باب منه و بيان قوله تعالى : لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه مسلم عن عائشة رضي اللّه عنها قالت : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول : يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً . قلت يا رسول اللّه : الرجال و النساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض ؟ قال : يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض . الترمذي عن ابن عباس رضي اللّه عنه أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال : تحشرون حفاة عراة غرلاً فقالت امرأة : أيبصر بعضنا أو يرى بعضنا عورة بعض ؟ قال : يا فلانة لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه قال حديث حسن صحيح . فصل : قلت : هذا الباب و الذي قبله يدل على أن الناس يحشرون حفاة عراة غرلاً أي غير مخنوتين كما بدأنا أول خلق نعيده . قال العلماء : يحشر العبد غداً و له من الأعضاء ما كان له يوم ولد ، فمن قطع منه عشو يرد في القيامة عليه حتى الختان . و قد عارض هذا الباب ما روى أبو داود في سننه ، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه لما حضرته الوفاة دعا بثياب جدد فلبسها و قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول : إن الميت يبعث في ثيابه التي دفن فيها . قال ابو عمر بن عبد البر : و قد احتج بهذا الحديث من قال : إن الموتى يبعثون جملة على هيئاتهم . و حمله الأكثر من العلماء على الشهيد الذي أمر أن يزمل في ثيابه و يدفن فيها و لا يغسل عنه دمه و لا يغير عليه شيء من حاله بدليل حديث ابن عباس و عائشة رضي اللّه عنهما . قالوا : و يحتمل أن يكون أبو سعيد سمع الحديث في الشهيد فتأوله على العموم ، و اللّه أعلم . قلت : و مما يدل على قول الجماعة مما يواقف حديث عائشة و ابن عباس قوله الحق : و لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة و قوله : كما بدأكم تعودون و لأن الملابس في الدنيا أموال و لا مال في الآخرة زالت الأملاك بالموت و بقيت الأموال في الدنيا و كل نفس يومئذ ، فإنما يقيها المكاره ما وجب لها بحسن عملها أو رحمة ميتدأة من اللّه عليها . فأما الملابس فلا غنى فيها يومئذ إلا ما كان من لباس الجنة على ما تقدم في الباب قبل . و ذهب أبو حامد في كتاب كشف علوم الآخرة إلى حديث أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال : بالغوا في أكفان موتاكم فإن أمتي تحشر بأكفانها و سائر الأمم عراة و رواه أبو سفيان مسنداً . قال المؤلف رحمه اللّه : و هذا الحديث لم أقف عليه . و اللّه أعلم بصحته ، و إن صح فيكون معناه فإن أمتي الشهداء تحشر بأكفانها حتى لا تتناقض الأخبار و اللّه أعلم . و لا يعارض هذا الباب ما تقدم أول الكتاب من أن الموتى يتزاورون في قبورهم بأكفانهم ، فإن ذلك يكون في البرزخ ، فإذا قاموا من قبورهم خرجوا عراة ما عدا الشهداء ، و اللّه أعلم . |