٣-٣ الجزء الثالث آراء العرب في الجاهليةبين العرب وغيرهم: قد ذكرنا في صدر هذا الكتاب: أن العرب والهند يتقاربان على مذهب واحد وأجملنا القول فيه حيث كانت المقاربة بين الفريقين والمقاربة بين الأمتين مقصورة على اعتبار خواص الأشياء والحكم بأحكام الماهيات والغالب عليهم الفطرة والطبع. وأن الروم والعجم يتقاربان على مذهب واحد حيث كانت المقاربة مقصورة على اعتبار كيفيات الأشياء والحكم بأحكام الطبائع والغالب عليهم الاكتساب والجهد. والآن نذكر أقاويل العرب في الجاهلية ونعقبها بذكر أقاويل الهند وبها نختم الكتاب. حكم البيت العتيق: وقبل أن نشرع في ذكر مذاهبهمم نريد أن نذكر حكم البيت العتيق حرسه اللّه تعالى ونصل بذلك حكم البوت المبنية في العالم فإن منها ما بني على الدين الحق قبلة للناس ومنها ما بني على الرأي الباطل فتنة للناس. وقد ورد في التنزيل: " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين ". وقد اختلفت الروايات في أول من بناه. قيل: إن آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض وقع إلى سرنديب من أرض الهند وكان يتردد في الأرض متحيراً بين فقدان زوجته ووجدان توبته حتى وافى حواء بجبل الرحمة من عرفات وعرفها وصار إلى أرض مكة ودعا وتضرع إلى اللّه تعالى حتى يأذن له في بناء بيت يكون قبلة لصلاته ومطافاً لعبادته كما كان قد عهد في السماء من البيت المعمور الذي هو مطاف الملائكة ومزار الروحانيين فأنزل اللّه تعالى عليه مثال ذلك البيت على شكل سرداق من نور فوضعه مكان البيت فكان يتوجه إليه ويطوف به. ثم لما توفي: تولى وصية شيث عليه السلام بناء البيت من الحجر والطين على الشكل المذكور حذو القذة بالقذة. ثم لما خرب ذلك بطوفان نوح عليه السلام وامتد الزمان حتى غيض الماء وقضى الأمر وانتهت النبوة إلى إبراهيم الخليل عليه السلام وحمله هاجر أم إسماعيل ابنه إلى الموضع المبارك وولادة إسماعيل عليه السلام هناك ونشوئه وتربيته ثمة وعود إبراهيم إليه واجتماعه به في بناء البيت وذلك قوله تعالى: " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل " فرفعا قواعد البيت على مقتضى إشارة الوحي مرعياً بينها جميع المناسبات التي بينها وبين الشرع الأخير وتقبل اللّه تعالى ذلك منهما وبقي الشرف والتعظيم إلى زماننا وإلى يوم القيامة: دلالة على حسن القبول. فاختلفت آراء العرب في ذلك. وأول من وضع فيه الأصنام عمرو بن لحي بن غالوثة بن عمرو بن عامر لما سار قومه إلى مكة واستولى على أمر البيت. ثم صار إلى مدينة البلقاء بالشام فرأى هناك قوماً يعبدون الأصنام فسألهم عنها فقالوا: هذه أرباب اتخذناها على شكل الهياكل العلوية والأشخاص البشرية: نستنصر بها فننصر ونستسقي بها فنسقي ونستشفى بها فنشفى. فأعجبه ذلك وطلب منهم صنماً من أصنامهم فدفعوا إليه هبل فسار به إلى مكة ووضعه في الكعبة وكان معه أساف ونائلة على شكل زوجين. فدعا الناس إلى تعظيمها والتقرب إليها والتوسل بها إلى اللّه تعالى وكان ذلك في أول ملك شابور ذي الأكتاف إلى أن أظهر اللّه تعالى الإسلام