Geri

   

 

 

İleri

 

٤٢

المكتوب الثاني والاربعون

الى الخواجه جمال الدين الحسين ولد المرزا حسام الدين احمد في بيان حصر الصوفية السير في الآفاق والأنفس واثباﺗﻬم التخلية والتحلية في ذلك السير ومنعه هو قدس سره هذا المعنى وإثباته ﻧﻬاية النهاية فيما وراء الانفس والآفاق بعناية اللّه سبحانه

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

الحمد للّه رب العالمين والصلاة و السلام على سيد المرسلين و على آله الكرام واصحابه العظام الى يوم القيامة ايها الولد العزيز اسعدك اللّه تعالى اسمع بسمع العقل ان السالك اذا اشتغل بالذكر الالهي جل سلطانه بعد تصحيح النية وتخليصها وقدم الرياضات الشاقة واﻟﻤﺠاهدات الشديدة وحصل التزكية وبدل الاوصاف الرذيلة بالاوصاف الحسنة وتيسرت له التوبة والانابة وزال حب الدنيا عن قلبه وحصل له الصبر والتوكل والرضا وشاهد هذه المعاني الحاصلة له في عالم المثال بالتدريج والترتيب ورأى نفسه طاهرا ومصفي عن الكدورات البشرية والصفات الرذيلة لكان قد اتم السير الآفاقي ألبتة واختار طائفة في هذا المقام الاحتياط وقرروا الامر على تمثل كل لطيفة من اللطائف السبعة الانسانية في عالم المثال بصورة نور من الانوار المناسبة لها وجعلوا علامة صفاء كل لطيفة ظهور نور من تلك الانوار المثالية وابتدؤا هذا السير من لطيفة القلب و اوصلوه بالتدريج والترتيب الى اللطيفة الاخفى التي هي منتهى اللطائف وجعلوا علامة صفاء قلب السالك مثلا ظهور ذلك القلب في عالم المثال بصورة النور الاحمر وجعلوا علامة صفاء الروح ظهوره بصورة النور الاصفر و على هذا القياس فكان حاصل السير الآفاقي ان يشاهد السالك تبدل اوصافه وتغير اخلاقه في مرايا عالم المثال وان يحس زوال ظلماته وكدوراته في ذلك العالم حتى يحصل له اليقين بصفائه ويثبت العلم بتزكيته ولما كان السالك في هذا السير يشاهد احواله واطواره ساعة فساعة في عالم المثال الذي هو من جملة الآفاق ورأى فيه انتقاله من هيئة الى هيئة كأن سيره كان في الآفاق وان كان هذا السير في الحقيقة سيرا في نفس السالك وكانت الحركة حركة كيفية في اخلاقه واوصافه ولكن لما كان سطح نظره بعيدا في رؤيته كان ذلك آفاقا لا انفسا وصار السير ايضا منتسبا الى الآفاق وقالوا بتمام السير الى اللّه عند تمام هذا السير المنسوب الى الآفاق وجلعوا الفناء مربوطا ﺑﻬذا السير وعبروا عن هذا السير بالسلوك فاذا وقع السير بعد ذلك يسمونه سيرًا انفسيا ويقال له ايضا السير في اللّه ويثبتون البقاء باللّه في هذا الموطن ويرون في هذا المقام حصول الجذبة بعد السلوك ولما حصلت التزكية للطائف السالك في السير الاول وتخلصت عن الكدورات البشرية حصلت لها قابلية ظهور ظلال الاسم الجامع الذي هو رب السالك وعكوس ذلك الاسم في مرايا تلك اللطائف وتكون تلك اللطائف موارد تجليات جزئيات ذلك الاسم الجامع وظهوراﺗﻬا وانما يسمون هذا السير بالسير الانفسي لان الانفس صارت مرايا ظلال الاسماء وعكوسها لا ان سير السالك في الانفس كما مر في السير الآفاقي من انه قيل سيرا آفاقيا باعتبار المرآتية لا لكون السير في الآفاق وهذا السير في الحقيقة سير في ظلال الاسماء في مرايا الانفس ولهذا قيل لهذا السير سير المعشوق في العاشق (شعر):

