١ تعريفه [ معرفته لغة وشريعة وسببه وشرطه وحكمه وركنه وحكمة مشروعيته وصفته] لما كان عبادة بدنية كالصلاة ذكره عقبها ويحتاج لمعرفته لغة وشريعة وسببه وشرطه وحكمه وركنه وحكمة مشروعيته وصفته فمعناه لغة الإمساك عن الفعل والقول وشرعا ( هو الإمساك نهارا ) النهار ضد الليل من الفجر الصادق إلى الغروب ( عن إدخال شيء ) سواء كان يؤكل عادة أو غيره وقيد الإدخال يخرج الدخول كالغبار وكونه ( عمدا أو خطأ ) يخرج النسيان والمخطئ من سبقه ماء المضمضة إلى حلقه فهو كالعمد سواء أدخله ( بطنا ) من الفم أو الأنف أو من جراحة في البطن تسمى الجائفة ( أو ) أدخله في ( ما له حكم الباطن ) وهو الدماغ كدواء الأمة ( و ) الإمساك نهارا ( عن شهوة الفرج ) شمل الجماع والإنزال بعبث ( بنية ) لتمتاز العبادة عن المادة ( من أهله ) احترازا عن الحائض والنفساء والكافر والمجنون واختصار هذا الحد الصحيح : إمساك عن المفطرات منوي للّه تعالى بإذنه في وقته ( وسبب وجوب رمضان ) يعني افترض صومه ( شهود جزء ) صالح للصوم ( منه ) أيس من رمضان خرج الليل وما بعد الزوال على ما قاله فخر الإسلام ومن وافقه خلافا لشمس الأئمة أن السبب مطلق الوقت في الشهر ( وكل يوم منه ) أي من رمضان ( سبب لأدائه ) أي لوجوب أداء ذلك اليوم لتفرق الأيام فمن بلغ أو أسلم يلزمه ما بقي منه لا ما مضى ولا منافاة بالجمع بين السببين ونقلت السببية من المجموع للجزء الأول رعاية للمعيارية ( وهو ) أي صوم رمضان ( فرض ) عين ( أداء وقضاء على من اجتمع فيه أربعة أشياء ) هي شروط لافتراضته والخطاب به وتسمى شروط وجوب أحدها ( الإسلام ) لأنه شرط للخطاب بفروع الشريعة ( و ) ثانيها ( العقل ) إذ لا خطاب بدونه ( و ) ثالثها ( البلوغ ) إذ لا تكليف إلا به ( و ) رابعها ( العلم بالوجوب ) وهو شرط ( لمن أسلم بدار الحرب ) وإنما يحصل له العلم الموجب بإخبار رجلين عدلين أو رجل وامرأتين مستورين أو واحد عدل وعندهما لا تشترط العدالة والبلوغ والحرية وقوله ( أو الكون ) شرط لمن نشأ ( بدار الإسلام ) فإنه لا عذر له بالجهل ( ويشترط لوجوب أدائه ) الذي هو عبارة عن تفريغ الذمة في وقته ( الصحة من مرض ) لقوله تعالى فمن كان منكم مريضا الآية ( و ) الصحة أي الخلو عن ( حيض ونفاس ) لما قدمناه ( ولإقامة ) لما تلوناه ( ويشترط لصحة أدائه ) أي فعله ليكون أعم من الأداء والقضاء ( ثلاثة ) شرائط ( النية ) في وقتها في كل يوم ( والخلو عما ينافيه ) أي ينافي صحة فعله ( من حيض ونفاس ) لما فاتهما ( و ) الخلو ( عما يفسده ) بطروئه عليه ( ولا يشترط ) لصحته ( الخلو عن الجنابة ) لقدرته على الإزالة وضرورة حصولها ليلا وطروء النهار وليس العقل والإقامة من شروط الصحة فإن الجنون إذا طرأ وبقي إلى الغروب صح صومه وركنه ) أي الصوم ( الكف ) أي الإمساك ( عن قضاء شهوتي البطن والفرج و ( عن ) ما ألحق بهما ( مما سنذكره ) وحكمه سقوط الواجب ( أي اللازم فرضا كان أو غيره ) عن الذمة بإيجاب اللّه أو العبد والثواب ( تكرما من اللّه ) في الآخرة ( إن لم يكن منهيا عنه) فإن كان منهيا عنه كصوم النحر فحكمه الصحة والخروج عن العهدة والإثم بالإعراض عن ضيافة اللّه تعالى وحكمة مشروعية الصوم منها أن به