باب كيف الجواز على الصراط و صفته و من يحبس عليه و يزل عنه ، و في شفقة النبي صلّى اللّه عليه و سلم على أمته عند ذلك ، و في ذكر القناطر قبله و السؤال عليها و بيان قوله تعالى : و إن منكم إلا واردها روي عن بعض أهل العلم أنه قال : لن يجوز أحد الصراط حتى يسأل في سبع قناطر ، أما القنطرة الأولى : فيسأل عن الإيمان باللّه ، و هي شهادة أن لا إله إلا اللّه ، فإن أجاز بها مخلصاً ، و الإخلاص قول و عمل جاز ، ثم يسأل على القنطرة الثانية عن الصلاة ، فإن جاؤ بها تامة جاز ، ثم يسأل على القنطرة الثالثة عن صوم شهر رمضان ، فإن جاء به تاماً جاز ، ثم يسأل على القنطرة الرابعة عن الزكاة فإن جاء بها تامة جاز ، ثم يسأل في الخامسة عن الحج و العمرة فإن جاء بهما تامتين جاز ، ثم يسأل في القنطرة السادسة عن الغسل و الوضوء فإن جاء بهما تأمين جاز ، ثم يسأل في السابعة و ليس في القناطر أصعب منها فيسأل عن ظلامات الناس . و ذكره أبو حامد في كتاب كشف علم الآخرة : أنه إذا لم يبق في الموقف إلا المؤمنون و المسلمون و المحسنون و العارفون و الصديقون و الشهداء و الصالحون و المرسلون ليس فيهم مرتاب و لا منافق و لا زنديق فيقول اللّه تعالى : يا أهل الموقف من ربكم ؟ فيقولون : اللّه ، فيقول لهم : أتعرفونه ؟ فيقولون : نعم . فيتجلى لهم ملك عن يسار العرش ، لو جعلت البحار السبع في نقره إبهامه لما ظهرت ، فيقول لهم بأمر اللّه : أنا ربكم . فيقولون : نعوذ باللّه منك ، فيتجلى لهم ملك عن يمين العرش لو جعلت البحار الأربعة عشر في نقرة إبهامه لما ظهرت فيقول لهم أنا ربكم : فيقولون : نعوذ باللّه منك ، فيتجلى لهم الرب سبحانه في صورة غير صورته التي كانوا يعرفونه ، و سمعوا و هو يضحك فيسجدون له جميعهم ، فيقول : أهلا بكم ثم ينطلق بهم سبحانه إلى الجنة فيتبعونه فيمر بهم على الصراط . و الناس أفواج : المرسلون ، ثم النبيون ، ثم الصديقون ، ثم الشهداء ، ثم المؤمنون ، ثم العارفون ، ثم المسلمون . منهم المكبوب لوجهه ، و منهم المحبوس في الأعراف ، و منهم قوم قصروا عن تمام الإيمان . فمنهم من يجوز الصراط مائة عام ، و آخر يجوز على ألف ، و مع ذلك كله لن تحرق النار من رأى ربه عياناً لا يضام في رؤيته . فتوهم نفسك يا أخي إذا صرت على الصراط و نظرت إلى جهنم تحتك سوداء مظلمة قد لظى سعيرها و علا لهيبها و أنت تمشي أحياناً و تزحف أخرى ، قال : أبت نفسي تتوب فما احتيالي إذا برز العباد لذي الجلال و قاموا من قبورهم سكارى بأوزار كأمثال الجبال و قد نصب الصراط لكي يجوزوا فمنهم من يكب على الشمال و منهم من يسير لدار عدن تلقاه العرائس بالغوالي يقول له المهمين يا وليي غفرت لك الذنوب فلا تبالي و قال آخر : إذا مد الصراط على جحيم تصول على العصاة و تستطيل فقوم في الجحيم لهم ثبور و قوم في الجنان لهم مقيل و بان الحق و انكشف الغطاء و طال الويل و اتصل العويل و ذكر مسلم من حديث أبي هريرة فيأتون محمداً صلّى اللّه عليه و سلم فيؤذن لهم و ترسل الأمانة و الرحم فيقومان جنبتي الصراط يميناً و شمالاً فيمر أولهم كالبرق الخاطف . قال : قلت بأبي أنت و أمي و أي شيء كمر البرق ؟ قال : ألم تر إلى البرق كيف يمر و يرجع في طرفة عين ؟ ثم كمر الريح ، ثم كمر الطير و شد الرجال تجري بهم أعمالهم و نبيكم صلّى اللّه عليه و سلم قائم على الصراط يقول : رب سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء الرجل و لا يستطيع السير إلا زاحفاً . قال : و في حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أموت بأخذه فمخدوش ناج ، و مكردس في النار ، و الذي نفس محمد بيده : إن قعر جهنم لسبعون خريفاً ؟ و روي من حديث حذيفة أيضاً . و ذكر مسلم أيضاً من حديث أبي سعيد الخدري و فيه: ثم يضرب الجسر على جهنم و تحل الشفاعة و يقولون : اللّهم سلم سلم قيل : يا رسول اللّه ، و ما الجسر ؟ قال : دحض مزلة فيه خطاطيف و كلاليب و حسكة تكون بنجد فيها شوكة يقال لها السعدان : فيمر المؤمنون كطرف العين و كالبرق و كالريح و كالطير و كأجاويد الخيل و الركاب فناج مسلم و مخدوش مرسل و مكردس في نار جهنم الحديث و سيأتي بتمامه إن شاء اللّه تعالى . و في رواية قال أبو سعيد الخدري : بلغني أن الجسر أدق من الشعر وأحد من السيف و في رواية أرق من الشعر رواها مسلم . و خرج ابن ماجه حديث أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول : يوضع الصراط بينم ظهراني جهنم على حسك كحسك السعدان ، ثم يستجيز الناس فناج مسلم و مخدوج به ثم ناج و محتبس به و منكوس فيها . و ذكر ابن المبارك قال : حدثنا هشام بن حسان ، عن موسى ، عن أنس عن عبيد بن عمير [ أن الصراط مثل السيف على جسر جهنم و أن لجنبتيه كلاليب و حسكا ، و الذي نفسي بيده إنه ليؤخذ بالكلوب الواحد أكثر من ربيعة و مضر ] . و أخبرنا رشدين بن سعد ، عن عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال قال : [ بلغنا أن الصراط يوم القيامة يكون على بعض الناس أدق من الشعر و على بعض الناس مثل الوادي الواسع ] أعمل. قال : و أخبرنا عوف عن عبد بن سفيان العقيلي قال : [ يجوز الناس يوم القيامة على الصراط على قدر إيمانهم و أعمالهم ، فيجوز الرجل كالطرف في السرعة و كالسهم المرمى و كالطائر السريع الطيران و كالفرس الجواد المضمر و يجوز الرجل يعدو عدواً ، و الرجل يمشي مشياً حتى سكون آخر من ينجو يحبو حبواً ] . و ذكر هناد بن السري ، حدثنا عبد اللّه بن نمير ، حدثنا سفيان ، حدثنا سلمة بن كهيل عن أبي الزعفراء قال : قال عبد اللّه [ يأمر اللّه بالصراط فيضرب على جهنم ] . قال : [ فيمر الناس على قدر أعمالهم . أولهم كلمح البرق ، ثم كمر الريح ، ثم كأسرع البهائم ، ثم كذلك حتى يمر الرجل سعياً و حتى يمر الرجل ماشياً ، ثم يكون آخرهم يتلبط على بطنه يقول يا رب لم أبطأت بي ؟ فيقول : لم أبطئ بك إنما أبطأ بك عملك ] . قال : و حدثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن قتادة قال : قال عبد اللّه ابن مسعود : [ تجوزون الصراط بعفو اللّه و تدخلون الجنة برحمة اللّه و تقتسمون المنازل بأعمالكم ] . أبو داود ، عن معاذ بن أنس الجهني ، عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال : من حمى مؤمناً من منافق أراه قال : بعث اللّه ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ، و من رمى مؤمناً بشيء شينه حبسه اللّه عز و جل على جسر جهنم حتى يخرج مما قال . و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : الزالون على الصراط كثير . و أكثر من يزل عنه النساء ذكره أبو الفرج بن الجوزي . و قال المصطفى صلّى اللّه عليه و سلم : فإذا صار الناس على طرف الصراط نادى ملك من تحت العرش : يا فطرة الملك الجبار جوزوا على الصراط ، و ليقف كل عاص منكم و ظالم . فيا لها من ساعة ما أعظم خوفها و ما أشد حرها ، يتقدم فيها من كان في الدينا ضعيفاً مهيناً ، و يتأخر عنها من