Geri

   

 

 

İleri

 

١١- ذكر بعض الأخبار التي رويت في الحض على العلم بتفسير القرآن ومن كان يفسره من الصحابة

حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شفيق المروزي، قال سمعت أبي يقول: حدثنا الحسين بن واقد، قال: حدثنا الأعمش، عن شقيق، عن ابن مسعود، قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات، لم يجاوزهنّ حتى يعرف معانيهنّ والعمل بهن.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن أبي عبد الرحمن، قال: حدثنا الذين كانوا يقرؤننا أنهم كانوا يستقرئون من النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات، لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعاً.

وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جابر بن نوح، قال: حدثنا الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال: قال عبد اللّه:

والذي لا إله غيره، ما نزلت آية في كتاب اللّه، إلا وأنا أعلم فيم نزلت، وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب اللّه مني تناله المطايا لأتيته.

وحدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال:

كان عبد اللّه يقرأ علينا السورة، ثم يحدثنا فيها، ويفسرها عامة النهار.

حدثني أبو السائب سالم بن جنادة، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، قال: استعمل عليٌّ ابنَ عباس على الحجّ، قال: فخطب الناس خطبة، لو سمعها الترك والروم لأسلموا، ثم قرأ عليهم سورة النور، فجعل يفسرها.

وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، قال: قرأ ابن عباس سورة البقرة، فجعل يفسرها، فقال رجل: لو سمعت هذا الديلم لأسلمت!

وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو يمان، عن أشعث بن إسحق، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، قال:

من قرأ القرآن، ثم لم يفسره، كان كالأعمى، أو كالأعرابي.

وحدثنا أبو كريب، قال: ذكر أبو بكر بن عياش الأعمش، قال: قال أبو وائل: ولي ابن عباس الموسم، فخطبهم فقرأ على المنبر سورة النور، واللّه لو سمعها الترك لأسلموا. فقيل له: حدثنا به عن عاصم. فسكت.

وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت الأعمش، عن شقيق، قال شهدت ابن عباس وولي الموسم، فقرأ سورة النور على المنبر، وفسرها، لو سمعت الروم لأسلمت.

قال أبو جعفر:

وفي حثّ اللّه عزّ وجلّ عباده على الاعتبار بما في آي القرآن، من المواعظ والتبيان، بقوله جل ذكره، لنبيه صلى اللّه عليه وسلم:

{كِتابٌ أنْزَلْناهُ إلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ ولِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الألْبابِ} وقوله:

{ولَقَدْ ضَرَبْنا للنَّاسِ فِي هَذَا القُرآنِ مِنْ كُلّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُنَ قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذيِ عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} وما أشبه ذلك من آي القرآن، التي أمر اللّه عباده، وحثهم فيها، على الاعتبار بأمثال آي القرآن، والاتعاظ بمواعظه، ما يدل على أن عليهم معرفة تأويل ما لم يحجب عنهم تأويله من آيات، لأنه محال أن يقال لمن لا يفهم ما يقال له ولا يعقل تأويله: اعتبر بما لا فهم لك به، ولا معرفة من القيل والبيان! إلا على معنى الأمر بأن يفهمه ويفقهه، ثم فأما قبل ذلك، فمستحيل أمره بتدبره. وهو بمعناه جاهل، كما محال أن يقال لبعض أصناف الأمم. الذين لا يعقلون كلام العرب ولا يفهمونه. لو أنشدت قصيدة شعر من أشعار بعض العرب، ذات أمثال ومواعظ وحكم: اعتبر بما فيها من الأمثال، وادكر بما فيها من المواعظ! إلا بمعنى الأمر لها بفهم كلام العرب ومعرفته، ثم

الاعتبار بما نبهه عليه ما فيها من الحكم، فأما وهي جاهلة بمعاني ما فيها من الكلام والمنطق؛ فمحال أمرها بما دلت عليه معاني ما حوته من الأمثال والعبر. بل سواء أمرها بذلك وأمر بعض البهائم به، إلا بعد العلم بمعاني المنطق والبيان الذي فيها.

فكذلك ما في آي كتاب اللّه، من العبر والحكم والأمثال والمواعظ، لا يجوز أن يقال اعتبر بها، إلا لمن كان بمعاني بيانه عالماً، وبكلام العرب عارفاً، وإلا بمعنى الأمر لمن كان بذلك منه جاهلاً، أن يعلم معاني كلام العرب، ثم يتدبره بعد، ويتعظ بحكمه وصنوف عبره.