فأخرجت وأبطلت وبهذا يعرف كذب من قال: إن بيت اللّه الحرام إنما هو بيت زحل بناه الباني الأول على طوالع معلومة واتصالات مقبولة وسماه بيت زحل المعنى اقترن الدوام به بقاء والتعظيم له لقاء لأن زحل يدل على البقاء وطول العمر أكثر مما يدل عليه سائر الكواكب وهذا خطأ لأن الباني الأول كان مستنداً إلى الوحي على يدي أصحاب الوحي. البيوت المتخذة للعبادة: ثم إعلم أن البيوت تنقسم إلى بيوت الأصنام وإلى بيوت النيران. وقد ذكرنا المواضع التي كانت بيوت النيران ثم في مقالات المجوس فأما بيوت الأصنام التي كانت للعرب والهند فهي البيوت السبعة المعروفة المشهورة المبنية على السبع الكواكب. فمنها ما كانت فيه أصنام فحولت إلى النيران ومنها ما لم تحول. ولقد كان بين أصحاب الأصنام وبين أصحاب النيران مخالفات كثيرة والأمر دول فيما بينهم وكان كل من استولى وقهر غير البيت إلى مشاعر مذهبه ودينه. فمنها بيت فارس على رأس جبل بأصفهان على ثلاثة فراسخ كانت فيه أصنام إلى أن أخرجها كشتاسب الملك لما تمجس وجعله بيت نار ومنها البيت الذي بمولتان من أرض الهند فيه أصنام لم تغير ولم تبدل. ومنها بيت سدوسان من أرض الهند أيضاً وفيه أصنام كبيرة كثيرة العجب. والهند يأتون البيتين في أوقات من السنة حجاً وقصداً إليهما. ومنه النوبهار الذي بناه منوجهر بمدينة بلخ على اسم القمر فلما ظهر الإسلام خربه أهل بلخ. ومنها بيت غمدان الذي بمدينة صنعاء اليمن بناه الضحاك على اسم الزهرة وخربه عثمان بن عفان رضي اللّه عنه. ومنها بيت كاوسان بناه كاووس الملك بناء عجيباً على اسم الشمس بمدينة فرغانة وخربه المعتصم. أصناف العرب في الجاهلية: واعلم أن العرب أصناف شتى: فمنهم معطلة ومنهم محصلة نوع تحصيل. ٣-٣-١ الباب الأول وهم أصناف منكرو الخالق والبعث والإعادةفصنف منهم أنكروا الخالق ولبعث والإعادة وقالوا بالطبع المحيي والدهر المفني وهم الذين أخبر عنهم القرآن المجيد: " وقالوا: ما هي إلا حياتنا الدنيا: نموت ونحيا " إشارة إلى الطبائع المحسوسة في العالم السفلي وقصراً للحياة والموت على تركبها وتحللّها فالجامع هو الطبع والملك هو الدهر: " وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ". فاستدل عليهم بضرورات فكرية وآيات فطرية في كمآية وكم سورة ف قال تعالى: " أو لم يتفكروا بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين " " أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض " وقال: " أو لم يروا إلى ما خلق اللّه " وقال: " قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين " وقال: " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم " فأثبت الدلالة الضرورية من الخلق على الخالق وأنه قادر على الكمال ابتداء وإعادة. منكرو: البعث والإعادة وصنف منهم أقروا بالخالق وابتداء الخلق والإبداع وأنكروا البعث والإعادة وهم الذين أخبر عنهم القرآن: " وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال: من يحيي العظام وهي رميم " فاستدل عليهم بالنشأة الأولى إذ اعترفوا