Geri

   

 

 

İleri

 

٥٦- النوع السادس والخمسون في الإيجاز والإطناب

٤٤٨٤ اعلم أنهما من أعظم أنواع البلاغة حتى نقل صاحب سر الفصاحة عن بعضهم أنه قال البلاغة هي الإيجاز والإطناب

٤٤٨٥ قال صاحب الكشاف كما أنه يجب على البليغ في مظان الإجمال أن يجمل ويوجز فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل أن يفصل ويشبع أنشد الجاحظ

يرمون بالخطب الطوال وتارة*   وحى الملاحظ خيفة الرقباء

٤٤٨٦ واختلف هل بين الإيجاز والإطناب واسطة وهي المساواة أو لا وهي داخلة في قسم الإيجاز فالسكاكي وجماعة على الأول لكنهم جعلوا المساواة غير محمودة ولا مذمومة لأنهم فسروها بالمتعارف من كلام أوساط الناس الذين ليسوا في رتبة البلاغة وفسروا الإيجاز بأداء المقصود بأقل من عبارة المتعارف والإطناب أداؤه بأكثر منها لكون المقام خليقا بالبسط وابن الأثير وجماعة على الثاني فقالوا الإيجاز التعبير عن المراد بلفظ غير زائد والإطناب بلفظ أزيد

٤٤٨٧ وقال القزويني الأقرب أن يقال إن المقبول من طرق التعبير عن المراد تأدية أصله إما بلفظ مساو للأصل المراد أو ناقص عنه واف أو زائد عليه لفائدة والأول المساواة والثاني الإيجاز والثالث الإطناب

٤٤٨٨ واحترز ب واف عن الإخلال وبقولنا لفائدة عن الحشو

والتطويل فعنده ثبوت المساواة واسطة وأنها من قسم المقبول ٤٤٨٩ فإن قلت عدم ذكرك المساواة في الترجمة لماذا هل هو لرجحان نفيها أو عدم قبولها أو لأمر غير ذلك قلت لهما ولأمر ثالث وهو أن المساواة

٥٣

 لا تكاد توجد خصوصا في القرآن وقد مثل لها في التلخيص بقوله تعالى ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله وفي الإيضاح بقوله وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا وتعقب بأن في الآية الثانية حذف موصوف الذين وفي الأولى إطناب بلفظ السيء لأن المكر لا يكون إلا سيئا وإيجاز بالحذف إن كان الاستثناء غير مفرغ أي بأحد وبالقصر في الإستثناء وبكونها حاثة على كف الأذى عن جميع الناس محذرة عن جميع ما يؤدي إليه وبأن تقديرها يضر بصاحبه مضرة بليغة فأخرج الكلام مخرج الاستعارة التبعية الواقعة على سبيل التمثيلية لأن يحيق بمعنى يحيط فلا يستعمل إلا في الأجسام تنبيه

٤٤٩٠ الإيجاز والاختصار بمعنى واحد كما يؤخذ من المفتاح وصرح به الطيبي

٤٤٩١ وقال بعضهم الاختصار خاص بحذف الجمل فقط بخلاف الإيجاز قال الشيخ بهاء الدين وليس بشيء والإطناب قيل بمعنى الإسهاب والحق أنه أخص منه فإن الإسهاب التطويل لفائدة أو لا لفائدة كما ذكره التنوخي وغيره

 ١ الإيجاز

 فصل في نوعي الإيجاز

٤٤٩٢ الإيجاز قسمان إيجاز قصر وإيجاز حذف

إيجاز القصر

٤٤٩٣ فالأول هو الوجيز بلفظه قال الشيخ بهاء الدين الكلام القليل إن كان بعضا من كلام أطول منه فهو إيجاز حذف وإن كان كلاما يعطي معنى أطول منه فهو إيجاز قصر

٤٤٩٤ وقال بعضهم إيجاز القصر هو تكثير المعنى بتقليل اللفظ

٤٤٩٥ وقال آخر هو أن يكون اللفظ بالنسبة إلى المعنى أقل من القدر المعهود عادة وسبب حسنه أنه يدل على التمكن في الفصاحة ولهذا قال أوتيت جوامع الكلم

٤٤٩٦ وقال الطيبي في التبيان الإيجاز الخالي من الحذف ثلاثة أقسام

أحدها إيجاز القصر وهو أن يقصر اللفظ على معناه كقوله إنه من سليمان إلى قوله واتوني مسلمين جمع في أحرف العنوان والكتاب والحاجة وقيل في وصف بليغ كانت الفاظه قوالب معناه قلت وهذا رأي من يدخل المساواة في الإيجاز

الثاني إيجاز التقدير وهو أن يقدر معنى زائد على المنطوق ويسمى بالتضييق أيضا وبه سماه بدر الدين بن مالك في المصباح لأنه نقص من الكلام ما صار لفظه أضيق من قدر معناه نحو فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف أي خطاياه غفرت فهي له لا عليه هدى للمتقين أي للضالين الصائرين بعد الضلال إلى التقوى

الثالث الإيجاز الجامع وهو أن يحتوي اللفظ على معان متعددة نحو إن اللّه يأمر بالعدل والإحسان الآية فإن العدل هو الصراط المستقيم المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط المومى به إلى جميع الواجبات في الاعتقاد والأخلاق والعبودبة والإحسان هو الإخلاص في واجبات العبودية لتفسيره في الحديث بقوله أن تعبد اللّه كأنك تراه أي تعبده مخلصا في نيتك وواقفا في الخضوع آخذا أهبة الحذر إلى ما لا يحصى وإيتاء ذي القربى هو الزيادة على الواجب من النوافل هذا في الأوامر وأما النواهي فبالفحشاء الإشارة إلى القوة الشهوانية وبالمنكر إلى الإفراط الحاصل من آثار الغضبية أو كل محرم شرعا وبالبغي إلى الاستعلاء الفائض عن الوهمية

 ٤٤٩٧ قلت ولهذا قال ابن مسعود ما في القرآن آية أجمع للخير والشر من هذه الآية أخرجه في المستدرك وروى البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن أنه قرأها يوما ثم وقف فقال إن اللّه جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة فواللّه ما ترك العدل والإحسان من طاعة اللّه شيئا إلا جمعه ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية اللّه شيئا إلا جمعه

 ٤٤٩٨ وروى أيضا عن ابن أبي شهاب في معنى حديث الشيخين بعثت بجوامع الكلم قال بلغني أن جوامع الكلم أن اللّه يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين ونحو ذلك

 ٤٤٩٩ ومن ذلك قوله تعالى خذ العفو الآية فإنها جامعة لمكارم الأخلاق لأن في أخذ العفو التساهل والتسامح في الحقوق واللين والرفق في الدعاء إلى الدين وفي الأمر بالمعروف كف الأذى وغض البصر وما شاكلهما من المحرمات وفي الإعراض الصبر والحلم والتؤدة

٤٥٠٠ ومن بديع الإيجاز قوله تعالى قل هو اللّه أحد إلى آخرها

٥٤

 فإنه نهاية التنزيه وقد تضمنت الرد على نحو أربعين فرقة كما أفرد ذلك بالتصنيف بهاء الدين بن شداد

٤٥٠١ وقوله أخرج منها ماءها ومرعاها دل بهاتين الكلمتين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتا ومتاعا للأنام من العشب والشجر والحب والثمر والعصف والحطب واللباس والنار والملح لأن النار من العيدان والملح من الماء

 ٤٥٠٢ وقوله لا يصدعون عنها ولا ينزفون جمع فيه جميع عيوب الخمر من الصداع وعدم العقل وذهاب المال ونفاد الشراب

٤٥٠٣ وقوله وقيل يا أرض ابلعي ماءك الآية أمر فيها ونهى وأخبر ونادى ونعت وسمى وأهلك وأبقى وأسعد وأشقى وقص من الأنباء ما لو شرح ما اندرج في هذه الجملة من بديع اللفظ والبلاغة والإيجاز والبيان لجفت الأقلام وقد أفردت بلاغة هذه الآية بالتأليف

٤٥٠٤ وفي العجائب للكرماني أجمع المعاندون على أن طوق البشر قاصر عن الإتيان بمثل هذه الآية بعد أن فتشوا جميع كلام العرب والعجم فلم يجدوا مثلها في فخامة الفاظها وحسن نظمها وجودة معانيها في تصوير الحال مع الإيجاز من غير إخلال

٤٥٠٥ وقوله تعالى يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم الآية جمع في هذه اللفظة أحد عشر جنسا من الكلام نادت وكنت ونبهت وسمت وأمرت وقصت وحذرت وخصت وعمت وأشارت وعذرت فالنداء يا والكناية أي والتنبيه ها والتسمية النمل والأمر ادخلوا والقصص مساكنكم والتحذير لا يحطمنكم والتخصيص سليمان والتعميم جنوده والإشارة وهم والعذر لا يشعرون فأدت خمس حقوق حق اللّه وحق رسوله وحقها وحق رعيتها وحق جنود سليمان

٤٥٠٦ وقوله يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد الآية جمع فيها أصول الكلام النداء والعموم والخصوص والأمر والإباحة والنهي والخبر

٤٥٠٧ وقال بعضهم جمع اللّه الحكمة في شطر آية وكلوا واشربوا ولا تسرفوا

٤٥٠٨ وقوله تعالى وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه الآية قال

ابن العربي هي من أعظم أي في القرآن فصاحة إذ فيها أمران ونهيان وخبران وبشارتان

٤٥٠٩ وقوله فاصدع بما تؤمر قال ابن أبي الأصبع المعنى صرح بجميع ما أوحي إليك وبلغ كل ما أمرت ببيانه وإن شق بعض ذلك على بعض القلوب فانصدعت والمشابهة بينهما فيما يؤثره التصريح في القلوب فيظهر أثر ذلك على ظاهر الوجوه من التقبض والانبساط ويلوح عليها من علامات الإنكار والاستبشار كما يظهر على ظاهر الزجاجة المصدوعة فانظر إلى جليل هذه الاستعارة وعظم إيجازها وما انطوت عليه من المعاني الكثيرة

٤٥١٠ وقد حكي أن بعض الأعراب لما سمع هذه الآية سجد وقال سجدت لفصاحة هذا الكلام

٤٥١١ وقوله تعالى وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين قال بعضهم جمع بهاتين اللفظين ما لو اجتمع الخلق كلهم على وصف ما فيها على التفصيل لم يخرجوا عنه

٤٥١٢ وقوله تعالى ولكم في القصاص حياة فإن معناه كثير ولفظه قليل لأن معناه أن الإنسان إذا علم أنه متى قتل قتل كان ذلك داعيا إلى ألا يقدم على القتل فارتفع بالقتل الذي هو القصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعض وكان ارتفاع القتل حياة لهم وقد فضلت هذه الجملة على أوجز ما كان عند العرب في هذا المعنى وهو قولهم القتل أنفى للقتل بعشرين وجها أو أكثر

٤٥١٣ وقد أشار ابن الأثير إلى إنكار هذا التفضيل وقال لا تشبيه بين كلام الخالق وكلام المخلوق وإنما العلماء يقدحون أذهانهم فيما يظهر لهم من ذلك

٤٥١٤ الأول أن ما يناظره من كلامهم وهو قوله القصاص حياة أقل حروفا فإن حروفه عشرة وحروف القتل أنفى للقتل أربعة عشر

٤٥١٥ الثاني أن نفي القتل لا يستلزم الحياة والآية ناصة على ثبوتها التي هي الغرض المطلوب منه

 ٤٥١٦ الثالث أن تنكير حياة يفيد تعظيما فيدل على أن في القصاص حياة متطاولة كقوله تعالى ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ولا كذلك المثل فإن اللام فيه للجنس ولذا فسروا الحياة فيها بالبقاء ٤٥١٧ الرابع أن الآية فيه مطردة بخلاف المثل فإنه ليس كل قتل أنفى للقتل بل قد يكون أدعى له وهو القتل ظلما وإنما ينفيه قتل خاص وهو القصاص ففيه حياة أبدا

٤٥١٨ الخامس

٥٥

 أن الآية خالية من تكرار لفظ القتل الواقع في المثل والخالي من التكرار أفضل من المشتمل عليه وإن لم يكن مخلا بالفصاحة

٤٥١٩ السادس أن الآية مستغنية عن تقدير محذوف بخلاف قولهم فإن فيه حذف من التي بعد أفعل التفضيل وما بعدها وحذف قصاصا مع القتل الأول وظلما مع القتل الثاني والتقدير القتل قصاصا أنفى للقتل ظلما من تركه

٤٥٢٠ السابع أن في الآية طباقا لأن القصاص مشعر بضد الحياة بخلاف المثل

٤٥٢١ الثامن أن الآية اشتملت على فن بديع وهو جعل أحد الضدين الذي هو الفناء والموت محلا ومكانا لضده الذي هو الحياة واستقرار الحياة في الموت مبالغة عظيمة ذكره في الكشاف وعبر عنه صاحب الإيضاح بأنه جعل القصاص كالمنبع للحياة والمعدن لها بإدخال في عليه

٤٥٢٢ التاسع أن في المثل توالي أسباب كثيرة حفيفة وهو السكون بعد الحركة وذلك مستكرة فإن اللفظ المنطوق به إذا توالت حركاته تمكن اللسان من النطق به وظهرت فصاحته بخلاف ما إذا تعقب كل حركة سكون فالحركات تنقطع بالسكنات نظيره إذا تحركت الدابة أدنى حركة فحبست ثم تحركت فحبست لا يتبين إطلاقها ولا تتمكن من حركتها على ما تختاره فهي كالمقيدة

٤٥٢٣ العاشر أن المثل كالمتناقض من حيث الظاهر لأن الشيء لا ينفي نفسه

 ٤٥٢٤ الحادي عشر سلامة الآية من تكرير قلقلة القاف الموجب للضغط والشدة وبعدها عن غنة النون

