمعنى الإجازة فهي وإن لم تقترن بالإجازة لفظا فقد تضمنت الإجازة معنى كذا ذكر أبو عمرو قوله وكذلك أي وكالكتاب الرسالة في جواز الرواية على هذا الوجه أي على الوجه الذي ذكرنا في الكتاب بأن يقول المحدث للرسول بلغ عني فلانا أنه قد حدثني بهذا الحديث فلان بن فلان ويذكر إسناده فإذا بلغك رسالتي هذه فاروه عني بهذا الإسناد وهذا لأن الكتاب والرسالة إلى الغائب بمنزلة الخطاب للحاضر شرعا وعرفا أما شرعا فلأن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ الرسالة إلى الناس كافة وقد بلغ الغيب بالكتاب والرسالة كما بلغ الحضور بالخطاب وكذلك الطلاق والعتاق وسائر العقود المتعلقة بالكلام يثبت بهما كما يثبت بالخطاب وأما عرفا فلأن الناس يعدونهما مثل الخطاب حتى قلد الخلفاء والملوك القضاء والإمارة والإيالة بالكتاب والرسالة كما قلدوها بالمشافهة وعدوا مخالفهما مخالفا للأمر فعرفنا أنهما مثل الخطاب فكانا من باب العزيمة بخلاف المناولة والإجازة في حق الحاضر لأن الأصل في حقه الخطاب ولهذا لم يوجد التبليغ من النبي عليه السلام إلى الحضور بهذين الطريقين فلم يكونا مثل الخطاب إلا أنا جوزناهما ضرورة فكانا من باب الرخصة لا من باب العزيمة وذلك أي حل الرواية بالكتاب والرسالة بعد أن يثبتا بالحجة أي بالبينة التي تثبت بمثلها الكتب على ما عرف في كتاب القاضي إلى القاضي وعند عامة أهل الحديث لا حاجة إلى البينة بل يكفي في ذلك أن يعرف المكتوب إليه خط الكاتب أو يغلب على ظنه صدق الرسول قوله والمختار في القسمين الأولين أن يقول السامع حدثنا لأن المحدث حدثه وشافهه بالإسماع على ما ذكرنا وقيل هذا معظم مذهب الحجازيين والكوفيين وقول (٣/٦١) الزهري ومالك وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان في آخرين من الأئمة المتقدمين وهو مذهب البخاري في جماعة من المحدثين وعند بعض أهل الحديث لا يقول في القسم الثاني حدثنا بل يقول أخبرنا وهو مذهب الشافعي وأصحابه وهو منقول عن مسلم صاحب الصحيح وجمهور أهل المشرق وعند بعضهم لا يجوز في هذا القسم أن يقول حدثنا ولا أخبرنا وإنما يقول قرأت عليه أو قرئ عليه وأنا أسمع فأقر به وقيل إنه قول ابن المبارك ويحيى بن يحيى التميمي وأحمد بن حنبل والنسائي وغيرهم لأن المحدث لم يحدثه ولم يخبره بشيء ولم يتلفظ إلا بقوله نعم والجواب ما تقدم أن المختصر والمطول من الكلام سواء وكلمة نعم يتضمن إعادة ما في السؤال لغة فكان هذا تحديثا وإخبارا وفي القسمين الأخيرين المختار أن يقول أخبرنا قال بعض المحدثين لا يجوز أن يقول في هذين القسمين أخبرنا كما لا يجوز أن يقول حدثنا لأن الإخبار والتحديث واحد بل يقول كتب إلي فلان أو أرسل إلي بكذا وذكر أبو الحسين البصري في المعتمد أيضا أن أصحاب الحديث يفرقون بين قول الإنسان حدثني فلان وأخبرني فلان فيجعلون الأول دالا على أنه شافهه بالحديث ويجعلون الثاني (٣/٦٢) مترددا بين الإجازة والكتابة والمشافهة وهو اصطلاح وإلا فظاهر قوله أخبرني تفيد أنه تولى إخباره بالحديث وذلك لا يكون إلا بالمشافهة فاختار أن الإخبار والتحديث واحد ففرق الشيخ بينهما بما ذكر في الكتاب وقال أبو الوفاء عبد الرحيم بن علي البلخي في رسالته المصنفة في تنويع السماع وتجنيس الإجازة المواضعة بين أهل العلم بالحديث أن يقول المستفيد في كل نوع مما ذكر ما هو حكاية الحال حدثنا حدثني أخبرنا أخبرني منوطا ببيان صفة نفسه في ذلك أما في الحقيقة عند الأئمة الكبار المحققين من المتقدمين والمتأخرين فلا فرق بين حدثنا وأخبرنا وحدثني وأخبرني إذا كان الضبط والإتقان والاحتياط على