سكون النفس الأمارة بإعراضها عن الفضول لأنها إذا جاعت شبعت جميع الأعضاء فتنقبض اليد والرجل والعين وباقي الجوارح عن حركتها وإذا شبعت النفس جاعت الجوارح بمعنى قويت على البطش والنظر وفعل ما لا ينبغي فبانقباضها يصفو القلب وتحصل المراقبة ومنها العطف على المساكين بالإحساس بألم الجوع لمن هو وصفه أبدا فيحسن إليه ولذا لا ينبغي الإفراط في السحور لمنعه الحكمة المقصودة والاتصاف بصفة الملائكة ولا يدخل الياء في صوم الفرض ( فصل ) في صفة الصوم وتقسيمه ( ينقسم الصوم إلى ستة أقسام : ) ذكرت مجملة ثم مفصلة لكونه أوقع في النفس ( فرض ) عين ( وواجب ومسنون ومندوب ونفل ومكروه . أما ) القسم الأول وهو ( الفرض فهو صوم ) شهر ( رمضان أداء وقضاء وصوم الكفارات ) الظهار والقتل واليمين وجزاء الصيد وفدية الأذى في الإحرام لثبوت بالقاطع من الأدلة سندا ومتنا والإجماع ( و ) من هذا القسم الصوم ( المنذور ) فهو فرض ( في الأظهر ) لقوله تعالى " وليوفوا نذورهم " ( وأما ) القسم الثاني وهو ( الواجب فهو قضاء ما أفسده من ) صوم ( نفل ) لوجوبه بالشروع وصوم الاعتكاف المنذور ( وأما ) القسم الثالث وهو ( المسنون فهو صوم عاشوراء ) فإنه يكفر السنة الماضية ( مع ) صوم ( التاسع ) لصومه صلى اللّه عليه وسلم العاشر وقال " لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع " ( وأما ) القسم الرابع وهو ( المندوب فهو صوم ثلاثة ) أيام ( من كل شهر ) ليكون كصيام جميعه من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ( ويندب كونها ) أي الثلاثة ( الأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ) سميت بذلك لتكامل ضوء الهلال وشدة البياض فيها لما في أبي داود " كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض ثلاثة عشرة وأربعة عشرة وخمسة عشرة " قال وقال هو كهيئة الدهر أي : كصيام الدهر ( و ) من هذا القسم ( صوم ) يوم ( الإثنين و ) يوم ( الخميس ) لقوله صلى اللّه عليه وسلم " تعرض الأعمال يومي الإثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم " ( و ) منه ( صوم ست من ) شهر ( شوال ) لقوله صلى اللّه عليه وسلم " من صام رمضان فأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر " ( ثم قيل الأفضل وصلها ) لظاهر قوله فأتبعه ( وقيل تفريقها ) إظهارا لمخالفة أهل الكتاب في التشبيه بالزيادة على المفروض ( و ) منه ( كل صوم ثبت طلبه والوعد عليه بالسنة ) الشريفة ( كصوم داود عليه ) الصلاة و ( السلام : كان يصوم يوما ويفطر يوما وهو أفضل الصيام وأحبه إلى اللّه تعالى ) لقول النبي صلى اللّه عليه وسلم " أحب الصيام إلى اللّه صيام داود وأحب الصلاة إلى اللّه صلاة داود كان ينام نصفه ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يفطر يوما ويصوم يوما " رواه أبو داود وغيره ( وأما ) القسم الخامس وهو ( النفل فهو ما سوى ذلك ) الذي بيناه ( مما ) أي صوم ( لم يثبت ) عن الشارع ( كراهته ) ولا تخصيصه بوقت ( وأما ) القسم السادس وهو ( المكروه فهو قسمان : مكروه تنزيها ومكروه تحريما الأول ) الذي كره تنزيها ( كصوم ) يوم ( عاشوراء منفردا عن التاسع ) أو الحادي عشر ( والثاني ) الذي كره تحريما ( صوم العيدين ) الفطر والنحر للإعراض عن ضيافة اللّه ومخالفة الأمر ( و ) منه صوم ( أيام التشريق ) لورود النهي عن صيامها وهذا التقسيم ذكره المحقق الكمال بن الهمام رحمه اللّه وقد صرح بحرمة صوم العيدين وأيام التشريق في البرهان ( وكره إفراد يوم الجمعة ) بالصوم لقوله صلى اللّه عليه وسلم " لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم " رواه مسلم ( و ) كره ( إفراد يوم السبت ) به لقوله صلى اللّه عليه وسلم " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب أو عود شجرة فيمضغه " رواه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي ( و ) كره إفراد ( يوم النيروز ) أصله نوروز لكن لما لم يكن في أوزان العرب فوعول أبدلوا الواو ياء وهو يوم في طرف الربيع ( أو ) إفراد يوم ( المهرجان ) معرب مهركان وهو يوم في طرف الخريف لأن فيه تعظيم أيام نهينا عن تعظيمها ( إلا أن يوافق ) ذلك اليوم ( عادته ) لفوات علة الكراهة بصوم معتاده ( وكره صوم الوصال ولو ) واصل بين ( يومين ) فقط للنهي عنه ( وهو ) أي الوصال ( أن لا يفطر بعد الغروب أصلا حتى يتصل صوم الغد بالأمس ) وكره صوم الصمت وهو أن يصوم ولا يتكلم بشيء فعليه أن يتكلم بخير وبحاجة دعت إليه ( وكره صوم الدهر ) لأنه يضعفه أو يصير طبعا له ومبنى العبادة على مخالفة العادة ولا تصوم المرأة نفلا بغير رضا زوجها وله أن يفطرها لقيام حقه واحتياجه واللّه الموفق ( فصل فيما لا يشترط تبييت النية وتعيينها فيه وما يشترط ) فيه ذلك ( أما القسم الذي لا يشترط فيه تعيين النية ) لما يصومه ( ولا تبييتها ) أي النية فيه ( فهو أداء رمضان و ) أداء ( النذر المعين زمانه ) كقوله للّه علي صوم يوم الخميس من هذه الجمعة فإذا أطلق النية ليلته أو نهاره إلى ما قبل نصف النهار صح وخرج به من عهدة المنذور ( و ) أداء ( النفل فيصح ) كل من هذه الثلاثة ( بنية ) معينة مبيتة ( من الليل ) وهو الأفضل وحقيقة النية قصده عازما بقلبه صوم غد ولا يخلو مسلم عن هذا في ليالي شهر رمضان إلا ما ندر وليس النطق باللسان شرطا ونفي صيام من لم يبيت النية نفي كمال فتصح النية ولو نهارا ( إلى ما قبل نصف النهار ) لأن الشرط وجود النية في أكثر النهار احتياطا وبه توجد في كله حكما للأكثر وخص هذا بالصوم فخرج الحج والصلاة لأنهما أركان فيشترط قرانها بالعقد على أدائها ابتداء وإلا خلا بعض الأركان عنها فلم يقع عبادة والصوم ركن واحد وقد وجدت فيه وإنما قلنا إلى ما قبل نصف النهار تبعا للجامع الصغير ( على الأصح ) احترازا عن ظاهر عبارة القدوري وإنما قال ( ونصف النهار من ) ابتداء ( طلوع الفجر إلى ) قبيل ( وقت الضحوة الكبرى ) لا عندها لأن النهار قد يطلق على ما عند طلوع الشمس إلى غروبها لغة وعند الزوال نصفه فيفوت شرط صحة النية بوجودها قبيل الزوال ( ويصح أيضا ) كل من أداء رمضان والنذر المعين والنفل ( بمطلق النية ) من غير تقييد بوصف للمعيارية والنذر معتبر بإيجاب اللّه تعالى ( وبنية النفل ) أيضا ( ولو كان ) الذي نواه ( مسافرا أو ) كان ( مريضا في الأصح ) من الروايتين وهو اختيار فخر الإسلام وشمس الأئمة وجمع وتلغى زيادة النفلية لأنهما لما