Geri

   

 

 

İleri

 

٩٩

المكتوب التاسع والتسعون

الى المير محمد نعمان في جواب أسئلته

الحمد للّه و سلام على عباده الذين اصطفى قد سألتم ان السالك يرى نفسه أحيانا في وقت العروج في مقامات اصحاب الانبياء عليهم الصلوات والتحيات الذين هم افضل منه بالاجماع بل ربما يجد نفسه في مقامات الانبياء عليهم الصلاة و السلام فما حقيقة هذه المعاملة وبعض الناس هنا يتوهمون مساواة ذلك السالك لارباب تلك المقامات ويتخيلون شركته في تلك المقامات مع ارباب تلك المقامات وﺑﻬذا التوهم والتخيل يردونه ويطعنون فيه ويطيلون في حقه لسان الملامة والشكاية ينبغي كشف الغطاء عن وجه هذا المعمى (جوابه) هو ان وصول الاسافل الى مقامات الاعالي يكون احيانا من قبيل وصول الفقراء والمحتاجين الى ابواب اصحاب الدول وامكنة ارباب النعم الخاصة ﺑﻬم ليطلبوا من هناك حاجة ويسألوا من دولهم ونعمهم مجاجة والقاصر في امره يزعم هذا الوصول مساواة وشركة لهم وكثيرا ما يكون هذا الوصول من قبيل النظارة والتتره في الاماكن الخاصة بالامراء والسلاطين بالوسائط والوسائل لينظر بنظر الاعتبار وليحصل له رغبة في علو الانظار واين اﻟﻤﺠال لتوهم المساواة في هذا الوصول وكيف يتصور تخيل الشركة من هذا التتره والنظارة ووصول الخادمين الى امكنة خاصة بالمخدومين لاداء حقوق الخدمة محسوس الوضيع والشريف والابله يتوهم من هذا الوصول المساواة والشركة وكل فراش وذاب ذباب وسياف قرناء السلاطين وحاضرون في اخص امكنتهم فمن توهم الشركة والمساواة من ههنا فقد كشف عن غاية خبطه (ع):