٤٥٢٥ الثاني عشر اشتمالها على حروف متلائمة لما فيها من الخروج من القاف إلى الصاد إذ القاف من حروف الاستعلاء والصاد من حروف الاستعلاء والإطباق بخلاف الخروج من القاف إلى التاء التي هي حرف منخفض فهو غير ملائم للقاف وكذا الخروج من الصاد إلى الحاء أحسن من الخروج من اللام إلى الهمزة لبعد ما دون طرف اللسان وأقصى الحلق

٤٥٢٦ الثالث عشر في النطق بالصاد والحاء والتاء حسن الصوت ولا كذلك تكرير القاف والتاء

٤٥٢٧ الرابع عشر سلامتها من لفظ القتل المشعر بالوحشة بخلاف لفظ الحياة فإن الطباع أقبل له من لفظ القتل

٤٥٢٨ الخامس عشر أن لفظ القصاص مشعر بالمساواة فهو منبئ عن العدل بخلاف مطلق القتل

٤٥٢٩ السادس عشر الآية مبنية على الإثبات والمثل على النفي والإثبات أشرف لأنه أول والنفي ثان عنه

٤٥٣٠ السابع عشر أن المثل لا يكاد يفهم إلا بعد فهم أن القصاص هو الحياة وقوله في القصاص حياة مفهوم من أول وهلة

٤٥٣١ الثامن عشر أن في المثل بناء أفعل التفضيل من فعل متعد والآية سالمة منه

٤٥٣٢ التاسع عشر أن أفعل في الغالب يقتضي الاشتراك فيكون ترك القصاص نافيا للقتل ولكن القصاص أكثر نفيا وليس الأمر كذلك والآية سالمة من ذلك

٤٥٣٣ العشرون أن الآية رادعة عن القتل والجرح معا لشمول القصاص لهما والحياة أيضا في قصاص الأعضاء لأن قطع العضو ينقص مصلحة الحياة وقد يسرى إلى النفس فيزيلها ولا كذلك المثل

 في أول الآية ولكم وفيها لطيفة وهي بيان العناية بالمؤمنين على الخصوص وأنهم المراد حياتهم لا غيرهم لنخصيصهم بالمعنى مع وجوده فيمن سواهم

تنبيهات

الأول

٤٥٣٤ ذكر قدامة من أنواع البديع الإشارة وفسرها بالإتيان بكلام قليل ذي معان جمة وهذا هو إيجاز القصر بعينه لكن فرق بينهما ابن أبي الأصبع بأن الإيجاز دلالته مطابقة ودلالة الإشارة إما تضمن أو التزام فعلم منه أن المراد بها ما تقدم في مبحث المنطوق

الثاني

٤٥٣٥ ذكر القاضي أبو بكر في إعجاز القرآن أن من الإيجاز نوعا يسمى التضمين وهو حصول معنى في لفظ من غير ذكر له باسم هي عبارة عنه قال وهو نوعان

أحدهما ما يفهم من البنية كقوله معلوم فإنه يوجب أنه لا بد من عالم

والثاني من معنى العبارة كبسم اللّه الرحمن الرحيم فإنه تضمن تعليم الاستفتاح في الأمور باسمه على جهة التعظيم للّه تعالى والتبرك باسمه

الثالث

٤٥٣٦ ذكر ابن الأثير وصاحب عروس الأفراح وغيرهما أن من أنواع إيجاز القصر باب الحصر سواء كان بإلا

٥٦

 أو بإنما أو غيرهما من أدواته لأن الجملة فيها نابت مناب جملتين وباب العطف لأن حرفه وضع للإغناء عن إعادة العامل وباب النائب عن الفاعل لأنه دل على الفاعل بإعطائه حكمه وعلى المفعول بوضعه وباب الضمير لأنه وضع للاستغناء به عن الظاهر اختصارا ولذا لا يعدل إلى المنفصل مع إمكان المتصل وباب علمت أنك قائم لأنه متحمل لاسم واحد سد مسد المفعولين من غير حذف

٤٥٣٧ ومنها باب التنازع إذا لم نقدر على رأي الفراء

٤٥٣٨ ومنها طرح المفعول اقتصارا على جعل المتعدي كاللازم وسيأتي تحريره

٤٥٣٩ ومنها جميع أدوات الاستفهام والشرط فإن كم مالك يغني عنقولك أهو عشرون أم ثلاثون وهكذا إلى ما لا يتناهى

٤٥٤٠ ومنها الالفاظ اللازمة للعموم كأحد

٤٥٤١ ومنها لفظ التثنية والجمع فإنه يغني عن تكرير المفرد وأقيم الحرف فيهما مقامه اختصارا

٤٥٤٢ ومما يصلح أن يعد من أنواعه المسمى بالاتساع من أنواع البديع وهو أن يؤتى بكلام يتسع فيه التأويل بحسب ما تحتمله الفاظه من المعاني كفواتح السور ذكره ابن أبي الإصبع

إيجاز الحذف

٤٥٤٣ القسم الثاني من قسمي الإيجاز الحذف وفيه فوائد ذكر أسبابه

منها مجرد الاختصار والاحتراز عن العبث لظهوره

٤٥٤٤ ومنها التنبيه على أن الزمان يتقاصر عن الإتيان بالمحذوف وأن الاشتغال بذكره يفضي إلى تفويت المهم وهذه هي فائدة باب التحذير والإغراء وقد اجتمعا في قوله تعالى ناقة اللّه وسقياها فناقة اللّه تحذير بتقدير ذروا و سقياها إغراء بتقدير الزموا

٤٥٤٥ ومنها التفخيم والإعظام لما فيه من الإبهام

٤٥٤٦ قال حازم في منهاج البلغاء إنما يحسن الحذف لقوة الدلالة عليه أو يقصد به تعديد أشياء فيكون في تعدادها طول وسآمة فيحذف ويكتفي بدلالة الحال وتترك النفس تجول في الأشياء المكتفي بالحال عن ذكرها قال ولهذا القصد يؤثر في المواضع التي يراد بها التعجب والتهويل على النفوس ومنه قوله في وصف أهل الجنة حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها فحذف الجواب إذ كان وصف ما يجدونه ويلقونه عند ذلك لا يتناهى فجعل الحذف دليلا على ضيق الكلام عن وصف ما يشاهدونه وتركت النفوس تقدر ما شاءته ولا تبلغ مع ذلك كنه ما هنالك

 ٤٥٤٧ وكذا قوله ولو ترى إذ وقفوا على النار أي لرأيت أمرا فظيعا لا تكاد تحيط به العبارة

٤٥٤٨ ومنها التخفيف لكثرة دورانه في الكلام كما في حذف حرف النداء نحو يوسف أعرض ونون لم يك والجمع السالم ومنه قراءة والمقيمي الصلاة وياء والليل إذا يسر وسأل المؤرج السدوسي الأخفش عن هذه الآية فقال عادة العرب أنها إذا عدلت بالشيء عن معناه نقصت حروفه والليل لما كان لا يسرى وإنما يسرى فيه نقص منه حرف كما قال تعالى وما كانت أمك بغيا الأصل بغية فلما حول عن فاعل نقص منه حرف

٤٥٤٩ ومنها كونه لا يصلح إلا له نحو عالم الغيب والشهادة فعال لما يريد

٤٥٥٠ ومنها شهرته حتى يكون ذكره وعدمه سواء قال الزمخشري وهو نوع من دلالة الحال التي لسانها أنطق من لسان المقال وحمل عليه قراءة حمزة تساءلون به والأرحام لأن هذا مكان شهر بتكرر الجار فقامت الشهرة مقام الذكر

٤٥٥١ ومنها صيانته عن ذكره تشريفا كقوله تعالى قال فرعون وما رب العالمين قال رب السموات الآيات حذف فيها المبتدأ في ثلاثة مواضع قبل ذكر الرب أي هو رب اللّه ربكم اللّه رب المشرق لأن موسى استعظم حال فرعون وإقدامه على السؤال فأضمر اسم اللّه تعظيما وتفخيما ومثله في عروس الأفراح بقوله تعالى رب أرني أنظر إليك أي ذاتك

٤٥٥٢ ومنها صيانة اللسان عنه تحقيرا له نحو صم بكم أي هم أو المنافقون

 ٤٥٥٣ ومنها قصد العموم نحو وإياك نستعين أي على العبادة وعلى أمورنا كلها واللّه يدعو إلى دار السلام أي كل واحد

٤٥٥٤ ومنها رعاية الفاصلة نحو ما ودعك ربك وما قلى أي وما قلاك

٤٥٥٥ ومنها قصد البيان بعد الإبهام كما في فعل المشيئة نحو ولو شاء لهداكم أي ولو شاء هدايتكم فإنه إذا سمع السامع ولو شاء تعلقت نفسه بم شاء ابنهم عليه لا يدري ما هو فلما ذكر

٥٧

الجواب استبان بعد ذلك وأكثر ما يقع ذلك بعد أداة شرط لأن مفعول المشيئة مذكور في جوابها

٤٥٥٦ وقد يكون مع غيرها استدلالا بغير الجواب نحو ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وقد ذكر أهل البيان أن مفعول المشيئة والإرادة لا يذكر إلا إذا كان غريبا أو عظيما نحو لمن شاء منكم أن يستقيم لو أردنا أن نتخذ لهوا وإنما اطرد أو كثر حذف مفعول المشيئة دون سائر الأفعال لأنه يلزم من وجود المشيئة وجود المشاء فالمشيئة المستلزمة لمضمون الجواب لا يمكن أن تكون إلا مشيئة الجواب ولذلك كانت الإرادة مثلها في اطراد حذف مفعولها ذكره الزملكاني والتنوخي في الأقصى القريب قالوا وإذا حذف بعد لو فهو المذكور في جوابها أبدا وأورد في عروس الأفراح قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإن المعنى لو شاء ربنا إرسال الرسل لأنزل ملائكة لأن المعنى معين على ذلك

فائدة

٤٥٥٧ قال الشيخ عبد القاهر ما من اسم حذف في الحالة التي ينبغي أن يحذف فيها إلا وحذفه أحسن من ذكره

وسمى ابن جني الحذف شجاعة العربية لأنه يشجع على الكلام قاعدة في حذف المفعول اختصارا واقتصارا

 بحذف المفعول

٤٥٥٨ قال ابن هشام جرت عادة النحويين أن يقولوا بحذف المفعول اختصارا واقتصارا ويريدون بالاختصار الحذف لدليل ويريدون بالاقتصار الحذف لغير دليل ويمثلونه بنحو كلوا واشربوا أي أوقعوا هذين الفعلين

والتحقيق أن يقال يعني كما قال أهل البيان

تارة يتعلق الغرض بالإعلام بمجرد وقوع الفعل من غير تعيين من أوقعه ومن أوقع عليه فيجاء بمصدره مسندا إلى فعل كون عام فيقال حصل حريق أو نهب

وتارة يتعلق بالإعلام بمجرد إيقاع الفعل للفاعل فيقتصر عليهما ولا يذكر المفعول ولا ينوى إذ المنوى كالثابت ولا يسمى محذوفا لأن الفعل ينزل لهذا القصد منزلة ما لا مفعول له ومنه ربي الذي يحيي ويميت قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون كلوا واشربوا ولا تسرفوا وإذا رأيت ثم إذ المعنى ربي الذي يفعل الإحياء والإماتة وهل يستوي من يتصف بالعلم ومن ينتفي عنه العلم وأوقعوا الأكل والشرب وذروا الإسراف وإذا حصلت منك رؤية

٤٥٥٩ ومنه ولما ورد ماء مدين الآية ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام رحمهما إذ كانتا على صفة الذياد وقومهما على السقي لا لكون مذودهما غنما وسقيهم إبلا وكذلك المقصود من لا نسقى السقي لا المسقي ومن لم يتأمل قدر يسقون إبلهم و تذودان غنمهما و لا نسقي غنما وتارة يقصد إسناد الفعل إلى فاعله وتعليقه بمفعوله فيذكران نحو لا تأكلوا الربا ولا تقربوا الزنا وهذا النوع الذي إذا لم يذكر محذوفه قيل محذوف

٤٥٦٠ وقد يكون في اللفظ ما يستدعيه فيحصل الجزم بوجوب تقديره نحو أهذا الذي بعث اللّه رسولا وكلا وعد اللّه الحسنى

٤٥٦١ وقد يشتبه الحال في الحذف وعدمه نحو قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرحمن قد يتوهم أن معناه نادوا فلا حذف أو سموا فالحذف واقع

ذكر شروطه

٤٥٦٢ هي ثمانية

أحدها وجود دليل إما حالي نحو قالوا سلاما أي سلمنا سلاما أو مقالي نحو وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا قال سلام قوم منكرون أي سلام عليكم أنتم قوم منكرون

٤٥٦٣ ومن الأدلة العقل حيث يستحيل صحة الكلام عقلا إلا بتقدير محذوف

٤٥٦٤ ثم تارة يدل على أصل الحذف من غير دلالة على تعيينه بل يستفاد التعيين من دليل آخره نحو حرمت عليكم الميتة فإن العقل يدل على أنها ليست المحرمة لأن التحريم لا يضاف إلى الأجرام وإنما هو والحل يضافان إلى الأفعال فعلم بالعقل حذف شيء وأما تعينه وهو التناول فمستفاد من الشرع وهو قوله إنما حرم أكلها لأن العقل لا يدرك محل الحل ولا الحرمة وأما قول صاحب التلخيص إنه من باب دلالة العقل أيضا فتابع فيه السكاكي من غير تأمل أنه مبنى على أصول المعتزلة

٤٥٦٥ وتارة يدل العقل أيضا على التعيين نحو وجاء ربك أي أمره بمعنى عذابه لأن الحق دل على استحالة مجيء البارئ لأنه من سمات الحادث

٥٨

  وعلى أن الجائي أمره أوفوا بالعقود وأوفوا بعهد اللّه أي بمقتضى العقود وبمقتضى عهد اللّه لأن العقد والعهد قولان قد دخلا في الوجود وانقضيا فلا يتصور فيهما وفاء ولا نقض وإنما الوفاء والنقض بمقتضاهما وما ترتب عليهما من أحكامهما

