Geri

   

 

 

İleri

 

باب

ذكر أبو بكر أحمد بن علي حديث ثابت عن عبد اللّه بن إبراهيم بن أبي عمرو الغفاري

قال : حدثنا مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما

قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : أحشر يوم القيامة بين أبي بكر و عمر رضي اللّه عنهما حتى أقف بين الحرمين فيأتي أهل المدينة و مكة غريب من حديث مالك تفرد به عبد اللّه بن إبراهيم عنه ، و يقال لم يروه غير عبد العزيز بن عبد اللّه الهاشمي البغدادي عن الغفاري .

الجزء الأول من باب قول النبي صلّى اللّه عليه و سلم من سره أن ينظر إلى يوم القيامة فليقرأ إذا الشمس كورت و إذا السماء انفطرت و إذا السماء انشقت و في أسماء يوم القيامة

الترمذي عن ابن عمر رضي اللّه عنه

قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : من سره أن ينظر غلى يوم القيامة فليقرأ إذا الشمس كورت و إذا السماء انفطرت و إذا السماء انشقت

قال : هذا حديث حسن .

فصل :

قلت : و إنما كانت هذه السور الثلاث أخص بالقيامة لما فيها من انشقاق السماء و انفطارها و تكور شمسها و انكدار نجومها و تناثر كواكبها إلى غير ذلك من أفزاعها و أهوالها ، و خروج الخلق من قبورهم إلى سجونهم أو قصورهم بعد نشر صحفهم و قراء كتبهم و أخذها بأيمانهم و شمائلهم أو من وراء ظهورهم في موقفهم على ما يأتي بيانه .

قال اللّه تعالى إذا السماء انشقت و قال إذا السماء انفطرت و

قال : و يوم تشقق السماء بالغمام فتراها واهية منفطرة متشققة كقوله تعالى : و فتحت السماء فكانت أبواباً و يكون الغمام سترة بين السماء و الأرض .

و قيل : إن [ الباء ] بمعنى [ عن ] أي تشقق عن سحاب أبيض . و

يقال : انشقاقها لما يخلص غليه من حر جهنم ، و ذلك إذا بطلت المياه و برزت النيران ، فأول ذلك أنها تصير حمراء صافية كالدهن و تتشقق لما يريد اللّه من نقض هذا العالم و رفعه ، و قد قيل : إن السماء تتلون فتصفر ثم تحمر أو تحمر ثم تصفر كالمهرة تميل في الربيع إلى الصفرة ، فإذا اشتد الحر مالت إلى الحمرة ثم إلى الغبرة . قاله الحليمي .

وقوله تعالى : إذا الشمس كورت قال ابن عباس رضي اللّه عنه تكويرها إدخالها في العرش . و

قال : ذهاب ضوئها . قاله الحسن و قتادة . و روي ذلك عن ابن عباس و مجاهد . و قال أبو عبيدة : كورت مثل تكوير العمامة تلف فتمحى ، و قال الربيع بن خيثم كورت رمى بها و منه كورته فتكور أي سقط .

قلت : و أوصل التكوير الجمع مأخوذ من كار العمامة على رأسه يكورها أي لا تها و جمهعا فهي تكور ثم يمحى ضوءها ثم يرمى بها و اللّه أعلم .

وقوله تعالى : و إذا النجوم انكدرت أي انتثرت قيل تتناثر من أيدي الملائكة لأنهم يموتون . و في الخبر أنها معلقة بين السماء و الأرض بسلاسل بأيدي الملائكة . و قال ابن عباس رضي اللّه عنه : انكدرت تغيرت و أصل الانكدار الانصباب فتسقط في البحار فتصير معها نيراناً إذا ذهبت المياه .

و قوله و إذا الجبال سيرت هو مثل قوله و تسير الجبال أي تحول عن منزلة الحجارة فتكون كثيباً مهيلاً أي رملاً سائلاً و تكون كالعهن ، و تكون هباء منبثاً ، و تكون سراباً مثل السراب الذي ليس بشيء ،

و قيل : إن الجبال بعد اندكاكها أنها تصير كالعهن من حر جهنم كما تصير السماء من حرها كالمهل . قال الحليمي : و هذا و اللّه أعلم لأن مياه الأرض كانت حاجزة بين السماء و الأرض ، فإذا ارتفعت و زيد مع ذلك في إحماء جهنم أثر في كل واحد من السماء و الأرض ما ذكر .

قوله و إذا العشار عطلت أي عطلها أهلها فلم تحلب من الشغل بأنفسهم و العشار : الإبل الحوامل واحدها عشراء و هي التي أتي عليها في الحمل عشرة أشهر ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع و بعد ما تضع ، و إنما خص العشار بالذكر لأنها أعز ما يكون على العرب ، فأخبر أنه تعطل يوم القيامة . و معناه : أنهم إذا قاموا من قبورهم و شاهد بعضهم بعضاً و رأوا الوحوش و الدواب محشورة و فيها عشارهم التي كانت أنفس أموالهم لم يعبئوا بها و لم يهمهم أمرها ، و يحتمل تعطل العشار إبطال اللّه تعالى أملاك الناس عما كان ملكهم إياها في الدنيا ، و أهل العشار يرونها فلا يجدون إليها سبيلاً .

و قيل : العشار السحار يعطل مما يكون فيه و هو الماء فلا يمطر .

و قيل : العشار الديار تعطل فلا تسكن .

و قيل : الأرض التي يعشر زرعها تعطل فلا تزرع . و القول الأول أشهر و عليه من الناس الأكثر .

و قوله : و إذا الوحوش حشرت أي جمعت و الحشر الجمع و قد تقدم .

و قوله : و إذا البحار سجرت أي أوقدت و صارت ناراً . رواه الضحاك عن ابن عباس رضي اللّه عنه و قال قتادة : غار ماؤها فذهب ، و

قال الحسن و الضحاك : فاضت . قال ابن أبي زمنين سجرت حقيقته ملئت فيقضي بعضها إلى بعض فتصير شيئاً واحداً و هو معنى قول الحسن و

يقال : إن الشمس تلف ثم تلقى في البحار فمنها تحمى و تنقلب ناراً . قال الحليمي : و يحتمل إن كان هذا هكذا أن البحار في قول من فسر التسجير بالامتلاء هو أن النار حينئذ تكون أكثرها لأن الشمس أعظم من الأرض مرات كثيرة ، فإذا كورت و ألقيت في البحر فصارت ناراً ازدادت امتلاء .

و قوله : و إذا النفوس زوجت تفسير الحسن أن تلحق كل شيعة شيعتها اليهود باليهود ، و النصارى بالنصارى ، و المجوس بالمجوس ، و كل من كان يعبد من دون اللّه شيئاً يلحق بعضهم ببعض و المنافقون بالمنافقين و المؤمنون بالمؤمنين . و قال عكرمة : المعنى تقرن بأجسادها أي ترد إليها .

و قيل : يقرن الغاوي بمن أغواه من شيطان أو إنسان .

و قيل : يقرن المؤمنون بالحور العين و الكافرون بالشياطين .

و قوله : و إذا الموؤدة سئلت يعني بنات الجاهلية كانوا يدفنونهن أحياء لخصلتين .

إحدهما : كانوا يقولون إن الملائكة بنات اللّه ، فألحقوا البنات به .

الثانية : مخافة الحاجة و الإملاق و سؤال الموؤدة على وجه التوبيخ لقاتلها كما يقال للطفل إذا ضرب لم ضربت و ما ذنبك ؟ و

قال الحسن : أراد اللّه أن يوبخ قاتلها لانها قتلت بغير ذنب و بعضهم يقرأ و إذا الموؤدة سئلت تعلق الجارية بأبيها فتقول بأي ذنب قتلتني ؟

و قيل : معنى سئلت يسأل عنها كما قال إن العهد كان مسؤولا .

