Geri

   

 

 

İleri

 

۰١- القول في الوجوه التي من قبلها يوصل الى معرفة تأويل القرآن 

قال أبو جعفر:

قد قلنا في الدلالة على أن القرآن كله عربي، وأنه نزل بألسن بعض العرب، دون ألسن جميعها، وأن قراءة المسلمين اليوم، ومصاحفهم التي هي بين أظهرهم، ببعض الألسن التي نزل بها القرآن دون جميعها،

وقلنا في البيان عما يحويه القرآن من النور والبرهان والحكمة والبيان، التي أودعها اللّه اياه، من أمره، ونهيه، وحلاله، وحرامه، ووعده، ومحكمه، ومتشابهه، ولطائف حكمه، ما فيه الكفاية لمن وفق لفهمه.

ونحن قائلون في البيان عن وجوه مطالب تأويله:

قال اللّه، جل ذكره، وتقدست أسماؤه، لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم:

(و أنْزَلنْا الَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيِّنَ للنَّاسِ ما نُزِّلَ الَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)

وقال أيضا جلّ ذكره:

(وما أنْزَلنْا عَلَيْكَ الكِتابَ الا لِتُبَيِّنَ لهُمُ الَّذي اخْتَلَفُوا فِيهِ وهُدًى ورَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).

١- وقال: (هُوَ الَّذِى أنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فأمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الفتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وما يَعْلَمُ تَأوِيلَهُ إلاَّ اللّه والرَّاسِخونَ في العِلْمِ يَقُولُون آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إلاَّ أُولُوا الألَبْاَبِ).

فقد تبين ببيان اللّه عز وجل ذكره،

٢- أن مما أنزل اللّه من القرآن، على نبيه صلى اللّه عليه وسلم، ما لا يوصل إلى علم تأويله، إلا ببيان الرسول صلى اللّه عليه وسلم، وذلك تأويل جميع ما فيه، من وجوه أمره، واجبه (١)، وندبه، وإرشاده، وصنوف نهيه، ووظائف حقوقه، وحدوده، ومبالغ فرائضه، ومقادير اللازم بعض خلقه لبعض، وما أشبه ذلك من أحكام آيه، التي لم يدرك علمها إلا ببيان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأمته.

وهذا وجه لا يجوز لأحد القول فيه، إلا ببيان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، بتأويله، بنص منه عليه، أو بدلالة قد نصبها دالةً أمته على تأويله.

وأن منه ما لا يعلم تأويله إلا اللّه الواحد القهار: وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى بن مريم، وما أشبه ذلك؛ فإن تلك أوقات لا يعلم أحد حدودها، ولا يعرف أحد من تأويلها إلا الخبر بأشراطها، لاستئثار اللّه بعلم ذلك على خلقه.

وكذلك أنزل ربنا في محكم كتابه، فقال:

{يَسألُنَكَ عَنِ السَّاعَةِ أيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إنِّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ ربَي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ لا تأْتِيكُمْ إلاَّ بَغْتَةً يَسألُونَكَ كأنَّك حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إنِّمَا عِلْمُها عِنْدَ اللّه ولَكِنَّ أكثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمونَ}.

وكان نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم، إذا ذَكَر شيئاً من ذلك لم يدل عليه إلا بأشراطه، دون تحديده بوقت، كالذي روى عنه، صلى اللّه عليه وسلم، أنه قال لأصحابه إذا ذكر الدجال:

(إنْ يَخْرُجْ وَ أنَا فِيكُمْ، فأنَا حَجِيجُهُ، وإنْ يَخْرُجْ بَعْدِي، فَاللّه خَليِفَتيِ عَلَيْكُمْ).

وما أشبه ذلك من الأخبار، التي يطول باستيعابها الكتاب، الدالة على أنه صلى اللّه عليه وسلم، لم يكن عنده علم أوقات شيء منه، بمقادير السنين والأيام، وأن اللّه جلّ ثناؤه، إنما كان عرّفه مجيئه بأشراطه، ووقته بأدلته.

٣- وأن منه ما يعلم تأويله كلُّ ذي علم باللسان الذي نزل به القرآن، وذلك إقامة إعرابه، ومعرفة المسميات بأسمائها اللازمة، غير المشترك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة دون ما سواها، فإن ذلك لا يجهله أحد منهم، وذلك كسامع منهم لو سمع تالياً يتلو:

{وإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا في الأَرْضِ قَالُوا إنِّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، ألاَ إنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ ولَكِنْ لا يَشْعُرُونَ}. لم يجهل أن معنى الإفساد هو ما ينبغي تركه مما هو مضرّة، وأن الإصلاح هو ما ينبغي فعله، مما فعله منفعة؛ وإن جهل المعاني التي جعلها اللّه إفساداً، والمعاني التي جعلها اللّه إصلاحاً، فالذي يعلمه ذو اللسان الذي بلسانه نزل القرآن، من تأويل القرآن، هو ما وصفت من معرفة أعيان المسميات بأسمائها اللازمة، غير المشترك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة، دون الواجب من أحكامها وصفاتها وهيئاتها، التي خص اللّه بعلمها نبيه صلى اللّه عليه وسلم، فلا يدرك علمه إلا ببيانه، دون ما استأثر اللّه بعلمه دون خلقه.