تحملا المشقة التحقا بمن لا عذر له نظرا لهما ( ويصح أداء رمضان بنية واجب آخر ) هذا ( لمن كان صحيحا مقيما ) لما أنه معيار فيصاب بالخطأ في الوصف كمطلق النية ( بخلاف المسافر فإنه ) إذا نوى واجبا آخر ( يقع عما نواه من ) ذلك ( الواجب ) رواية واحدة عن أبي حنيفة لأنه صرفه إلى ما عليه وقالا يقع عن رمضان ( واختلف الترجيح في ) صوم ( المريض إذا نوى واجبا آخر ) بصومه ( في ) شهر رمضان ) روى الحسن أنه عما نوى واختاره صاحب الهداية أكثر مشايخ بخارى لعجزه المقدر وقال فخر الإسلام وشمس الأئمة الصحيح أنه يقع صومه عن رمضان وفي البرهان وهو الأصح ( ولا يصح ) أي لا يسقط ( المنذور المعين زمانه ) بصومه ( بنية واجب غيره بل يقع عما نواه ) الناذر ( من الواجب ) المغاير للمنذور في الروايات كلها ويبقى المنذور بذمته فيقضيه وقيدنا بواجب آخر لأنه لو نوى نفلا وقع عن المنذور المعين كإطلاق النية وروي عن أبي حنيفة أن يكون عما نواه ( فيه ) أي الزمن المعين ( وأما القسم الثاني وهو ما يشترط له تعيين النية وتبييتها ) ليتأدى به ويسقط عن المكلف ( فهو قضاء رمضان وقضاء ما أفسده من نفل وصوم الكفارات بأنواعها ) ككفارة اليمين وصوم التمتع والقران ( والنذر المطلق ) عن تقييده بزمان وهو إما معلق بشرط ووجد ( كقوله إن شفى اللّه مريضي فعلي صوم يوم فحصل الشفاء ) أو مطلق كقوله للّه علي صوم يوم لأنها ليس لها وقت معين فلم تتأدى إلا بنية مخصوصة مبيتة أو مقارنة لطلوع الفجر وهو الأصل وقدمت عنه للضرورة ويشترط الدوام عليها فلو رجع عما نوى ليلا لم يصر صائما ولو أفطر لا شيء عليه إلا القضاء لانقطاع النية بالرجوع فلا كفارة عليه في رمضان إلا أن يعود إلى تجديد النية ويحصل مضيه فيه في وقتها تجديد لها ولا تبطل النية بقوله أصوم غدا إن شاء اللّه لأنه بمعنى الاستعانة وطلب التوفيق إلا أن يريد حقيقة الاستثناء ( فصل فيما يثبت به الهلال وفي صوم يوم الشك وغيره ) يجب كفاية التماس الهلال ليلة الثلاثين من شعبان لأنه قد يكون ناقصا و ( يثبت رمضان برؤية هلاله ) لقوله صلى اللّه عليه وسلم " صوموا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين " فلذا قال ( أو بعد شعبان ثلاثين ) يوما ( إن غم الهلال ) بغيم أو غبار وغيره بالإجماع ( ويوم الشك هو ما يلي التاسع والعشرين من شعبان وقد استوى فيه طرف العلم والجهل ) بحقيقة الحال ( بأن غم الهلال ) أي هلال رمضان فاحتمل كمال شعبان ونقصانه نظرا إلى قوله صلى اللّه عليه وسلم " الشهر هكذا وهكذا وهكذا " وخنث إبهامه في المرة الثالثة يعني تسعة وعشرين وقوله وهكذا وهكذا وهكذا أي من غير خنس يعني ثلاثين فالشك بوجود علة كغيم في الثلاثين أمن رمضان هو أو من شعبان أو بغم من رجب ( وكره فيه ) أي يوم الشك ( كل صوم ) من فرض وواجب وصوم ردد فيه بين نفل وواجب ( إلا صوم نفل جزم به بلا ترديد بينه وبين صوم آخر ) فإنه لا يكره لحديث السرار إذا كان على وجه لا يعلم العوام ذلك ليعتادوا صومه ظنا منهم زيادته على الفرض وإذا وافق معتاده فصومه أفضل اتفاقا واختلفوا في الأفضل إذا لم يوافق معتاده قيل الأفضل النظر احترازا لظاهر النهي وقيل الصوم اقتداء بعلي وعائشة رضي اللّه عنهما