كان في الدنيا عظيماً مكيناً ، ثم يؤذن لجميعهم بعد ذلك بالجواز على الصراط على قدر أعمالهم في ظلمتهم و أنوارهم ، فإذا عصف الصراط بأمتي نادوا : و امحمداه فأبادر من شدة إشفاقي عليهم و جبريل آخد بحجزتي ، فأنادي رافعاً صوتي رب أمتي أمتي لا أسألك اليوم نفسي ، و لا فاطمة ابنتي و الملائكة قيام عن يمين الصراط و يساره ينادون : رب سلم سلم . و قد عظمت الأهوال و اشتدت الأوجال ، و العصاة يتساقطون عن اليمين و الشمال و الزبانية يتلقونهم بالسلاسل و الأغلال و ينادونهم : أما نهيتم عن كسب الأوزار ؟ أما خوفتم عذاب النار ؟ أما أنذرتم كل الإنذار ، أما جاءكم النبي المختار ؟ ذكره أبو الفرج بن الجوزي أيضاً في كتاب روضة المشتاق و الطريق إلى الملك الخلاق . فتفكر الآن فيما يحل بك من الفزع بفؤادك إذا رأيت الصراط و دقته ، ثم وقع بصرك على سواد جهنم من تحته ، ثم قرع سمعك شهيق النار و تغيظها ، و قد كلفت أن تمشي على الصراط مع ضعف حالك ، و اضطراب قلبك ، و تزلزل قدمك و ثقل ظهرك بالأوزار ، المنعة لك من المشي على بساط الأرض ، فضلاً عن حدة الصراط . فكيف بك إذا وضعت عليه إحدى رجليك فأحسست بحدته ، و اضطررت إلى أن ترفع القدم الثاني ، و الخلائق بين يديك يزلون و يعثرون ، و تتناولهم زبانية النار بالخطاطيف و الكلاليب ، و أنت إليهم كيف ينكسون فتسفل إلى جهة النار رؤوسهم ، و تعلو أرجلهم فيا له من منظر ما أفظعه ، و مرتقى ما أصبعه ، و مجاز ما أضيقه . فصل : ذهب بعض من تكلم على أحاديث هذا الباب في وصف الصراط بأنه أدق من الشعر و أحد من السيف أن ذلك راجع إلى يسره و عسره على قدر الطاعات و المعاصي . و لا يعلم حدود ذلك إلا اللّه تعالى لخفائها و غموضها . و قد جرت العادة بتسمية الغامض الخفي : دقيق . فضرب المثل له بدقة الشعر . فهذا و اللّه أعلم من هذا الباب . و معنى قوله : و أحد من السيف : أن الأمر الدقيق الذي يصعد من عند اللّه تعالى إلى الملائكة في إجازة الناي على الصراط يكون في نفاذ حد السيف و مضيه إسراعاً منهم إلى طاعته و امتثاله . و لا يكون له مرد كما أن السيف إذا نفذ بحدة و قوة ضاربة في شيء لم يكن له بعد ذلك مرد . وإما أن يقال : إن الصراط نفسه أحد من السيف و أدق من الشعر ، فذلك مدفوع بما وصف من أن الملائكة يقومون بجنبيه و أن فيه كلاليب و حسكاً أي أن من يمر عليك يقع على بطنه ، و منهم من يزل ثم يقوم . و فيه أن من الذين يمرون عليه من يعطى النور بقدر موضع قدميه . و في ذلك إشارة إلى أن للمارين عليه موطئ الأقدام و معلوم أن رقة الشعر لا يحتمل هذا كله . و قال بعض الحفاظ : إن هذه اللفظة ليست ثابتة . قال المؤلف : ما ذكره القاتل مردود بما ذكرنا من الأخبار ، و أن الإيمان يجب بذلك . و أن القادر على إمساك الطير في الهواء قادر على أن يمسك عليه المؤمن فيجزيه أو يمشيه و لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا عند الاستحالة و لا استحالة في ذلك ، للآثار الواردة في ذلك و ثباتها بثقل الأئمة العدول و من لم يجعل اللّه له نوراً فما له من نور .؟ و عن يحيى بن اليمان : رأيت رجلاً نام و هو أسود الرأس و اللحية شاب يملأ العين ، فرأى في منامه كأن الناس قد حشروا ، و إذا بنهر من نار ، و جسر يمر الناس عليه ، فدعى فدخل الجسر ، فإذا هو كحد السيف يمر يميناً و شمالاً ، فأصبح أبيض الرأس و اللحية . فصل : أحاديث هذا الباب تبين لك معنى الورود المذكور في القرآن في قوله عز و جل : و إن منكم إلا واردها . روي عن ابن عباس و ابن مسعود و كعب الأحبار أنهم قالوا : الورود المرور على الصراط . رواه السدي عن ابن مسعود عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم . و ذكر أبو بكر النجاد ، سلمان قال : حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد اللّه بن إبراهيم بن عبدة السليطي ، حدثنا أبو عبد اللّه محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي قال : حدثنا سليم بن منصور بن عمار قال : حدثني أبي منصور بن عمار قال : حدثني بشر بن طلحة الخزامي ، عن خالد بن الدريك ، عن يعلى منبه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال : تقول النار للمؤمن يوم القيامة : جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي و قيل : الورود الدخول . روي عن ابن مسعود و عن ابن عباس أيضاً و خالد بن معدان و ابن جريج و غيرهم ، و حديث أبي سعيد الخدري نص في ذلك على ما يأتي ، فيدخلها العصاة بجرائمهم ، و الأولياء بشفاعتهم . و روي عن جابر بن عبد اللّه قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول : الورد الدخول لا يبقى بر و لا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين برداً و سلاماً كما كانت على إبراهيم ، ثم ننجي الذين اتقوا و نذر الظالمين فيها جثيا . و ذكر ابن المبارك قال : أخبرنا سفيان عن رجل عن خالد بن معدان قال : قالوا ألم يعدنا ربنا أنا نرد النار ف قال : إنكم مررتم بها و هي خامدة . قال ابن المبارك و أخبرنا سعيد الجيزي عن أبي الليل ، عن غنيم ، عن أبي العوام ، عن كعب أنه تلا هذه الآية : و إن منكم إلا واردها قال : هل تدرون ما ورودها ؟ قالوا : اللّه أعلم . قال : فإن ورودها أن يجاء بجهنم و تمسك للناس كأنها متن إهالة حتى إذا استقرت عليها أقدام الخلق برهم و فاجرهم نادى مناد : أن خذي أصحابك ، و ذرى أصحابي . فتخسف بكل ولي لها . لهي أعلم بهم من الوالد بولده و ينجو المؤمنون . و قال مجاهد : و رود المؤمنين هو الحمى التي تصيب المؤمن في دار الدنيا و هي حظ المؤمن من النار فلا يردها . و أسند أبو عمر بن عبد البر في ذلك حديثاً في التمهيد ، عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عاد مريضاً من وعك به فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم : أبشر فإن اللّه تعالى يقول : هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار . و قالت طائفة : الورود النظر إليها في القبر فينجي منها الفائز ، و يصلاها قدر عليه دخولها ، ثم يخرج منها بالشفاعة أو بغيرها من رحمة اللّه تعالى ، و احتجوا بحديث ابن عمر : [ إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة و العشي ] الحديث . و قيل : المراد بالورود الإشراف على جهنم و الإطلاع عليها و القرب منها . و ذلك أنهم يحضرون موضع الحساب و هو بقرب جهنم فيرونها و ينظرون إليها في حالة الحساب ، ثم ينجي اللّه الذين اتقوا مما نظروا إليه ، و يصار بهم إلى الجنة و نذر الظالمين أي يؤمر بهم إلى النار ، قال اللّه تعالى : و لما ورد ماء مدين أي أشرف عليه لا أنه دخله و روت حفصة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال : لا يدخل النار أحد من أهل بدر ، و الحديبية قال : فقلت يا رسول اللّه : و أين قول اللّه عز و جل : و إن منكم إلا واردها ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : ثم ننجي الذين