Geri

   

 

 

İleri

 

باب ما يكون منه عذاب القبر و اختلاف أحوال العصاة فيه بحسب اختلاف معاصيهم

ابو بكر بن أبي شيبة عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم

قال : أكثر عذاب القبر من البول .

البخاري و مسلم عن ابن عباس

قال : مر النبي صلّى اللّه عليه و سلم على قبرين ف

قال : إنهما ليعذبان و ما يعذبان في كبير .

أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة .

وإما الآخر فكان لا يستنزه من بوله فدعا بعسيب رطب فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحداً و على هذا واحداً ، ثم

قال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا و في رواية كان لا يستنزه عن البول أو من البول رواهما مسلم . و في كتاب أبي داود : و كان لا يستنثر من بوله و في حديث هناد بن السري لا يستبرئ من البول من الاستبراء . و قال البخاري : و ما يعذبان في كبير و إنه لكبير .

و

أخرجه أبو داود الطيالسي عن أبي بكرة

قال : بينما أنا أمشي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و معي رجل و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بيننا . إذ أتى على قبرين . فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : إن صاحبي هذين القبرين ليعذبان الآن في قبورهما فأيكما يأتيني من هذا النخل بعسيب ؟ فاستبقت أنا و صاحبي فسبقته و كسرت من النخل عسيباً . فأتيت النبي صلّى اللّه عليه و سلم فشقه نصفين من أعلاه فوضع على إحداهما نصفاً و على الآخر نصفاً . و

قال : إنه يهون عليهما ما دام من بلولتهما شيء إنهما يعذبان في الغيبة و البول .

قال المؤلف : هذا الحديث و الذي قبله يدل على التخفيف إنما هو بمجرد نصف العسيب ما دام رطباً و لا زيادة معه . و قد

خرجه مسلم من حديث جابر الطويل ، و فيه : فلما انتهى إلي

قال : يا جابر هل رأيت مقامي ؟ قلت نعم يا رسول اللّه .

قال : فاطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصناً ، فأقبل بهما حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصناً عن يمينك و غصناً عن يسارك ، قال جابر : فقمت فأخذت حجراً فكسرته و حسرته فاندلق لي فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصناً ، ثم أقبلت أجرهما حتى قمت مقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فأرسلت غصناً عن يميني ، و غصناً عن يساري ، ثم لحقته ف

قلت : قد فعلت ذلك يا رسول اللّه فعند ذاك

قال : إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرفه عنهما . ما دام الغصنان رطبين .

ففي هذا الحديث زيادة على رطوبة الغصن و هي : شفاعته صلّى اللّه عليه و سلم ، و الذي يظهر لي أنهما قضيتان مختلفتان لا قضية واحدة كما قال من تكلم على ذلك و يدل عليهما سياق الحديث ، فإن في حديث ابن عباس عسيباً واحداً شقه النبي صلّى اللّه عليه و سلم بيده نصفين أبي هريرة غرسهما بيده و حديث جابر بخلافهما و لم يذكر فيه ما يعذب بسببه .

و قد خرج أبو داود الطيالسي حديث ابن عباس : ف

قال : حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أتى على قبرين ف

قال : إنهما ليذبان في غير كبير ،

أما أحدهما فكان يأكل لحوم الناس ،

وإما الآخر فكان صاحب نميمة ثم دعا بجريدة فشقها نصفين فوضع نصفاً على هذا القبر ، و نصفاً على هذا القبر . و

قال : عسى أن يخفف عنهما ما دامتا رطبتين ثم قيل : يجوز أن يكونا كافرين ،

و قوله : إنهما ليعذبان في غير كبير يريد بالإضافة إلى الكفر و الشرك

وإما إن كانا مؤمنين فقد أخبرك أنهما يعذبان بشيء كان منهما ليس بكفر لكنهما لم يتوبا منه ، و إن كانا كافرين فهما يعذبان في هذين الذنبين زيادة على عذابهما في كفرهما و تكذيبهما و جميع خطاياهما . و إن يكونا كافرين أظهر و اللّه أعلم . فإنهما لو كانا مؤمنين لعلما قرب العهد بتدافن المسلمين يومئذ . قاله ابن برجان في كتاب الإرشاد الهادي إلى التوفيق و السداد .