بلاء ذوي الآلام من كل جانب

و الناس يطلبون العلة لملامة غريب ويخترعون الحيلة لطعنه وتشنيعه رزقهم اللّه سبحانه و تعالى الانصاف وكان اللائق ﺑﻬم ان يطلبوا محملا لرفع الشرور ودفع الملامة عن الضعيف وان يجتهدوا في حفظ عرض الاسلامية وامرهم في الطعن لا يخلو عن أحد الحالين اما ان يعتقدوا ان صاحب هذا الحال معتقد للشركة والمساواة لارباب تلك المقامات او لا فان اعتقدوا ذلك فقد حكموا عليه بالكفر والزندقة واخرجوه من زمرة اهل الاسلام فان اعتقاد الشركة للانبياء والمساواة معهم عليهم الصلوات و التسليمات كفر وكذلك اعتقاد المساواة للشيخين عليهما الرضوان الذين ثبتت افضليتهما باجماع الصحابة والتابعين كما نقله جماعة من أكابر الائمة واحد منهم الامام الشافعي عليهم الرضوان بل الفضل لجميع الصحابة على باقي الامة فانه لا تكون فضلية من الفضائل اصلا عديلة لفضل صحبة خير البشر عليه الصلاة و السلام والفعل اليسير الذي صدر من الاصحاب الكرام عليهم الرضوان وقت ضعف الاسلام وقلة المسلمين لتأييد الدين المتين ونصرة سيد المرسلين عليه وعليهم الصلوات و التسليمات لو صرف غيرهم جميع عمرهم في الطاعات بالرياضات واﻟﻤﺠاهدات لا يبلغ ذلك مرتبة ذاك الفعل القليل من الاصحاب ولهذا قال عليه و على آله الصلاة و السلام لو انفق احدكم مثل احد ذهبا لا يبلغ مد شعيرهم ولا نصيفه وافضلية الصديق رضي اللّه تعالى عنه انما هي من جهة انه اسبق السابقين في الايمان وانفاق الاموال الكثيرة والخدمات اللائقة ولهذا نزل في شأنه قوله تعالى لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل الآية وصرف جماعة نظرهم الى كثرة فضائل غيره ومناقبه وتوقفوا في افضليته ولا يعلمون ان سبب الافضلية لو كان كثرة الفضائل والمناقب يكون كثير من آحاد الامة الذين فيهم هذه الفضائل أفضل من نبيهم الذي ليست فيه هذه الفضائل فما به التفاضل شئ آخر وراء هذه الفضائل والمناقب وهو في زعم هذا الفقير الاسبقية في تأييد الدين والاقدمية في انفاق الاموال وبذل الانفس لنصرة احكام دين رب العالمين وحيث كان النبي اسبق من الكل يكون افضل من الكل وكذلك كل من هو اسبق في هذا الامر فهو افضل من المسبوقين وكأن السابق استاذ اللاحقين ومعلمهم في امر الدين واللاحقون يقتبسون من انوار السابقين ويستفيدون من بركاﺗﻬم وصاحب هذه الدولة العظمى في هذه الامة بعد نبينا عليه و على آله الصلاة و السلام الصديق الاكبر رضي اللّه تعالى عنه فانه اسبق السابقين في انفاق الاموال الكثيرة والمقاتلة واﻟﻤﺠاهدة الشديدة وبذل العرض والجاه ورفع الفساد والاشتباه لتأييد الدين المتين ونصرة سيد المرسلين عليه وعليهم الصلاة و السلام فالافضلية على غيره مسلمة اليه وحيث طلب النبي عليه و على آله الصلاة و السلام عزة الاسلام وغلبته بامداد عمر وكفى اللّه سبحانه في نصرة حبيبه في عالم الاسباب به وقال يا ايها النبي حسبك اللّه ومن اتبعك من المؤمنين قال ابن عباس رضي اللّه عنهما سبب نزول هذه الآية اسلام عمر تتعين الافضلية بعد الصديق رضي اللّه عنه له ولهذا إنعقد اجماع الصحابة والتابعين على أفضلية هذين الشيخين المعظمين كما مر وقال علي كرم اللّه وجهه أيضًا ان ابا بكر وعمر أفضل هذه الائمة فمن فضلني عليهما فهو مفتر أضربه بالسياط كما يضرب المفترون وتحقيق هذا المبحث مندرج في كتبي ورسائلي بالتفصيل لا مجال للزيادة على ذلك في هذا المقام والابله من يجعل نفسه عديلا لاصحاب خير البشر عليه وعليهم الصلوات و التسليمات والجاهل بالاخبار والآثار من يتصور نفسه من السابقين ولكن ينبغي ان يعلم ان دولة تلك السبقة التي هي باعثة على الافضلية مخصوصة بأهل القرن الاول الذين تشرفوا بشرف صحبة خير البشر عليه و على آله الصلوات و التسليمات وهذا المعنى مفقود في قرن آخر بل يكون لاحقوا بعض القرون افضل من سابقي قرون اخر بل يجوز ان يكون اللاحق في قرن افضل من السابق في ذلك القرن بصر اللّه سبحانه الطاعنين بشناعة طعن مسلم وطرد مؤمن بمجرد التوهم والتخيل وبقباحة تكفير مسلم وتضليله بمحض التعنت والتعصب فما العلاج لو لم يكن المقول فيه قابلا للتكفير ومستحقا للتضليل يرجع ذاك الكفر والضلال بالضرورة الى ارباب ذاك القول ويتصل من المرمى بالكفر الى الرامي به كما ورد في الحديث النبوي عليه و على آله الصلاة و السلام[ ١]

( ١ ) اخرج الشيخان عن ابن عمر رضي اللّه عنهما مرفوعًا ايما رجل قال لاخيه يا كافر فقد باء ﺑﻬا احدهما منه عفي عنه.

ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ولنرجع الى اصل الكلام فنبين الشق الثاني ونقول لو لم يكن للطاعنين هذا الاعتقاد في حق صاحب هذا الحال ولا يوصلون معاملته الى حد الكفر فحالهم ايضا لا يخلو من احد الحالين اما ان يحملوا واقعته على الكذب والبهتان فهذا عين سوء الظن بالمسلم وهو محظور عنه شرعا

واما ان لا يحملوا على الكذب والبهتان وان لا يظنوه معتقدا للشركة والمساواة فحينئذ ما وجه الطعن والملامة وما سبب تشنيعه وتعييبه فان اللائق بالواقعة الصادقة ان يحمل على محامل صحيحة لا ان يشنع صاحبها ويقبح

(فان قيل) ما وجه اظهار مثل هذه الواقعة الموجبة للفتنة

(نقول) ان ظهور مثل هذه الاحوال من مشائخ الطريقة كثير الوقوع وذلك عادة مستمرة لهم وليس هذا اول قارورة كسرت في الاسلام ولا يكون بلا نيات حقانية وارادة صادقة والمقصود من هذه الكتابة احيانا اظهار احواله الموهوبة عند شيخه ليبين صحة حاله وسقمه وليطلعه على تعبيره وتأويله وأحيانا ترغيب الطلاب والتلامذة وتحريضهم وأحيانا لا يكون مقصود من الكتابة لا هذا ولا ذاك بل يورده في هذا القيل والقال مجرد السكر وغلبة الحال ليتنفس مما به قليلا وليخفف عن نفسه لمحة ومن كان مقصوده من اظهار امثال هذه الاحوال الشهرة وقبول الخلق فهو مدع بطال وهذه الاحوال استدراج عليه و وبال ومتضمنة لخذلانه وانواع الاهوال ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب وما ابرئ نفسي ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربي ان ربي لغفور رحيم (وسألتم) ايضا انه ما السبب في ان الانبياء عليهم الصلوات و التسليمات والاولياء عليهم الرضوان يبتلون في الدنيا باشد البلاء والمصائب والمحن كما قيل ان اشد الناس بلاء الانبياء ثم الأولياء ثم الامثل فالأمثل[ ١]

( ١ ) رواه عن سعد والطبراني عن اخت حذيفة وابو عوانة والحاكم بسند صحيح عن ابي سعيد الخدري بالفاظ مختلفة متقاربة منه عفي عنه.

وقال اللّه سبحانه و تعالى في كتابه اﻟﻤﺠيد وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويفهم من هذه الآية الكريمة ان كل من يكون اكتسابه للسيئات اكثر يكون موردا للمصيبة في الاكثر فينبغي ان يبتلى باشد البلاء والمصيبة غير الانبياء عليهم الصلوات و التسليمات وغير الأولياء عليهم الرضوان دون الانبياء والاولياء عليهم الصلاة و السلام وايضا ان هؤلاء الكبراء محبوبوا الحق سبحانه اصالة وتبعا ومن خواص مقربيه تعالى فكيف يصح احالة البليات والمحن الى المحبوبين وخواص المقربين وبأي وجه يجوز اذاهم وكيف يستقيم كون الاعداء في راحة ونعيم واقامة الأحباء في بليات وعذاب اليم

(اعلم) ارشدك اللّه وهداك سواء الصراط ان الدنيا ليست بموضوعة للتنعم والتلذذ وانما المعد للتنعم والتلذذ هي الآخرة وحيث كان بين الدنيا والآخرة نسبة الضدية والنقاضة ورضاء احداهما مستلزم لسخط الأخرى يكون التلذذ في احداهما مستلزما للتألم في الأخرى بالضرورة فمن يكون تلذذه وتنعمه في الدنيا اوفر يكون تألمه وتندمه في الآخرة اكثر وكذلك من كان ابتلاؤه بالبليات والمحن في الدنيا اكثر يكون احتظاظه وسروره في الآخرة بالتنعمات والتلذذات ازيد وافور وليت لبقاء الدنيا بالنسبة الى بقاء الآخرة حكم القطرة بالنسبة الى البحر المحيط نعم ماذا تكون نسبة المتناهي الى غير المتناهي فلا جرم كان اللائق بمقتضى الكرم ابتلاء الأحباب بمحنة ايام في هذه الدار ليحتظوا ويفرحوا بتنعمات ابدية وكان المناسب بموجب المكر والاستدراج احتظاظ الاعداء بتلذذات قليلة ليبتلوا بتألمات كثيرة

(فان قيل) ان الكافر الفقير الذي هو محروم في الدنيا والآخرة لم يكن تألمه في الدنيا مستلزما لتلذذه في الآخرة فما وجه ذلك

