Geri

   

 

 

İleri

 

 ٧-١ الفصل الأول فى وجوب محبته واتباع سنته والاقتداء بهديه وسيرته ص

اعلم أن المحبة- كما قال صاحب (المدارج) - هى المنزلة التى يتنافس فيها المتنافسون، وإليها يشخص العاملون، وإلى علمها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروح العابدون، فهى قوت القلوب، وغذاء الأرواح وقرة العيون، وهى الحياة التى من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذى من فقده فهو فى بحار الظلمات، والشفاء الذى من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام. واللذة التى من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، وهى روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال التى متى خلت منها فهى كالجسد الذى لا روح فيه، تحمل أثقال السائرين إلى بلد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيه، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا أبدا بدونها واصليها، وتبوئهم من مقاعد الصدق إلى مقامات لم يكونوا لولا هى داخليها، وهى مطايا القوم التى سراهم فى ظهورها دائما إلى الحبيب، وطريقهم الأقوم الذى يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب، تاللّه لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب، وقد قدر اللّه يوم قدر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة أن المرء مع من أحب، فيا لها من نعمة

على المحبين سابغة، لقد سبق القوم السعاة وهم على ظهور الفرش نائمون، ولقد تقدموا الركب بمراحل وهم فى سيرهم واقفون.

من لى بمثل سيرك المذلل ... تمشى رويدا وتحبى فى الأول

أجابوا مؤذن الشوق إذ نادى بهم حى على الفلاح، فى الأول أنفسهم فى طلب الوصول إلى محبوبهم، وكان بذلهم بالرضا والسماح، وواصلوا إليه المسير بالإدلاج والغدو والرواح، ولقد حمدوا عند وصولهم مسراهم، وإنما يحمد القوم السرى عند الصباح.

وقد اختلفوا فى تعريف المحبة، وعباراتهم وإن كثرت فليست فى الحقيقة ترجع إلى اختلاف مقال، وإنما هى اختلاف أحوال، وأكثرها يرجع إلى ثمرتها دون حقيقتها. وقد قال بعض المحققين: حقيقة المحبة عند أهل المعرفة، من المعلومات التى لا تحد، وإنما يعرفها من قامت به وجدانا لا يمكن التعبير عنه. وهكذا كقول صاحب مدارج السالكين- تبعا لغيره-: والمحبة لا تحد بحد أوضح منها، فالحدود لا تزيدها إلا خفاء وجفاء فحدها وجودها، ولا توصف المحبة بوصف أظهر من المحبة.

وإنما يتكلم الناس فى أسبابها وموجباتها وعلاماتها وشواهدها وثمراتها وأحكامها، فحدودهم ورسومهم دارت على هذه الستة، وتنوعت بهم العبارات، وكثرت الإشارات بحسب الإدراك والمقام والحال. وقد وضعوا لمعناها حرفين مناسبين للمسمى غاية المناسبة: [الحاء] التى هى من أقصى الحلق، و (الباء) الشفهية التى هى نهايته، فللحاء الابتداء، وللباء الانتهاء، وهذا شأن المحبة وتعلقها بالمحبوب، فإن ابتداءها منه وانتهاءها إليه.

وقد أعطوا (الحب) حركة الضم التى هى أشد الحركات وأقواها مطابقة لشدة حركة مسماه وقوتها، وأعطوا (الحبّ) وهو المحبوب حركة الكسر لخفتها من الضمة، وخفة المحبوب وذكره على قلوبهم وألسنتهم. فتأمل هذا اللطف والمناسبة العجيبة بين الألفاظ والمعانى تطلعك على قدر هذه اللغة، وإن لها

شأنا ليس لسائر اللغات.

[حدود قيلت فى المحبة]

وهذا بعض رسوم وحدود قيلت فى المحبة بحسب آثارها وشواهدها، والكلام على ما يحتاج إلى الكلام عليه منها.

فمنها: موافقة الحبيب فى المشهد والمغيب.

وهذا موجبها ومقتضاها.

ومنها: محو المحب لصفاته وإثبات المحب لذاته، وهذا من أحكام الفناء فى المحبة، وهى أن تمحى صفات المحب وتفنى فى صفات محبوبه وذاته، وهذا يستدعى بيانا أتم من هذا لا يدركه إلا من أفناه وارد المحبة عنه وأخذه منه.