٤٥٦٦ وتارة يدل على التعيين العادة نحو فذلكن الذي لمتنني فيه دل العقل على الحذف لأن يوسف لا يصح ظرفا للوم ثم يحتمل أن يقدر لمتنني في حبه لقوله قد شغفها حبا وفي مراودتها لقوله تراود فتاها والعادة دلت على الثاني لأن الحب المفرط لا يلام صاحبه عليه عادة لأنه ليس اختياريا بخلاف المراودة للقدرة على دفعها

٤٥٦٧ وتارة يدل عليه التصريح به في موضع آخر وهو أقواها نحو هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه أي أمره بدليل أو يأتي أمر ربك وجنة عرضها السموات أي كعرض بدليل التصريح به في ىية الحديد الآية ٢٢ رسول من اللّه أي من عند اللّه بدليل ولما جاءهم رسول من عند اللّه

٤٥٦٨ ومن الأدلة على أصل الحذف العادة بأن يكون العقل غير مانع من إجراء اللفظ على ظاهره من غير حذف نحو لو نعلم قتالا لاتبعناكم أي مكان قتال والمراد مكانا صالحا للقتال وإنما كان كذلك لأنهم كانوا أخبر الناس بالقتال ويتعيرون بأن يتفوهوا بأنهم لا يعرفونه فالعادة تمنع أن يريدوا لو نعلم حقيقة القتال فلذلك قدره مجاهد مكان قتال ويدل عليه أنهم أشاروا على النبي ألا يخرج من المدينة

٤٥٦٩ ومنها الشروع في الفعل نحو بسم اللّه فيقدر ما جعلت التسمية مبدأ له فإن كانت عند الشروع في القراءة قدرت أقرأ أو الأكل قدرت آكل وعلى هذا أهل البيان قاطبة خلافا لقول النحاة أنه يقدر ابتدأت أو ابتدائي كائن بسم اللّه ويدل على صحة الأول التصريح به في قوله وقال اركبوا فيها باسم اللّه مجراها ومرساها وفي حديث باسمك ربي وضعت جنبي

٤٥٧٠ ومنها الصناعة النحوية كقولهم في لا أقسم التقدير لأنا أقسم لأن فعل الحال لا يقسم عليه وفي تاللّه تفتأ التقدير لا تفتأ لأنه لو كان الجواب مثبتا دخلت اللام والنون كقوله وتاللّه لأكيدن

٤٥٧١ وقد توجب الصناعة التقدير وإن كان المعنى غير متوقف عليه كقولهم في لا إله إلا اللّه إن الخبر محذوف أي موجود وقد أنكره الإمامفخر الدين وقال هذا الكلام لا يحتاج إلى تقدير وتقدير النحاة فاسد لأن نفي الحقيقة مطلقة أعم من نفيها مقيدة فإنها إذا انتفت مطلقة كان ذلك دليلا على سلب الماهية مع القيد وإذا انتفت مقيدة بقيد مخصوص لم يلزم نفيها مع قيد آخر ورد بأن تقديرهم موجود يستلزم نفي كل إله غير اللّه قطعا فإن العدم لا كلام فيه فهو في الحقيقة نفي للحقيقة مطلقة لا مقيدة ثم لا بد من تقدير خبر لاستحالة مبتدأ بلا خبر ظاهر أو مقدر وإنما يقدر النحوي ليعطي القواعد حقها وإن كان المعنى مفهوما تنبيه

٤٥٧٢ قال ابن هشام إنما يشترط الدليل فيما إذا كان المحذوف الجملة بأسرها أو أحد ركنيها أو يفيد معنى فيها هي مبنية عليه نحو تاللّه تفتأ أما الفضلة فلا يشترط لحذفها وجدان دليل بل يشترط ألا يكون في حذفها ضرر معنوي أو صناعي قال ويشترط في الدليل اللفظي أن يكون طبق المحذوف ورد قول الفراء في أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين إن التقدير بلى ليحسبنا قادرين لأن الحسبان المذكور بمعنى الظن والمقدر بمعنى العلم لأن التردد في الإعادة كفر فلا يكون مأمورا به قال والصواب فيها قول سيبوية إن قادرين حال أي بل نجمعها قادرين لأن فعل الجمع أقرب من فعل الحسبان ولأن بلى لإيجاب المنفى وهو فيها فعل الجمع

٤٥٧٣ الشرط الثاني ألا يكون المحذوف كالجزء ومن ثم لم يحذف الفاعل ولا نائبه ولا اسم كان وأخواتها

٤٥٧٤ قال ابن هشام وأما قول ابن عطية في بئس مثل القوم إن التقدير بئس المثل مثل القوم فإن أراد تفسير الإعراب وأن الفاعل لفظ المثل محذوفا فمردود وإن أراد تفسير المعنى وأن في بئس ضمير المثل مستترا فسهل

٤٥٧٥ الثالث ألا يكون مؤكدا لأن الحذف مناف للتأكيد إذ الحذف مبنيعلى الإختصار والتأكيد مبنى على الطول ومن ثم رد الفارسي

٥٩

 على الزجاج في قوله في إن هذان لساحران إن التقدير إن هذان لهما ساحران فقال الحذف والتوكيد باللام متنافيان وأما حذف الشيء لدليل وتوكيده فلا تنافي بينهما لأن المحذوف لدليل كالثابت

٤٥٧٦ الرابع ألا يؤدي حذفه إلى اختصار المختصر ومن ثم لم يحذف اسم الفعل لأنه اختصار للفعل

٤٥٧٧ الخامس ألا يكون عاملا ضعيفا فلا يحذف الجار والناصب للفعل والجازم إلا في مواضع قويت فيها الدلالة وكثر فيها استعمال تلك العوامل

٤٥٧٨ السادس ألا يكون المحذوف عوضا عن شيء ومن ثم قال ابن مالك إن حرف النداء ليس عوضا من أدعو لإجازة العرب حذفه ولذا أيضا لم تحذف التاء من إقامة واستقامة وأما وإقام الصلاة فلا يقاس عليه ولا خبر كان لأنه عوض أو كالعوض من مصدرها

٤٥٧٩ السابع ألا يؤدي حذفه إلى تهيئة العامل القوي ومن ثم لم يقس على قراءة وكل وعد اللّه الحسنى

فائدة

٤٥٨٠ اعتبر الأخفش في الحذف التدريج حيث أمكن ولهذا قال في قوله تعالى واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا إن الأصل لا تجزى فيه فحذف حرف الجر فصار تجزيه ثم حذف الضمير فصار تجزي وهذه ملاطفة في الصناعة ومذهب سيبويه أنهما حذفا معا قال ابن جني وقول الأخفش أوفق في النفس وآنس من أن يحذف الحرفان معا في وقت واحد

 ١قاعدة

٤٥٨١ الأصل أن يقدر الشيء في مكانه الأصلي لئلا يخالف الأصل من وجهين الحذف ووضع الشيء في غير محله فيقدر المفسر في نحو زيدا رأيته مقدما عليه وجوز البيانيون تقديره مؤخرا عنه لإفادة الاختصاص كما قاله النحاة وإذا منع منه مانع نحو وأما ثمود فهديناهم إذ لا يلي أما فعل

 ٢قاعدة

٤٥٨٢ ينبغي تقليل المقدر مهما أمكن لتقل مخالفة الأصل ومن ثم ضعف قول الفارسي في واللائي لم يحضن إن التقدير فعدتهن ثلاثة أشهر والأولى أن يقدر كذلك

٤٥٨٣ قال الشيخ عز الدين ولا يقدر من المحذوفات إلا أشدها موافقة للغرض وأفصحها لأن العرب لا يقدرون إلا ما لو لفظوا به لكان أحسن وأنسب لذلك الكلام كما يفعلون في ذلك في الملفوظ به نحو جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قياما للناس قدر أبو علي جعل اللّه نصب الكعبة وقدر غيره حرمة الكعبة وهو أولى لأن تقدير الحرمة في الهدى والقلائد والشهر الحرام لا شك في فصاحته وتقدير النصب فيها بعيد من الفصاحة قال ومهما تردد المحذوف بين الحسن والأحسن وجب تقدير الأحسن لأن اللّه وصف كتابه بأنه أحسن الحديث فليكن محذوفه أحسن المحذوفات كما أن ملفوظه أحسن الملفوظات قال ومتى تردد بين أن يكون مجملا أو مبينا فتقدير المبين أحسن نحو وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث لك أن تقدر في أمر الحرث و في تضمين الحرث وهو أولى لتعينه والأمر مجمل لتردده بين أنواع

 ٣قاعدة

٤٥٨٤ إذا دار الأمر بين كون المحذوف فعلا والباقي فاعلا وكونه مبتدأ والباقي خبرا فالثاني أولى لأن المبتدأ عين الخبر وحينئذ فالمحذوف عين الثابت فيكون حذفا كلا حذف فأما الفعل فإنه غير الفاعل اللّهم إلا أن يعتضد الأول برواية

أخرى في ذلك الموضع أو بموضع آخر يشبهه

فالأول كقراءة يسبح له فيها بفتح الباء كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك اللّه بفتح الحاء فإن التقدير يسبحه رجال و يوحيه اللّه ولا يقدران مبتدأين حذف خبرهما لثبوت فاعلية الاسمين في رواية من بنى الفعل للفاعل

والثاني نحو ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن اللّه فتقدير خلقهم اللّه أولى من اللّه خلقهم لمجيء خلقهن العزيز العليم

 ٤ قاعدة

٤٥٨٥ إذا دار الأمر بين كون المحذوف أولا أو ثانيا فكونه ثانيا أولى ومن ثم رجح أن المحذوف في نحو أتحاجوني نون الوقاية لا نون الرفع وفي نارا تلظى التاء الثانية لا تاء المضارعة وفي واللّه ورسوله أحق أن يرضوه أن المحذوف خبر الثاني لا الأول وفي نحو الحج أشهر أن المحذوف مضاف للثاني أي حج أشهر لا الأول أي أشهر الحج وقد يجب كونه من الأول نحو إن اللّه وملائكته يصلون على النبي في قراءة من رفع ملائكته لاختصاص الخبر بالثاني لوروده بصيغة الجمع وقد يجب كونه

٦٠

 من الثاني نحو أن اللّه بريء من المشركين ورسوله أي بريء أيضا لتقدم الخبر على الثاني

فصل في أنواع الحذف

٤٤٨٦ الحذف على أنواع

أحدها ما يسمى بالاقتطاع وهو حذف بعض حروف الكلمة وأنكر ابن الأثير ورود هذا النوع في القرآن ورد بأن بعضهم جعل منه فواتح السور على القول بأن كل حرف منها من اسم من أسمائه كما تقدم وادعى بعضهم أن الباء في وامسحوا برءوسكم أول كلمة بعض ثم حذف الباقي ومنه قراءة بعضهم ونادوا يا مال بالترخيم ولما سمعها بعض السلف قال ما أغنى أهل النار عن الترخيم وأجاب بعضهم بأنهم لشدة ما هم عجزوا عن إتمام الكلمة ويدخل في هذا النوع حذف همزة أنا في قوله لكنا هو اللّه وربي إذ الأصل لكن أنا حذفت همزة أنا تخفيفا وأدغمت النون في النون ومثله ما قرئ ويمسك السماء أن تقع علرض بما أنزليك فمن تعجل في يومين فلثم عليه إنها لحدى الكبر

٤٥٨٧ النوع الثاني ما يسمى بالاكتفاء وهو أن يقتضي المقام ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط فيكتفي بأحدهما عن الآخر لنكتة ويختص غالبا بالارتباط العطفي كقوله سرأبيل تقيكم الحر أي والبرد وخصص الحر بالذكر لأن الخطاب للعرب وبلادهم حارة والوقاية عندهم من الحر أهم لأنه أشد عندهم من البرد وقيل لأن البرد تقدم ذكر الامتنان بوقايته صريحا في قوله ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها وفي قوله وجعل لكم من الجبال أكنانا وفي قوله تعالى والانعام خلقها لكم فيها دفء ومن أمثلة هذا النوع بيدك الخير أي والشر وإنما خص الخير بالذكر لأنه مطلوب العباد ومرغوبهم أو لأنه أكثر وجودا في العالم أو لأن إضافة الشر إلى اللّه ليس من بابا الآداب كما قال والشر ليس إليك

٤٥٨٨ ومنها وله ما سكن في الليل والنهار أي وما تحرك وخص السكون بالذكر لأنه أغلب الحالين على المخلوق من الحيوان والجماد ولأن كل متحرك يصير إلى السكون

٤٥٨٩ ومنها الذين يؤمنون بالغيب أي والشهادة لأن الإيمان بكل منهما واجب وآثر الغيب لأنه أمدح ولأنه يستلزم الإيمان بالشهادة من غير عكس

٤٥٩٠ ومنها ورب المشارق أي والمغارب

٤٥٩١ ومنها هدى للمتقين أي وللكافرين قاله ابن الأنباري ويؤيده قوله هدى للناس

٤٥٩٢ ومنها إن امرؤ هلك ليس له ولد أي ولا والد بدليل أنه أوجب للأخت النصف وإنما يكون ذلك مع فقد الأب لأنه يسقطها

٤٥٩٣ النوع الثالث ما يسمى بالاحتباك وهو من ألطف الأنواع وأبدعها وقل من تنبه له أو نبه عليه من أهل فن البلاغة ولم أره في شرح بديعية الأعمى لرفيقه الأندلسي وذكره الزركشي في البرهان ولم يسمه هذا لاسم بل سماه الحذف المقابلي

٤٥٩٤ وأفرده بالتصنيف من أهل العصر العلامة برهان الدين البقاعي قال الأندلسي في شرح البديعية من أنواع البديع الاحتباك وهو نوع عزيز وهو أن يحذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني ومن الثاني ما أثبت نظيره في الأول كقوله تعالى ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق الآية التقدير ومثل الأنبياء والكفار كمثل الذي ينعق والذي ينعق به فحذف من الأول الأنبياء لدلالة الذي ينعق عليه ومن الثاني الذي ينعق به لدلالة الذين كفروا عليه