وجهه سواء قرأ المحدث بلفظه أو قرأت عليه فأقر به أو قرئ عليه فأقر به كله سماع جيد أو قرار منه بالمسموع كالصك والإشهاد قال وجاء في الروايات أنبأنا وأنبأني وخبرنا وخبرني ولم أسمع فيها شيئا أرتضيه إلا أني أحسب أن خبرنا وخبرني للكثرة والمبالغة في الإخبار مرة بعد أخرى في الوحدة خبرني وفي الجمع خبرنا قوله وهو الإجازة والمناولة الضمير عائد إلى ما والإجازة أن يقول المحدث لغيره أجزت لك أن تروي عني هذا الكتاب الذي حدثني به فلان ويبين إسناده أو يقول أجزت لك أن تروي عني جميع ما صح عندك من مسموعاتي وحينئذ يجب تعيين المسموع من غيره وسيأتيك بيان أنواعها والمناولة أن يعطي الشيخ كتاب سماعه بيده إلى المستجيز ويقول هذا كتابي وسماعي عن شيخي فلان فقد أجزت لك أن تروي عني هذا كما يوجبه الاحتياط والمناولة لتأكيد الإجازة لأن مجرد المناولة بدون الإجازة غير معتبر والإجازة بدون المناولة فكان الاعتبار للإجازة دون المناولة غير أنها زيادة تكلف أحدثها بعض المحدثين تأكيدا للإجازة فكانت المناولة قسما من الإجازة واختلف في الإجازة فأبطلها جماعة منهم إبراهيم بن إسحاق الحربي وأبو محمد (٣/٦٣) الأصبهاني وأبو نصر الوايلي السجزي والشافعي في رواية الربيع عنه وأبو طاهر الدباس من أصحابنا فيما حكاه محمد بن ثابت الخجندي عنه وغيرهم لأن ظاهرها إباحة التحدث والإخبار عنه من غير أن يحدثه أو يخبره وهذا إباحة الكذب وليس له ذلك ولا لغيره أن يستبيح الكذب إذا أبيح وجوزها الجمهور من الفقهاء والمحدثين وهو الظاهر من مذهب الشافعي أيضا لأن الضرورة دعت إلى تجويزها فإن كل محدث لا يجد من يبلغ إليه ما صح عنده ولا يرغب كل طالب إلى سماع جميع ما صح عند شيخه فلو لم يجوز الإجازة لأدى إلى تعطيل السنن واندراسها وانقطاع أسانيدها ولذلك كانت الإجازة من قبيل الرخصة لا من العزيمة فكان قوله أجزت لك أن تروي عني ما صح من مسموعاتي في العرف جاريا مجرى قوله ما صح عندك من أحاديثي قد سمعته فاروه عني فلا يكون كذبا إليه أشير في المحصول والمعتمد والإجازة مأخوذة من جواز الماء الذي يسقاه المال من الماشية والحرث يقال استجزت فلانا فأجازني إذا أسقاك ماء لأرضك أو ماشيتك كذلك طالب العلم يسأل العالم أن يجيزه علمه فيجيزه إياه فعلى هذا للمجيز أن يقول أجزت فلانا مسموعاتي أو مروياتي فيعد به بغير حرف جر من غير حاجة إلى ذكر لفظ الرواية ويحتاج إلى ذلك من يجعل الإجازة بمعنى التسويغ والإذن والإباحة وذلك هو المعروف فتقول أجزت لفلان رواية مسموعاتي مثلا ومن يقول منهم أجزت له مسموعاتي فعلى سبيل الحذف الذي لا يخفى نظيره ثم الإجازة إن كانت لموجود معين وكان المجاز له عالما بما في الكتاب الذي أجازه بروايته على ما ذكره الشيخ في الكتاب صحت الإجازة عند القائلين بجوازها وحلت له الرواية لأن الشهادة تصح بهذه الصفة فإن الشاهد إذا وقف على جميع ما في الصك وكان (٣/٦٤) ذلك معلوما لمن عليه الحق فقال أجزت لك أن تشهد علي بجميع ما في هذا الكتاب كان صحيحا فكذا رواية الخبر ثم المستحب في ذلك أي في هذا القسم وهو الإجازة أن يقول عند الرواية أجاز لي وهو العزيمة في الباب ويجوز أن يقول أخبرني أو حدثني بطريق الرخصة لوجود الخطاب والمشافهة فيهما وهو قوله أجزت لك بخلاف الكتاب والرسالة إذ الخطاب لم يوجد فيهما أصلا إلا أن ما ذكرنا دون حقيقة القراءة فكانت العزيمة فيه ما قلنا هذا هو مختار الشيخ والقاضي الإمام أبي زيد والأصح ما ذكره شمس الأئمة رحمه اللّه أن الأحوط أن يقول أجاز لي فلان وإن قال أخبرني فهو جائز أيضا ولا ينبغي أن يقول حدثني فإن ذلك يختص