Geri

   

 

 

İleri

 

باب أمور تكون بين يدي الساعة

البخاري عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم

قال : لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة ، و حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول اللّه ، و حتى يقبض العلم و يكثر الزلازل و يتقارب الزمان و يظهر الفتن و يكثر الهرج و هو القتل ، و حتى يكثر فيكم المال فيفيض ، و حتى يهم رب المال من يقبل صدقته ، و حتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه لا أرب لي فيه ، و حتى يتطاول الناس في البنيان ، و حتى يمر الرجل يقبر الرجل فيقول : يا ليتني مكانه ، و حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس أجمعون فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً و لتقومن الساعة و قد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه و لا يطويانه ، و لتقومن الساعة و قد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه و لتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه ـ و لتقومن الساعة و قد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها.

فصل قال علماؤنا رحمة اللّه عليهم : هذه ثلاث عشرة علامة جمعها أبو هريرة في حديث واحد ، و لم يبق بعد هذا ما ينظر فيه من العلامات و الأشراط في عموم إنذار النبي صلّى اللّه عليه و سلم بفساد الزمان و تغيير الدين و ذهاب الأمانة ما يغني عن ذكر التفاصيل الباطلة و الأحاديث الكاذبة في أشراط الساعة . و من ذلك حديث ما رواه قتادة عن أنس بن مالك عن رسول اللّه : أن في سنة مائتين يكون كذا و كذا ، و في العشر و المائتين يكون كذا و كذا ، و في العشيرين كذا و في الثلاثين كذا ، و في الأربعين كذا ، و في الخمسين كذا ، و في الستين و المائتين تعتكف الشمس ساعة فيموت نصف الجنة و الإنس ، فهل كان هكذا و قد مضت هذه المدة ، و هذا شيء يعم و سائر الأمور التي ذكرت قد تكون في بلدة و تخلو منه أخرى ، فهذا عكوف الشمس لا يخلو منه أحد في شرق و لا غرب ، فإن كان المائتين من الهجرة فقد مضت ، و إن كان من موت النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقد مضت و أيضاً دلالة أخرى على أنه مفتعل أن التاريخ لم يكن على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ، و إنما وضعوه على عهد عمر رضي اللّه عنه ، فكيف يجوز هذا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أن يقال في سنة مائتين أو سنة عشرين و مائتين و لم يكن وضع شيء من التاريخ ؟ .

و كذلك ما روى عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم : إذا كانت سنة تسع و تسعين و خمس مائة يخرج المهدي في أمتي على خلاف من الناس يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً يرضى عنه ساكن السماء و ساكن الأرض ، و يفتح اللّه له كنوز الأرض ، و تنزل السماء قطرها ، و تخرج الأرض ثمرها ، و يزرع الزارع في الأرض صاعاً فيصيب مائة صاع ، و يذهب الغلاء و القحط و الجوع عن الناس ، و يجوز إلى الأندلس و يقيم فيها و يملكها تسع سنين ، و يستفتح فيها سبعين مدينة من مدائن الروم و يغنم رومية و كنيسة الذهب ، فيجد فيها تابوت السكينة و فيها غفارة عيسى و عصا موسى عليهما السلام ، فيكسرون العصا على أربعة أجزاء ، فإذا فعلوا ذلك رفع اللّه عنهم النصر و الظفر ، و يخرج عليهم ذو العرف في مائة ألف مقاتل بعد أن يتحالف الروم أنهم لا يرجعون أو يموتون ، فينهزم المسلمون حتى يأتوا سرقسطة البيضاء ، فيدخلوها بإن اللّه تعالى و يكرم اللّه من فيها بالشهادة و لا يكون للمسلمين بعد خراب سرقسطة سكنى و لا قرار بالأندلس ، و ينتهون إلى قرطبة فلا يجدون فيها أحداً لما أصاب الناس من شدة الفزع من الروم يهربون من الأندلس يريدن العدو ، فإذا اجتمعوا على ساحل البحر ازدحموا على المراكب فيموت منهم خلق كثير ، فينزل اللّه إليهم ملكاً في صورة إبل فينجو من نجا و غرق من غرق .

قلت : كل ما جاء في هذا الحديث المذكور في حديث حذيفة و غيره ، و إنما المنكر فيملك الروم و الأندلس إلى خروج الدجال .