ما صورة المرآة من حركاﺗﻬا * لكنها انطبعت ﺑﻬا لصفائها

يمكن ان يقال لهذا السير السير في اللّه باعتبار اﻧﻬم قالوا ان السالك يتخلق في هذا السير باخلاق اللّه وينتقل من خلق الى خلق فان للمظهر نصيبا من بعض اوصاف الظاهر و لو في الجملة فكأنه تحقق السير في اسماء اللّه تعالى هذا ﻧﻬاية تحقيق هذا المقام وتصحيح هذا الكلام ولا يدرى ماذا كان حال صاحب المقام واي شئ كان مراد المتكلم من الكلام كل شخص يقول شيئا على مقدار فهمه ووجدانه يريد المتكلم من كلامه معنى ويفهم السامع من ذلك الكلام معنى آخر وهم يقولون للسير الانفسي سيرا في اللّه من غير تكلف ويسمونه بقاء باللّه بلا تحاش ويزعمونه مقام الوصال والاتصال وهذه الاطلاقات تثقل على الفقير جدا فلا جرم يرتكب في توجيهها وتصحيحها التمحل والتكلف بعض ذلك التمحل مأخوذ من كلامهم وبعضه وارد من طريق الافاضة والالهام وفي السير الآفاقي كأنه حصلت التخلية من الرذائل وفي السير الانفسي التحلي بالاخلاق الحميدة فان التخلية مناسبة لمقام الفناء والتحلية مناسبة لمقام البقاء ولم يثبتوا لهذا السير الانفسي ﻧﻬاية وحكموا بعدم انقطاعه وان تيسر العمر الابدي وقالوا لا ﻧﻬاية لشمائل المحبوب واوصافه فلا يزال تتجلي صفة من صفاته في مرآة السالك المتخلق ويظهر كمال من كمالاته فأين يكون الانقطاع وكيف تجوز النهاية قالوا (شعر):

ولو سعت ذرة في عمرها طلبا * خيرا وشرا تجد في نفسها اكتمنا

وﺑﻬذا الفناء والبقاء الذين حصلا بالسير الآفاقي والانفسي يطلقون اسم الولاية ويرون ﻧﻬاية الكمال الى هنا فان وقع السير بعد ذلك فهو سير رجوعي عندهم الذي هو معبر بالسير عن اللّه باللّه وكذلك السير الرابع الذي قالوه سيرا في الاشياء باللّه يتعلق بالترول ايضا وقرروا هذين السيرين لاجل التكميل والارشاد كما ان ذينك السيرين لحصول نفس الولاية والكمال والاسترشاد (وقال جمع) ان سبعين الف حجاب الذي ورد في الخبر ان للّه سبعين الف حجاب من نور وظلمة يخرق في السير الآفاقي فانه يخرق في كل لطيفة من اللطائف السبع عشرة آلاف حجاب فاذا بلغ ذلك السير تمامه ارتفعت الحجب بتمامها وتحقق السالك بالسير في اللّه وبلغ مقام الوصل هذا حاصل سير ارباب الولاية وسلوكهم ونسخة كمالهم وتكميلهم الجامعة وما ظهر لهذا الفقير بمحض فضل الحق سبحانه وكرمه في هذا الباب وما سلك هو فيه يحرره إظهارًا للنعمة وشكرا على العطية فاعتبروا يا اولي الابصار