وبمثل ما قلنا من ذلك، روي الخبر عن ابن عباس.

حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، قال:

قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا اللّه.

قال أبو جعفر:

وهذا الوجه الرابع الذي ذكره ابن عباس، من أن أحداً لا يعذر بجهالته، معنى غير الإبانة عن وجوه مطالب تأويله، وإنما هو خبر عن أن مِنْ تأويله ما لا يجوز لأحد الجهل به؛ وقد روى بنحو ما قلنا في ذلك أيضاً، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خبر في إسناده نظر.

حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت عمرو بن الحارث، يحدث عن الكلبي عن أبي صالح مولى أم هانئ، عن عبد اللّه بن عباس، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال:

(أُنْزِلَ القُرآنُ على أرْبَعَةِ أحْرُفٍ: حَلالٍ، وَحَرَامٍ لا يُعْذَرُ أحَدٌ بالجَهالَة به، وَتَفْسِيرٍ يُفَسِّرُهُ العَرَبُ، وتَتَفْسِيرٍ تُفَسِّرُهُ العُلَماءُ، وَمُتَشابِهٍ لا يَعْلَمُهُ إلاَّ اللّه، وَمَن ادَّعَى علْمَهُ سِوَى اللّه، فَهُوَ كاذِبُ).

------------

(١) في م: ونهيه بدل واجبه.

------------

ذكر بعض الأخبار التي رويت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي

حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: حدثنا شريك، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، قال:

(مَنْ قالَ في القُرآنِ بِرأيِهِ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ).

حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا عبد الأعلى، هو ابن عامر الثعلبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، قال:

(مَنْ قالَ في القُرآنِ بِرأيِهِ، أوْ بِمَا لا يَعْلَم، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ).

وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا محمد بن بشر وقبيصة، عن سفيان، عن عبد الأعلى، قال: حدثنا سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:

(مَنْ قالَ في القُرآنِ بِغَيْرِ علْمٍ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ).

حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا الحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو بن قيس الملائي، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال:

من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن ليث، عن بكر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال:

من تكلم في القرآن برأيه، فليتبوأ مقعده من النار.

وحدثني أبو السائب سالم بن جنادة السوائي، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن الحسن بن عبيد اللّه، عن إبراهيم، عن أبي معمر، قال: قال أبو بكر الصديق  ر عنه:

أيّ أرض تقلني، وأيّ سماء تظلني، إذا قلت في القرآن ما لا أعلم؟

حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، عن شعبة، عن سليمان، عن عبد اللّه بن مرّة، عن أبي معمر، قال: قال أبو بكر الصديق:

أيّ أرض تقلني، وأيّ سماء تظلني، إذا قلت في القرآن برأيي أو بما لا أعلم؟

قال أبو جعفر:

وهذه الأخبار شاهدة لنا على صحة ما قلنا، من أن ما كان من تأويل آي القرآن الذي لا يدرك علمه، إلا بنصّ بيان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أو بنصبه الدلالة عليه، فغير جائز لأحد القيل فيه برأيه، بل القائل في ذلك برأيه، وإن أصاب الحقّ فيه، فمخطئ فيما كان من فعله بقيله فيه برأيه، لأن إصابته ليست إصابة موقن أنه محق، وإنما هو إصابة خارص وظانّ، والقائل في دين اللّه بالظن قائل على اللّه ما لا يعلم، وقد حرّم اللّه جلّ ثناؤه ذلك، في كتابه على عباده، فقال:

{قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ والإثمَ والبَغْيَ بغَيْرِ الحَقّ وَأنْ تُشْرِكُوا بِاللّه مَا لمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأنْ تَقُولُوا عَلى اللّه ما لا تَعْلَمُونَ}

فالقائل في تأويل كتاب اللّه الذي لا يُدرَك علمُه إلا ببيان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، الذي جعل اللّه إليه بيانه، قائل بما لا يعلم، وإن وافق قيله ذلك في تأويله ما أراد اللّه به من معناه، لأن القائل فيه بغير علم، قائل على اللّه ما لا علم له به.

وهذا هو معنى الخبر، الذي حدثنا به العباس بن عبد العظيم العنبري، قال: حدثنا حبان بن هلال، قال: حدثنا سهيل بن أبي حزم، قال: حدثنا أبو عمران الجويني، عن جندب، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال:

(مَنْ قالَ في القُرآنِ برأيهِ فأصَابَ، فَقَدْ أخْطَأ).

يعني صلى اللّه عليه وسلم، أنه أخطأ في فعله، بقيله فيه برأيه، وإن وافق قيله ذلك عين الصواب عند اللّه، لأن قيله فيه برأيه، ليس بقيل عالم أن الذي قال فيه من قول حقّ وصواب، فهو قائل على اللّه ما لا يعلم، آثم بفعله ما قد نهى عنه وحظر عليه.