باب معرفة المشفوع فيهم بأثر السجود و بياض الوجوه قد تقدم من حديث أبي سعيد الخدري أن المؤمنين يقولون : ربنا إخواننا كانوا يصومون معنا و يصلون و يحجون أدخلتهم النار ، فيقول لهم : اذهبوا فمن عرفتم أخرجوه . و ذكر الحديث . و خرج مسلم من حديث أبي هريرة ، عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم و فيه بعد قوله منهم المجازى حتى ينجى إذا فرغ اللّه من القضاء بين العباد و أراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك باللّه شيئاً ممن أراد اللّه أن يرحمه ممن يقول لا إله إلا اللّه ، فيعرفونهم في النار بأثر السجود تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود ، و حرم اللّه على النار أن تأكل آثر السجود ، فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون منه كما تنبت الحبة في حميل السيل و ذكر الحديث . و خرج عن جابر قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : إن قوماً يخرجون من النار يحترقون فيها إلا درات وجوههم حتى يدخلوا الجنة . فصل : هذا الحديث أدل دليل على أن أهل الكبائر من أمة محمد صلّى اللّه عليه و سلم لا تسود لهم وجوه ، و لا تزرق لهم أعين ، و لايغلون بخلاف الكفار ، و قد جاء هذا المعنى منصوصاً في حديث أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : إنما الشفاعة يوم القيامة لمن عمل الكبائر من أمتي ثم ماتوا عليها ، فهم في الباب الأول من جهنم لا تسود وجوههم و لا تزرق أعينهم و لا يغلون بالأغلال و لا يقرنون بالشياطين ، و لا يضربون بالمقامع و لا يطرحون في الأدراك ، منهم من يمكث فيها ساعة ثم يخرج ، و منهم من يمكث فيها يوماً ثم يخرج ، و منهم من يمكث فيها شهراً ثم يخرج ، و منهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج ، و أكثرهم مكثاً فيها مثل الدنيا منذ خلقت إلى يوم أفنيت ، و ذلك سبعة آلاف سنة الحديث بطوله و سيأتي تمامه إن شاء اللّه تعالى ، خرجه الترمذي في نوادر الأصول . و قال أبو حامد في كتاب كشف علوم الآخرة إنه يؤتى بأهل الكبائر من أمة محمد صلّى اللّه عليه و سلم شيوخاً و عجائز و كهولاً و نساء و شباباً ، فإذا نظر إليهم مالك خازن النار ، قال : من أنتم معشر الأشقياء ما لي أرى أيديكم لا تغل ، و لم توضع عليكم الأغلال و السلاسل و لم تسود وجوهكم و ما ورد علي أحسن منكم ، فيقولون : يا مالك نحن أشقياء أمة محمد صلّى اللّه عليه و سلم دعنا نبكي على ذنوبنا . فيقول لهم : ابكوا فلن ينفعكم البكاء . فكم من شيخ وضع يده على لحيته و يقول : وا شيبتاه وا طول حسرتاه وا ضعف قوتاه ، و كم من كهل ينادي وا مصيبتاه وأطول مقاماه . و كم من شاب ينادي وا أسفاه وا شباباه على تغيير حسناه ، و كم من امرأة قد قبضت على ناصيتها و شعرها و هي تنادي وا سوأتاه واهتك أستارها ، فيبكون ألف عام ، فإذا النداء من قبل اللّه : يا مالك أدخلهم النار في أول باب منها ، فإذا همت النار أن تأخذهم فيقولون بجمعهم : لا إله إلا اللّه فتنفر عنهم النار خمسمائة عام ، ثم يأخذون في البكاء فتشتد أصواتهم ، و إذا النداء من قبل اللّه تعالى : يا نار خذيهم ، يا مالك أدخلهم الباب الأول من النار ، فعند ذلك يسمع لها صلصلة كالرعد القاصف ، فإذا همت النار أن تحرق القلوب زجرها مالك و جعل يقول : لا تحرقي قلباً فيه القرآن ، و كان وعاء الإيمان ، فإذا بالزبانية قد جاءوا بالحميم ليصبوه في بطونهم فيزجرهم مالك ، فبقول : لا تدخلوا الحميم بطوناً أخمصها رمضان ، و لا تحرق النار جباهاً سجدت للّه تعالى ، فيعودون فيها حمماً كالغاسق المحلو لك و الإيمان يتلألأ في القلوب . و سيأتي لهذا مزيد بيان في آخر أبواب النار ، نجانا اللّه منها و لا يجعلنا ممن يدخلها فيحترق فيها . فصل : قوله : إذا فرغ اللّه مشكل و في التنزيل : سنفرغ لكم أيها الثقلان و معناه المبالغة في التهديد و الوعيد من عند اللّه تعالى لعباده كقول القائل سأفرغ لك و إن لم يكن مشغولاً عنه بشغل و ليس باللّه تعالى شغل ، تعالى عن ذلك . و قيل : المعنى : سنقصد لمجازاتكم و عقوبتكم كما يقول القائل لمن يريد تهديده : إذاً أتفرغ لك أي أقصد قصدك . و فرغ بمعنى قصد و أحكم . قال جرير بن نمير الجعفي : الآن و قد فرغت إلى نمير فهذا حين كنت لها عذابا يريد ؟ و قد قصدت نحوه فمعنى فرغ اللّه من القضاء بين العباد . أي تمم عليهم حسابهم و فصل بينهم لأنه لا يشغلهم شأن عن شأن سبحانه و تعالى . |