(اعلم) ارشدك اللّه وهداك سواء الصراط ان الحق سبحانه الذي هو متره عن الكيف والمثال والشبه وما يقع في الخيال كما انه وراء الآفاق كذلك هو سبحانه وراء الانفس ايضا فلا يكون لتسيمة السير الآفاقي بالسير باللّه والسير الانفسي بالسير في اللّه معنى بل كلا السيرين الآفاقي والانفسي داخلان في السير الى اللّه والسير في اللّه هو سير بعيد عن الآفاق والانفس بمراحل ووراء ورائهما والعجب اﻧﻬم قرروا السير في اللّه في السير الانفسي وقالوا بعدم ﻧﻬاية ذلك السير ولم يجوزوا انقطاعه في العمر الابدي كما مر وحيث كانت الانفس كالآفاق من جملة دائرة الامكان فعلى هذا التقدير لا يمكن قطع دائرة الامكان فلا جرم يكون الحرمان دائما والخسران سرمدا ولا يتحقق الفناء ابدا ولا يتصور البقاء حينئذ فكيف الوصل والاتصال وكيف القرب والكمال سبحان اللّه اذا اكتفى الكبراء من الشراب بالسراب وزعموا الى اللّه في اللّه وتصوروا الامكان وجوبا وعبروا عن المثلي والكيفي باللامثلي واللاكيفي كيف نشتكي من الصغار ووضيعي الفطرة اي بلاء وقع باي اعتبار قالوا للانفس حقا جل وعلا وظنوا سيرها غير متناه مع وجود حدها وﻧﻬايتها وظهور اسماء الواجب جل سلطانه وصفاته في مرآة السالك الذي قرروه في هذا السير الانفسي هو ظهور ظل من ظلال الاسماء والصفات لا ظهور عين الاسماء والصفات كما يحرر تحقيق هذا المعنى في آخر هذا المكتوب ان شاء اللّه تعالى ماذا افعل وكيف اجوز سوء الادب هذا مع جناب قدسه تعالى مع وجود العلم والتمييز وكيف اشرك غيره في ملكه سبحانه و تعالى وان اعتقدت ان حقوق هؤلاء الاكابر قدس اللّه اسرارهم ثابتة في ذمتي فاني مربي بانواع تربيتهم ولكن حقوق واجب الوجود جل سلطانه فوق جميع حقوقهم وتربيته سبحانه فوق تربية الآخرين ولقد نجوت بحسن تربيته تعالى من هذه الورطة ولم اشرك في ملكه تعالى غيره سبحانه الحمد للّه الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا اللّه وهو تعالى متره عن الكيف والشبه والمثال وكلما هو متسم بسمة الكيف والكم فهو مسلوب عن جنابه تعالى فلا يكون له سبحانه مجال في مرايا الآفاق ومجالي الانفس وكلما يظهر في هؤلاء يكون كالمظاهر كيفيا وكميًا فينبغي ان يتجاوز الآفاق والانفس وان يطلبه سبحانه في ما ورائهما وكذلك دائرة الامكان آفاقيا كانت او انفسيا كما انه لا مجال لذاته سبحانه فيها لا مجال ايضا لاسمائه وصفاته سبحانه فيها بل كلما هو ظاهر فيها فهو ظلال الاسماء والصفات تعالت وتقدست وشبحها ومثالها بل ظلية الاسماء والصفات ومثاليتها ايضا في خارج الآفاق والانفس ليس هنا غير التعبية وانتقاش القدرة لمن الظهور واين التجلي فان اسمائه وصفاته سبحانه كذاته تعالى مترهة عن الكيف والشبه والمثال فمالم تخرج الى ما وراء الآفاق والانفس لا تعلم معنى ظلية اسمائه وصفاته تعالى فكيف الوصول الى الاسماء والصفات تعالت وتقدست واعجب من هذه المعاملة فاني ان تكلمت من مكشوفاتي ومعلوماتي اليقنية لا تكون موافقة لمذاق المشائخ ومطابقة لمكشوفاﺗﻬم فمن يصدقها مني ومن يقبل وان لم اتكلم بل اسكت اكن مجوزا لالتباس الحق بالباطل ولاطلاق ما لا يجوز اطلاقه على الحق تعالى وتقدس فاظهر بالضرورة ما هو الحق واللائق بجناب قدسه تعالى واسلب ما ليس بمناسب لجناب قدسه تعالى ولا ابالي من خلاف الآخرين ولا اغتم به وانما يتحقق الخوف من مخالفة الآخرين اذا كان في معاملتي تذبذب وفي مكشوفي اشتباه فاذا انكشفت حقيقة الامر مثل فلق الصبح واتضحت معاملة الاصل كالقمر ليلة البدر وتجاوزت مراتب الظلال بالتمام وارتقيت من الشبه والمثال اين يكون الاشتباه ولمن يعرض التذبذب