بالإسماع ولم يوجد وقولهم قد وجد الخطاب فيجوز أن يقول حدثني قلنا إنما وجد الخطاب بقوله أجزت لك لا بالحديث والكتاب الذي يرويه فلا يجوز أن يقول حدثني بناء على ذلك الخطاب لأن المقصود منه حدثني بالكتاب أو الحديث لا بالإجازة وعامة الأصوليين والمحدثين ذهبوا إلى امتناع جواز حدثني وأخبرني مطلقا لإشعارهما بصريح نطق الشيخ وهما من غير نطق منه كذب بخلاف المقيد نحو حدثني أو أخبرني إجازة وهذا بناء على أن الإخبار كالتحديث عندهم كما ذكره صاحب المعتمد وذهب البعض إلى امتناع المقيد أيضا احتياطا ونقل عن الأوزاعي أنه خصص الإجازة بقوله خبرنا بالتشديد والقراءة على الشيخ بقوله أخبرنا وذكر الحاكم النيسابوري في معرفة علوم الحديث أن الذي عليه أكثر مشايخ الحديث أنه يقول فيما يأخذ من المحدث لفظا ليس معه غيره حدثني فلان وفيما يأخذه منه لفظا مع غيره حدثنا فلان وفيما قرأه على المحدث بنفسه أخبرني فلان وفيما قرئ عليه وهو حاضر أخبرنا فلان وفيما عرض على المحدث وأجاز له روايته شفاها أنبأني فلان وفيما كتب إليه ولم يشافهه بالإجازة كتب إلى فلان ولا يجوز في الإجازة والمناولة أن يقول حدثنا ولا أخبرنا لأنه إضافة فعل التحديث والإخبار إلى من لم يفعل ذلك ولكن يقول أجاز لي فلان أو أنبأني إجازة والأولى تحري الصدق ومجانبة الكذب بما يمكنه وذكر في رسالة أبي الوفاء أن في الرواية بالإجازة تقول أجاز لي فلان بن فلان أن (٣/٦٥) فلان بن فلان أخبره أو حدثه أو يقول أخبرني فلان بن فلان إجازة أن فلان بن فلان أخبره أو حدثه ولا يتلفظ لشيخه بقال فإن ذلك يكون كذبا عليه فإنه لم يتلفظ له بالإخبار والتحدث قوله وإذا لم يعلم بما فيه أي لم يعلم المجاز له في الكتاب فإن كان الكتاب محتملا للزيادة والنقصان غير مأمون عن التغيير لا يحل له الرواية بالاتفاق وإن كان مأمونا عن التغيير غير محتمل للزيادة والنقصان ينبغي أن لا يحل الرواية ولا يصح الإجازة عند أبي حنيفة ومحمد ويحل ويصح عند أبي يوسف رحمهم اللّه وأصل ذلك أي أصل هذا الاختلاف اختلافهم في كتاب القاضي إلى القاضي وكتاب الرسالة فإن علم الشهود بما في الكتاب والرسالة شرط لصحة الإشهاد وهو قول أبي يوسف الأول ثم رجع وقال إذا شهدوا أنه كتابه وخاتمه قبل وإن لم يعرفوا ما فيه وهو قول ابن أبي ليلى لأن كتاب القاضي إلى القاضي قد يشتمل على أشياء لا يعجبهما أن يقف عليها غيرهما ولهذا يختم الكتاب ومعنى الاحتياط قد يحصل إذا شهدا أنه كتابه وختمه فلم يشترط علمهما بما فيه وهما يقولان لا بد من أن يكون ما هو المقصود معلوما للشاهد والمقصود ما في الكتاب لا عين الكتاب والختم وكتب الخصومات لا تشتمل على شيء سوى الخصومة فللسر كتاب آخر على حدة فأما ما يبعث على يد الخصم فلا يشتمل إلا على ذكر الخصومة ولفظ الشهادة كذا في المبسوط وكتاب الرسالة أن يكتب رسالة ويبعث إلى من يريده ويشهد شاهدين بأن هذه رسالتي إلى فلان فيشترط علم ما في الكتاب عند هما خلافا لأبي يوسف كذا في بعض الشروح قوله وإنما جوز ذلك أي الإشهاد بدون علم ما في الكتاب فيما كان من باب الأسرار مثل كتاب القاضي إلى القاضي على ما ذكرنا فلو شرط علم الشهود بما فيه ربما أفشى الشهود بسرهم فيتضررون به حتى لم يجوز أي الإشهاد بدون علم ما في الصكوك لأنها بنيت على الشهرة ولم تشتمل على سر يكتم من الشهود فشرط علم ما فيها لصحة الإشهاد وفي نكاح مختلفات القاضي الغني رحمه اللّه أجمعوا في الصك أن الإشهاد لا يصح ما لم يعلم الشاهد ما في الكتاب فاحفظ هذه المسألة فإن الناس يعملون بخلاف ذلك فإنهم يشهدون على ما في الصك من غير قراءة الحدود