٢٦٦ المكتوب السادس والستون والمائتان إلى المخدومين المكرمين أعنى ابنى شيخه الخواجه عبد اللّه والخواجه عبيد اللّه فى بيان بعض المسائل الكلامية على وفق آراء أهل السنة والجماعة وقد ظهرت له على طريق الكشف والإلهام لأعلى وجه الظنون والأوهام والمراد على الفلاسفة وأتباعهم المتلفسفة وعلى الزنادقة والملاحدة المتشبهين بالصوفية وبيان بعض المسائل المتعلقة بالصلاة ومدح الطريقة النقشبندية والمنع من سماع الغناء وحضور مجلس الرقص وما يناسب ذلك. بعد الحمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليعلم المخاديم الكرام أن هذا الفقير مستغرق من القدم إلى الرأس فى إحسان والدكم الماجد حيث تعلمت درس ألف باقى هذا الطريق منه وأخذت عنه سائر تهجى حروف هذا الطريق وحصلت ببركة صحبته دولة اندراج النهاية فى البداية وبصدق خدمته وجدت السفر فى المواطن وتوجهه الشريف بلغ هذا الفقير عديم القابلية إلى النسبة النقشبندية فى مدة شهرين ونصف ومنحه الحضور الخاص بهؤلاء الأكابر وكيف أشرح أم كيف أبين تفصيل ما حصل فى هذه المدة القليلة من التجليات والظهورات والأنوار والألوان واللألونية واللاكيفية بتطفله ولم يبق بتوجهه الشريف دقيقة من دقائق معارف التوحيد والتحاد والقرب والإحاطة والسريان غير منكشفة لهذا الفقير وغير مطلع هو عليها وما ذا يكون شهود الوحدة فى الكثرة ومشاهدة الكثرة فى الوحدة فإنهما من مقدمات هذه المعارف ومباديها وإجراء اسم هذه المعارف على اللسان فى جنب نسبة النقشبندية والحضور الخاص بهؤلاء الأكابر وبيان علامة هذا الشهود والمشاهدة كل ذلك من قصور النظر ومعاملة هؤلاء الأكابر عالية جدا لا نسبة لها بكل زراق ورقاص فإذا نلت مثل هذه الدولة العظمى من حضرة شيخنا لا يمكن لى أداء حق شئ منها ولو مسحت رأسى مدة عمرى على أقدام خدام عتبتكم العلية فماذا أعرض عليكم من تقصيراتى وماذا أظهر لكم من انفعالاتى ولكن جزى اللّه سبحانه عنا الخواجه حسام الدين أحمد خير الجزاء حيث كفانا المؤنة وشد نطاق الهمة فى خدمة خدام العتبة العلية وخلص أمثالنا القاصرين من ذلك ( شعر ). فلو أن لى فى كل منبت شعرة * لسانا سبث الشكر كنت مقصرا وقد تشرفت بتقبيل عتبة شيخنا ثلاث مرات وقال للفقير فى المرة الأخيرة أنه قد غلب الضعف على بدنى ورجاء الحياة قليل ينبغى لك الاستخبار عن أحوال الأطفال وأمر بإحضاركم لديه وكنتم وقتئذ فى حجور المرضعات وأمر الفقير بالتوجه إليكم فتوجهت إليكم فى حضوره امتثالا لأمره حتى ظهر أثر ذلك التوجه فى الظاهر ثم قال توجه إلى والداتهم أيضا بالتوجه الغائبى فتوجهت إليهن أيضا حسب الأمر المرجو أن يكون ذلك التوجه مثمرا للنتائج ببركة حضوره الشريف ولا تحسبن أنه قد وقع الذهول عن أمره الواجب الامتثال أو طرأ التغافل عن وصيته اللازمة الإجراء على كل حال كلا بل انتظر الإشارة والإذن وأردت الآن أن أكتب فقرات بطريق النصيحة ينبغى استماعها بسمع العقل ( أسعدكم اللّه ) سبحانه أن أول ما افترض على العقلاء تصحيح العقائد بموجب آراء أهل السنة