Geri

   

 

 

İleri

 

باب في قول اللّه تعالى و نفخ في الصور فصعق من في السماوات و من في الأرض إلا من شاء اللّه

و هم الملائكة ، أو الشهداء ، أو الأنبياء ، أو حملة العرش ، أو جبريل ، أو ميكائيل ، أو ملك الموت . صعق : مات .

روى الأئمة عن أبي هريرة

قال : قال رجل من اليهود بسوق المدينة : و الذي اصطفي موسى على البشر . فرفع رجل من الأنصار يده فلطمه .

قال : تقول هذا و فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ؟ فذكرت ذلك لرسول اللّه قال اللّه عز و جل و نفخ في الصور فصعق من في السماوات و من في الأرض إلا من شاء اللّه ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون فأكون أول من رفع رأسه فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أرفع رأسه قبلي . أو كان ممن استثنى اللّه . و من

قال : [ أنا خبر من يونس بن متى : فقد كذب ] لفظ ابن ماجه

أخرجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن علي بن مسهر ، و

أخرجه الترمذي عن أبي كريب محمد بن العلاء .

قال : حدثنا عبدة بن سليمان جميعاً ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة . قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، و

أخرجه البخاري و مسلم بمعناه .

فصل : و اختلف العلماء في المستثنى : من هو ؟ فقيل الملائكة . و قيل الأنبياء . و قيل الشهداء و اختاره الحليمي

قال : و هو مروي عن ابن عباس أن الاستتثناء لأجل الشهداء . فإن اللّه تعالى يقول : أحياء عند ربهم يرزقون و ضعف غيره من الأقوال على ما يأتي و قال شيخنا أبو العباس : و الصحيح أنه لم يرد في تعيينهم خبر صحيح ، و الكل محتمل .

قلت : قد ورد حديث أبي هريرة بأنهم الشهداء و هو الصحيح على ما يأتي : و أسند النحاس في كتاب معاني القرآن له حدثنا الحسين بن عمر الكوفي

قال : حدثنا هناد بن السرى

قال : حدثنا وكيع ، عن شعبة عمارة ابن أبي حفصة ، عن حجر الهجري ، عن سعيد بن جبير في قول اللّه عز و جل إلا من شاء اللّه

قال : هم الشهداء هم ثنية اللّه عز و جل متقلدو السيوف حول العرش . و

قال الحسن : استثنى طوائف من الملائكة يموتون بين النفختين .

قال يحيى بن سلام في تفسيره : بلغني أن آخر من يبقى منهم : جبريل و ميكائيل و إسرافيل و ملك الموت . ثم يموت جبريل و ميكائيل و إسرافيل ثم يقول اللّه عز و جل لملك الموت : مت . فيموت . و قد جاء هذا مرفوعاً في حديث أبي هريرة الطويل على ما يأتي .

و قيل : هم حملة العرش و جبريل و ميكائيل . ملك الموت .

و قال الحليمي : من زعم أن الاستثناء لأجل حملة العرش أو جبريل و ميكائيل و ملك الموت أو زعم أنه لأجل الولدان و الحور العين في الجنة أو زعم أنه لأجل موسى فإن النبي صلّى اللّه عليه و سلم

قال : أنا أول من تنشق عنه الأرض فأرفع رأسي فإذا موسى متعلق بقائمة من قوائم العرش ، فلا أدري أفاق قبلي أو كان ممن استثنى اللّه عز و جل ؟ فإنه لم يصح شيء منها .

أم الأول : فإن حملة العرش ليسوا من سكان السموات و الأرض لأن العرش فوق السموات كلها ، فكيف يكون حملته في السموات ؟

وإما جبريل و ميكائيل و ملك الموت فمن الصافين المسبحين حول العرش . و إذا كان العرش فوق السموات لم يكن الاصطفاف حوله في السموات . و كذلك القول الثاني لأن الولدان و الحور في الجنة و الجنات . و إن كان بعضها أرفع من بعض فإن جميعها فوق السموات و دون العرش ، و هي بانفرادها عالم مخلوق للبقاء فلا شك أنها بمعزل عما خلق اللّه تعالى للفناء ، و صرفه إلى موسى فلا وجه لأنه قد مات بالحقيقة فلا يموت عند نفخ الصور ثانية ، و لهذا لم يعتد في ذكر اختلاف المتأولين في الاستثناء بقول من

قال : إلا من شاء اللّه ، أي الذين سبق موتهم قبل نفخ الصور . لأن الاستثناء إنما يكون لمن يمكن دخوله في الجملة ، فأما من لا يمكن دخوله في الجملة فيها فلا معنى لاستثنائه منها ، و الذين ماتوا قبل نفخ الصور ليسوا بغرض أن يصعقوا . فلا وجه لاستثنائهم . و هذا في موسى موجود فلا وجه لاستثنائه .

و قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم في ذكر موسى ما يعارض الرواية الأولى و هو أن

قال : الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق . فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش . فلا أدري أفاق قبلي أو جوزي بصعقة الطور ؟ فظاهر هذا الحديث : أن هذه صعقة غشى تكون يوم القيامة لا صعقة الموت الحادثة عن نفخ الصور .

و صرف ذكر يوم القيامة إلى أنه أراد أوائله قيل : المعنى : أن الصور إذا نفخ فيه أخرى كنت أول من يرفع رأسه ، فإذا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ، فلا أدري أفاق قبلي أو جوزي بصعقة الطور ؟ أي فلا أدري أبعثه قبلي كان وهباً له و تفصيلاً من هذا الوجه ، كما فضل في الدنيا بالتكليم أو كان جزاء له بصعقة الطور ، أي قدم بعثه على بعث الأنبياء الأخرين بقدر صعقته عندما تجلى ربه للجبل إلى أن أفاق ليكون هذا جزاء له بها .

و ما عدا هذا فلا يثبت . قال شيخنا أحمد بن عمر : و ظاهر حديث النبي صلّى اللّه عليه و سلم يدل على أن ذلك إنما هو بعد النفخة الثانية نفخة البعث ، و نص القرآن يقتضي أن ذلك الاستثناء إنما هو بعد نفخة الصعق . و لما كان هذا قال بعض العلماء : يحتمل أن يكون موسى عليه السلام ، ممن لم يمت من الأنبياء و هذا باطل بما تقدم من ذكر موته ، و قال القاضي عياض : يحتمل أن يكون المراد بهذه صعقة فزع بعد النشر حين تنشق السموات و الأرض ،

قال : فتستقل الأحاديث و الآيات و اللّه أعلم .

قال شيخنا أبو العباس : و هذا يرده ما جاء في الحديث أنه عليه السلام حين يخرج من قبره يلقى موسى و هو متعلق بالعرش ، و هذا إنما هو عند نفخة البعث . قال شيخنا أحمد بن عمر : و الذي يزيح هذا الإشكال إن شاء اللّه تعالى أن الموت ليس بعدم محض ، و إنما هو انتقال من حال إلى حال ، و يدل على ذلك : أن الشهداء بعد قتلهم و موتهم أحياء عند ربهم يرزقون ، فرحين مستبشرين ، و هذه صفة الأحياء في الدنيا و إذا كان هذا في الشهداء ، كان الأنبياء بذلك أحق و أولى ، مع أنه قد صح عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء و أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قد اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس ، و في السماء و خصوصاً بموسى و قد أخبرنا النبي صلّى اللّه عليه و سلم بما يقتضي ان اللّه تبارك و تعالى يرد عليه روحه حتى يرد السلام على كل من يسلم عليه إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أن غيبوا عنا بحيث لا تدركهم ، و إن كانوا موجودين أحياء ، و ذلك كالحال في الملائكة فإنهم موجودون أحياء و لا يراهم أحد من نوعنا إلا من خصه اللّه بكرامة من أوليائه . و إذا تقرر أنهم أحياء فإذا نفخ في الصور نفخة الصعق صعق كل من في السموات و من في الأرض إلا من شاء اللّه فأما صعق غير الأنبياء فموت .

وإما صعق الأنبياء ، فالأظهر : أنه غشية . فإذا نفخ في الصور نفخة البعث ، فمن مات حيي و من غشي عليه أفاق . و كذلك قال صلّى اللّه عليه و سلم في صحيح مسلم و البخاري : فأكون أول من يفيق و هي رواية صحيحة و حسنة ، فنبينا صلّى اللّه عليه و سلم أول من يخرج من قبره قبل الناس كلهم قبل الأنبياء و غيرهم إلا موسى ، فإنه حصل له فيه تردد : هل بعث قبله من غشيته أو بقي على الحالة التي كان عليها قبل نفخة الصعق مفيقاً لأنه حوسب بغشية الطور ؟ و هذه فضيلة عظيمة في حق موسى عليه السلام . و لا يلزم من فضيلة أحد الأمرين المشكوك فيهما فضيلة موسى عليه السلام على محمد مطلقاً لأن الشيء الجزئي لا يوجب أمراً كلياً . و اللّه أعلم .