(قال) حضرة شيخنا قدس سره علامة صحة الاحوال حصول اليقين على الكمال وايضا كيف يتصور الاشتباه والتذبذب فانه قد تيسر الاطلاع بعنايته تعالى التي لا غاية لها على تفصيل احوال هؤلاء الاكابر المقررة وانكشفت معارف التوحيد والاتحاد واسرار الاحاطة والسريان وحصلت حقيقة مكشوفهم ومشهودهم واتضحت دقائق علومهم ومعارفهم واخترت الاقامة مدة مديدة في هذا المقام وادركت قليلهم وكثيرهم الا ما شاء اللّه تعالى فظهر آخر الامر بفضل اللّه جل سلطانه ان هذه كلها شعبذات الظلال وشغف بالشبه والمثال والمطلوب فيما وراء وراء ذلك والمقصود ما سوى هذه فلا جرم صرت متوجها الى جناب قدس اللامثلي معرضا عن الكل وتبرأت عن كل ما هو متسم بسمة الكم والكيف اني وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا وما انا من المشركين فلو لم تكن المعاملة هكذا لما حركت شفتي على خلاف المشائخ ولما اظهرت مخالفتهم بالظن والتخمين وايضا ان هذا الخلاف لو لم يتعلق بذات الواجب وصفاته جل سلطانه و لم يكن الكلام من تقديسه وتتريهه تعالى لما وقع اظهار خلاف مكشوف هؤلاء الاكابر ألبتة ولم يحصل الكلام من مخالفة علومهم فاني اقل مقتطفي عناقيد رياض دولهم و ارذل ملتقطي كسرات خوان نعمهم واظهر مكررا اﻧﻬم هم الذين ربوني بانواع التربية ونفعوني بأضعاف الكرم والاحسان والترقية ولكن ماذا نفعل فان حقوق الحق سبحانه فوق حقوقهم فاذا وقع البحث في ذاته وصفاته تعالى وعلم ان اطلاق بعض الامور على جناب قدسه ليس بلائق فالسكوت في هذا الموطن خوفا من خلاف الآخرين بعيد عن الدين والديانة لا يطيقه مقام العبودية والاطاعة خلاف العلماء مع المشائخ رحمهم اللّه تعالى في الامور الخلافية كمسئلة التوحيد وغيرها من طريق النظر و الاستدلال وخلاف هذا الفقير معهم في هذه الامور من طريق الكشف والشهود والعلماء قائلون بقبح هذه الامور وهذا الفقير قائل بحسن هذه الامور بشرط العبور وخلاف الشيخ علاء الدولة في مسئلة وحدة الوجود يفهم على طور العلماء وينظر الى قبحها وان دخل فيها بطريق الكشف فان صاحب الكشف لا يقول بقبحها فان هذه المسئلة متضمنة لاحوال غريبة ومشتملة على معارف عجيبة غاية ما في الباب ان دوام الاقامة في هذا الموطن غير مستحسن والاكتفاء ﺑﻬذه الاحوال ليس بحسن

(فان قيل) فعلى هذا التقدير يكون المشائخ على الباطل و يكون الحق ما وراء مكشوفهم ومشهودهم

(اجيب) ان الباطل هو الذي لا يكون له محمل من الصدق وفيما نحن فيه منشأ هذه الاحوال والمعارف غلبة محبة الحق سبحانه واستيلاء حبه تعالى على ﻧﻬج لا يترك في نظر بصيرﺗﻬم اسمًا ولا رسمًا مما سواه تعالى ويجعل اسم الغير والغيرية ورسمها ممحوا ومتلاشيًا ففي هذا الوقت يعلمون الاغيار والسوى بواسطة السكر وغلبة الحال معدومة بالضرورة ولا يرون موجودا غير الحق تعالى فما الباطل هنا وأين البطلان بل في هذا الموطن استيلاء الحق وبطلان الباطل وهؤلاء الاكابر باعوا انفسهم وغيرهم في محبة الحق ج ّ ل وعلا ولم يتركوا من انفسهم وغيرهم اسما ولا رسما يكاد الباطل يفر من ظلهم وهنا كله حق ولاجل الحق ماذا ينال العلماء الذين نظرهم مقصور على الظاهر من حقيقتهم وماذا يفهمون غير المخالفة الصورية وماذا يأخذون من كمالاﺗﻬم والكلام في ان فيما وراء هذه الاحوال والمعارف كمالات أخر حكم هذه الاحوال والمعارف بالنسبة الى تلك الكمالات كحكم القطرة بالنسبة الى البحر المحيط (شعر):