والجماعة شكر اللّه تعالى سعيهم فإنهم هم الفرقة الناجية ولنبين بعض المسائل الاعتقادية التى فيها نوع خفار ( يجب أن يعلم ) أن اللّه تعالى موجود بذاته المقدسة والأشياء كلها موجودة بإيجاده تعالى وأنه تعالى واحد فى ذاته و صفاته وأفعاله لا شركة لأحد معه تعالى فى الحقيقة فى أمر من الأمور أصلا لا فى الوجود ولا فى غيره والمناسبة الإسمية والمشاركة اللفظية خارجة عن المبحث وصفاته وأفعاله تعالى منزهة عن المثل والكيف كذاته تعالى لا مناسبة بينها وبين صفات الممكنات وأفعالها فإن صفة العلم مثلا له تعالى صفة قديمة بسيطة حقيقية لم يتطرق إليها تعدد وتكثر أصلا ولو باعتبار تعدد التعلقات لأن هناك انكشاف واحد بسيط انكشفت به المعلومات الأزلية والأبدية وعلم به جميع الأشياء بأحوالها المتناسبة والمتضادة وكلياتها وجزئياتها مع الأوقات المخصوصة بكل واحد منها فى آن واحد بسيط على وجه يعلم زيدا مثلا فى ذلك الآن موجودا ومعدوما وجنينا وصبيا وشابا وشيخا وحيا وميتا وقائما وقاعدا ومستندا ومضطجعا وضاحكا وباكيا ومتلذذا ومتألما وعزيزا وذليلا وفى الرزخ وفى الحشر وفى الجنة وفى التلذذات فيكون تعدد التعلق أيضا مفقودا فى ذلك الموطن فإن تعدد التعلقات يستدعى تعدد الآنات وتكثر الأزمنة وليس ثمة إلا آن واحد بسيط من الأزل إلى الأبد لا تعدد فيه أصلا إذ لا يجرى عليه تعالى زمان ولا تقدم ولا تأخر فإذا أثبتنا لعلمه تعالى تعلقا بالمعلومات يكون ذلك تعلق واحد ويصير به متعلقا بجميع المعلومات وذلك التعلق أيضا مجهول الكيفية ومنزه عن المثال والكيف كصفة العلم ( ولندفع ) استبعاد هذا التصوير بضرب مثل ( وأقول ) أنه يجوز أن يعلم شخص الكلمة مع أقسامها المتباينة وأحوالها المتغايرة واعتباراتها المتضادة فى وقت واحد فيعلم الكلمة فى ذلك الوقت اسما وفعلا وحرفا وثلاثيا ورباعيا ومعربا ومبنيا ومتمكنا وغير متمكن ومنصرفا وغير منصرف ومعرفة ونكرة وماضيا ومستقبلا وأمرا ونهيا بل يجوز أن يقول ذلك الشخص أنى أرى هذه الأقسام والاعتبارات فى مراتب الكلمة فى وقت واحد بالتفصيل فإذا كان جمع الأضداد متصورا فى علم الممكن كيف يكون مستبعدا فى علم الواجب وللّه المثل الأعلى ( ينبغى ) أن يعلم أن هنا وإن كان جمع الضدين صورة ولكن الضدية مفقودة بينها فى الحقيقة فإنه تعالى وإن علم زيدا موجودا ومعدوما فى آن واحد ولكنه تعالى علم فى ذلك الآن أن وقت وجوده مثلا بعد ألف سنة من الهجرة ووقت عدمه السابق قبل تلك السنة المعينة ووقت عدمه اللاحق بعد ألف ومائة سنة فلا تضاد بينهما فى الحقيقة لتغاير الزمان وعلى هذا القياس سائر الأحوال فافهم ( فاتضح ) من هذا التحقيق أن علمه تعالى لا يتطرق إليه شائبة التغير بتعلقه بالجزئيات المتغيرة ولا تتوهم مظنة الحدوث فيه كما زعمت الفلاسفة فإن التغير إنما يتصور على تقدير تعلق علمه تعالى بواحد بعد الآخر وأما إذا تعلق علمه تعالى بالكل فى آن واحد فلا يتصور فيه التغير والحدوث فلا حاجة حينئذ إلى إثبات تعلقات متعددة له حتى يكون التغير والحدوث راجعا إلى