باب منه آخر في خروج الدجال و ما يجيء به من الفتن و الشبهات و سرعة سيره في الأرض و كم يلبث فيها ، و في نزول عيسى عليه السلام و نعته كم يكون في الأرض يومئذ من الصلحاء و في قتله الدجال و اليهود و خروج يأجوج و مأجوج و موتهم ، و في حج عيسى و تزويجه و مكثه في الأرض و أين يدفن إذامات صلّى اللّه عليه و سلم و قد تقدم من حديث حذيفة رضي اللّه عنه أن له جنة و ناراً فجنته نار و ناره جنة . أبو داود عن عمران بن حصين قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : من سمع بالدجال فلينأ عنه فواللّه إن الرجل ليأتيه و هو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات أو لما يبعث به من الشبهات . مسلم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : يخرج الدجال فيتوجه قبل رجال من المؤمنين فتلقاه المسالح مسالح الدجال فيقولون له : أين تعمد فيقول : أعمد إلى هذا الرجل الذي خرج فيقولون له : أو ما تؤمن بربنا فيقول ما بربنا حقاً ، فيقولون : اقتلوه فيقول بعضهم لبعض أليس ربكم قد نهاكم أن تقتلوا أحداً دونه ؟ قال : فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال : يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال : فيأمر به الدجال فيشج فيقول : خذوه و شجوه فيوجع ظهره و بطنه ضرباً قال : فيقول : أما تؤمن بي ؟ فيقول : أنت المسيح الكذب فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه قال : ثم يمشي بين القطعتين ثم يقول قم فيستوي قائماً فيقول له : أتؤمن بي ؟ فيقول : ما ازددت فيك إلا بصيرة ، ثم يقول : يا أيها الناس إنه يفعل بعدي بأحد من الناس قال : فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً فلا يستطيع إليه سبيلاً ، قال : فيأخذ بيديه و رجليه فيقذف به فيحسب الناس أنه إنما قذف به في النار و إنما ألقي به في الجنة . قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين . قال أبو إسحاق السبيعي يقال : إن هذا الرجل هو الخضر و في رواية : قال يأتي و هو محرم عليه أن يدخل المدينة فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقول : أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم حديثه فيقول الدجال : أرأيتم إن قتلت هذا أتشكون في الأمر ؟ فيقولون : لا . قال : فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه : و اللّه ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن قال : فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلطه اللّه عليه . خرجه البخاري. و عن أنس قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : ليس من بلد إلاسيطؤه الدجال إلا مكة و المدينة و ليس نقب من أنقابها إلا عليها الملائكة صافين يحرسونها فينزل بالسبخة فترجف ثلاث رجفات يخرج إليه كل كافر و منافق و في رواية : كل منافق و منافقة خرجه البخاري . و عن النواس بن سمعان الكلابي قال : ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم الدجال ذات غداة فخفض فيه و رفع حتى ظنناه في طائفة النخل ف قال : ما غير الدجال أخوفني عليكم أن يخرج و أنا منكم فأنا حجيجه دونكم ، و إن يخرج و لست فيكم فامرؤ حجيج نفسه و اللّه خليفتي على كل مسلم . إنه شاب قطط عيناه طافية كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فلقرأ عليه سورة الكهف إنه خارج حلة بين الشام و العراق فعاث يميناً و شمالاً يا عباد اللّه فاثبتوا قلنا : يا رسول اللّه و ما لبثه في الأرض ؟ قال : أربعون يوماً يوم كسنة و يوم كشهر و يوم كجمعة و سائر أيامه كأيامكم فقلنا : يا رسول اللّه فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا اقدروا له قدره . قلنا : يا رسول اللّه و ما إسراعه في الأرض ؟ قال : كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به و يستجيبون له قال : فيأمر السماء فتمطر و الأرض فتنبت و تروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا و أسبغة ضروعاً و أمده خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم و يمر بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ستهلل و جهه يضحك ، فبينا هو كذلك إذ بعث اللّه المسيح ابن مريم ، فنزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعاً كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر و إذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل بكافر يجد نفسه إلا مات و نفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله ، ثم يأتي عيسى عليه السلام قوم قد عصمهم اللّه منه فيمسح على وجوههم و يحدثهم بدرجاتهم في الجنة ، فبينما هو كذلك إذ أوحى اللّه إلى عيسى عليه السلام