و قوله : و إذا الصحف نشرت أي للحساب و سيأتي .

و قوله : و إذا السماء كشطت قيل معناه طويت كما

قال اللّه تعالى : يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب أي كطي الصحيفة على ما فيها فاللام بمعنى [ على ]

يقال : كشطت السقف أي قلعته فكان المعنى قلعت فطويت . و اللّه أعلم . و الكشط و القشط سواء و هو القلع

و قيل : السجل كاتب للنبي صلّى اللّه عليه و سلم و لا يعرف في الصحابة من اسمه سجل .

و قوله : و إذا الجحيم سعرت أي أوقدت .

و قوله : و إذا الجنة أزلفت أي قربت لأهلها و أدنيت علمت نفس ما أحضرت أي من عملها و هو مثل قوله : علمت نفس ما قدمت و أخرت و مثل قوله : ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم و أخر فهو يوم الانشقاق و يوم الانفطار و يوم التكوير و يوم الانكدار و يوم الانتثار و يوم التسيير

قال اللّه تعالى : و تسير الجبال سيراً و إذا الجبال سيرت و يوم التعطيل و يوم التسجير و يوم التفجير و يوم الكشط و الطي و يوم المد لقوله تعالى : و إذا الأرض مدت إلى غير ذلك من أسماء القيامة و هي الساعة الموعود أمرها و لعظمها أكثر الناس السؤال عنها لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم حتى أنزل اللّه عز و جل على رسوله يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات و الأرض لا تأتيكم إلا بغتةً و كل ما عظم شأنه تعددت صفاته و كثرت أسماؤه و هذا جميع كلام العرب ألا ترى أن السيف لما عظم عندهم موضعه و تأكد نفعه لديهم و موقعه جمهوا له خمسمائة اسم . و له نظائر . فالقيامة لما عظم أمرها ، و كثرت أهوالها ، سماها اللّه تعالى في كتابه بأسماء عديدة ، و وصفها بأوصاف كثيرة . منها ما ذكرناه ، مما وقع في هذه السور الثلاث .

و قيل : إن اللّه تعالى يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها فتوقف بين يدي اللّه تعالى و يوم الجمعة فيها زاهراء مضيئة يعرفها الخلائق فيوم القيامة يوم يتضمن الأيام كلها فسمى بكل حال يوماً فقيل : يوم ينفخ في الصور ثم قيل : يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ثم قيل : يوم ينظر المرء ما قدمت يداه فهذه حالة أخرى . ثم قيل : يوم تعرضون ثم قيل : يومئذ يصدر الناس أشتاتاً . قهذه أحوال فقد يجري يوم القيامة بطوله على هذه الأحوال كل حال منها كاليوم المتجدد و لذلك كررت في قوله تعالى : و ما أدراك ما يوم الدين * ثم ما أدراك ما يوم الدين . لآن ذلك اليوم و مابعده يوم ، و اليوم العظيم متضمن لهذه الأيام فهو للّه يوم و للخلائق أيام فقد عرفت أيامهم في يومه و قد بطل الليل و النهار . قاله الترمذي الحكيم و مما قيل في معنى ما ذكرنا من النظم قول بعضهم :

مثل لنفسك أيها المغرور يوم القامة و السماء تمور

إذ كورت شمس النهار و أدنيت حتى على رأس العباد تسير

و إذا النجوم تساقطت و تناثرت و تبدلت بعد الضياء كدور

و إذا البحار تفجرت من خوفها و رأيتها مثل الجحيم تفور

و إذا الجبال تقلعت بأصولها فرأيتها مثل السحاب تسير

و إذا العشار تعطلت و تخربت خلت الديار فما بها معمور

و إذا الوحوش لدى القيامة أحشرت و تقول للأملاك أين نسير

و إذا تقاة المسلمين تزوجت من حور عين زانهن شعور

و إذا الموؤدة سئلت عن شأنها و بأي ذنب قتلها ميسور

و إذا الجليل طوى السما بيمينه طي السجل كتابه المنشور

و إذا الصحائف عند ذاك تساقطت تبدى لنا يوم القصاص أمور

و إذا الصحائف نشرت فتطايرت و تهتكت للمؤمنين ستور

و إذا السماء تكشطت عن أهلها و رأيت أفلاك السماء تدور

و إذا الجحيم تسعرت نيرانها فلها على أهل الذنوب زفير و إذا لجنان تزخرفت و تطيبت لفتى على طول البلاء صبور و إذا الجنين بأمه متعلق يخشى القصاص و قلبه مذعور

هذا بلا ذنب يخاف جناية كيف المصر على الذنوب دهور

و منها الساعة

قال اللّه تعالى و يوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة و قال و يوم تقوم الساعة يبلس المجرمون . و يوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون و قال و يوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب و هو في القرآن كثير ، و الساعة كلمة يعبر بها في العربية عن جزء الزمان غير محدود و في العرف على جزء من أربعة و عشرين جزءاً من يوم و ليلة و الذين هما أصل الأزمنة ، و تقول العرب أفعل كذا الساعة ، و أنا الساعة في أمر كذا تريد الوقت الذي أنت فيه ، و الذي يليه تقريباً له و حقيقة الإطلاق فيها أن الساعة بالألف و اللام عبارة في الحقيقة عن الوقت الذي أنت فيه و هو المسمى بالآن و سميت به القيامة

إما لقربها فإن كل آت قريب ،

وإما أن تكون سميت بها تنبيهاً على ما فيها من الكائنات العظام التي تصهر الجلود و تكسر العظام و قيل: إنما سميت بالساعة لأنها تأتي بغتة في ساعة ،

و قيل : إنما سميت بالساعة لأن اللّه تعالى يأمر السماء أن تمطر بماء الحيوان حتى تنبت الأجساد في مدافنها و مواضعها حيث كانت من بحر أو بر و تستقل و تتحرك بحياتها بماء الحيوان ، و ليست فيها أرواح ثم تدعى الأرواح ، فأرواح المؤمنين تتوقد نوراً ، و أرواح الكافرين تتوهج ظلمة ، فإذا دعا الأرواح ألقاها في الصور ثم يأمر إسرافيل أن ينفخ في الصور فإذا نفخ فيه خرجت من الصور ثم أمرت أن تلحق الأجساد فتبعث إلى الأجساد في أسرع من اللمحة ، و أنما سميت الساعة لسعي الأرواح إلى الأجساد في تلك السرعة فهي سائغ و جمعها ساعة كقولك ، بائع و باعة و ضائع و ضاعة و كائل و كالة ، فوصف أن سائر أموره في السرعة كلمح البصر و أمر السائق أقرب من لمح البصر . قاله الترمذي الحكيم .

و ذكر أبو نعيم الحافظ بإسناده عن و هب بن منبه

قال : إذا قامت الساعة صرخت الحجارة صراخ النساء و قطرت العظاة دماً

و منها القيامة

قال اللّه تعالى لا أقسم بيوم القيامة و هي في العربية مصدر قام يقوم و دخلها التأنيث للمبالغة على عادة العرب ، و اختلف في تسميتها بذلك على أربعة أقوال .

الأول : لوجود هذه الأمور فيها .

الثاني : لقيام الخلق من قبورهم إليها .

قال اللّه تعالى يوم يخرجون من الأجداث سراعاً .

الثالث : لقيام الناس لرب العالمين كما روى مسلم عن ابن عمر رضي اللّه عنهما عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم يوم يقوم الناس لرب العالمين قال يوم يقوم أحدكم في رشحه إلى نصف أذنيه قال ابن عمر رضي اللّه عنهما [ يقومون مائة سنة ] . و يروى عن كعب [ يقومون ثلاثمائة سنة ] .

الرابع : لقيام الروح و الملائكة صفاً .