وذكر في التقويم والغنية الاختلاف في الصك أيضا (٣/٦٦) وقوله فيحتمل كذا متصل بقوله حتى لم يجوز في الصكوك وقوله وكذلك المناولة إلى آخره معترض أي يحتمل أن لا يصح الإجازة بغير علم ما في الكتاب عنده أيضا في باب الحديث كما في الصكوك لانتفاء الضرورة وهي اشتمال الكتاب على الأسرار إذ كتب الأخبار لا تشتمل على سر يخفى من أحد إليه أشار شمس الأئمة ويحتمل الجواز بالضرورة أي يحتمل أن يجوز الإجازة عنده بغير علم ما في الكتاب كما جاز الإشهاد في كتاب القاضي بالضرورة وهي أن المحدث يحتاج إلى تبليغ ما صح عنده من الأخبار إلى الغير ليتصل الإسناد ويبقى الدين إلى آخر الدهر وقد ظهر التكاسل والتواني في الناس في أمور الدين وربما لا يتيسر للطالب القراءة على المحدث وفي اشتراط العلم بما في الكتاب نوع تنفير فجوزت الإجازة من غير علم للضرورة كما جوزت مع العلم للضرورة وذكر أبو عمرو الدمشقي في كتابه أن الإجازة يستحسن إذا كان المجيز عالما بما يجيز والمجاز له من أهل العلم لأنها توسع وترخيص يتأهل له أهل العلم لمسيس حاجتهم إليها وبالغ بعضهم في ذلك فجعله شرطا وحكاه أبو العباس الوليد بن بكر المالكي عن مالك وقال الحافظ أبو عمر الصحيح أنها لا يجوز إلا لماهر بالصناعة وفي شيء معين لا يشكل إسناده قوله وكذلك المناولة مع الإجازة مثل الإجازة المفردة أي المناولة التي وجدت فيها الإجازة مثل الإجازة المفردة في جميع ما تقدم من الأحكام ولا اعتبار لها بدون الإجازة لأنها لتأكيد الإجازة ولا اعتبار للمؤكد بدون المؤكد كذا في عامة نسخ أصول الفقه وذكر في المعتمد المناولة أن يشير الإنسان إلى كتاب يعرف ما فيه من الأحاديث فيقول لغيره قد سمعت ما في هذا الكتاب فيكون بذلك محدثا بأنه سمعه ويجوز لذلك الغير أن يرويه عنه فيقول حدثني فلان أو أخبرني فلان وسواء قال اروه أو لم يقل ذلك فأما إذا قال له حدث عني بما في هذا الجزء ولم يقل قد سمعته فإنه لا يكون محدثا له به وإنما أجاز له التحدث به عنه فليس له أن يحدث به عنه لأنه يكون بالتحدث كاذبا ولا يصير ذلك مباحا بإباحته وذكر أبو عمرو الدمشقي أن المناولة على نوعين أحدهما المناولة المقرونة لإجازة وهي أعلى أنواع الإجازة على الإطلاق ولها صور (٣/٦٧) منها أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو فرعا مقابلا به ويقول هذا سماعي أو روايتي عن فلان فاروه عني أو أجزت لك روايته عني ثم تملكه إياه أو يقول خذه وانسخه وقابل به ثم رده إلي أو نحو هذا ومنها أن يجيء الطالب إلى الشيخ بكتاب أو جزء من حديثه فيعرضه عليه فيتأمله الشيخ وهو عارف متيقظ ثم يعيده إليه ويقول له وقفت على ما فيه وهو حديثي عن فلان أو روايتي عن شيوخي فيه فاروه عني أو أجزت لك روايته عني وقد سمى هذا غير واحد من أئمة الحديث عرضا وقد قلنا إن القراءة على الشيخ تسمى عرضا أيضا إلا أن الأول يسمى عرض القراءة وهذا عرض المناولة وهذه المناولة المقترنة بالإجازة حالة محل السماع عند جماعة جمة من المحدثين مثل الزهري وربيعة ويحيى بن سعيد ومالك بن أنس ومجاهد وأبي الزبير وابن عيينة وعلقمة وإبراهيم والشعبي وقتادة وأبي العالية وغيرهم والصحيح أن ذلك غير حال محل السماع وأنه منحط عن درجة التحديث لفظا والإخبار قراءة قال الحاكم أبو عبد اللّه أما فقهاء الإسلام الذين أفتوا في الحلال والحرام فلم يرده سماعا وبه قال أبو حنيفة والشافعي والأوزاعي والبويطي والمزني وأحمد بن حنبل وابن المبارك وإسحاق بن راهويه قال وعليه عهدنا أئمتنا وإليه نذهب ومنها أن يناول الشيخ الطالب كتابه ويجيز له روايته عنه ثم تمسكه الشيخ عنده ولا يمكنه منه فهذا يتقاعد عما سبق لعدم احتواء الطالب على ما تحمله وغيبته عنه وجاز له رواية ذلك عنه إذا ظفر بالكتاب أو بما هو مقابل به على وجه يثق معه بموافقته لما تناولته الإجازة على ما هو معتبر في الإجازات المجردة عن المناولة ثم إن مثل هذه المناولة لا يكاد يظهر لها حصول مزية على الإجازة من غير مناولة وقد صار غير واحد من الفقهاء والأصوليين إلى أنه لا تأثير لها ولا فائدة غير أن شيوخ أهل الحديث في القديم والحديث يرون لذلك مزية معتبرة ومنها أن يأتي الطالب الشيخ بكتاب أو جزء فيقول هذا روايتك فناولنيه وأجز لي (٣/٦٨) روايته فيجيبه إلى ذلك من غير أن ينظر فيه ويتحقق روايته لجميعه فهذا لا يجوز ولا يصح إلا إذا كان الطالب موثوقا بخبره ومعرفته فحينئذ جاز الاعتماد عليه في ذلك وكان ذلك إجازة جائزة فإن الخطيب أبا بكر ولو قال حدث بما في هذا الكتاب عني إن كان من حديثي مع براءتي من الغلط والوهم كان ذلك جائزا حسنا والثاني المناولة المجردة عن الإجازة بأن يناوله الكتاب كما تقدم ذكره يقتصر على قوله هذا من حديثي أو من سماعاتي ولا يقول اروه عني أو أجزت لك روايته عني ونحو ذلك فهذه مناولة مختلة لا يجوز الرواية بها وعليها غير واحد من الفقهاء والأصوليين على المحدثين الذين أجازوها وسوغوا الرواية بها وحكي عن جماعة أنهم صححوها مثل ابن جريج وأبي نصر بن الصباغ وأبي العباس بن الوليد والقاضي أبي محمد بن خلاد وغيرهم قوله وإنما يجوز عنده أي إنما يجوز الرواية من غير علم ما في الكتاب عند أبي يوسف على تقدير ثبوت الجواز إذا كان الكتاب مأمونا عن الزيادة والنقصان فإن عامة الأصوليين وجميع أهل الحديث قالوا إن الرجل إذا سمع على شيخ نسخته في كتاب مشهور مثل صحيح البخاري مثلا لا يجوز له أن يشير إلى غير تلك النسخة من ذلك الكتاب فيقول قد سمعته لأن النسخ من الكتاب الواحد قد تختلف إلا أن يعلم أن النسختين تتفقان فكذا هنا والأحوط كذا أي الأقرب إلى الاحتياط أن يقال لا يصح الإجازة بدون علم ما في الكتاب في قولهم جميعا كما اختاره بعض المشايخ لأن السنة أصل الدين لبناء أكثر أحكامه عليها وخطبها جسيم فلا وجه للحكم بصحة تحتمل الإمامة فيها قبل أن تصير مفهومة معلومة ألا ترى أنه لو قرأ عليه المحدث فلم يسمع ولم يفهم لم يجز له أن يروي ففي الإجازة التي هي دون القراءة أولى أن لا يجوز وفي تصحيح الإجازة من غير علم رفع للابتلاء فإن الناس مبتلون بالتعليم والتعلم وتحمل المشاق في ذلك من هجر الإخوان والخلاف وقطع الأسفار البعيدة والصبر على مكاره الغربة كما وقعت إليه الإشارة النبوية في قوله عليه السلام اطلبوا العلم ولو بالصين فلو جوزت الإجازة بدون علم لرغب الناس عن التعليم اعتمادا على صحة الرواية بدونه وحسم لباب المجاهدة أي قطع للجهاد فإن طلب العلم جهاد فإذا تمكن من (٣/٦٩) رواية الحديث بدون العلم تكاسل في طلبه وانقطع عنه وفتح لباب التقصير والبدعة إذا لم ينقل عن السلف مثل هذه الإجازة فتكون بدعة وإنما ذلك أي ما ذكرنا من الإجازة والمناولة بدون علم نظير سماع الصبي الذي ليس من أهل التحمل بأن يكون جاهلا به فأما إذا كان عالما به فإنه يكون أهلا للتحمل في الحال والرواية بعد البلوغ على ما مر بيانه وكأنه جواب عما يقال قد أقدم المشايخ على إجازة من ليس له علم ومعرفة بالرواية عند حصول العلم وشاع ذلك فيهم فدل ذلك على صحتها على ما سيأتيك بيانه فقال ذلك نظير سماع الصبي الذي ليس بأهل للتحمل فإنهم قد أحضروا الصبيان مجالس أهل الحديث على وجه التبرك فإنهم قوم لا يشقى جليسهم لا على أنه طريق يقوم به الحجة