متى قسنا السماء بالعرش ينحط * وما اعلاه ان قسنا بارض

(ولنرجع) الى أصل الكلام ونقول وما قالوا في خرق الحجب من انه ترتفع في السير الآفاقي الحجب الظلمانية والنورانية بتمامها كما مر فهذا الكلام عند هذا الفقير محل خدشة بل ثبت خلافه و شوهد ان خرق الحجب الظلمانية منوط بطي جميع مراتب الامكان وهو انما يتيسر بالسير الآفاقي والسير الانفسي وخرق الحجب النورانية مربوط بسير الاسماء والصفات الواجبية تعالت وتقدست حتى لا يبقى في نظره اسم ولا صفة ولا شأن ولا اعتبار فحينئذ يتيسر له خرق الحجب النورانية بتمامها ويتشرف بالوصل العريان وان كان هذا الوصل اقل حصولا وهذا الوصل أعز وجودا ففي السير الآفاقي لا يعلم انه أتخرق نصف الحجب الظلمانية ام لا فكيف يتصور هناك خرق الحجب النورانية غاية ما في الباب ان المراتب في الحجب الظلمانية متفاوتة فيكون ذلك التفاوت سببا للاشتباه فان الحجب النفسانية فوق الحجب القلبية في الظلمة مثلا وان ظهر قليل الظلمة نفسه بعنوان النورانية النسبية وخيل الظلماني نورانيا ولكن الظلماني ظلماني في الحقيقة والنوراني نوراني لا يخلط حديد البصر احدهما بالآخر ولا يحكم على الظلمة بالنور لوجدانه منشأ الاشتباه ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم والطريق الذي شرف هذا الفقير بتسليكه جامع للجذبة والسلوك وكل واحد من التخلية والتحلية مجتمع مع الآخر وكل واحد من التصفية والتزكية مقترن في ذلك الموطن بالآخر و السير الانفسي متضمن في ذلك المقام للسير الآفاقي ففي عين التصفية تزكية وفي عين التخلية تحلية ونفس الجذبة محصلة للسلوك والانفس شاملة للآفاق ولكن التقدم الذاتي للتخلية والجذبة وللتصفية سبقة ذاتية على التزكية وملحوظ النظر الانفس لا الآفاق فلا جرم كان هذا الطريق اقرب في الوصول بل اقول ان هذا الطريق موصل ألبتة واحتمال عدم الوصول مفقود فيه ينبغي ان يسأل الحق سبحانه الاستقامة وان يطلب منه تعالى الفرصة (و انما) قلت ان هذا الطريق موصل ألبتة فان اول قدم هذا الطريق الجذبة التي هي دهليز الوصول ومواقع التوقفات اما منازل السلوك او مواطن الجذبات التي لا تكون متضمنة للسلوك وكلا المانعين مرتفعان في هذا الطريق فان السلوك طفيلي يحصل في ضمن الجذبة فههنا ليس سلوك خالص ولا جذبة ابتر حتى يكون الطريق مسدودا وهذا الطريق طريق الانبياء عليهم الصلاة و السلام وهؤلاء الاكابر وصلوا الى منازل الوصول على تفاوت درجاﺗﻬم من هذا الطريق وقطعوا الآفاق والانفس بخطوة واحدة ووضعوا اقدامهم الآخر فيما وراء الآفاق والانفس ورقوا المعاملة فوق السلوك والجذبة فان ﻧﻬاية السلوك الى ﻧﻬاية السير الآفاقي وﻧﻬاية الجذبة الى ﻧﻬاية السير الانفسي فاذا بلغ السير الآفاقي والانفسي ﻧﻬايته فقد تمت معاملة السلوك والجذبة وبعد ذلك لا سلوك ولا جذبة وهذا المعنى ليس مما يجئ في حوصلة كل مجذوب سالك وسالك مجذوب فان عندهم لا مجال للقدم فيما وراء الآفاق والانفس فلو نالوا عمرا ابديًا بالفرض والتقدير لصرفوه في السير الانفسي ثم لا يظنونه تماما قال واحد من العظماء (شعر):

ولو سعت ذرة في عمرها طلبا * خيرا و شرا تنل في نفسها اكتمنا

كما مر وقال الآخر والتجلي من الذات لا يكون الا بصورة المتجلي له فالمتجلى له ما رأى غير صورته في مرآة الحق ولا يمكن ان يراه

(ينبغي) ان يعلم ان شيوخي وهداتي وادلائي الى اللّه تعالى الذين فتحت عيني في هذا الطريق بتوسلهم وحركت شفتي بمثل هذه المقالة بتوسطهم واخذت درس ألف باء في الطريقة منهم وحصلت ملكة المولوية من توجهاﺗﻬم الشريفة فان كان لي علم فهو بتطفلهم وان كانت معرفة فهي ايضا اثر التفاﺗﻬم وتعلمت طريق اندراج النهاية في البداية من هؤلاء الاكابر واخذت نسبة الانجذاب الى جهة القيومية ايضا منهم ورأيت بنظرهم الواحد ما لا يراه الناس في الاربعين ووجدت بكلامهم الواحد ما لا يجده الآخرون في السنين (شعر):

من نال نظرة شمس تبريز ليه * زأ باختلاء الاربعين وعشرة

ولقد اجاد من قال (شعر):