بالخلق الأول فقال عز وجل: " قل يحييها الذي أنشأها أول مرة " وقال: " افعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد! ". منكرو الرسل: عبّاد الأصنام وصنف منهم أقروا بالخالق وابتداء الخلق ونوع من الإعادة وأنكروا الرسل وعبدوا الأصنام وزعموا أنهم شفعاؤهم عند اللّه في الدار الآخرة وحجوا إليها ونحروا لها الهدايا وقربوا المقربين وتقربوا إليها بالمناسك والمشاعر. وأحلوا وحرموا وهم الدهماء من العرب إلا شرذمة منهم نذكرهم وهم الذين أخبر عنهم التنزيل: " وقالوا: ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ". إلى قوله: " إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً!. فاستدل عليهم بأن المرسلين كلهم كانوا كذلك قال اللّه تعالى: " وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ". شبهات العرب وشبهات العرب كانت مقصورة على هاتين الشبهتين: إحداهما إنكار البعث: بعث الأجسام والثانية جحد البعث: بعث الرسل. فعلى الأولى قالوا: " أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون إلى أمثالها من حياة ثم موت ثم نشر حديث خرافة يا أم عمرو ولبعضهم في مرثية أهل بدر من المشركين: فماذا بالقليب قليب بدر من الشيزي تكلل بالسنام يخبرنا الرسول: بأن سنيحاً و كيف حياة أصداء وهام! ومن العرب من يعتقد التناسخ فيقول: إذا مات الإنسان أو قتل اجتمع دم الدماغ وأجزاء بنيته فانتصب طيراً هامة فيرجع إلى رأس القبر كل مائة سنة. وعن هذا: أنكر عليهم الرسول عليه السلام فقال: لا هامة ولا عدوى ولا صفر. وأما الشبهة الثانية فكان إنكارهم لبعث لرسول صلى اللّه عليه وسلم في الصورة البشرية أشد وإصرارهم على ذلك أبلغ. وأخبر التنزيل عنهم بقوله تعالى: " وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا: أبعث اللّه بشراً رسولاً " أبشر يهدوننا ". فمن كان يعترف بالملائكة كان يريد أن يأتي ملك من السماء وقالوا: لولا أنزل عليه ملك ومن كان لا يعترف بهم كان يقول: الشفيع والوسيلة لنا إلى اللّه تعالى هم الأصنام المنصوبة إما الأمر والشريعة من اللّه تعالى إلينا فهو المنكر. أصنام العرب وميولهم: فيعبدون الأصنام التي هي وسائل وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً. وكان ود لكلب وهو بدومة الجندل وسواع لهذي وكانوا يحجون إليه وينحرون له ويغوث لذحج ولقبائل من اليمن ويعوق لهمدان ونسر لذي الكلاع بأرض حمير. وكانت اللات لثقيف بالطائف والعزي لقريش وجميع بني كنانة وقوم من بني سليم ومناة للأوس والخزرج وغسان. وهبل أعظم الأصنام عندهم وكان على ظهر الطعبة وأساف ونائلة على الصفا والمروة وضعهما عمر بن لحي وكان يذبح عليهما نجاة الكعبة وزعموا: أنهما كانا من جرهم: أساف بن عمرو ونائلة بنت سهل تعاسقا ففجرا الكعبة فمسخا حجرين وقيل: لا بل كانا صنمين جاء بهما عمرو بن لحي فوضعهما على الصفا. وكان لبني ملكان من كنانة صنم يقال له سعد وهو الذي يقول فيه قائلهم: أتينا إلى سعد ليجمع شملنا فشتتنا سعد فلا نحن من سعد وهل سعد إلا صخرة بتنوفة من الأرض