Geri

   

 

 

İleri

 

٧٧- النوع السابع والسبعون في معرفة تفسيره وتأويله وبيان شرفه والحاجة إليه

٦٢٥٦ التفسير تفعيل من الفسر وهو البيان والكشف ويقال هو مقلوب السفر تقول أسفر الصبح إذا أضاء وقيل مأخوذ من التفسرة وهي اسم لما يعرف به الطبيب المرض والتأويل أصله من الأول وهو الرجوع فكأنه صرف الآية إلى ما تحتمله من المعاني وقيل من الإيالة وهي السياسة كأن المؤول للكلام ساس الكلام ووضع المعنى فيه موضعه

٦٢٥٧ واختلف في التفسير أو التأويل فقال أبو عبيد وطائفة هما بمعنى وقد أنكر ذلك قوم حتى بالغ ابن حبيب النيسابوري فقال قد نبغ في زماننا مفسرون لو سئلوا عن الفرق بين التفسير والتأويل ما اهتدوا إليه

٦٢٥٨ وقال الراغب التفسير أعم من التأويل وأكثر استعماله في الالفاظ ومفرداتها وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل وأكثر ما يستعمل في الكتب الإلهية والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها وقال غيره التفسير بيان لفظ لا يحتمل إلا وجها واحدا والتأويل توجيه لفظ متوجه إلى معان مختلفة إلى واحد منها بما ظهر من الأدلة

 ٦٢٥٩ وقال الماتريدي التفسير القطع على أن المراد من اللفظ هذا والشهادة على اللّه أنه عنى باللفظ هذا فإن قام دليل مقطوع به فصحيح وإلا فتفسير بالرأي وهو المنهى عنه والتأويل ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة على اللّه

 ٦٢٦٠ وقال أبو طالب التغلبي التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازا كتفسير الصراط بالطريق والصيب بالمطر والتأويل تفسير باطن اللفظ

مأخوذ من الأول وهو الرجوع لعاقبة الأمر فالتأويل إخبار عن حقيقة المراد والتفسير إخبار عن دليل المراد لأن اللفظ يكشف عن المراد والكاشف دليل مثاله قوله تعالى إن ربك لبالمرصاد تفسيره أنه من الرصد يقال رصدته رقبته والمرصاد مفعال منه وتأويله التحذير من التهاون بأمر اللّه والغفلة عن الأهبة والاستعداد للعرض عليه وقواطع الأدلة تقتضي بيان المراد منه على خلاف وضع اللفظ في اللغة

 ٦٢٦١ وقال الأصبهاني في تفسيره اعلم أن التفسير في عرف العلماء كشف معاني القرآن وبيان المراد أعم من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره وبحسب المعنى الظاهر وغيره والتأويل أكثره في الجمل والتفسير إما أن يستعمل في غريب الالفاظ نحو البحيرة والسائبة والوصيلة أو في وجيز يتبين بشرح نحو أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وإما في كلام متضمن لقصة لا يمكن تصويره إلا بمعرفتها كقوله إنما النسيء زيادة في الكفر وقوله وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها وأما التأويل فإنه يستعمل مرة عاما ومرة خاصا نحو الكفر المستعمل تارة في الجحود المطلق وتارة في جحود البارئ عز وجل خاصة والإيمان المستعمل في التصديق المطلق تارة وفي تصديق الحق أخرى وإما في لفظ مشترك بين معان مختلفة نحو لفظ وجد المستعمل في الجدة والوجد والوجود

٦٢٦٢  وقال غيره التفسير يتعلق بالرواية والتأويل يتعلق بالدراية

 ٦٢٦٣ وقال أبو نصر القشيري التفسير مقصور على الاتباع والسماع والاستنباط مما يتعلق بالتأويل

 ٦٢٦٤ وقال قوم ما وقع مبينا في كتاب اللّه ومعينا في صحيح السنة سمى تفسيرا لأن معناه قد ظهر ووضح وليس لأحد أن يتعرض إليه باجتهاد ولا غيره بل يحمله على المعنى الذي ورد لا يتعداه والتأويل ما استنبطه العلماء العاملون لمعاني الخطاب الماهرون في الآت العلوم

٦٢٦٥ وقال قوم منهم البغوي والكواشي التأويل صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وما بعدها تحتمله الآية غير مخالف للكتاب والسنة من طريق الاستنباط

