Geri

   

 

 

İleri

 

باب إذا كان يوم القيامة تتبع كل أمة ما كانت تعبد فإذا بقي في هذه الأمة منافقون امتحنوا و ضرب الصراط

الترمذي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم

قال : يجمع اللّه الناس يوم القيامة في صعيد واحد ثم يطلع عليهم رب العالمين فيقول ألا ليتبع كل إنسان ما كان يعبد ، فيمثل لصاحب الصليب صليبه و لصاحب التصاوير تصاويره و لصاحب النار ناره فيتبعون ما كانوا يعبدون و يبقى المسلمون و ذكر الحديث بطوله .

و خرج مسلم أن ناساً قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يا رسول اللّه : هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم هل تضارون في القمر ليلة البدر قالوا : لا يا رسول اللّه . قال هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا : لا .

قال : فإنكم ترونه كذلك يجمع اللّه الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئاً فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ، و يتبع من كان يعبد القمر القمر و يتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيث ، و تبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم اللّه في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ باللّه منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم اللّه في صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه و يضرب الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا و أمتي أول من يجوز و لا يتكلم يومئذ إلا الرسل ، و دعوى الرسل يومئذ اللّهم سلم سلم ، و في جهنم كلاليب مثل شوك السعدان . هل رأيتم السعدان ؟ قالوا نعم يا رسول اللّه .

قال : فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا اللّه تخطف الناس بأعمالهم ، فمنهم الموبق بعمله ، و منهم المجازى حتى ينجى و ذكر الحديث و سيأتي .

فصل : ذكر الفقيه أبو بكر بن برجان في كتاب الإرشاد له بعد قوله : يفهم رؤوس المحشر لطلب من يشفع و يريحهم مما هم فيه ، و هم رؤوساء أتباع الرسل فيكون ذلك ، ثم يؤمر آدم عليه السلام بأن يخرج بعث النار من ذريته ، و هم سبعة أصناف البعثان الأولان يلتقطهم عنق النار من بين الخلائق لقط الحمام حب السمسم و هم أهل الكفر باللّه جحدوا و عتوا ، و أهل الكفر باللّه إعراضاً و جهلاً ، ثم يقال لأهل الجمع : أين ما كنتم تعبدون من دون اللّه لتتبع كل أمة ما كانت تعبد فمن كان يعبد من دون اللّه شيئاً اتبعه حتى يقذف به في جهنم ، قال اللّه عز و جل : هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت و ردوا إلى اللّه مولاهم الحق و ضل عنهم ما كانوا يفترون و

قال : فكبكبوا فيها هم و الغاوون * و جنود إبليس أجمعون .

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : تمد الأرض مد الأديم يوم القيامة لعظمة اللّه عز و جل . ثم لا يكون لبشر من بني آدم منها إلا موضع قدميه ، ثم ادعى أنا أول الناس فأخر ساجداً ، ثم يؤذن لي فأقول يا رب : خبرني هذا جبريل صلّى اللّه عليه و سلم و هو عن يمين عرش الرحمن تبارك و تعالى أنك أرسلته إلي و جبريل ساكت لا يتكلم حتى يقول اللّه عز و جل صدق ، ثم يؤذن لي في الشفاعة فأقول : يا رب عبادك عبدوك في أقطار الأرض فذلك المقام المحمود ، ثم يبعث المقام المحمود ، ثم يبعث البعث الرابع و هم قوم وحدوا اللّه و كذبوا المرسلين جهلوا صفات اللّه جل جلاله ، و ردوا عليه كتابه و رسله ، ثم يبعث البعث الخامس و السادس و هم أهل الكتابين يأتون عطاشاً يقال لهم : ما كنتم تبغون ؟ فيقولون : عطشنا يا رب فاسقنا ، فيقال لهم : ألا ترون فيشار لهم إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً فيردونها سقوطاً فيها ، ثم تقع المحنة بالمنافقين و المؤمنين في معرفة ربهم و تميزه من المعبودات من دونه فيذهب اللّه المنافقين و يثبت المؤمنين ، ثم ينصب الصراط مجازاً على متن جهنم أعادنا اللّه منها أرق من الشعر و أحد من الموسى كما وصفه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ، فيسقط أهل البدع في الباب السادس منه أو الخامس ، و أهل الكبائر في السابع أو السادس ، و إنما يسقط الساقط بعدما يعجز عن عمله و يخلص المؤمنون على درجاتهم في تفاوتهم في النجاة و يحبسون على قنطرة بين الجنة و النار يتقاضون مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا صفوا و هذبوا ، أدخلوا الجنة ، و من ذلك المقام يوقف أصحاب الأعراف .