لا يدعو لغي ة لا رشد وكانت العرب إذا لبت وهللت: قالت: لبيك اللّهم لبيك لبيك لاشريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ومن العرب من كان يميل إلى اليهودية ومنهم من كان يميل إلى النصرانية ومنهم من كان يصبو إلى الصابئة ويعتقد في الأنواء اعتقاد المنجمين في السيارات حتى لا يتحرك ولا يسكن ولا يسافر ولا يقيم إلا بنوء من الأنواء ويقول: مطرنا بنوء كذا ومنهم من كان يصبوا إلى الملائكة فيعبدهم بل كانوا يعبدون الجن ويتعقدون فيهم أنهم بنات اللّه. تعالى اللّه عن ذلك علواً كبيراً. ٣-٣-٢ الباب الثاني المحصلة من العرب علومهماعلم أن العرب في الجاهلية كانت على ثلاثة أنواع من العلوم: أحدها علم الأنساب والتواريخ والأديان ويعدونه نوعاً شريفاً خصوصاً معرفة أنساب أجداد النبي عليه الصلاة والسلام والإطلاع على ذلك النور الوارد من صلب إبراهيم إلى إسماعيل عليهما الصلاة وتواصله في ذريته إلى أن ظهر بعض الظهور في أسارير عبد المطلب: سيد الوادي: شيبة الحمد وسجد له الفيل الأعظم وعليه قصة أصحاب الفيل. وببركة ذلك النور: دفع اللّه تعالى شر أبرهة وأرسل عليهم طيراً أبابيل. وببركة ذلك النور: رأى تلك الرؤيا في تعريف موضع زمزم ووجدان الغزالة والسيوف التي دفنتها جرهم. وببركة ذلك النور: ألهم عبد المطلب النذر الذي نذر في ذبح العاشر من أولاده وبه افتخر النبي عليه الصلاة والسلام حين قال: أنا ابن الذبيحين: أراد بالذبيح الأول إسماعيل عليه السلام وهو أول من انحدر إليه النور فاختفى وبالذبيح الثاني عبد اللّه بن عبد المطلب وهو آخر من انحدر إليه النور فظهر كل الظهور. وببركة ذلك النور: كان عبد المطلب يأمر أولاده بترك الظلم والبغي. ويحثهم على مكارم الأخلاق وينهاهم عن دنيات الأمور. وببركة ذلك النور: كان قد سلم إليه النظر في حكومات العرب والحكم بين المتخاصمين فكان يوضع له وسادة عند الملتزم فيستند إلى الكعبة وينظر في حكومات القوم. وببركة ذلك النور: قال لأبرهة: إن لهذا البيت رباً يحفظه ويذب عنه وفيه قال وقد صعد إلى جبل أني قبيس: لا هم إن المرء يمنع حله فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم و محالهم عدواً محالك إن كنت تاركهم وكعبتنا فأمر ما بدا لك وببركة ذلك النور: كان يقول في وصاياه: إنه لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم اللّه منه وتصيبه عقوبة إلى أن هلك رجل ظلوم حتف أنفه لم تصبه عقوبة فقيل عبد المطلب في ذلك ففكر وقال: واللّه إن وراء هذه الدار دار يجزي فيها المحسن بإحسانه ويعاقب فيها المسيء بإساءته. ومما يدل على إثباته المبدأ والمعاد: أنه كان يضرب بالقداح على ابنه عبد اللّه ويقول: يا رب أنت الملك المحمود و أنت ربي المبدىء والمعيد من عندك الطارف والتليد ومما يدل على معرفته بحال الرسالة وشرف النبوة: أن أهل مكة لما اصابهم ذلك الجدب العظيم وأمسك السحاب عنهم سنتين أمر أبا طالب ابنه أن يحضر المصطفى محمداً صلى اللّه عليه وسلم فأحضره وهو رضيع في قماط فوضعه على يديه واستقبل الكعبة ورماه إلى السماء