٤٥٩٥ وقوله وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء التقدير تدخل غير بيضاء وأخرجها تخرج بيضاء فحذف من الأول غير بيضاء ومن الثاني وأخرجها

٤٥٩٦ وقال الزركشي هو أن يجتمع في الكلام متقابلان فيحذف من كل واحد منهما مقابله لدلالة الآخر عليه كقوله تعالى أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون التقدير إن افتريته فعلي إجرامي وأنتم برآء منه وعليكم إجرامكم وأنا بريء مما تجرمون

٤٥٩٧ وقوله ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم التقدير ويعذب المنافقين إن شاء فلا يتوب عليهم أو يتوب عليهم فلا يعذبهم

 ٤٥٩٨ وقوله ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن أي حتى يطهرن من الدم ويتطهرن بالماء فإذا طهرن وتطهرن فأتوهن ٤٥٩٩ وقوله خلطوا عملا صالحا وآخر

٦١

 سيئا أي عملا صالحا بسيئ وآخر سيئا صالح

٤٦٠٠ قلت ومن لطيفه قوله فئة تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرة أي فئة مؤمنة تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرة تقاتل في سبيل الطاغوت

٤٦٠١ وفي الغرائب للكرماني في الآية الأولى التقدير مثل الذين كفروا معك يا محمد كمثل الناعق مع الغنم فحذف من كل طرف ما يدل عليه الطرف الآخر وله في القرآن نظائر وهو أبلغ ما يكون من الكلام انتهى

٤٦٠٢ ومأخذ هذه التسمية من الحبك الذي معناه الشد والأحكام وتحسين أثر الصنعة في الثوب فحبك الثوب سد ما بين خيوطه من الفرج وشده وإحكامه بحيث يمنع عنه الخلل مع الحسن والرونق وبيان أخذه منه من أن مواضع الحذف من الكلام شبهت بالفرج بين الخيوط فلما أدركها الناقد البصير بصوغه الماهر في نظمه وحوكه فوضع المحذوف مواضعه كان حابكا له مانعا من خلل يطرقه فسد بتقديره ما يحصل به الخلل مع ما أكسبه من الحسن والرونق

 ٤٦٠٣ النوع الرابع ما يسمى بالاختزال هو ما ليس واحدا مما سبق وهو أقسام لأن المحذوف إما كلمة اسم أو فعل أو حرف أو أكثر

أمثله حذف الاسم

 ٤٦٠٤ أمثله حذف الاسم حذف المضاف هو كثير في القرآن جدا حتى قال ابن جني في القرآن منه زهاء ألف موضع وقد سردها الشيخ عز الدين في كتابه المجاز على ترتيب السور والآيات ومنه الحج أشهر أي حج أشهر أو أشهر الحج ولكن البر من آمن أي ذا البر أو بر من حرمت عليكم أمهاتكم أي نكاح أمهاتكم لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات أي ضعف عذاب وفي الرقاب أي وفي تحرير الرقاب

 ٣٦٠٥ حذف المضاف إليه يكثر في ياء المتكلم نحو رب اغفر لي ٤٦٠٦ وفي الغايات نحو للّه الأمر من قبل ومن بعد أي من قبل الغلب ومن بعده

٤٦٠٧ وفي كل وأي وبعض وجاء في غيرهن كقراءة فلا خوف عليهم بضم بلا تنوين أي فلا خوف شيء عليهم

٤٦٠٨ حذف المبتدأ يكثر في جواب الاستفهام نحو وما أدراك ما هيه نار أي هي نار وبعد فاء الجواب من عمل صالحا فلنفسه أي فعمله لنفسه ومن أساء فعليها أي فإساءته عليها وبعد القول نحو وقالوا أساطير الأولين قالوا أضغاث أحلام

٤٦٠٩ وبعد ما الخبر صفة له في المعنى نحو التائبون العابدون ونحو صم بكم عمي

٤٦١٠ ووقع في غير ذلك نحو لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ أي هذا سورة أنزلناها أي هذه

٤٦١١ ووجب في النعت المقطوع إلى الرفع حذف الخبر نحو أكلها دائم وظلها أي دائم

٤٦١٢ ويحتمل الأمرين فصبر جميل أي أجمل أو فأمري صبر فتحرير رقبة أي عليه أو فالواجب

٤٦١٣ حذف الموصوف وعندهم قاصرات الطرف أي حور قاصرات أن اعمل سابغات أي دروعا سابغات أيها المؤمنون أي القوم المؤمنون

 ٤٦١٤ حذف الصفة نحو يأخذ كل سفينة أي صالحة بدليل أنه قرئ كذلك و أن تعييبها لا يخرجها عن كونها سفينة الآن جئت بالحق أي الواضح وإلا لكفروا بمفهوم ذلك فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا أي نافعا

٤٦١٥ حذف المعطوف عليه أن اضرب بعصاك البحر فانفلق أي فضرب فانفلق وحيث دخلت واو العطف على لام التعليل ففي تخريجه وجهان

أحدهما أن يكون تعليلا معللّه محذوف كقوله وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا فالمعنى وللإحسان إلى المؤمنين فعل ذلك

والثاني أنه معطوف على علة أخرى مضمرة ليظهر صحة العطف أي فعل ذلك ليذيق الكافرين بأسه وليبلي

٤٦١٦ حذف المعطوف مع العاطف لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أي ومن أنفق بعده بيدك الخير أي والشر

٤٦١٧ حذف المبدل منه خرج عليه ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب أي لما تصفه والكذب بدل من الهاء

٤٦١٨ حذف الفاعل لا يجوز إلا في فاعل المصدر نحو لا يسأم الإنسان من دعاء الخير أي دعائه الخير وجوزه الكسائي مطلقا لدليل وخرج عليه إذا بلغت التراقي أي الروح حتى توارت بالحجاب أي الشمس

٤٦١٩ حذف المفعول تقدم أنه كثير في مفعول المشيئة والإرادة ويرد في غيرهما نحو إن الذين اتخذوا العجل أي إلها كلا سوف تعلمون أي عاقبة أمركم

٤٦٢٠ حذف الحال يكثر إذا كان قولا نحو والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام أي قائلين

٦٢

 ٤٦٢١ حذف المنادى ألا يا اسجدوا أي يا هؤلاء يا ليت أي يا قوم

٤٦٢٢ حذف العائد يقع في أربعة أبواب

الصلة نحو أهذا الذي بعث اللّه رسولا أي بعثه

والصفة نحو واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس أي فيه

والخبر نحو وكل وعد اللّه الحسنى أي وعده

والحال

٤٦٢٣ حذف مخصوص نعم إنا وجدناه صابرا نعم العبد أي أيوب فقدرنا فنعم القادرون أي نحن ولنعم دار المتقين أي الجنة

٤٦٢٤ حذف الموصول نحو آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم أي والذي أنزل إليكم لأن الذي أنزل إلينا ليس هو الذي أنزل إلى من قبلنا ولهذا أعيدت ما في قوله آمنا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم

أمثلة حذف الفعل

٤٦٢٥ أمثلة حذف الفعل يطرد إذا كان مفسرا نحو وإن أحد من المشركين استجارك إذا السماء انشقت قل لو أنتم تملكون

٤٦٢٦ ويكثر في جواب الاستفهام نحو وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا أي أنزل

٤٦٢٧ وأكثر منه حذف القول نحو وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا أي يقولان ربنا

٤٦٢٨ ويأتي في غير ذلك نحو انتهوا خيرا لكم أي وأتوا والذين تبوءوا الدار والإيمان أي والفوا الإيمان أو اعتقدوا اسكن أنت وزوجك الجنةأي وليسكن زوجك وامرأته حمالة الحطب أي أذم والمقيمين الصلاة أي أمدح ولكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏أي كان وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم أي يوفوا أعمالهم

أمثلة حذف الحرف

٤٦٢٩ أمثلة حذف الحرف قال ابن جني في المحتسب أخبرنا أبو علي قال قال أبو بكر حذف الحرف ليس بقياس لأن الحروف إنما دخلت الكلام الكلام لضرب من الاختصار فلو ذهبت تحذفها لكنت مختصرا لها هي أيضا واختصار المختصر إجحاف به

٤٦٣٠ حذف همزة الاستفهام قرأ ابن محيصن سواء عليهم أنذرتهم وخرج عليه هذا ربي في المواضع الثلاثة وتلك نعمة تمنها أي أو تلك

٤٦٣١ حذف الموصوف الحرفي قال ابن مالك لا يجوز إلا في أن نحو ومن آياته يريكم البرق

٤٦٣٢ وحذف الجار يطرد مع أن وأن نحو يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل اللّه يمن عليكم أن هداكم أطمع أن يغفر لي أيعدكم أنكم أي بأنكم وجاء مع غيرهما نحو قدرناه منازل أي قدرنا له ويبغونها عوجا أي لها يخوف أولياءه أي يخوفكم بأوليائه واختار موسى قومه أي من قومه ولا تعزموا عقدة النكاح أي على عقدة النكاح

٤٦٣٣ حذف العاطف خرج عليه الفارسي ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا أي وقلت وجوه يومئذ ناعمة أي ووجوه عطفا على وجوه يومئذ خاشعة

 ٤٦٣٤ حذف فاء الجواب وخرج عليه الأخفش إن ترك خيرا الوصية للوالدين

 ٤٦٣٥ حذف حرف النداء كثير ها أنتم أولاء يوسف أعرض قال رب إني وهن العظم مني فاطر السموات والأرض

٤٦٣٦ وفي العجائب للكرماني كثر حذف يا في القرآن من الرب تنزيها وتعظيما لأن في النداء طرفا من الأمر

٤٦٣٧ حذف قد في الماضي إذا وقع حالا نحو أو جاءوكم حصرت صدورهم أنؤمن لك واتبعك الأرذلون

٤٦٣٨ حذف لا النافية يطرد في جواب القسم إذا كان المنفي مضارعا نحو تاللّه تفتأ وورد في غيره نحو وعلى الذين يطيقونه فدية أي لا يطيقونه وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم أي لئلا تميد

٤٦٣٩ حذف لام التوطئة وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن وإن أطعتموهم إنكم لمشركون

٤٦٤٠ حذف لام الأمر خرج عليه قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا أي ليقيموا

٤٦٤١ حذف لام لقد يحسن مع طول الكلام نحو قد أفلح من زكاها

٤٦٤٢ حذف نون التوكيد خرج عليه قراءة ألم نشرح بالنصب

٤٦٤٣ حذف التنوين خرج عليه قل هو اللّه أحد اللّه الصمد ولا الليل سابق النهار بالنصب

 ٤٦٤٤ حذف نون الجمع خرج عليه قراءة وما هم بضاري به من أحد

٤٦٤٥ حذف حركة الإعراب والبناء وخرج عليه قراءة فتوبوا إلى بارئكم و يأمركم وبعولتهن أحق بسكون الثلاثة وكذا أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح فأواري سوءة أخي ما بقي من الربا

أمثلة حذف أكثر من كلمة

٤٦٤٦ أمثلة حذف أكثر من كلمة حذف مضافين فإنها من تقوى القلوب أي فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب فقبضت قبضة من أثر الرسول أي من أثر حافر فرس الرسول تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت أي كدوران

٦٣

 عين الذي وتجعلون رزقكم أي بدل شكر رزقكم

٤٦٤٧ حذف ثلاثة متضايفات فكان قاب قوسين أي فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين فحذف ثلاثة من اسم كان وواحد من خبرها

٤٦٤٨ حذف مفعولي باب ظن أين شركائي الذين كنتم تزعمون أي تزعمونهم شركائي

٤٦٤٩ حذف الجار مع المجرور خلطوا عملا صالحا أي بسيء وآخر سيئا أي بصالح

٤٦٥٠ حذف العاطف مع المعطوف تقدم

٤٦٥١ حذف حرف الشرط وفعله يطرد بعد الطلب نحو فاتبعوني يحببكم اللّه أي إن اتبعتموني قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة أي إن قلت لهم يقيموا

٤٦٥٢ وجعل منه الزمخشري فلن يخلف اللّه عهده أي إن اتخذتم عند اللّه عهدا فلن يخلف اللّه

 ٤٦٥٣ وجعل منه أبو حيان فلم تقتلون أنبياء اللّه من قبل أي إن كنتم آمنتم بما أنزل إليكم فلم تقتلون

٤٦٥٤ حذف جواب الشرط فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء أي فافعل وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون أي أعرضوا بدليل ما بعده أئن ذكرتم أي تطيرتم ولو جئنا بمثله مددا أي لنفذ ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم أي لرأيت أمرا فظيعا ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته وأن اللّه رءوف رحيم أي لعذبكم لولا أن ربطنا على قلبها أي لأبدت به ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم أي لسلطكم على أهل مكة

٤٦٥٥ حذف جملة القسم لأعذبنه عذابا شديدا أي واللّه حذف جوابه والنازعات غرقا الآيات أي لتبعثن ص والقرآن ذي الذكر أي إنه لمعجز ق والقرآن المجيد أي ما الأمر كما زعموا

٤٦٥٦ حذف جملة مسببة عن المذكور نحو ليحق الحق ويبطل الباطل أي فعل ما فعل

٤٦٥٧ حذف جمل كثيرة نحو فأرسلون يوسف أيها الصديق أي فأرسلوني إلى يوسف لأستعبره الرؤيا ففعلوا فأتاه فقال له يا يوسف

خاتمة

٤٦٥٨ تارة لا يقام شيء مقام المحذوف كما تقدم وتارة يقام ما يدل عليه نحو فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم فليس الإبلاغ هو الجواب لتقدمهعلى توليهم وإنما التقدير فإن تولوا فلا لوم علي أو فلا عذر لكم لأني أبلغتكم وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك أي فلا تحزن واصبر وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين أي يصيبهم مثل ما أصابهم

