٥٥- النوع الخامس والخمسون في الحصر والاختصاص٤٤٤٦ أما الحصر ويقال له القصر فهو تخصيص أمر بآخر بطريق مخصوص ويقال أيضا إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه ٤٤٤٧ وينقسم إلى قصر الموصوف على الصفة و قصر الصفة على الموصوف وكل منهما إما حقيقي وإما مجازي ٤٤٤٨ مثال قصر الموصوف على الصفة حقيقيا نحو ما زيد إلا كاتب أي لا صفة له غيرها وهو عزيز لا يكاد يوجد لتعذر الإحاطة بصفات الشيء حتى يمكن إثبات شيء منها ونفي ما عداها بالكلية وعلى عدم تعذرها يبعد أن تكون للذات صفة واحدة ليس لها غيرها ولذا لم يقع في التنزيل ٤٤٤٩ ومثاله مجازيا وما محمد إلا رسول أي أنه مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى التبري من الموت الذي استعظموه الذي هو من شأن الإله ٤٤٥٠ ومثال قصر الصفة على الموصوف حقيقيا لا إله إلا اللّه ٤٤٥١ ومثاله مجازيا قل لا أجد فيما أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة الآية كما قال الشافعي فيما تقدم نقله عنه في أسباب النزول إن الكفار لما كانوا يحلون الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير اللّه به وكانوا يحرمون كثيرا من المباحات وكانت سجيتهم تخالف وضع الشرع ونزلت الآية مسبوقة بذكر شبههم في البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي وكان الغرض أبانة كذبهم فكأنه قال لا حرام إلا ما أحللتموه والغرض الرد عليهم والمضادة لا الحصر الحقيقي وقد تقدم بأبسط من هذا ٤٤٥٢ وينقسم الحصر باعتبار آخر إلى ثلاثة أقسام قصر إفراد وقصر قلب وقصر تعيين ٤٤٥٣ فالأول يخاطب به من يعتقد الشركة نحو إنما هو إله واحد خوطب به من يعتقد إشتراك اللّه والأصنام في الألوهية ٤٤٥٤ والثاني يخاطب به من يعتقد إثبات الحكم لغير من أثبته المتكلم له نحو ربي الذي يحيي ويميت خوطب به نمرود الذي اعتقد أنه هو المحيي المميت دون اللّه ألا إنهم هم السفهاء خوطب به من اعتقد من المنافقين أن المؤمنين سفهاء دونهم وأرسلناك للناس رسولا خوطب به من يعتقد من اليهود إختصاص بعثته بالعرب ٤٤٥٥ والثالث يخاطب به من تساوى عنده الأمران فلم يحكم بإثبات الصفة لواحد بعينه ولا لواحد بإحدى الصفتين بعينها ١ فصل٤٤٥٦ طرق الحصر كثيرة أحدها النفي والإستثناء سواء كان النفي بلا أو ما أو غيرهما والإستثناء بإلا أو غير نحو لا إله إلا اللّه وما من إله إلا اللّه ما قلت لهم إلا ما أمرتني به ووجه إفادته الحصر أن الإستثناء المفرغ لا بد أن يتوجه النفي فيه إلى مقدر وهو مستثنى منه لأن الإستثناء إخراج فيحتاج إلى مخرج منه والمراد التقدير المعنوي لا الصناعي ولا بد أن يكون عاما لأن الإخراج لا يكون إلا من عام ولا بد أن يكون مناسبا للمستثنى في جنسه مثل ما قام إلا زيد أي أحد وما أكلت إلا تمرا أي مأكولا ولا بد أن يوافقه في صفته أي إعرابه وحينئذ يجب القصر إذا أوجب منه شيء بإلاضرورة ببقاء ما عداه على صفة الإنتفاء ٤٤٥٧ وأصل إستعمال هذا الطريق أن يكون المخاطب جاهلا بالحكم وقد يخرج عن ذلك فينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب نحو وما محمد إلارسول فإنه خطاب للصحابة وهم لم يكونوا يجهلون رسالة النبي لأنه نزل إستعظامهم له عن الموت منزلة من يجهل رسالته لأن كل رسول فلا بد من موته فمن استبعد موته فكأنه استبعد رسالته ٤٤٥٨ الثاني إنما الجمهور على ٤٩ أنها للحصر فقيل بالمنطوق وقيل بالمفهوم وأنكر قوم أفادتها إياه منهم أبو حيان واستدل مثبتوه بأمور منها قوله تعالى إنما حرم عليكم الميتة بالنصب فإن معناه ما حرم عليكم إلا الميتة لأنه المطابق في المعنى لقراءة الرفع فإنها للقصر فكذا قراءة النصب والأصل إستواء معنى القراءتين ٤٤٥٩ ومنها أن إن للإثبات و ما للنفي فلا بد أن يحصل القصر للجمع بين النفي والإثبات لكن تعقب بأن ما زائدة كافة لا نافية ٤٤٦٠ ومنها أن إن للتأكيد و ما كذلك فاجتمع تأكيدان فأفادا الحصر قاله السكاكي وتعقب بأنه لو كان إجتماع تأكيدين يفيد الحصر لأفاده نحو إن زيدا لقائم وأجيب بأن مراده لا يجتمع حرفا تأكيد متواليان إلا للحصر ٤٤٦١ ومنها قوله تعالى قال إنما العلم عند اللّه قال إنما يأتيكم به اللّه* قل إنما علمها عند رب فإنه إنما تحصل مطابقة الجواب إذا كانت إنما للحصر ليكون معناها لا آتيكم به إنما يأتي به اللّه ولا أعلمها إنما يعلمها اللّه وكذا قوله ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ما على المحسنين من سبيل إلى قوله إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي وإن تولوا فإنما عليك البلاغ ولا يستقيم المعنى في هذه الآيات ونحوها إلا بالحصر ٤٤٦٢ وأحسن ما تستعمل إنما في مواقع التعريض نحو إنما يتذكر أولوا الألباب ٤٤٦٣ الثالث أنما بالفتح عدها من طرق الحصر الزمخشري والبيضاوي فقالا في قوله تعالى قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد إنما لقصر الحكم على شيء أو لقصر الشيء على حكم نحو إنما زيد قائم و إنما يقوم زيد وقد اجتمع الأمران في هذه الآية لأن إنما يوحي إلي مع فاعله بمنزلة إنما يقوم زيد و أنما الهكم بمنزلة إنما زيد قائم وفائدةإجتماعهما الدلالة على أن الوحي إلى الرسول مقصور على إستئثار اللّه بالوحدانية ٤٤٦٤ وصرح التنوخي في الأقصى القريب بكونها للحصر فقال كلما أوجب أن إنما بالكسر للحصر أوجب أن أنما بالفتح للحصر لأنها فرع عنها وما ثبت للأصل ثبت للفرع ما لم يثبت مانع منه والأصل عدمه ٤٤٦٥ ورد أبو حيان على الزمخشري ما زعمه بأنه يلزمه إنحصار الوحي في الوحدانية وأجيب بأنه حصر مجازي باعتبار المقام ٤٤٦٦ الرابع العطف بلا أو بل ذكره أهل البيان ولم يحكوا فيه خلافا ٤٤٦٧ ونازع فيه الشيخ بهاء الدين في عروس الأفراح فقال أي قصر في العطف بلا إنما فيه نفي وإثبات فقولك زيد شاعر لا كاتب لا تعرض فيه لنفي صفة ثالثة والقصر إنما يكون بنفي جميع الصفات غير المثبت حقيقة أو مجازا وليس هو خاصا بنفي الصفة التي يعتقدها المخاطب وأما العطف ببل فأبعد منه لأنه لا يستمر فيها النفي والإثبات ٤٤٦٧ الخامس تقديم المعمول نحو إياك نعبد* لإلى اللّه تحشرون وخالف فيه قوم وسيأتي بسط الكلام فيه قريبا ٤٤٦٨ السادس ضمير الفصل نحو فاللّه هو الولي أي لا غيره وأولئك هم المفلحون* إن هذا لهو القصص الحق* إن شانئك هو الأبتر وممن ذكر أنه للحصر البيانيون في بحث المسند إليه واستدل له السهيلي بأنه أتي به في كل موضع ادعي فيه نسبة ذلك المعنى إلى غير اللّه ولم يؤت به حيث لم يدع وذلك في قوله وأنه هو أضحك وأبكى إلى آخر الآيات فلم يؤت به في وأنه خلق الزوجين وأن عليه النشأة وأنه أهلك عادا الأولى لأن ذلك لم يدع لغير اللّه وأتي به في الباقي لادعائه لغيره قال في عروس الأفراح وقد استنبطت دلالته على الحصر من قوله فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم لأنه لو لم يكن للحصر لما حسن لأن اللّه لم يزل رقيبا عليهم وإنما الذي حصل بتوفيته أنه لم يبق لهم رقيب غير اللّه تعالى ومن قوله لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون فإنه ذكر لتبيين عدم الإستواء وذلك لا يحسن إلا بأن يكون الضمير للإختصاص ٤٤٦٩ السابع تقديم المسند إليه على ما قال الشيخ عبد القاهر قد يقدم المسند إليه ليفيد تخصيصه بالخبر الفعلي والحاصل على رأيه أن له أحوالا أحدها أن يكون المسند إليه معرفة والمسند ٥٠ مثبتا فيأتي للتخصيص نحو أنا قمت وأنا سعيت في حاجتك فإن قصد به قصر الإفراد أكد بنحو وحدي أو قصر القلب أكد بنحو لا غيري ومنه بل أنتم بهديتكم تفرحون فإن ما قبله من قوله أتمدونن بمال ولفظ بل المشعر بالإضراب يقضي بأن المراد بل أنتم لا غيركم فإن المقصود نفي فرحه هو بالهدية لا إثبات الفرح لهم بهديتهم قاله في عروس الأفراح قال وكذا قوله لا تعلمهم نحن نعلمهم أي لا نعلمهم إلا نحن وقد يأتي للتقوية والتأكيد دون التخصيص قال الشيخ بهاء الدين ولا يتميز ذلك إلا بما يقتضيه الحال وسياق الكلام ثانيها أن يكون المسند منفيا نحو أنت لا تكذب فإنه أبلغ في نفي الكذب من لا تكذب ومن لا تكذب أنت وقد يفيد التخصيص ومنه فهم لا يتساءلون ثالثها أن يكون المسند إليه نكرة مثتبا نحو رجل جاءني فيفيد التخصيص إما بالجنس أي لا امرأة أو الوحدة أي لا رجلان رابعها أن يلي المسند إليه حرف النفي فيفيده نحو ما أنا قلت هذا أي لم أقله مع أن غيري قاله ومنه وما أنت علينا بعزيز أي العزيز علينا رهطك لا أنت ولذا قال أرهطي أعز عليكم من اللّه هذا حاصل رأي الشيخ عبد القاهر ووافقه السكاكي وزاد شروطا وتفاصيل بسطناها في شرح الفية المعاني ٤٤٧٠ الثامن تقديم المسند ذكر ابن الأثير وابن النفيس وغيرهما أن تقديم الخبر على المبتدأ يفيد الإختصاص ورده صاحب الفلك الدائر بأنه لم يقل به أحد وهو ممنوع فقد صرح السكاكي وغيره بأن تقديم ما رتبته التأخير يفيده ومثلوه بنحو تميمي أنا ٤٤٧١ التاسع ذكر المسند إليه ذكر السكاكي أنه قد ذكر ليفيد التخصيص وتعقبه صاحب الإيضاح وصرح الزمخشري بأنه أفاد الإختصاص في قوله اللّه يبسط الرزق في سورة الرعد وفي قوله اللّه نزل أحسن الحديث وفي قوله واللّه يقول الحق وهو يهدي السبيل ويحتمل أنه أراد أن تقديمه أفاده فيكون من أمثله الطريق السابع ٤٤٧٢ العاشر تعريف الجزءين ذكر الإمام فخر الدين في نهاية الإيجاز أنه يفيد الحصر حقيقة أو مبالغة نحو المنطلق زيد ومنه في القرآن فيما ذكر الزملكاني في أسرار التنزيل الحمد للّه قال إنه يفيد الحصر كما في إياك نعبد أي الحمد للّه لا لغيره ٤٤٧٣ الحادي عشر نحو جاء زيد نفسه نقل بعض شراح التلخيص عن بعضهم أنه يفيد الحصر ٤٤٧٤ الثاني عشر نحو إن زيدا لقائم نقله المذكور ايضا ٤٤٧٥ الثالث عشر نحو قائم في جواب زيد إما قائم أو قاعد ذكره الطيبي في شرح التبيان ٤٤٧٦ الرابع عشر قلب بعض حروف الكلمة فإنه يفيد الحصر على ما نقله في الكشاف في قوله والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها قال القلب للإختصاص بالنسبة إلى لفظ الطاغوت لأن وزنه على قول فعلوت من الطغيان كملكوت ورحموت قلب بتقديم اللام على العين فوزنه فلعوت ففيه مبالغات التسمية بالمصدر والبناء بناء مبالغة والقلب وهو للاختصاص إذ لا يطلق على غير الشيطان تنبيه ٤٤٧٧ كاد أهل البيان يطبقون على أن تقديم المعمول يفيد الحصر سواء كان مفعولا أو ظرفا أو مجرورا ولهذا قيل في إياك نعبد وإياك نستعين معناه نخصك بالعبادة والاستعانة وفي لإلى اللّه نحشرون معناه إليه لا إلى غيره وفي لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا أخرت الصلة في الشهادة الأولى وقدمت في الثانية لأن الغرض في الأول إثبات شهادتهم وفي الثاني إثبات إختصاصهم بشهادة النبي عليهم ٤٤٧٨ وخالف في ذلك ابن الحاجب فقال في شرح المفصل الإختصاص الذي يتوهمه كثير من الناس من تقديم المعمول وهم واستدل على ذلك بقوله فاعبد اللّه مخلصا له الدين ثم قال بل اللّه فاعبد ورد هذا الإستدلال بأن مخلصا له الدين أغنى عن إفادة الحصر في الآية الأولى ولو لم يكن فما المانع من ذكر المحصور في محل بغير صيغة الحصر كما قال تعالى واعبدوا ربكم وقال أمر ألا تعبدوا إلا إياه بل قوله بل اللّه فاعبد من أقوى أدلة الإختصاص فإن قبلها لئن أشركت ليحبطن عملك فلو لم يكن للإختصاص وكان معناها أعبد اللّه لما حصل الإضراب ٥١ الذي هو معنى بل ٤٤٧٩ واعترض أبو حيان على مدعي الإختصاص بنحو أفغير اللّه تأمروني أعبد وأجيب بأنه لما أشرك باللّه غيره كأنه لم يعبد اللّه وكان أمرهم بالشرك كأنه أمر بتخصيص غير اللّه بالعبادة ٤٤٨٠ ورد صاحب الفلك الدائر الإختصاص بقوله كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل وهو من أقوى ما رد به وأجيب بأنه لا يدعى فيه اللزوم بل الغلبة وقد يخرج الشيء عن الغالب ٤٤٨١ قال الشيخ بهاء الدين وقد اجتمع الاختصاص وعدمه في آية واحدة وهي أغير اللّه تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فإن التقديم في الأول قطعا ليس للإختصاص وفي إياه قطعا للإختصاص ٤٤٨٢ وقال والده الشيخ تقي الدين في كتاب الإقتناص في الفرق بين الحصر والاختصاص اشتهر كلام الناس في أن تقديم المعمول يفيد الإختصاص ومن الناس من ينكر ذلك ويقول إنما يفيد الاهتمام وقد قال سيبويه في كتابه وهم يقدمون ما هم به أعنى والبيانيون على إفادته الإختصاص ويفهم كثير من الناس من الاختصاص الحصر وليس كذلك وإنما الإختصاص شيء والحصر شيء آخر والفضلاء لم يذكروا في ذلك لفظة الحصر وإنما عبروا بالإختصاص والفرق بينهما أن الحصر نفي غير المذكور وإثبات المذكور والاختصاص قصد الخاص من جهة خصوصه وبيان ذلك أن الإختصاص افتعال من الخصوص والخصوص مركب من شيئين أحدهما عام مشترك بين شيئين أو أشياء والثاني معنى منضم إليه يفصله عن غيره كضرب زيد فإنه أخص من مطلق الضرب فإذا قلت ضربت زيدا أخبرت بضرب عام وقع منك على شخص خاص فصار ذلك الضرب المخبر به خاصا لما إنضم إليه منك ومن زيد وهذه المعاني الثلاثة أعني مطلق الضرب وكونه واقعا منك وكونه واقعا على زيد قد يكون قصد المتكلم لها ثلاثتها على السواء وقد يترجح قصده لبعضها على بعض ويعرف ذلك بما إبتدأ به كلامه فإن الإبتداء بالشيء يدل على الإهتمام به وأنه هو الأرجح في غرض المتكلم فإذا قلت زيدا ضربت علم أن خصوص الضرب على زيد هو المقصود ولا شك أن كل مركب من خاص وعام له جهتان فقد يقصد من جهة عمومه وقد يقصد من جهةخصوصه والثاني هو الإختصاص وأنه هو الأهم عند المتكلم وهو الذي قصد إفادته السامع من غير تعرض ولا قصد لغيره بإثبات ولا نفي ففي الحصر معنى زائد عليه وهو نفي ما عدا المذكور وإنما جاء هذا في إياك نعبد للعلم بأن قائليه لا يعبدون غير اللّه تعالى ولذا لم يطرد في بقية الآيات فإن قوله أفغير دين اللّه يبغون لو جعل في معنى ما يبغون إلا غير دين اللّه وهمزة الإنكار داخلة عليه لزم أن يكون المنكر الحصر لا مجرد بغيهم غير دين اللّه وليس المراد وكذلك آلهة غير اللّه تريدون المنكر إرادتهم آلهة دون اللّه من غير حصر وقد قال الزمخشري في وبالآخرة هم يوقنون في تقديم الآخرة وبناء يوقنون على هم تعريض بأهل الكتاب وما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته وأن قولهم ليس بصادر عن إيقان وأن اليقين ما عليه من آمن بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ٤٤٨٣ وهذا الذي قاله الزمخشري في غاية الحسن وقد اعترض عليه بعضهم فقال تقديم الآخرة أفاد ان إيقانهم مقصور على أنه إيقان بالآخرة لا بغيرها وهذا الإعتراض من قائلة مبني على ما فهمه من أن تقديم المعمول يفيد الحصر وليس كذلك ثم قال المعترض وتقديم هم أفاد أن هذا القصر مختص بهم فيكون إيقان غيرهم بالآخرة إيمانا بغيرها حيث قالوا لن تمسنا النار وهذا منه أيضا إستمرار على ما في ذهنه من الحصر أي أن المسلمين لا يوقنون إلا بالآخرة وأهل الكتاب يوقنون بها وبغيرها وهذا فهم عجيب ألجأه إليه فهمه الحصر وهو ممنوع وعلى تقدير تسليمه فالحصر على ثلاثة أقسام أحدها بما وإلا كقولك ما قام إلا زيد صريح في نفي القيام عن غير زيد ويقتضي إثبات القيام لزيد قيل بالمنطوق وقيل بالمفهوم وهو الصحيح لكنه أقوى المفاهيم لأن إلا موضوعة للإستثناء وهو ٥٢ الإخراج فدلالتها على الإخراج بالمنطوق لا بالمفهوم ولكن الإخراج من عدم القيام ليس هو عين القيام بل قد يستلزمه فلذلك رجحنا أنه بالمفهوم والتبس على بعض الناس لذلك فقال إنه بالمنطوق والثاني الحصر ب إنما وهو قريب من الأول فيما نحن فيه وإن كان جانب الإثبات فيه أظهر فكأنه يفيد إثبات قيام زيد إذا قلت إنما قام زيد بالمنطوق ونفيه عن غيره بالمفهوم الثالث الحصر الذي قد يفيده التقديم وليس هو على تقدير تسليمه مثل الحصرين الأولين بل هو في قوة جملتين إحداهما ما صدر به الحكم نفيا كان أو إثباتا وهو المنطوق والآخرى ما فهم من التقديم والحصر يقتضي نفي المنطوق فقط دون ما دل عليه من المفهوم لأن المفهوم لا مفهوم له فإذا قلت أنا لا أكرم إلا إياك أفاد التعريض بأن غيرك يكرم غيره ولا يلزم أنك لا تكرمه وقد قال تعالى الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة أفاد أن العفيف قد ينكح غير الزانية وهو ساكت عن نكاحه الزانية فقال سبحانه وتعالى بعده والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك بيانا لما سكت عنه في الأولى فلو قال بالآخرة يوقنون أفاد بمنطوقه إيقانهم بها ومفهومه عند من يزعم أنهم لا يوقنون بغيرها وليس ذلك مقصودا بالذات والمقصود بالذات قوة إيقانهم بالآخرة حتى صار غيرها عندهم كالمدحوض فهو حصر مجازي وهو دون قولنا يوقنون بالآخرة لا بغيرها فاضبط هذا وإياك أن تجعل تقديره لايوقنون إلا بالآخرة إذا عرفت هذا فتقديم هم أفاد أن غيرهم ليس كذلك فلو جعلنا التقدير لا يوقنون إلا بالآخرة كان المقصود المهم النفي فيتسلط المفهوم عليه فيكون المعنى إفادة أن غيرهم يوقن بغيرها كما زعم المعترض ويطرح أفهام أنه لا يوقن بالآخرة ولا شك أن هذا ليس بمراد بل المراد إفهام أن غيرهم لا يوقن بالآخرة فلذلك حافظنا على أن الغرض الأعظم إثبات الإيقان بالآخرة ليتسلط المفهوم عليه وأن المفهوم لا يتسلط على الحصر لأن الحصر لم يدل عليه بجملة واحدة مثل ما و إلا ومثل إنما وإنما دل عليه بمفهوم مستفاد من منطوق وليس أحدهما متقيدا بالآخر حتى نقول إن المفهوم أفاد نفي الإيقان المحصور بل أفاد نفي الإيقان مطلقا عن غيرهم وهذا كله على تقدير تسليم الحصر ونحن نمنع ذلك ونقول إنه اختصاص وأن بينهما فرقا إنتهى كلام السبكي |