تلك التعلقات لا إلى صفة العلم كما فعله بعض المتكلمين لدفع شبهة الفلاسفة نعم إذا أثبتنا تعدد التعلقات فى جانب المعلومات فله مساغ وكذلك كلامه تعالى واحد بسيط وهو تعالى متكلم بهذا الكلام الواحد من الأزل إلى الأبد فإن أمرا فناش من هناك وأن نهيا فناش أيضا من هناك وأن أعلاما فمأخوذ أيضا من هناك وأن استعلاما فمن هناك وإن تمنيا فمستفادا من هناك وأن ترجيا فمن هناك أيضا وجميع الكتب المنزلة والصحف المرسلة ورقة من ذلك الكلام البسيط فإن توراة فهى منتسخة منه وإن انجيلا فمن هناك آخذ صورة الألفاظ وأن زبورا فمن هناك مسطور وإن قرآنا فمنزل من هناك (شعر) . لكلام مولانا الإله واحد * حقا ولكن فى النزول تعددا وكذلك فعله تعالى واحد وجميع المصنوعات موجودة بهذا الفعل الواحد وقوله تعالى وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر إشارة إلى هذا المعنى والإحياء والإماتة مربوطان بهذا الفعل والإيلام والإنعام منوطان أيضا بهذا الفعل وكذلك الإيجاد والإعدام ناشئان من هذا الفعل فلا يثبت تعدد التعلقات فى فعله تعالى أيضا بل المخلوقات الماضية والآتية موجودة فى أوقاتها المخصوصة بوجودها بتعلق واحد وهذا التعلق أيضا مجهول الكيفية ومعدوم المثلية كنفس فعله تعالى فإنه لا سبيل إلى المنزه عن الكيف للمكيف بالكيفية لا يحمل عطاياه إلا مطاياه ولما لم يطلع الأشعرى على حقيقة فعل الحق جل سلطانه قال بحدوث التكوين وحدوث أفعاله تعالى ولم يدر أن هذه الحادثات آثار فعله تعالى الأزلى لا نفس أفعاله ومن هذا القبيل ما أثبته بعض الصوفية من تجلى الأفعال حيث لم ير فى ذلك الموطن فى مرآة أفعال الممكنات غير فعل الفاعل الحقيقى جل سلطانه وذلك التجلى فى الحقيقة تجلى آثار فعل الحق سبحانه لا تجلى فعله تعالى فإن فعله تعالى الذى هو منزه عن المثال والكيف وقديم وقائم بذاته تعالى ويقال له التكوين لا تسعه مرايا المحدثات ولا ظهور له فى مظاهر الممكنات ( شعر ). درتنكناى صورت معنى جكونه كنجد * در كلبهء كدايان سلطان جه كاردارد وتجلى الأفعال والصفات بدون تجلى الذات غير متصور عند الفقير فإنه لا انفكاك للأفعال والصفات عن حضرة الذات أصلا حتى يتصور تجليها بدون تجلى الذات وما هو منفك عن الذات تعالت وتقدست ظلال الأفعال والصفات فيكون تجلى ذلك المنفك تجلى ظلال الأفعال والصفات لا تجلى الأفعال والصفات ولكن لا يدرك فهم كل أحد هذا الكمال ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم ( ولنرجع ) إلى أصل الكلام ونقول أنه تعالى لا يحل فى شئ ولا يحل فى شئ ولكنه تعالى محيط بالأشياء وله سبحانه قرب منها ومعية بها وليست تلك الإحاطة والقرب والمعية التى تدركها بأفهامنا القاصرة فإنها لا تليق بجانب قدسه تعالى وكل شئ يدرك بالكشف والشهود فهو تعالى منزه عن ذلك أيضا فإنه لا نصيب للممكن من حقيقة ذاته وصفاته وأفعاله تعالى غير الجهل والحيرة ينبغى الإيمان بالغيب ونفى ما يكون منكشفا ومشهودا بكلمة لا ( شعر ). هيهات عنقاء أن يصطاده أحد * فدع عناك وكن من ذاك