فإذا كان ذلك كذلك، وكان اللّه جلّ ثناؤه، قد أمر عباده بتدبره، وحثهم على الاعتبار بأمثاله، كان معلوماً أنه لم يأمر بذلك مَنْ كان بما يدل عليه آيه جاهلاً. وإذا لم يجز أن يأمرهم بذلك، إلا وهم بما يدلهم عليه عالمون، صحّ أنهم بتأويل ما لم يحجب عنهم علمه من آيه، الذي استأثر اللّه بعلمه منه دون خلقه، الذي قد قدمنا صفته آنفاً، عارفون. وإذا صحّ ذلك، فسد قول من أنكر تفسير المفسرين من كتاب اللّه وتنزيله، ما لم يحجب عن خلقه تأويله.‏

 ذكر بعض الأخبار التي غلط في تأويلها منكرو القول في تأويل القرآن

فإن قال لنا قائل: فما أنت قائل، فيما حدثكم به العباس بن عبد العظيم قال: حدثنا محمد بن خالد بن عتمة، قال: حدثني جعفر بن محمد الزبيري، قال: حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت:

ما كان النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، يفسر شيئاً من القرآن، إلا آياً تُعَدّ، علّمهن إياه جبريل؟

حدثنا محمد بن يزيد الطرسوسي، قال: أخبرنا معن، عن جعفر(١) بن خالد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: لم يكن النبي صلى اللّه عليه وسلم، يفسر شيئاً من القرآن، إلا آياً تعدّ، علَّمهن إياه جبريل، عليه السلام.

وحدثنا أحمد بن عبدة الضبي، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا عبيد اللّه بن عمر، قال: لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليعظمون القول في التفسير، منهم سالم بن عبد اللّه، والقاسم بن محمد، وسعيد ابن المسيب، ونافع.

وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا بشر بن عمر، قال: حدثنا مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت رجلاً يسأل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال:

لا أقول في القرآن شيئاً.

حدثنا يونس، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب،

أنه كان إذا سُئِلَ عن تفسير آية من القرآن، قال:

أنا لا أقول في القرآن شيئاً.

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت الليث يحدث عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب

أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام قال: حدثنا سفيان، عن هشام، عن ابن سيرين، قال: سألت عبيدة السلماني عن آية، قال:

عليك بالسداد! فقد ذهب الذين علموا فيم أنزل القرآن.

حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن أيوب وابن عون، عن محمد، قال: سألت عبيدة عن آية من القرآن، فقال:

ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن، اتقّ اللّه، وعليك بالسداد!

وحدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، أن ابن عباس

سئل عن آية، لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها.

حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن مهدي بن ميمون، عن الوليد بن مسلم، قال: جاء طلق بن حبيب، إلى جندب بن عبد اللّه، فسأله عن آية من القرآن، فقال له: أحرّج عليك إن كنت مسلماً لما قمت عني! أو قال: أن تجالسني.

حدثني عباس بن الوليد، قال: أخبرني أبي، قال: حدثنا عبد اللّه بن شوذب، قال: حدثني يزيد بن أبي يزيد قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، وإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن، سكت كأن لم يسمع.

وحدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، قال: سأل رجل سعيد بن المسيب، عن آية من القرآن، فقال: لا تسألني عن آية من القرآن، وسل من يزعم أنه لا يخفى عليه شيء منه !! يعني عكرمة.

وحدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا سعيد بن عامر، عن شعبة، عن عبد اللّه بن أبي السفر، قال: قال الشعبي:

واللّه ما من آية إلا قد سَألتُ عنها، ولكنها الرواية عن اللّه.

وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن صالح، يعني ابن مسلم، قال: حدثني رجل، عن الشعبي، قال: ثلاث لا أقول فيهن حتى أموت: القرآن، والروح، والرأي، وما أشبه ذلك من الأخبار.