فكذلك هاهنا ونبين الآن أنواع الإجازة على ما ذكرها الحافظ أبو عمرو الدمشقي في كتاب معرفة علوم الحديث فقال الإجازة أنواع أولها أن يجيز لمعين في معين مثل أن أجزت لك الكتاب الفلاني أو ما اشتملت عليه فهرستي هذه فهي أعلى أنواع الإجازة المجردة عن المناولة حتى زعم بعضهم أنه لا خلاف في جوازها إنما الخلاف في غير هذا النوع والثاني أن يجيز لمعين في غير معين مثل أن يقول أجزت لك أو لكم جميع مسموعاتي أو جميع مروياتي والخلاف في هذا النوع أقوى وأكثر والجمهور من الفقهاء والمحدثين على تجويز الرواية بها أيضا وإيجاب العمل بما روي بها والثالث أن يجيز لغير معين بوصف العموم مثل أن يقول أجزت للمسلمين أو لكل أحد أو لمن أدرك زماني وما أشبهها وقد تكلم فيه المتأخرون ممن جوز أصل الإجازة ثم إن كان ذلك مقيدا بوصف حاضر أو نحوه فهو إلى الجواز أقرب ومن جوز ذلك كله أبو بكر الخطيب الحافظ وأبو عبد اللّه بن منده الحافظ وأبو عبد اللّه بن عتاب وأبو محمد بن سعيد الأندلسي وجماعة من المتأخرين قال أبو عمرو ولم نر ولم نسمع عن أحد ممن يقتدى به أنه استعمل هذه الإجازة فروي بها ولا عن الشرزمة المتأخرة الذين (٣/٧٠) تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة (اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت) كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري سنة الولادة / سنة الوفاة ٧٣٠هـ. تحقيق عبد اللّه محمود محمد عمر. الناشر دار الكتب العلمية سنة النشر ١٤١٨هـ - ١٩٩٧م. مكان النشر بيروت عدد الأجزاء ٤ سوغوها والإجازة في أصلها ضعف وتزداد بهذا التوسع والاسترسال ضعفا كثيرا لا ينبغي احتماله والرابع الإجازة للمجهول أو بالمجهول مثل أن يقول أجزت لمحمد بن جعفر الدمشقي وقد اشتركت جماعة في هذا الاسم والنسب أو يقول أجزت لفلان أن يروي عني كتاب السنن وهو يروي جماعة من كتب السنن المعرفة بذلك ثم لا يعين فهذه إجازة فاسدة لا فائدة لها والخامس الإجازة للمعدوم مثل أن يقول أجزت لمن يولد لفلان واختلف المتأخرون في جوازه فإن عطف المعدوم على الموجود بأن قال أجزت لفلان ولمن يولد له أو أجزت لك ولولدك ولعقبك ما تناسلوا كان ذلك أقرب إلى الجواز وإن أجيز للمعدوم ابتداء من غير عطف على الموجود فقد جوزه قوم بناء على أن الإجازة إذن في الرواية لا محاد به والصحيح عدم الجواز لأن الإجازة في حكم الإخبار حمله بالمجاز فكما لا يصح الإخبار للمعدوم لا يصح الإجازة له ولو قدرنا أيضا أن الإجازة إذن فلا يصح ذلك للمعدوم أيضا كما لا يصح الإذن في باب الوكالة للمعدوم لوقوعه في حالة لا يصح فيها المأذون فيه من المأذون له وهذا أيضا يوجب بطلان الإجازة للطفل الصغير الذي لا يصح سماعه قال الخطيب سألت القاضي أبا الطيب الطبري عن الإجازة للطفل الصغير هل يعتبر في صحتها سنه أو تمييزه كما يعتبر ذلك في صحة سماعه فقال لا يعتبر ذلك قال فقلت له إن بعض أصحابنا قال لا يصح الإجازة لمن لا يصح سماعه فقال قد يصح أن يجيز للغائب عنه ولا يصح السماع والدليل على صحتها إن الإجازة إباحة المجيز للمجاز له أن يروي عنه والإباحة يصح للعاقل وغير العاقل قال وعلى هذا رأينا شيوخنا كافة يجيزون للأطفال الغيب عنهم من غير أن يسألوا عن مبلغ أسنائهم وحال تميزهم ولم نرهم أجازوا لمن لم يكن مولودا وكأنهم رأوا الطفل أهلا لتحمل هذا النوع من أنواع تحمل الحديث ليؤدي به بعد حصول أهليته حرصا على توسيع السبيل إلى بقاء الإسناد والسادس إجازة ما لم يسمعه المجيز ليرويه المجاز له إذا تحمله المجيز بعد ذلك والصحيح فيه عدم الجواز لأن الإجازة إخبار