ومنها: استقلال الكثير من نفسك، واستكثار القليل من حبيبك،

وهو لأبى يزيد، وهو أيضا من أحكامها وموجباتها وشواهدها. والمحب الصادق لو بذل لمحبوبه جميع ما يقدر عليه لاستقله واستحيا منه، ولو ناله من محبوبه أيسر شىء لاستكثره واستعظمه.

ومنها: استكثار القليل من جنايتك، واستقلال الكثير من طاعتك.

وهو قريب من الأول لكنه مخصوص بما من المحب.

ومنها: معانقة الطاعة ومباينة المخالفة، وهو لسهل بن عبد اللّه، وهو أيضا حكم المحبة وموجبها.
ومنها: أن تهب كلك لمن أحببت،

فلا يبقى لك منك شىء. وهو لسيدنا أبى عبد اللّه القرشى، وهو أيضا من موجبات المحبة وأحكامها. والمراد أن تهب إرادتك وعزماتك وأفعالك ونفسك ومالك ووقتك لمن تحبه، وتجعلها حبسا فى مرضاته ومحابه، ولا تأخذ منها لنفسك إلا ما أعطاكه، فتأخذه منه له.

ومنها: أن تمحو من القلب ما سوى المحبوب،

وكمال المحبة يقتضى ذلك، فإنه ما دامت فى القلب بقية لغيره ومسكن لغيره فالمحبة مدخولة.

ومنها: أن تغار على المحبوب أن يحبه مثلك.

وهو للشبلى، ومراده:

احتقارك لنفسك واستصغارها أن يكون مثلك ممن يحبه. ومنها: غض طرف المحب عما سوى المحبوب غيرة، وعن المحبوب هيبة، وهذا يحتاج إلى إيضاح، أما الأول فظاهر، وأما الثانى: فإن غض طرف القلب عن المحبوب مع كمال محبته كالمستحيل، ولكن عند استيلاء سلطان المحبة يقع مثل هذا، وذلك من علامات المحبة المقارنة للّهيبة والتعظيم.

ومنها: ميلك إلى الشىء بكليتك ثم إيثارك له على نفسك

وروحك ومالك، ثم موافقتك له سرّا وجهرا ثم علمك بتقصيرك فى حبه. قال الجنيد:

سمعت الحارث المحاسبى يقول ذلك. ومنها: سكر لا يصحو صاحبه إلا بمشاهدة محبوبه، ثم السكر الذى يحصل عند المشاهدة لا يوصف، وأنشد بعضهم:

فأسكر القوم دور الكأس بينهم ... لكن سكرى نشا من رؤية الساقى

ومنها: سفر القلب فى طلب المحبوب، ولهج اللسان بذكره على الدوام،

أما سفر القلب فى طلبه فهو الشوق إلى لقائه، وأما لهج اللسان بذكره فلا ريب أن من أحب شيئا أكثر من ذكره.

ومنها: الميل إلى ما يوافق الإنسان،

كحب الصور الجميلة والأصوات الحسنة وغير ذلك من الملاذ التى لا يخلو كل طبع سليم عن الميل إليها لموافقتها له، أو لاستلذاذه بإدراكه بحاسته، أو يكون حبه لذلك لموافقته له من جهة إحسانه إليه وإنعامه عليه، فقد جبلت القلوب على حب من أحسن إليها، كما رواه أبو نعيم فى الحلية (١) وأبو الشيخ وغيرهما فإذا كان الإنسان يحب من منحه فى دنياه مرة أو مرتين معروفا فانيا منقطعا، أو استنقذه من هلكة أو مضرة لا تدوم، فما بالك بمن منحه منحا لا تبيد ولا تزول ووقاه من العذاب الأليم ما لا يفنى ولا يحول.

وإذا كان المرء يحب غيره على ما فيه من صور جميلة وسيرة حميدة، فكيف بهذا النبى الكريم والرسول العظيم الجامع لمحاسن الأخلاق والتكريم، المانح لنا جوامع المكارم والفضل العميم، فقد أخرجنا اللّه به من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، وخلصنا به من نار الجهل إلى جنات المعارف والإيقان، فهو السبب لبقاء مهجنا البقاء الأبدى فى النعيم السرمدى، فأى إحسان أجل قدرا وأعظم خطرا من إحسانه إلينا، فلا منة- وحياته- لأحد بعد اللّه كما له علينا، ولا فضل لبشر كفضله لدينا.