قال المؤلف : هكذا ذكر الترتيب و هو ترتيب حسن ، و سيأتي له مزيد بيان إن شاء اللّه تعالى .

فصل : قوله : هل تضارون بضم التاء و فتحها و بتشديد الراء و تخفيفها ، و ضم التاء و تشديد الراء أكثر ، و أصله تضارون أسكنت الراء الأولى و أدغمت مع الثانية و ماضيه ضورر على ما لم يسم فاعله ، و يجوز أن يكون مبيناً للفاعل بمعنى تضاررون بكسر الراء إلا إنها سكنت الراء و أدغمت و كله من الضر المشدد ،

وإما التخفيف فهو من ضاره يضيره و يضوره مخففاً .

و المعنى أن أهل الجنة إذا امتن اللّه عليهم برؤيته سبحانه تجلى لهم ظاهراً بحيث لا يحجب بعضهم بعضاً و لا يضره و لا يزاحمه و لا يجادله كما يفعل عند رؤية الأهلة ، بل كالحال عند رؤية الشمس و القمر ليلة تمامه .

و قد روى تضامون من المضامكة و هي الازدحام أيضاً . أي لا تزدحمون عند رؤيته تعالى كما تزدحمون عند رؤية الأهلة .

و روي تضامون بتخفيف الميم من الضيم الذي هو الذل أي لا يذل بعضكم بعضاً بالمزاحمة و المنافسة و المنازعة ، و سيأتي هذا المعنى مرفوعاً إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم في أبواب الجنة إن شاء اللّه تعالى .

قوله : فإنكم ترونه كذلك هذا تشبيه للرؤية و حالة الرائي لا المرئي ، لأن اللّه سبحانه لا يحاط به و ليس كمثله شيء و لا يشبهه شيء .

و قوله : فيأيتهم اللّه في صورة غير صورته التي يعرفون هذا موضع الامتحان ليميز المحق من المبطل و ذلك أنه لما بقي المنافقون و المراؤون متلبسين بالمؤمنين و المخلصين زاعمين أنهم منهم و أنهم عملوا مثل أعمالهم و عرفوا اللّه مثل معرفتهم . امتحنهم اللّه بأن أتاهم بصورة قالت الجميع أنا ربكم . فأجاب المؤمنون بإنكار ذلك و التعوذ منه لما قد سبق لهم من معرفتهم باللّه عز و جل في دار الدنيا و أنه منزه عن صفات هذه الصور إذ سماتها سمات المحدثين .

و لهذا قال في حديث أبي سعيد الخدري فيقولون : نعوذ باللّه منك لا نشرك باللّه شيئاً مرتين أو ثلاثاً حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب .

قال شيخنا أبو العباس أحمد بن عمر في كتاب المفهم لشرح اختصار مسلم كتاب مسلم ، و هذا لمن لم يكن له رسوخ العلماء ، و لعلهم الذين اعتقدوا الحق و جزموا عليه من غير بصيرة و لذلك كان اعتقادهم قابلاً للانقلاب . و اللّه أعلم .

قلت : و يحتمل أن يكونوا المنافقين و المرائين و هو أشبه و اللّه أعلم . لأن في الامتحان الثاني يتحقق ذلك لأن في حديث أبي سعيد بعد قوله حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول هل بينكم و بينه آية فتعرفوه بها ؟ فيقولون : نعم ، فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد للّه من تلقاء نفسه إلا أذن اللّه له بالسجود و لا يبقى من كان يسجد اتقاء و رياء إلا جعل اللّه ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ، ثم يرفعون رؤوسهم و قد تحول في الصورة التي رأوا فيها فيقول : أنا ربكم ؟ فيقولون : أنت ربنا . ثم يضرب الجسر على جهنم و تحل الشفاعة ، و سيأتي قوله : فيأتيهم اللّه في صورة التي يعرفون أي يتجلى لهم في صفته التي هو عليها من الجلال و الكمال و التعالي و الجمال بعد أن رفع الموانع عن أبصارهم . فيتبعونه . أي يتبعون أمره أو ملائكته و رسله الذين يسوقونهم إلى الجنة . و اللّه أعلم .