ولا يصح الإخبار بما لا خبرة عنده منه وعلى هذا يجب على من يريد أن يروي بالإجازة عن شيخ إجازة له جميع مسموعاته مثلا أن يروي ما سمعه شيخه قبل الإجازة لا بعدها والسابع إجازة المجاز مثل أن يقول أجزت لك مجازاتي وأجزت لك رواية ما أجيز (٣/٧١) لي روايته ومنع ذلك بعض من لا يعتد به من المتأخرين اعتبار بامتناع توكيل الوكيل بغير إذن الموكل والصحيح الذي عليه العمل أن ذلك جائز قوله وكذلك أي وكما لا تحل الرواية بالإجازة لمن لا معرفة له بالمجاز لا تحل الرواية بالسماع لمن جلس مجلس السماع وهو يشغل أي يغفل عنه بسبب نظر في كتاب غير الذي يقرأ كما حكى شيخنا رحمه اللّه أن الشيخ الإمام سيف الملة والدين الباخرزي رحمه اللّه كان يقرأ صحيح البخاري على الشيخ الإمام المحقق جمال الدين المحبوبي رحمه اللّه في جماعة وكان مع واحد منهم نسخة عتيقة ينظر فيه فاشتبه لفظ يوما فقيل انظروا في تلك النسخة العتيقة فنظروا فإذا هي شرح الطحاوي يستمع صاحبه عليه صحيح البخاري فلا ضبط له ولا أمانة إلى آخره قال الشيخ أبو الوفاء عبد الرحيم بن علي في رسالته إن سماع حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم له شأن عظيم ولمباشرته واقتباسه حرمة قوية فلا يباشر إلا بالتوقير والاحترام ولا يقدم إلا عليه بالتعظيم والإكرام قال ولقيت من مشايخي من لا يدخل بيت كتبه والمواضع المعهودة لكتب الحديث إلا بالطهارة ولا يبيت في موضع فيه حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ورأيت منهم من لا يستجيز من نفسه ومن غيره الضحك والمزاج والانبساط والكلام مثلا بحضرة كتب الحديث وفي مجلس الحديث فهذا هو الطريقة المرضية فأما من يجازف ويستخف بهذا الأمر ويتهاون به وقت التحمل والأداء فلا كرامة له ولا يسمع منه حديث الرسول صلى اللّه عليه وسلم ولا ممن يكون مكثارا مهذارا صاحب هذيان ووقوع في أعراض الناس وغيبة للمسلمين ولا ممن لا يتمكن من حفظ لسانه من الفحش وإنما يسمع الحديث والأثر من شيخ صالح عفيف وقور سكوت إلا عما يعنيه من الكلام ويحتاج إليه مراع للجماعات والجمع كاف للسان عما ذكرت ويعرف ما يخرج من حديثه وكتبه إلى الناس ويعرف صوابه من خطئه ويغلب صوابه على خطئه ويحسن مراعاة عين سماعه والمقابلة وإذا خطأ ونبه عليه رجع إلى الصواب وإذا كان الخطأ من عنده لا يلح ولا يدعي أنه كذا سمعه دفعا عن نفسه قال وهذا أمر الاحتياط والتنزه فيه أكثر من (٣/٧٢) أن يوقف عليه بحال ومن كان في هذا الأمر أيقن وأعرف فهو أجبن وأخوف ومن كان فيه أجهل وأغمر فهو فيه أغفل وأجسر وذكر أبو عمرو الدمشقي أن اعتبار مجموع ما ذكره أهل الحديث من الشروط في رواة الحديث ومشايخه قد تعذر الوفاء بها في هذا الزمان فليعتبر من الشروط ما يحصل به الغرض من المحافظة على خصيصة هذه الأمة في الأسانيد والمجاوزة من انقطاع سلسلتها وليكتف في أهلية الشيخ بكونه مسلما بالغا عاقلا غير متظاهر بالفسق والسخف وفي ضبطه بوجود سماعه مثبتا بخط غير متهم وبروايته من أصل موافق لأصل شيخه وذكر عن الحافظ أبي بكر البيهقي أن الأحاديث التي قد صحت أو وقعت بين الصحة والسقم قد دونت وكتبت في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث ولا يجوز أن يذهب شيء منها على جميعهم وإن جاز أن يذهب على بعضهم لضمان صاحب الشريعة حفظها فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لم يقبل منه ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه لا ينفرد بروايته والحجة قائمة بحديثه برواية غيره والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلا بحدثنا