إني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد يقاتلهم فحرز عبادي إلى الطور ، و يبعث اللّه يأجوج و مأجوج و هم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها و يمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء و يحضر نبي اللّه عيسى و أصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم ، فيرغب نبي اللّه عيسى و أصحابه فيرسل اللّه النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ، ثم يهبط نبي اللّه عيسى و أصحابه إلى الأرض فلا يجدون موضع شبر إلا ملأه زهمهم و نتنهم فيرغب عيسى و أصحابه ، فيرسل اللّه طيراً كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء اللّه ، ثم يرسل اللّه مطراً لا يكون منه بيت مدر و لا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة ثم يقال للأرض : أنبتي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة و يستظلون بقحفها . و يبارك اللّه في الرسل أي اللبن حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس ، و اللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس ، و اللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس ، فبينما هم كذلك إذ بعث اللّه ريحاً طيباً فتأخذ بهم تحت آباطهم فيقبض روح كل مؤمن و كل مسلم و يبقى شرار الناس يتهارجون فيها كتهارج الحمر ، فعليهم تقوم الساعة . زاد في أخرى بعد قوله مرة ماء ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر و هو جبل بيت المقدس فيقولون : لقد قتلنا من في الأرض فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد اللّه عليهم نشابهم مخضوبة دماً أخرجه الترمذي في جامعه . و ذكر رمى يأجوج و مأجوج بنشابهم متصلة بالحديث . ف قال : ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل بيت المقدس فيقولون : لقد قتلنا من الأرض فهلم فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد اللّه عليهم نشابهم محمراً دماً و يحاصر عيسى بن مريم الحديث . و قال بدل قوله : فيطرحهم حيث شاء اللّه قال : فتحملهم فتطرحهم بالنهبل قال : و يستوقد المسلمون من قسيهم و نشابهم سبع سنين قال : ويرسل اللّه عليهم مطراً . الحديث إلى آخره في غير الترمذي فيطرحهم في المهيل و المهيل البحر الذي عند مطلع الشمس . و خرجه ابن ماجه في سننه أيضاً ، كما خرجه مسلم و لم يذكر الزيادة التي ذكرها مسلم متصلة و لا الترمذي متصلة من حديث النواس بن سمعان ، و إنما ذكرها من حديث أبي سعيد الخدري ، و سيأتي . و ذكر ما ذكره الترمذي ، فقال حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا يحيى بن حمزة قال : حدثنا ابن جابر عن يحيى بن جابر الطائي قال : حدثنا عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه أنه سمع النواس بن سمعان يقول قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : يستوقد المسلمون من قسي يأجوج و مأجوج و نشابهم و أترستهم سبع سنين . قال : و حدثنا علي بن محمد قال : حدثنا عبد الرحمن المجاربي ، عن إسماعيل بن رافع أبي رافع ، عن ابي عمر الشيباني زرعة عن أبي أمامة الباهلي قال خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فكان أكثر خطبته حديثاً حدثناه عن الدجال و حذرناه و كان من قوله أن قال : إنه لم يكن فتنة في الأرض منذ ذرأ اللّه تعالى آدم صلّى اللّه عليه و سلم أعظم من فتنة الدجال ، و إن اللّه عز و جل لم يبعث نبياً إلا حذر أمته الدجال ، و أنا آخر الأنبياء و أنتم آخر الأمم و هو خارج فيكم لا محالة ، فإن يخرج و أنا بين ظهرانيكم فأنا حجيج كل مسلم ، و إن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه و اللّه خليفتي على كل مسلم و إنه يخرج من حلة بين الشام و العراق ، فيعبث يميناً و يعبث شمالاً . يا عباد اللّه أيها الناس فاثبتوا فإن سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي إنه يبدو فيقول : أنا نبي اللّه . و لا نبي بعدي ثم يثني فيقول : أنا ربكم . و لا ترون ربكم حتى تموتوا و إنه أعور و إن ربكم ليس بأعور و أنه مكتوب بين عينيه : كافر يقرؤه كل مؤمن من كاتب و غير كاتب ، و إن من فتنته أن معه جنةً و ناراً ، فمن ابتلي بناره فليستعذ باللّه و ليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه برداً و سلاماً كما كانت النار على إبراهيم ، و إن فتنته أن يقول لأعرابي : أرأيت . إن أحييت لك أباك و أمك أتشهد أني ربك فيقول : نعم ، فيمثل له شيطانان في صورة أبيه و أمه فيقولان : يا بني اتبعه فإنه ربك ، و أن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها فينشرها بالمنشار حتى يلقى نصفين ثم يقول : انظروا إلى عبدي فإني أبعثه الآن ، ثم يزعم أنه له ربا غيري فيبعثه اللّه فيقول له الخبيث : من ربك ؟ فيقول : رب اللّه و أنت عدو اللّه أنت الدجال و اللّه ما كنت بعد أسد بصيرة بك مني اليوم . قال أبو الحسن الطنافسي : فحدثنا المحاربي قال : حدثنا عبد اللّه بن الوليد الرصافي ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ذلك الرجل أرفع أمتي درجة في الجنة قال : قال أبو سعيد ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب حتى مضى لسبيله . قال المحاربي : ثم رجعنا إلى حديث أبي رافع قال : و إن من فتننته أن يأمر السماء أن تمطر و يأمر الأرض أن تنبت فتنبت ، و إن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقوه فيأمر السماء أن تمطر فتمطر و يأمر الأرض أن تنبت فتنبت حتى تروح مواشيهم من بيوتهم ذلك أسمن ما كانت و أعظمه و أمده خواصر و أدره ضروعاً ، و أنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه و ظهر عليه إلا مكة و المدينة فإنه لا يأتي من نقب من أنقابها إلا لقيته الملائكة بالسيوف المصلتة حتى ينزل عند الظريب الأحمر عند منقطع السبخة ، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فلا بقى منافق و لا منافقة إلا خرج إليه ، فينفي الخبث منها كما ينفي الكير خبث الحديد و يدعى ذلك اليوم يوم الخلاص . فقالت أم شريك بنت أبي العسكر : يا رسول اللّه فأين العرب ؟ قال : هم قليل و جلهم ببيت المقدس وإمامهم رجل صالح قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى بن مريم عليه السلام ، فيرجع ذلك الإمام ينكص القهقرى ليتقدم عيسى يصلي بالناس فيضع عيسى عليه السلام يده على كتفه ثم يقول له : تقدم فصل فإنها لك أقيمت فيصلي بهم إمامهم فإذا انصرف قال عيسى عليه السلام افتحوا الباب فيفتح و وراءه الدجال و معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى و سلاح ، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء و انطلق هارباً ، و يقول عيسى عليه السلام : إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها فيدركه عند الباب اللد الشرقي فيضربه فيقتله فيهزم اللّه اليهود و لا يبقى شيء مما خلقه اللّه يتوارى به يهودي إلا أنطق اللّه ذلك الشيء و لا حجر و لا شجر و لا حائط و لا دابة إلا الغرقدة ، فإنها من شجرهم لا تنطق إلا قال يا عبد اللّه المسلم هذا يهودي فتعال فاقتله . قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و إن من أيامه أربعون سنة السنة كنصف سنة و السنة كالشهر و الشهر كالجمعة و آخر أيامه كالشررة يصبح أحدكم على باب المدينة فلا يبلغ بابها الآخر حتى يمسي . فقيل : يا رسول اللّه : كيف نصلي في تلك الأيام القصار ؟ قال : تقدرون فيها الصلاة كما تقدرونها في هذه الأيام الطوال ثم صلوا . قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : فيكون عيسى عليه السلام في أمتي حكماً و عدلاً و غماماً مقسطاً يدف الصلب و يذبح الخنزير و يضع الجزية و يترك الصدقة ، فلا يسعى على شاة و لا بعير و ترفع الشحناء و التباغض و ترفع حمة كل ذات حمة حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره و تغز الوليدة الأسد فلا يضرها ، و يكون الذئب في الغنم كأنه كلبها ، و تملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء ، و تكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلا اللّه و تضع الحرب أوزارها ، و تسلب قريش ملكها ، و تكون الأرض كفاثور الفضة تنبت نباتها بعهد آدم عليه السلام ، حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم و يجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم ، و يكون الثور بكذا و كذا من المال و تكون الفرس بالدريهمات . قيل يا رسول اللّه و ما يرخص الفرس ؟ قال : لا يركب الحرب أبداً فقيل له : يا رسول اللّه و ما يغلي الثور ؟ قال : تحرث الأرض كلها و إن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب بها الناس جوع شديد يأمر اللّه السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها ، و يأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها ، ثم يأمر اللّه السماء في الثانية فتحبس ثلثي مطرها و يأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها ، ثم يأمر اللّه السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تمطر قطرة و يأمر الأرض فتحبس نباتها فلا تنبت خضراً و لا يبقى ذات ظلف و لا ذات ضرس إلا هلكت إلا ما شاء اللّه فقيل : فما يعيش الناس في ذلك الزمان ؟ قال : التهليل و التكبير و التسبيح و التحميد و يجزي ذلك عنهم مجزى الطعام . قال ابن ماجه : سمعت أبا الحسن الطنافسي يقول : سمعت عبد الرحمن المحاربي يقول : ينبغي أن يرفع هذا الحديث للمؤدب حتى يعلمه للصبيان في المكتب . و في حديث أسماء بنت يزيد الأنصارية قالوا : يا رسول اللّه ذكرت الدجال فو اللّه إن أحدنا ليعجن عجينة فما يخبز حتى يخشى أن يفتن و أنت تقول : الأطعمة تزوي إليه فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يكفي المؤمن يومئذ ما يكفي الملائكة . فقالوا فإن الملائكة لا تأكل و لا تشرب و لكنها تقدس فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم طعام المؤمنين يومئذ بالتسبيح . و ذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن شهر حديث حوشب ، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت : قال يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في بيتي فذكر الدجال ف قال : إن بين يديه ثلاث سنين : سنة تمسك السماء ثلث مطرها و الأرض ثلث نباتها و الثانية تمسك السماء ثلثي قطرها و الأرض ثلثي نباتها ، و الثالثة تمسك السماء قطرها كله و الأرض نباتها كله ، فلا يبقى ذات ظلف و لا ذات ضرس من البهائم إلا هلكت و إن من أشد فتنته أنه يأتي لأعرابي فيقول : أرأيت إن أحييت لك أباك ألست تعلم أني ربك ؟ فيقول : بلى فيمثل الشيطان له نحو إبله كأحسن ما تكون ضروعاً و أعظمه سمنة قال : و يأتي الرجل مات أخوه و مات أبوه فيقول : أرأيت إن أحييت لك أخاك و أحييت لك أباك ألست تعلم أني ربك ؟ فيقول : بلى فيتمثل الشيطان نحو أبيه و أخيه . قالت : ثم خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لحاجته ثم رجع و القوم في اهتمام و غم مما حدثهم به قالت فأخذت بجنبتي الباب ف قال : مهيم يا أسماء قلت : يا رسول اللّه لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال قال : إن يخرج و أنا حي فأنا حجيجه و إلا فإن ربي خليفة على كل مؤمن قالت أسماء : فقلت يا رسول اللّه و إنا لنعجن عجيننا فما نخبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ ؟ قال يجزيهم ما يجزي أهل السماء من التسبيح و التقديس . و خرج مسلم و ابن ماجه عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : لينزلن ابن مريم حكماً عدلاً فليكسرن الصليب و ليقتلن الخنزير و ليضعن الجزية و ليتركن القلاص فلا يسعى عليها ، و ليذهبن الشحناء و التباغض و التحاسد و ليدعون الناس إلى المال فلا يقبله أحد . و عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : كيف أنتم إذا نزل عيسى بن مريم فيكم وإمامكم منكم و في رواية فأمكم منكم قال ابن أبي ذئب : تدري ما إمامكم منكم ؟ قلت تخبرني : قال : فأمكم بكتاب ربكم عز و جل و سنة نبيكم صلّى اللّه عليه و سلم قال و الذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بنفج من الروحاء حاجاً أو معتمراً أو ليثنينهما . و جاء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أنه قال : ليدركن المسيح بن مريم رجالاً من أمتي مثلكم أو خيراً منك يقول ذلك ثلاث مرات . ذكره ابن برجان في كتاب الارشاد له . و روي عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال : ينزل عيسى بن مريم على ثمانمائة رجل و أربعمائة امرأة خيار من على الأرض يومئذ و كصلحاء من مضى . وعن عبد اللّه بن عمرو عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال : ينزل عيسى بن مريم فيتزوج و يولد له ولد و يمكث خمساً و أربعين سنة و يدفن معي في قبري ، فأقوم أنا و عيسى من قبر واحد بين أبي بكر وعمر ذكره الميانشي أبو حفص و يقال : إنه يتزوج امرأة من العرب بعد ما يقتل الدجال و تلد له بنتاً فتموت ثم يموت هو بعد ما يعيش سنتين ذكره أبو الليث السمرقندي و خالفه كعب في هذا و أنه يولد له و لدان و سيأتي . و في حديث أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال : يمكث عيسى في الأرض بعد ما ينزل أربعين سنة ثم يموت و يصلي عليه المسلمون و يدفنونه ذكره أبو داود الطيالسي في مسنده قال حدثنا هشام عن قتادة عن عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة ، و بهذا السند عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى و دينهم واحد و أنا أولى بالناس بعيسى بن مريم ، لأنه لم يكن بيني و بينه نبي فإذا رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع إلى الحمرة و البياض بين ممصرتين كأن رأسه يقطر و لم يصبه بلل ، و أنه يقتل الخنزير و يكسر الصليب و يفيض المال حتى يهلك في زمانه الملك كلها غير الإسلام ، و حتى يهلك اللّه في زمانه مسيح الضلالة الأعور الكذاب ، و تقع الأمنة في الأرض حتى يرعى الأسد مع الإبل و النمر مع البقر و الذئب مع الغنم ، و يلعب الصبيان بالحيات فلا يضر بعضهم بعضاً يبقى في الأرض أربعين سنة ثم يموت و يصلي عليه المسلمون و يدفنونه و في بعض