٢٤ باب أحكام الشهيد قوله ( لأنه مشهود له بالجنة ) حاصل ما قيل فيه أنه بمعنى فاعل لشهوده أي حضوره يرزق عند ربه على المعنى الذي يصح أو لأن عليه شاهدا يشهد له وهو دمه وجرحه وشجه أو لأن روحه شهدت دار السلام وروح غيره لا تشهدها إلا يوم القيامة أو لقيامه بشهادة الحق حين قتل أو لأنه يشهد عند خروج روحه ماله من الثواب أو بمعنى مفعول لما أنه مشهود له بالجنة أو لأن الملائكة تشهده إكراما له كذا في حاشية الدر عن النهر قوله ( لم يبق من أجله ) بفتح الياء وهو تفسير لما قبله ولو لم يقتل لاحتمل أن يموت وأن يبقى وقالت المعتزلة إن القاتل قطع على المقتول أجله وإنه لو لم يقتل لبقي حيا قوله ( والشهيد شرعا الخ ) أما لغة فقال في القاموس الشهيد وتكسر شينه الشاهد والأمين في شهادته والذي لا يغيب عن علمه شيء والقتيل في سبيل اللّه لأن ملائكة الرحمة تشهده أو لأن اللّه تعالى وملائكته شهود له بالجنة أو لأنه ممن يستشهد يوم القيامة على الأمم الخالية أو لسقوطه على الشاهد أي الأرض أو لأنه حي عند ربه حاضر أو لأنه يشهد ملكوت اللّه وملكه ا ه وقد ذكر بعض المعاني الشرعية مع اللغوية قوله ( هو من قتله أهل الحرب ) هو حقيقة عرفية في كافر لم يدخل تحت أماننا وأما بالنظر للمعنى اللغوي فكل من حارب أهل حرب قوله ( أو تسبيبا ) بأن ألقوا أحجار في طريق المسلمين فهلكوا بها أو أرسلوا ماء فأغرقوهم به قوله ( ولو بماء الخ ) مثله ما لو وطئت دابتهم مسلما أو نفروا دابة مسلم فرمته أو رموه من السور أو ألقوا عليه حائطا قوله ( أو أهل البغي ) مباشرة أو تسبيبا أيضا كقتل أهل الحرب لأنه لما كان القتال مع البغاة وقطاع الطريق مأمورا به ألحق بقتال أهل الحرب فعمت الآلة كما عمت هناك معراج وأما قتل أهل البغي بعضهم بعضا وكذا قطاع الطريق فقال يعقوب باشا لا يبعد أن يعد المقتول منهم شهيدا كذا في الحاشية قوله ( بأي آلة كانت ) راجع إلى أهل البغي وقطاع الطريق قوله ( ليلا ولو بمثقل ) قال في البحر ولو نزل عليه اللصوص ليلا في المصر فقتل بسلاح أو غيره أو قتله قطاع الطريق خارج المصر بسلاح أو غيره فهو شهيد لأن القتل لم يخلف في هذه المواضع بدلا هو مال ا ه قوله ( أو نهارا ) أي بسلاح كما أفاده في الشرح قوله ( كجرح الخ ) وكذا لو كان به أثر كدم أو صدم حموي أو أثر ضرب أو خنق كذا في حاشية السيد علي مسكين قوله ( لا من وأنف ومخرج ) لأن الدم يخرج من هذه المخارج من غير ضرب عادة فإن الإنسان يبتلى بالرعاف والجبان يبول دما أحيانا وصاحب الباسور يخرج الدم من دبره قوله ( أو قتله مسلم ) قيد بالقتل لأنه لو تردى من موضع أو احترق بالنار أو مات بهدم أو غرق فإنه لا يكون شهيدا في حكم الدنيا وهو شهيد الآخرة بحر وقوله ظلما دخل فيه المقتول مدافعا عن نفسه أو ماله أو المسلمين أو أهل الذمة ا ه در منتقى قوله ( لا بحد وقود ) محترز التقييد بالظلم والضابط في قتل من يكون شهيدا أن لا يجب بنفس القتل مال أما لو قتله مسلم خطأ أو عمدا بالمثقل فليس بشهيد لوجوب الدية بقتله وكذا لو وجد مذبوحا ولم يعلم