اعجب من النقشبنديين اﻧﻬم * يمشون بالركب مخفيين للحرم

ومن علو الفطرة وسمو الهمة قرروا ابتداء الطريقة من السير الانفسي وقطعوا السير الآفاقي في ضمنه والسفر في الوطن في عباراﺗﻬم كناية عن هذا السير والمسافة في طريق هؤلاء الاكابر قريبة واقرب الى الوصول ﻧﻬاية سير الآخرين بداية سيرهم ولهذا قالوا نحن ندرج النهاية في البداية وبالجملة ان طريق هؤلاء الاكابر فيما بين سائر طرق المشائخ قدس اللّه اسرار جميعهم عال جدا وحضورهم وشعورهم يمكن ان يقال اﻧﻬما فوق شعور أكثرهم ومن هنا قالوا ان نسبتنا فوق جميع النسب وارادوا بالنسبة الحضور والشعور ولكن لما لم يكن فيما وراء الآفاق والانفس ووراء السلوك والجذبة مجال لقدم ولاية الاولياء وممر لم يخبر هؤلاء الاكابر ايضا بالضرورة عن خارج الآفاق والانفس ولم يتكلموا فيما وراء السلوك والجذبة ويقولون بمقياس كمالات الولاية ان اهل اللّه كلما يرونه بعد الفناء والبقاء يرونه في انفسهم وكلما يعرفون يعرفونه في انفسهم والحيرة فيهم في وجود انفسهم وفي انفسكم افلا تبصرون للّه سبحانه الحمد والمنة ان هؤلاء الاكابر وان لم يخبروا عن خارج الانفس ولكنهم ليسوا بمبتلين ومفتونين بالانفس ايضا بل يريدون ان يجعلوا الانفس تحت كلمة لا كالآفاق وان ينفوها بعلة الغيرية قال الخواجه الاعظم قدس سره كلما يرى ويسمع ويعلم فهو غيره تعالى ينبغي نفيه بحقيقة كلمة لا (شعر):