اتقوا خرجه مسلم من حديث أم مبشر قالت : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عند حفصة . الحديث . و قيل : الخطاب للكفار في قوله تعالى : و إن منكم إلا واردها روى وكيع ، عن شعبة ، عن عبد اللّه بن السائب ، عن رجل ، عن ابن عباس أنه قال في قول اللّه عز و جل : و إن منكم إلا واردها قال : هذا خطاب للكفار . و روي عنه أنه كان يقرأ و إن منهم رداً على الآيات التي قبلها من الكفار قوله : فوربك لنحشرنهم و الشياطين ثم لنحضرنهم و أيهم أشد . ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا * وإن منكم . و كذلك قرأ عكرمة و جماعة . و قالت فرقة : المراد منكم : الكفرة . و المعنى : قل لهم يا محمد و إن منكم . و قال الجمهور : المخاطب العالم كله و لا بد من ورود الجميع و عليه نشأ الخلاف في الورود كما ذكرنا و الصحيح أن الورود : الدخول لحديث أبي سعيد كما ذكرنا . و في مسند الدرامي أبي محمد ، عن عبد اللّه بن مسعود قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : يرد الناس النار ثم يصدرون عنها بأعمالهم فأولهم كلمح البرق ثم كالريح ثم كحضر الفرس ، ثم كالراكب في رحله ، ثم كشد الرجل في مشيه . و قال صلّى اللّه عليه و سلم : لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم خرجه الأئمة . قال الزهري كأنه يريد هذه الآية و إن منكم إلا واردها ذكره أبو داود الطيالسي في مسنده ، و هذا يبين لك ما ذكرناه لأن المسيس حقيقته في اللغة المماسة إلا أنها تكون برداً و سلاماً على المؤمنين و ينجون منها سالمين ، قال : خالد بن معدان : إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا : ألم يقل ربنا إنا نرد النار ؟ في قال : قد وردتموها فلقيتموها رماداً . قلت : و الذي يجمع شتات الأقوال : أن يقال إن من وردها ، و لم تؤذه بلهبها و حرها فقد أبعد عنها و نجي منها ، نجانا اللّه منها بفضله و كرمه ، و جعلنا ممن وردها سالماً ، و خرج منها غانماً . و روي ابن جريج عن عطاء قال : قال أبو راشد الحروري لابن عباس لا يسمعون حسيسها فقال له ابن عباس : أمجنون أنت ؟ فأين قوله تعالى : و إن منكم إلا واردها و قوله : فأوردهم النار و قوله : إلى جهنم ورداً . و لقد كان من دعاء من مضى اللّهم أخرجني من النار سالماً و أدخلني الجنة فائزاً . و قد أشفق كثير من العلماء من تحقق الورود ، و الجهل بالصدر ، كان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه يقول : ليت أمي لم تلدني فتقول له امرأته : يا أبا ميسرة إن اللّه قد أحسن إليك و هداك إلى الإسلام ، قال : أجل و لكن اللّه قد بين لنا أنا واردوا النار و لم يبين لنا أنا صادرون . و عن الحسن قال : قال رجل لأخيه أي أخي هل أتاك أنك وارد النار ؟ قال : نعم قال : فهل أتاك أنك خارج منها ؟ قال : لا . قال : ففيم الضحك إذاً ؟ قال : فما رئي ضاحكاً حتى مات . و روي عن ابن عباس أنه قال في هذ المسألة لنافع بن الأزرق الخارجي : [ أما أنا و أنت فلا بد أن يدرها فأما أنا فينجيني اللّه منها وإما أنت فما أظنه ينجيك ] . و ذكر ابن المبارك قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي عاصم قال : بكى ابن رواحة فبكت امرأته فقال لها : ما يبكيك ؟ قالت : بكيت حين رأيتك تبكي . فقال عبد اللّه : إني علمت أني وارد النار فما أدري أناج منها أم لا ؟ و في معناه قيل : و قد أتانا ورود النار ضاحية حقا يقيناً ، و لما يأتنا الصدر |