و منه تعيين التاريخ و قد كان سنة و تسعين و خمسمائة و لم يكن شيء من ذلك ، بل كان بالأندلس تلك السنة وقعة الأرك التي أهلك اللّه فيها الروم ، و لم يزل المسملون في نعمة و سرور إلى سنة تسع و ستمائة فكانت فيها وقعة العقاب هلك فيها كثير من المسلمين ، و لم يزل المسلمون في تلك الوقعة بالأندلس يرجعون القهقرى إلى أن استولى عليهم العدو و غلبهم بالفتن الواقعة بينهم و التفصيل يطول ، ولم يبق الآن من الأندلس إلا اليسير ، فنعوذ باللّه من الفتن و الخذلان و المخالفة و العصيان و كثرة الظلم و الفساد و العدوان . و الذي ينبغي أن يقال به في هذا الباب أن ما أخبر به النبي صلّى اللّه عليه و سلم من الفتن و الكوائن أن ذلك يكون و تعيين الزمان في ذلك من سنة كذا و يحتاج إلى طريق صحيح يقطع العذر ، و إنما ذلك كوقت قيام الساعة فلا يعلم أحد أي سنة هي و لا أي شهر

إما أنها تكون في يوم جمعة في آخر ساعة منه و هي الساعة التي خلق فيها آدم عليه السلام ، و لكن أي جمعة لا يعلم تعيين ذلك اليوم إلا اللّه وحده لا شريك له ، و كذلك ما يكون من الأشراط تعيين الزمان لها لا يعلم ، و اللّه أعلم .

و قد سمعت من بعض أصحابنا : أنا ما وقع من التاريخ في حديث أبي سعيد الخدري إنما ذلك بعد المائة التي قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم إن يعيش هذا الغلام فعس هذا أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة . و في رواية : قال أنس ذلك الغلام من أترابي يومئذ .

خرجه مسلم .

و في حديث جابر

قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ما على الأرض نفس منفوسة يعني اليوم يأتي عليها مائة سنة .

قال أبو عيسى : هذا الحديث حسن صحيح .

و معلوم أن أنس توفي في عشر المائة بالبصرة ، فعلى هذا يكون سنة سبع و تسعين و ست مائة ، و هذا لم يجيء بعد ، فاللّه تعالى أعلم .

قال المؤلف رحمه اللّه : و بحديث أبي سعيد الخدري و ابن عمر و جابر استدل من قال إن الخضر ميت ليس بحي ، و قال الثعالبي في كتاب العرائس : و الخضر على جمع الأقوال نبي معمر محجوب عن الأبصار .

و ذكر عمرو بن دينار

قال : إن الخضر و إلياس لا يزالان يحييان في سورة ، فإذا رفع القرآن ماتا ، و هذا هو الصحيح في الباب على ما بيناه في سورة الكهف من كتاب جامع أحكام القرآن ، و الحمد اللّه .

فصل

وإما الثلاث عشرة خصلة : فقد ظهر أكثرها من ذلك قوله عليه الصلاة و السلام لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان دعواهما واحدة يريد فيه معاوية و علياً كرم اللّه وجهه بصفين ، و قد تقدم الإشارة إليهما قال القاضي أبو بكر بن العربي و هذا أول خطب طرق في الإسلام .

قلت : بل أول أمر دهم الإسلام موت النبي صلّى اللّه عليه و سلم ، ثم بعده موت عمر .

فبموت النبي صلّى اللّه عليه و سلم انقطع الوحي و ماتت النبوءة ، و كان أول أظهر الشر بارتداد العرب و غير ذلك ، و كان أول انقطاع الخير و أول نقصانه ، قال أبو سعيد : ما نقصنا أيدينا من التراب من قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم حتى أنكرنا قلوبنا .

و قال أبو بكر الصديق في أبيات يرثي بها النبي صلّى اللّه عليه و سلم :

فلتحدثن حوادث من بعده تعنى بهن جوانح و صدور

و قالت صفية بنت عبد المطلب في أبيات ترثى بها النبي صلّى اللّه عليه و سلم :

لعمرك ما أبكي النبي لفقده و لكن ما أخشى من الهرج آتيا

و بموت عمر سل سيف الفتنة و قتل عثمان ، و كان من قضاء اللّه و قدره ما يكون ، و كان على ما تقدم

و قوله : حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين .

الدجال ينطلق في اللغة على أوجه كثيرة يأتي ذكرها . أحدها الكذاب كما جاء في هذا الحديث .

و صحيح مسلم : يكون في آخر الزمان دجالون كذابون الحديث ، و لا يجمع ما كان على فعال جمع التكسير عند الجماهير من النحويين لئلا يذهب بناء المبالغة منه ، فلا يقال إلا دجالون ، كما قال عليه الصلاة و السلام و إن كان قد جاء مكسراً و هو شاذ أنشد سيبويه لابن مقبل :

إلا الإفادة فاستولت ركائبنا عند الجبابير بالبأساء و النقم

و قال مالك بن أنس في محمد بن إسحاق إنما هو دجال من الدجاجلة نحن أخرجناه من المدينة . قال عبد اللّه بن إدريس الأودي : و ما عرفت أن دجالاً يجمع على دجالة حتى سمعتها من مالك بن أنس .

و قوله : قريب من ثلاثين قد جاء عددهم معيناً في حديث حذيفة

قال : قال رسول اللّه : تكون في أمتي دجالون كذابون سبعة و عشرون . منهم أربع نسوة ، و أنا خاتم النبيين و لا نبي بعدي

خرجه أبو نعيم الحافظ و

قال : هذا حديث غريب تفرد به معاوية بن هشام ، و وجد في كتابه بخط أبيه حدث به أحمد بن حنبل عن علي بن المديني .