__________

(١) .......: والحديث أخرجه أبو نعيم فى (الحلية) (٤/ ١٢١) .

فكيف ننهض ببعض شكره، أو نقوم من واجب حقه بمعشار عشره، فقد منحنا اللّه به منح الدنيا والآخرة، وأسبغ علينا نعمه باطنة وظاهرة، فاستحق أن يكون حظه من محبتنا له أوفى وأزكى من محبتنا لأنفسنا وأولادنا وأموالنا وأهلينا والناس أجمعين، بل لو كان فى منبت كل شعرة منا محبة تامة له- صلوات اللّه وسلامه عليه- لكان ذلك بعض ما يستحقه علينا.

وقد روى أبو هريرة أنه- صلى اللّه عليه وسلم-

قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده) (١) رواه البخارى.

وقدم الوالد للأكثرية، لأن كل أحد له والد، من غير عكس، وفى رواية النسائى تقديم الولد على الوالد وذلك لمزيد الشفقة، وزاد فى رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس (والناس أجمعين) ، وفى صحيح ابن خزيمة: (من أهله وماله) بدل (من والده وولده) وذكر الوالد والولد أدخل فى المعنى لأنهما أعز على العاقل من الأهل والمال، بل ربما يكونان أعز من نفسه، ولذا لم يذكر (النفس) فى حديث أبى هريرة، وذكر الناس بعد الوالد والولد من عطف العام على الخاص.

قال الخطابى: والمراد بالمحبة هنا، حب الاختيار لا حب الطبع. و

قال النووى: فيه تلميح إلى قضية النفس الأمارة والمطمئنة، فإن من رجح جانب المطمئنة كان حبه للنبى- صلى اللّه عليه وسلم- راجحا، ومن رجح جانب الأمارة كان حكمه بالعكس.

وفى كلام القاضى عياض: أن ذلك شرط فى صحة الإيمان، لأنه حمل المحبة على معنى التعظيم والإجلال. وتعقبه صاحب المفهم: بأن ذلك ليس مرادا، لأن اعتقاد الأعظيمة ليس مستلزما للمحبة، إذ قد يجد الإنسان إعظام

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (١٤) فى الإيمان، باب: حب الرسول- صلى اللّه عليه وسلم- من الإيمان، من حديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه-،

وأخرجه البخارى (١٥) فيما سبق، ومسلم (٤٤) فى الإيمان، باب: وجوب محبة رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- أكثر من الأهل والولد، من حديث أنس- رضى اللّه عنه-.

شىء مع خلوه من محبته.

قال: فعلى هذا من لم يجد من نفسه ذلك الميل لم يكمل إيمانه، وإلى هذا يومئ قول عمر فى الحديث الذى رواه البخارى فى (الأيمان والنذور) من حديث عبد اللّه بن هشام أن عمر بن الخطاب قال للنبى- صلى اللّه عليه وسلم-: لأنت يا رسول اللّه أحب إلى من كل شىء إلا نفسى التى بين جنبى، فقال النبى- صلى اللّه عليه وسلم-: (لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه) فقال عمر: والذى أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلى من نفسى التى بين جنبى، فقال له النبى- صلى اللّه عليه وسلم-: (الآن يا عمر) )

. فهذه المحبة ليست باعتقاد الأعظيمة فقط. فإنها كانت حاصلة لعمر قبل ذلك قطعا.

وفى رواية فقال- صلى اللّه عليه وسلم-: (لا والذى نفسى بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك) قال بعض الزهاد: تقدير الكلام، لا تصدق فى حبى حتى تؤثر رضاى على هواك وإن كان فيه الهلاك.

وأما وقوف عمر فى أول أمره، واستثناؤه نفسه، فلأن حب الإنسان نفسه طبع، وحب غيره اختيار بتوسط الأسباب، وإنما أراد- صلى اللّه عليه وسلم- منه حب الاختيار، إذ لا سبيل إلى قلب الطباع وتغييرها عما جبلت عليه. وعلى هذا فجواب عمر أولا كان بحسب الطبع، ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- أحب إليه من نفسه لكونه السبب فى نجاتها من الهلكات فى الدنيا والآخرة، فأخبره بما اقتضاه الاختيار، فذلك حصل الجواب بقوله (الآن يا عمر) أى الآن عرفت فنطقت بما يجب.

وإذا كان هذا شأن نبينا محمد- صلى اللّه عليه وسلم- عبد اللّه ورسوله فى محبتنا له ووجوب تقديمها على محبة أنفسنا وأولادنا ووالدينا والناس أجمعين، فما الظن بمحبة اللّه تعالى ووجوب تقديمها على محبة ما سواه، ومحبة اللّه تعالى تختص عن محبة غيره فى قدرها وصفتها، وإفراده سبحانه وتعالى بها، فإن الواجب له من ذلك أن يكون أحب إلى العبد من ولده ووالده، بل من سمعه

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (٦٦٣٢) فى الأيمان والنذور، باب: كيف كانت يمين النبى- صلى اللّه عليه وسلم-.

وبصره ونفسه التى بين جنبيه، فيكون إلهه الحق، ومعبوده أحب إليه من ذلك كله. والشىء قد يحب من وجه دون وجه، وقد يحب لغيره وليس شىء يحب لذاته من كل وجه إلا اللّه وحده، ولا تصلح الألوهية إلا له تعالى.

والتأله هو المحبة والطاعة والخضوع.

ومن علامات الحب المذكور لرسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- أن يعرض الإنسان على نفسه أنه لو خير بين فقد غرض من أغراضه وفقد رؤية النبى- صلى اللّه عليه وسلم- أن لو كانت ممكنة، فإن كان فقدها أشد عليه من فقد شىء من أغراضه فقد اتصف بالأحبية المذكورة لرسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، ومن لا فلا.

قال القرطبى: كل من آمن بالنبى- صلى اللّه عليه وسلم- إيمانا صحيحا لا يخلو عن وجدان شىء من تلك المحبة الراجحة، غير أنهم متفاوتون، فمنهم من أخذ من تلك المرتبة بالحظ الأوفى، ومنهم من يأخذ بالحظ الأدنى، كمن كان مستغرقا فى الشهوات محجوبا فى الغفلات فى أكثر الأوقات، لكن الكثير منهم إذا ذكر النبى- صلى اللّه عليه وسلم- اشتاق إلى رؤيته بحيث يؤثرها على أهله وماله وولده ويبذل نفسه فى الأمور الخطيرة ويجد رجحان ذلك من نفسه وجدانا لا تردد فيه. وقد شوهد من هذا الجنس من يؤثر زيارة قبره ورؤية مواضع آثاره على جميع ما ذكر، لما وقر فى قلوبهم من محبته، غير أن ذلك سريع الزوال لتوالى الغفلات، انتهى.

فكل مسلم فى قلبه محبة اللّه ورسوله، لا يدخل فى الإسلام إلا بها، والناس متفاوتون فى محبته- صلى اللّه عليه وسلم- بحسب استحضار ما وصل إليهم من جهته- عليه الصلاة والسلام- من النفع الشامل لخير الدارين والغافلة عن ذلك. ولا شك أن حظ الصحابة- رضى اللّه عنهم- فى هذا المعين أتم، لأن هذا ثمرة المعرفة وهم بها أعلم.

وقد روى ابن إسحاق- كما حكاه فى الشفاء- أن امرأة من الأنصار قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد مع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-

فقالت: ما فعل رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم قالوا: خيرا، هو بحمد اللّه كما تحبين،

فقالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فلما رأته

قالت: كل مصيبة بعدك جلل تعنى: صغيرة.

ورواه البيهقى فى الدلائل، وذكره صاحب اللباب بلفظ: لما قيل يوم أحد قتل محمد- صلى اللّه عليه وسلم- وكثرت الصوارخ بالمدينة، خرجت امرأة من الأنصار، فاستقبلت بأخيها وابنها وزوجها وأبيها قتلى، لا تدرى بأيهم استقبلت، فكلما مرت بواحد منهم صريعا

قالت: من هذا؟ قالوا: أخوك وأبوك وزوجك وابنك

قالت: فما فعل النبى- صلى اللّه عليه وسلم-؟ فيقولون: أمامك، حتى ذهبت إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فأخذت بناحية ثوبه ثم جعلت تقول:

بأبى أنت وأمى يا رسول اللّه، لا أبالى إذا سلمت من عطب. وكذا رواه ابن أبى الدنيا بنحوه مختصرا.

وقال عمرو بن العاص ما كان أحد أحب إلى من رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-.

وقال على بن أبى طالب: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ.

ولما أخرج أهل مكة زيد بن الدثنة- بفتح الدال المهملة وكسر المثلاثة وتشديد النون- من الحرم ليقتلوه قال له أبو سفيان بن حرب: أنشدك باللّه يا زيد أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك تضرب عنقه وأنك فى أهلك؟ فقال زيد: واللّه ما أحب أن محمدا الآن فى مكانه الذى هو فيه تصيبه شوكة وأنى جالس فى أهلى. فقال أبو سفيان: ما رأيت أحدا من الناس يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا.

وروى- مما ذكره القاضى عياض- أن رجلا أتى النبى- صلى اللّه عليه وسلم-

فقال: يا رسول اللّه لأنت أحب إلى من أهلى ومالى، وإنى لأذكرك فما أصبر حتى أجىء فأنظر إليك، وإنى ذكرت موتى وموتك فعرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وأنى إن دخلتها لا أراك، فأنزل اللّه تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللّه وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّه عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (١) فدعا به فقرأها عليه.

__________

(١) سورة النساء: ٦٩.

قال: وفى حديث آخر: كان رجل عند النبى- صلى اللّه عليه وسلم- ينظر إليه لا يطرف،

فقال: (ما بالك؟)

فقال: بأبى أنت وأمى، أتمتع بالنظر إليك، فإذا كان يوم القيامة رفعك اللّه بتفضيله، فأنزل اللّه الآية.

وذكره البغوى فى تفسيره بلفظ: نزلت- أى الآية- فى ثوبان مولى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، وكان شديد الحب لرسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم قد تغير لونه يعرف الحزن فى وجهه، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-:

(ما غير لونك؟)

فقال: يا رسول اللّه، ما بى مرض ولا وجع غير أنى إن لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة، فأخاف أن لا أراك، لأنك ترفع مع النبيين، وأنى إن دخلت الجنة كنت فى منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدا، فنزلت هذه الآية وكذا ذكره الواحدى فى (أسباب النزول) ، وعزاه للكلبى عن ثوبان.

وقال قتادة: قال بعض أصحاب النبى- صلى اللّه عليه وسلم-: كيف يكون الحال فى الجنة وأنت فى الدرجات العلى ونحن أسفل منك فكيف نراك؟ فأنزل اللّه الآية. وذكره ابن ظفر فى (ينبوع الحياة) (١) بلفظ: إن عامر الشعبى

قال: إن رجلا من الأنصار أتى النبى- صلى اللّه عليه وسلم-

فقال: واللّه يا رسول اللّه لأنت أحب إلى من نفسى ومالى وولدى وأهلى، ولولا أن آتيك فأراك لرأيت أن أموت أو قال أن سوف أموت، وبكى الأنصارى، فقال له رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (ما أبكاك؟)

قال: بكيت أن ذكرت أنك ستموت ونموت، فترفع مع النبيين، ونكون نحن إن دخلنا الجنة دونك، فلم يحر النبى- صلى اللّه عليه وسلم- إليه، بمعنى أى: لم يرجع إليه بقول، فأنزل اللّه الآية.

قال: وذكر مقاتل بن سليمان مثل هذا،

و قال: هو عبد اللّه بن زيد بن عبد ربه الأنصارى الذى رأى الأذان. وذكر أيضا: أن عبد اللّه بن زيد هذا كان يعمل فى جنة له فأتاه ابنه فأخبره أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- قد توفى

فقال: اللّهم أذهب بصرى حتى لا أرى بعد حبيبى محمد أحدا، فكف بصره.

__________

(١) هو كتاب تفسير، لأبى عبد اللّه بن ظفر، محمد بن محمد الصقلى، المتوفى سنة ٥٦٨ هـ.

واعلم أنه لا يمكن أن يجتمع فى القلب حبان، فإن المحبة الصادقة تقتضى توحيد المحبوب، فليختر المرء لنفسه إحدى المحبتين فإنهما لا يجتمعان فى القلب، والإنسان عند محبوبه كائنا ما كان كما قيل:

أنت القتيل بأى من أحببته ... فاختر لنفسك فى الهوى من تصطفى

ولبعض الحكماء: كما أن الغمد لا يتسع لعضبين فكذلك القلب لا يتسع لحبين، ولذلك لازم إقبالك على من تهواه إعراضك عن كل شىء سواه فمن داهن فى المحبة أو داجى، فقد عرض لمدى الغيرة أوداجا، فمحبة الرسول- صلى اللّه عليه وسلم- بل تقديمه فى الحب على الأنفس والآباء والأبناء- لا يتم الإيمان إلا بها، إذ محبته من محبة اللّه.

وقد حكى عن أبى سعيد الخراز- مما ذكره القشيرى فى رسالته- أنه

قال: رأيت النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فى المنام، فقلت: يا رسول اللّه اعذرنى فإن محبة اللّه شغلتنى عن محبتك، فقال لى: (يا مبارك من أحب اللّه فقد أحبنى) .

وقيل إن ذلك وقع لامرأة من الأنصار معه- صلى اللّه عليه وسلم- يقظة، ولابن أبى المجد.

ألا يا محب المصطفى زد صبابة ... وضمخ لسان الذكر منك بطيبه

ولا تعبأن بالمبطلين فإنما ... علامة حب اللّه حب حبيبه

وكذلك كل حب فى اللّه وللّه، كما فى الصحيحين، عن أنس أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-

قال: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون اللّه ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا للّه وأن يكره أن يعود فى الكفر كما يكره أن يقذف فى النار) (١) ، فعلق ذوق الإيمان بالرضى باللّه ربّا، وعلق وجدان حلاوته بما هو موقوف عليه ولا يتم إلا به، وهو كونه سبحانه أحب الأشياء إلى العبد هو ورسوله، فمن رضى اللّه ربّا رضيه اللّه له عبدا.

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (١٦) فى الإيمان، باب: حلاوة الإيمان، ومسلم (٤٣) فى الإيمان، باب: بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، من حديث أنس- رضى اللّه عنه-.

ومعنى حلاوة الإيمان: استلذاذ الطاعات وتحمل المشقات فى الدين، ويؤثر ذلك على أغراض الدنيا، ومحبة العبد للّه تعالى تحصل بفعل طاعته وترك مخالفته، وكذلك الرسول،

قال النووى: وقال غيره: معناه أن من استكمل الإيمان علم أن حق اللّه ورسوله أكد عليه من حق والده وولده وجميع الناس، لأن الهدى من الضلال، والخلاص من النار، إنما كان على لسان رسوله.

وفى قوله- صلى اللّه عليه وسلم-: (حلاوة الإيمان) استعارة تخييلية، فإنه شبه رغبة المؤمن فى الإيمان بشىء حلو، وأثبت له لازم ذلك الشىء وأضافه إليه، وفيه تلميح إلى قصة المريض والصحيح، لأن المريض الصفراوى يجد طعم العسل مرّا، والصحيح يذوق حلاوته على ما هى، وكلما نقصت القوة شيئا ما، نقص ذوقه بقدر ذلك.

وقال العارف ابن أبى حمزة: واختلف فى الحلاوة المذكورة هل هى محسوسة أو معنوية، فحملها قوم على المعنى وهم الفقهاء، وحملها قوم على المحسوس وأبقوا اللفظ على ظاهره من غير أن يتأولوه وهم أهل الصفة، أو قال الصوفة.

قال: والصواب معهم فى ذلك واللّه أعلم، لأن ما ذهبوا إليه أبقوا لفظ الحديث على ظاهره من غير تأويل.

قال: ويشهد إلى ما ذهبوا إليه أحوال الصحابة والسلف الصالح وأهل المعاملات، فإنه حكى عنهم أنهم وجدوا الحلاوة محسوسة.

فمن ذلك: حديث بلال حين صنع به ما صنع فى الرمضاء إكراها على الكفر، وهو يقول أحد أحد، فمزج مرارة العذاب بحلاوة الإيمان. وكذلك أيضا عند موته، أهله يقولون: واكرباه، وهو يقول: واطرباه، غدا ألقى الأحبة محمدا وصحبه، فمزج مرارة الموت بحلاوة اللقاء وهى حلاوة الإيمان.

ومنها حديث الصحابى الذى سرق فرسه بليل وهو فى الصلاة، فرأى السارق حين أخذه فلم يقطع لذلك صلاته، فقيل له فى ذلك

فقال: ما كنت فيه ألذ من ذلك، وليس ذاك إلا لحلاوة الإيمان التى وجدها محسوسة فى وقته ذلك.

ومنها حديث الصحابيين اللذين جعلهما- صلى اللّه عليه وسلم- فى بعض مغازيه من قبل العدو، وقد أقبل فرآهما، فكبل الجاسوس القوس ورمى الصحابى فأصابه، فبقى على صلاته ولم يقطعها، ثم رماه ثانية فأصابه فلم يقطع لذلك صلاته، ثم رماه ثالثة فأصابه، فعند ذلك أيقظ صاحبه و

قال: لولا أنى خفت على المسلمين ما قطعت صلاتى (١) . وليس ذاك إلا لشدة ما وجد فيها من الحلاوة التى أذهبت عنه ما يجد من ألم السلاح.

قال: ومثل هذا حكى عن كثير من أهل المعاملات. انتهى.

وحديث هذين الصحابيين ذكره البخارى فى صحيحه فى باب (من لم ير الوضوء إلا من المخرجين) بلفظ: ويذكر عن جابر أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- كان فى غزوة (ذات الرقاع) فرمى رجل بسهم فنزفه الدم فركع وسجد ومضى فى صلاته. وقد وصله ابن إسحاق فى المغازى

فقال: حدثنى صدقة بن يسار عن عقيل عن جابر عن أبيه مطولا،

وأخرجه أحمد وأبو داود والدار قطنى وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، كلهم من طريق ابن إسحاق. قال فى فتح البارى، وشيخه (صدقة) ثقة، وعقيل- بفتح العين- لا أعرف راويا عنه غير صدقة. ولهذا لم يجزم به البخارى، أو لكونه اختصره، أو للخلاف فى ابن إسحاق.

وأخرجه البيهقى فى الدلائل من وجه آخر، وسمى

أحدهما: عباد بن بشر الأنصارى، وعمار بن ياسر من المهاجرين، والسورة الكهف.

وإنما قال: (مما سواهما) ولم يقل (ممن) ليعم من يعقل ومن لا يعقل وفى قوله: (وأن يكون اللّه ورسوله أحب إليه مما سواهما) دليل على أنه لا بأس بهذه التثنية، وأما قوله للذى خطب

فقال: (ومن يعصهما)

__________

(١) حسن: أخرجه البخارى تعليقا فى الوضوء، باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين، ووصله أبو داود (١٩٨) فى الطهارة، باب: الوضوء من الدم، وأحمد فى (المسند) (٣/ ٣٤٣ و ٣٥٩) من حديث جابر- رضى اللّه عنه-، .

(بئس الخطيب أنت) (١) فليس بمن هذا، لأن المراد فى الخطب الإيضاح، وأما هاهنا فالمراد الإيجاز فى اللفظ ليحفظ، ويدل عليه أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- قال فى موضع آخر: (ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه) (٢) .

وقيل: إنه من

قوله تعالى:

أَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (٣) فأعاد (أطيعوا) الصوم، فى مقصد عباداته- عليه الصلاة والسلام-.

ومن محاسن الأجوبة فى الجمع بين هذا الحديث وقصة الخطيب، أن تثنية الضمير هنا للإيماء إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين، لا كل واحدة منهما، فإنها وحدها لاغية إذا لم يرتبط بالآخرى، فمن يدعى حب اللّه مثلا ولا يحب رسوله لا ينفعه ذلك، ويشير إليه

قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّه (٤) فأوقع متابعته مكتنفة بين قطرى محبة العباد للّه، ومحبة اللّه للعباد.

وأما أمر الخطيب بالإفراد فلأن كل واحد من العصيانين مستقل باستلزام الغواية، إذ العطف فى تقدير التكوير، والأصل استقلال كل واحد من المعطوفين فى الحكم، ويشير إليه

قوله تعالى: أَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (٥) فأعاد (أطيعوا) فى الرسول ولم يعده فى أولى الأمر، لأنهم لا استقلال لهم فى الطاعة كاستقلال الرسول.

انتهى ملخصا من كلام البيضاوى والطيبى، كما فى فتح البارى.

__________

(١) صحيح: والحديث أخرجه مسلم (٨٧٠) فى الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة، من حديث عدى بن حاتم- رضى اللّه عنه-.

(٢) أخرجه أبو داود (١٠٩٧) فى الصلاة، باب: الرجل يخطب على قوس، و (٢١١٩) فى النكاح، باب: فى خطبة النكاح، من حديث ابن مسعود- رضى اللّه عنه-.

(٣) سورة النساء: ٥٩.

(٤) سورة آل عمران: ٣١.

(٥) سورة النساء: ٥٩.

 وفى الصحيح: (ذاق طعم الإيمان من رضى باللّه ربّا وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا) (١) . قال فى المدارج: فأخبر أن للإيمان طعما، وأن القلب يذوقه كما يذوق الفم طعم الطعام والشراب. وقد عبر النبى- صلى اللّه عليه وسلم- عن إدراك حقيقة الإيمان والإحسان وحصوله للقلب ومباشرته له بالذوق تارة وبالطعام والشراب أخرى، وبوجدان الحلاوة تارة، كما قال (ذاق) .

و قال: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان) (٢) ، ولما نهاهم عن الوصال قالوا:

إنك تواصل فقال: (إنى لست كهيئتكم، إنى أطعم وأسقى) (٣) وقد غلظ حجاب من ظن أن هذا طعام وشراب حسى للفم، وسيأتى تحقيق الكلام- إن شاء اللّه تعالى- فى الصوم، فى مقصد عباداته- عليه الصلاة والسلام-.

والمقصود أن ذوق حلاوة الإيمان أمر يجده القلب تكون نسبته إليه كذوق حلاوة الطعام إلى الفم، وذوق حلاوة الجماع إلى اللذة، كما قال- صلى اللّه عليه وسلم-:

(حتى تذوقى عسيلته ويذوق عسيلتك) (٤) .

وللإيمان طعم وحلاوة يتعلق بهما ذوق ووجد، ولا تزول الشبه والشكوك إلا إذا وصل العبد إلى هذه الحالة، فيباشر الإيمان قلبه حقيقة المباشرة، فيذوق طعمه ويجد حلاوته.

وقال العارف الكبير تاج الدين بن عطاء اللّه: يعنى فى هذا الحديث إشارة إلى أن القلوب السليمة من أمراض الغافلة والهوى تتنعم بملذوذات المعانى كما تتنعم النفوس بملذوذات الأطعمة، وإنما ذاق طعم الإيمان من رضى باللّه ربّا لأنه لما رضى باللّه ربّا استسلم له وانقاد لحكمه، وألقى قياده إليه،

__________

(١) صحيح: أخرجه مسلم (٣٤) فى الإيمان، باب: الدليل على أن من رضى باللّه ربّا وبالإسلام دينا وبمحمد- صلى اللّه عليه وسلم- رسولا فهو مؤمن، من حديث العباس بن عبد المطلب- رضى اللّه عنه-.

(٢) صحيح: وقد تقدم قريبا.

(٣) صحيح: أخرجه البخارى (١٩٢٢) فى الصوم، باب: بركة السحور من غير إيجاب، ومسلم (١١٠٢) في الصيام، باب: النهى عن الوصال فى الصوم، من حديث عبد اللّه ابن مسعود- رضى اللّه عنه-.

(٤) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (٢٦٣٩) فى الشهادات، باب: شهادة المختبى، ومسلم (١٤٣٣) فى النكاح، باب: لا تحل المطلقة ثلاثا لمطلقها حتى تنكح، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

فوجد لذاذة العيش وراحة التفويض، ولما رضى باللّه ربّا كان له الرضى من اللّه، وإذا كان له الرضى من اللّه أوجده اللّه حلاوة ذلك ليعلم ما منّ به عليه، وليعرف إحسانه عليه، ولما سبقت لهذا العبد العناية خرجت له العطايا من خزائن المنن، فلما واصلته أمداد اللّه وأنواره عوفى قلبه من الأمراض والأسقام، فكان سليم الإدراك فأدرك لذاذة الإيمان وحلاوته لصحة إدراكه وسلامة ذوقه. وقوله-صلى اللّه عليه وسلم-: (وبالإسلام دينا) لأنه إذا رضى بالإسلام دينا فقد رضى به المولى، ولازم من رضى بمحمد نبيّا أن يكون له وليّا، وأن يتأدب بادابه ويتخلق بأخلاقه زهدا فى الدنيا وخروجا عنها، وصفحا عن الجناة وعفوا عمن أساء إليه، إلى غير ذلك من تحقيق المتابعة قولا وفعلا، وأخذا وتركا، وحبّا وبغضا، فمن رضى باللّه استسلم له، ومن رضى بالإسلام عمل له، ومن رضى بمحمد- صلى اللّه عليه وسلم- تابعه، ولا يكون واحد منها إلا بكلها، إذ محال أن يرضى باللّه ربّا ولا يرضى بالإسلام دينا، أو يرضى بالإسلام دينا ولا يرضى بمحمد نبيّا، وتلازم ذلك بين لا خفاء فيه. انتهى ملخصا.