Geri

   

 

 

İleri

 

باب يفنى العباد و يبقى الملك اللّه وحده

البخاري و مسلم عن أبي هريرة

قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : يقبض اللّه الأرض يوم القيامة و يطوي السماء بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ و عن عبد اللّه بن عمر

قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : يطوي اللّه السماء يوم القيامة . ثم يأخذهن بيده اليمنى . ثم يقول : أنا الملك أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ ثم يطوي الأرض بشماله . ثم يقول : أنا الملك أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ انفرد به مسلم .

و عن عبد اللّه بن مقسم أنه نظر إلى عبد اللّه بن عمر كيف يحكي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ؟

قال : يأخذ اللّه سماواته و أرضيه بيده . فيقول : أنا اللّه و يقبض أصابعه و يبسطها فيقول : أنا الملك حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل حتى إني أقول : أساقط هو برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم .

فصل : هذه الأحاديث تدل على أن اللّه سبحانه يفني جميع خلقه أجمع كما تقدم ثم يقول اللّه عز و جل : لمن الملك اليوم فيجيب نفسه المقدسة بقوله : للّه الواحد القهار .

و قيل : إن المنادي ينادي بعد حشر الخلق على أرض بيضاء مثل الفضة لم يعص اللّه عليها على ما يأتي لمن الملك اليوم فيجيبه العباد للّه الواحد القهار رواه أبو وائل عن ابن مسعود و اختاره أبو جعفر النحاس

قال : و القول صحيح عن ابن مسعود و ليس هو مما يؤخذ بالقياس و لا بالتأويل .

قال المؤلف رضي اللّه عنه : و القول الأول أظهر لأن المقصود إظهاره انفراده تعالى بالملك عند انقطاع دعوى المدعين و انتساب المنتسبين . إذ قد ذهب كل ملك و ملكه و كل جبار و متكبر و ملكه ، و انقطعت نسبتهم و دعاويهم و هذا أظهر . و هو قول الحسن و محمد بن كعب و هو مقتضى قوله الحق : أنا المالك أين ملوك الأرض ؟ .

و في حديث أبي هريرة ثم يأمر اللّه عز و جل إسرافيل فينفخ نفخة الصعق فيصعق من في السموات و من في الأرض إلا ما شاء اللّه . فإذا اجتمعوا أمواتاً جاء ملك الموت إلى الجبار فيقول : قد مات أهل السماء و الأرض إلا ما شئت . فيقول اللّه سبحانه ـ و هو أعلم ـ من بقي ؟ فيقول يا رب بقيت أنت الحي الذي لا تموت و بقي حملة العرش و بقي جبريل و ميكائيل و إسرافيل و بقيت أنا . فيقول اللّه عز و جل : ليمت جبريل و ميكائيل . فينطق اللّه عز و جل العرش . فيقول أي رب يموت جبريل و ميكائيل ؟ فيقول : اسكت إني كتبت الموت على كل من تحت عرشي فيموتان .

قال : ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار جل جلاله . فيقول يا رب قد مات جبريل و ميكائيل قيول اللّه سبحانه ـ و هو أعلم ـ من بقي ؟ فيقول يا رب بقيت أنت الحي الذي لا تموت و بقي حملة عرشك و بقيت أنا . فيقول : ليمت حملة العرش . فيموتون فيأمر اللّه العرش فيقبض الصور من إسرافيل . ثم يقول : ليمت إسرافيل . فيموت . ثم يأتي ملك الموت فيقول يا رب قد مات حملة عرشك . فيقول ـ و هو أعلم ـ من بقي ؟ فيقول بقيت أنت الحي الذي لا تموت ، و بقيت أنا . فيقول اللّه : أنت خلق من خلقي خلقتك لما رأيت فمت فيموت . فإذا لم يبق إلا اللّه الواحد الأحد الصمد الذي لم يتخذ صاحبة و لا ولداً لم يلد و لم يولد * و لم يكن له كفواً أحد . فكان كما كان أولاً طوى السماء كطي السجل للكتاب . ثم

قال : أنا الجبار . لمن الملك اليوم فلم يجبه أحد فيقول جل ثناؤه و تقدست أسماؤه للّه الواحد القهار .

قلت : حديث أبي هريرة هذا فيه طول و هذا وسطه و يأتي آخره في الباب بعد هذا و يأتي أوله بعد ذلك إن شاء اللّه تعالى فيتصل جميعه إن شاء اللّه تعالى . ذكره الطبري و علي بن معبد و الثعلبي و غيرهم .

و في حديث لقيط بن عامر عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم : ثم تلبثون ما لبثتم . ثم تبعث الصيحة فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من شيء إلا مات و الملائكة الذين مع ربك فأصبح ربك يطوف في البلاد و قد خلت عليه البلاد و ذكر الحديث و هو حديث فيه طول .

