١٤- باب في الاقتصاد في العبادة قَالَ اللّه تَعَالَى : { طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى } [ طـه : ١] ، وَقالَ تَعَالَى : { يُرِيدُ اللّه بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } [ البقرة : ١٨٥ ] . ١٤٣- وعن عائشة رضي اللّه عنها : أنَّ النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم دخل عَلَيْهَا وعِندها امرأةٌ ، قَالَ : ( مَنْ هذِهِ ؟ ) قَالَتْ : هذِهِ فُلاَنَةٌ تَذْكُرُ مِنْ صَلاتِهَا . قَالَ : ( مهْ ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ ، فَواللّه لاَ يَمَلُّ اللّه حَتَّى تَمَلُّوا ) وكَانَ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ صَاحِبُهُ عَلَيهِ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَ( مهْ ) : كَلِمَةُ نَهْي وَزَجْر . ومَعْنَى ( لاَ يَمَلُّ اللّه ) : لاَ يَقْطَعُ ثَوَابَهُ عَنْكُمْ وَجَزَاء أَعْمَالِكُمْ ويُعَامِلُكُمْ مُعَامَلةَ المَالِّ حَتَّى تَمَلُّوا فَتَتْرُكُوا ، فَيَنْبَغِي لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مَا تُطِيقُونَ الدَّوَامَ عَلَيهِ لَيدُومَ ثَوابُهُ لَكُمْ وَفَضْلُهُ عَلَيْكُمْ . ١٤٤- وعن أنس رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ : جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَلَمَّا أُخْبِروا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا وَقَالُوا : أَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبيِّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم وَقدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأخَّرَ . قَالَ أحدُهُم : أمَّا أنا فَأُصَلِّي اللَّيلَ أبداً . وَقالَ الآخَرُ : وَأَنَا أصُومُ الدَّهْرَ أَبَداً وَلا أُفْطِرُ . وَقالَ الآخر : وَأَنا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أتَزَوَّجُ أبَداً . فجاء رسولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم إليهم ، فَقَالَ : ( أنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ؟ أَمَا واللّه إنِّي لأخْشَاكُمْ للّه ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أصُومُ وَأُفْطِرُ ، وأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّساءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ١٤٥- وعن ابن مسعود رَضِيَ اللّه عَنْهُ : أنّ النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَالَ : ( هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ ) قالها ثَلاثاً . رواه مسلم . ( المُتَنَطِّعونَ ) : المتعمقون المشددون في غير موضِعِ التشديدِ . ١٤٦- عن أَبي هريرةَ رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، عن النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَالَ : ( إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّيْنُ إلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ ) رواه البخاري . وفي رواية لَهُ : ( سَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، وَاغْدُوا وَرُوحُوا ، وَشَيءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ ، القَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا ) . قوله : ( الدِّينُ ) : هُوَ مرفوع عَلَى مَا لَمْ يسم فاعله . وروي منصوباً وروي ( لن يشادَّ الدينَ أحدٌ ) . وقوله صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( إلا غَلَبَهُ ) : أي غَلَبَهُ الدِّينُ وَعَجَزَ ذلِكَ المُشَادُّ عَنْ مُقَاوَمَةِ الدِّينِ لِكَثْرَةِ طُرُقِهِ . وَ( الغَدْوَةُ ) : سير أولِ النهارِ . وَ( الرَّوْحَةُ ) : آخِرُ النهارِ . وَ( الدُّلْجَةُ ) : آخِرُ اللَّيلِ . وهذا استعارة وتمثيل ، ومعناه : اسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَةِ اللّه عزَّ وجَلَّ بِالأَعْمَالِ في وَقْتِ نَشَاطِكُمْ وَفَرَاغِ قُلُوبِكُمْ بِحَيثُ تَسْتَلِذُّونَ العِبَادَةَ ولا تَسْأَمُونَ وتبلُغُونَ مَقْصُودَكُمْ ، كَمَا أنَّ المُسَافِرَ الحَاذِقَ يَسيرُ في هذِهِ الأوْقَاتِ ويستريح هُوَ وَدَابَّتُهُ في غَيرِهَا فَيَصِلُ المَقْصُودَ بِغَيْرِ تَعَب ، واللّه أعلم . ١٤٧- وعن أنس رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ : دَخَلَ النَّبيُّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم المَسْجِدَ فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ ، فَقَالَ : ( مَا هَذَا الحَبْلُ ؟ ) قالُوا : هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ ، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ بِهِ . فَقَالَ النَّبيُّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( حُلُّوهُ ، لِيُصلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَرْقُدْ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ١٤٨- وعن عائشة رضي اللّه عنها : أنَّ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَالَ : ( إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّومُ ، فإِنَّ أحدكم إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ١٤٩- وعن أَبي عبد اللّه جابر بن سمرة رضي اللّه عنهما ، قَالَ : كُنْتُ أصَلِّي مَعَ النَّبيِّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم الصَّلَوَاتِ ، فَكَانتْ صَلاتُهُ قَصْداً وَخُطْبَتُهُ قَصْداً . رواه مسلم . قوله : ( قَصْداً ) : أي بين الطولِ والقِصرِ . ١٥٠- وعن أبي جُحَيْفَة وَهْب بنِ عبد اللّه رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ : آخَى النَّبيُّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبي الدَّرْداءِ ، فَزارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرداءِ فَرَأى أُمَّ الدَّرداءِ مُتَبَذِّلَةً ، فَقَالَ : مَا شَأنُكِ ؟ قَالَتْ : أخُوكَ أَبُو الدَّردَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ في الدُّنْيَا ، فَجاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَاماً ، فَقَالَ لَهُ : كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ ، قَالَ : مَا أنا بِآكِلٍ حَتَّى تَأكُلَ فأكل ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّردَاءِ يَقُومُ فَقَالَ لَهُ : نَمْ ، فنام ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ لَهُ : نَمْ . فَلَمَّا كَانَ من آخِر اللَّيلِ قَالَ سَلْمَانُ : قُم الآن ، فَصَلَّيَا جَمِيعاً فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ : إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيكَ حَقّاً ، وَلأَهْلِكَ عَلَيكَ حَقّاً ، فَأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَأَتَى النَّبيَّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبيُّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( صَدَقَ سَلْمَانُ ) رواه البخاري . ١٥١- وعن أَبي محمد عبدِ اللّه بنِ عَمْرو بن العاصِ رضي اللّه عنهما ، قَالَ : أُخْبرَ النَّبيُّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم أنِّي أقُولُ : وَاللّه لأَصُومَنَّ النَّهَارَ ، وَلأَقُومَنَّ اللَّيلَ مَا عِشْتُ . فَقَالَ رسولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( أنتَ الَّذِي تَقُولُ ذلِكَ ؟ ) فَقُلْتُ لَهُ : قَدْ قُلْتُهُ بأبي أنْتَ وأمِّي يَا رسولَ اللّه . قَالَ : ( فَإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذلِكَ فَصُمْ وَأَفْطِرْ ، وَنَمْ وَقُمْ ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثةَ أيَّامٍ ، فإنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا وَذَلكَ مِثلُ صِيامِ الدَّهْرِ ) قُلْتُ : فَإِنِّي أُطيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ ، قَالَ : ( فَصُمْ يَوماً وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ ) قُلْتُ : فَإنِّي أُطِيقُ أفضَلَ مِنْ ذلِكَ ، قَالَ : ( فَصُمْ يَوماً وَأفْطِرْ يَوماً فَذلِكَ صِيَامُ دَاوُد صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَهُوَ أعْدَلُ الصيامِ ) . وفي رواية : ( هُوَ أفْضَلُ الصِّيامِ ) فَقُلْتُ : فَإِنِّي أُطيقُ أفْضَلَ مِنْ ذلِكَ ، فَقَالَ رسولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( لا أفضَلَ مِنْ ذلِكَ ) ، وَلأنْ أكُونَ قَبِلْتُ الثَّلاثَةَ الأَيّامِ الَّتي قَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم أحَبُّ إليَّ مِنْ أهْلي وَمَالي . وفي رواية : ( أَلَمْ أُخْبَرْ أنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وتَقُومُ اللَّيلَ ؟ ) قُلْتُ : بَلَى ، يَا رَسُول اللّه ، قَالَ : ( فَلاَ تَفْعَلْ : صُمْ وَأَفْطِرْ ، وَنَمْ وَقُمْ ؛ فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وَإِنَّ لِعَيْنَيكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وَإنَّ بِحَسْبِكَ أنْ تَصُومَ في كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أيَّامٍ ، فإنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أمْثَالِهَا ، فَإِنَّ ذلِكَ صِيَامُ الدَّهْر ) فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ ، قُلْتُ : يَا رَسُول اللّه ، إنِّي أجِدُ قُوَّةً ، قَالَ : ( صُمْ صِيَامَ نَبيِّ اللّه دَاوُد وَلاَ تَزد عَلَيهِ ) قُلْتُ : وَمَا كَانَ صِيَامُ دَاوُد ؟ قَالَ : ( نِصْفُ الدَّهْرِ ) فَكَانَ عَبدُ اللّه يقول بَعدَمَا كَبِرَ : يَا لَيتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَة رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم . وفي رواية : ( أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهرَ ، وَتَقْرَأُ القُرآنَ كُلَّ لَيْلَة ؟ ) فقلت : بَلَى ، يَا رَسُول اللّه ، وَلَمْ أُرِدْ بذلِكَ إلاَّ الخَيرَ ، قَالَ : ( فَصُمْ صَومَ نَبيِّ اللّه دَاوُد ، فَإنَّهُ كَانَ أعْبَدَ النَّاسِ ، وَاقْرَأ القُرْآنَ في كُلِّ شَهْر ) قُلْتُ : يَا نَبيَّ اللّه ، إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ ؟ قَالَ : ( فاقرأه في كل عشرين ) قُلْتُ : يَا نبي اللّه ، إني أطيق أفضل من ذلِكَ ؟ قَالَ : ( فَاقْرَأهُ في كُلِّ عَشْر ) قُلْتُ : يَا نبي اللّه ، إنِّي أُطيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ ؟ قَالَ : ( فاقْرَأهُ في كُلِّ سَبْعٍ وَلاَ تَزِدْ عَلَى ذلِكَ ) فشدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ وَقالَ لي النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( إنَّكَ لا تَدرِي لَعَلَّكَ يَطُولُ بِكَ عُمُرٌ ) قَالَ : فَصِرْتُ إِلَى الَّذِي قَالَ لي النَّبيُّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم . فَلَمَّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أنِّي كُنْتُ قَبِلتُ رُخْصَةَ نَبيِّ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم . وفي رواية : ( وَإِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً ) . وفي رواية : ( لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ ) ثلاثاً . وفي رواية : ( أَحَبُّ الصِيَامِ إِلَى اللّه تَعَالَى صِيَامُ دَاوُد ، وَأَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللّه تَعَالَى صَلاةُ دَاوُدَ : كَانَ ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاقَى ) . وفي رواية قال : ( أنْكَحَني أَبي امرَأةً ذَاتَ حَسَبٍ وَكَانَ يَتَعَاهَدُ كنَّتَهُ - أي : امْرَأَةَ وَلَدِهِ - فَيَسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا . فَتقُولُ لَهُ : نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشاً ، وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفاً مُنْذُ أتَيْنَاهُ . فَلَمَّا طَالَ ذلِكَ عَلَيهِ ذَكَرَ ذلك للنَّبيِّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَقَالَ : ( القِنِي بِهِ ) فَلَقيتُهُ بَعد ذلك ، فَقَالَ : ( كَيْفَ تَصُومُ ؟ ) قُلْتُ : كُلَّ يَومٍ ، قَالَ : ( وَكَيْفَ تَخْتِمُ ؟ ) قُلْتُ : كُلَّ لَيْلَةٍ ، وَذَكَرَ نَحْوَ مَا سَبَقَ ، وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى بَعْضِ أهْلِهِ السُّبُعَ الَّذِي يَقْرَؤُهُ ، يَعْرِضُهُ مِنَ النَّهَارِ ليَكُونَ أخفّ عَلَيهِ باللَّيلِ ، وَإِذَا أَرَادَ أنْ يَتَقَوَّى أفْطَرَ أيَّاماً وَأحْصَى وَصَامَ مِثْلَهُنَّ كرَاهِيَةَ أنْ يَترُكَ شَيئاً فَارَقَ عَلَيهِ النَّبيَّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم . كل هذِهِ الرواياتِ صحيحةٌ ، مُعظمُها في الصحيحين ، وقليل مِنْهَا في أحدِهِما . ١٥٢- وعن أبي رِبعِي حنظلة بنِ الربيعِ الأُسَيِّدِيِّ الكاتب أحدِ كتّاب رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو بَكر رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، فَقَالَ : كَيْفَ أنْتَ يَا حنْظَلَةُ ؟ قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ ! قَالَ : سُبْحَانَ اللّه مَا تَقُولُ ؟! قُلْتُ : نَكُونُ عِنْدَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم يُذَكِّرُنَا بالجَنَّةِ وَالنَّارِ كأنَّا رَأيَ عَيْنٍ فإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم عَافَسْنَا الأَزْواجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ نَسينَا كَثِيراً ، قَالَ أَبُو بكر رَضِيَ اللّه عَنْهُ : فَوَاللّه إنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا ، فانْطَلَقْتُ أَنَا وأبُو بَكْر حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم . فقُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُول اللّه ! فَقَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( وَمَا ذَاكَ ؟ ) قُلْتُ : يَا رَسُول اللّه ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ والجَنَّةِ كأنَّا رَأيَ العَيْن فإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الأَزْواجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ نَسينَا كَثِيراً . فَقَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ ، لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونونَ عِنْدِي ، وَفي الذِّكْر ، لصَافَحَتْكُمُ الملائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفي طُرُقِكُمْ ، لَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وسَاعَةً ) ثَلاَثَ مَرَات . رواه مسلم . قولُهُ : ( رِبْعِيٌّ ) بِكسر الراء . وَ( الأُسَيِّدِي ) بضم الهمزة وفتح السين وبعدها ياء مكسورة مشددة . وقوله : ( عَافَسْنَا ) هُوَ بِالعينِ والسينِ المهملتين أي : عالجنا ولاعبنا . وَ( الضَّيْعاتُ ) : المعايش . ١٥٣- وعنِ ابن عباس رضي اللّه عنهما ، قَالَ : بينما النَّبيُّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم يخطب إِذَا هُوَ برجلٍ قائم فسأل عَنْهُ ، فقالوا : أَبُو إسْرَائيلَ نَذَرَ أنْ يَقُومَ في الشَّمْسِ وَلاَ يَقْعُدَ ، وَلاَ يَسْتَظِل ، وَلاَ يَتَكَلَّمَ ، وَيَصُومَ ، فَقَالَ النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( مُرُوهُ ، فَلْيَتَكَلَّمْ ، وَلْيَسْتَظِلَّ ، وَلْيَقْعُدْ ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ) رواه البخاري . |