و الدعوى : الدعاء . قال اللّه تسبحاته و تعالى : دعواهم فيها سبحانك اللّهم أي دعاؤهم و الكلاليب : جمع كلوب . و السعدان : نبت كثير الشوك شوكه كالخطاطيف و المحاجن ترعاه الإبل فيطيب لبنها . تقول العرب : مرعى و لا كالسعدان . و الموبق : المهلك أوبقه ذنبه : أهلكه .

و منه الحديث : اجتنبوا السبع الموبقات . وقوله تعالى : أو يوبقهن بما كسبوا و المجازى : الذي جوزء بعمله .

و قوله : يكشف عن ساق كشف الساق عبارة عن معظم الأمر و شدته ذكره ابن المبارك

قال : أخبرنا أسامة بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس في قوله : يوم يكشف عن ساق

قال : يوم كرب و شدة . أخبرنا ابن جريج عن مجاهد

قال : شدة الأمر و جده . قال مجاهد و قال ابن عباس هي أشد ساعة في القيامة.

و قال أبو عبيدة : إذا اشتد الأمر أو الحرب قيل : كشف الأمر عن ساقه . و الأصل فيه أن من وقع في شيء يحتاج إلى الجد شمر عن سقاه فاستعير الساق و الكشف عنها في موضع الشدة و كذا قال القتبي .

قال : يوم يكشف عن ساق هذا من الاستعار فسمي الشدة ساقاً ، لأن الرجل إذا وقع في الشدة شمر في ساقه فاستعيرت في موضع شدة قال الشعر :

و كنت إذا جاري دعا لمصيبة أشمر حتى ينصف الساق مئزري

و قال آخر :

فتى الحرب إن عضت به الحرب عضها و إن شمرت عن ساقها الحرب شمرا

و قال آخر يصف سنة شديدة :

قد شمرت عن ساقها

و قال آخر :

كشفت لهم عن ساقها و بدا من الشر البراح

و قال آخر :

أبشر عناق . إنه شر باق . قد سن لي قومك ضرب الأعناق و قامت الحرب بنا على ساق .

و الشعر في هذا المعنى كثير :

و قيل : يكشف عن شاق جهنم ،

و قيل : عن ساق العرش .

فأما ما روي أن اللّه تعالى يكشف عن ساقه يوم القيامة ، فيسجد له كل مؤمن و مؤمنة كما في صحيح البخاري ، فإنه تعالى على التبعيض و الأعضاء ، و أن ينكشف و يتغطى ، و معناه أي يكشف على العظيم من أمره .

و قال الخطابي : إنما جاء ذكر الكشف عن الساق على معنى الشدة ، فيحتمل أن يكون معنى الحديث أنه يبرز من أهوال القيامة و شدتها ما يرتفع معه سواتر الأمتحان ، فيميز عند ذلك أهل اليقين و الإخلاص ، فيؤذن لهم في السجود ، و ينكشف الغطاء عن أهل النفاق فتعود ظهورهم طبقاً واحداً لا يستطيعون السجود

قال : و قد تأوله بعض الناس ف

قال : لا ينكر أن يكون اللّه سبحانه قد يكشف لهم عن ساق لبعض المخلوقين من ملائكته أو غيرهم ، فيجعل ذلك سبباً لبيان ما شاء من حكمه في أهل الإيمان و أهل النفاق .

قال الخطابي : و فيه وجه آخر لم أسمعه من قدوة و قد يحتمله معنى اللغة . سمعت أبا عمر يذكر عن أبي العباس أحمد بن يحيى النحوي فيما عدة من المعاني المختلفة الواقعة تحت هذا الاسم ،

قال : و الساق النفس ، و منه قول علي رضي اللّه عنه حين راجعه أصحابه في قتل الخوارج ف

قال : و اللّه لأقاتلنهم حتى و لو تلفت ساقي يريد نفسه . و قال أبو سليمان ، و قد يحتمل على هذا أن يكون المراد التجلي لهم و كشف الحجب عن أبصارهم حتى إذا رأوه سجدوا له

قال : و لست أقطع به القول ، و لا أراه واجباً فيما أذهب إليه من ذلك .

