الباب السابع: في آداب الناس كلهم مع القرآن٢٣- ثبـت في صحيـح مسلم عن تميم الداري رضي اللّه عنه أن النبي قال صلى اللّه عليه وسلم : (الدِّينُ النَّصِيحة، قُلنا: لمن؟ قال للّه وَلِكِتَابهِ وَلرسُوله، ولأئمَّةِ المُسْلمِينَ وَعَامَّتِهمْ). قال العلماء : النَّصيحة لكتاب اللّه تعالى هي الإيمان بأنه كلام اللّه تعالى وتنزيهه لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر الخلق على مثله، وتعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها، وإقامة حروفه بالتلاوة والذب عنه لتأويل المحرِّفين وتعرّض الملحدين والتصديق بما فيه والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه، وأمثاله، واعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، والبحث عن عمومه وخصوصه، وناسخه ومنسوخه، ونشر علومه والدعاء إليه، وإلى جميع ما ذكرنا من نصيحة. فصلأجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن على الإطلاق، وتنزيهه وصيانته، وأجمعوا على أن من جحد حرفاً مجمعاً عليه أو زاد حرفاً لم يقرأ به أحد وهو عالم بذلك فهو كافر، واجمعوا على أن من استخف بالقرآن أو شيء منه أو بالمصحف، أو ألقاه في القاذورة أو كذب بشيء مما جاء به من حكم أو خبر، أو نفى ما أثبته أو أثبت ما نفاه وهو عالم أو شك في شيء من ذلك فهو كافر، وكذلك إن جحد شيئاً من كتب اللّه تعالى كالتوراة والإنجيل وأنكر أصله فهو كافر. فصلويحرم تفسيره بغير علم والكلام في معناه لمن ليس من أهله، وهذا مجمع عليه، وإما تفسيره بغير علم، وللعلماء جائز حسن بالإجماع، ويحرم المراء فيه والجدال بغير حق، ومن ذلك أن يظهر له دلالة هي للآية على شيء يخالف مذهبه فيصير إلى خلاف ظاهرها إتباعا لهواه ومذهبه، ويناظر عليه وأما من لا يظهر له ذلك فمعذور. فصليُكره أن يقول نسيت آية كذا ؛ بل يقول أُنسيتها أو أسقطتها، ويجوز أن يقول : هذه سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة النِّساء، وكذا الباقي، ولا كراهة في شيء من هذا، والأحاديث الصحيحة في هذا كثيرة جداً، وكان بعض السلف يكره هذا ويقولون إنما يُقال السورة التي فيها البقرة، وكذا ما أشبهها، والصواب أنه لا يُكره، ولا يُكره أن يُقال قراءة حمزة. وأبي عمرو وقرأه حمزة وغيرهما وكره ذلك بعض السلف والصواب الأول، وعليه عمل السلف والخلف. فصللا يُكره النفث مع القراءة للرقية وهو نفخ لطيف بلا ريق. وقال جماعة من السلف يُكره وهو مذهب أبي جحيفة الصحابي، والحسن البصري، والنخعي رضي اللّه عنهم. والمختار الأول فقد ثبت في الصحيحين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يفعل ذلك. ويُكره نقش الحيطان والثياب بكتب القرآن في قبلة المسجد، ولو كتب القرآن على حلواء أو طعام فلا بأس بأكلها، ولو كان على خشبة كره إحراقها، ولو كتبه في إناء ثم غسله وسقاه المريض. فقال الحسن ومجاهد وأبو قلابة والأوزاعي : لا بأس به وكرهه النخعي. أما الحروز المكتوبة من القرآن وغيره إذا جعلت في قصبة حديد أو جلد أو نحو ذلك فلا يحرم كتابتها وفي كراهتها خلاف. فصللا يمنع الكافر من سماع القرآن، ويمنع من مس المصحف. وهل يمنع من تعلم القرآن فيه وجهان : لا يجوز تعليمه القرآن إن كان لا يرجى إسلامه وإن رجى فوجهان : أصحهما جوازه. |