و قال القاضي عياض : هذا الحديث قد ظهر فلو عد من تنبأ من زمني النبي إلى الآن ممن أشهر بذلك و عرف و اتبعه جماعة على ضلالته ، لوجد هذا العدد فيهم و من طالع كتاب الأخبار و التواريخ عرف صحة هذا .

و قوله : حتى يقبض العلم ، فقد قبض العمل به و لم يبق إلا رسمه على ما يأتي بيانه .

و قوله : و تكثر الزلازل فقد ذكر أبو الفرج بن الجوزي أنه وقع منها بعراق العجم كثير ، و قد شاهدنا بعضها بالأندلس و سيأتي

و قوله : و يتقارب الزمان قيل : المعنى يتقارب أحوال أهله في قلة الدين حتى لا يكون فيهم من يأمر بالمعروف و لا ينهى عن المنكر ، كما هو اليوم لغلبة الفسق و ظهور أهله . و في الحديث : لا يزال الناس بخير ما تفاضلوا فإذا تساووا هلكوا يعني لا يزالون بخير ما كان فيهم أهل فضل و صلاح و خوف اللّه عز و جل يلجأ إليهم عند الشدائد و يستقسي بآرائهم و يتبرك بدعائهم و آثارهم ،

و قيل : غير هذا حسب ما تقدم في باب لا يأتي زمان إلا و الذي بعده شر منه .

و قوله : حتى يكثر فيكم المال فيفيض و حتى يهم رب المال من يقبل صدقته هذا مما لم يقع بل يكون على ما يأتي و رب مفعول يهم و من يقبل فاعل يهم .

يقال : أهمني ذلك الأمر أحزنني و أقلقني وهمه يهمه إذا بالغ في ذلك

و قوله : حتى يتطاول الناس في البنيان هذا مشاهد في الوجوه مشاهدته تغني عن الكلام فيه .

و قوله : حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه . ذلك لما يرى من عظيم البلاء و ربح الأعداء و غبن الأولياء و رئاسة الجهلاء و خمول العلماء و استيلاء الباطل في الأحكام ، و عموم الظلم و الجهر بالمعاصي و استيلاء الحرام على أموال الخلق و التحكم في الأبدان و الأموال و الأعراض بغير حق ، كما في هذا الزمان ، و قد تقدم أول الكتاب حديث أبي عيسى الغفاري عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم بادروا بالأعمال ستاً . الحديث .

و روى الأعمش سليمان بن مهران ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي نضرة ، عن عبد اللّه بن الصامت

قال : قال أبو ذر رضي اللّه عنه : يوشك أن يأتي على الناس زمان يغبط فيه خفيف الحاذ كما يغبط اليوم أبو عشرة ، و يغبط الرجل باختفائه عن السلطان و جفائه عنه كما يغبط اليوم بمعرفته إياه و كرامته عليه ، و حتى تمر الجنازة في السوق على الجماعة فينظر إليها الرجل تهتز بهذا رأسه ، فيقول يا ليتني مكان هذا . قال قلت يا أبا ذر : و إن ذلك من أمر عظيم ؟

قال : يا ابن أخي عظيم عظيم .

قلت : هذا هو ذلك الزمان الذي قد استولى فيه الباطل على الحق ، و تغلب فيه العبيد على الأحرار من الخلق ، فباعوا الأحكام و رضي بذلك منهم الحكام ، فصار الحكم مكساً و الحق عكساً لا يوصل إليه و لا يقدر عليه . بدلوا دين اللّه و غيروا حكم اللّه سماعون للكذب أكالون للسحت و من لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون و الظالمون و الفاسقون في الكفار خاصة كلها ، و قيل عامة . فيمن بدل حكم اللّه و غيره قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر و ذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول اللّه : اليهود و النصاري ؟

قال : فمن .

و لقد أحسن ابن المبارك حيث يقول في أبيات له :

و هل أفسد الدين إلا الملوك و أخبار سوء و رهبانها

و قوله : حتى تطلع الشمس من مغربها إلى آخره يأتي القول فيه إن شاء اللّه تعالى و اللقحة : الناقة العزيزة اللبن ، و يليط يصلح .

يقال : لاط حوضه يليط و يلوط ليطاً و لوطاً إذا لطخه بالطين و أصلحه ، و الأكلة بضم الهمزة اللقمة فإذا كانت بمعنى المرة الواحدة فهي بالفتح لأنها مصدر ، و هي المرة الواحدة من الأكل كالضربة من الضرب ، فأخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أن يعاجله من أمر الساعة ما يمنع من تمام فعله ، و اقترب من ذلك رفع الأكلة و هي اللقمة إلى فيه فتقوم الساعة دون بلوغها إليه ، و كذلك القول في المتتابعين من نشر الثوب و طبه ، فاعلمه .