 ٦٢٦٦ وقال

١٧٣

 بعضهم التفسير في الاصطلاح علم نزول الآيات وشئونها وأقاصيصها والأسباب النازلة فيها ثم ترتيب مكيها ومدنيها ومحكمها ومتشابهها وناسخها ومنسوخها وخاصها وعامها ومطلقها ومقيدها ومجملها ومفسرها وحلالها وحرامها ووعدها ووعيدها وأمرها ونهيها وعبرها وأمثالها

 ٦٢٦٧ وقال أبو حيان التفسير علم يبحث فيه عن كيفية النطق بالفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها الافرادية والتركيبية ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك قال فقولنا علم جنس وقولنا يبحث فيه عن كيفية النطق بالفاظ القرآن هو علم القراءة وقولنا ومدلولاتها أي مدلولات تلك الالفاظ وهذا متن علم اللغة الذي يحتاج إليه في هذا العلم وقولنا وأحكامها الإفرادية والتركيبية هذا يشمل علم التصريف والبيان والبديع وقولنا ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب يشمل ما دلالته بالحقيقة وما دلالته بالمجاز فإن التركيب قد يقتضي بظاهره شيئا ويصد عن الحمل عليه صاد فيحمل على غيره وهو المجاز وقولنا وتتمات لذلك هو مثل معرفة النسخ وسبب النزول وقصة توضح بعض ما أبهم في القرآن ونحو ذلك

 ٦٢٦٨ وقال الزركشي التفسير علم يفهم به كتاب اللّه المنزل على نبيه محمد وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه واستمداد ذلك من علم اللغه والنحو والتصريف وعلم البيان وأصول الفقه والقراءات ويحتاج لمعرفه أسباب النزول والناسخ والمنسوخ

 ١ فصل في وجه الحاجه إلى التفسير

 ٦٢٦٩ أما وجه الحاجه إليه فقال بعضهم اعلم أن من المعلوم أن اللّه إنما خاطب خلقه بما يفهمونه ولذلك أرسل كل رسول بلسان قومه أنزل كتابه على

لغتهم وإنما احتيج إلى التفسير لما سيذكر بعد تقرير قاعدة وهي أن كل من وضع من البشر كتابا فإنما وضعه ليفهم بذاته من غير شرح وإنما احتيج إلى الشروح لأمور ثلاثة

أحدها كمال فضيلة المصنف فإنه لقوته العلمية يجمع المعاني الدقيقة في اللفظ الوجيز فربما عسر فهم مراده فقصد بالشرح ظهور تلك المعاني الخفية ومن هنا كان شرح بعض الأئمة تصنيفه أدل على المراد من شرح غيره له

وثانيها إغفاله بعض تتمات المسألة أو شروط لها اعتمادا على وضوحها أو لأنها من علم آخر فيحتاج الشارع لبيان المحذوف ومراتبه

وثالثها احتمال اللفظ لمعان كما في المجاز والاشتراك ودلالة الالتزام فيحتاج الشارح إلى بيان غرض المصنف وترجيحه وقد يقع في التصانيف مالا يخلو عنه بشر من السهو والغلط أو تكرار الشيء أو حذف المبهم وغير ذلك فيحتاج الشارح للتنبيه على ذلك

 ٦٢٧٠ إذا تقرر هذا فنقول إن القرآن إنما نزل بلسان عربي في زمن أفصح العرب وكانوا يعلمون ظواهره وأحكامه أما دقائق باطنه فإنما كان يظهر لهم بعد البحث والنظر مع سؤالهم النبي في الأكثر كسؤالهم لما نزل قوله ولم يلبسوا إيمانهم بظلم فقالوا وأينا لم يظلم نفسه ففسره النبي واستدل عليه بقوله إن الشرك لظلم عظيم وكسؤال عائشة عن الحساب اليسير فقال ذلك العرض وكقصة عدي بن حاتم في الخيط الأبيض والأسود وغير ذلك مما سألوا عن آحاد منه ونحن محتاجون إلى ما كانوا يحتاجون إليه وزيادة على ذلك مما لم يحتاجوا إليه من أحكام الظواهر لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلم فنحن أشد الناس احتياجا إلى التفسير ومعلوم أن تفسيره بعضه يكون من قبل بسط الالفاظ الوجيزة وكشف معانيها وبعضه من قبل ترجيح بعض الاحتمالات على بعض انتهى

 ٦٢٧١ وقال الخويي علم التفسير عسير يسير أما عسره فظاهر من وجوه أظهرها أنه كلام متكلم لم يصل الناس إلى مراده بالسماع منه ولا إمكان الوصول