قاتله أو وجد في محله مقتولا ولم يعلم قاتله لأنه لا يدري أقتل ظالما أو مظلوما عمدا أو خطأ بحر قوله ( وشمل من قتله أبوه أو سيده ) لأن نفس القتل موجب للقصاص وإنما سقط لعارض قوله ( وكان المقتول مسلما الخ ) أي مقتول من ذكر من أهل الحرب وغيرهم قوله ( كالثوب الخلق ) قال في البحر هو في اللغة من الرث وهو الشيء البالي وسمي مرتثا لأنه صار خلقا في حكم الشهادة والمرتث شرعا من خرج عن صفة القتلى وصار إلى حال الدنيا بأن جرى عليه شيء من أحكامها أو وصل إليه شيء من منافعها وهو شهيد في حكم الآخرة فينال الثواب الموعود للشهداء قوله ( بوجود رفق ) متعلق بيرتث والرفق الانتفاع قوله ( بعد انقضاء الحرب ) ولو فيها لا يصير مرتثا بشيء مما ذكر ا ه در قوله ( فيلحق بشهداء أحد في الحكم ) أي فيلحق من ذكر من مقتول أهل الحرب والبغي وقطاع الطريق والمقتول ظلما وبين حكم شهداء أحد بقوله فيدفن بدمه الخ قوله ( أي مع دمه ) فالباء للمصاحبة قوله ( زملوهم بدمائهم ) التزميل اللف بالثوب قوله ( فإنه ليس كلمة ) أي جرحة وهي بفتح الكاف وسكون اللام وفتح الميم قوله ( تكلم ) تجرح أي بجرح صاحبها قوله ( تدمى ) أي يخرج منها الدم بفتح الميم من دمي اللازم ومنه الحديث إن أنت إلا إصبع دميت قوله ( لونه ) أي لون الخارج المفهوم قوله تدمى قوله ( ويكفن مع ثيابه ) ويكره نزع ثيابه وتجديد الكفن نهر قوله ( وإن علم مما سبق ) أي من قوله بدمه وثيابه قوله ( لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم الخ ) دليل لقوله ويصلى عليه وما قيل من أنهم أحياء والحي لا يصلى عليه فمدفوع بأنه حكم أخروي لا دنيوي بدليل ثبوت أحكام الموتى لهم من قسمة تركاتهم وبينونة نسائهم إلى غير ذلك وما قيل إنها للاستغفار وهم مغفور لهم فمتنقض بالنبي صلى اللّه عليه وسلم والصبي بحر عن الهداية قوله ( فصلى عليه ) أي مع حمزة كما هو المتبادر قوله ( والصلاة على الميت لإظهار كرامته ) أي لا لتحصيل المغفرة ( وحرم المنافق ) الضمير محذوف أي وحرمها المنافق قوله ( كالفرو ) أدخلت الكاف الخف والقلنسوة بحر والأشبه أن لا تنزع عنه السراويل قهستاني قوله ( إن وجد غيره ) وإلا كفن به للضرورة هذا ما يعطيه مفهومه قوله ( توفرة على الورثة ) علة لقوله وينقص قوله ( أو المسلمين ) أي فيرد لبيت مالهم إن لم يكن له ورثة قوله ( أثره ) أي أثر الشهيد وهو الدم قوله ( عند الإمام ) أي خلافا لهما قوله ( بماء المزان ) أي السحاب جمع مزنة كما في الجلالين وفي الصحاح المزنة السحابة البيضاء ولم يعد صلى اللّه عليه وسلم غسله لحصوله بغسل الملائكة بدليل قصة آدم در قوله ( أو صبيا ) هذا عند الإمام وعندهما لا يغسل ومثله المجنون والجنب لأن ما وجب بالجنابة سقط بالموت والصبي أحق بهذه الكرامة وهي سقوط الغسل فإن سقوطه لإبقاء أثر كونه مظلوما وغير المكلف أولى بهذه الكرامة لأن مظلوميته أشد حتى قال أصحابنا خصومة البهيمة يوم القيامة أشد من خصومة المسلم كذا في الشرح وقد ذكر المصنف دليل الإمام قوله ( أو قبل استمراره في الحيض ثلاثة أيام ) فيه أنه إذا لم يستمر ثلاثا لا يكون حيضا إلا أن الغالب فيه ذلك فبنوا الحكم عليه وقيد بقوله في الحيض لأن النفاس لأحد لأقله قوله ( والمعنى فيهما كالجنب ) أي فالنص الوارد في الجنب يشملهما لأن كلامنهما حدث أكبر بل هما أغلظ من الجنابة إذ لا يرتفعان بالغسل قوله ( وبه رمق ) أي بقية الحياة قاموس قوله ( بما كلف به من أحكام الدنيا ) كوجوب الصلاة فيما إذا مضى عليه وقت صلاة وهو يعقل وهو متعلق بقوله صار خلقا قوله ( أو وصل إليه من منافعها ) كأكل وشرب قوله ( وهو شهيد في حكم الآخرة ) عد السيوطي في التثبيت شهداء الآخرة فقال من مات بالبطن واختلف فيه هل المراد الاستسقاء أو الإسهال قولان ولا مانع من الشمول أو الغرق أو الهدم أو بالجنب وهي قروح تحدث في داخل الجنب بوجع شديد لم تنفتح في الجنب أو بالجمع قال صلى اللّه عليه وسلم أيما امرأة ماتت بجمع فهي شهيدة والجمع بالضم بمعنى المجموع كالذخر بمعنى المذخور والمعنى أنها ماتت من شيء مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة أو بالسل وهو داء يصيب الرئة ويأخذ البدن منه في النقصان والاصفرار أو في الغربة أو بالصرع أو بالحمى أو دون أهله أو ماله أو دمه أو مظلمة أو بالعشق مع العفاف والكتم وإن كان سببه حراما أو بالشرق أو بافتراس السبع أو بحبس سلطان ظلما أو بالضرب أو متواريا أو لدغته هامة أو مات على طلب العلم الشرعي أو مؤذنا محتسبا أو تاجرا صدوقا ومن سعى على امرأته وولده وما ملكته يمينه يقيم فيهم أمر اللّه تعالى ويطعمهم من حلال كان حقا على اللّه تعالى أن يجعله مع الشهداء في درجاتهم يوم القيامة والمائد في البحر أي الذي حصل له غثيان والذي يصيبه القيء له أجر شهيد أي ومات من ذلك ومن ماتت صابرة على الغيرة لها أجر شهيد ومن قال كل يوم خمسا وعشرين مرة اللّهم بارك لي في الموت وفيما بعد الموت ثم مات على فراشه أعطاه اللّه أجر شهيد ومن صلى الضحى وصام ثلاثة أيام من كل شهر ولم يترك الوتر سفرا ولا حضرا كتب له أجر شهيد والمتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد ومن قال في مرضه أربعين مرة لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين أعطي أجر شهيد وإن بريء بريء مغفورا له قال وحذفت أدلة ذلك طلبا للاختصار ا ه ملخصا قوله ( له الثواب الموعود ) بيان الحكم الآخرة قوله ( أو تداوى لرفق الحياة ) الأولى بنيله شيئا من مرافق الحياة كما في الشرح ففي الكلام حذف مضاف قوله ( ويقدر على أدائها ) أما إذا لم يقدر على أداء الصلاة مع العقل فلا يصير مرتثا إذ لا يلزمه الصلاة بموته حينئذ لأنه لا تكليف بالأداء إلا مع القدرة على الفعل ولو بالإيماء وهو منعدم ولم تحصل له حياة ليقضي ما مضى مع العقل والعجز على طريق من ألزمه القضاء بمجرد العقل وأما على طريق من شرط القدرة مع العقل فذاك ظاهر في عدم كونه مرتثا قوله ( أو نقل من المعركة ) سواء وصل إلى بيته حيا أو مات قبله ولو انتقل بنفسه يكون مرتثا بالأولى قاله السيد قوله ( ليمرض ) اعلم أن بعضهم كصاحب البدائع جعل العلة