قلت : و الأظهر أنهما كانا مؤمنين و هو ظاهر الأحاديث و اللّه أعلم .

الطحاوي عن ابن مسعود عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم

قال : أمر بعبد من عباد اللّه عز و جل أن يعذب في قبره مائة جلدة فلم يزل يسأل اللّه تعالى و يدعوه حتى صارت واحدة فامتلأ قبره عيه ناراً ، فلما ارتفع عنه أفاق ف

قال : لماذاجلدتموني ؟ قال إنك صليت صلاة بغير طهور ، و مررت على مظلوم فلم تنصره .

البخاري عن سمرة بن جندب

قال : كان النبي صلّى اللّه عليه و سلم إذا صلّى صلاة أقبل علينا بوجهه . ف

قال : من رأى منكم الليلة رؤياً ؟

قال : فإن رأى أحد رؤيا قصها فيقول : ما شاء اللّه فسألنا يوماً . ف

قال : هل رأى أحدكم رؤيا ؟ قلنا : لا .

قال : لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة ، فإذا رجل جالس و رجل قائم بيده كلوب من حديد يدخله في شدقه حتى يبلغ قفاه ، ثم يفعل يشدقه الآخر مثل ذلك و يلتئم شدقه هذا فيعود فيصنع مثله .

قلت : ما هذا ؟ قالا : انطلق ، فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه ، و رجل قائم على رأسه بفهر أو صخرة فيشدخ بها رأسه ، فإذا ضربه تدهده الحجر فانطلق ليأخذه فما يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه و عاد رأسه كما هو فعاد إليه فضربه .

قلت : ما هذا ؟ قالا : انطلق فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق و أسفله واسع يتوقد تحته ناراً ، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا ، فإذا خمدت رجعوا فيها . وفيها رجال و نساء عراة . ف

قلت : ما هذا ؟ قالا : انطلق فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم و على شط النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان . فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان . ف

قلت : ما هذا ؟ قالا : انطلق فانطلقنا ، حتى انتهينا إلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة و في أصلها شيخ و صبيان . و إذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها فصعدا بي الشجرة و أدخلاني داراً لم أر قط أحسن منها فيها شيوخ و شباب و نساء و صبيان ، ثم أخرجاني منها فصعدا بي الشجرة فأدخلاني داراً هي أحسن و أفضل . فيها شيوخ و شباب

قلت : طوفتماني الليلة فأخبراني عما رأيت . قالا : نعم . الذي رأيت يشق شدقه : فكذاب يحدث بالكذب فتحمل منه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة .

و الذي رأيته يشدخ رأسه : فرجل علمه اللّه القرآن فنام عنه بالليل و لم يعمل فيه بالنهار . يفعل به إلى يوم القيامة ،

وإما الذين رأيتهم في الثقب . قهم الزناة ، و الذي رأيته في النهار آكل الربا . و الشيخ في أصل الشجرة : إبراهيم . و الصبيان حوله : فأولاد الناس . و الذي يوقد النار : مالك خازن النار ، و الدار الأولى : دار عامة المؤمنين .

وإما هذه الدار : فدار الشهداء ، و أنا جبريل ، وهذا ميكائيل فارفع رأسك فرفعت رأسي ، فإذا فوقي مثل السحاب قالا : ذلك منزلك ، ف

قلت : دعاني أدخل منزلي .

قال : إنه بقي لك عمر ، لم تستكمله فلو استكملته أتيت منزلك .