فإنهما كانا يصومانه ( وإن ظهر أنه ) من ( رمضان أجزأ عنه ) أي عن رمضان ( ما صامه ) بأي نية كانت إلا أن يكون مسافرا ونواه عن واجب آخر كما تقدم وإن ظهر من شعبان ونواه نفلا كان غير مضمون لدخول الإسقاط في عزيمته من وجه وكراهة الواجب لصورة النهي كصلاته في أرض الغير وهو دون كراهته على أنه من رمضان لعدم التشبه وأما كراهة النفل ع الترديد فلأنه ناو للفرض من وجه وهو أن يقول إن كان غدا من رمضان فمنه وإلا فتطوع ( وإن ردد ) الشخص ( فيه ) أي في يوم الشك ( بين صوم وفطر ) كقوله إن كان من رمضان فصائم وإلا فمفطر ( لا يكون صائما ) لأنه لم يجزم بعزيمته فإن ظهرت رمضانيته قضاه . ثم شرع في بيان تقديم الصوم من غير شك على جهة الاحتياط فقال ( وكره صوم يوم أو يومين من آخر شعبان ) لقوله صلى اللّه عليه وسلم " لا تقدموا الشهر بيوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوما فيصومه " متفق عليه والمراد به التقديم على قصد أن يكون من رمضان لأن التقديم بالشيء على الشيء أن ينوي به قبل حينه وأوانه ووقته وزمانه وشعبان وقت التطوع فإذا صام عن شعبان لم يأت بصوم رمضان قبل زمانه وأوانه فلا يكون هذا تقدما عليه من فوائد شيخي العلامة شمس الدين محمد المحبي رحمه اللّه ( لا يكره ) صوم ( ما فوقهما ) أي اليومين كالثلاثة فما فوقها من آخر شعبان كما في الهداية ( و ) المختار أن ( يأمر المفتي العامة ) بإظهار النداء ( بالتلوم ) أي بالانتظار بلا نية صوم في ابتداء ( يوم الشك ) محافظة على إمكان أداء الغرض بإنشاء النية لظهر الحال في وقتها ( ثم ) يأمر العامة ( بالإفطار إذا ذهب وقت ) إنشاء ( النية ) وهو عند مجيء الضحوة الكبرى ( ولم يتبين الحال ) حسما لمادة اعتقاد الزيادة ( ويصوم فيه ) أي يصومه نفلا ( المفتي والقاضي سرا لحديث السرار لئلا يتهم بالعصيان بارتكاب الصوم بما يروى " من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم " مخالفا لما أمر به من الفطر ( و ) يصومه أيضا سرا ( من كان من الخواص وهو من يتمكن من ضبط نفسه عن ) الإضجاع وهو ( الترديد في النية و ) عن ( ملاحظة كونه ) صائما ( عن الفرض ) إن كان من رمضان لحديث السرار وهو قوله صلى اللّه عليه وسلم لرجل " هل صمت من سرار شعبان " قال لا قال " فإذا أفطرت فصم يوما مكانه وسرار الشهر بالفتح والكسر آخره سمي به لاستتار القمر فيه لأنه لما كان معارضا ينهى التقدم بصيام يوم أو يومين حمل التقدم على نية الفرض وحديث السرار على استحبابه نفلا لأن المعنى الذي يعقل فيه ختم شعبان بالعبادة كما يستحب ذلك في كل شهر ( ومن رأى هلال رمضان ) وحده ( أو ) هلال ( الفطر وحده ورد قوله ) أي رده القاضي ( لزمه الصيام ) لقوله تعالى " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " وقد رآه ظاهر ولقوله صلى اللّه عليه وسلم " صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون " والناس لم يفطروا فوجب أن لا يفطر لا فرق بين كون السماء بعلة فلم يقبل لنفسه أو ردت بصحوها لانفراده وفيه إشارة إلى لزوم صيامه وإن لم يشهد عند القاضي ولا فرق بين كونه من عرض الناس أو الإمام فلا يأمر الناس بالصوم ولا بالفطر إذا رآه وحده ويصوم هو ( ولا