١- باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان قَالَ اللّه تَعَالَى : { وَلاَ يَغْتَبْ بَعضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللّه إنَّ اللّه تَوَّابٌ رَحِيمٌ } [ الحجرات : ١٢ ] ، وقال تَعَالَى : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً } [ الإسراء : ٣٦ ] ، وقال تَعَالَى : { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتيدٌ } [ ق : ١٨ ] . اعْلَمْ أنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُكَلَّفٍ أنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ عَنْ جَميعِ الكَلامِ إِلاَّ كَلاَماً ظَهَرَتْ فِيهِ المَصْلَحَةُ ، ومَتَى اسْتَوَى الكَلاَمُ وَتَرْكُهُ فِي المَصْلَحَةِ ، فالسُّنَّةُ الإمْسَاكُ عَنْهُ ، لأَنَّهُ قَدْ يَنْجَرُّ الكَلاَمُ المُبَاحُ إِلَى حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ ، وذَلِكَ كَثِيرٌ في العَادَةِ ، والسَّلاَمَةُ لا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ . ١٥١٢- وعن أَبي هريرة رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، عن النَّبيِّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ : ( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللّه وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ ) متفق عَلَيْهِ . وهذا صَريحٌ في أنَّهُ يَنْبَغي أنْ لا يَتَكَلَّمَ إِلاَّ إِذَا كَانَ الكلامُ خَيراً ، وَهُوَ الَّذِي ظَهَرَتْ مَصْلَحَتُهُ ، ومَتَى شَكَّ في ظُهُورِ المَصْلَحَةِ ، فَلاَ يَتَكَلَّم . ١٥١٣- وعن أَبي موسى رَضِيَ اللّه عَنْهُ قَالَ : قُلْتُ : يَا رسولَ اللّه أَيُّ المُسْلمِينَ أفْضَلُ ؟ قَالَ : ( مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ) متفق عَلَيْهِ . ١٥١٤- وعن سهل بن سعد ، قَالَ : قَالَ رسُولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ ) متفق عَلَيْهِ . ١٥١٥- وعن أَبي هريرة رَضِيَ اللّه عَنْهُ : أنَّه سمع النبيَّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : ( إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا إِلَى النَّارِ أبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ ) متفق عَلَيْهِ . ومعنى : ( يَتَبَيَّنُ ) يُفَكِّرُ أنَّها خَيْرٌ أم لا . ١٥١٦- وعنه ، عن النبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ : ( إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللّه تَعَالَى مَا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُهُ اللّه بِهَا دَرَجاتٍ ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلَمَةِ مِنْ سَخَطِ اللّه تَعَالَى لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا في جَهَنَّمَ ) . رواه البخاري . ١٥١٧- وعن أَبي عبد الرحمان بِلالِ بن الحارِثِ المُزَنِيِّ رَضِيَ اللّه عَنْهُ : أنَّ رسول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ : ( إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللّه تَعَالَى مَا كَانَ يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللّه لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَومِ يَلْقَاهُ ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللّه مَا كَانَ يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللّه لَهُ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ ). رواه مالك في المُوَطَّأ ، والترمذي ، وقال : ( حديث حسن صحيح ) . ١٥١٨- وعن سفيان بن عبد اللّه رَضِيَ اللّه عَنْهُ قَالَ : قُلْتُ : يَا رسولَ اللّه حدِّثني بأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ قَالَ : ( قلْ : رَبِّيَ اللّه ثُمَّ اسْتَقِمْ ) قُلْتُ : يَا رسولَ اللّه ، مَا أخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ ؟ فَأَخَذَ بِلِسانِ نَفْسِهِ ، ثُمَّ قَالَ : ( هَذَا ) . رواه الترمذي ، وقال : ( حديث حسن صحيح ) . ١٥١٩- وعن ابن عمر رضي اللّه عنهما ، قَالَ : قَالَ رسول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( لا تُكْثِرُوا الكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللّه؛ فَإنَّ كَثْرَةَ الكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللّه تَعَالَى قَسْوَةٌ لِلقَلْبِ ! وإنَّ أبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللّه القَلْبُ القَاسِي ) . رواه الترمذي . ١٥٢٠- وعن أَبي هريرة رَضِيَ اللّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رسول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( مَنْ وَقَاهُ اللّه شَرَّ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ ، وَشَرَّ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ دَخَلَ الجَنَّةَ ) . رواه الترمذي ، وقال : ( حديث حسن ) . ١٥٢١- وعن عقبة بن عامرٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ قَالَ : قُلْتُ : يَا رسولَ اللّه مَا النَّجَاةُ ؟ قَالَ : ( أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ ، وابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ ) . رواه الترمذي ، وقال : ( حديث حسن ) . ١٥٢٢- وعن أَبي سعيد الخدري رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، عن النبيِّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ : ( إِذَا أصْبَحَ ابْنُ آدَمَ ، فَإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّهَا تَكْفُرُ اللِّسانَ ، تَقُولُ : اتَّقِ اللّه فِينَا ، فَإنَّما نَحنُ بِكَ ؛ فَإنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا ، وإنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا ) . رواه الترمذي . معنى : ( تَكْفُرُ اللِّسَانَ ) : أيْ تَذِلُّ وَتَخْضَعُ لَهُ . ١٥٢٣- وعن مُعَاذٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللّه ، أَخْبِرْني بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجَنَّةَ وَيُبَاعِدُني مِنَ النَّارِ ؟ قَالَ : ( لَقَدْ سَألتَ عَنْ عَظيمٍ ، وإنَّهُ لَيَسيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللّه تَعَالَى عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللّه لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ ، وتُؤتِي الزَّكَاةَ ، وتَصُومُ رَمَضَانَ ، وتَحُجُّ البَيْتَ ) ثُمَّ قَالَ : ( ألاَ أدُلُّكَ عَلَى أبْوابِ الخَيْرِ ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَما يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ ) ثُمَّ تَلا : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ } حَتَّى بَلَغَ { يَعْمَلُونَ } [ النور : ١٦ ] ثُمَّ قَالَ : ( ألا أُخْبِرُكَ بِرَأسِ الأَمْرِ ، وَعَمُودِهِ ، وَذِرْوَةِ سِنَامِهِ ) قُلْتُ : بَلَى يَا رسولَ اللّه ، قَالَ : ( رَأسُ الأمْر الإسْلامُ ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ ، وَذِرْوَةِ سِنَامِهِ الجِهادُ ) ثُمَّ قَالَ : ( ألاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ! ) قُلْتُ : بلَى يَا رَسولَ اللّه ، فَأخَذَ بِلِسانِهِ وقال : ( كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا ) قُلْتُ : يَا رسولَ اللّه وإنَّا لَمُؤاخَذُونَ بما نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فقالَ : ( ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ! وَهَلْ يَكُبُّ الناسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟ ) . رواه الترمذي ، وقال : ( حديث حسن صحيح ) ، وَقَدْ سبق شرحه في باب قبل هَذَا . ١٥٢٤- وعن أَبي هريرة رَضِيَ اللّه عَنْهُ : أنَّ رسُولَ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ؟ ) قالوا : اللّه وَرَسُولُهُ أعْلَمُ ، قَالَ : ( ذِكْرُكَ أخَاكَ بِما يَكْرَهُ ) قِيلَ : أفَرَأيْتَ إنْ كَانَ في أخِي مَا أقُولُ ؟ قَالَ : ( إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ ، فقد اغْتَبْتَهُ ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ ) رواه مسلم . ١٥٢٥- وعن أَبي بَكْرة رَضِيَ اللّه عَنْهُ : أنَّ رَسُولَ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ في خُطْبَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى في حَجَّةِ الوَدَاعِ : ( إنَّ دِماءكُمْ ، وَأمْوَالَكُمْ ، وأعْرَاضَكُمْ ، حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في شَهْرِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا، ألا هَلْ بَلَّغْتُ ) متفق عَلَيْهِ. ١٥٢٦- وعن عائشة رَضِيَ اللّه عنها ، قالت : قُلْتُ للنبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كذَا وكَذَا . قَالَ بعضُ الرواةِ : تَعْنِي قَصيرَةً ، فقالَ : ( لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْهُ ! ) قالت : وَحَكَيْتُ لَهُ إنْسَاناً فَقَالَ : ( مَا أُحِبُّ أنِّي حَكَيْتُ إنْساناً وإنَّ لِي كَذَا وَكَذَا ) . رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال : ( حديث حسن صحيح ) . ومعنى : ( مَزَجَتْهُ ) خَالَطَتْهُ مُخَالَطَةً يَتَغَيَّرُ بِهَا طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ لِشِدَّةِ نَتْنِها وَقُبْحِهَا . وهذا الحَديثُ مِنْ أبلَغِ الزَّواجِرِ عَنِ الغِيبَةِ ، قَالَ اللّه تَعَالَى : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } . ١٥٢٧- وعن أنسٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رسول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( لَمَّا عُرِجَ بي مَرَرْتُ بِقَومٍ لَهُمْ أظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْتُ : مَنْ هؤُلاءِ يَا جِبرِيلُ ؟ قَالَ : هؤُلاءِ الَّذِينَ يَأكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ ، وَيَقَعُونَ في أعْرَاضِهِمْ ! ) . رواه أَبُو داود . ١٥٢٨- وعن أَبي هريرة رَضِيَ اللّه عَنْهُ : أنَّ رسُولَ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ : ( كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ : دَمُهُ وَعِرْضُهُ وَمَالُهُ ) . رواه مسلم . |