قال اللّه تعالى يوم يقوم الروح و الملائكة صفاً .

قال علماؤنا : و اعلم أن كل ميت مات فقد قيامته ، و لكنها قيامة صغرى و كبرى ، فالصغرى هي ما يقوم على كل إنسان في خاصته من خروج روحه و فراق أهله و انقطاع سعيه و حصوله على عمله . إن كان خيراً فخير و إن كان شراً فشر ، و القيامة الكبرى هي التي تعم الناس و تأخذهم أخذة واحدة ، و الدليل على أن كل ميت يموت فقد قامت قيامته قول النبي صلّى اللّه عليه و سلم لقوم من الأعراب و قد سألوه متى القيامة ؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم ف

قال : إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم

أخرجه مسلم و غيره ، و قال الشاعر :

خرجت من الدنيا و قامت قيامتي غداة أقيل الحاملون جنازتي

و عجل أهلي حفر قبري و صبروا خروجي و تعجيلي إليه كرامتي

كأنهم لم يعرفوا قط سيرتي غداة أتى يومي علي و ساعتي

و منها : يوم النفخة .

قال اللّه تعالى يوم ينفخ في الصور و قد مضى القول فيه .

و منها : يوم الزلزلة و يوم الرجفة .

قال اللّه تعالى يوم ترجف الراجفة * تتبعها الرادفة و قد تقدم .

و منها : يوم الناقور كقوله تعالى فإذا نقر في الناقور و قد تقدم القول فيه و الحمد للّه .

و منها : القارعة سميت بذلك لأنها تقرع القلوب بأهوالها

يقال : قد أصابتهم قوارع الدهر أي أهواله و شدائده ، قالت الخنساء :

تعرفني الدهر نهشاً و حزاً و أوجعني الدهر قرعاً و غمزا

أرادت أن الدهر أوجعها بكبريات نوائبه و صغرياتها .

و منها : يوم البعث و حقيقته إثارة الشيء عن خفاء و تحريكة عن سكون ، قال عنترة :

و عصابة شم الأنوف بعثهم ليلاً و قد مال الكرا بطلاها

و قال امرؤ القيس :

و فتيان صدق قد بعثت بسحرة فقاموا جميعاً بين غات و نسوان

و قد تقدم القول فيه و في صفته و الحمد للّه .

و منها : يوم النشور و هو عبارة عن الإحياء .

يقال : قد أنشر اللّه الموتى فنشروا أي أحياهم اللّه فحييوا و منه قوله تعالى و انظر إلى العظام كيف ننشزها أي نحييها ، و قد يكون معناه التفريق من ذلك قولك أمرهم نشر .

و منها : يوم الخروج

قال اللّه تعالى يوم يخرجون من الأجداث سراعاً فأوله الخروج من القبور و آخره خروج المؤمنين من النار ثم لا خروج و لا دخول على ما يأتي .

و منها : يوم الحشر و هو عبارة عن الجمع ، و قد يكون مع الفعل إكراه

قال اللّه تعالى : و أرسل في المدائن حاشرين أي من يسوق السحرة كرهاً و قد مضى القول في الحشر مستوفي و الحمد للّه .

و منها : يوم العرض

قال اللّه تعالى : يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية و

قال : و عرضوا على ربك صفاً و حقيقتة إدراك الشيء بإحدى الحواس ليعلم حاله و غايته السمع و البصر فلا يزال الخلق قياماً في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما شاء اللّه أن يقوموا حتى يلهموا أو يهتموا . فيقولون : قد كنا نستشفع في الدنيا فهلم فلنسال الشفاعة إلى ربنا فيقولون : أئتوا آدم الحديث و سيأتي .

قال ابن العربي : و في كيفية العرض أحاديث كثيرة المعول منها على تسعة أحاديث في تسعة أوقات :

الأول : الحديث المشهور الصحيح رواه أبي هريرة و أبو سعيد الخدري رضي اللّه عنهما و اللفظ له

قال : إن ناساً في زمن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قالوا يا رسول اللّه هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحواً ليس معها سحاب ، و هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحواً ليس فها سحاب ، قالوا : لا يا رسول اللّه .

قال : ما تضارون في رؤية اللّه يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما . إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير اللّه من الأصنام و النصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد اللّه من بر وفاجر و غير أهل الكتاب ، فيدعى اليهود فيقال لهم : ما كنتم تعبدون ؟ قالوا : كنا نعبد عزيز بن اللّه . فيقال لهم : كذبتم ما اتخذ اللّه من صاحبة و لا ولد ، فماذا تبغون ؟ قالوا عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً قيتساقطون في النار ، ثم تدعى النصارى فيقال لهم : ما كنتم تعبدون ؟ قالوا : كنا نعبد المسيح ابن اللّه . فيقال لهم : كذبتم ما تخذ اللّه من صاحبة و لا ولد . فيقال لهم : ماذا تبغون ؟ فيقولون : عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار ألا تردون فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً فيتساقطون في النار ، حتى إذا لم يبق إلا من يعبد اللّه من بر وفاجر أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها .

قال : فماذا تنتظرون تتبع كل أمة ما كانت تعبد قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم و لم نصاحبهم ، فيقول : أنا ربكم فيقولون نعوذ باللّه منك لا نشرك باللّه شيئاً مرتين أو ثلاثاً . حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول هل بينكم و بينه آية فتعرفونه بها ، فيقولون : نعم . فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد للّه من تلقاء نفسه إلا أذن اللّه له بالسجود و لا يبقى من كان يسجد نفاقاً ورياء إلا جعل اللّه ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ، ثم يرفعون رؤوسهم و قد تحول في الصورة التي رأوه فيها أول مرة . فيقول : أنا ربكم . فيقولون : أنت ربنا ثم يضرب الجسر على جهنم و تحل الشفاعة و يقولون اللّهم سلم سلم و ذكر الحديث و سيأتي تمامه إن شاء اللّه تعالى .

الثاني : صح حديث عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول : من نوقش الحساب عذب ، قلت يا رسول اللّه أليس اللّه يقول فسوف يحاسب حساباً يسيراً

قال : ليس ذلك الحساب ذلك العرض و سيأتي .

الثالث : روى الحسن ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه

قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم تعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات وسيأتي .

الرابع : روي عن أنس رضي اللّه عنه أنه قال عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم يجاء بابن آدم يوم القيامة كأنه بذج الحديث ، و سيأتي .

الخامس : ثبت عن أبي هريرة رضي اللّه عنه و أبي سعيد الخدري و اللفظ له ، يؤتى بعبد يوم القيامة فيقال له ألم أجعل لك سمعاً و بصراً و مالاً و ولداً و تركتك ترأس و ترتع فكنت تظن أنك ملاقى يومك هذا . فيقول : لا . فيقال له : اليوم أنساك كما نسيتني و هذا حديث صحيح .

قلت :

خرجه مسلم و الترمذي مطولاً .

السادس : ثبت من طرق صحاح أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم

قال : يؤتى بالعبد يوم القيامة فيضع عليه كفنه فيقول له عبدي تذكر يوم كذا وكذا حين فعلت كذا وكذا فلا يزال يقرره حتى يرى أنه هلك . ثم يقول له : عبدي أنا سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم .

السابع : و في الصحيح عن أبي ذر رضي اللّه عنه

قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً و آخر أهل النار خروجاً من النار رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال أعرضوا عليه صغار ذنوبه و ارفعوا عنه كبارها و ذكر الحديث .

الثامن : و في الصحيح عن أنس رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم

قال : يخرج من النار أربعة فيعرضون على اللّه فيلتفت أحدهم فيقول : أي رب إذا أخرجتني منها فلا تعدني فيها فينجيه اللّه منها .