خرجه أبو داود الطيالسي في مسنده و غيره الأوزاعي

قال علماؤنا : قوله : فأصبح ربك يطوف بالبلاد و قد خلت عليه البلاد إنما هو تفهم و تقريب إلى أن جميع من في الأرض يموت . و أن الأرض تبقى خالية و ليس يبقى إلا اللّه كما

قال : كل من عليها فان * و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام و عند قوله سبحانه لمن الملك اليوم هو انقطاع زمن الدنيا و بعده يكون البعث و النشر و الحشر على ما يأتي . و في فناء الجنة و النار عند فناء جميع الخلق قولان :

أحدهما : يفنيهما و لا يبقى شيء سواه و هو معنى قوله الحق : هو الأول و الآخر

و قيل : إنه مما لا يجوز عليهما الفناء و إنهما باقيان بإبقاء اللّه سبحانه . و اللّه أعلم . و قد تقدم في الباب قبل هذا الإشارة إلى ذلك . و قد قيل : إنه ينادي مناد فيقول : لمن الملك اليوم ؟ فيجيبه أهل الجنة : للّه الواحد القهار .

فصل : في بيان ما أشكل من الحديث من ذكر اليد و الأصابع

إن من قائل : ما تأويل اليد عندكم و اليد حقيقتها في الجارحة المعلومة عندنا . و تلك التي يكون القبض و الطي بها ؟ قلنا : لفظ الشمال أشد في الإشكال .

و ذلك في الإطلاق على اللّه محال .

و الجواب : أن اليد في كلام العرب لها خمسة معان : تكون بمعنى القوة . و منه قوله تعالى : واذكر عبدنا داود ذا الأيد و تكون بمعنى الملك و القوة . و منه قوله تعالى : قل إن الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء و تكون بمعنى النعمة . تقول العرب : كم يد لي عند فلان أي كم من نعمة أسديتها إليه . و تكون بمعنى الصلة . و منه قوله تعالى مما عملت أيدينا أنعاماً أي مما عملنا نحن . و

قال تعالى : أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح أي الذي له النكاح . و تكون بمعنى الجارحة .

ومنه قوله تعالى : و خذ بيدك ضغثاً فاضرب به و لا تحنث . و قو له في الحديث [ بيده ] عبارة عن قدرته و إحاطته بجميع مخلوقاته ،

يقال : ما فلان إلا في قبضتي . بمعنى : ما فلان إلا في قدرتي . و الناس يقولون : الأشياء في قبضة اللّه يريدون في ملكه و قدرته ، و قد يكون معنى القبض و الطي : إفناء الشيء و إذهابه فقوله عز و جل: و الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة يحتمل أن يكون المراد به الأرض جميعاً ذاهبة فانية يوم القيامة .

و قوله : و السماوات مطويات بيمينه ليس يريد به طياً بعلاج و انتصاب ، و إنما المراد بذلك الفناء و الذهاب  .

يقال : قد انطوى عنا ما كنا فيه و جاءنا غيره و انطوى عنا دهر بمعنى المضي و الذهاب .

فإن قيل : فقد قال في الحديث : و يقبض أصابعه و يبسطها و هذه حقيقة الجارحة ؟ قلنا : هذا مذهب المجسمة من اليهود و الحشوية . و اللّه تعالى متعال عن ذلك و إنما المعنى حكاية الصاحب عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم : يقبض أصابعه و يبسطها و ليس معنى اليد في الصفات بمعنى الجارحة حتى يتوهم بثبوتها ثبوت الأصابع ، فدل على أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم هو الذي كان يقبض أصابعه و يبسطها . قال الخطابي و ذكر الأصابع لم يوجد في شيء من الكتاب و السنة المقطوع بصحتهما .

فإن قيل : فقد ورد ذكر الأصابع في غير ما حديث فما جوابكم عنه ؟ فقد روى البخاري و مسلم

قال : أتى النبي صلّى اللّه عليه و سلم رجل من أهل الكتاب ف

قال : يا أبا القاسم أبلغك أن اللّه تعالى يحمل السموات على أصبع ، و الأرضين على أصبع ، و الشجر على أصبع ، و الثرى على أصبع ، و الخلائق على أصبع ؟ فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم حتى بدت نواجذه فأنزل اللّه عز و جل و ما قدروا اللّه حق قدره ، و الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة ، و السماوات مطويات بيمينه .

و روى عن عبد اللّه بن عمرو أنه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول : إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفها حيث يشاء ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : اللّهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك و مثله كثير . قيل له : اعلم أن الأصابع قد يكون بمعنى الجارحة و اللّه تعالى يتقدس عن ذلك ، و يكون بمعنى القدرة على الشيء ، و يسارة تقليبه ، كما تقول من استسهل شيئاً و استخفه مخاطباً لمن استثقله : أنا أحمله على أصبعي و ارفعه علي بأصبعي ، و أمسكه بخنصري . و كما يقال من أطاع بحمل شيء : أنا أحمله على عيني و أفعله على رأسي . يعني به الطواعية و ما أشبه ذلك . قد قال في معناه و هو كثير . و مما قال عنترة و قيل ابن زيادة التيمي :

الرمح لا أملأ كفي به و اللبد لا أتبع تزواله

يريد أنه لا يتكلف أن يجمع كفه فيشتمل على الرمح لكن يطعن به خلساً بأصابعه لخفة ذلك عليه .