وقال: يا رب! بحق هذا الغلام ورماه ثانياً وثالثاً. وكان يقول: بحق هذا الغلام اسقنا غيثاً مغيثاً دائماً هطلاً فلم يلبث ساعة أن طبق السحاب وجه السماء وأمطر حتى خافوا على المسجد. وأنشد أبو طالب ذلك الشعر اللامي الذي منه: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل يطيف به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل و لا نسلمه حتى نصرع حوله ز نذهل عن أبنائنا والحلائل وقال العباس بن عبد المطلب في النبي عليه الصلاة والسلام: قصيدة منها: من قبلها طبت في الظلال وفي مستودع حين يخصف الورق ثم هبطت البلاد: لا بشر أنت ولا مضغة ولا علق بل نطفة تركب السفين وقد ألجم نسراً وأمهله الغرق تنقل من صلب إلى رحم إذا مضى عالم بدا طبق حتى احتوى بيتك المهيمن في خندف علياء تحتها النطق و أنت لما ظهرت أشرقت الأ رض وضاءت بورك الأفق فنحن في ذلك الضياء وفي النور وسبل الرشاد: نخترق وأما النوع الثاني من العلوم فهو علم الرؤيا وكان أبو بكر رضي اللّه عنه ممن يعبر الرؤيا في الجاهلية ويصيب فيرجعون إليه ويستخبرون عنه. وأما النوع الثالث فهو علم الأنواء وذلك مما يتولاه الكهنة والقافة منهم وعن هذا قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: " من قال: مطرنا بنوء كذا فقد كفر بما أنزل على محمد ". معتقداتهم وم العرب من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر وينتظر النبوة. وكانت لهم سنن وشرائع قد ذكرناها لأنها نوع تحصيل. فممن كان يعرف النور الظاهر والنسب الطاهر ويعتقد الدين الحنيفي وينتظر المقدم النبوي. زيد بن عمرو بن نفيل كان يسند ظهره إلى الكعبة ويقول: أيها الناس هلموا إلي فإنه لم يبق على دين إبراهيم أحد غيري. وسمع أمية بن أبي الصلت يوماً ينشد: كل دين يوم القيامة عند اللّه إلا دين الحنيفة: زور فقال له: صدقت. وقال زيد أيضاً: فلن تكون لنفس منك واقية يوم الحساب إذا ما يجمع البشر وممن كان يعتقد التوحيد ويؤمن بيوم الحساب: قس بن ساعدة الإيادي قال في مواعظه: كلا ورب الكعبة! ليعودون ما باد ولئن ذهب ليعودن يوماً. وقال أيضاً: كلا بل هو اللّه إله واحد ليس بمولود ولا والد أعاد وأبدى و إليه المآب غداً وأنشد في معنى الإعادة: يا باكي الموت والأموات في جدث عليهم من بقايا بزهم خرق حتى يجيئوا بحال غير حالهم خلق مضى ثم هذابعد ذا خلقوا منهم عراة ومنهم في ثيابهم منها الجديد ومنها الأزرق الخلق ومنهم: عامر بن الظرب العدواني وكان من شعراء العرب وخطبائهم وله وصية طويلة يقول في آخرها: ني ما رايت شيئاً قط خلق نفسه ولا رأيت موضوعاً إلا مصنوعاً ولا جاثياً إلا ذاهباً ولو كان يميت الناس الداء لأحياهم الدواء. ثم قال: إني أرى أموراً شتى وحتى قيل له: وما حتى قال: حتى يرجع الميت حياً ويعود لا شيء شيئاً ولذلك خلقت السموات والأرض فتولوا عنه ذاهبين وقال: ويل إنها نصيحة لو كان من يقبلها!. وكان عامر قد حرم الخمر على نفسه فيمن حرمها وقال فيها: إن أشرب الخمر أشربها للذتها و إن أدعها فإني ماقت قال لولا اللذاذة والقينات لم أرها و لا رأتني إلا من مدى عالي سآله للفتى ما ليس في يده ذهابه بعقول القوم والمال تورث القوم أضغاناً بلا إحن مزرية بالفتى ذي النجدة الحالي أقسمت باللّه: اسقيها وأشربها حتى يفرق ترب الأرض أوصالي وممن كان قد حرم الخمر في الجاهلية: قيس بن عاصم التميمي وصفوان ابن أمية بن محرث الكناني وعفيف بن معدي كرب الكندي وقالوا فيها أشعاراً. وقال الاسلوم اليالي وقد حرم الخمر والزنا على نفسه: سالمت قومي بعد طول مضاضة و السلم أبقى في الأمور وأعرف وتركت شرب الراح وهي أثيرة و المومسات وترك ذلك أشرف وعففت عنه يا أميم تكرماً وكذاك يفعل ذو الحجى المتعفف وممن كان يؤمن بالخالق تعالى وبخلق آدم عليه السلام: عبد لطابخة بن ثعلب ابن وبرة من قضاعة وقال فيه: وأدعوك يا ربي بما أنت أهله دعاء غريق قد تشبث بالعصم لأنك اهل الحمد والخير كله و ذو الطول لم تعجل بسخط ولم تلد وأنت الذي لم يحيه الدهر ثانياً و لم ير عبد منك في صالح وجم وأنت القديم الأول الماجد الذي تبدأت خلق الناس في أكثم العدم وأنت الذي أحللتني غيب ظلمة إلى ظلمة من صلب آدم في ظلم من هؤلاء النابغة الذبياني آمن بيوم الحساب فقال: فعلتهم: ذات الإله ودينهم قويم فما يرجون غير العواقب ز من هؤلاء زهير بن أبي سلمى المزني وكان يمر بالعصاة وقد أورقت بعد يبس فيقول: لولا أن تسبني العرب لآمنت أن الذي أحياك بعد يبس سيحيي العظام وهي رميم ثم آمن بعد ذلك وقال في قصيدته التي أولها أمن أم أوفى دمنة لم تكلم. وهي من السبعيات: يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ليوم حساب أو يعجل فينقم ومنهم علاف بن شهاب التيمي كان يؤمن باللّه تعالى وبيوم الحساب وفيه قال: ولقد شهدت الخصم يوم رفاعة فأخذت منه خطة المقتال وعلمت أن اللّه جاز عبده يوم الحساب بأحسن الأعمال وكان بعض العرب إذا حضره الموت يقول لولده: ادفنوا معي راحلتي حتى أحشر عليها فإن لم تفعلوا حشرت على رجلي. قال جريبة بن الأشيم الأسدي في الجاهلية وقد حضره الموت يوصي ابنه سعداً: يا سعد إما أهلكن فإنني أوصيك إن أخا الوصاة الأقرب لا تتركن أباك يعثر راجلاً في الحشر يصرع لليدين وينكب واحمل أباك على بعير صالح و ابغ المطية إنه هو أصوب وقال عمرو بن زيد بن المتمني يوصي ابنه عند موته: ابني! زودني إذا فارقتني في القبر راحلة برحل قاتر للبعث أركبها إذا قيل اظعنوا متساوقين معاً لحشر الحاشر من لا يوافيه على عشرائه فالخلق بين مدفع أو عاثر وكانوا يربطون الناقة معكوسة الرأس إلى مؤخرها مما يلي ظهرها أو مما يلي كأكلها وبطنها ويأخذون ولية فيشدون وسطها ويقلدونها عنق الناقة ويتركونها حتى تموت عند القبر ويسمون الناقة: بلية والخيط الذي تشد به: ولية. وقال بعضهم يشبه رجالاً في بلية: كالبلايا في أعناقها الولايا. سننهم التي وافقهم القرآن عليها وبعض عاداتهم قال محمد بن السائب الكلبي: كانت العرب في جاهليتها تحرم أشياء نزل القرآن بتحريمها. كانوا لا ينكحون الأمهات ولا البنات ولا الخالات ولا العمات. وكان أقبح ما يصنعون أن يجمع الرجل بين الأختين أو يختلف على