فصل في نوعي الإطناب

٤٦٥٩ كما انقسم الإيجاز إلى إيجاز قصر وإيجاز حذف كذلك انقسم الإطناب إلى بسط و زيادة

الإطناب بالبسط

٤٦٦٠ فالأول الإطناب بتكثير الجمل كقوله تعالى إن في خلق السموات والأرض الآية في سورة البقرة أطنب فيها أبلغ الإطناب لكون الخطاب مع الثقلين وفي كل عصر وحين للعالم منهم والجاهل والموافق منهم والمنافق

٤٦٦١ وقوله الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به فقوله ويؤمنون به إطناب لأن إيمان حملة العرش معلوم وحسنه إظهار شرف الإيمان ترغيبا فيه وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وليس من المشركين مزك والنكتة الحث للمؤمنين على أدائها والتحذير من المنع حيث جعل من أوصاف المشركين

الإطناب بالزيادة

٤٦٦٢ والثاني يكون بأنواع

أحدها دخول حرف فأكثر من حروف التأكيد السابقة في نوع الأدوات

٤٦٦٣ وهي إن وأن ولام الابتداء والقسم وألا الاستفتاحية وأما وها التنبيه وكأن في تأكيد التشبيه ولكن في تأكيد الاستدراك وليت في تأكيدالتمني ولعل في تأكيد الترجي وضمير الشأن وضمير الفصل وإما في تأكيد الشرط وقد والسين وسوف والنونان في تأكيد الفعلية ولا التبرئة ولن ولما في تأكيد النفي وإنما يحسن تأكيد الكلام بها إذا كان المخاطب به منكرا أو مترددا

٤٦٦٤ ويتفاوت التأكيد بحسب قوة الإنكار وضعفه كقوله تعالى حكاية عن رسل عيسى إذ كذبوا في المرة الأولى إنا إليكم مرسلون فأكد بأن وإسمية الجملة وفي المرة الثانية قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون فأكد بالقسم وإن واللام وإسمية الجملة لمبالغة المخاطبين في الإنكار حيث قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون

٤٦٦٥ وقد يؤكد بها والمخاطب به غير منكر لعدم جريه على مقتضى إقراره فينزل منزلة المنكر وقد يترك التأكيد وهو معه منكر لأن معه أدلة

٦٤

 ظاهرة لو تأملها لرجع عن إنكاره وعلى ذلك يخرج قوله ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون أكد الموت تأكيدين وإن لم ينكر لتنزيل المخاطبين لتماديهم في الغفلة تنزيل من ينكر الموت وأكد إثبات البعث تأكيدا واحدا وإن كان أشد نكيرا لأنه لما كانت أدلته ظاهرة كان جديرا بأن لا ينكر فنزل المخاطبون منزلة غير المنكر حثا لهم على النظر في أدلته الواضحة ونظيره قوله تعالى لا ريب فيه نفى عنه الريبة ب لا على سبيل الاستغراق مع أنه ارتاب فيه المرتابون لكن نزل منزلة العدم تعويلا على ما يزيله من الأدلة الباهرة كما نزل الإنكار منزلة عدمه لذلك

٤٦٦٦ وقال الزمخشري بولغ في تأكيد الموت تنبيها للإنسان على أن يكون الموت نصب عينيه ولا يغفل عن ترقبه فإن مآله إليه فكأنه أكدت جملته ثلاث مرات لهذا المعنى لأن الإنسان في الدنيا يسعى فيها غاية السعي حتى كأنه يخلد ولم يؤكد جملة البعث إلا بإن لأنه أبرز في صورة المقطوع به الذي لا يمكن فيه نزاع ولا يقبل إنكارا

 ٤٦٦٧ وقال التاج بن الفركاح أكد الموت ردا على الدهرية القائلين ببقاء النوع الإنساني خلفا عن سلف واستغنى عن تأكيد البعث هنا لتأكيده والرد على منكره في مواضع كقوله قل بلى وربي لتبعثن

 ٤٦٦٨ وقال غيره لما كان العطف يقتضي الاشتراك استغنى عن إعادة اللام لذكرها في الأول

٤٦٦٩ وقد يؤكد بها أي اللام للمستشرف الطالب الذي قدم له ما يلوح بالخبر فاستشرفت نفسه إليه نحو ولا تخاطبني في الذين ظلموا أي لا تدعني يا نوح في شأن قومك فهذا الكلام يلوح بالخبر تلويحا ويشعر بأنه قد حق عليهم العذاب فصار المقام مقام أن يتردد المخاطب في أنهم هل صاروا محكوما عليهم بذلك أو لا فقيل إنهم مغرقون بالتأكيد

٤٦٧٠ وكذا قوله يأيها الناس اتقوا ربكم لما أمرهم بالتقوى وظهور ثمرتها والعقاب على تركها محله الآخرة تشوقت نفوسهم إلى وصف حال الساعة فقال إن زلزلة الساعة شيء عظيم بالتأكيد ليقرر عليه الوجوب

٤٦٧١ وكذا قوله وما أبرئ نفسي فيه تحيير للمخاطب وتردد في أنه كيف لا يبريء نفسه وهي برئية زكية ثبتت عصمتها وعدم مواقعتها السوء فأكده بقوله إن النفس لأمارة بالسوء

٤٦٧٢ وقد يؤكد لقصد الترغيب نحو فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم أكد بأربع تأكيدات ترغيبا للعباد في التوبة

٤٦٧٣ وقد سبق الكلام على أدوات التأكيد المذكورة ومعانيها ومواقعها في النوع الأربعين

 ١فائدة

٤٦٧٤ إذا اجتمعت إن واللام كان بمنزلة تكرير الجملة ثلاث مراتلأن إن أفادت التكرير مرتين فأذا دخلت اللام صارت ثلاثا وعن الكسائي أن اللام لتوكيد الخبر وإن لتوكيد الاسم وفيه تجوز لأن التوكيد للنسبة لا للاسم ولا للخبر وكذلك نون التوكيد الشديدة بمنزلة تكرير الفعل ثلاثا والخفيفة بمنزلة تكريره مرتين فقال سيبويه في نحو يأيها الالف والهاء لحقتا أيا توكيدا فكأنك كررت يا مرتين وصار الاسم تنبيها هذا كلامه وتابعه الزمخشري

 ٢فائدة

٤٦٧٥ قوله تعالى ويقول الإنسان أئذا مامت لسوف أخرج حيا قال الجرجاني في نظم القرآن ليست اللام فيه للتأكيد فإنه منكر فكيف يحقق ما ينكره وإنما قاله حكاية لكلام النبي الصادر منه بأداة التأكيد فحكاه فنزلت الآية على ذلك

النوع الثاني دخول الأحرف الزائدة

٤٦٧٦ قال ابن جني كل حرف زيد في كلام العرب فهو قائم مقام إعادة الجملة مرة أخرى

٤٦٧٧ وقال الزمخشري في كشافه القديم الباء في خبر ما وليس لتأكيد النفي كما أن اللام لتأكيد الإيجاب

٤٦٧٨ وسئل بعضهم عن التأكيد بالحرف وما معناه إذ إسقاطه لا يخل بالمعنى فقال هذا يعرفه أهل الطباع يجدون من زيادة الحرف معنى لا يجدونه بإسقاطه قال ونظيره العارف بوزن الشعر طبعا إذا تغير عليه البيت بنقص أنكره وقال أجد نفسي على خلاف ما أجدها بإقامة الوزن فكذلك هذه الحروف تتغير نفس المطبوع بنقصانها ويجد نفسه بزيادتها على معنى بخلاف ما يجدها بنقصانه ثم باب الزيادة في الحروف وزيادة الأفعال قليل والأسماء أقل

٤٦٧٩ أما الحروف فيزداد منها إن وأن وإذ وإذا وإلى

٦٥

 وأم والباء والفاء وفي والكاف واللام ولا وما ومن والواو وتقدمت في نوع الأدوات مشروحة

 ٤٦٨٠ وأما الأفعال فزيد منها كان وخرج عليه كيف نكلم من كان في المهد صبيا وأصبح وخرج عليه فأصبحوا خاسرين

٤٦٨١ وقال الرماني العادة أن من به علة تزاد بالليل أن يرجو الفرج عندالصباح فاستعمل أصبح لأن الخسران حصل لهم في الوقت الذي يرجون فيه الفرج فليست زائدة

٤٦٨٢ وإما الأسماء فنص أكثر النحويين على أنها لا تزاد ووقع في كلام المفسرين الحكم عليها بالزيادة في مواضع كلفظ مثل في قوله فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به أي بما

النوع الثالث التأكيد الصناعي

٤٦٨٣ وهو أربعة أقسام

أحدها التوكيد المعنوي بكل واجمع وكلا وكلتا نحو فسجد الملائكة كلهم أجمعون وفائدته رفع توهم المجاز وعدم الشمول

٤٦٨٤ وادعى الفراء أن كلهم أفادت ذلك و أجمعون أفادت اجتماعهم على السجود وأنهم لم يسجدوا متفرقين

٤٦٨٥ ثانيها التأكيد اللفظي وهو تكرار اللفظ الأول إما بمرادفه نحو ضيقا حرجا بكسر الراء و غرأبيب سود وجعل منه الصفار فيما إن مكناكم فيه على القول بأن كليهما للنفي وجعل منه غيره قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فوراء هنا ليس ظرفا لأن لفظ ارجعوا ينبئ عنه بل هو اسم فعل بمعنى ارجعوا فكأنه قال ارجعوا ارجعوا

٤٦٨٦ وإما بلفظه ويكون في الاسم والفعل والحرف والجملة فالاسم والجملة نحو قوارير قوارير دكا دكا

٤٦٨٧ والفعل فمهل الكافرين أمهلهم

 ٤٦٨٨ واسم الفعل نحو هيهات هيهات لما توعدون

٤٦٨٩ والحرف نحو ففي الجنة خالدين فيها أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم

٤٦٩٠ والجملة نحو فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا

٤٦٩١ والأحسن اقتران الثانية بثم نحو وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون

 ٤٦٩٢ ومن هذا النوع تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل نحو اسكن أنت وزوجك الجنة فاذهب أنت وربك وأما أن نكون نحن الملقين ٤٦٩٣ ومن تأكيد المنفصل بمثله وهم بالآخرة هم كافرون

٤٦٩٤ ثالثها تأكيد الفعل بمصدره وهو عوض من تكرار الفعل مرتين وفائدته رفع توهم المجاز في الفعل بخلاف التوكيد السابق فإن لرفع توهم المجاز في المسند إليه كذا فرق به ابن عصفور وغيره ومن ثم رد بعض أهل السنة على بعض المعتزلة في دعواه نفي التكليم حقيقة بقوله وكلم اللّه موسى تكليما لأن التوكيد رفع المجاز في الفعل ومن أمثلته وسلموا تسليما يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا جزاؤكم جزاء موفورا

٤٦٩٥ وليس منه وتظنون باللّه الظنونا بل هو جمع ظن لاختلاف أنواعه وأما إلا أن يشاء ربي شيئا فتحتمل أن يكون منه وأن يكون الشيء بمعنى الأمر والشأن

٤٦٩٦ والأصل في هذا النوع أن ينعت بالوصف المراد نحو اذكروا اللّهذكرا كثيرا وسرحوهن سراحا جميلا وقد يضاف وصفه إليه نحو اتقوا اللّه حق تقاته وقد يؤكد بمصدر فعل آخر أو إسم عين نيابه عن المصدر نحو وتبتل إليه تبتيلا والتبتيل مصدر بتل واللّه أنبتكم من الأرض نباتا أي إنباتا إذ النبات إسم عين

٤٦٩٧ رابعها الحال المؤكدة نحو ويوم أبعث حيا ولا تعثوا في الأرض مفسدين وأرسلناك للناس رسولا ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد

٤٦٩٨ وليس منه ولى مدبرا لأن التولية قد لا تكون إدبارا بدليل قوله فول وجهك شطر المسجد الحرام ولا فتبسم ضاحكا لأن التبسم قد لا يكون ضحكا ولا وهو الحق مصدقا لاختلاف المعنيين إذ كونه حقا في نفسه غير كونه مصدقا لما قبله

   النوع الرابع التكرير

٤٦٩٩ وهو أبلغ من التأكيد وهو من محاسن الفصاحة خلافا لبعض من غلط وله فوائد منها التقرير وقد قيل الكلام إذا تكرر تقرر وقد نبه تعالى على السبب الذي لأجله كرر الأقاصيص والإنذار في القرآن بقوله وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا

٤٧٠٠ ومنها التأكيد

 ٤٧٠١ ومنها زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول ومنه وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع

٦٦

 فإنه كرر فيه النداء لذلك

 ٤٧٠٢ ومنها إذا طال الكلام وخشي تناسى الأول أعيد ثانيا تطرية له وتجديدا لعهده ومنه ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها ولما جاءهم كتاب من عند اللّه إلى قوله فلما جاءهم ماعرفوا كفروا به لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم

٤٧٠٣ ومنها التعظيم والتهويل نحو الحاقة ما الحاقة القارعة ما القارعة وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين

٤٧٠٤ فإن قلت هذا النوع أحد أقسام النوع الذي قبله فإن منها التأكيد بتكرار اللفظ فلا يحسن عده نوعا مستقلا قلت هو يجامعه ويفارقه ويزيد عليه وينقص عنه فصار أصلا برأسه فإنه قد يكون التأكيد تكرارا كما تقدم في أمثلته وقد لا يكون تكرارا كما تقدم أيضا وقد يكون التكرير غير تأكيد صناعة وإن كان مفيدا للتأكيد معنى

٤٧٠٥ ومنه ما وقع فيه الفصل بين المكررين فإن التأكيد لا يفصل بينه وبين مؤكده نحو اتقوا اللّه ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا اللّه إن اللّه اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين فالآيتان من باب التكرير لا التأكيد اللفظي الصناعي ومنه الآيات المتقدمة في التكرير للطول