الروايات : أنه يمكث أربعاً و عشرين سنة . و في حديث عبد اللّه بن عمر : ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عدواة ثم يرسل اللّه ريحاً باردة من قبل الشام الحديث خرجه مسلم و قد تقدم بكماله ، و هذا يدل على أنه يمكث في الأرض سبع سنين و اللّه أعلم . و قال كعب الأحبار : إن عيسى عليه السلام يمكث في الأرض أربعين سنة و يكثر الخير على يديه ، و تنزل البركات في الأرزاق حتى إن العنبة ليأكل منها الرجل حاجته و يفضل ، و القطف من العنب يأكل منه الجمع الغفير و الخلق الكثير ، حتى إن الرمانة لتثقل الجمل ، و حتى إن الحي لعبر بالميت فيقول : قم فانظر ما أنزله اللّه من البركة ، و أن عيسى عليه السلام يتزوج بامرأة من آل فلان و يرزق منها و لدين فيسمى أحدهما محمد و الآخر موسى و يكون الناس معه على خير و في خير زمان و ذلك أربعين سنة ، ثم يقبض اللّه روح عيسى و يذوق الموت و يدفن إلى جانب النبي صلّى اللّه عليه و سلم في الحجرة و يموت خيار الأمة و يبقى شرارها في قلة من المؤمنين فذلك قوله عليه السلام : بدأ الإسلام غريباً و سيعود غريباً كما بدأ و قيل : إنه يدفن بالأرض المقدسة مدفن الأنبياء . فصل : ذهب قوم إلى أن بنزول عيسى عليه السلام يرتفع التكليف لئلا يكون رسولاً إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم عن اللّه تعالى و ينهاهم ، و هذا أمر مردود بالأخبار التي ذكرناه من حديث أبي هريرة و بقوله تعالى : و خاتم النبيين و قوله عليه الصلاة و السلام : لانبي بعدي و قوله و أنا العاقب يريد آخر الأنبياء و خاتمهم ، و إذا كان ذلك فلا يجوز أن يتوهم أن عيسى ينزل نبياً بشريعة متجددة وغير شريعة محمد نبينا صلّى اللّه عليه و سلم ، بل إذا نزل فإنه يكون يومئذ من أتباع محمد صلّى اللّه عليه و سلم كما أخبر صلّى اللّه عليه و سلم حيث قال لعمر : لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي . و قد روى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللّه يقول سمعت النبي صلّى اللّه عليه و سلم يقول : لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق إلى يوم القيامة قال : فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول أميرهم : تعالى صل بنا فيقول : لا إن بعضكم على بعض أمراء لكرامة اللّه لهذه الأمة خرجه مسلم في صحيحه و غيره . فعيسى عليه السلام إنما ينزل مقرراً لهذه الشريعة و مجدداً لها إذ هي آخر الشرائع ، و محمد صلّى اللّه عليه و سلم آخر الرسل فينزل حكماً مقسطاً و إذا صار حكماً فإنه سلطان يومئذ للمسلمين و لاإمام و لاقاضي و لامفتي قد قبض اللّه تعالى و خلا الناس منه ، فينزل و قد علم بأمر اللّه تعالى له في السماء قبل أن ينزل ما يحتاج إليه من علم هذه الشريعة للحكم به بين الناس و العمل به في نفسه ، فيجتمع المؤمنون عند ذلك إليه و يحكمونه على أنفسهم إذ لا أحد يصلح لذلك غيره ، و لأن تعطيل الحكم غير جائز . و أيضاً فإن بقاء الدنيا إنما يكون بمقتضى التكليف إلى أن لا يقال في الأرض اللّه اللّه على ما يأتي ، و هذا واضح . فصل فإن قيل : فما الحكمة في نزوله في ذلك الوقت دون غيره ؟ فالجواب عنه من ثلاثة أوجه : أحدها : يحتمل أن يكون ذلك لأن اليهود همت بقتله و صلبه و جرى أمرهم معه على ما بينه اللّه تعالى في كتابه و هم أبداً يدعون أنهم قتلوه و ينسبونه في السحر و غيره إلى ما كان اللّه يراه و نزهه منه ، و لقد ضرب اللّه عليهم الذلة فلم تقم لهم منذ أعز اللّه الإسلام و أظهره راية ، و لا كان لهم في بقعة من بقاع الأرض سلطان و لا قوة و لا شوكة ، و لا يزالون كذلك حتى تقرب الساعة فيظهر الدجال و هو أسحر السحرة و يبايعه اليهود فيكون يومئذ جندة مقدرين أنهم ينتقمون به من المسلمين فإذا صار أمرهم إلى هذا أنزل اللّه تعالى الذي عندهم أنهم قد قتلوه و أبرزه لهم و لغيرهم من المنافقين و المخالفين حياً و نصره على رئيسهم و كبيرهم المدعي الربوبية فقتله و هزم جنده من اليهود بمن معه من المؤمنين فلا يجدون يومئذ مهرباً و إن توارى أحد منهم بشجر أو حجر أو جدار ناداه : يا روح اللّه ها هنا يهودي حتى يوقف عليه . . فإما أن يسلم وإما أن يقتل ، و كذا كل كافر من كل صنف حتى لا يبقى على وجه الأرض كافر . و الوجه الثاني : و هو أنه يحتمل أن يكون إنزاله مدة لدنو أجله لا لقتال الدجال لأنه لا ينبغي لمخلوق من التراب أن يموت في السماء لكن أمره يجري على ما قال اللّه تعالى : منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى فينزله اللّه تعالى ليقبره في الأرض مدة يراه فيها من يقرب منه و يسمع به من نأى عنه ، ثم يقبضه فيتولى المؤمنون أمره و يصلون عليه و يدفن حيث دفن الأنبياء الذين أمه مريم من نسلهم و هي