امرأة أبيه وكانوا يسمون من فعل ذلك الضيرن قال: اوس بن حجر التميمي يعير قوماً من بني قيس بن ثعلبة تناوبوا على امرأة أبيهم ثلاثة واحداً بعد آخر: نيكوا فكيهة وامشوا حول قبتها مشي الزرافة في آباطها الحجف وكان أول من جمع بين الأختين من قريش أبو أحيحة سعيد بن العاص جمع بين هند وصفية ابنتي المغيرة بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم. قال: وكان الرجل من العرب إذا مات عن المرأة أو طلقها قام أكبر بنيه فإن كان له فيها حاجة طرح ثوبه عليها وإن لم يكن له فيها حاجة تزوجها بعض أخوته بمهر جديد قال: وكانوا يخطبون المرأة إلى أبيها أو إلى أخيه أو عمها أو بعض بني عمها. وكان يخطب الكفء إلى الكفء فإن كان أحدهما أشرف من الآخر في النسب رغب له في المال وإن كان هجيناً خطب إلى هجين فزوجه هجينة مثله ويقول الخاطب إذا أتاهم: أنعموا صباحاً ثم يقول نحن أكفاؤكم ونظراؤكم فإن زوجتمونا فقد أصبنا رغبة وأصبتموها وكنا لصهركم حامدين وإن رددتمونا لعلة نعرفها رجعنا عاذرين فإن كان قريب القرابة من قومه قال لها أبوها أو أخوها: إذا حملت إليه أيسرت وأذكرت ولا أنثت جعل اللّه منك عدداً وعزاً وحلباً. أحسني خلقك وأكرمي زوجك وليكن طيبك الماء. وإذا زوجت في غربة قال لها: لا أيسرت ز لا أذكرت فإنك تدنين البعداء وتلدين الأعداء. أحسني خلقك وتحببي إلى احمائك فإن لهم عيناً ناظرة إليك وأذناً سامعة. وكانوا يطلقون ثلاثاً على التفرقة قال عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما: أول من طلق ثلاثاً على التفرقة إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. وكان العرب يفعلون ذلك فيطلقها واحدة وهو أحق الناس بها حتى إذا استوفى الثلاث: انقطع السبيل عنها ومنه قول الأعشى: ميمون بن قيس حين تزوج امرأة فرغب قومها عنه فآتاه قومها فهددوه بالضرب أو يطلقها: أيا جارتي بيني فإنك طالقة كذاك أمور الناس غاد وطارقة قالوا: تنه فقال: وبيني فإن البين خير من العصا و أن لا ترى لي فوق رأسك بارقة قالوا: ثلث فقال: وبيني حصان الفرج غير ذميمة و موموقة قد كنت فينا ووامقة قال وكان أمر الجاهلية في نكاح النساء على أربع: رجل يخطب فيتزوج وامرأة يكون لها خليل يختلف إليها فإن ولدت قالت: هو لفلان فيتزوجها بعد هذا وامرأة يختلف إليها النفر وكلهم يواقعها في طهر واحد فإذا ولدت ألزمت الولد أحدهم وهذه تدعى المقسمة وامرأة ذات راية: يختلف إليها الكثير وكلهم يواقعها فإذا ولدت جمعوا لها القافة فيلحقون الولد بشبيهه. قال: وكانوا يحجون البيت ويعتمرون ويحرمون قال زهير: وكم بالقيان من محل ومحرم. ويطوفون بالبيت سبعاً ويمسحون بالحجر ويسعون بين الصفا والمروة قال أبو طالب: وأشواط بين المروتين إلى الصفا و ما فيهما من صورة وتخايل وكانوا يلبون إلا أن بعضهم كان يشرك في تلبيته في قوله: إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ويقفون المواقف كلها قال العدوي: فأقسم بالذي حجت قريش و موقف ذي الحجيج على اللآلي وكانوا يهدون الهدايا ويرمون الجمار ويحرمون الأشهر