فصل : قال علماؤنا رحمة اللّه عليه : لا أبين في أحوال المعذبين في قبورهم من حديث البخاري ، و إن كان مناماً فمنامات الأنبياء عليهم السلام و حي بديل قول إبراهيم عليه السلام : يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فأجابه ابنه : يا أبت افعل ما تؤمر

وإما حديث الطحاوي فنص أيضاً ، و فيه رد على الخوارج و من يكفر بالذنوب . قال الطحاوي : و فيه يدل على ان تارك الصلاة ليس بكافر ، لأن من صلّى صلاة بغير طهور : فلم يصل ، و قد أحببت دعوته . و لو كان كافراً ما سمعت دعوته لأن اللّه عز و جل يقول : و ما دعاء الكافرين إلا في ضلال

وإما حديث البخاري و مسلم فيدل على الاستبراء من البول و التنزه عنه : واجب ، إذ لا يعذب الإنسان إلا على ترك الواجب ، و كذلك إزالة جميع النجاسات قياساً على البول ، و هذا قول أكثر العلماء ، و به قال ابن وهب و رواه عن مالك و هو الصحيح في الباب ، و من صلّى و لم يستنثر فقد صلّى بغير طهور .

تنبيه على غلط : ذكر بعض أصحابنا ـ فيما نقل إلينا عنه ـ أن القبر الذي غرس عليه النبي صلّى اللّه عليه و سلم العسيب ، هو قبر سعد بن معاذ ، و هذا باطل ، و إنما صح أن القبر ضغطه كما ذكرنا ثم فرج عنه ، و كان سبب ذلك ما رواه يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق

قال : حدثني أمية بن عبد اللّه أنه سأل بعض أهل سعد : ما بلغكم في قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم هذا ؟ قال ذكر لنا أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم سئل عن ذلك ف

قال : كان يقصر في بعض الطهور من البول و ذكر هناد بن السري ، حدثنا ابن فضيل عن أبي سفيان عن الحسن

قال : أصاب سعد بن معاذ جراحة فجعله النبي صلّى اللّه عليه و سلم عند امرأة تداويه ، فقال إنه مات من الليلة فأتاه جبريل فأخبره : لقد مات الليلة فيكم رجل لقد اهتز العرش لحب لقاء اللّه إياه ، فإذا هو سعد بن معاذ قال

قال : فدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في قبره فجعل يكبر و يهلل و يسبح ، فلما خرج قيل له : يا رسول اللّه ما رأيناك صنعت هكذا قط .

قال : إنه ضم في القبر ضمة حتى صار مثل الشعرة فدعوت اللّه تعالى أن يرفه عنه و ذلك أنه كان لا يستبرىء من البول . و قال السالمي أبو محمد عبد الغالب في كتابه ،

وإما أخبار في عذاب القبر فبالغه مبلغ الاستفاضة منها قوله صلّى اللّه عليه و سلم في سعد بن معاذ : لقد ضغطته الأرض اختلفت لها ضلوعه قال أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و رضي عنهم : فلم ننقم من أمره شيئاً إلا أنه كان لا يستنزه في أسفاره من البول .

قلت : فقوله صلّى اللّه عليه و سلم : ثم فرج عنه دليل على أنه جوزي على ذلك التقصير منه لا أنه يعذب بعد ذلك في قبره ، هذا لا يقوله أحد إلا شاك مرتاب في فضله و فضيلته و نصحه ونصيحته رضي اللّه عنه . أترى من اهتز له عرش الرحمن ، و تلقت روحه الملائكة الكرام فرحين بقدومها عليهم ، و مستبشرين بوصولها إليهم .

يعذب في قبره بعدما فرج عنه ؟ هيهات هيهات . . لا يظن ذلك إلا جاهل بحقه غبي بفضيلته و فضله ، رضي اللّه عنه و أرضاه ، و كيف يظن ذلك و فضائله شهيرة ، و مناقبه كثيرة ! خرجها البخاري و مسلم و غيرهما . و هو الذي أصاب حكم الرحمن في بني قريظة من فوق سبع سموات ، أخبر بذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في البخاري و مسلم و غيرهما .