الأرض المقدسة ، فينشر إذا نشر معهم ، فهذا سبب إنزاله غير أنه يتفق في تلك الأيام من بلوغ الدجال باب لد . هذا ما وردت به الأخبار فإذا اتفق ذلك و كان الدجال قد بلغ من فتنته أنه ادعى الربوبية و لم ينتصب لقتاله أحد من المؤمنين لقلتهم كان هو أحق بالتوجه إليه و يجري قتله على يديه إذ كان ممن اصطفاه اللّه لرسالته ، و أنزل عليه كتابه و جعله و أمه آية ، فعلى هذا الوجه يكون الأمر بإنزاله لا أنه ينزل لقتال الدجال قصداً . و الوجه الثالث : أنه وجد في الإنجيل فضل أمة محمد صلّى اللّه عليه و سلم حسب ما قال و قوله الحق ذلك مثلهم في التوراة و مثلهم في الإنجيل فدعا اللّه عز و جل أن يجعله من أمة محمد صلّى اللّه عليه و سلم فاستجاب اللّه تعالى دعاءه و رفعه إلى السماء إلى أن ينزله آخر الزمان مجدداً لما درس من دين الإسلام دين محمد عليه الصلاة و السلام فوافق خروج الدجال فقتله . و لا يبد على هذا أن يقال : إن قتاله للدجال يجوز أن يكون من حيث إنه إذا حصل بين ظهراني الناس و هم مفتونون قد عم فرض الجهاد أعيانهم و هو أحدهم لزمه من هذا الفرض ما يلزم غيره ، فذلك يقوم به و ذلك داخل في اتباع نبينا محمد صلّى اللّه عليه و سلم ، و باللّه التوفيق . و اختلف حيث يدفن فقيل : بالأرض المقدسة ذكره الحليمي . و قيل : يدفن مع النبي صلّى اللّه عليه و سلم على ما ذكرناه في الأخبار . فصل في الاختلاف في لفظة المسيح حواري عيسى عليه السلام ـ إذا نزل و اختلف في لفظة المسيح على ثلاثة و عشرين قولاً ذكرها الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه مجمع البحرين و قال : لم أر من جمعها قبلي ممن رحل و جال و لقى الرجال . القول الأول : و هو مسيح بسكون السين و كسر الياء على وزن مفعل ، فأسكنت الياء و نقلت حركتها إلى السين لاستثقالهم الكسرة على الياء . القول الثاني : قال ابن عباس : كان لا يمسح ذا عامة إلا برىء ، و لا ميتاً إلا حيى فهو هنا من أبنية أسماء الفاعلين مسيح بمعنى ماسح . القول الثالث : قال إبراهيم النخعي المسيح : الصديق و قاله الأصمعي و ابن الأعرابي . القول الرابع : قال أبو عبيد : أظن هذه الكلمة [ هاما شيحا ] بالشين المعجمة فعربت إلى [ مسياً ] و كذلك تنطق به اليهود . القول الخامس : قال ابن عباس أيضاً في رواية عطاء عنه : سمي مسيحاً لأنه كان أمسح الرجل ليس لرجله أخمص ، و الأخمص ما لا يمس الأرض من باطن الرجل ، فإذا لم يكن للقدم أخمص قيل فيه قدم رحاء و رجل رحاء و رجل أرح و امرأة رحاء . القول السادس : قيل مسيحاً لأنه خرج من بطن أمه كأنه ممسوح بالدهن . القول السابع : قيل سمي مسيحاً لأنه مسح عند ولادته بالدهن . القول الثامن : قال الإمام أبو إسحاق الجواني في غريبه الكبير : هو اسم خصه اللّه تعالى به أو لمسح زكريا . القول التاسع : قيل : سمي بذلك لحسن وجهه إذ المسيح في اللغة الجميل الوجه . يقال على وجهه مسعة من جمال و حسن ، و منه ما يروى في الحديث الغريب الضعيف : يطلع عليكم من هذا الفج خير ذي يمن كأن على وجهه مسحة ملك . القول العاشر : المسيح في اللغة : قطع الفضة و كذلك المسيحة : القطعة من الفضة ، و كذلك كان المسيح بن مريم أبيض مشرب حمرة من الرجال عريض الصدر جعداً ، و الجعد ها هنا اجتماع الخلق و شدة الأسر . القول الحادي عشر : المسيح في اللغة : عرق الخيل : و أنشد اللغويون : إذا الجياد فضن بالمسيح . يعني العرق . ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي كعب : فلما رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ما قد غشيتني ضرب في صدري ففصدت عرقاً و كأني أنظر إلى اللّه عز و جل فرقاً ذكره الخطابي في شرحه بالصاد و الضاد . و أنشد العجاج : إذا الجياد فضن بالمسيح . يعني العرق . القول الثاني عشر : المسيح : الجماع يقال مسحها إذا جامعها . قاله المجمل لابن فارس . القول الثالث عشر : المسيح : السيف . قاله أبو عمرو المطرز . القول الرابع عشر : المسيح : المكاري . القول الخامس عشر : المسيح : الذي يمسح الأرض أي يقطعها . قاله الثقة اللغوي أبو العباس أحمد بن يحيى بن ثعلب ، و لذلك سمي عيسى مسيحاً كان تارة بالشام و تارة بمصر و تارة على سواحل البحر و في المهامة و القفار . و المسيح الدجال كذلك سمياً بذلك لجولانهما في الأرض . القول السادس عشر : ذكره بسنده إلى أبي الحسن القابسي ، و قد سأله الحافظ النقري أبو عمرو الداني : كيف يقرأ المسيح الدجال ؟ ف قال : بفتح الميم و تخفيف السين مثل المسيح بن مريم لأن عيسى عليه السلام مسح بالبركة و هذا مسحت عينه . قال أبو الحسن : و من الناس من يقرؤه بكسر الميم و تثقيل السين فيعرف بذلك و هو وجه . وإما أنا فلا أقرؤه إلا كما أخبرتك . قال ابن دحية : و حكى الأزهري أنه يقال : مسيح بالتشديد على وزن فعيل قال : فرقاً بينه و بين عيسى عليه السلام ، ثم أسند عن شيخه أبا القاسم بن بشكوال ، عن أبي عمران بن عبد الرحمن قال : سمعت الحافظ أبا عمر بن عبد البر يقول : و منهم من قال ذلك بالخاء عني المعجمة و ذلك كله عند أهل العلم خطأ لا فرق بينهما و كذلك ثبت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أنه نطق به و نقله الصحابة المبلغون عنه . و أنشد في ذلك أهل اللغة قول عبد اللّه بن قيس الرقيات : و قالوا : دع رقية و اجتنبها فقلت لهم : إذا خرج المسيح يريد إذا خرج الدجال هكذا فسره و لذلك ذكرناه . قال الراجز : إذا المسيح قتل المسيحا يعني عيسى بن مريم عليه السلام يقتل الدجال بنبزك . قرأته في المجلد الأول من شرح ألفاظ الغريب من الصحيح لمحمد بن إسماعيل تأليف القاضي الإمام المفتى أبي الأصبغ بن سهل . القول السابع عشر : قيل سمي الدجال مسيحاً ، لأن المسيح الذي لا عين له و لا حاجب . قال ابن فارس : و المسيح أحد شقي وجهه ممسوح لا عين له و لا حاجب ، و لذلك سمي الدجال مسيحاً ، ثم أسند عن حذيفة مستدلاً عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و أن الدجال ممسوح العين عليها ظفرة غليظة خرجه مسلم . القول الثامن عشر : : المسيح الكذاب : و هذا يختص به الدجال لأنه يكذب فيقول : أنا اللّه فهذا كذب البشر و لذلك خصه اللّه بالشوه و العار . القول التاسع عشر : المسيح : المارد و الخبيث و هو التمسيح أيضاً عن ابن فارس ، و يقال هو الكذاب و كذلك التمساح بألف . القول العشرون : قيل : الدجال : المسيح لسياحته وهو فعيل بمعنى فاعل ، و الفرق بين هذا و بين ما تقدم في الخامس عشر أن ذلك يختص بقطع الأرض و هذا بقطع جميع البلاد في أربعين ليلة أو مكة و المدينة . القول الحادي و العشرون : المسيح : الدرهم الأطلس بلا نقش . قاله ابن فارس و ذلك مطابق لصفة الأعور الدجال إذ أحد شقي وجهه ممسوح و هو أشوه الرجال . القول الثاني و العشرون : قال الحافظ أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة من تأليفه : سمي ابن مريم مسيحاً لأن اللّه مسح الذنوب عنه . القول الثالث و العشرون : قال الحافظ أبو نعيم في الكتاب المذكور : و قيل : سمي ابن مريم مسيحاً لأن جبريل عليه السلام مسحه بالبركة و هوقوله تعالى وجعلني مباركا أين ما كنت . فصل في بيان ما وقع في الحديث من الغريب قوله : فيشج أي يمد و الميشار ، مفعال من أيشرت و وشرت أشراً و وشراً ، و يقال منشار بالنون أيضاً و الوجهين في الحديث و هو مفعال أيضاً من نشرت . و قوله : فخفض و رفع بتخفيف الفاء أي أكثر من الكلام فيه ، فتارة يرفع صوته ليسمع من بعد ، و تارة يخفض ليستريح من تعب الإعلان ، و هذه حالة الكثر في الكلام و روي بتشديد الفاء على التضعيف . و التكثير . و قوله : إنه خارج محلة . يروي بالخاء المعجمة و بالحاء المهملة المهملة قاله الهروي ، و الخلة موضع حزن و ضجور و الحلة ما بين البلدين . و قال الحافظ ابن دحية : و رواه هامان و الحميدي حله بفتح الحاء المهملة و ضم اللام و كأنه يريد حلوله ، قال : و قرأت في أصل القطيعي من مسند الإمام أحمد بن حنبل و أنه يخرج حيله ، و لا أعلم روى ذلك أحد غيره ، و قد سقطت هذه اللفظة لأكثر رواة مسلم و بقي الكلام أنه خارج بين الشام و العراق . و جاء في حديث الترمذي أنه يخرج بخراسان ، و في الرواية الآخرى : من ناحية أصبهان من قرية تسمى اليهودية ، و في حديث ابن ماجه و مسلم بين الشام و العراق و وجه أم مبدأ خروجه من خراسان من ناحية أصبهان ، ثم يخرج إلى الحجاز فيما بين العراق و الشام ، و اللّه أعلم . و عاث بالعين المهملة و الثاء المثلثة و التنوين على أنه اسم فاعل ، و روى بفتح الثاء على أنه فعل ماض ، و وقع في حديث أبي أمامة على الفعل المستقبل و الكل بمعنى الفساد عادت يعيث عيثاً ، فهو عاث عثى يعثي ، عثلا يعثو لغتان ، و في التنزيل : و لا تعثوا في الأرض مفسدين . و قوله : يا عباد اللّه فاثبتوا . يعني على الإسلام يحذرهم من فتنته لأنه يأمر السماء فتمطر و الأرض فتنبت . و قوله : فاقدروا له قدره ، قال القاضي عياض : هذا حكم مخصوص بذلك اليوم شرعه لنا صاحب الشرع ، و لو وكلنا فيه لاجتهادنا لكانت الصلاة فيه عن الأوقات المعروفة في غيره من الأيام . قلت : و كذلك الأيام القصار الحكم فيها أيضاً ما حكمه صاحبه الشرع . و قد حمل بعض العلماء أن هذه الأيام الطوال ليست على ظاهرها ، و إنما هي محمولة على المعنى . أي يهجم عليكم غم عظيم لشدة البلاء و أيام البلاء طوال ، ثم يتناقص ذلك الغم في اليوم الثاني ثم يتناقص في اليوم الثالث ، ثم يعتاد البلاء كما يقول الرجل : اليوم عندي سنة و منه قولهم : و ليل المحب بلا آخر و قال