وأخبرنا وتبقى هذه الكرامة التي خصت بها هذه الأمة شرفا لنبينا المصطفى صلى اللّه عليه وسلم وقوله إلا ما يقع عن ضرورة استثناء عن قوله يشتغل ويعرض ويغفل من حيث المعنى أي الاشتغال بالنظر والإعراض والغفلة يمنع من صحة الضبط والسماع إلا مقدار ما لا يمكن الاحتراز عنه وهو القليل فإنه جعل عفوا لأن مواضع الضرورة مستثناة عن قواعد الشرع قوله وإذا صح السماع ذكر في طرف السماع قسما آخر لم يذكره في التقسيم الأول وهو الحفظ إلى وقت الأداء وهو في الحقيقة قسم آخر كما قال شمس الأئمة رحمه اللّه إلا أن الشيخ جعله من توابع السماع فقال وإذا صح السماع أي حصل إما بقراءة المحدث أو بقراءة نفسه عليه أو بالكتاب إليه أو بالرسالة أو بالإجازة أو بالمناولة وجب حفظ المسموع إلى وقت الأداء لأن الغرض من السماع العمل والتبليغ ولا بد لهما من الحفظ وذلك أي الحفظ نوعان أيضا كالسماع والتبليغ فإن كل واحد قسمان تام أي كامل وما دون التام عند المقابلة به يعني قصوره إنما يظهر إذا قوبل بالقسم الأول الذي (٣/٧٣) كان موجودا في ذلك الزمان فأما في زماننا فالقسم الثاني الذي انقلب عزيمة أقوى من القسم الأول حتى كانت الرواية عن الكتاب أقوى من الرواية عن الحفظ لتمكن الخلل فيه أما الأول وهو العزيمة المطلقة فالحفظ من وقت السماع إلى وقت الأداء من غير واسطة الخط أي من غير احتياج إلى كتابة المسموع خوفا من النسيان ومن غير احتياج إلى الرجوع إلى كتاب للتذكر بل الحفظ مستدام إلى وقت الأداء والحفظ بالقلب غاية الكمال لأنه موضع الحفظ ومعدنه وكانوا لا يكتبون أي الصحابة رضي اللّه عنهم لا يكتبون الأخبار بل يحفظونها ويروونها عن ظهر القلب ببركة صحبة النبي صلى اللّه عليه وسلم فلما دنا انقراض عصرهم وبعد زمان النبوة صارت الكتابة سنة أي طريقة مرضية في الكتاب أي في كتاب اللّه تعالى والحديث قال إبراهيم النخعي كانوا يأخذون العلم حفظا ثم أبيح لهم الكتاب أي الكتابة لما حدث بهم من الكسل وقد جاء في الحديث قيدوا العلم بالكتاب أي بالكتابة وذكر أبو عمرو رحمه اللّه أن الصحابة رضي اللّه عنهم كانوا مختلفين في جواز كتابة الحديث فكرهها عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى وأبو سعيد الخدري في جماعة آخرين من الصحابة والتابعين وأباحها علي وابنه الحسن وأنس وعبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهم فالحجة للفريق الأول ما روى أبو سعيد الخدري رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لا تكتبوا عني شيئا إلا القرآن ومن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه أخرجه مسلم في صحيحه والحجة للفريق الثاني حديث أبي شاه اليمني في التماسه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يكتب له شيئا سمعه من خطبته عام فتح مكة وقوله صلى اللّه عليه وسلم اكتبوا لأبي شاه ولعله صلى اللّه عليه وسلم أذن في الكتابة عنه لمن خشى عليه النسيان ونهى عن الكتابة عنه من وثق بحفظه محافظة الاتكال على الكتاب أو نهى عن كتابة ذلك حين خاف عليهم اختلاط ذلك (٣/٧٤) بصحف القرآن وأذن في كتابته حين أمن من ذلك ثم أنه زال ذلك الخلاف وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته ولولا تدوينه لدرس في الأعصر الآخرة وهو معنى قوله صيانة للعلم عن الاندراس وهذا تعليل لقوله صارت الكتابة سنة وقوله لفقد العصمة عن النسيان تعليل للمجموع أي صيرورة الكتابة سنة لأجل الصيانة باعتبار فقد العصمة عن النسيان بفوات النبي عليه السلام وقوله ثم صارت الكتابة بيان القسم الثاني وهذا أي الذي نشرع فيه (٣/٧٥) |