باب الوقوف عن القبر قليلاً بعد الدفن و الدعاء بالتثبيت له مسلم عن بن شماسة المهري ، قال : حضرنا عمرو بن العاص و هو في سياقة الموت ، الحديث : و فيه : فإذا دفنتموني فشنوا على التراب شناً ، ثم أقيموا حول قبري قدر ما ينحر و يقسم لحمها ، حتى أستأنس بكم ، و أنظر ماذا أرجع به رسل ربي عز و جل ؟ أخرجه ابن المبارك بمعنى مسلم من حديث ابن لهيعة . قال : حدثني يزيد بن أبي حبيب أن عبد الرحمن بن شماسة حدثه و قال فيه و شدوا على إزاري فإني مخاصم . و شنوا على التراب شناً . فإن جنبي الأيمن ليس أحق بالتراب من جنبي الأيسر ، ولا تجعلن في قبري خشبة و لا حجراً ، و إذا و اريتموني فاقعدوا عند قبري قدر نحر جزور و تقطعيها . استأنس بكم . أبو داود عن عثمان بن عفان رضي اللّه عنه قال : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه و قال : استغفروا لأخيكم و اسألوا له بالتثبيت فإنه الآن يسأل . و أخرج أبو عبد اللّه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول ، عن عثمان بن عفان رضي اللّه عنه قال : كان النبي صلّى اللّه عليه و سلم إذا دفن ميتاً وقف و سأل له التثبيت ، و كان يقول : ما يستقبل المؤمن من هول الآخرة إلا و القبر أفظع منه . و خرج أبو نعيم في باب عطاء بن ميسرة الخراساني إلى عثمان رضي اللّه عنه ، عن أنس بن مالك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم وقف على قبر رجل من أصحابه حين فرغ منه ف قال : إنا و اللّه و إنا إليه راجعون ، اللّهم نزل بك . و أنت من خير منزول به ، جاف الأرض عن جنبيه ، و افتح أبواب السماء لروحه ، و أقبله منك بقبول حسن . و ثبت عند المسائل منطقه غريب من حديث عطاء . فصل قال الآجري أبو بكر ، محمد بن الحسين في كتاب النصيحة : يستحب الوقوف بعد الدفن قليلاً ، و الدعاء للميت مستقبل وجهه بالثبات ، في قال : اللّهم هذا عبدك و أنت أعلم به منا . و لانعلم منه إلا خيراً ، و قد أجلسته لتسأله ، اللّهم فثبته بالقول الثابت في الآخرة ، كما ثبته في الحياة الدنيا ، اللّهم ارحمه و ألحقنه بنبيه محمد صلّى اللّه عليه و سلم ، و لا تضلنا بعده و لا تحرمنا أجره . و حدثنا أبو عبد اللّه الترمذي : فالوقوف على القبر و سؤال التثبيت في وقت دفنه مدد للميت بعد الصلاة ، لأن الصلاة بجماعة المؤمنين كالعسكر له قد اجتمعوا بباب الملك يشفعون له ، و الوقوف على القبر لسؤال التثبيت مدد للعسكر و تلك ساعة شغل للميت . و لأنه يستقبله هول المطلع و سؤال و فتنة فتاني القبر ـ على ما يأتي ـ و الجزور بفتح الجيم من الإبل . و الجزرة من الضأن و المعز خاصة . قاله في الصحاح . فصل قول عمرو بن العاص رضي اللّه عنه ، فإذا أنا مت فلا تصبحبني نائحة و لا نارة . توصية منه باجتناب هذين الأمرين ، لأنهما من عمل الجاهلية ، و لنهي النبي صلّى اللّه عليه و سلم . قال العلماء : و من ذلك الضجيج بذكر اللّه سبحانه وتعالى أو بغير ذلك حول الجنائز و البناء على المقابر ، و الاجتماع في الجبانات و المساجد للقراءة و غيرها لأجل الموتى ، و كذلك الاجتماع إلى أهل الميت ، وضيعة الطعام ، و المبيت عندهم . كل ذلك من أمر الجاهلية و نحو منه الطعام الذي يصنعه أهل الميت اليوم في يوم السابع . فيجتمع له الناس يريدون بذلك القربة للميت و الترحم عليه ، و هذا محدث لم يكن فيما تقدم ، و لا هو مما يحمده العلماء . قالوا : و ليس ينبغي للمسلمين أن يقتدوا بأهل الكفر ، و ينهى كل إنسان أهله عن الحضور لمثل هذا و شبهه من لطم الخدود ، و نشر الشعور ، و شق الجيوب ، و استماع النوح ، و كذلك الطعام الذي يصنعه أهل الميت ـ كما ذكرنا ـ فيجتمع عليه النساء و الرجال من فعل قوم لا خلاق لهم . و قال أحمد بن حنبل : هوز من فعل الجاهلية ، قيل له : أليس قد قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم اصنعوا لآل جعفر طعاماً ؟ ف قال : لم يكونوا هم اتخذوا . إنما اتخذ لهم فهذا كله واجب على الرجل أن يمنع أهله منه . و لا يرخص لهم ، فمن أباح ذلك لأهله فقد عصى اللّه عز و جل ، و أعانها على الإثم و العدوان ، و اللّه تعالى يقول : قوا أنفسكم و أهليكم ناراً قال العلماء : معناه أدبوهم و علموهم . و روى ابن ماجه في سننه عن جرير بن عبد اللّه البجلي ، قال : كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت و صنعة الطعام من النياحة . و في حديث شجاع بن مخلد قال : كانوا يرون أن إسناده صحيح . و ذكر الخرائطي عن هلال بن خباب ، قال : الطعام على الميت من أمر الجاهلية . و خرج الآجري عن أبي موسى قال : ماتت أخت لعبد اللّه بن عمر . فقلت لامرأتي : اذهبي فعزيهم . و بيتي عندهم ، فقد كان بيننا و بين آل عمر الذي كان ، فجاءت ف قال : ألم أمرك أن تبيتي عندهم ؟ فقالت : أردت أن أبيت ، فجاء ابن عمر فأخرجنا . و قال : اخرجن لا تبتين أختي بالعذاب . و عن أبي البختري قال : بيتونة الناس عند أهل الميت ليست إلا من أمر الجاهلية . قال المؤلف رحمه اللّه : و هذه الأمور كلها قد صارت عند الناس الآن سنة و تركها بدعة ، فانقلب الحال و تغيرت الأحوال . قال ابن عباس رضي اللّه عنه : لا يأتي على الناس عام إلا أماتوا فيه سنة . و أحيوا فيه بدعة . حتى تموت السنن و تحيا البدع ، و لن يعمل بالسنن و ينكر البدع إلا من هون اللّه عليه إسخاط الناس بمخالفتهم فيما أرادوا ، و نهيهم عما اعتادوا و من يسر لذلك أحسن اللّه تعويضه ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : إنك لن تدع شيئاً إلا عوضك اللّه خيراً منه ، و قال صلّى اللّه عليه و سلم : لا يزال في هذه الأمة عصابة يقاتلون على أمر اللّه لا يضرهم جدال من جادلهم و لا عداوة من عاداهم . فصل : و من هذا الباب ما ثبت في الصحيحين عن عبد اللّه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : ليس منا من لطم الخدود و شق الجيوب . و دعا بدعوى الجاهلية و فيهما أيضاً عن أبي بردة بن أبي موسى قال : وجع أبو موسى وجعاً فغشي عليه و رأسه في حجر امرأة من أهله فصاحت امرأة من أهله ، فلم يستطع أن يرد عليها شيئاً فلما أفاق قال : أنا برىء مما برىء منه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم برىء من الصالقة و الحالقة و الشاقة . و في صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد و أبي بردة بن أبي موسى قالا : أغمي على أبي موسى و أقبلت امرأته تصيح برنة ، قالا : ثم أفاق ، قال : ألم تعلمي ـ و كان يحدثها ـ أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال : أنا بريء ممن حلق و سلق و خرق ؟ . ابن ماجه عن أبي أمامة : أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لعن الخامشة وجهها ، و الشاقة جيبها ، و الداعية بالويل و الثبور ، إسناده صحيح . و قال حاتم الأصم : إذا رأيت صاحب المصيبة قد خرق ثوبه ، و أظهر حزنه ، فعزيته فقد أشركته في إثمه و إنما هو صاحب منكر ، يحتاج أن تنهاه . و قال أبو سعيد البلخي : من أصيب بمصيبة فمزق ثوباً ، أو ضرب صدراً ، فكأنما أخذ رمحاً يريد أن يقاتل به ربه عز و جل و أنشدوا : عجبت لجازع ، باك مصاب بأهل ، أو حميم ذي اكتئاب شقيق الجيب ، داعي الويل ، جهلاً كأن الموت كالشيء العجاب و سوى اللّه فيه الخلق حتى نبي اللّه منه لم يحاب له ملك ينادي كل يوم : لدوا للموت و ابنوا للخراب |