٤٧٠٦ ومنه ما كان لتعدد المتعلق بأن يكون المكرر ثانيا متعلقا بغير ما تعلق به الأول وهذا القسم يسمى بالترديد كقوله اللّه نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري وقع فيها الترديد أربع مرات

٤٧٠٧ وجعل منه قوله فبأي آلاء ربكما تكذبان فإنها وإن تكررت نيفا وثلاثين مرة فكل واحدة تتعلق بما قبلها ولذلك زادت على ثلاثة ولو كان الجميع عائدا إلى شيء واحد لما زاد على ثلاثة لأن التأكيد لا يزيد عليها قاله ابن عبد السلام وغيره

٤٧٠٨ وإن كان بعضها ليس بنعمة فذكر النقمة للتحذير نعمة وقد سئل أي نعمة في قوله كل من عليها فان فأجيب بأجوبة أحسنها النقل من دار الهموم إلى دار السرور وإراحة المؤمن والبار من الفاجر

 ٤٧٠٩ وكذا قوله ويل يومئذ للمكذبين في سورة المرسلات لأنه تعالى ذكر قصصا مختلفة وأتبع كل قصة بهذا القول فكأنه قال عقب كل قصة ويل يومئذ للمكذب بهذه القصة

٤٧١٠ وكذا قوله في سورة الشعراء إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم كررت ثماني مرات كل مرة عقب كل قصة فالإشارة في كل واحدة بذلك إلى قصة النبي المذكور قبلها وما اشتملت عليه من الآيات والعبر وبقوله وما كان أكثرهم مؤمنين إلى قومه خاصة ولما كان مفهومه أن الأقل من قومه آمنوا أتى بوصف العزيز الرحيم للإشارة إلى أن العزة على من لم يؤمن منهم والرحمة لمن آمن

٤٧١١ وكذا قوله في سورة القمر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر قال الزمخشري كرر ليجددوا عند سماع كل نبأ منها إتعاظا وتنبيها وإن كلا من تلك الأنباء مستحق لإعتبار يختص به وأن يتنبهوا كيلا يغلبهم السرور والغفلة

٤٧١٢ قال في عروس الأفراح فإن قلت إذا كان المراد بكل ما قبله فليس

  وجعل منه قوله فبأي آلاء ربكما تكذبان فإنها وإن تكررت نيفا وثلاثين مرة فكل واحدة تتعلق بما قبلها ولذلك زادت على ثلاثة ولو كان الجميع عائدا إلى شيء واحد لما زاد على ثلاثة لأن التأكيد لا يزيد عليها قاله ابن عبد السلام وغيره

وإن كان بعضها ليس بنعمة فذكر النقمة للتحذير نعمة وقد سئل أي نعمة في قوله كل من عليها فان فأجيب بأجوبة أحسنها النقل من دار الهموم إلى دار السرور وإراحة المؤمن والبار من الفاجر

  وكذا قوله ويل يومئذ للمكذبين في سورة المرسلات لأنه تعالى ذكر قصصا مختلفة وأتبع كل قصة بهذا القول فكأنه قال عقب كل قصة ويل يومئذ للمكذب بهذه القصة

وكذا قوله في سورة الشعراء إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم كررت ثماني مرات كل مرة عقب كل قصة فالإشارة في كل واحدة بذلك إلى قصة النبي المذكور قبلها وما اشتملت عليه من الآيات والعبر وبقوله وما كان أكثرهم مؤمنين إلى قومه خاصة ولما كان مفهومه أن الأقل من قومه آمنوا أتى بوصف العزيز الرحيم للإشارة إلى أن العزة على من لم يؤمن منهم والرحمة لمن آمن

وكذا قوله في سورة القمر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر قال الزمخشري كرر ليجددوا عند سماع كل نبأ منها إتعاظا وتنبيها وإن كلا من تلك الأنباء مستحق لإعتبار يختص به وأن يتنبهوا كيلا يغلبهم السرور والغفلة

قال في عروس الأفراح فإن قلت إذا كان المراد بكل ما قبله فليس

ذلك بإطناب بل هي الفاظ كل أريد به غير ما أريد بالآخر قلت إذا قلنا العبرة بعموم اللفظ فكل واحد أريد به ما أريد بالآخر ولكن كرر ليكون نصا فيما يليه وظاهرا في غيره فإن قلت يلزم التأكيد قلت والأمر كذلك ولا يرد عليه أن التأكيد لا يزاد به عن ثلاثة لأن ذاك في التأكيد الذي هو تابع أما ذكر الشيء في مقامات متعددة أكثر من ثلاثة فلا يمتنع انتهى

٤٧١٣ ويقرب من ذلك ما ذكره ابن جرير في قوله تعالى وللّه ما في السموات وما في الأرض ولقد وصينا إلى قوله وكان اللّه غنيا حميدا وللّه ما في السموات وما في الأرض وكفى باللّه وكيلا قال فإن قيل ما وجه تكرار قوله وللّه ما في السموات وما في الأرض في آيتين إحداهما في أثر الأخرى قلنا لإختلاف معنى الخبرين عما في السموات والأرض وذلك أن الخبر عنه

٦٧

 في إحدى الآيتين ذكر حاجته إلى بارئه وغنى بارئه عنه وفي الأخرى حفظ بارئه إياه وعلمه به وبتدبيره قال فإن قيل أفلا قيل وكان اللّه غنيا حميدا وكفى باللّه وكيلا قيل ليس في الآية الأولى ما يصلح أن تختتم بوصفه معه بالحفظ والتدبير إنتهى

٤٧١٤ وقال تعالى وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب قال الراغب الكتاب الأول ما كتبوه بأيديهم المذكور في قوله تعالى فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم والكتاب الثاني التوراة والثالث الجنس كتب اللّه كلها أي ما هو من شيء من كتب اللّه وكلامه

٤٧١٥ ومن أمثلة ما يظن تكرارا وليس منه قل يأيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون إلى آخرها فإن لا أعبد ما تعبدون أي في المستقبل ولا أنتم عابدون أي في الحال ما أعبد في المستقبل ولا أنا عابد أي في الحال ما عبدتم في الماضي ولا أنتم عابدون أي في المستقبل ما أعبد أي في الحال فالحاصل أن القصد نفى عبادته لآلهتهم في الأزمنة الثلاثة

٤٧١٦ وكذا فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم ثم قالفإذا قضيتم مناسككم فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم ثم قال واذكروا اللّه في أيام معدودات فإن المراد بكل واحد من هذه الأذكار غير المراد بالآخر فالأول الذكر في مزدلفة عند الوقوف بقزح وقوله واذكروه كما هداكم إشارة إلى تكرره ثانيا وثالثا ويحتمل أن يراد به طواف الإفاضة بدليل تعقيبه بقوله فإذا قضيتم والذكر الثالث إشارة إلى رمي جمرة العقبة والذكر الأخير لرمي أيام التشريق

٤٧١٧ ومنه تكرير حرف الإضراب في قوله بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر وقوله بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون

٤٧١٨ ومنه قوله ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين ثم قال وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين فكرر الثاني ليعم كل مطلقة فإن الآية الأولى في المطلقة قبل الفرض والمسيس خاصة وقيل لأن الأولى لا تشعر بالوجوب ولهذا لما نزلت قال بعض الصحابة إن شئت أحسنت وإن شئت فلا فنزلت الثانية أخرجه ابن جرير

٤٧١٩ ومن ذلك تكرير الأمثال كقوله وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات

٤٧٢٠ وكذلك ضرب مثل المنافقين أول البقرة بالمستوقد نارا ثم ضربه بأصحاب الصيب قال الزمخشري والثاني أبلغ من الأول لأنه أدل على فرط الحيرة وشدة الأمر وفظاعته قال ولذلك أخر وهم يتدرجون في نحو هذا من الأهون إلى الأغلظ

تكرير القصص

٤٧٢١ ومن ذلك تكرير القصص كقصة آدم وموسى ونوح وغيرهم من الأنبياء قال بعضهم ذكر اللّه موسى في مائة وعشرين موضعا من كتابه

٤٧٢٢ وقال ابن العربي في القواصم ذكر اللّه قصة نوح في خمس وعشرين آية وقصة موسى في تسعين آية

 ٤٧٢٣ وقد ألف البدر بن جماعة كتابا سماه المقتنص في فوائد تكرار القصص وذكر في تكرير القصص فوائد منها أن في كل موضع زيادة شيء لم يذكر في الذي قبله أو إبدال كلمة بأخرى لنكتة وهذه عادة البلغاء

٤٧٢٤ ومنها أن الرجل كان يسمع القصة من القرآن ثم يعود إلى أهله ثم يهاجر بعده آخرون يحكون ما نزل بعد صدور من تقدمهم فلولا تكرار القصص لوقعت قصة موسى إلى قوم وقصة عيسى إلى قوم آخرين وكذا سائر القصص فأراد اللّه إشتراك الجميع فيها فيكون فيه إفادة لقوم وزيادة تأكيد لآخرين

٤٧٢٥ ومنها أن في إبراز الكلام الواحد في فنون كثيرة وأساليب مختلفة ما لا يخفى من الفصاحة

٤٧٢٦ ومنها أن الدواعي لا تتوفر على نقلها كتوفرها على نقل الأحكام فلهذا كررت القصص دون الأحكام

٤٧٢٧ ومنها أنه تعالى أنزل هذا القرآن وعجز القوم عن الإتيان بمثله بأي نظم جاءوا ثم أوضح الأمر في عجزهم بأن كرر ذكر القصة في مواضع إعلاما بأنهم عاجزون عن الإتيان بمثله أي بأي نظم جاءوا وبأي عبارة عبروا

٤٧٢٨ ومنها أنه لما تحداهم قال فأتوا بسورة من مثله فلو ذكرت القصة في موضع واحد واكتفي بها لقال العربي ائتونا أنتم بسورة من مثله فأنزلها سبحانه وتعالى في تعداد السور دفعا لحجتهم من كل وجه

٦٨

٤٧٢٨  ومنها أن القصة لما كررت كان في الفاظها في كل موضع زيادة ونقصان وتقديم وتأخير وأتت على أسلوب غير أسلوب الأخرى فأفاد ذلك ظهور الأمر العجيب في إخراج المعنى الواحد في صور متباينة في النظم وجذب النفوس إلى سماعها لما جبلت عليه من حب التنقل في الأشياء المتجددة واستلذاذها بها وإظهار خاصة القرآن حيث لم يحصل مع تكرير ذلك فيه هجنة في اللفظ ولا ملل عند سماعه فباين ذلك كلام المخلوقين

 ٤٧٢٩ وقد سئل ما الحكمة في عدم تكرير قصة يوسف وسوقها مساقا واحدا في موضع واحد دون غيرها من القصص وأجيب بوجوه

أحدها أن فيها تشبيب النسوة به وحال إمرأة ونسوة افتتن بأبدع الناس جمالا فناسب عدم تكرارها لما فيه من الإغضاء والستر وقد صحح الحاكم في مستدركه حديث النهي عن تعليم النساء سورة يوسف

ثانيها أنها إختصت بحصول الفرج بعد الشدة بخلاف غيرها من القصص فإن مآلها إلى الوبال كقصة إبليس وقوم نوح وهود وصالح وغيرهم فلما اختصت بذلك اتفقت الدواعي على نقلها لخروجها عن سمت القصص

ثالثها قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني إنما كرر اللّه قصص الأنبياء وساق قصة يوسف مساقا واحدا إشارة إلى عجز العرب كأن النبي قال لهم إن كان من تلقاء نفسي فافعلوا في قصة يوسف ما فعلت في سائر القصص

قلت وظهر لي جواب رابع وهو أن سورة يوسف نزلت بسبب طلب الصحابة أن يقص عليهم كما رواه الحاكم في مستدركه فنزلت مبسوطة تامة ليحصل لهم مقصود القصص من إستيعاب القصة وترويح النفس بها والإحاطة بطرفيها وجواب خامس وهو أقوى ما يجاب به أن قصص الأنبياء إنما كررت لأن المقصود بها إفادة إهلاك من كذبوا رسلهم والحاجة داعية إلى ذلك لتكرير تكذيب الكفار لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏فكلما كذبوا أنزلت قصة منذرة بحلول العذاب كما حل على المكذبين ولهذا قال تعالى في آيات فقد مضت سنة الأولين ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن وقصة يوسف لم يقصد منها ذلك

٤٧٣٠ وبهذا أيضا يحصل الجواب عن حكمة عدم تكرير قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين وقصة موسى مع الخضر وقصة الذبيح

٤٧٣١ فإن قلت قد تكررت قصة ولادة يحيى وولادة عيسى مرتين وليست من قبيل ما ذكرت قلت الأولى في سورة كهيعص وهي مكية أنزلت خطابا لأهل مكة والثانية في سورة آل عمران وهي مدنية أنزلت خطابا لليهود ولنصارى نجران حين قدموا ولهذا اتصل بها ذكر المحاجة والمباهلة

النوع الخامس الصفة

٤٧٣٢ وترد لأسباب

أحدها التخصيص في النكرة نحو فتحرير رقبة مؤمنة

٤٧٣٣ الثاني التوضيح في المعرفة أي زيادة البيان نحو ورسوله النبي الأمي

٤٧٣٤ الثالث المدح والثناء ومنه صفات اللّه تعالى نحو بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين هو اللّه الخالق الباريء المصور

٤٧٣٥ ومنه يحكم النبيون الذين أسلموا فهذا الوصف للمدح وإظهار شرف الإسلام والتعريض باليهود وأنهم بعداء عن ملة الإسلام الذي هو دين الأنبياء كلهم وأنهم بمعزل عنها قاله الزمخشري

