التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة عبد أبو عبداللّه محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي المالكي (ت ١٧٦ هـ ٣٧٢١ م) باب النهي عن تمني الموت و الدعاء به لضر نزل في المال و الجسد روى مسلم عن أنس قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان لا بد متمنياً فليقل : اللّهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي و توفني إذا كانت الوفاة خيراً لي أخرجه البخاري ، و عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : لا يتمنين أحدكم الموت و لا يدع به من قبل أن يأتيه ، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله ، و إنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً . و قال البخاري : لا يتمنين أحدكم الموت : إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً ، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب . البزار عن جابر بن عبد اللّه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : لا تمنوا الموت فإن هول المطلع شديد ، و إن من السعادة أن يطول عمر العبد حتى يرزقه اللّه الإنابة . فصل : قال العلماء : الموت ليس بعدم محض و لا فناء صرف و إنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن و مفارقته و حيلولة بينهما ، و تبدل حال و انتقال من دار إلى دار ، و هو من أعظم المصائب ، و قد سماه اللّه تعالى مصيبة ، و في قوله فأصابتكم مصيبة الموت فالموت هو المصيبة العظمى و الرزية الكبرى . قال علماؤنا : و أعظم منه الغفلة عنه ، و الإعراض عن ذكره ، و قلة التفكر فيه ، و ترك العمل له ، و إن فيه وحده لعبرة لمن اعتبر و فكرة لمن تفكر ، و في خبر يروى عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم : لو أن البهائم تعلم من الموت ما تعلمون ما أكلت منها سميناً و يروى أن إعرابياً كان يسير على جمل له فخر الجمل ميتاً ، فنزل الأعرابي عنه و جعل يطوف به و يتفكر فيه و يقول : مالك لا تقوم ؟ مالك لا تنبعث ، هذه أعضاؤك كاملة و جوارحك سالمة . ما شأنك ؟ ما الذي كان يحملك ؟ ما الذي كان يبعثك ؟ ما الذي صرعك ؟ ما الذي عن الحركة منعك ؟ ثم تركه و انصرف متفكراً في شأنه . متعجباً من أمره . و أنشدوا في بعض الشجعان مات حتف أنفه : جائته من قبل المنون إشارةً فهوى صريعاً لليدين و للفم و رمى بمحكم درعه و برمحه و امتد ملقىً كالفتيق الأعظم لا يستجيب لصارخ إن يدعه أبداً و لا يرجى لخطب معظم ذهبت بسالته و مر غرامه لما رأى حبل المنية يرتمي يا ويحه من فارس ما باله ذهبت مروته و لما يكلم هذي يداه و هذه أعضاؤه ما منه من عضو غداً بمثلم هيهات ما حبل الردى محتاجة للمشرفي و لا اللسان اللّهذم هي ويحكم أمر الإله و حكمه و اللّه يقضي بالقضاء المحكم يا حسرتا لو كان يقدر قدرها و مصيبة عظمت و لما تعظم خبر علمنا كلنا بمكانه و كأننا في حالنا لم نعلم و روى الترمذي الحكيم أبو عبد اللّه في نوادر الأصول . حدثنا قتيبة بن سعيد و الخطيب بن سالم . عن عبد العزيز الماجشون . عن محمد بن المنكدر قال : مات ابن لآدم عليه السلام فقال يا حواء قد مات ابنك . فقالت : و ما الموت ؟ قال : لا يأكل و لا يشرب . و لا يقوم و لا يقعد . فرنت . فقال آدم عليه السلام : عليك الرنة و على بناتك أنا و بني منها برآء . فصل : قوله : فلعله أن يستعتب . الاستعتاب طلب العتبى . و هو الرضى و ذلك لا يحصل إلا بالتوبة و الرجوع عن الذنوب . قال الجوهري : استعتب : طلب أن يعتب تقول : استعتبته فأعتبني . أي استرضيته . فأرضاني . و في التنزيل في حق الكافرين و إن يستعتبوا فما هم من المعتبين و روى عن سهل بن عبد اللّه التستري أنه قال : لا يتمنى أحدكم الموت إلا ثلاثة : رجل جاهد بما بعد الموت أو رجل يفر من أقدار اللّه تعالى عليه . أو مشتاق محب للقاء اللّه عز و جل . و روي أن ملك الموت عليه السلام جاء إلى إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن عز و جل ليقبض روحه . فقال إبراهيم : يا ملك الموت هل رأيت خليلاً يقبض روح خليله ؟ فعرج ملك الموت عليه السلام إلى ربه فقال قل له : هل رأيت خليلاً يكره لقاء خليله ؟ فرجع فقال اقبض روحي الساعة. و قال أبو الدرداء رضي اللّه عنه : ما من مؤمن إلا و الموت خير له فمن لم يصدقني فأن اللّه تعالى يقول : و ما عند اللّه خير للأبرار و قال تعالى و لا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم و قال حيان بن الأسود : الموت جسر يوصل الحبيب إلى الحبيب . |