و روى مسلم يجمع اللّه الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة فيأتون آدم فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول لهم : و هل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم لست بصاحب ذلك و ذكر حديث الشفاعة

قال اللّه تعالى و يوم يعرض الذين كفروا على النار و ذلك قوله في الحديث المتقدم ألا تردون فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً قال القاضي أبو بكر بن العربي : و هذا مما أغفله الأئمة في التفسير .

التاسع : العرض على اللّه و لا أعلمه في الحديث إلا قوله في النص المتقدم حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد اللّه من بر و فاجر أتاهم رب العالمين ، و ذكر الحديث .

قلت : إذا تتبعت الأحاديث في هذا الباب على هذا السياق كان الحسن و الصحيح منها أكثر من تسعة .

و قد خرج عن أبي بردة الأسلمي رضي اللّه عنه

قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : لا تزول قدماً عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع الحديث و سيأتي .

و قوله في الحديث الآخر إذا كان يوم القيامة دعا اللّه بعبد من عباده فيوقفه بين يديه فيسأله عن جاهه كما يسأله عن عمله .

و خرج مسلم عن عدي بن حاتم رضي اللّه عنه

قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : ما منكم من أحد إلا سيكلمه اللّه ليس بينه و بينه ترجمان الحديث و سيأتي .

و خرج البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه

قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : يدعى نوح يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يارب الحديث وسيأتي .

و يتضمن من غير رواية البخاري عرض اللوح المحفوظ ثم إسرافيل ثم جبرائيل ثم الأنبياء نبياً نبياً صلوات اللّه عليهم أجمعين ، و سيأتي .

و خرج الترمذي و ابن ماجه حديث الرجل الذي ينشر عليه تسعة و تسعون سجلاً و سيأتي .

و هذا كله من باب العرض على اللّه . و إذا تتبعت الأحاديث كانت أكثر من هذا في مواطن مختلفة و أشخاص متباينة و اللّه أعلم ، و في بعض الخبر أنه يتمنى رجال أن يبعث بهم إلى النار ، و لا تعرض قبائحهم على اللّه تعالى ، و لا يكشف مساوئهم على رؤوس الخلائق .

قلت :

وإما ما وقع ذكره في الحديث من كشف الساق و ذكر الصورة فيأتي إيضاحه ذلك و كشفه إن شاء اللّه في حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه من هذا الكتاب إن شاء اللّه تعالى .

وإما ما جاء من طول هذا اليوم و وقوف الخلائق فيه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، فقد جاء من حديث أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه

قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، ف

قلت : ما أطول هذا . فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم : و الذي نفسي بيده أنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من الصلاة المكتوبة يصليها في الدنيا ذكره قاسم بن أصبغ

و قيل : غير هذا و سيأتي .

و منها : يوم الجمع و حقيقته في العربية ضم واحد إلى واحد ، فيكون شفعاً أو زوجاً إلى زوج فيكون جمعاً .

قال اللّه تعالى : يوم يجمعكم ليوم الجمع و قال ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه و هو في القرآن كثير .

و منها : يوم التفرق

قال اللّه تعالى و يوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون * فأما الذين آمنوا و عملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون *

وإما الذين كفروا و كذبوا بآياتنا و لقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون و هو معنى قوله تعالى فريق في الجنة و فريق في السعير .

و منها : يوم الصدع و الصدر أيضاً

قال اللّه تعالى يومئذ يصدر الناس أشتاتاً و قال يومئذ يصدعون و معناهما معنى الإسم الذي قبله .

و منها : يوم البعثرة و معناه تتبع الشيء المختلط مع غيره حتى يخلص منه فيخلص اللّه تعالى الأجسام من التراب و الكافرين من المؤمنين و المنافقين ، ثم يخلص المؤمنين من المنافقين كما في الحديث الصحيح : إن اللّه تعالى يجمع الأوليين و الآخرين في صعيد واحد

خرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه .

و منها : ما روي أنه يخرج عنق من النار فيلتقط الكفار لقط الطائر حب السمسم و هو صحيح أيضاً و سيأتي . و قال صلّى اللّه عليه و سلم يؤخذ برجال ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك .

و منها : يوم الفزع و حقيقته ضعف النفس عن حمل المعاني الطارئة عليها خلاف العادة ، فإن استمر كان جبناً و عند ذلك تتشوق النفس إلى ما يقويها فلأجل ذلك قالوا : فزعت من كذا أي ضعفت عن حمله عن طريانه على خلاف العادة ، و فزعت إلى كذا أي تشوقت نفسي عند ذلك إلى ما يقويها على ما نزل بها والآخرة كلها خلاف العادة و هي فزع كلها و في التنزيل لا يحزنهم الفزع الأكبر ، و قد اختلف فيه فقيل هو قوله لا بشرى يومئذ للمجرمين . و قيل ، إذا طبقت النار على أهلها و ذبح الموت بين الجنة و النار . و

قال الحسن : هو وقت يؤمر بالعباد إلى النار و عنه أن الفزع الأكبر النفخة الآخرة و تتلقاهم الملائكة بالبشارة حتى يخرجوا من قبورهم .

و منها : يوم التناد بتخفيف الدال من النداء و تشديدها من ند إذا ذهب و هو

قال تعالى يوم تولون مدبرين و هو الذهاب في غير قصد . و روي أيضاً عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم

قال : يأمر اللّه إسرافيل فينفخ نفخة الفزع فيفزع أهل السموات و الأرض الحديث ، و قد تقدم التي يقول اللّه ما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق فيسير اللّه الجبال و يرج الأرض بأهلها رجاً و هي التي يقول اللّه يوم ترجف الراجفة * تتبعها الرادفة * قلوب يومئذ واجفة * أبصارها خاشعة فيميد الناس على ظهرها فتذهل المراضع و تضع الحوامل و تشيب الولدان و تولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضاً و هو الذي يقول اللّه تعالى يوم التناد * يوم تولون مدبرين قال ابن العربي : و قد رويت في ذلك آثار كثيرة هذا أمثلها فدعوها ، فالمعنى الواحد يكفينا منها و من هولها و من تحقيق المعنى لها .

قلت : قد بينا أقوال العلماء في ذلك عند ذكر حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه في باب أين تكون الناس فتأمله هناك .

و منها : يوم الدعاء و هو النداء أيضاً .

و النداء على ثمانية و جوه فيما ذكر ابن العربي :

الأول : نداء أهل الجنة أهل النار بالتقريع .

الثاني : نداء أهل النار لأهل الجنة بالاستغاثة كما أخبر اللّه عنهم .

الثالث : يدعى كل أناس بإمامهم و هو قوله لتتبع كل أمة ما كانت تعبد قال المؤلف : و يقال بكتابهم

و قيل : نبيهم . قال سري السقطي : تدعى الأمم يوم القيامة بأنبيائها فيقال يا أمة موسى يا أمة عيسى و يا أمة محمد غير المحبين للّه فإنهم ينادون يا أولياء اللّه هلموا إلى اللّه سبحانه فتكاد قلوبهم تنخلع فرحاً .

الرابع : نداء الملك ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً ، و إن فلان ابن فلان قد شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً و سيأتي .

الخامس : النداء عند ذبح الموت يا أهل الجنة خلود فلا موت ، و ياأهل النار خلود فلا موت .

السادس : نداء أهل النار يا حسرتنا و ياويلنا .

السابع : قول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة اللّه على الظالمين .

الثامن : نداء اللّه تعالى أهل الجنة فيقول : يا أهل الجنة هل رضيت ؟ فيقولون : و ما لنا لا نرضى و قد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك . فيقول : أعطيتكم أفضل من ذلك رضائي .