٤٧٣٦ الرابع الذم نحو فاستعذ باللّه من الشيطان الرجيم

٤٧٣٧ الخامس التأكيد لرفع الإيهام نحو لا تتخذوا إلهين اثنين فإن إلاهين للتثنية فاثنين بعده صفة مؤكدة للنهي عن الإشراك ولإفادة أن النهي عن إلاهين إنما هو لمحض كونهما إثنين فقط لا لمعنى آخر من كونهما عاجزين أو غير ذلك ولأن الوحدة تطلق ويراد بها النوعية كقوله إنما نحن وبنو المطلب شيء واحد وتطلق ويراد بها نفي العدة فالتثنية باعتبارها فلو قيل لا تتخذوا الهين فقط لتوهم أنه نهى عن إتخاذ جنسين آلهة وإن جاز أن يتخذ من نوع واحد عدد آلهة ولهذا أكد بالوحدة قوله إنما هو إله واحد

٤٧٣٨ ومثله فاسلك فيها من كل زوجين اثنين على قراءة تنوين كل وقوله فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة فهو تأكيد لرفع توهم

٦٩

 تعدد النفخة لأن هذه الصيغة قد تدل على الكثرة بدليل وإن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها

 ٤٧٣٩ ومن ذلك قوله فإن كانتا اثنتين فإن لفظ كانتا تفيد التثنية فتفسيره بإثنتين لم يفد زيادة عليه

٤٧٤٠ وقد أجاب عن ذلك الأخفش والفارسي بأنه أفاد العدد المحض مجردا عن الصفة لأنه قد كان يجوز أن يقال فإن كانتا صغيرتين أو كبيرتين أو صالحتين أو غير ذلك من الصفات فلما قال اثنتين أفهم أن فرض الثنتين تعلق بمجرد كونهما ثنتين فقط وهي فائدة لا تحصل من ضمير المثنى وقيل أراد فإن كانتا اثنتين فصاعدا فعبر بالأدنى عنه وعما فوقه إكتفاء ونظيره فإن لم يكونا رجلين والأحسن أن الضمير عائد على الشهيدين المطلقين

٤٧٤١ ومن الصفات المؤكدة قوله ولا طائر يطير بجناحيه فقوله يطير لتأكيد أن المراد بالطائر حقيقته فقد يطلق مجازا على غيره وقوله بجناحيه لتأكيد حقيقة الطيران لأنه يطلق مجازا على شدة العدو والإسراع في المشي

٤٧٤٢ ونظيره يقولون بألسنتهم لأن القول يطلق مجازا على غير اللسان بدليل ويقولون في أنفسهم

٤٧٤٣ وكذا ولكن تعمى القلوب التي في الصدور لأن القلب قد يطلق مجازا على العين كما أطلقت العين مجازا على القلب في قوله الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكرى

 ١قاعدة

٤٧٤٤ الصفة العامة لا تأتي بعد الخاصة لا يقال رجل فصيح متكلم بل متكلم فصيح وأشكل على هذه قوله تعالى في إسماعيل وكان رسولا نبيا وأجيب أنه حال لا صفة أي مرسلا في حال نبوته وقد تقدم في نوع التقديم والتأخير أمثلة من هذه

٢قاعدة

٤٧٤٥ إذا وقعت الصفة بعد متضايفين أولهما عدد جاز إجراؤها على المضاف وعلى المضاف إليه فمن الأول سبع سموات طباقا ومن الثاني سبع بقرات سمان

 ١فائدة

٤٧٤٦ إذا تكررت النعوت لواحد فالأحسن إن تباعد معنى الصفات العطف نحو هو الأول والآخر والظاهر والباطن وإلا تركه نحو ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم

 ٢فائدة

٤٧٤٧ قطع النعوت في مقام المدح والذم أبلغ من إجرائها قال الفارسي إذا ذكرت صفات في معرض المدح أو الذم فالأحسن أن يخالف في إعرابها لأن المقام يقتضي الإطناب فإذا خولف في الإعراب كان المقصود أكمل لأن المعاني عند الإختلاف تتنوع وتتفنن وعند الإتحاد تكون نوعا واحدا

٤٧٤٨ مثاله في المدح والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ولكن البر من آمن باللّه إلى قوله والموفون بعهدهن إذا عاهدوا والصابرين

٤٧٤٩ وقرئ شاذا الحمد للّه رب العالمين برفع رب ونصبه

٤٧٥٠ ومثاله في الذم وامرأته حمالة الحطب

النوع السادس البدل

٤٧٥١ والقصد به الإيضاح بعد الإبهام وفائدته البيان والتأكيد أما الأول فواضح أنك إذا قلت رأيت زيدا أخاك بينت أنك تريد بزيد الأخ لا غير أما التأكيد فلأنه على نية تكرار العامل فكأنه من جملتين ولأنه دل على ما دل عليهالأول إما بالمطابقة في بدل الكل أو بالتضمن في بدل البعض أو بالإلتزام في بدل الإشتمال

٤٧٥٢ مثال الأول اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم لتهدي إلى صراط مستقيم صراط اللّه لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة

٤٧٥٣ ومثال الثاني وللّه على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض

٤٧٥٤ ومثال الثالث وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير قتل أصحاب الأخدود النار لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم

٤٧٥٥ وزاد بعضهم بدل الكل من البعض وقد وجدت له مثالا في القرآن وهو قوله يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا جنات عدن ف جنات عدن بدل من الجنة التي هي بعض وفائدته تقرير أنها جنات كثيرة لا جنة واحدة قال ابن السيد وليس كل بدل يقصد به رفع الإشكال الذي يعرض في المبدل منه بل من البدل ما يراد به التأكيد وإن كان ما قبله غنيا عنه كقوله وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط اللّه ألا ترى أنه لو لم يذكر الصراط الثاني لم يشك أحد في أن الصراط المستقيم هو صراط اللّه وقد نص سيبويه

٧٠

 على أن من البدل ما الغرض منه التأكيد انتهى

٤٧٥٦ وجعل منه ابن عبد السلام وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر قال ولا بيان فيه لأن الأب لا يلتبس بغيره ورد بأنه يطلق على الجد فأبدل لبيان إرادة الأب حقيقة

  النوع السابع عطف البيان

٤٧٥٧ وهو كالصفة في الإيضاح لكن يفارقها في أنه وضع ليدل على الإيضاح باسم مختص به بخلافها فإنها وضعت لتدل على معنى حاصل في متبوعها

٤٧٥٨ وفرق ابن كيسان بينه وبين البدل بأن البدل هو المقصود وكأنك قررته في موضع المبدل منه وعطف البيان وما عطف عليه كل منهما مقصود

٤٧٥٩ وقال ابن مالك في شرح الكافية عطف البيان يجري مجرى النعت في تكميل متبوعه ويفارقه في أن تكميله متبوعه بشرح وتبيين لا بدلالة على معنى في المتبوع أو سببية ومجرى التأكيد في تقوية دلالته ويفارقه في أنه لا يرفع توهم مجاز ومجرى البدل في صلاحيته للإستقلال ويفارقه في أنه غير منوي الإطراح ومن أمثلته فيه ايات بينات مقام إبراهيم من شجرة مباركة زيتونة

٧٦٠ وقد يأتي لمجرد المدح بلا إيضاح ومنه جعل اللّه الكعبة البيت الحرام فالبيت الحرام عطف بيان للمدح لا للإيضاح

  النوع الثامن عطف أحد المترادفين على الآخر

٤٧٦١ والقصد منه التأكيد أيضا وجعل منه إنما أشكو بثي وحزني فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اللّه وما ضعفوا فلا يخاف ظلما ولا هضما لا تخاف دركا ولا تخشى لا ترى فيها عوجا ولا أمتا قال الخليل العوج والأمت بمعنى واحد سرهم ونجواهم شرعة ومنهاجا لا تبقي ولا تذر إلا دعاء ونداء أطعنا سادتنا وكبراءنا لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب فإن نصب كلغب وزنا ومعنى صلوات من ربهم ورحمة عذرا أو نذرا قال ثعلب هما بمعنى

 ٤٧٦٢ وأنكر المبرد وجود هذا النوع في القرآن وأول ما سبق على إختلاف المعنيين

٤٧٦٣ وقال بعضهم المخلص في هذا أن تعتقد أن مجموع المترادفين يحصل معنى لا يوجد عند إنفرادهما فإن التركيب يحدث معنى زائدا وإذا كانت كثرة الحروف تفيد زيادة المعنى فكذلك كثرة الالفاظ

النوع التاسع عطف الخاص على العام

٤٧٦٤ وفائدته التنبيه على فضله حتى كأنه ليس من جنس العام تنزيلا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات

٤٧٦٥ وحكى أبو حيان عن شيخه أبي جعفر بن الزبير أنه كان يقول هذا العطف يسمى بالتجريد كأنه جرد من الجملة وأفرد بالذكر تفضيلا

٤٧٦٦ ومن أمثلته حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى من كان عدوا للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكيل ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة فإن إقامتها من جملة التمسك بالكتاب وخصت بالذكر إظهارا لمرتبتها لكونها عماد الدين وخص جبريل وميكائيل بالذكر ردا على اليهود في دعوى عداوته وضم إليه ميكائيل لأنه ملك الرزق الذي هو حياة الأجساد كما أن جبريل ملك الوحي الذي هو حياة القلوب والأرواح

٤٧٦٧ وقيل إن جبريل وميكائيل لما كانا أميري الملائكة لم يدخلا في لفظ الملائكة أولا كما أن الأمير لا يدخل في مسمى الجند حكاه الكرماني في العجائب

٤٧٦٨ ومن ذلك ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ومن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء بناء على أنه لا يختص بالواو كما هو رأي ابن مالك فيه وفيما قبله وخص المعطوف في الثانية بالذكر تنبيها على زيادة قبحهتنبيه

٤٧٦٩ المراد بالخاص والعام هنا ما كان فيه الأول شاملا الثاني لا المصطلح عليه في الأصول

النوع العاشر عطف العام على الخاص

٤٧٧٠ وأنكر بعضهم وجوده فأخطأ والفائدة فيه واضحة وهو التعميم وأفرد الأول بالذكر إهتماما بشأنه

٤٧٧١ ومن أمثلته إن صلاتي ونسكي والنسك العبادة فهو أعم اتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات فإن اللّه هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير

٤٧٧٢ وجعل منه الزمخشري ومن يدبر الأمر بعد قوله قل من يرزقكم

النوع الحادي عشر الإيضاح بعد الإبهام

٤٧٧٣ قال أهل البيان

٧١

 إذا أردت أن تبهم ثم توضح فإنك تطنب وفائدته إما رؤية المعنى في صورتين مختلفتين الإبهام والإيضاح أو لتمكن المعنى في النفس تمكنا زائدا لوقوعه بعد الطلب فإنه أعز من المنساق بلا تعب أو لتكمل لذة العلم به فإن الشيء إذا علم من وجه ما تشوقت النفس للعلم به من باقي وجوهه وتألمت فإذا حصل العلم من بقية الوجوه كانت لذته أشد من علمه من جميع وجوهه دفعة واحدة

٤٧٧٤ ومن أمثلته رب اشرح لي صدري فإن اشرح يفيد طلب شرح شيء ما و صدري يفيد تفسيره وبيانه وكذلك ويسر لي أمري والمقام يقتضي التأكيد للإرسال المؤذن بتلقى الشدائد وكذلك ألم نشرح لك صدركفإن المقام يقتضي التأكيد لأنه مقام إمتنان وتفخيم وكذا وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين

٤٧٧٥ ومنه التفصيل بعد الإجمال نحو إن عدة الشهور عند اللّه اثنا عشر شهرا إلى قوله منها أربعة حرم وعكسه كقوله ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة أعيد ذكر العشرة لرفع توهم أن الواو في وسبعة بمعنى أو فتكون الثلاثة داخلة فيها كما في قوله خلق الأرض في يومين ثم قال وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام فإن من جملتها اليومين المذكورين أولا وليست أربعة غيرهما وهذا أحسن الأجوبة في الآية وهو الذي أشار إليه الزمخشري ورجحه ابن عبد السلام وجزم به الزملكاني في أسرار التنزيل

٤٧٧٦ قال ونظيره وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فإنه رافع لإحتمال أن تكون تلك العشرة من غير مواعدة

٤٧٧٧ قال ابن عسكر وفائدة الوعد بثلاثين أولا ثم بعشر ليتجدد له قرب إنفضاء المواعدة ويكون فيه متأهبا مجتمع الرأي حاضر الذهن لأنه لو وعد بالأربعين أولا كانت متساوية فلما فصلت استشعرت النفس قرب التمام وتجدد بذلك عزم لم يتقدم

٤٧٧٨ وقال الكرماني في العجائب في قوله تلك عشرة كاملة ثمانية أجوبة جوابان من التفسير وجواب من الفقه وجواب من النحو وجواب من اللغة وجواب من المعنى وجوابان من الحساب وقد سقتها في أسرار التنزيل

النوع الثاني عشر التفسير

٤٧٧٩ قال أهل البيان وهو أن يكون في الكلام لبس وخفاء فيؤتى بما يزيله ويفسره

 ٤٧٨٠ ومن أمثلته إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا فقوله إذا مسه الخ تفسير للّهلوع كما قال أبو العالية وغيره

٤٧٨١ القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم قال البيهقي في شرح الأسماء الحسنى قوله لا تأخذه سنة تفسير للقيوم

٤٧٨٢ يسومونكم سوء العذاب يذبحون الآية فيذبحون وما بعده تفسير للسو

 ٤٧٨٣ إن مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من تراب الآية ف خلقه وما بعده تفسير للمثل

٤٧٨٤ لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ف تلقون تفسير لإتخاذهم أولياء

٤٧٨٥ الصمد لم يلد ولم يولد الآية قال محمد بن كعب القرظي لم يلد إلى آخره تفسير للصمد وهو في القرآن كثير

٤٧٨٦ قال ابن جني ومتى كانت الجملة تفسيرا لم يحسن الوقف على ما قبلها دونها لأن تفسير الشيء لا حق به ومتمم له وجار مجرى بعض أجزائه