الحرم فلا يغزون ولا يقاتلون فيها. إلا طي وخثعم وبعض بني الحارث بن كعب: فإنهم كانوا لا يحجون ولا يعتمرون ولا يحرمون الأشهر الحرم ولا البلد الحرام. وإنما سمت قريش الحرب التي كانت بينها وبين غيرها: عام الفجار لأنها كانت في الأشهر الحرم حيث لا تقاتل فلما قاتلوا فيها قالوا: قد فجرنا فلذلك سموها: حرب الفجار. وكانوا يكرهون الظلم في الحرم وقالت امرأة منهم تنهي ابنها عن الظلم: ابني! لا تظلم بمكة لا الصغير ولا الكبير ابني! من يظلم بمكة يلق أطراف الشرور لبني! أمن طيرها و الوحش تامن في ثبير ومنهم من كان ينسىء الشهور وكانوا يكبسون في كل عامين شهراً وفي كل ثلاثة أعوام شهراً وكانوا إذا حجوا في شهر من السنة لم يخطئوا أن يجعلوا يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر كهيئة ذلك في شهر ذي الحجة حتى يكون يوم النحر اليوم العاشر من ذلك الشهر ويقيمون بمني فلا يبيعون في يوم عرفة ولا في أيام منى وفيهم أنزلت: " إنما النسيء زيادة في الكفر ". وكانوا إذا ذبحوا للأصنام لطخوها بدماء الهدايا يلتمسون بذلك الزيادة في أموالهم. وكان فصي بن كلاب ينهى عن عبادة غير اللّه من الأصنام وهو القائل: أباً واحداً أم ألف رب أدين إذا تقسمت الأمور تركت اللات والعزي جميعاً كذلك يفعل الرجل البصير فلا العزي أدين ولا أبنتيها و لا صنمي بني غنم أزور وقيل هي لزيد بن عمرو بن نفيل فلقي في ذلك من قريش شراً حتى أخرجوه عن الحرم فكان لا يدخله إلا ليلاً. وقال القلمس بن أمية الناني يخطب للعرب بفناء مكة: أطيعوني ترشدوا قالوا: وما ذاك! قال: إنكم قد تفرقتم بآلهة شتى وإني لأعلم ما اللّه راض به وإن اللّه رب هذه الآلهة وإنه ليجب قال: وكانوا يغتسلون من الجنابة ويغسلون موتاهم قال الأفوه الأودي ألا عللاني واعلما أنني غرر فما قلت ينجيني الشقاق ولا الحذر وما قلت يجديني ثيابي إذا بدت مفاصل أوصالي وقد شخص البصر وجاءوا بماء بارد يغسلونني فيالك من غسل سيتبعه غبر قال: وكانوا يكفنون موتاهم ويصلون عليهم وكانت صلاتهم: إذا مات الرجل حمل على سريره ثم يقوم وليه فيذكر محاسنه كلها ويثنى عليه ثم يدفن ثم يقول: عليك رحمة اللّه وبركاته. وقال رجل من كلب في الجاهلية لإبن ابن له: أعمرو إن هلكت وكنت حيا فإني مكثر لك في صلاتي وأجعل نصف مالي لابن سام حياتي إن حييت وفي مماتي قال: وكانوا يداومون على طهارات الفطرة التي ابلي بها غبراهيم عليه السلام وهي الكلمات العشر فإنهن: خمس في الرأس وخمس في الجسد. فأما اللواتي في الرأس: فالمضمضة والاستنشاق وقص الشارب والفرق والسواك. وأما اللواتي في الجسد: فالاستنجاء وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة والختان. فلما جاء الإسلام قررها سنة من السنن. وكانوا يقطعون يد السارق اليمنى إذا سق. وكانوا يوفون بالعهود ويكرمون الجار ويكرمون الضيف. قال حاتم الطائي: إلههم ربي وربي ألههم فأقسمت لا ارسو ولا اتعذر وقال أيضاً: لقد كان في البرايا الناس أسوة كأن لم يسق جحش بعير ولا حمر وكانوا أناساً موقنين بربهم بكل مكان فيهم: عابد بكر |