قيل له: أما الخبر الذي روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم،

أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئاً إلا آياً تعدّ، فإن ذلك مصحح ما قلنا من القول في الباب الماضي قبل، وهو أن من تأويل القرآن، ما لا يدرك علمه إلا ببيان الرسول صلى اللّه عليه وسلم، وذلك يفصل جمل ما في آيه، من أمر اللّه ونهيه، وحلاله وحرامه، وحدوده وفرائضه، وسائر معاني شرائع دينه، الذي هو مجمل في ظاهر التنزيل، وبالعباد إلى تفسيره الحاجة، لا يدرك علم تأويله إلا ببيان من عند اللّه، على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وما أشبه ذلك مما تحويه آي القرآن، من سائر حكمه، الذي جعل اللّه بيانه لخلقه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلا يعلم أحد من خلق اللّه تأويل ذلك، إلا ببيان الرسول صلى اللّه عليه وسلم، ولا يعلمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، إلا بتعليم اللّه إياه ذلك، بوحيه إليه، إما مع جبريل، أو مع من شاء من رسله إليه.. فذلك هو الآي، التي كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، يفسرها لأصحابه، بتعليم جبريل إياه، وهن لا شكّ آي ذوات عدد.

ومن آي القرآن، ما قد ذكرنا أن اللّه جلّ ثناؤه، استأثر بعلم تأويله، فلم يطلع على علمه ملكاً مقرّباً، ولا نبياً مرسلاً، ولكنهم يؤمنون بأنه من عنده، وأنه لا يعلم تأويله إلا اللّه.

فأما ما لا بد للعباد من علم تأويله، فقد بين لهم نبيهم صلى اللّه عليه وسلم، ببيان اللّه ذلك له، بوحيه مع جبريل، وذلك هو المعنى الذي أمره اللّه ببيانه لهم، فقال له جلّ ذكره:

{وأنْزَلْنا إلَيْكَ الذِّكْر لِتُبَيِّنَ للنَّاسِ ما نُزِّلَ إلَيْهِمْ ولَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّروُنَ}.

ولو كان تأويل الخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم،

أنه كان لا يفسر من القرآن شيئاً إلا آياً تعدّ، هو ما سبق إليه أوهام أهل الغباء، من أنه لم يكن يفسر من القرآن إلا القليل من آيه، واليسير من حروفه، كان إنما أنزل إليه صلى اللّه عليه وسلم الذكر، ليترك للناس بيان ما أنزل إليهم، لا ليبين لهم ما أنزل إليهم.

وفي أمر اللّه جلّ ثناؤه، نبيه صلى اللّه عليه وسلم، ببلاغ ما أنزل إليه، وإعلامه إياه، أنه إنما نزل إليه ما أنزل، ليبين للناس ما نزل إليهم، وقيام الحجة على أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، قد بلَّغ فأدّى، ما أمره اللّه ببلاغه وأدائه، على ما أمره به، وصحة الخبر عن عبد اللّه بن مسعود لقيله

(كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات، لم يجاوزهن حتى يعلم معانيهن والعمل بهن) ما ينبئ عن جهل من ظنّ أو توهم، أن معنى الخبر الذي ذكرنا، عن عائشة، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أنه لم يفسر من القرآن شيئاً إلا آياً تعدّ، هو أنه لم يكن يبين لأمته من تأويله إلا اليسير القليل منه. هذا مع ما في الخبر، الذي روي عن عائشة، من العلة التي في إسناده، التي لا يجوز معها الاحتجاج به لأحد ممن علم صحيح سند الآثار وفاسدها في الدين، لأن روايه ممن لا يعرف في أهل الآثار، وهو جعفر بن محمد الزبيري. وأما الأخبار التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه من التابعين، بإحجامه عن التأويل، فإن فِعْلَ مَنْ فَعَلَ ذلك منهم، كفِعْلِ من أحجم منهم عن الفتيا في النوازل والحوادث، مع إقراره بأن اللّه جلّ ثناؤه، لم يقبض نبيه إليه، إلا بعد إكمال

الدين به لعباده، وعلمه بأن للّه في كل نازلة وحادثة، حكماً موجوداً، بنصّ أو دلالة، فلم يكن إحجامه عن القول في ذلك، إحجام جاحد أن يكون للّه فيه حكم، موجود بين أظهر عباده، ولكن إحجام خائف، أن لا يبلغ في اجتهاده، ما كلف اللّه العلماء من عباده فيه، فكذلك معنى إحجام من أحجم عن القيل في تأويل القرآن، وتفسيره من العلماء السلف، إنما كان إحجامه عنه حذار أن لا يبلغ أداء ما كلف من إصابة صواب القول فيه، لا على أن تأويل ذلك محجوب عن علماء الأمة غير موجود بين أظهرهم.

------------

(١) في م: جبريل بدل جعفر.

------------