يجوز له الفطر بتيقنه هلال شوال ) برؤيته منفردا لما روينا كذا في فتح القدير والتتارخانية عن المحيط والخلاصة وفي الجوهرة خلافه قال الإمام يأمرهم بالصوم برؤيته وحده ولا يصلي بهم العيد ولا يفطر لا سرا ولا جهرا اه . فأخذ بالاحتياط في المحني وفي الحجة قال صاحب الكتاب إذا استيقن بالهلال يخرج ويصلي العيد ويفطر لأنه ثابت بالشرع وقد تيقن كذا في التتارخانية ( وإن أفطر ) من رأى الهلال وحده ( في الوقتين ) رمضان وشوال ( قضى ) لما تلونا وروينا ( ولا كفارة عليه ) ولا على صديق للرائي إن شهد عنده بهلال الفطر وصدقه فأفطر لأنه يوم عيد عنده فيكون شبهة وبرد شهادته في رمضان صار مكذبا شرعا ( و ) بذلك لا كفارة عليه ( ولو كان فطره قبل ما رده القاضي في الصحيح ) لقيام الشبهة وهي قوله صلى اللّه عليه وسلم " الصوم يوم تصومون " وقيل تجب الكفارة فيهما للظاهر بين الناس في الفطر وللحقيقة التي عنده في رمضان ( وإذا كان بالسماء علة من غيم أو غبار ونحوه ) كضباب وندى ( قبل ) أي القاضي بمجلسه ( خبر واحد عدل ) هو الذي حسناته أكثر من سيئاته والعدالة مكملة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة ( أو ) خبر ( مستور ) هو مجهول الحال لم يظهر له فسق ولا عدالة يقبل قوله ( في الصحيح ) ويلزم العدل أن يشهد عند الحاكم في ليلة رؤيته كيلا يصبحوا مفطرين وللمخدرة أن تشهد بغير إذن وليها لأنه من فروض العين ( و ) يقبل خبره لو ( شهد على شهادة واحد مثله ) لأن العدد في الأصول ليس شرطا فكذا في الفروع ( و ) يقبل خبره و ( لو كان أنثى أو رقيقا أو محدودا في قذف ) وقد ( تاب ) في ظاهر الرواية إثباتا ( لرمضان ) لأنه أمر ديني وخبر العدل فيه مقبول فأشبه رواية الأخبار ( و ) لهذا ( لا يشترط لفظ الشهادة ولا ) تقدم ( الدعوى ) كما لا يشترطان في سائر الأخبار وأطلق القبول كما في الهداية وقال كان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل إنما يقبل شهادة الواحد إذا فسر فقال رأيته في وقت يدخل في السحاب ثم ينجلي لأن الرؤية في مثل هذا تتفق في زمان قليل فجاز أن ينفرد هو به أما بدون هذا التفسير لا تقبل لمكان التهمة اه . كذا في التجنيس ( تنبيه ) لما كان قول الحساب مختلفا فيه نظمه ابن وهبان فقال : وقول أولى التوقيت ليس بموجب وقيل نعم والبعض إن كان يكثر وقال ابن الشحنة بعد نقل الخلاف فإذن اتفق أصحاب أبي حنيفة إلا النادر والشافعي أنه لا اعتماد على قول المنجمين في هذا ( وشرط لهلال الفطر ) أي لثبوته وثبوت غيره من الأهلة ( إذا كان بالسماء علة ) لفظ ( الشهادة ) الحاصلة ( من حرين ) مسلمين مكلفين غير محدودين في قذف ( أو حر وحرتين ) لكن ( بلا ) اشتراط تقدم ( دعوى ) على الشهادة كعتق الأمة وطلاق الزوجة وإذا رأى الهلال في الرستاق وليس هناك وال ولا قاض فإن كان ثقة يصوم الناس بقوله والفطر إن أخبر عدلان برؤية الهلال وبالسماء علة لا بأس بأن يفطروا بلا دعوى ولا حكم للضرورة ( وإن لم يكن بالسماء علة فلا بد ) للثبوت ( من ) شهادة ( جمع عظيم لرمضان والفطر ) وغيرهما لأن المطلع متحد في ذلك المحل والموانع منتفية والأبصار سليمة والهمم في طلب رؤية الهلال مستقيمة فالتفرد في مثل هذه الحالة يوهم الغلط فوجب التوقف في رؤية القليل حتى يراه الجمع الكثير لا فرق في ظاهر الرواية بين أهل المصر ومن ورد من خارج المصر ( ومقدار ) عدد ( الجمع ) العظيم قيل أهل الحلة وعن أبي يوسف خمسون كالقسامة وعن خلف خمسمائة ببلخ قيل وقال البقالي الألف ببخاري قيل وقال الكمال الحق ما روي عن محمد وأبي يوسف أن العبرة لتواتر الخبر ومجيئه من كل جانب اه وفي التجنيس عن محمد أن أمر العقلة والكثرة ( مفوض إلى رأي الإمام ) وهو الصحيح وفي البرهان ( في الأصح ) لأن ذلك يختلف باختلاف الأوقات والأماكن وتتفاوت الناس صدقا ( وإذا تم العدد ) أي عدد رمضان ثلاثين ( بشهادة فرد ) برؤيته ( ولم ير هلال الفطر و ) ذلك و ( السماء مصحية لا يحل الفطر ) اتفاقا على ما ذكره شمس الأئمة ويعزر ذلك الشاهد كذا في الدرر وفي التجنيس إذا لم ير هلال شوال لا يفطرون حتى يصومون يوما آخر وقال الزيلعي والأشبه أن يقال إن كانت السماء مصحية لا يفطرون لظهور غلطه وإن كانت متغيمة يفطرون لعدم ظهور الغلط ( واختلف الترجيح ) في حل الفطر ( فيما إذا كان ) ثبوت رمضان ( بشهادة عدلين ) وتم العدد ولم ير هلال شوال مع الصحو صحح في الدراية والخلاصة والبزازية حل الفطر لأن شهادة الشاهدين إذا قبلت كانت بمنزلة العيان وفي مجموع النوازل لا يفطرون وصححه كذلك السيد الإمام الأجل ناصر الدين لأن عدم الرؤية مع الصحو دليل الغلط فتبطل شهادتهما ( ولا خلاف في حل الفطر إذا ) تم العدد لو ( كان في السماء علة و لو ) وصلية ( ثبت رمضان بشهادة الفرد ) العدل كالعدلين اتفاقا على التحقيق ( وهلال الأضحى ) في الحكم ( كالفطر ) فلا بد من نصاب الشهادة مع العلة والجمع العظيم مع الصحو على ظاهر الرواية وهو الأصح لما تعلق به من نفع العباد خلافا لما يروى عن أبي حنيفة أنه كهلال رمضان وهي رواية النوادر وصححها في التحفة والمذهب ظاهر الرواية ( ويشترط ) في الثبوت ( لبقية الأهلة ) إذا كان بالسماء علة ( شهادة رجلين عدلين أو ) شهادة ( حر وحرتين غير محدودين في قذف ) وإلا فجمع عظيم ( وإذا ثبت ) الهلال ( في ) بلدة و ( مطلع قطر ) ها ( لزم سائر الناس في ظاهر المذهب وعليه الفتوى ) وهو قول أكثر المشايخ فيلزم قضاء يوم على أهل بلدة صاموا تسعة وعشرين يوما لعموم الخطاب " صوموا لرؤيته " وقيل يختلف ثبوته باختلاف المطالع واختاره صاحب التجريد وغيره كما إذا زالت الشمس عند قوم وغربت عند غيرهم فالظهر على الأولين لا المغرب لعدم انعقاد السبب في حقهم ( تنبيه ) ثبوت رمضان وشوال بالدعوى بنحو وكالة معلقة به فينكر المدعى عليه فيشهد الشهود بالرؤية فيقضي عليه ويثبت مجيء رمضان ضمنا لأن إثبات مجيء الشهر مجردا لا يدخل تحت الحكم وإن لزم الصوم بمجرد الإخبار لا يشترط الإسلام في إخبار الجمع العظيم لأن التواتر لا يبالى فيه بكفر الناقلين فضلا عن فسقهم أو ضعفهم ذكره الكمال ( ولا عبرة برؤية الهلال نهارا سواء كان ) قد رؤي ( قبل الزوال أو ) رؤي ( بعده وهو الليلة المستقبلة ) لقوله صلى اللّه عليه وسلم " صوموا لرؤيته " الخ فوجب سيق الرؤية على الصوم والفطر والمفهوم المتبادر منه الرؤية عند عشية كل شهر عند الصحابة والتابعين ومن بعدهم ( في المختار ) من المذهب |