Geri

   

 

 

İleri

 

٢٧

المكتوب السابع والعشرين

إلى الملا على الكشمى فى بيان أن اللائق بالعبد أن يخرج عن مراداته بالتمام وأن يكون على مراده سبحانه وتعالى مع بيان المرض الذاتى والعرضى.

ينبغى للعبد أن لا يكون له مراد ومطلوب غير مولاه عز وجل وغير مراده أصلا فلو لم يكن كذلك فهو مخرج رأسه عن ربقة العبودية وقدمه عن قيد الرقية والعبد إذا كان فى أسر مرادات نفسه ومنخدعا بهواه وهوسه فهو عبد نفسه وفى طاعة الشيطان اللعين وتلك الدولة المذكورة مربوط حصولها بحصول الولاية الخاصة المربوط حصولها بالفناء الأتم والبقاء الأكمل

( فإن قيل ) ربما تظهر المرادات والمقتضيات من الكمل أيضاً ويحص تمنيات حصول مطالب شتى من الكبراء الأول وكان إمام الأنبياء وسلطان الأولياء عليه وعليهم أتم الصلوات وأكمل التسليمات يحب الماء البارد والحلوى وحرصه على هداية الأمة مبين فى القرآن المجيد فما يكون وجه بقاء أمثال هذه المقتضيات فى هؤلاء الأكابر

( أجيب ) إن بعض المقتضيات منشاؤها الطبيعة فما دامت نشأة الطبيعة قائمة فتلك المقتضيات باقية فإن الطبيعة مائلة إلى البرودة وقت الحرارة من غير اختيار وراغبة إلى الحرارة وقت البرودة بالاضطرار ومثل هذا الاقتضاء لا ينافى العبودية ولا هو سبب التعلق بالهوى والهوس فإن ضروريات الطبيعة خارجة من دائرة التكليف وليست هى من هوى النفس الأمارة فإن ميلان النفس إما إلى فضول المباح أو إلى المشتبه والمحرم وما هو ضرورى لا مدخل فيه للنفس فظهر أن منشأ التعلق والتعوق هو الاشتغال بفضوليات الأفعال وإن كانت من قسم المباح فإن لفضول المباح نسبة قرب الجوار بالمحرم فلو رفع قدمه منه بإغواء العدو اللعين ليضع فى المحرم بلا اختيار فكان الاقتصار على المباح ضروريا فإن لو رفع القدم منه يوضع فى فضول المباح بخلاف ما إذا أقام فى فضول المباح أولاً فإنه لو وقع القدم خارجه ليقع فى المحرم كما مر آنفا ( وظهور ) بعض المرادات ربما يكون بسبب من خارج مع خلوص الشخص فى نفسه عن المرادات وهذا السبب الخارج إما واعظ الرحمن فيلقى الخيرات فإن للّه سبحانه واعظاً فى قلب كل مؤمن أو الشيطان فيلقى الشرور والعداوة يعدهم ويمينيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا وهذا الفقير كان يوما بعد صلاة الصبح قاعدا بطريق السكوت كما هو شيمة أهل هذه الطريقة العلية أيام إقامتى فى القلعة فهجم على الخاطر تمنيات لا طائل فيها وسلبت الحلاوة وبهجومها ومنعت من الجمعية ثم رجعت الجمعية بعد لمحة بعناية اللّه سبحانه إلى حالها فرأيت أن تلك التمنيات خرجت من الخاطر وارتفعت كقطع السحاب وخرجت من الباب مع ملقيها وخلت البيت عنها فعلم فى ذاك الوقت أن تلك المرادات إنما ظهرت من خارج لا من داخل حتى تنافى العبودية

( وبالجملة ) إن كل فساد منشاؤه النفس الأمارة فهو مرض ذاتى وسم قاتل ومناف لمقام العبودية وكل فساد حصل من خارج ولو كان بإلقاء الشيطان فهو من الأمراض العارضية الزائلة بأدنى العلاج قال اللّه تبارك وتعالى إن كيد الشيطان كان ضعيفا وبلاؤنا إنما هو أنفسنا وعدو أرواحنا مصاحبنا السوء والعدو الخارجى يستولى علينا بمدده إياه ويزيلنا عن منزلتنا بإعانته إليه وأشد الأشياء جهالة هو النفس الأمارة فإنها عدو نفسها ومريدة بالسوء إياها وهمتها إهلاك نفسها ومتمناها معصية ربها الذى هو مولاها وولى نعمها وإطاعة الشيطان الذى هو عدوها

( ينبغى ) أن يعلم أن التمييز بين المرض الذاتى والعرضى ومعرفة الفساد الداخلى والخارجى فى غاية التعذر وربما يظن الناقص نفسه كاملا بزعم أن مرضه عارضى لا ذاتى فيبقى فى الخسارة الأبدية ومن هذا الخوف لم أجترئ فى تحرير هذا السر ولم أستحسن إظهار هذا المعنى وكنت فى هذا الاشتباه مدة سبعة عشر سنة ووجدت الفساد الذاتى مختلطا بالفساد العارضى وفى هذا الوقت ميز الحق سبحانه الحق من الباطل وأبان الفساد الذاتى من الفساد العارضى للّه سبحانه الحمد والمنة على ذلك وعلى جميع نعمائه وأحد أسباب إظهار أمثال هذه الأسرار وحكمة من حكمه الإشفاق على قاصر النظر لئلا يظن الكامل ناقصا بوجود أمثال هذه التمنيات والمرادات الخارجية فيه فيحرم من بركاته وكان سبب حرمان الكفار من دولة تصديق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وجود أمثال هذه الصفات فيهم فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وما قيل أن الحق سبحانه يجعل العارف بعد زوال المرادات والمقتضيات عنه صاحب إرادة واختيار فتفصيله يذكر ويحرر بعناية اللّه تعالى فى محل آخر وهذا الوقت لا يساعد ذلك والسلام على من اتبع الهدى والتزم متابعة المصطفى عليه وعلى آله أتم الصلوات وأكمل التسليمات.