(نقول) ان الكافر عدو اللّه جل سلطانه ومستحق للعذاب الدائمي ورفع العذاب عنه في الدنيا وتركه على وضعه وحاله عين التلذذ والتنعم ونفس الاحسان في حقه ولهذا قيل لنفس الدنيا في حق الكافر اﻧﻬا جنة غاية ما في الباب ان بعض الكفار يرفع عنه العذاب في الدنيا ويعطى بعض التلذذات الأخرى ايضا وبعض آخر يرفع عنه العذاب ولا يعطي له شئ من تلذذات أخرى بل يكتفي في حقه بالتذاذ اعطاء الفرصة والمهلة ورفع العذاب لكل ذلك حكم ومصالح

(فان قيل) ان اللّه تعالى قادر على كل شئ و مقتدر لاكرام اوليائه بتلذذات دنياوية وتنعمات اخروية من غير ان يكون التلذذ في احداهما مستلزما للتألم في الأخرى في حقهم

(اجيب) بوجوه

(الاول) اﻧﻬم لو لم يذوقوا في الدنيا بليات ايام قليلة ومحن اويقات يسيرة لا يعرفون قدر تلذذات وتنعمات ابدية ولا يدركون قدر نعمة الصحة والعافية الدائمة كما ينبغي نعم من لم يجع بطنه لا يجد لذة الطعام ومن لم يكن مبتلى لا يعرف قدر الفراغة وكأن المقصود من تألمهم الموقت تحصيلهم لكمال التلذذ الدائمي وظهر الجمال في حق هؤلاء الاكابر بصورة الجلال لابتلاء العوام يضل به كثيرا و يهدي به كثيرا

الثاني) ان البليات والمحن وان كانت عند العوام من اسباب التألم ولكن كلما يصيب من الجميل المطلق فهو من أسباب التنعم والالتذاذ عند هؤلاء الاكابر وهم يجدون من التلذذ بالبلايا ما يجدون من التنعم بالنعماء بل احتظاظهم من البلايا اكثر لكوﻧﻬا خالص مراد المحبوب وليس هذا الخلوص في النعماء فان النفس ايضا مريدة لها وهاربة من البلايا فيكون البلاء عند هؤلاء الاكابر أفضل من النعمة و يكون التذاذهم من البلاء اكثر من التذاذهم من النعمة وحظهم في الدنيا من البليات والمصائب فلو لم يكن هذا الملح في الدنيا لما ساوت عندهم بشعيرة ولو لم تكن هذه الحلاوة فيها لكانت عبثا في نظرهم (شعر):

الا ان قصدي من هواك تألمي * و الا فاسباب النعيم كثيرة

فأولياؤه تعالى متلذذون في الدنيا ومحتظون ومسرورون في الآخرة ولذﺗﻬم هذه في الدنيا لا تنافي حظهم في الآخرة والتلذذ الذي ينافي حظ الآخرة هو غير ذلك مما هو حاصل للعوام الهي ما هذا الذي جعلت اولياءك بحيث ان ما هو سبب تألم الآخرين سبب لالتذاذهم وما هو زحمة على الآخرين رحمة لهؤلاء الاكابر ونقمة الآخرين نعمة لهم الناس مسرورون في السرور و مغمومون في الغم وهؤلاء الكبراء مسرورن في السرور وفرحون في الغم فان نظرهم مصروف عن خصوصيات الافعال الجميلة والرذيلة ومقصور على جمال فاعل تلك الافعال الذي هو جميل مطلق وكانت الافعال عندهم ايضا محبوبة بحب الفاعل ومورثة للالتذاذ كلما يصدر في العالم بمراد الفاعل الجميل جل سلطانه وان كان من ايلامهم واضرارهم فهو عين مرادهم المحبوب لهم وسبب التذاذهم الهي ما هذا الفضل والكرامة حيث اعطيت مثل هذه الدولة الخفية والنعمة الهنيئة لاوليائك مخفيا اياها من نظر الاغيار وأقمتهم بمرادك دائما محتظين ومتلذذين ورفعت عنهم الكراهة والتألم وجعلتها نصيب غيرهم وجعلت العار والفضيحة اللذين من عيوب الآخرين جمال هذه الطائفة العلية وكمالهم واودعت مرادهم في عين عدم حصول المراد وجعلت التذاذهم وسرورهم العاجلين سببا لزيادة حظوظهم الاخروية على عكس الآخرين ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذوالفضل العظيم

الثالث) ان هذه الدار دار ابتلاء والحق ممتزج فيها بالباطل والمحق مختلط بالمبطل فلو لم يعط الاولياء المحن والبلاء بل اعطيهما الاعداء لما يتميز الاولياء من الاعداء ولتبطل حكمة الاختبار والامتحان وذلك مناف للايمان بالغيب الذي السعادة الدنوية والاخروية مودعة في ضمنه قوله تعالى الذين يؤمنون بالغيب وقوله تعالى وليعلم اللّه من ينصره ورسله بالغيب شاهد لهذا المعنى فجعل اللّه سبحانه اولياءه مبتلين بصورة البلاء والمحن ورمى في عيون الاعداء التراب لتتم بذلك حكمة الابتلاء والامتحان وليكون اولياؤه متلذذين في عين البلاء وليكون الاعداء مطموسوا البصيرة خائبين وخاسرين غافلين عن هذا الابتلاء يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وكانت معاملة الانبياء مع الكفار ان تكون الغلبة احيانا في هذا الجانب واحيانا في ذاك الجانب كانت النصرة في البدر في جانب اهل الاسلام وكانت الغلبة في الاحد في جانب الكفار قال اللّه تبارك و تعالى ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الايام نداولها بين الناس وليعلم اللّه الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء واللّه لا يحب الظالمين*  وليمحص اللّه الذين آمنوا ويمحق الكافرين

الرابع) ان الحق سبحانه و تعالى وان كان قادرا على كل شئ ومقتدرا على اكرام اوليائه بالتنعم الدنيوي والاخروي ولكن هذا المعنى مناف لحكمته وعادته سبحانه و تعالى وهو تعالى يحب ان يجعل قدرته مستورة تحت حكمته وعادته وان يجعل العلل والاسباب نقاب جناب قدسه فبحكم النقاضة بين الدنيا والآخرة لا بد للاولياء من محن الدنيا وبليتها حتى تكون لهم تنعمات الآخرة هنيئة مريئة وقد مر في جواب اصل السؤال رمز الى هذا المعنى

(ولنرجع) الى أصل الكلام ونبين تتمة الجواب من أصل السؤال ونقول ان سبب الالم و البلاء و المصيبة وان كان كسب الذنوب والسيئات ولكن البليات مكفرة في الحقيقة للسيئات والمصيبات مزيلة لظلمات الذنوب والخطيات فالكرم في زيادة محن الاولياء وبلياﺗﻬم لتكون كفارة لسيئاﺗﻬم ومزيلة لظلمات ذنوﺑﻬم وزلاﺗﻬم ولا ينبغي أن تتصور سيئآت الأولياء وذنوﺑﻬم مثل سيئات الاعداء وذنوﺑﻬم ولعلكم سمعتم قولهم حسنات الابرار سيئات المقربين فلو صدر عنهم الذنب والعصيان لا يكون ذلك كذنب غيرهم وعصيانه بل يكون من قسم السهو والنسيان بعيدا من العزم والجد والطغيان قال اللّه تبارك و تعالى ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما فكثرة الآلام والمصائب والبليات تدل على كثرة كفارة السيئات لا على كثرة كسب السيئات فيعطى اكثر البلاء للاولياء ليكفر عنهم سيآﺗﻬم فيقدمون الى رﺑﻬم طاهرين مطهرين ويكونون محفوظين من محنة الآخرة ومصونين

(نقل) ان في حين احتضار النبي صلى اللّه عليه و سلم ظهر فيه قلق واضطراب فلما شاهدت فاطمة رضي اللّه عنها منه صلى اللّه عليه و سلم ذلك صارت من كمال شفقتها وتحننها لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ولقوله صلى اللّه عليه و سلم فاطمة بضعة مني مضطربة ومترعجة فلما شاهد النبي صلى اللّه عليه و سلم ذاك الاضطراب والانزعاج من فاطمة الزهراء في ذلك الوقت قال لتسليتها رضي اللّه عنها ان محنة ابيك هي هذه فقط لا مكروه بعد ذلك ما اعظم دولة لو ارتفع العذاب الاشد والا بقي بمحنة ايام قليلة وانما يعامل ﺑﻬذه المعاملة الاولياء دون غيرهم فان ذنوب غيرهم لا تكفر هنا كما ينبغي بل يؤخر مجازاﺗﻬم الى الآخرة فيكون الاولياء احقاء بكثرة الآلام والبليات الدنيوية وليس غيرهم مستحقين لهذه الدولة فان ذنوﺑﻬم كبيرة ومشغوليتهم بالالتجاء والتضرع والاستغفار والانكسار قليلة ونفوسهم على كسب المعاصي جسورة يكتسبون الذنوب بالجد والعزم ولا يخلون من التمرد والطغيان والرجم بل يكادون يستهزؤن ويسخرون بآيات اللّه عز وجل والجزاء على قدر الجريمة فان كانت الجريمة خفيفة وصاحبها ملتجئا ومتضرعا الى اللّه تعالى فهي قابلة للكفارة بالبلاء الدنوي اما اذا كانت غليظة وصاحب الجريمة متمرد ومتكبر فهي حرية بالجزاء الأخروي الذي هو اشد وأدوم وما ظلمهم اللّه ولكن كانوا انفسهم يظلمون وكتبتم ايضا ان الناس يستهزؤن ويسخرون ويقولون ان الحق سبحانه لم يبتلي اولياءه بالمحنة والبلاء ولم لا يجعلهم في التلذذ والتنعم دائما ويريدون نفي هذه الجماعة ﺑﻬذا القيل والقال نعم قد قال الكفار امثال هذه الكلمات في حقه صلى اللّه عليه و سلم قال تعالى وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الاسواق لولا انزل عليه ملك فيكون معه نذيرا او يلقى اليه كتر او تكون له جنة يأكل منها الآية ومدار امثال هذه الكلمات على انكار الآخرة وانكار العذاب والثواب الدائمين و على الاعتداد بالتلذذات الفانية العاجلة والذي يؤمن بالآخرة ويذعن بالثواب والعذاب الدائمين لا يورد محنة ايام قليلة على نظره اصلا بل يتصور هذه المحنة الموقتة التي هي سبب راحة مؤبدة عين الراحة لا ينبغي الاصغاء الى قيل الناس وقالهم والالم والبلاء والمحنة من شواهد المحبة فان زعمها مطموس البصيرة منافية للمحبة ماذا نصنع لا علاج غير الاعراض عن الجاهلين ومقالتهم فاصبر صبرا جميلا

(جواب) آخر عن اصل السؤال ان البلاء سوط المحبوب يمنع المحب من الالتفات الى ما سوى المحبوب ويجعله متوجها بكليته الى جناب قدسه فيكون المستحق للألم والبلاء الاولياء ليكون هذا البلاء مكفرا لسيئة التفاﺗﻬم الى ما سواه ولا يكون غيرهم لائقا ﺑﻬذه الدولة وكيف لا يجاء ﺑﻬم الى جناب المحبوب بلا اختيار فان كل من سبقت له العناية الازلية يجاء به الى جانب المحبوب بالجر والضرب ويجتبي للمحبوبية ومن لا فيترك على اختياره فان ادركته السعادة الأبدية يسلك طريق الانابة ويصل الى المقصد بامداد الفضل والعناية والا فاياه وحاله اللّهم لا تكلني الى نفسي طرفة عين فعلم من هذا ان البلاء في المرادين يكون اكثر منه في المريدين ولهذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الذي هو رئيس المرادين والمحبوبين ما أوذي نبي مثل ما أوذيت فظهر في البلاء معنى الدلالية حيث انه أوصل الحبيب الى الحبيب بحسن دلالته وجعله صافيا من الالتفات الى غير الحبيب والعجب ان الاولياء لو وجدوا الوفا لاشتروا ﺑﻬا البلاء وغيرهم يريدون دفع البلاء باعطاء الوف

(فان قيل) قد يفهم الاضطراب والكراهة في الاولياء ايضا وقت اصابة الالم والبلاء في بعض الاحيان فما وجه ذلك

(اجيب) ان ذلك الاضطراب صوري يصدر عنهم احيانا بمقتضى الطينة البشرية وفي ابقائه حكم ومصالح فان الجهاد مع النفس لا يتصور بدونه وقد سمعت ما ظهر من سيد الاولين والآخرين عليه و على آله الصلاة و السلام من الاضطراب والقلق في سكرات الموت وكان ذلك بقية الجهاد مع النفس ليكون خاتمة خاتم الرسل عليه وعليهم الصلاة و السلام على الجهاد مع اعداء اللّه تعالى وشدة اﻟﻤﺠاهدة تحسم مواد الصفات البشرية وتوصل النفس الى كمال الانقياد وحقيقة الاطمئنان وتجعلها صافية زاكية فصار البلاء دلال سوق المحبة ومن لا محبة له لا شغل له بالدلال ولا يحتاج الى الدلالية ولا يكون لها عنده قدر ولا قيمة ووجه آخر للألم والبلاء حصول الامتياز بين المحب الصادق وبين المدعي الكاذب فان من كان صادقا يكون ملتذا ومحتظا بالبلاء ومن كان مدعيا لا يكون نصيبه من البلاء غير التألم والكراهة ولا يهتدي الى هذا التمييز الا من كان فيه شائبة من الصدق حتى يميز بين حقيقة التألم وصورته ويفرق بين حقيقة الصفات البشرية وصورﺗﻬا الولي يعرف الولي رمز الى هذا البيان واللّه سبحانه الهادي الى سبيل الرشاد (وسألتم) أيضا ان العدم لا شئ محض كما قالوا فلا يكون له وجود فاذا لم يكن له وجود كيف تكون له آثار وترقيات مع الوجود الذي عرض له في الذهن فان كانت تكون ذهنية فكيف تخرج عن دائرة الخيال

(اعلم) ان العدم وان كان لاشيئا ولكن معاملة الاشياء كلها قائمة به ومنشأ تفصيل الاشياء وكثرﺗﻬا مرآتيته والصور العلمية للاسماء الالهية جل شأنه التي انعكست في مرآة العدم جعلته متميزًا واستلزمته ثبوتا علميا فبالضرورة اخرجته ايضا من اللاشيئية المحضة وصيرته منشئا للآثار والاحكام وهذه الآثار والاحكام ايضا كائنة في خارج موطن العلم وثابتة في مرتبة الحس والوهم وحيث حصل لها في تلك المرتبة باستحكام صنع اللّه جل شأنه ثبات واستقرار بحيث لا ترتفع بزوال الحس والوهم يمكن ان يقال ان هذه الآثار والاحكام خارجية وانتم كيف تتعجبون من ترقيات العدم فان جميع معاملة الكائنات مبتنية على العدم ينبغي ان يشاهد كمال قدرة اللّه جل شأنه حيث وسع دائرة المعاملة هذه كلها من العدم واظهر كمالات الوجود بنقائصه ووجه ترقيه في كمال الوضوح فان الصور العلمية للاسماء الالهية جل سلطانه متمكنة فيه وكائنة به ومن الصور الى الحقيقة والظلال الى الاصل طريق سلطاني ومن لم يحس ذلك فهو مطموس البصيرة ان هذه تذكرة فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا ولفظ الذهن والخيال لا يوقعنك في الاشتباه والاحتمال ولا يجعلن صدور الآثار والترقيات عسيرا في نظركم فانه ما من معاملة الا وهي في العلم والخيال ليست بخارجة منهما غاية ما في الباب ان بين خيال وخيال فرقا كثيرا فان الخلق في مرتبة الوهم والخيال غير اختراع الوهم والخيال فان الاول واقعي وكائن في نفس الامر ويمكن ان يقال انه موجود خارجي والثاني قليل النصيب من هذه الدولة وقليل الحظ من الثبات والاستقرار وقد كتبت بعض خصائص العدم في معرفة على حدة واخذ نقلها المير محب اللّه فان اردتم الاطلاع عليها ينبغي المراجعة اليها (وسألتم) ايضا عن الفناء والبقاء وقد كتب هذا الفقير معنى هاتين الكلمتين في مواضع كثيرة من كتبه ورسائله ومع ذلك لو بقي الخفاء فيه فعلاجه الحضور والمشافهة فان تمام الحقيقة لا يحصل بالكتابة فان حصل ربما يكون اظهاره بعيدا عن المصلحة فانه لا يدري ماذا يفهم منه الانسان وماذا يدرك الفناء والبقاء شهوديان لا وجوديان العبد لا يكون متلاشيًا ومتحدا بالحق تعالى.

العبد عبد ابدا * و الرب رب سرمدا

زنادقة من يزعمون الفناء و البقاء وجوديين ويظنون ان العبد يرفع عن نفسه تعينات وجوده ويتحد مع اصله الذي متره عن التعينات والقيودات ويصير مضمحلا ومتلاشيا وباقيا بربه كقطرة تكون فانية عن نفسه وتلحق بالبحر وترفع عن نفسه القيد وتتحد بالمطلق أعاذنا اللّه سبحانه من معتقداﺗﻬم السوء وحقيقة الفناء عبارة عن نسيان ما سواه تعالى وعدم التعلق بغيره وتطهير ساحة الصدر عن جميع مرادات النفس ومقتضياﺗﻬا الذي هو مناسب لمقام العبودية والمناسب لمقام البقاء هو قيام العبد بمرادات مولاه جل سلطانه وان يجد مراداته سبحانه عين مرادات نفسه وذلك بعد شهود الآيات الأنفسية (وسألتم) ايضا انه قد اثبتم سيرا فيما وراء الانفس والسير في المراتب العشرة لعالم الخلق وعالم الامر وسير الهيئة الواحدانية داخل في السير الانفسي فما يكون السير فيما وراء الانفس

(اعلم) ان الانفس كالآفاق ظلال الاسماء الالهية جل سلطانه فاذا نسي الظل بفضل اللّه جل سلطانه نفسه وتوجه الى اصله وحصل له تمام محبة الاصل فبحكم المرء مع من احب يجد نفسه عين اصله ويصرف لفظ انا الذي كان يطلقه على نفسه اليه وكذلك لهذا الاصل اصل ايضا فيتوجه من هذا الاصل الى ذاك الاصل بل يجد نفسه عين ذاك الاصل وهلم جرا الى ان يبلغ الكتاب اجله وهذا السير سير فيما وراء الانفس والآفاق ولكن ينبغي ان يعلم ان جماعة من القوم قالوا للسير الانفسي انه سير في اللّه وذاك السير الذي بيناه آنفا غير هذا السير الذي قاله بعض المشائخ فان هذا السير حصولي وذاك السير وصولي والفرق بين الحصول والوصول مذكور في مكاتيب متعددة بالتفصيل فليعلم من هناك (وسألتم) ايضا عن اقربية ذاته وصفاته وافعاله جل سلطانه بيانه ايضا متعلق بالحضور فانه لا مصلحة في كتابته ولئن كتبناه يكون مغلقا لا يعلم انفهامه بل لو فهم بالتقرير في الحضور فهو ايضا مغتنم (وسألتم) ايضا عن كمالات مرتبة النبوة قائلا بان الفناء والبقاء والتجلي ومبدأية التعين كلها في مراتب كمالات الولايات الثلاثة فبأي كيفية يكون السير في مراتب كمالات النبوة

(اعلم) ان مراتب العروج مادام بعضها متميزا عن بعض ويحصل السير من اصل الى اصل فكل كمالات حاصلة فيها داخلة في دائرة الولايات فاذا زال ذلك التميز وانعدم التفصيل ووقعت المعاملة في الاجمال والبساطة يقع الشروع في كمالات مرتبة النبوة وان كان في تلك المرتبة ايضا وسعة ان اللّه واسع عليهم ولكن تلك الوسعة وسعة أخرى فان كان فيها تميز فهو ايضا تميز آخر وما ذا اكتب زيادة على ذلك وماذا يفهم منه ربنا آتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من امرنا رشدا (وسألتم) ايضا عن بعض اسرار الصلاة فاخرنا جوابه الى وقت آخر فان الوقت الآن ضيق جدا وانما نكتب بعض المعارف بسرقة الوقت من يد الزمان واهله ارحموا الفقير ولا تجاسروا في الإستفسار ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين الحمد للّه رب العالمين اولا وآخرا و الصلاة والتحية على رسوله دائما وسرمدا و على آله الكرام وصحبه العظام الى يوم القيام.

(تم الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث اوله اما بعد فهذه كلمات الخ)