إليه بخلاف الأمثال والأشعار ونحوها فإن الإنسان يمكن علمه منه إذا تكلم بأن يسمع منه أو ممن سمع منه وأما القرآن فتفسيره على وجه القطع لا يعلم إلا بأن يسمع من الرسول وذلك متعذر إلا في آيات قلائل فالعلم بالمراد يستنبط بأمارات ودلائل والحكمة فيه أن اللّه تعالى أراد أن يتفكر عباده في كتابه فلم يأمر نبيه

١٧٤

بالتنصيص على المراد في جميع آياته

 ٢ فصل في شرف التفسير

 ٦٢٧٢ وأما شرفه فلا يخفى قال تعالى يؤتي الحكمة من

 يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا

 ٦٢٧٣ أخرج ابن أبي حاتم وغيره من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله يؤتي الحكمة قال المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله

 ٦٢٧٤ وأخرج ابن مردويه من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا يؤتي الحكمة قال القرآن قال ابن عباس يعني تفسيره فإنه قد قرأه البر والفاجر

 ٦٢٧٥ وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء يؤتي الحكمة قال قراءة القرآن والفكرة فيه وأخرج ابن جرير مثله عن مجاهد وأبي العالية وقتادة وقال تعالى وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون

 ٦٢٧٦ أخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن مرة قال ما مررت بآية في كتاب اللّه لا أعرفها إلا أحزنتني لأني سمعت اللّه يقول وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون

 ٦٢٧٧ وأخرج أبو عبيد عن الحسن قال ما أنزل اللّه آية إلا وهو يحب أن تعلم فيم أنزلت وما أراد بها

 ٦٢٧٨ وأخرج أبو ذر الهروي في فضائل القرآن من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الذي يقرأ القرآن ولا يحسن تفسيره كالأعرأبي يهذ الشعر هذا

 ٦٢٧٩ وأخرج البيهقي وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعا أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه

 ٦٢٨٠ وأخرج ابن الأنباري عن أبي بكر الصديق قال لأن أعرب آية من القرآن أحب إلي من أن أحفظ آية وأخرج أيضا عن عبد اللّه بن بريدة عن رجل من أصحاب النبي قال لو أني أعلم إذا سافرت أربعين ليلة أعربت آية من كتاب اللّه لفعلت وأخرج أيضا من طريق الشعبي قال قال عمر من قرأ القرآن فأعربه كان له عند اللّه أجر شهيد

 ٦٢٨١ قلت معنى هذه الآثار عندي إرادة البيان والتفسير لأن إطلاق الإعراب على الحكم النحوي اصطلاح حادث ولأنه كان في سليقتهم لا يحتاجون إلى تعلمه ثم رأيت ابن النقيب جنح إلى ما ذكرته وقال ويجوز أن يكون المراد الإعراب الصناعي وفيه بعد

 ٦٢٨٢ وقد يستدل له بما أخرجه السلفي في الطيوريات من حديث ابن عمر مرفوعا أعربوا القرآن يدلكم على تأويله

 ٦٢٨٣ وقد أجمع العلماء أن التفسير من فروض الكفايات وأجل العلوم الثلاثة الشرعية

 ٦٢٨٤ قال الأصبهاني أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان تفسير القرآن بيان ذلك أن شرف الصناعة إما بشرف موضوعها مثل الصياغة فإنها أشرف من الدباغة لأن موضوع الصياغة الذهب والفضة وهما أشرف من موضوع الدباغة الذي هو جلد الميتة وإما بشرف غرضها مثل صناعة الطب فإنها أشرف من صناعة الكناسة لأن غرض الطب إفادة الصحة وغرض الكناسة تنظيف المستراح وإما لشدة الحاجة إليها كالفقه فإن الحاجة إليه أشد من الحاجة إلى الطب إذ ما من واقعة من الكون فيأحد من الخلق إلا وهي مفتقرة إلى الفقه لأن به انتظام صلاح أحوال الدنيا والدين بخلاف الطب فإنه يحتاج إليه بعض الناس في بعض الأوقات

٢٦٨٥ إذا عرف ذلك فصناعة التفسير قد حازت الشرف من الجهات الثلاث

أما من جهة الموضوع فلأن موضوعه كلام اللّه تعالى الذي هو ينبوع كل حكمة ومعدن كل فضيلة فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم لا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه

وأما من جهة الغرض فلأن الغرض منه هو الاعتصام بالعروة الوثقى والوصول إلى السعادة الحقيقية التي لا تفنى

وأما من جهة شدة الحاجة فلأن كل كمال ديني أو دنيوي عاجلي أو آجلي مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية وهي متوقفة على العلم بكتاب اللّه تعالى