و قوله : لا أتبع تزواله : أي إذا مال لم أمل معه .

يقول : أنا ثابت على ظهر الخيل لا يضرني فقد بعض الآلة ، و لا تغير السرج عما يريده الراكب . يصف نفسه بالفروسية في الركوب و الطعن ، فلما كانت السموات و الأرض أعظم الموجودات قدراً و أكبرها خلقاً كان إمساكها بالنسبة إلى اللّه تعالى كالشيء الحقير الذي نجعله نحن بين أصابعنا و نهزه بأيدينا ، و نتصرف فيه كيف شئنا فتكون الإشارة بقوله : ثم يقبض أصابعه و يبسطها و بقوله : ثم يهزهن كما جاء في بعض طرق مسلم و غيره . أي هي في قدرته كالحبة مثلاً في كف أحدنا التي لا نبالي بإمساكها و لا بهزها و لا تحريكها ، و لا القبض و البسط عليها ، و لا نجد في ذلك صعوبة و لا مشقة ، و قد يكون الأصبع أيضاً في كلام العرب بمعنى النعمة و هو المراد بقوله عليه السلام : إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن أي بين نعمتين من نعم الرحمن

يقال : لفلان علي أصبع أي أثر حسن إذا أنعم عليه نعمة حسنة ، و للراعي على ماشيته أصبع أي أثر حسن . و أنشد الأصمعي للراعي :

ضعيف العصي بادي العروق ترى له عليها إذا ما أجدب الناس أصبعاً

و قال آخر :

صلاة و تسبيح و إعطاء سائل و ذي رحم تبل منك أصبع

أي أثر حسن . و قال آخر :

من يجعل اللّه عليه أصبعاً في الخير و الشر يلقاه معاً

فإن قيل : كيف جاز إطلاق الشمال على اللّه تعالى و ذلك يقتضي النقص ؟ قيل : هو مما انفرد به عمر بن حمزة عن سالم ،

و قد روى هذا الحديث نافع و عبد اللّه بن مقسم عن ابن عمر لم يذكرا فيه الشمال . و رواه أبو هريرة و غيره عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم و لم يذكر فيه واحد منهم الشمال .

و قال البيهقي

و روى ذكر الشمال في حديث آخر في غير هذه القصة إلا أنه ضعبف بمرة ، و كيف يصح ذلك و صحيح عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم أنه سمى كلتا يديه يميناً ؟ و كان من قال ذلك أرسله من لفظه على ما وقع له أو على عادة العرب في ذكر الشمال في مقابلة اليمين .

قال الخطابي : ليس فيما يضاف إلى اللّه عز و جل من صفة اليد شمال ، لأن الشمال محل النقص و الضعف .

و قد روى كلتا يديه يمين و ليس معنى اليد عندنا الجارحة ، و إنما هي صفة جاء بها التوقيف فنحن نطلقها على ما جاءت و لا نكفيها .

و ننتهي إلى حيث انتهى بنا الكتاب و السنة المأثورة الصحيحة ، و هو مذهب أهل السنة و الجماعة . و قد يكون اليمين في كلام العرب بمعنى القدرة و الملك و منه قوله تعالى : أو ما ملكت أيمانكم يريد بها الملك ، و قال لأخذنا منه باليمين أي بالقوة و القدرة أي أخذنا قدرته و قوته . قال الفراء : اليمين القوة و القدرة و أنشد :

إذا ما رايةً رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين

و قال آخر :

و لما رأيت الشمس أشرق نورها تناولت منها حاجتي بيميني

ف

قلت : شنيفاً ثم فاران بعده و كان على الآيات غير أمين

قلت : و على هذا التأويل تخرج الآية و الحديث و اللّه أعلم . و قد تكون اليمين في كلام مالك العرب بمعنى : التبجيل و التعظيم . يقال عندنا باليمين أي بالمحل الجليل و منه قول الشاعر :

أقول لناقتي إذ بلغتني لقد أصبحت عندي باليمين

أي بالمحل الرفيع

وإما قوله : كلتا يديه يمين فإنه فإنه أراد بذلك التمام و الكمال ، و كانت العرب تحب التيامن و تكره التياسر لما في التياسر من النقصان ، و في التيامن من التمام . فإن قيل : فأين يكون الناس عند طي الأرض و السماء ؟ قلنا : يكونون على الصراط على ما يأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى .