٢٠- النوع العشرون في معرفة حفاظه ورواته٩٧٣ روى البخاري عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال سمعت النبي يقول خذوا القرآن من أربعة من عبد اللّه بن مسعود وسالم ومعاذ وأبي بن كعب أي تعلموا منهم والأربعة المذكورون اثنان من المهاجرين وهما المبتدأ بهما واثنان من الأنصار وسالم هو ابن معقل مولى أبي حذيفة ومعاذ هو ابن جبل قال الكرماني يحتمل أنه أراد الإعلام بما يكون بعده أي أن هؤلاء الأربعة يبقون حتى ينفردوا بذلك ٩٧٤ وتعقب بأنهم لم ينفردوا بل الذين مهروا في تجويد القرآن بعد العصر النبوي أضعاف المذكورين وقد قتل سالم مولى أبي حذيفة في وقعة اليمامة ومات معاذ في خلافة عمر ومات أبي وابن مسعود في خلافة عثمان وقد تأخر زيد بن ثابت وانتهت إليه الرياسة في القراءة وعاش بعدهم زمنا طويلا فالظاهر أنه أمر بالأخذ عنهم في الوقت الذي صدر فيه ذلك القول ولا يلزم من ذلك ألا يكون أحد في ذلك الوقت شاركهم في حفظ القرآن بل كان الذي يحفظون مثل الذي حفظوه وأزيد جماعة من الصحابة وفي الصحيح في غزوة بئر معونة أن الذين قتلوا بها من الصحابة كان يقال لهم القراء وكانوا سبعين رجلا ٩٧٥ وروى البخاري أيضا عن قتادة قال سألت أنس بن مالك من جمع القرآن على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال أربعة كلهم من الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد قلت من أبو زيد قال أحد عمومتي ٩٧٦ وروى أيضا من طريق ثابت عن أنس قال مات النبي ولم يجمع القرآن غير أربعة أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد وفيه مخالفة لحديث قتادة من وجهين أحدهما التصريح بصيغة الحصر في الأربعة والآخر ذكر أبي الدرداء بدل أبي بن كعب وقد استنكر جماعة من الأئمة الحصر في الأربعة ٩٧٧ وقال المازري لا يلزم من قول أنس لم يجمعه غيرهم أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك ٧٠ لأن التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه وإلا فكيف الإحاطة بذلك مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلاد وهذا لا يتم إلا إن كان لقي كل واحد منهم على انفراده وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع في عهد النبي وهذا في غاية البعد في العادة وإذا كان المرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك ٩٧٨ قال وقد تمسك بقول أنس هذا جماعة من الملاحدة ولا متمسك لهم فيه فإنا لا نسلم حمله على ظاهره سلمناه ولكن من أين لهم أن الواقع في نفس الأمر كذلك سلمناه لكن لا يلزم من كون كل من الجم الغفير لم يحفظه كله ألا يكون حفظ مجموعة الجم الغفير وليس من شرط التواتر أن يحفظ كل فرد جميعه بل إذا حفظ الكل ولو على التوزيع كفى ٩٧٩ وقال القرطبي قد قتل يوم اليمامة سبعون من القراء وقتل في عهد النبي ببئر معونة مثل هذا العدد قال وإنما خص أنس الأربعة بالذكر لشدة تعلقه بهم دون غيرهم أو لكونهم كانوا في ذهنه دون غيرهم ٩٨٠ وقال القاضي أبو بكر الباقلاني الجواب عن حديث أنس من أوجه أحدها أنه لا مفهوم له فلا يلزم ألا يكون غيرهم جمعه الثاني المراد لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بها إلا أولئك الثالث لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته وما لم ينسخ إلا أولئك الرابع أن المراد بجمعه تلقيه من في رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا بواسطة بخلاف غيرهم فيحتمل أن يكون تلقي بعضه بالواسطة الخامس أنهم تصدوا لإلقائه وتعليمه فاشتهروا به وخفي حال غيرهم عمن عرف حالهم فحصر ذلك فيهم بحسب علمه وليس الأمر في نفس الأمر كذلك السادس المراد بالجمع الكتابة فلا ينفي أن يكون غيرهم جمعه حفظا عن ظهر قلبه وأما هؤلاء فجمعوه كتابة وحفظوه عن ظهر قلب السابع المراد أن أحدا لم يفصح بأنه جمعه بمعنى أكمل حفظه في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلا أولئك بخلاف غيرهم فلم يفصح بذلك لأن أحدا منهم لم يكمله إلا عند وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين نزلت آخر آية فلعل هذه الآية الأخيرة وما أشبهها ما حضرها إلا أولئك الأربعة ممن جمع جميع القرآن قبلها وإن كان قد حضرها من لم يجمع غيرها الجمع الكثير الثامن أن المراد بجمعه السمع والطاعة له والعمل بموجبه وقد أخرج أحمد في الزهد من طريق أبي الزاهرية أن رجلا أتى أبا الدرداء فقال إن إبني جمع القرآن فقال اللّهم غفرا إنما جمع القرآن من سمع له وأطاع ٩٨١ قال ابن حجر وفي غالب هذه الاحتمالات تكلف ولا سيما الأخير قال وقد ظهر لي احتمال آخر وهو أن المراد إثبات ذلك للخزرج دون الأوس فقط فلا ينفي ذلك عن غير القبيلتين من المهاجرين لأنه قال ذلك في معرض المفاخرة بين الأوس والخزرج كما أخرجه ابن جرير من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال افتخر الحيان الأوس والخزرج فقال الأوس منا أربعة من اهتز له العرش سعد بن معاذ ومن عدلت شهادته رجلين خزيمة بن ثابت ومن غسلته الملائكة حنظلة بن أبي عامر ومن حمته الدبر عاصم بن أبي ثابت فقال الخزرج منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه غيرهم فذكرهم قال والذي يظهر من كثير من الأحاديث أن أبا بكر كان يحفظ القرآن في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ففي الصحيح أنه بنى مسجدا بفناء داره فكان يقرأ فيه القرآن وهو محمول على ما كان نزل منه إذ ذاك قال وهذا مما لا يرتاب فيه مع شدة حرص أبي بكر على تلقي القرآن من النبي وفراغ باله له وهما بمكة وكثرة ملازمة كل منهما للآخر حتى قالت عائشة إنه كان يأتيهم بكرة وعشيا وقد صح حديث يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اللّه وقد قدمه في مرضه إماما للمهاجرين والأنصار فدل على أنه كان أقرأهم انتهى وسبقه إلى ذلك ابن كثير ٩٨٢ قلت لكن أخرج ابن أشته في المصاحف بسند صحيح عن محمد بن سيرين قال مات أبو بكر ولم يجمع القرآن وقتل عمر ولم يجمع القرآن قال ابن أشته قال بعضهم يعني لم يقرأ جميع القرآن حفظا وقال بعضهم هو جمع المصاحف ٩٨٣ قال ابن حجر وقد ورد عن علي أنه ٧١ جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبي أخرجه ابن أبي داود ٩٨٤ وأخرج النسائي بسند صحيح عن عبد اللّه بن عمر قال جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة فبلغ النبي فقال أقرأه في شهر الحديث ٩٨٥ وأخرج ابن أبي داود بسند حسن عن محمد بن كعب القرظي قال جمع القرآن على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خمسة من الأنصار معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبي بن كعب وأبو الدرداء وأبو أيوب الأنصاري ٩٨٦ وأخرج البيهقي في المدخل عن ابن سيرين قال جمع القرآن على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أربعة لا يختلف فيهم معاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد وأبو زيد واختلفوا في رجلين من ثلاثة أبي الدرداء وعثمان وقيل عثمان وتميم الداري ٩٨٧ وأخرج هو وأبو داود عن الشعبي قال جمع القرآن في عهد النبي ستة أبي وزيد ومعاذ وأبو الدرداء وسعد بن عبيد وأبو زيد ومجمع بن جارية قد أخذه إلا سورتين أو ثلاثة ٩٨٨ وقد ذكر أبو عبيد في كتاب القراءات القراء من أصحاب النبي فعد من المهاجرين الخلفاء الأربعة وطلحة وسعدا وابن مسعود وحذيفة وسالما وأبا هريرة وعبد اللّه بن السائب والعبادلة وعائشة وحفصة وأم سلمة ومن الأنصار عبادة بن الصامت ومعاذا الذي يكنى أبا حليمة ومجمع بن جارية وفضالة بن عبيد ومسلمة بن مخلد وصرح بأن بعضهم إنما أكمله بعد النبي فلا يرد على الحصر المذكور في حديث أنس وعد ابن أبي داود منهم تميما الداري وعقبة بن عامر وممن جمعه أيضا أبو موسى الأشعري ذكره أبو عمرو الداني تنبيه٩٨٩ أبو زيد المذكور في حديث أنس اختلف في اسمه فقيل سعد ابن عبيد بن النعمان أحد بني عمرو بن عون ورد بأنه أوسي وأنس خزرجي وقد قالإنه أحد عمومته وبأن الشعبي عده هو وأبو زيد جميعا فيمن جمع القرآن كما تقدم فدل على أنه غيره ٩٩٠ وقال أبو أحمد العسكري لم يجمع القرآن من الأوس غير سعد بن عبيد وقال ابن حبيب في المحبر سعد بن عبيد أحد من جمع القرآن على عهد النبي ٩٩١ وقال ابن حجر قد ذكر أبي داود فيمن جمع القرآن قيس بن أبي صعصعة وهو خزرجي يكنى أبا زيد فلعله هو وذكر أيضا سعد بن المنذر بن أوس ابن زهير وهو خزرجي لكن لم أر التصريح بأنه يكنى أبا زيد ٩٩٢ قال ثم وجدت عند ابن أبي داود ما رفع الإشكال فإنه روى بإسناد على شرط البخاري إلى ثمامة عن أنس أن أبا زيد الذي جمع القرآن اسمه قيس بن السكن قال وكان رجلا منا من بني عدي بن النجار أحد عمومتي ومات ولم يدع عقبا ونحن ورثناه ٩٩٣ قال ابن أبي داود حدثنا أنس بن خالد الأنصاري قال هو قيس بن السكن بن زعوراء من بني عدي بن النجار قال ابن أبي داود مات قريبا من وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذهب علمه ولم يؤخذ عنه وكان عقبيا بدريا ومن الأقوال في اسمه ثابت وأوس ومعاذ فائدة٩٩٤ ظفرت بامرأة من الصحأبيات جمعت القرآن لم يعدها أحد ممن تكلم في ذلك فأخرج ابن سعد في الطبقات أنبأنا الفضل بن دكين قال حدثنا الوليد بن عبد اللّه بن جميع قال حدثتني جدتي عن أم ورقة بنت عبد اللّه بن الحارث وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة وكانت قد جمعت القرآن أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين غزا بدرا قالت له أتأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم وأمرض مرضاكم لعل اللّه يهدي لي شهادة قال إن اللّه مهد لك شهادة وكان قد أمرها أن تؤم أهل دارها وكان لها مؤذن فغمها غلام لها وجارية كانت دبرتهما فقتلاها في إمارة عمر فقال عمر صدق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول انطلقوا بنا نزور الشهيدة فصل في المشتهرين بالإقراء ٩٩٥ المشتهرون بإقراء القرآن من الصحابة سبعة عثمان وعلي وأبي وزيد بن ثابت وابن مسعود وأبو الدرداء وأبو موسى الأشعري كذا ذكرهم الذهبي في طبقات القراء قال وقد قرأ على أبي جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة وابن عباس وعبد اللّه بن السائب وأخذ ابن عباس عن زيد أيضا وأخذ عنهم ٧٢ خلق من التابعين ٩٩٦ فممن كان بالمدينة ابن المسيب وعروة وسالم وعمر بن عبد العزيز وسليمان وعطاء ابنا يسار ومعاذ بن الحارث المعروف بمعاذ القارئ وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج وابن شهاب الزهري ومسلم بن جندب وزيد بن أسلم ٩٩٧ وبمكة عبيد بن عمير وعطاء بن أبي رباح وطاوس ومجاهد وعكرمة وابن أبي مليكة ٩٩٨ وبالكوفة علقمة والأسود ومسروق وعبيدة وعمرو بن شرحبيل والحارث بن قيس والربيع بن خثيم وعمرو بن ميمون وأبو عبد الرحمن السلمي وزر بن حبيش وعبيد بن نضيلة وسعيد بن جبير والنخعي والشعبي ٩٩٩ وبالبصرة أبو العالية وأبو رجاء ونصر بن عاصم ويحيى بن يعمر والحسن وابن سيرين وقتادة ١٠٠٠ وبالشام المغيرة بن أبي شهاب المخزومي صاحب عثمان وخليفة ابن سعد صاحب أبي الدرداء ١٠٠١ ثم تجرد قوم واعتنوا بضبط القراءة أتم عناية حتى صاروا أئمة يقتدى بهم ويرحل إليهم فكان بالمدينة أبو جعفر يزيد بن القعقاع ثم شيبة بن نصاح ثم نافع بن أبي نعيم ١٠٠٢ وبمكة عبد اللّه بن كثير وحميد بن قيس الأعرج ومحمد بن محيصن ١٠٠٣ وبالكوفة يحيى بن وثاب وعاصم بن أبي النجود وسليمان الأعمش ثم حمزة ثم الكسائي ١٠٠٤ وبالبصرة عبد اللّه بن أبي إسحاق وعيسى بن عمر وأبو عمر بن العلاء وعاصم الجحدري ثم يعقوب الحضرمي ١٠٠٥ وبالشام عبد اللّه بن عامر وعطية بن قيس الكلأبي وإسماعيل بن عبد اللّه بن المهاجر ثم يحيى بن الحارث الذماري ثم شريح بن يزيد الحضرمي ١٠٠٦ واشتهر من هؤلاء في الآفاق الأئمة السبعة ١ نافع وقد أخذ عن سبعين من التابعين منهم أبو جعفر ٢ وابن كثير وأخذ عن عبد اللّه بن السائب الصحأبي ٣ وأبو عمرو وأخذ عن التابعين ٤ وابن عامر وأخذ عن أبي الدرداء وأصحاب عثمان ٥ وعاصم وأخذ عن التابعين ٦ وحمزة وأخذ عن عاصم والأعمش والسبيعي ومنصور بن المعتمر وغيره ٧ والكسائي وأخذ عن حمزة وأبي بكر بن عياش ١٠٠٧ ثم انتشرت القراءات في الأقطار وتفرقوا أمما بعد أمم واشتهر من رواة كل طريق من طرق السبعة راويان فعن نافع قالون وورش عنه وعن ابن كثير قنبل والبزي عن أصحابه عنه وعن أبي عمرو الدوري والسوسي عن اليزيدي عنه وعن ابن عامر هشام وابن ذكوان عن أصحابه عنه وعن عاصم أبو بكر بن عياش وحفص عنه وعن حمزة خلف وخلاد عن سليم عنه وعن الكسائي الدوري وأبو الحارث ١٠٠٨ ثم لما اتسع الخرق وكاد الباطل يلتبس بالحق قام جهابذة الأمة وبالغوا في الاجتهاد وجمعوا الحروف والقراءات وعزوا الوجوه والروايات وميزوا الصحيح والمشهور والشاذ باصول أصلوها وأركان فصلوها ١٠٠٩ فأول من صنف في القراءات أبو عبيد القاسم بن سلام ثم أحمد بن جبير الكوفي ثم إسماعيل بن إسحاق المالكي صاحب قالون ثم أبو جعفر بن جرير الطبري ثم أبو بكر محمد بن أحمد بن عمر الداجواني ثم أبو بكر بن مجاهد ثم قام الناس في عصره وبعده بالتأليف في أنواعها جامعا ومفردا وموجزا ومسهبا وأئمة القراءات لا تحصى ١٠١٠ وقد صنف طبقاتهم حافظ الإسلام أبو عبد اللّه الذهبي ثم حافظ القراءات أبو الخير ابن الجزري |