الجزء الثاني من باب قول النبي صلّى اللّه عليه و سلم من سره أن ينظر إلى يوم القيامة فليقرأ إذا الشمس كورت و إذا السماء انفطرت و إذا السماء انشقت و في أسماء يوم القيامة

قال المؤلف رضي اللّه عنه : و نداء تاسع ذكره أبو نعيم عن مروان بن محمد

قال : قال أبو حازم الأعرج : يخاطب نفسه يا أعرج ينادي يوم القيامة يا أهل خطيئة كذا و كذا و كذا فتقوم معهم ، ثم ينادي يا أهل خطيئة أخرى فتقوم معهم فأراك يا أعرج تريد أن تقوم مع أهل كل خطيئة و في التنزيل يوم يناديهم فيقول أين شركائي الآية التي في القصص و حم السجدة و يوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين و بالنداء في الأخبار كثير يأتي بيانها و ذكرها في باب من يدخل الجنة بغير حساب .

و منها : يوم الواقعة . و أصل وقع في كلام العرب كان و وجد ، و جاءت الشريعة في تأكيد ذلك بثبوت ما وجد

قال اللّه تعالى : و إذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم و المراد بالقول هنا إخبار الباري عن الساعة و أنها قريبة ، و من أعظم علاماتها الدابة ، و سيأتي ذكرها و ما للعلماء فيها من الأشراط إن شاء اللّه تعالى و قوله كاذبة مصدر كالباقية و العاقبة أي ليس لوقعتها مقالة كاذبة .

و منها : الخافضة الرافعة أي ترفع قوماً في الجنة و تخفض أخرى في النار ، و الخفض و الرفع يستعملان عند العرب في المكان و المكانة و العز و الإهانة ، و نسب سبحانه الخفض و الرفع للقيامة توسعاً و مجازاً على عادة العرب في إضافتها الفعل إلى المحل و الزمان و غيرهما مما لم يمكن منه الفعل يقولون ليل قائم و نهار صائم و في التنزيل بل مكر الليل و النهار و الخافض و الرافع على الحقيقة إنما هو اللّه تعالى وحده ، فرفع أولياءه في أعلى الدرجات و جعل أعداءه في أسفل الدركات

قال اللّه تعالى يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً * و نسوق المجرمين إلى جهنم ورداً و قال صلّى اللّه عليه و سلم في حديث جابر رضي اللّه عنه : نحن يوم القيامة على كوم فوق الناس . قال ابن العربي و هذا حديث فيه تخليط في كتاب مسلم لم يتقنه رواية . و معناه : أن جميع الخلق على بسيط من الأرض سواء إلا محمداً صلّى اللّه عليه و سلم و أمته فإنهم يرفعون جميعهم على شبه من الكوم و يخفض الناس عنهم ، و في رواية : أكون أنا و أمتي يوم القيامة على تل فيكسوني ربي حلة خضراء ، ثم يؤذن لي فذلك المقام المحمود .

قلت : و هذا الرفع في المكان بحسب الزيادة في المكانة . قال ابن العربي : و هي أنواع فرفع محمداً صلّى اللّه عليه و سلم بالشفاعة في أول الخلق و بأنه أول من يدخل الجنة و يقرع بابها ، و رفع العادلين بالحديث الصحيح المقسطون يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن و كلتا يديه يمين ، و رفع القراء إلى حيث انتهت قراءتهم .

يقال : اقرأ و رتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها ، و سيأتي ورفع الشهداء فقال في الحديث الصحيح إن في الجنة مائة درجة أعدها اللّه للمجاهدين في سبيله الحديث و سبأتي ، و رفع كافل اليتيم فقال صلّى اللّه عليه و سلم أنا و كافل اليتيم كهاتين في الجنة و أشار مالك بالسبابة و الوسطى يريد في الجوار و

قال صلّى اللّه عليه و سلم : إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغائر في أفق السماء و أن أبا بكر و عمر منهم و أنعما ، و رفع عائشة على فاطمة رضي اللّه عنهما ، فإن عائشة مع النبي صلّى اللّه عليه و سلم و فاطمة مع علي رضي اللّه عنهما .

و منها : يوم الحساب و معناه أن الباري سبحانه يعدد على الخلق أعمالهم من إحسان و إساءة يعدد عليهم نعمه ، ثم يقابل البعض بالبعض فما يشف منها على الآخر حكم للمشفوق بحكمه الذي عينه للخير بالخير و للشر بالشر .

و جاء عن النبي أنه

قال : ما منكم من أحد إلا و سيكلمه اللّه ليس بينه و بينه ترجمان فقيل إن اللّه يحاسب المكلفين بنفسه و يخاطبهم معاً و لا يحاسبهم واحداً بعد واحد و المحاسبة حكم . فلذلك تضاف إليه كما يضاف الحكم إليه

قال اللّه تعالى : ألا له الحكم و قال و هو خير الحاكمين .

و في الخبر : أنه يوقف شيخ للحساب فيقول اللّه له : يا شيخ ما أنصفت غذوتك بالنعم صغيراً فلما كبرتك عصيتني

أما إني لا أكون لك كما كنت لنفسك اذهب فقد غفرت لك ما كان قبل ، و إنه ليؤتى بالشاب كثير الذنوب فإذا وقف تضعضعت أركانه و اصطكت ركبتاه فيقول الرب جل جلاله :

أما استحييتني

أما راقبتني

أما خشيت نقمتي

أما علمت أني مطلع عليك خذوه إلى أمه الهاوية ،

و قيل : إن الملائكة يحاسبون بأمر اللّه كما أن الحكام يحكمون بأمر اللّه تعالى . و قد

قال اللّه تعالى : إن الذين يشترون بعهد اللّه و أيمانهم ثمناً قليلاً إلى قوله و لا يكلمهم اللّه و إن من لم يكن بهذه الصفة فإن اللّه تعالى يكلمه فيكلم المؤمنين و يحاسبهم حساباً يسيراً من غير ترجمان إكراماً لهم ، كما أكرم موسى عليه السلام في الدنيا بالكليم ، و لا يكلم الكفار فتحاسبهم الملائكة و يميزهم بذلك عن أهل الكرامة فتتسع قدرته لمحاسبة الخلق كلهم معاً كما تتسع قدرته لإحداث خلائق كثيرة معاً .

قال اللّه تعالى : ما خلقكم و لا بعثكم إلا كنفس واحدة أي إلا كخلق نفس واحدة .

و يروى عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه و سئل عن محاسبة الخلق ف

قال : كما يرزقهم في غداة واحدة كذلك يحاسبهم في ساعة واحدة . و في صحيح مسلم حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه

قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : هل نرى ربنا يوم القيامة ؟

قال : هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة ؟ قالوا : لا .

قال : فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر وليس في سحابة قالةا : لا .

قال : فو الذي نفس محمد بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما .

قال : فيلقى العبد فيقول : أيأفل ألم أكرمك و أسودك و أزوجك و أسخر لك الخيل و الإبل و أذرك ترأس و ترتع ؟ فيقول : بلى فيقول : أفظننت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا . فيقول : إني أنساك كما نسيتني ، ثم يلقى الثاني فيقول له و يقول هو مثل ذلك بعينه ، ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول يا رب آمنت بك و بكتابك و برسلك و صليت و تصدقت و صمت و يثني بخير ما استطاع

قال : فيقول ها هن إذاً ثم يقول الآن نبعث شاهداً عليك فيقول في نفسه من ذا الذي يشهد علي فيختم على فيه . و يقال لفخذه انطقي فتنطق فخذه و لحمه و عظام بعمله و ذلك ليعذر من نفسه و ذلك المنافق و ذلك الذي يسخط اللّه عليه ، و قد

قال اللّه تعالى اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً أي حاسباً فعيلاً بمعنى فاعل ، و إذا نظر فيها و رأى أنه قد هلك فإن أدركته سابقة حسنة وضعت له لا إله إلا اللّه في كفة فرجحت له السموات و الأرض . و في رواية فطاشت السجلات و ثقلت البطاقة و سيأتي و قال من نوقش الحساب عذب .

