٥- باب ما ينبغي لصاحب القرآن أن يأخذ نفسه به ولا يغفل عنهفأول ذلك أن يخلص في طلبه للّه جل وعز كما ذكرنا وأن يأخذ نفسه بقراءة القرآن في ليله ونهاره في الصلاة أو في غير الصلاة لئلا ينساه روى مسلم عن ابن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت وإذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره وإذا لم يقم به نسيه وينبغي له أن يكون للّه حامدا ولنعمه شاكرا وله ذاكرا وعليه متوكلا وبه مستعينا وإليه راغبا وبه معتصما وللموت ذاكرا وله مستعدا وينبغي له أن يكون خائفا من ذنبه راجيا عفو ربه ويكون الخوف في صحته أغلب عليه إذ لا يعلم بما يختم له ويكون الرجاء عند حضور أجله أقوى في نفسه لحسن الظن باللّه قل رسول اللّه صلى عليه وسلم لا يؤتمن أحدكم إلا وهو يحسن باللّه الظن اي أنه يرحمه ويغفر له وينبغي له أن يكون عالما بأهل زمانه متحفظا من سلطانه ساعيا في خلاص نفسه ونجاة مهجته مقدما بين يديه ما يقدر عليه من عرض دنياه مجاهدا لنفسه في ذلك ما استطاع وينبغي له أن يكون أهم أموره عنده الورع في دينه واستعمال تقوى اللّه ومراقبته فيما أمره به ونهاه عنه وقال ابن مسعود ينبغي لقاريء القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون وبنهاره إذا الناس مستيقضون وببكائه إذا الناس يضحكون وبصمته إذا الناس يخوضون وبخضوعه إذا الناس يختالون وبحزنه إذا الناس يفرحون وقال عبداللّه بن عمرو لا ينبغي لحامل القرآن أن يخوض مع من يخوض ولا يجهل مع من يجهل ولكن بعفو ويصفح لحق القرآن لأن في جوفه كلام اللّه تعالى وينبغي له أن يأخذ نفسه بالتصاون عن طرق الشبهات ويقل الضحك والكلام في مجالس القرآن وغيرها بما لا فائدة فيه ويأخذ نفسه بالحلم والوقار وينبغي له أن يتواضع للفقراء ويتجنب التكبر والإعجاب ويتجافى عن الدنيا وأبنائها إن خاف على نفسه الفتنة ويترك الجدال والمراء ويأخذ نفسه بالرفق والأدب وينبغي له أن يكون ممن يؤمن شره ويرجى خيره ويسلم من ضره وألا يسمع ممن نم عنده ويصاحب من يعاونه على الخير ويدله على الصدق ومكارم الأخلاق ويزينه ولا يشينه وينبغي له أن يتعلم أحكام القرآن فيفهم عن اللّه مراده وما فرض عليه فينتفع بما يقرأ ويعمل بما يتلو فما أقبح لحامل القرآن ان يتلو فرائضه وأحكامه عن ظهر قلب وهو لا يفهم ما يتلو فكيف يعمل بما لا يفهم معناه وما أقبح أن يسأل عن فقه ما يتلو ولا يدريه فما مثل من هذه حالته إلا كمثل الحمار يحمل أسفارا وينبغي لهو أن يعرف المكي من المدني ليفرق بذلك بين ماخاطب اللّه به عباده في أول الإسلام وما ندبهم إليه في آخر الإسلام وما افترض اللّه في أول الإسلام وما زاد عليه من الفرائض في آخره فالمدني هو الناسخ للمكي في أكثر القرآن ولا يمكن أن ينسخ المكي المدني لأن المنسوخ هو المتقدم في النزول قبل الناسخ له ومن كماله أن يعرف الإعراب والغريب فدلك مما يسهل عليه معرفة ما يقرأ ويزيل عنه الشك فيما يتلو وقد قال أبو جعفر الطبري سمعت الجرمي يقول أنا منذ ثلاثين سنة أفتي الناس في الفقه من كتاب سيبويه قال محمد بن يزيد وذلك أن أبا عمر الجرمي كان صاحب حديث فلما علم كتاب سيبويه تفقه في الحديث إذ كان كتاب سيبويه يتعلم منه النظر والتفسير ثم ينظر في السنن المأثورة الثابتة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فبها يصل الطالب إلى مراد اللّه عز وجل في كتابه وهي تفتح له أحكام القرآن فتحا وقد قال الضحاك في قوله تعالى ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب قال حق على كل من تعلم القرآن أن يكون فقيها وذكر ابن ابي الحواري قال أتينا فضيل بن عياض سنة خمس وثمانين ومائة ونحن جماعة فوقفنا على الباب فلم يأذن لنا بالدخول فقال بعض القوم إن كان خارجا لشيء فسيخرج لتلاوة القرآن فأمرنا قارئا فقرأ فاطلع علينا من كوة فقلنا ك السلام عليك ورحمة اللّه فقال وعليكم السلام فقلنا كيف أنت يا أبا علي وكيف حالك فقال أنا من اللّه في عافية ومنكم في أذى وإن ما أنتم فيه حدث في الإسلام فإنا للّه وإنا إليه راجعون ما هكذا كنا نطلب العلم ولكنا كنا نأتي المشيخة فلا نرى أنفسنا أهلا للجلوس معهم فنجلس ونسترق السمع فإذا مر الحديث سألناهم إعادته وقيدناه وأنتم تطلبون العلم بالجهل وقد ضيعتم كتاب اللّه ولو طلبتم كتاب اللّه لوجدتم فيه شفاء لما تريدون قال قلنا قد تعلمنا القرآن قال إن في تعلمكم القرآن شغلا لأعماركم وأعمار أولادكم قلنا كيف يا أبا علي قال لن تعلموا القرآن حتى تعرفوا إعرابه ومحكمه من متشابهه وناسخه من منسوخه إذا عرفتم ذلك استغنيتم عن كلام فضيل وابن عيينة ثم قال أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم يأيها الناس قد جائتكمموعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل اللّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون قلت فإذا حصلت هذه المراتب لقاريء القرآن كان ماهرا بالقرآن وعالما بالفرقان وهو قريب على من قربه عليه ولا ينتفع بشيء مما ذكرنا حتى يخلص النية فيه للّه جل ذكره عند طلبه أو بعد طلبه كما تقدم فقد يبتديء الطالب للعلم يريد به المباهاة والشرف في الدنيا فلا يزال به فهم العلم حتى يتبين أنه على خطأ في اعتقاده فيتوب من ذلك ويخلص النية للّه تعالى فينتفع بذلك ويحسن حاله قال الحسن كنا نطلب العلم للدنيا فجرنا إلى الآخرة وقاله سفيان الثوري وقال حبيب بن أبي ثابت طلبنا هذا الأمر وليس لنا فيه نية ثم جاءت النية بعد |