النوع الثالث عشر وضع الظاهر موضع المضمر

٤٧٨٧ ورأيت فيه تأليفا مفردا لابن الصائغ وله فوائد

 منها زيادة التقرير والتمكين نحو قل هو اللّه أحد اللّه الصمد وبالحق أنزلناه وبالحق نزل إن اللّه لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند اللّه وما هو من عند اللّه

٤٧٨٨ ومنها قصد التعظيم نحو واتقوا اللّه ويعلمكم اللّه واللّه بكل شيءعليم أولئك حزب اللّه ألا إن حزب اللّه هم المفلحون وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ولباس التقوى ذلك خير

٤٧٨٩ ومنها قصد الإهانة والتحقير نحو أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان

٤٧٩٠ ومنها إزالة اللبس حيث يوهم الضمير أنه غير الأول نحو قل اللّهم مالك الملك تؤتي الملك لو قال تؤتيه لأوهم أنه الأول قاله ابن الخشاب الظانين باللّه ظن السوء عليهم دائرة السوء لأنه لو قال عليهم دائرته لأوهم أن الضمير

٧٢

 عائد إلى اللّه تعالى فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه لم يقل منه لئلا يتوهم عود الضمير إلى الأخ فيصير كأنه مباشر بطلب خروجها وليس كذلك لما في المباشرة من الأذى الذي تأباه النفوس الأبية فأعيد لفظ الظاهر لنفي هذا ولم يقل من وعائه لئلا يتوهم عود الضمير إلى يوسف لأن العائد عليه ضمير استخرجها

 ٤٧٩١ ومنها قصد تربية المهابة وإدخال الروع على ضمير السامع وبذكر الإسم المقتضى لذلك كما تقول الخليفة أمير المؤمنين يأمرك بكذا ومنه إن اللّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها إن اللّه يأمر بالعدل

 ٤٧٩٢ ومنها قصد تقوية داعية المأمور ومنه فإذا عزمت فتوكل على اللّه إن اللّه يحب المتوكلين

٤٧٩٣ ومنها تعظيم الأمر نحو أولم يروا كيف يبديء اللّه الخلق ثم يعيده إن ذلك على اللّه يسير قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان

٤٧٩٤ ومنها الإستلذاذ بذكره ومنه وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة لميقل منها ولهذا عدل عن ذكر الأرض إلى الجنة

٤٧٩٥ ومنها قصد التوصل من الظاهر إلى الوصف ومنه فآمنوا باللّه ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن باللّه بعد قوله إني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏لم يقل فآمنوا باللّه وبي ليتمكن من إجراء الصفات التي ذكرها وليعلم أن الذي وجب الإيمان به والإتباع له هو من وصف بهذه الصفات ولو أتى بالضمير لم يمكن ذلك لأنه لا يوصف

٤٧٩٦ ومنها التنبيه على علية الحكم نحو فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا فإن اللّه عدو للكافرين لم يقل لهم إعلاما بأن من عادى هؤلاء فهو كافر وإن اللّه إنما عاداه لكفره فمن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا

٤٧٩٧ ومنها قصد العموم نحو وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة لم يقل إنها لئلا يفهم تخصيص ذلك بنفسه أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا

٤٧٩٨ ومنها قصد الخصوص نحو وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي لم يقل لك تصريحا بأنه خاص به

٤٧٩٩ ومنها الإشارة إلى عدم دخول الجملة في حكم الأولى نحو فإن يشإ اللّه يختم على قلبك ويمح اللّه الباطل فإن ويمح اللّه إستئناف لا داخل في حكم الشرط

٤٨٠٠ ومنها مراعاة الجناس ومنه أعوذ برب الناس السورة

ذكره الشيخ عز الدين ومثله ابن الصائغ بقوله خلق الإنسان من علق ثم قال علم الإنسان ما لم يعلم كلا إن الإنسان ليطغى فإن المراد بالإنسان الأول الجنس وبالثاني آدم أو من يعلم الكتابة أو إدريس وبالثالث أبو جهل

٤٨٠١ ومنها مراعاة الترصيع وتوازن الالفاظ في التركيب ذكره بعضهم في قوله أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى

٤٨٠٢ ومنها أن يتحمل ضميرا لا بد منه ومنه أتيا أهل قرية أهلها لو قال استطعماها لم يصح لأنهما لم يستطعما القرية أو استطعماهم فكذلك لأن جملة استطعما صفة لقرية النكرة لا ل أهل فلا بد أن يكون فيها ضمير يعود عليها ولا يمكن إلا مع التصريح بالظاهر

٤٨٠٣ كذا حرره السبكي في جواب سؤال سأله الصلاح الصفدي في ذلك حيث قال أسيدنا قاضي القضاة ومن إذا بدا وجهه استحيا له القمران ومن كفه يوم الندى ويراعه على طرسه بحران يلتقيان ومن إن دجت في المشكلات مسائل جلاها بفكر دائم اللمعان رأيت كتاب اللّه أكبر معجز لأفضل من يهدى به الثقلان ومن جملة الإعجاز كون اختصاره بإيجاز الفاظ وبسط معان ولكنني في الكهف أبصرت آية بها الفكر في طول الزمان عناني وما هي إلا استطعما أهلها فقد نرى استطعماهم مثله ببيان

٧٣

فما الحكمة الغراء في وضع ظاهر مكان ضمير إن ذاك لشان فارشد على عادات فضلك حيرتي فمالي بها عند البيان يدان تنبيه

 ٤٨٠٤ إعادة الظاهر بمعناه أحسن من إعادته بلفظه كما مر في آيات إنا لا نضيع أجر المصلحين إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ونحوها

 ٤٨٠٥ ومنه ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم واللّه يختص برحمته من يشاء فإن إنزال الخير مناسب للربوبية وأعاده بلفظ اللّه لأن تخصيص الناس بالخير دون غيرهم مناسب للإلهية لأن دائرة الربوبية أوسع

٤٨٠٦ ومنه الحمد للّه الذي خلق السموات والأرض إلى قوله بربهم يعدلون وإعادته في جملة أخرى أحسن منه في الجملة الواحدة لانفصالها وبعد الطول أحسن من الإضمار لئلا يبقى الذهن متشاغلا بسبب ما يعود عليه فيفوته ما شرع فيه كقوله وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه بعد قوله وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر

النوع الرابع عشر الإيغال وهو الإمعان

٤٨٠٧ وهو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها وزعم بعضهم أنه خاص بالشعر ورد بأنه وقع في القرآن من ذلك يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون فقوله وهم مهتدون إيغال لأنه يتم المعنى بدونه إذ الرسول مهتد لا محالة لكن فيه زيادة مبالغة في الحث على اتباع الرسل والترغيب فيه

٤٨٠٨ وجعل ابن أبي الإصبع منه ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين فإن قوله إذا ولوا مدبرين زائد على المعنى مبالغة في عدم انتفاعهم ومن أحسن من اللّه حكما لقوم يوقنون زائد على المعنى لمدح المؤمنين والتعريض بالذم لليهود وأنهم بعيدون عن الإيقان إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون فقوله مثل ما إلى آخره إيغال زائد على المعنى لتحقيق هذا الوعد وأنه واقع معلوم ضرورة لا يرتاب فيه أحد

 النوع الخامس عشر التذييل

٤٨٠٩ وهو أن يؤتى بجملة عقب جملة والثانية تشتمل على المعنى الأوللتأكيد منطوقه أو مفهومه ليظهر المعنى لمن لم يفهمه ويتقرر عند من فهمه نحو ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير

النوع السادس عشر الطرد والعكس

٤٨١٠ قال الطيبي وهو أن يؤتى بكلامين يقرر الأول بمنطوقه مفهوم الثاني وبالعكس كقوله ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات إلى قوله ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن فمنطوق الأمر بالاستئذان في تلك الأوقات خاصة مقرر لمفهوم رفع الجناح فيما عداها وبالعكس وكذا قوله لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون

٤٨١١ قلت وهذا النوع يقابله في الإيجاز نوع الاحتباك

النوع السابع عشر التكميل

٤٨١٢ ويسمى بالاحتراس وهو أن يؤتى في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفع ذلك الوهم نحو أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين فإنه لو اقتصر على أذلة لتوهم أنه لضعفهم فدفعه بقوله أعزة ومثله أشداء على الكفار رحماء بينهم لو اقتصر على أشداء لتوهم أنه لغلظهم تخرج بيضاء من غير سوء لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون احتراس لئلا يتوهم نسبة الظلم إلى سليمان ومثله فتصيبكم منهم معرة بغير علم وكذا قالوا نشهد إنك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏واللّه يعلم أنك لرسوله واللّه يشهد إن المنافقين لكاذبون فالجملة الوسطى احتراس لئلا يتوهم أن التكذيب مما في نفس الأمر قال في عروس الأفراح فإن قيل كل من ذلك أفاد معنى جديدا فلا يكون إطنابا قلنا هو إطناب لما قبله من حيث رفع توهم غيره وإن كان له معنى في نفسه

النوع الثامن عشر التتميم

٤٨١٣ وهو أن يؤتى في كلام لا يوهم غير المراد بفضلة تفيد نكتة كالمبالغة في قوله ويطعمون الطعام على حبه أي مع حب الطعام أي اشتهائه فإن الإطعام حينئذ أبلغ وأكثر أجرا ومثله وآتى المال على حبه ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف

٧٤

فقوله وهو مؤمن تتميم في غاية الحسن

النوع التاسع عشر الاستقصاء

٤٨١٤ وهو أن يتناول المتكلم معنى فيستقصيه فيأتي بجميع عوارضه ولوازمه بعد أن يستقصى جميع أوصافه الذاتية بحيث لا يترك لمن يتناوله بعده فيه مقالا كقوله تعالى أيود أحكم أن تكون له جنة الآية فإنه تعالى لو اقتصر على قوله جنة لكان كافيا فلم يقف عند ذلك حتى قال في تفسيرها من نخيل وأعناب فإن مصاب صاحبها بها أعظم ثم زاد تجري من تحتها الأنهار متمما لوصفها بذلك ثم كمل وصفها بعد التتميمين فقال له فيها من كل الثمرات فأتى بكل ما يكون في الجنان ليشتد الأسف على إفسادها ثم قال في وصف صاحبها وأصابه الكبر ثم استقصى المعنى في ذلك بما يوجب تعظيم المصاب بقوله بعد وصفه بالكبر وله ذرية ولم يقف عند ذلك حتى وصف الذرية بالضعفاء ثم ذكر استصال الجنة التي ليس لهذا المصاب غيرها بالهلاك في أسرع وقت حيث قال فأصابها إعصار ولم يقتصر على ذكره للعلم بأنه لا يحصل سرعة الهلاك فقال فيه نار ثم لم يقف عند ذلك حتى أخبر باحتراقها لاحتمال أن تكون النار ضعيفة لا تفي باحتراقها لما فيها من الأنهار ورطوبة الأشجار فاحترس عن هذا الاحتمال بقوله فاحترقت فهذا أحسن استقصاء وقع في كلام وأتمه وأكمله

٤٨١٥ قال ابن أبي الإصبع والفرق بين الاستقصاء والتتميم والتكميل أن التتميم يرد على المعنى الناقص ليتم والتكميل يرد على المعنى التام فيكمل أوصافه والاستقصاء يرد على المعنى التام الكامل فيستقصى لوازمه وعوارضهوأوصافه وأسبابه حتى يستوعب جميع ما تقع الخواطر عليه فلا يبقى لأحد فيه مساغ

النوع العشرون الاعتراض

٤٨١٦ وسماه قدامة التفاتا وهو الإتيان بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب في أثناء كلام أو كلامين اتصلا معنى لنكته غير دفع الإيهام كقوله ويجعلون للّه البنات سبحانه ولهم ما يشتهون فقوله سبحانه اعتراض لتنزيه اللّه سبحانه وتعالى عن البنات والشناعة على جاعليها وقوله لتدخلن المسجد الحرام إن شاء اللّه آمنين فجملة الاستثناء اعتراض للتبرك

٤٨١٧ ومن وقوعه بأكثر من جملة فاتوهن من حيث أمركم اللّه إن اللّه يحب التوأبين ويحب المتطهرين نساؤكم حرث لكم فقوله نساؤكم متصل بقوله فاتوهن لأنه بيان له وما بينهما اعتراض للحث على الطهارة وتجنب الأدبار وقوله يا أرض ابلعي ماءك إلى قوله وقيل بعدا فيه اعتراض بثلاث جمل وهي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي قال في الأقصى القريب ونكتته إفادة أن هذا الأمر واقع بين القولين لا محالة ولو أتى به آخرا لكان الظاهر تأخره فبتوسطه ظهر كونه غير متأخر ثم فيه اعتراض في اعتراض فإن وقضي الأمر معترض بين وغيض و واستوت لأن الاستواء يحصل عقب الغيض وقوله ولمن خاف مقام ربه جنتان إلى قوله متكئين على فرش فيه اعتراض بسبع جمل إذا أعرب حالا منه

٤٨١٨ ومن وقوع اعتراض في اعتراض فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم اعترض بين القسم وجوابه بقوله وإنه لقسم الآية وبين القسم وصفته بقوله لو تعلمون تعظيما للمقسم به وتحقيقا لإجلاله وإعلاما لهم بأن له عظمة لا يعلمونها

٤٨١٩ قال الطيبي في التبيان ووجه حسن الاعتراض حسن الإفادة مع أنمجيئه مجيء ما لا يترقب فكون كالحسنة تأتيك من حيث لا تحتسب

النوع الحادي والعشرون التعليل

٤٨٢٠ وفائدته التقرير والأبلغية فإن النفوس أبعث على قبول الأحكام المعللة من غيرها وغالب التعليل في القرآن على تقدير جواب سؤال اقتضته الجملة الأول

 ٤٨٢١ وحروفه اللام وإن وأن وإذ والباء وكي ومن ولعل وقد مضت أمثلتها في نوع الأدوات

٤٨٢٢ ومما يقتضي التعليل لفظ الحكمة كقوله حكمة بالغة وذكر الغاية من الخلق نحو قوله جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا