٧٧ المكتوب السابع والسبعون إلى حضرة المخدوم زاده الخواجه محمد سعيد فى أسرار حقيقة القرآن المجيد مع بيان دقائق العجز والمعرفة وحقيقة الصلاة والكلمة الطيبة. الحمد للّه الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا اللّه لقد جاءت رسل ربنا بالحق وبعد مرتبة النور الصرف التى وجدها الفقير حقيقة الكعبة الربانية وبينها مرتبة عالية جدا وهى حقيقة القرآن المجيد السبحانى والكعبة المعظمة إنما صارت قبلة الآفاق وتشرفت بدولة المسجودية للكل بحكم القرآن المجيد الإمام قرآن والمأموم الأول كعبة معظمة وهذه المرتبة المقدسة مبدأ لوسعة حضرة الذات اللاكيفية وأيضاً إن مبدأ امتياز تلك الحضرة اللاكيفى واللامثلى هو هذه الدرجة العليا والوسعة فى تلك الدرجة المقدسة ليست هى بحسب الطول والعرض فإن ذلك من سمات النقص والإمكان بل هى أمر من لم يتحقق به لا يدر به وكذلك الامتياز فى تلك المرتبة المقدسة ليس هو المزايلة والمباينة فإن ذلك مستلزم للتبعض والتجزى اللذين من لوازم الجسم والجسمانى تعالى اللّه سبحانه عن ذلك ولا يتصور فى ذلك الموطن فرض شئ غير شئ فإن الغيرية تنبئ عن الأثنينية بل لا مجال فيه للفرض لكونه من قبيل فرض المحال من لم يذق لم يدر ( شعر ) . وما أبديك من طيرى علامه * وأضحى مثل عنقاء وهامه وللعنقاء بين الناس اسم * ولم يك لاسم طيرى استدامه وكل شئ يفرض فى ذلك الموطن وإن كان فرض المحال ويتعمق النظر فى ذلك الشئ لا يظهر فيه أمر له اختصاص بذلك الشئ المحقق ولا يوجد فى شئ آخر مفروض ومع ذلك يكون الامتياز بن ذينك الشيئين المفروضين كائنا وبائنا وتكون أحكام كل منهما متميزة عن أحكام الآخر فسبحان من لم يجعل للخلق إليه سبيلا إلا بالمعجز عن معرفته والعجز عن المعرفة نصيب الأكابر الأولياء وعدم المعرفة غير العجز عن المعرفة مثلا الحكم بعدم الامتياز فى ذلك الموطن المقدس ووجدان كل كمال ذاتى عين الآخر كما قالوا إن العلم عين القدرة والقدرة عين الإرادة عدم المعرفة بامتياز ذلك الموطن والحكم بالامتياز فى ذلك الموطن والاعتراف بعدم وجدان كنه ذلك الامتياز عجز عن معرفة امتياز ذلك الموطن وعدم المعرفة جهل والعجز عن المعرفة علم بل العجز متضمن للعلمين علم الشئ والعلم بعدم وجدان كنه ذلك الشئ من غاية عظمة ذلك الشئ وكبريائه فلو أدرجنا فيه علما ثالثا أيضاً لساغ وهو علم الإنسان بعجزه وقصوره الذى هو مؤيد لمقام عبديته وعبوديته وفى عدم المعرفة التى هو الجهل ربما يكون ذلك الجهل مركبا إذا لم يعرف جهل نفسه أنه جهل بل زعم أنه علم وفى العجز عن المعرفة نجاة تامة من هذا المرض بل لا مجال فيه لهذا المرض لكونه معترفا بعجزة فلو كان عدم المعرفة والعجز عن المعرفة متساويين لكان الجهلاء كلهم عرفاء وكان جهلهم واسطة لكمالهم بل هناك كل من كان أجهل يكون أعرف فإن المعرفة هناك فى عدم وجدان المعروف وفى العجز عن المعرفة هذه المقدمة صادقة فإن كل من يكون أعجز عن المعرفة يكون أعرف بالمعارف والعجز عن المعرفة مدح يشبه الذم وعدم المعرفة ذم صرف ليست فيه رائحة المدح رب زدنى علما بكمال العجز عن معرفتك سبحانك فلو لاحظ الشيخ محيى الدين ابن العربى قدس سره هذا الغرق الذى اهتدى إليه هذا الفقير لما ذكر العجز عن المعرفة بالجهل أصلا ولما عده من عدم العلم قطعا حيث قال منا من علم ومنا من جهل فقال العجز عن درك الإدراك إدراك وبعد ذلك بين علوم الشق الأول وباهى بها واعتقدها من نفسه وقال خاتم الأنبياء يأخذ هذه العلوم من خاتم الولاية وعنى بخاتم الولاية المحمدية نفسه فصار من هذه الجهة مورد المطاعن الخلائق وشراح الفصوص صرفوا فى توجيهات هذا الكلام هممهم وعند الفقير يمكن أن يقال أن هذا الكلام فى الحقيقة أدون من ذلك العجز بل لا مناسبة لديه لكونه مربوطا بالظلال والعجز فى موطن الأصل سبحان اللّه إن قاتل هذا القول هو الصديق رضى اللّه عنه كما قالوا وهو رأس العرفاء ورئيس الصديقين فأى علم يسبق ذلك العجز وأى قادر يكون أسبق قدما من ذاك العاجز نعم إذا قال فى حق أستاذ الصديق يعنى النبى عليه وعلى آله الصلاة والسلام ما قال كيف لا يقول ذلك فى حق الصديق والعجب أن الشيخ بهذا القيل والقال وبهذا الشطح من المقال يظهر فى النظر من المقبولين ويشاهد فى عداد الأولياء المكرمين (ع) ولا عسر فى أمر مع الكرام * نعم ربما يحصل التأذى من الدعاء وربما يحصل السرور والابتهاج من الشتم والإيذاء والذين يردون الشيخ فى خطر والذين يقبلونه ويقبلون كلامه أيضاً فى خطر ينبغى أن يقبل الشيخ وينبغى أن لا يقبل كلماته المخالفة هذا هو الطريق الوسط فى قبول الشيخ وعدم قبوله الذى هو اختيار هذا الفقير واللّه سبحانه أعلم بحقيقة الحال ( ولنرجع ) إلى أصل الكلام فنقول إن هذه المرتبة المقدسة التى قلنا أنها حقيقة القرآن لا مجال فيها لإطلاق النور أيضاً وبقى النور فى الطريق كسائر الكمالات الذاتية لا يوجد هناك شئ أصلا غير الوسعة اللاكيفية والامتياز اللامثلى فلو كان المراد من قوله تعالى قد جاءكم من اللّه نور القرآن يمكن أن ذلك باعتبار الإنزال والتنزيل كما يومى إليه كلمة جاءكم وفوق هذه المرتبة المقدسة مرتبة عالية جداً وهى حقيقة الصلاة التى صورتها قائمة فى عالم الشهادة بالمصلين من أرباب النهاية ولعل فيما ورد فى قصة المعراج فى قوله صلى اللّه عليه وسلم حكاية قف يا محمد إن اللّه يصلى (*) إيماء إلى حقيقة الصلاة هذه نعم أن العبادة التى تكون لا يقة بمرتبة التنزه والتجرد لعلها تكون صادرة عن مراتب الوجوب وتظهر من أطوار القدم فالعبادة اللائقة بجناب قدسه تعالى هى الصادرة من مراتب الوجوب لا غير فهو العابد والمعبود وفى هذه المرتبة المقدسة كمال الوسعة اللاكيفية والامتياز اللامثلى فإن حقيقة الكعبة وحقيقة القرآن جزآها والصلاة هى جامعة لجميع كمالات مراتب العبادات وكائنة على نسبة أصل الأصل فإن المعبودية الصرفة متحققة فيها وحقيقة الصلاة التى هى جامعة لجميع العبادات عبادة فى هذه المرتبة للمرتبة المقدسة التى فوقها واستحقاق المعبودية الصرفة ثابت لها فإنها أصل الكل وملاذ الجميع وتقصر الوسعة أيضاً دون هذا الموطن ويبقى الامتياز فى الطريق وإن كان لا كيفيا ولا مثليا ومنتهى أقدام الكمل من الأنبياء وأكابر الأولياء عليهم الصلوات والتسليمات أولاً وآخراً إلى نهاية مقام حقيقة الصلاة التى هى نهاية عبادة العباد وفوق ذلك المقام مقام المعبودية الصرفة التى لا شركة فيها لأحد بوجه من الوجوه حتى يضع قدمه إلى فوق وكل مقام فيه شوب عبادة وعابد فيه مجال للقدم كالنظر وإذا وقعت المعاملة إلى المعبودية الصرفة يقصر القدم ويتم السير ولكن بحمد اللّه سبحانه لم يمنع من النظر فيها بل له فيها مجال بقدر الاستعداد (ع) (*) قوله قف يا محمد الخ أورده القسطلانى فى المواهب اللدنية فى قصة المعراج سند . لو لم يكن هذا لكان بلاء * يمكن أن يكون فى أمر قف يا محمد إشارة إلى قصور القدم هذا يعنى قف يا محمد ولا تضع قدمك فوق ذلك فإنه لا مجال للقدم فوق مرتبة الصلاة التى هى صادرة عن مرتبة الوجوب و مرتبة تجرد حضرة الذات وتنزهها تعالت وتقدست وحقيقة الكلمة الطيبة لا إله إلا اللّه تتحقق فى ذلك المقام ونفى عبادة الآلهة الغير المستحقة للعبادة يتصور فى ذلك الموطن وإثبات العبود الحقيقى الذى لا مستحق للعبادة غيره يحصل فى ذلك المقام وكمال الامتياز بين العابدية والمعبودية يظهر ههنا ويمتاز فيه العابد من المعبود كما ينبغى أن يمتاز ويعلم أن معنى لا إله إلا اللّه بالنسبة إلى حال المنتهيين لا معبود إلا اللّه كما تقرر فى الشرع أنه معنى هذه الكلمة وملاحظة لا مقصود ولا موجود بالنسبة إلى الابتداء والوسط ولا مقصود فوق لا موجود فإنه روزنة لا معبود إلا اللّه ( ينبغى ) أن يعلم أن الترقى فى النظر فى ذلك الموطن وحدة البصر فيه مربوطة بالصلاة التى هى شغل المنتهيين وسائر العبادات لعلها تمد فى تكميل الصلاة وتتلافى نقصها ولعله من هذا الوجه قالوا فى حق الصلاة إنها حسن لذاتها كالإيمان وسائر العبادات ليست حسنا لذواتها. |