ما غرهم نقش ذا من نقش ذا بل اتوا * في كل آن بنقش عز عن شبه

ينبغي ان يعلم ان نفي الغيرية غير انتفاء الغيرية شتان ما بينهما وانما قلت ان ليس للولاية مجال القدم في خارج الجذبة والسلوك والآفاق والانفس فان ما وراء هذه الاركان الاربعة للولاية مبادئ كمالات النبوة ومقدماﺗﻬا ويد الولاية قاصرة عن تلك الشجرة العالية الرفيعة وقد اهتدى الى هذه الدولة الاكثرون من اصحاب الانبياء عليهم الصلاة و السلام والاقلون من سائر الامم بتبعية الانبياء ووراثتهم عليهم الصلوات والتحيات وقطعوا ﺑﻬذا الطريق الجامع للجذبة والسلوك منازل البعد ووضعوا اقدامهم فيما وراء السلوك والجذبة وخرجوا من دائرة الظلال بالتمام وخلفوا الانفس كالآفاق وراءهم وفي هذا المقام التجلي الذاتي البرقي الذي هو كالبرق الخاطف لغيرهم دائمي لهم بل معاملة هؤلاء الاكابر فوق التجلي برقيا او غيره فان التجلي يستدعي نحوا من الظلية والنقطة من الظلية جبل عظيم لهؤلاء الكبراء وبداية امر هؤلاء العظماء الجذب والمحبة الالهية جل سلطانه فاذا زادت تلك المحبة بعناية اللّه جل سلطانه وعظم شأنه التي لا غاية لها واستولت ساعة فساعة وقويت وغلبت تشرع محبة ما سواه تعالى بالضرورة درجة فدرجة في الزوال ويرتفع التعلق بالاغيار بالتدريج فاذا زالت محبة ما سواه تعالى عن صاحب دولة باستيلاء محبته جل سلطانه بالكلية وصار محلها التعلق والمحبة بجناب قدسه تعالى ارتفعت عنه أوصافه الرذيلة وأخلاقه الرديئة بالتمام وصار محلى بالاخلاق الحميدة وتحقق بالمقامات العشرة وما كان له تعلق بالسير الآفاقي تيسر بلا مؤنة السلوك التفصيلي وبلا رياضات شاقة ومجاهدات شديدة فان المحبة تقتضى اطاعة المحبوب فاذا بلغت المحبة كمالها حصلت الاطاعة بتمامها وحيث حصلت الاطاعة على الوجه الاتم بمقياس القوة البشرية تيسرت المقامات العشرة وﺑﻬذا السير المحبوبي كما حصل السير الآفاقي تم به السير الانفسي ايضا فانه قال المخبر الصادق عليه و على آله الصلاة و السلام المرء مع من احب وحيث كان المحبوب وراء الآفاق والانفس ينبغي للمحب ايضا ان يتجاوز الآفاق والانفس بحكم المعية فيخلف السير الا نفسي ايضا وراءه بالضرورة ويحصل دولة المعية فهؤلاء الاكابر لا شغل لهم بالآفاق ولا بالانفس ببركة دولة المحبة بل الآفاق والانفس تابعة لأمرهم والسلوك والجذبة متطفلان بمعاملاﺗﻬم ورأس بضاعة هؤلاء الاكابر المحبة التي اطاعة المحبوب لازمة لها واطاعة المحبوب مربوطة باتيان الشريعة على صاحبها الصلاة و السلام والتحية التي هي الدين المرضي للّه تعالى فعلامة كمال المحبة كمال اتيان الشريعة واتيان الشريعة بكمالها منوط بالعلم والعمل والاخلاص والاخلاص الذي يتصور في جميع الاقوال والاعمال وجميع الحركات والسكنات هو نصيب المخلصين بفتح اللام والمخلصين المكسوري اللام ماذا يدركون من هذا المعمى لعلك سمعت والمخلصون على خطر عظيم (ولنرجع) الى اصل الكلام فنقول ان المقصود من السلوك والجذبة والتصفية تطهير النفس من الاخلاق الردية والاوصاف الرذيلة ورأس جميع تلك الذمائم التعلق بالنفس وتحصيل مراداﺗﻬا وهواها فحينئذ لا يكون بد من السير الانفسي ولا مندوحة من الانتقال من الصفات الذميمة الى الاخلاق الحميدة والسير الآفاقي خارج عن المقصود ولا تعلق به لغرض معتد به فان العلائق الآفاقية بواسطة العلائق الانفسية فان كلما يحبه الانسان انما يحبه لحب نفسه فاذا احب الاولاد والاموال انما يحب لاجل استمتاعه وانتفاعه فاذا زالت في السير الانفسي محبته لنفسه بواسطة استيلاء محبة الحق جل وعلا زالت في ضمنه محبته لاولاده وامواله ايضا فكان السير الانفسي ضروريا ويتيسر السير الآفاقي بالتطفل في ضمنه ولهذا كان سير الانبياء عليهم الصلوات والتحيات مقصورا على السير الانفسي وقطع السير الآفاقي في ضمنه طفيليا نعم السير الآفاقي ايضا حسن لو وجدت الفرصة لقطعه وتيسر اتمامه من غير تخلل التوقفات فلو لم توجد الفرصة لقطعه ووقع الابتلاء بالتوقفات يكاد يعد السير الآفاقي داخلا فيما لا يعني ويحسب من موانع حصول المطلوب والسير الانفسي كلما يقطع فهو مغتنم فانه انتقال من السيئة الى الحسنة يا لها من نعمة عظيمة لو اتم السالك ﺑﻬذا السير وتبختر في خارج دائرة الانفس ولاي شئ يلزم ان يشاهد شخص تلوينات الانفس في مرآة الآفاق وان يعاين تغيراته فيها كما يعلم صفاء قلبه مثلا في مرآة المثال ويرى ذلك الصفاء بصورة النور الاحمر فلم لا يستعمل وجدانه ولم لا يحيل صفاءه على فراسته ما حاجة من بلغ اثنتي عشرة سنة الى الطبيب مثل مشهور فانه يمكن ان يدرك تلوينات احواله بوجدانه الصحيح وان يعلم بتفرسه الصريح صحته وسقمه نعم ان السير الآفاقي فيه علوم ومعارف وتجليات وظهورات كثيرة ولكن كلها راجعة الى الظلال وتسل بالشبه والمثال فاذا كان السير الانفسي متعلقا بالظلال كما حققته في رسائلي و مكاتيبى يلزم ان يكون السير الآفاقي متعلقا بظل الظل فان الآفاق كالظل للانفس ومرآة لظهورها

(ينبغي) ان يعلم ان مثل من يشاهد احوال الانفس في مرآة الآفاق ويعلم الصفاء والتخلية منها كمثل من يرى نفسه في المنام او في الواقعة في عالم المثال سلطانًا او يشاهد فيه نفسه قطب الوقت فهو في الحقيقة ليس بسلطان ولا قطب الوقت فان السلطان والقطب من يكون مشرفا في الخارج بمنصب السلطنة او القطبية غاية ما في الباب انه يعلم من هذا المنام او الواقعة استعداد السلطنة وقابلية القطبية ينبغي بذل الروح حتى تخرج المعاملة من القوة الى الفعل وتنتقل من المراسلة الى المعانقة وفيما نحن فيه ايضا التزكية والتحلية منوطة بالسير الانفسي و ما رآه في السير الا فاقي فهو استعداد التزكية وقابلية التحلية فما لم ير نفسه مزكى ومطهرا في الخارج بالسير الانفسي ولم يدرك نفسه مصفى بوجدانه فليس له نصيب من الفناء في الحقيقة ولاحظ له من التحقق بالمقامات ولم يحصل من الاطوار السبعة غير القشر فكان السير الانفسي داخلا في السير الى اللّه بالضرورة وكانت تمامية السير الى اللّه التي هي مقام الفناء مربوطة بالسير الانفسي والسير في اللّه يتصور بعد السير الانفسي بمراحل (شعر):