آخر : و أيام لنا غير طوال عصينا الملك فيها أن ندينا و هذا القول يرده قولهم : أتكفنا فيه صلاة يوم و ليلة قال : لا ، اقدروا له قدره . و المعنى قدروا الأوقات للصلوات ، و كذلك لا التفات لطعنه في صحة هذه الألفاظ ، أعني قوله : أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا ، اقدروا له قدره ف قال : هذا عندنا من الدسائس التي كادنا بها ذوو الخلاف علينا ، و لو كان صحيحاً لاشتهر على ألسنة الرواة كحديث الدجال ، و لو كان لقوي اشتهاره و لكان أعظم و أفظع من طلوع الشمس من مغربها . و الجواب : أن هذه الألفاظ صحيحة حسب ما ذكره مسلم و حسبك به إماماً ، و قد ذكرها الترمذي من حديث النواس أيضاً و قال : حديث حسن صحيح ، و خرجها أبو داود أيضاً و ابن ماجه من حديث أبي أمامة ، و قاسم بن أصبغ من حديث جابر ، و هؤلاء أئمة أجلة من أئمة أهل الحديث ، و تطرق إدخال المخالفين الدسائس على أهل العلم و التحرز و الثقة بعيد لا يلتفت إليه لأنه يؤدي إلى القدح في أخبار الآحاد ، ثم إن ذلك في زمن خرق العادات و هذا منها . و قوله : ممحلين أي مجدبين ، و يروى : أزلين و المحل و الأزل و القحط و الجدب بمعنى واحد ، و يعاسيب النحل فحولهما ، و أحدهما يعسوب ، و قيل : امراؤها . و وجه التشبيه أن يعاسب النحل يتبع كل واحد منهم طائفة من النحل فتراها جماعات في تفرقة ، فالكنوز تتبع الدجال كذلك . و قوله : بين مهروتين أي بين شقي ثوب ، و الشقة نصف الملاءة أو في حلتين مأخوذ من الهرد بفتح الهاء و سكون الراء و هو الشق و القطع . قال ابن دريد : إنما سمي الشق هرداً للإفساد لا للإصلاح . و قال يعقوب : هرد القصار الثوب ، و هردته بالتاء و المثناة باثنتين من فوق إذا أحرقه و خرقه . و قال أكثرهم : في ثوبين مصبوغين بالصفرة و كأنه الذي صبغ بالهرديء و وقع في بعض الروايات بدل مهرودتين ممصرتين كذلك ، ذكره أبو داود الطيالسي من حديث أبي هريرة ، و الممصرة من الثياب هي المصبوغة بالصفرة . و الجمان ما استدار من اللؤلؤ و الدر شبه قطرات العرق بمستدير الجوهر و هو تشبيه واقع و ليست بالمشبعة . و قال ابن الأنباري : مهرودتان بدال مهملة و ذال معجمة معاً أي ممصرتين كما جاء في الحديث الآخر . و قال غيره : الهرود الذي يصبغ بالعروق التي يقال لها الهرد بضم الهاء ، و قال الهروي : هرد ثوبه بالهرد و هو صبغ يقال له العروق ، و قال القتبي : إن كان المحفوظ بالدال فهو مأخوذ من الهرد . و الهرد و الهرت : الشق و معناه بين شقين و الشقة نصف الملاءة و قال : و هذا عندي خطأ من النقلة ، و أراد مهرودتين أي صفراوين يقال : هرت العمامة ألبستها صفراً و كان الثلاثي منه هروت ، فخالف الجماعة من أهل اللغة فيما قالوه ، و قد خطأه ابن الأنباري و قال : إنما يقول العرب هريت الثوب لا هروت و لو كان من ذلك لقيل مهراة لا مهروة ، و اللغة نقل و رواية لا قياس ، و العرب إنما تجوز ذلك في العمامة خاصة لا في الشقة و لا يجوز قياس الشقة على العمامة . وإما رواية الذال المعجمة فهو إبدال من الدال المهملة فإن الذال و الدال قد يتعاقبان فيقال رجل مدل بالدال المهملة و مذل بالذال المعجمة إذا كان قيل اللحم خفي الشخص . و الجمان : ما استدار من اللؤلؤ و الدر شبه قطرات العرق بمستدير الجوهر ، و هو تشبيه حسن . و قوله : فحرز عبادي إلى الطور ، أي ارتحل بهم إلى جبل بحرزون فيه أنفسهم . و الطور : الجبل بالسريانية . قال الحافظ بن دحية : قيدناه في صحيح مسلم جوز بالجيم و الواو و الزاي كذا قيدناه في جامع الترمذي ، و قيدناه أيضاً حدر بدال مهملة ، فأما حرز فهو الذي رواه أكثرهم و صحح بعضهم رواية حدر و كلاهما صحيح ، لأن ما خير فقد أحرز و كذلك جوز بالجيم . وإما حدر بدال مهملة فمعناه أنزلهم إلى جهة الطور من حدرت الشيء فانحدر إذا أرسلته في صبب و حدر . و النغف : جمع نغفة و هي الدود الذي يكون في أنوف الإبل و الغنم . و فرسى أي هلكى و هو جمع فريس يعني مفروس مثل قتيل و قتلى و صريع و صرعى و أصله من فرس الذب الشاة و أفرسها أي قتلها كأن تلك النغف فرستهم . و يروى فيصحبون موتى . و الزهم : النتن . و البخت : إبل غلاظ الأعناق عظام الأجسام . و الزلفة : المصففة الممتلئة و الجمع زلف . قال ابن دحية : قيدناه في صحيح مسلم بالفاء و القاف و هو المرآة كذا فسره ابن عباس و قاله اللغويان : أبو زيد الأنصاري و أبو العباس الشيباني . و اللقحة : الناقة الحلوب . و الغيام : الجماعة من الناس . و الفخذ : دون القبيلة و فوق البطن . و الفاثور بالفاء : الخوان يتخذ من الرخام و نحوه . قال الأغلب العجيلي إذا نجلى فاثور عين الشمس يقال هم على فاتور واحد أي على مائدة واحدة منزلة واحدة و الفاثور أيضاً : موضع . قاله الجوهري . و اللّه أعلم . |