و منها : يوم السؤال و الباري سبحانه و تعالى يسأل الخلق في الدنيا و الآخرة تقريراً لإقامة الحجة و إظهاراً للحكمة .

قال اللّه تعالى : سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة و قال و اسألهم عن القرية التي كانت حاضرةً البحر و

قال : و اسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا و هو في القرآن كثير و

قال : ليسأل الصادقين عن صدقهم و

قال : و إذا الموؤدة سئلت و

قال : فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون قيل : عن لا إله إلا اللّه . و

قال : إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا و قال عليه السلام لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع الحديث و سيأتي .

و روى ابن عمر رضي اللّه عنهما عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم

قال : ألا كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع و مسؤول عن رعيته ، و الرجل راع على أهل بيته و هو مسؤول عنهم ، و المرأة راعية على بيت زوجها و هي مسؤولة عنه ، و العبد راع على مال سيده و هو مسؤول عنه ألا فكلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته .

ومنها : يوم الشهادة و يوم يقوم الأشهاد .

و الشهادة على أربعة أنواع :

شهادة محمد و أمته تحقيقاً لشهادة الرسل على قومها .

الثاني : شهادة الأرض و الأيام و الليالي بما عمل فيها و عليها .

الثالث : شهادة الجوارح

قال اللّه تعالى : يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم و

قال : و قالوا لجلودهم لم شهدتم علينا و ذلك بين أيضاً في حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه .

الرابع : حديث أنس رضي اللّه عنه و فيه و يختم على فيه و يقال لأركانه انطقي فتنطق بأعماله ، و سيأتي بيان هذا الباب كله إن شاء اللّه تعالى .

و مناه : يوم الجدال

قال اللّه تعالى : يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها أي تخاصم و تحاج عن نفسها . و جاء في الخبر : أن كل أحد يقول يوم القيامة نفسي نفسي من شدة أهوال يوم القيامة سوى محمد صلّى اللّه عليه و سلم فإنه يسأل في أمته . على ما يأتي .

و في حديث عمر رضي اللّه عنه أنه قال لكعب الأحبار يا كعب : خوفنا هيجنا حدثنا نبهنا فقال كعب : يا أمير المؤمنين و الذي نفسي بيده لو وافيت يوم القيامة بمثل عمل سبعين نبياً لأتت عليك تارات و لا يهمك إلا نفسك و إن لجهنم زفرة لا يبقى ملك مقرب و لا نبي منتخب إلا وقع جاثياً على ركبتيه ، حتى إن إبراهيم الخليل ليدلى بالخلة فيقول رب أنا خليلك إبراهيم لا أسألك اليوم إلا نفسي . قال يا كعب : اين نجد ذلك في كتاب اللّه تعالى ؟

قال : قوله تعالى : يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها و توفى كل نفس ما عملت و هم لا يظلمون .

و قال ابن عباس رضي اللّه عنه في هذه الآية : ما تزال الخصومة بالناس يوم القيامة حتى تخاصم الروح الجسد ، فتقول الروح : رب الروح منك أنت خلقته لم يكن لي يد أبطش بها و لا رجل أمشي بها و لا عين أبصر بها و لا أذن أسمع بها و لا عقل أعقل به ، حتى جئت فدخلت في هذا الجسد فضعف عليه أنواع العذاب و نجني . فيقول الجسد : رب أنت خلقتني بيدك فكنت كالخشبة ليس لي يد أبطش بها و لا قدم أسعى بها و لا بصر أبصر به و لا سمع أسمع به ، فجاء هذا كشعاع الشمس فيه نطق لساني و به أبصر عيني و به مشت رجلي و به سمعت أذني فضعف عليه أنواع العذاب و نجني

قال : فيضرب اللّه لهما مثلاً أعمى و مقعد أدخلا بستاناً فيه ثمار فالأعمى لا يبصر و المقعد لا ينالها ، فنادى المقعد للأعمى ائتني فاحملني آكل و أطعمك فدنا منه فحمله فأصابا من الثمرة فعلى من يكون العذاب . قالا : عليهما ،

قال : عليكم جميعاً العذاب .

قال المؤلف رضي اللّه عنه و أرضاه : و من هذا الباب قول الأمم : كيف يشهد علينا من لم يدركنا إلى غير ذلك مما في معناه حسب ما يأتي .

و منها : يوم القصاص . و فيه أحاديث كثيرة يأتي ذكرها في باب إن شاء اللّه تعالى .

و منها : يوم الحاقة . و سميت بذلك لأن الأمور تحق فيها . قاله الطبري كأنه جعلها من باب : ليلي نائم كما تقدم .

و قيل : سميت حاقة لأنها كانت من غير شك .

و قيل : سميت بذلك لأنها أحقت لأقوام النار .

و منها يوم الطامة . معناها الغالبة من قولك طم الشيء إذا علا و غلب ، و لما كانت تغلب كل شيء كان لها هذا الاسم حقيقة دون كل شيء .

قال الحسن : الطامة النفخة الثانية ،

و قيل : حين يساق أهل النار إلى النار .

و منها : يوم الصاخة قال عكروة : الصاخة : النفخة الأولى و الطامة : النفخة الثانية قال الطبري أحسبه من صخ فلان فلاناً إذا أصمه . قال ابن العربي : الصاخة التي تورث الصمم و إنها المسمعة ، و هذا من بديع الفصاحة حتى لقد قال بعض أحداث الأسنان حديثي الأزمان :

أصم بك الناعي و إن كنت أسمعا

و قال آخر :

أصمني شرهم أيام فرقتهم فهل سمعتم بشر يورث الصمما

و لعمرو اللّه إن صيحة القيامة مسمعة تصم عن الدنيا و تسمع أمور الآخرة ، و بهذا كله كان يوماً عظيماً كما

قال اللّه تعالى في وصفه بالعظيم . وكل شيء كبر في أجزائه فهو عظيم .كذلك ما كبر في معانيه . و بهذا المعنى كان الباري عظيماً ، لسعة قدرته و علمه و كثرة ملكه الذي لا يحصى ، و لما كان أمر الآخرة لا ينحصر كان عظيماً بالإضافة إلى الدنيا و لما كان محدثاً له أول صار حقيراً بالإصافة إلى العظيم الذي لا يحد .

و منها : يوم الوعيد و هو أن الباري سبحانه أمر و نهى و وعد و أوعد فهو أيضاً يوم الوعد و الوعد للنعيم و الوعيد للعذاب الأليم ، و حقيقة الوعيد هو الخبر عن العقوبة عند المخالفة ، و الوعد الخبر عنى المثوبة عند الموافقة ، و قد ضل في هذه المسألة المبتدعة و قالوا : إن من أذنب ذنباً واحداً فهو مخلد في النار تخليد الكفار أخذاً بظاهر هذا اللفظ في آي فلم يفهموا العربية و لا كتاب اللّه و أبطلوا شفاعة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم . و سيأتي الرد عليهم في أبواب من هذا الكتاب إن شاء اللّه تعالى .

و منها : يوم الدين . و هو في لسان العرب الجزاء قال الشاعر :

حصادك يوماً ما زرعت و إنما يدان الفتى فيه كما هو دائن

و قال آخر :

و اعلم يقيناً أن ملكك زائل و اعلم بأنك كما تدين تدان

و منها : يوم الجزاء .

قال اللّه تعالى : اليوم تجزون ما كنتم تعملون و

قال : اليوم تجزى كل نفس بما كسبت و هو أيضاً يوم الوفاء .