قال المؤلف : ما اختاره شيخنا هو ما ذكره الحليمي و اختاره في قوله فإن حمل عليه الحديث فذاك . قال الحليمي :

وإما الملائكة الذين ذكرناهم صلوات اللّه عليهم فإنا لم ننف عنهم الموت . و لا أحلناه ، و إنما أبينا أن يكونوا هم المرادين بالاستثناء من الوجه الذين ذكرناه ، ثم قد وردت الأخبار بأن اللّه تعالى يميت حملة العرش و ملك الموت و ميكائيل ثم يميت آخر من يميت : جبريل و يحييه مكانه و يحي هؤلاء الملائكة الذي ذكرناهم .

وإما أهل الجنة فلم يأت عنهم خبر : و الأظهر أنها دار الخلد . فالذي يدخلها لا يموت فيها أبداً مع كونه قابلاً للموت ، و الذي خلق فيها أولى ألا يموت فيها أبداً . و أيضاً فإن الموت لقهر المكلفين . و نقلهم من دار إلى دار ، و أهل الجنة لم يبلغنا أن عليهم تكليفاً ، فإن أعفوا من الموت كما أعفوا من التكليف لم يكن بعيداً . فإن قيل : فقد

قال اللّه تعالى كل شيء هالك إلا وجهه و هو يدل على أن الجنة نفسها تفنى ثم تعاد يوم الجزاء ، فلم أنكرتم أن يكونوا الولدان و الحور يموتون ثم يحيون ؟ قيل : يحتمل معنى قوله : كل شيء هالك إلا وجهه أي ما من شيء إلا و هو قابل للّهلاك فيهلك إن أراد اللّه به ذلك إلا وجهه أي إلا هو سبحانه ، فإنه تعالى قديم و القديم لا يمكن أن يفنى و ما عداه محدث ، و المحدث إنما يبقى قدر ما يبقيه محدثه فإذا حبس البقاء عنه فني . و لم يبلغنا في خبر صحيح و لا معلول أنه يهلك العرش فلتكن الجنة مثله .

فصل : قوله صلّى اللّه عليه و سلم في الحديث : و من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب . للعلماء في تأويلات : أحسنها و أجملها ما ذكره القاضي أبو بكر بن العربي

قال : أخبرني غير واحد من أصحابنا عن إمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد اللّه بن يوسف الجويني أنه سئل : هل الباري في جهة ؟ ف

قال : لا هو متعال عن ذلك . قيل له : ما الدليل عليه ؟ قال الدليل عليه قول النبي صلّى اللّه عليه و سلم : لا تفضلوني على يونس بن متى فقيل له : ما وجه الدليل من هذا الخبر ؟ فقال لا أقوله حتى يأخذ ضيفي هذا ألف دينار يقضي بها ديناً ، فقام رجلان فقالا : هي علينا . ف

قال : لا يتبع بها اثنين لأنه يشق عليه . فقال واحد : هي علي . ف

قال : إن يونس بن متى رمى بنفسه في البحر فالتقمته الحوت ، و صار في قعر البحر في ظلمات ثلاث و نادى لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين كما أخبر اللّه و لم يكن محمد صلّى اللّه عليه و سلم حين جلس على الرفرف الأخضر و ارتقى به صعداً حتى انتهى به إلى موضع يسمع فيه صريف الأقلام و ناجاه ربه بما ناجاه به و أوحى إليه ما أوحى بأقرب إلى اللّه من يونس في ظلمة البحر .

قال المؤلف : فاللّه سبحانه قريب من عباده يسمع دعاءهم ، و لا يخفى عليه حالهم ، كيف ما تصرفت من غير مسافة بينه و بينهم ، فيسمع و يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء ، في الليلة الظلماء ، تحت الأرض السفلى ، كما يسمع و يرى تسبيح حملة عرشه من فوق السبع السموات العلى ، سبحانه لا إله إلا هو عالم الغيب و الشهادة ، أحاط بكل شيء علما ، و أحصى كل شيء عددا ، و لقد أحسن أبو العلاء بن سليمان المغربي حيث يقول :

يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل

و يرى مناط عروقها في لحمها و المخ في تلك العظام النحل

أجالها محتومة ، أرزاقها مقسومة بعطا ، و إن لم تسأل

فلقد سألتك بالنبي محمد الهاشمي المدثر المزمل

إمنن علي بتوبة تمحو بها ما كان مني في الزمان الأول