في ارتثائه أن نقله من المعركة يزيده ضعفا ويوجب حدوث ألم فيكون النقل مشاركا للجراحة في إثارة الموت فلم يمت بسبب الجراحة يقينا فلا يسقط الغسل بالشك وحينئذ فلا فرق بين أن ينقل ليمرض أو لخوف وطء الحيوان وبعضهم جعل العلة في الارتثاث نيل شيء من مرافق الدنيا فعلى هذا يظهر وجه الفرق بين ما لو حمل للتداوي أو للخوف من وطء الحيوان أفاده السيد قوله ( وقيل لا خلاف ) قال في البحر والأظهر أنه لا خلاف فجواب أبي يوسف بأن يكون مرتثا فيما إذا كان بأمور الدنيا وجواب محمد بعدمه فيما إذا كان بأمور الآخرة فيوصي بما يكفن به ويخلص رقبته ويبرد جلده من النار ويدخر لنفسه ذخيرة الآخرة قوله ( كسعد بن الربيع ) هو كما في رواية زيد بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم أحد لطلب سعد بن الربيع وقال إن رأيته فأقرئه مني السلام وقل له كيف تجدك قال فأصبته وهو في آخر رمق وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم فقلت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمرني أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات فقال إني في الأموات فأبلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عني السلام وقل أن سعد بن الربيع يقول جزاك اللّه عنا خير ما جزى نبيا عن أمته وقل إني أجد ريح الجنة وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم أن سعد بن الربيع يقول لكم لا عذر لكم عند اللّه تعالى أن خلص إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكروه ومنكم عين تطرف ثم لم يبرح أن مات فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبر خبره قال في القاموس وقرأ عليه السلام أبلغه كإقرأ أو لا يقال أقرأه إلا إذا كان السلام مكتوبا قوله ( مع الجراحة ) أي مثلا وإلا فالشهادة لا تخصها قوله ( لا يكون الشهيد مرتثا بذلك ) في أول الكلام غنى عنه قوله ( يصلي عليهم ) أي بغير تغسيل في القتلى وبعد التغسيل في الموتى وذلك لأن الحكم للغالب إلا من عرف أنه كافر قوله ( إلا من عرف أنه من المسلمين ) أي بالسيما وهي الختان والخضاب ولبس السواد وإن استويا لم يصل عليهم لأن الصلاة على الكفار منهي عنها ويجوز ترك الصلاة على بعض المسلمين وقال صلى اللّه عليه وسلم ما اجتمع الحرام والحلال في شيء إلا غلب الحرام الحلال كذا في الشرح قوله ( ويتخذ لهم مقبرة على حدة ) نقله في الشرح عن بعض المشايخ وجعل محله فيما إذا لم يصل عليهم ا ه وهو فيما إذا غلب الكفار أو تساويا وظاهر هذا التقييد أنهم إذا صلي عليهم يدفنون في مقابر المسلمين قوله ( كذمية الخ ) هذه المسئلة اختلف فيها الصحابة رجح بعضهم جانب الولد فقال تدفن في مقابر المسلمين وبعضهم جانبها فإن الولد في حكم جزئها ما دام في بطنها فتدفن في مقابر المشركين وقال عقبة بن عامر يتخذ لها مقبرة على حدة أفاده في الشرح أي ويجعل ظهرها إلى القبلة لأن وجه الولد إليه والخلاف في الموتى المختلطين أصله الخلاف في هذه المسئلة واللّه سبحانه وتعالى أعلم واستغفر اللّه العظيم |