قال اللّه تعالى : يومئذ يوفيهم اللّه دينهم الحق أي حسابهم و جزاؤهم و الجنة جزاء الحسنات و النار جزاء السيئات .

قال اللّه تعالى في المعنيين جزاء بما كانوا يكسبون و جزاء بما كانوا يعملون و قال في جهة الوعيد كذلك نجزي كل كفور .

و منها : يوم الندامة . و ذلك أن المحسن إذا رأى جزاء إحسانه و الكافر جزاء

كفره ندم المحس أن لا يكون مستكثراً ، و ندم المسيء أن لا يكون استعتب ، فإذا صار الكافر إلى عذاب لا نفاد له تحسر ، فلذلك سمي يوم الحسرة

قال اللّه تعالى : و أنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر و ذلك عند ذبح الموت على ما يأتي و هم في غفلة يعني الآن عن ذلك اليوم . و الحسرة : عبارة عن استشكاف المكروه بعد خفائه .

و منها : يوم التبديل .

قال اللّه تعالى : يوم تبدل الأرض غير الأرض و السموات و قد تقدم القول في ذلك مستوفى .

و منها : يوم التلاق .

قال اللّه تعالى : لينذر يوم التلاق و هو عبارة عن اتصال المعنيين بسبب من أسباب العلم و الجسمين . و هو أنواع أربعة :

الأول : لقاء الأموات لمن سبقهم إلى الممات فيسألونهم عن أهل الدنيا كما تقدم .

و الثاني : عمله و قد تقدم .

الثالث : لقاء أهل السموات لأهل الأرض في المحشر و قد تقدم .

الرابع : لقاء الخلق للباري سبحانه و تعالى و ذلك يكون في عرصات القيامة و في الجنة على ما يأتي .

و منها : يوم الآزفة . تقول العرب أزف كذا أي قرب قال الشاعر :

أزف الترحل غير أن ركابنا لما نزل برحالنا و كأن قد

و هي قريبة جداً و كل آت قريب و إن بعد مداه

قال اللّه تعالى : و ما يدريك لعل الساعة تكون قريباً و ما يستبعد الرجل من الساعة و مدته ساعة .

و منها : يوم المآب . و معناه الرجوع إلى اللّه تعالى و لم يذهب عن اللّه شيء فيرجع إليه . و إنما حقيقته أن العبد يخلق اللّه فيه ما شاء من أفعاله لما خلق فيه علماً و خلق فيه إيثاراً و اختياراً ظن الناس أنه شيء أو أن له فعلاً ، فإذا أماته و سلب ما كان أعطاه أذعن و آب في وقت لا ينفعه الإياب ، و لم يزل عن اللّه تعالى في حال فهو الأواب .

و منها : يوم المصير . و هو يوم المآب بعينه

قال اللّه تعالى : و للّه ملك السموات و الأرض و إلى اللّه المصير فالخلق سائرون إلى أمر اللّه تعالى . و آخر ذلك ذار القرار و هي الجنة أو النار

قال اللّه تعالى في حق الكافرين : قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار .

و منها : يوم القضاء . وهو أيضاً يوم الحكم و الفصل ، و سيأتي أن أول ما يقضى فيه الدماء و

قال صلّى اللّه عليه و سلم : ما من صاحب ذهب و لا فضة لا يؤدى منها حقها الحديث و فيه كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد و الفصل هو الفرق و القطع فيفصل يومئذ بين المؤمن و الكافر و المسيء و المحسن .

قال اللّه تعالى : يوم القيامة يفصل بينكم الآية و هو يوم الحكم لأن إنفاذ الحكم هو إنفاذ العلم

قال اللّه تعالى : الملك يومئذ للّه يحكم بينهم الآية . و قال ذلكم حكم اللّه يحكم بينكم .

و منها : يوم الوزن .

قال اللّه تعالى : و الوزن يومئذ الحق الآية . و سيأتي الكلام في الميزان و وزن الأعمال فيه في أبواب إن شاء اللّه .

و منها : يوم عقيم . و هو في اللغة عبارة عن من لا يكون له ولد . و لما كان الولد يكون بين الأبوين و كان الأيام تتوالى قبل و بعد جعل الاتباع بالتعدية فيها كهيئة الولادة . و لما لم يكن بعد ذلك اليوم يوم وصف بالعقيم .

و منها : يوم عسير . و هذا في حق الكافرين خاصة . و العسر ضد اليسر فهو عسير على الكافرين ، لأنهم لا يرون فيه أملاً و لا يقطعون فيه رجاء حتى إذا خرج المؤمنون من النار طلبوا مثل ذلك ، فيقال لهم اخسؤوا فيها ولا تكلمون فحينئذ يكون المنع الصريح على ما يأتي بيانه في أبواب النار إن شاء اللّه تعالى ،

وإما المؤمنون فتنحل عقدهم بيسر إلى يسر ، فينحل طول الوقوف إلى تعجيل الحساب و تثقيل الموازين و جواز الصراط و الضلال بالأعمال ، و لا تنحل للكافرين من هذه العقد عقدة واحدة إلا إلى أشد منها حتى إلى جهنم دار القرار .

و منها : يوم مشهود . سمي بذلك لأنه يشهده كل مخلوق

و قيل : سمي بذلك لأن الشهداء يشهدون فيه على ما يأتي و اللّه أعلم .

و منها : يوم التغابن . سمي بذلك لأن الناس يتغابنون في المنازل عند اللّه : فريق في الجنة و فريق في السعير . و حقيقته في لسان العرب : ظهور الفضل في المعاملة لأحد المتعاملين و الدنيا و الآخرة دار العملين و حالين و كل واحد منهما للّه و لا يعطى أحدهما إلا لمن ترك نصيبه من الأخرى :

قال اللّه تعالى من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد و

قال : من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه و من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها و ما له في الآخرة من نصيب و من أراد الآخرة فسعيه مشكور ، و حظه في الآخرة موفور .

و منها : يوم عبوس قمطرير ، و القمطرير : الشديد و قيل الطويل .

وإما العبوس فهو الذي يعبس فيه سمي باسم ما يكون فيه ، كما يقال ليل قائم و نهار صائم و كلوح الوجه ، و عبوسه هو قبض ما بين العينين و تغير السحنة عن عادتها الطلقة .

يقال : يوم طلق إذا كانت شمسه نيرة فاترة و إذا كانت شمسه مدجية قد غطاها السحاب . قيل : يوم عبوس و أول العبوس و الكلوح عند الخروج من القبور و رؤية الأعمال في الصور القبيحة كما تقدم ، و آخر ذلك كلوح النار و هو الكلوح الأعظم يشوي الوجوه و يسقط الجلود على ما يأتي ، و مع العبوس تشخص الأبصار و هي ثبوتها راكدة على منظر واحد لهول لا ينتقل منه إلى غيره كما قال سبحانه ليوم تشخص فيه الأبصار .

و منها : يوم تبلى السرائر . و معناه إخراج المخبآت بالاختبار بوزن الأعمال في الصحف و يكشف الساق عند السجود على ما يأتي .

و منها : يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً . و هو مثل قوله و اتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً و لا يقبل منها شفاعة و لا يؤخذ منها عدل و لا هم ينصرون و

قال : يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً فكل نفس بما كسبت رهينة لا يغنى أحد عن أحد شيئاً ، بل ينفصل كل واحد عن أخيه و أبيه ، و لذلك كان يوم الفصل و يوم الفرار .

قال اللّه تعالى : إن يوم الفصل كان ميقاتاً و

قال تعالى : يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه

أما إنه يجزي و يقضي و يعطي و يغني بغير اختياره من حسناته ما عليه من الحقوق على ما يأتي بيانه في أحاديث المفلس إن شاء اللّه تعالى .