كيف الوصول الى سعاد ودوﻧﻬا * قلل الجبال ودوﻧﻬن خيوف

(ايها السعيد) ان التعلق العلمي والحبي الذي كان منسوبا الى ذات السالك اذا زال في السير الانفسي يرتفع التعلق الذي كان بنفسه ويزول تعلقه بالاغيار ايضا في ضمن زوال تعلقه بنفسه فان علائقه بالاغيار انما هي بواسطة علاقته بنفسه كما تقدم تحقيقه فصح ان السير الآفاقي يقطع في ضمن السير الانفسي ونجى السالك ﺑﻬذا السير الواحد من علائق الاغيار ومن علائق نفسه ايضا فبمقياس ذلك التحقيق صح معنى السير الانفسي والسير الآفاقي من غير تكلف فان السير في الحقيقة في الانفس وفي الآفاق ايضا فان قطع تعلقات الانفس بالتدريج سير في الانفس وقطع التعلقات الآفاقية الذي هو يحصل في ضمن السير الانفسي سير في الآفاق بخلاف السير الآفاقي والسير الانفسي بطور الآخرين فانه يحتاج فيهما الى التكلف كما مر نعم ان كل محل فيه حقيقة فهو محرر عن التكلف واللّه سبحانه الموفق (اسمع اسمع) ان ظهور اسماء الواجب وصفاته جل سلطانه في مرآة السالك الذي اثبتوه في السير الانفسي وظنوه تحلية بعد تخلية ليس ذلك الظهور في الحقيقة ظهور الاسماء والصفات ولا هو تحلية بعد تخلية بل هو ظهور ظل من ظلال الاسماء والصفات ومحصل للتحلية ومسهل للتزكية والتصفية (بيانه) ان السبقة من ذلك الطرف لاﻧﻬا مناسبة للمبدئية فيحصل اولا ظهور ظل من ظلال المطلوب في مرآة الطالب حتى يزيل ظلماته وكدوراته وتحصل له التزكية والتصفية وبعد زوال الظلمات وحصول التزكية والتصفية الذي هو مربوط بتمامية السير الانفسي تتصور التخلية ويحصل الاستعداد للتحلية ويصير حقيقا ومستحقا لظهور اسماء الواجب وصفاته جل سلطانه ففي السير الانفسي تحصل التخلية الذي هو منوط بالتزكية والتصفية والتخلية التي كانت متوهمة في السير الآفاقي فهي صورة التخلية لا حقيقتها حتى يتصور في السير الانفسي حصول التحلية وظهور الاسماء و الصفات الواجبية كما قالوا (فلزم) من هذا البيان ان الاتصال بالظل مقدم على الانقطاع والانفصال فانه ما لم ينعكس ظل من ظلال المطلوب في مرآة السالك لا يتصور الانقطاع عن غير المطلوب

واما الاتصال بالاصل فهو بعد حصول الانقطاع والانفصال فمن قدم من المشائخ الاتصال ينبغي ان يراد به الاتصال بالظل ومن قدم الانفصال على الاتصال ينبغي ان يراد به الاتصال بالاصل حتى يكون نزاع الفريقين راجعا الى اللفظ والشيخ أبو سعيد الخراز قدس سره متوقف في هذا المقام يقول ما لم تتخلص لم تنل وما لم تنل لم تتخلص ولا ادري ايهما اقدم واسبق وقد علم ان نيل الظل مقدم على التخلص ونيل الاصل بعد التخلص فلا اشتباه كما ان وقت الصبح قبل طلوع الشمس ظهور ظلال اشعة الشمس حتى يخلي العالم عن الظلمات ويورثه الصفاء وبعد زوال الظلمات وحصول الصفاء طلوع نفس الشمس فظهور ظل الشمس من زوال الظلمات السابقة وطلوع نفس الشمس من زوال الظلمات اللاحقة والمناسب لطلوع السلاطين ان يكون بعد التخلية والتصفية وان لم تتصور التخلية والتصفية بدون مقدمة طلوعهم فظهر الحق وارتفع التراع وزال الاشتباه واللّه سبحانه الملهم للصواب.