قال المؤلف : هذا القول أحسن الأقوال إن شاء ، وقد جاء فيه حديث حسن ذكره أبو الليث السمرقندي في تفسير سورة ن و القلم ، ف

قال : حدثنا الخليل بن أحمد : حدثنا ابن منيع

قال : حدثنا هدبة

قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن عمارة القرشي عن أبي بردة بن أبي موسى

قال : حدثني أبي

قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول : إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون في الدنيا فيذهب كل قال قوم إلى ما كانوا يعبدون و يبقى أهل التوحيد فيقال لهم : ما تنتظرون و قد ذهب الناس ؟ فيقولون : إن لنا رباً كنا نعبده في الدنيا و لم نره ،

قال : و تعرفونه إذا رأيتموه ؟ فيقولون : نعم ، في

قال : فكيف تعرفونه و لم تروه ؟ قالوا : إنه لا شبيه له ، فيكشف لهم الحجاب فينظرون إلى اللّه تعالى فيخرون له سجداً ، و تبقى أقوام ظهورهم مثل صياصي البقر فيريدون السجود فلا يستطيعون فذلك قوله تعالى يكشف عن ساق و يدعون إلى السجود فلا يستطيعون فيقول اللّه تعالى : عبادى ارفعوا رؤوسكم فقد جعلت بدل كل رجل منكم من اليهود و النصارى في النار .

قال أبو بردة : فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز ف

قال : اللّه الذي لا إله إلا هو فحدثك أبوك بهذا الحديث ، فحلفت له ثلاث أيمان فقال عمر : ما سمعت من أهل التوحيد حديثاً هو أحب إلي من هذا .

قال المؤلف : فهذا الحديث يبين لك معنى كشف الساق و أنه عبارة عن رؤيته سبحانه و هو معنى ما في صحيح مسلم ، و الحديث يفسر بعضه بعضاً فلا إشكال فيه ، و الحمد للّه .

و قد ذكر البيهقي عن روح بن جناج عن مولى لعمر بن عبد العزيز عن أبي بردة عن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم في قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق ،

قال : عن نور عظيم يخرون له سجداً تفرد به روح بن جناح ، و هو شامي يأتي بأحاديث منكرة لا يتابع عليها ، و موالي عمر بن عبد العزيز فيهم كثرة .

قال المؤلف : الحديث الذي قبله أبين و أصح إسناداً فليعول عليه . و قد هاب الإمام أبو حامد الغزالي القول فيه و أشفق من تأويله ، فقال في كتاب كشف علم الآخرة : ثم يكشف الجليل عن ساقه فيسجد الناس كلهم تعظيماً له و تواضعاً إلى الكفار الذين قد أشركوا به أيام حياتهم و عبدة الحجارة و الخشب و ما لم ينزل به سلطاناً ، فإن صياصي أصلابهم تعود حديداً فلا يقدرون على السجود و هوقوله تعالى : يوم يكشف عن ساق و يدعون إلى السجود فلا يستطيعون .

و روي البخاري في تفسيره مسنداً إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم

قال : يكشف اللّه عن ساقه النبي يوم القيامة فيسجد له كل مؤمن و مؤمنة ، و قد أشفقت من تأويل الحديث ، و عدلت عن منكر به ، و كذا أشفقت من صفة الميزان و زيفت قول واصفيه و جعلته متحيزاً إلى العالم الملكوتي ، فإن الحسنات و السيئات أعراض و لا يصح وزن الأعراض إلا بميزان ملكوتي .

قال المؤلف : قد ذكرنا الميزان و بينا القول فيه ، و في الأعمال الموزونة غاية البيان بالأخبار الصحيحة و الحسان ، و بينا القول هنا في كشف الساق بحيث لم يبق فيه لأحد ريب ولا مخالفة و لا شقاق . فاللّه الحمد على ما به أنعم و فهم و علم .