و منها : يوم يدعون إلى نار جهنم دعاً . والدع الدفع أي يدفعون إلى جهنم و يسحيون فيها وجوههم كما

قال تعالى : يوم يسحبون في النار على وجوههم .

و منها : يوم التقلب و هو التحول .

قال اللّه تعالى : يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب و الأبصار أي قلوب الكفار و أبصارهم فتقلب قلوب الكفار انتزاعها من أماكنها إلى الحناجر فلا هي ترجع إلى أماكنها و لا هي تخرج ، فأما تقلب الأبصار فالزرقة بعد الحكل و العمى بعد البصر .

و قيل : تتقلب القلوب بين الطمع في النجاة و الخوف من الهلاك و الإبصار تنظر من أي ناحية يعطون كتبهم و إلى أي ناحية يؤخذ بهم .

و قيل : إن قلوب الشاكين تتحول عما كانت عليه من الشك و كذلك أبصارهم لرؤيتهم اليقين إلا أن ذلك لا ينفعهم في الآخرة .

و منها : يوم الشخوص و الإقناع .

قال اللّه تعالى : إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار أي لا تغمض فيه من هول ما ترى في ذلك اليوم . قاله الفراء .

و قال ابن عباس رضي اللّه عنه : تشخص أبصار الخلائق يومئذ إلى الهواء لشدة الحيرة فلا يغتمضون مهطعين أي مديمي النظر .

قال مجاهد و الضحاك : مقنعي رؤوسهم أي رافعي رؤوسهم و إقناع الرأس رفعه . قاله ابن عباس و مجاهد ، و

قال الحسن : وجوه الناس يومئذ إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد . فإن قيل : فقد

قال اللّه تعالى في غير هذه الآية خاشعة أبصارهم و

قال : خشعاً أبصارهم فكيف يكون الرافع رأسه الناظر نظراً طويلاً حتى إن طرفه لا يرتد إليه خاشع البصر ؟ .

فالجواب أنهم يخرجون حال المضي إلى الموقف خاشعة أبصارهم ، و في هذه الحال وصفهم اللّه تعالى بخشوع الأبصار و إذا توافوا و ضمهم الموقف و طال القيام عليهم فإنهم يصيرون من الحيرة كأنهم لا قلوب لهم و يرفعون رؤوسهم فينظرون النظر الطويل و لا يرتد إليهم طرفهم كأنهم قد نسوا الغمض أو جلهوه فهو تعسير عليهم .

و منها : هذا يوم لا ينطقون * و لا يؤذن لهم فيعتذرون .

و ذلك حين يقال لهم اخسؤوا فيها ولا تكلمون و تطبق عليهم جهنم على ما يأتي بيانه في أبواب النار .

و منها : يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم و إن أذن لهم بأن يمكنوا منها لا بأن يقال لهم اعتذروا كقوله ربنا إنا أطعنا سادتنا و كبراءنا الآية و كقوله ربنا أخرجنا منها الآية .

و منها : و لا يكتمون اللّه حديثاً .

و منها : يوم الفتنة .

قال اللّه تعالى يوم هم على النار يفتنون أي يعذبون من قولك فتنت الذهب إذا رميت به في النار .

و منها : يوم لا مرد له من اللّه يريد يوم القيامة أي لا يرده أحد بعد ما حكم اللّه به و جعل له أجلاً و وقتاً .

و منها : يوم الغاشية . و سميت بذلك لأنها تغشى بإفزاعها . أي تعمهم بذلك . و منه غاشية السرج .

و منها : فيومئذ لا يعذب عذابه أحد و لا يوثق وثاقه أحد .

و منها : يوم لا بيع فيه و لا خلال

قال اللّه تعالى قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة و ينفقوا مما رزقناهم سراً و علانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه و لا خلال و

قال تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه و لا خلة و لا شفاعة و الخلة و الخلال الصداقة و المودة .

و منها : يوم لا ريب فيه ، و إن وقع فيه رب الكفار أي شك فليس فيه ريب لقيام الأدلة الظاهرة عليه كما

قال اللّه تعالى أفي اللّه شك فليس في الباري شك لقيام الأدلة عليه و لشهادة أفعاله و لاقتضاء المحدث أن يكون له محدث ، و لكن قد شك فيه قوم و نفاه آخرون ، و لم يوجب ذلك شكا فيه لقيام الأدلة عليه ، فكذلك يوم القيامة لا ريب و لا شك فيه مع النظر في الدليل و العلم ، فإذا خلق اللّه تعالى الرين على القلب كان الشك .

قال اللّه تعالى ذلك بأن اللّه هو الحق و أنه يحيي الموتى و أنه على كل شيء قدير * و أن الساعة آتية لا ريب فيها و أن اللّه يبعث من في القبور .

و منها : يوم تبيض وجوه و تسود وجوه و سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى .

و منها : يوم الأذان : دخل طاووس على هشام بن عبد الملك فقال له : اتق اللّه و احذر يوم الأذان ف

قال : و ما يوم الأذان ؟

قال : قوله تعالى فأذن مؤذن بينهم أن لعنة اللّه على الظالمين فصعق هشام ، فقال طاووس : هذا ذل الصفة فكيف ذل المعاينة .

و منها : يوم الشفاعة

قال اللّه تعالى من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه و

قال تعالى و لا يشفعون إلا لمن ارتضى و قال لا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له و قال فما لنا من شافعين و سيأتي بيانه .

و منها : يوم العرق ، و سيأتي بيانه في أحاديث في الباب بعد هذا بحول اللّه وقوته .

و منها يوم القلق و الجولان . و هو عبارة عند عدم الاستقرار و الثبوت

يقال : قلق الرجل يقلق قلقاً إذا لم يستقر و مثله جال يجول إذا لم يثبت .

و منها : يوم الفرار .

قال اللّه تعالى يوم يفر المرء من أخيه * و أمه و أبيه * و صاحبته و بنيه فيفر كل واحد من صاحبه حذراً من مطالبته إياه ،

إما لما بينهم من التبعات أو لئلا يروا ما هو فيه من الشدة . و قال عبد اللّه بن طاهر الأبهري : يفر منهم لما يتبين له من عجزهم و قلة حيلتهم إلى من يملك كشف تلك الكروب و الهموم عنه ، و لو ظهر له ذلك في الدنيا لما اعتمد شيئاً سوى ربه تعالى . و

قال الحسن : أول من يفر يوم القيامة من أبيه إبراهيم ، و أول من يفر من ابنه نوح ، و أول من يفر من امرأته لوط .

قال : فيرون أن هذه الآية نزلت فيهم ، و هذا فرار التبري نجانا اللّه من أهوال هذا اليوم بحق محمد نبي الرحمة و صحبه الكرام البرزة ، و جعلنا ممن حشر في زمرتهم و لا خالف بنا على طريقهم و مذهبهم بمنه و كرمه آمين ، و صلّى اللّه على سيدنا محمد و آله و صحبه و سلم .

قال المؤلف : و قد سرد تسمية هذه الأيام على التوالي من غير تفسير غير واحد من العلماء . منهم ابن نجاح في سبل الخيرات ، و أبو حامد الغزالي في غير موضع من كتبه كالإحياء و غيره ، و القتبي في كتاب عيون الأخبار ، و هذا تفسيرها حسب ما ذكره القاضي أبو بكر بن العربي في سراج المريدين ، و ربما زدنا عليه في ذلك و الحمد للّه على ذلك . و لا يمتنع أن تسمي غير ما ذكرنا بحسب الأحوال الكائنة فيه من الازدحام و التضايق و اختلاف الأقدام الخزي و الهوان و الذل و الافتقار و الصغار و الانكسار و يوم الميقات و المرصاد إلى غير ذلك من الأسماء ، و سيأتي التنبية على ذلك إن شاء اللّه تعالى في الباب بعد هذا .