Geri

   

 

 

İleri

 

باب جواز تمني الموت و الدعاء به خوف ذهاب الدين

قال اللّه عز و جل مخبراً عن يوسف عليه السلام : توفني مسلماً و ألحقني بالصالحين و عن مريم عليها السلام في قولها : يا ليتني مت قبل هذا و كنت نسياً منسيا و عن مالك عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم

قال : لا تقوم الساعة حتى يمر حتى بقبر الرجل فيقول فيقول : يا ليتني مكانه .

فصل :

قلت : لا تعارض بين هذه الترجمة و التي قبلها لما نبينه .

أما يوسف عليه السلام . فقال قتادة : لم يتمن الموت أحد : نبي و لا غيره إلا يوسف عليه السلام حين تكاملت عليه النعم و جمع له الشمل : اشتاق إلى لقاء ربه عز وجل ف

قال : رب قد آتيتني من الملك و علمتني الآية . فاشتاق إلى لقاء ربه عز وجل ، و قيل إن يوسف عليه السلام لم يتمن الموت و إنما تمنى الموافاة على الإسلام . أي إذا جاء أجلي تو فني مسلماً . و هذا هو القول المختار في تأويل الآية عند أهل التأويل . و اللّه أعلم .

وإما مريم عليها السلام فإنما تمنت الموت لوجهين :

أحدهما : أنها خافت أن يظن بها السوء في دينها و تعير ، فيفتنها ذلك .

الثاني : لئلا يقع قوم بسببها في البهتان و الزور ، و النسبة إلى الزنا ، و ذلك مهلك لهم . و اللّه أعلم .

و قد

قال اللّه تعالى عز و جل في حق من افترى على عائشة رضي اللّه عنها و الذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم و

قال : و تحسبونه هيناً و هو عند اللّه عظيم و قد اختلف في مريم عليها السلام : هل هي صديقة لقوله تعالى : و أمه صديقة أو نبية لقوله تعالى : فأرسلنا إليها روحنا .

و قوله : إذ قالت الملائكة يا مريم إن اللّه اصطفاك الآية . و عليه فيكون الافتراء عليها عظيم أعظم و البهتان في حقها أشد . و فيه يكون الهلاك حقاً . فعلى هذا الحد الذي ذكرناه من التأويلين يكون تمني الموت في حقها جائز ، و اللّه أعلم .

وإما الحديث فإنما هو خبر : أن ذلك سيكون لشدة ما ينزل بالناس ، من فساد الحال في الدين ، و ضعفه و خوف ذهابه ، لا لضر ينزل بالمرء في جسمه أو غير ذلك ، من ذهاب ماله مما يحط به عنه خطاياه . و مما يوضح هذا المعنى و يبينه قوله عليه السلام : اللّهم إني أسألك فعل الخيرات و ترك المنكرات و حب المساكين و إذا أردت ـ و يروى أدرت ـ في الناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون . رواه مالك و مثل هذا قول عمر رضي اللّه عنه : اللّهم قد ضعفت قوتي و كبرت سني و انتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع و لا مقصر فما جاوز ذلك الشهر حتى قبض رحمه اللّه . رواه مالك أيضاً .

و ذكر أبو عمر بن عبد البر في التمهيد و الاستذكار من حديث زاذان أبي عمر عن عليم الكندي

قال : كنت جالساً مع أبي العباس الغفاري على سطح فرأى ناساً يتحملون من الطاعون ف

قال : يا طاعون خذني إليك يقولها ثلاثاً فقال عليم : لم تقول هذا ؟ ألم يقل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : لا يتمنين أحدكم الموت فإنه عند ذلك انقطاع عمله و لا يرد فيسعتب فقال أبو عباس : أنا سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول : بادروا بالموت ستا : إمرة السفهاء ، و كثرة الشرط ، و بيع الحكم ، و استخفافاً بالدم ، و قطيعة الرحم ، و نشئاً يتخذون القرآن مزامير ، يقدمون الرجل ليغنيهم بالقرآن و إن كان أقلهم فقهاً . و سيأتي لهذا مزيد بيان في الفتن ـ إن شاء اللّه تعالى .