فى دعة وبيت مثنوى حضرة شيخنا مناسب لهذا المقام حيث قال ( شعر ). وذا إيوان الاستغناء عال * فإياكم وطمعا فى الوصال فنؤمن بأنه تعالى محيط بالأشياء وقريب منها وأنه معها ولكن لا نعرف معنى إحاطته وقربه ومعيته إنه ما هو والقول بالإحاطة والمعية العلميين من تأويلات المتشابه ونحن لسنا بقائلين بتأويله وأنه تعالى لا يتحد بشئ أصلا ولا يتحد به شئ أصلا وما يفهم من عبارات بعض الصوفية من معنى الاتحاد فهو خلاف مرادهم لأن مرادهم بهذا الكلام الموهم للاتحاد أعنى قولهم إذا تم الفقر فهو اللّه هو أن الفقر إذا تم وحصل الاضمحلال الصرف والطمس المحض لا يبقى إلا اللّه سبحانه وتعالى لا أن ذلك الفقير يتحد باللّه ويصير إلها فإنه كفر وزندقة تعالى اللّه سبحانه عما يتوهم الظالمون علوا كبيرا ( قال ) حضرة شيخنا قدس سره ليس معنى عبارة أنا الحق بأنى حق بل معناه أنا معدوم والموجود هو الحق سبحانه ولا سبيل للتغير والتبدل إلى ذاته وصفاته وأفعاله تعالى فسبحان من لا يتغير بذاته ولا بصفاته ولا بافعاله بحدوث الأكوان وما أثبته الصوفية الوجودية من التنزلات الخمسة فليس هى من قبيل التبدل والتغير فى مرتبة الوجوب فإن القول به وإثباته كفر وضلالة بل اعتبروا هذه التنزيلات فى مراتب ظهورات كماله تعالى من غير أن يتطرق إلى ذاته وصفاته وأفعاله تعالى تغير وتبدل ( وأنه ) تعالى غنى مطلق لا يحتاج إلى شئ أصلا لا فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى أفعاله فى أمر من الأمور فكما أنه تعالى غير محتاج فى الوجود كذلك هو غير محتاج فى الظهور وما يفهم من عبارات بعض الصوفية من أنه تعالى محتاج إلينا فى ظهور كمالاته الأسمائية والصفاتية هذا الكلام ثقيل على الفقير جدا واعتقادى أن المقصود من خلق الخلائق وإيجاد الموجودات حصول الكمالات لهم لا حصول كمال عائد إلى جناب قدسه تعالى وتقدس وقوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون أى ليعرفون مؤيد لهذا المعنى فالمقصود من خلق الجن والإنس حصول المعرفة لهم التى هى كمالهم لا أمر يكون عائدا إلى جناب قدس الحق سبحانه وما ورد فى الحديث القدسى من قوله صلى اللّه عليه وسلم فخلقت الخلق لا عرف فالمراد هنا أيضا معرفتهم لا أنه يكون الحق سبحانه معروفا ويحصل له الكمال بمعرفتهم إياه تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا ( وأنه ) تعالى منزه ومبرأ عن جميع صفات النقص وسمات الحدوث وليس بجسم ولا جسمانى ولا مكانى ولا زمانى وله تعالى جميع صفات الكمال ثمانية منها وجودها زائد على وجود الذات تعالت وتقدست وهى الحيات والعلم والقدرة والإرادة والبصر والسمع والكلام والتكوين وهذه الصفات الثمان موجودة فى الخارج لا إنها موجودة فى العلم بوجود زائد على وجود الذات وفى الخارج عينها كما ظنه بعض الصوفية وقال ( شعر ). وصفات حق فى التعقل غير ذا * ت الحق لكن فى التحقق عينها فإن هذا فى الحقيقة نفى الصفات فإن نفاة الصفات مثل المعتزلة والفلاسفة أيضا قائلون بالتغاير العلمى والاتحاد الخارجى ولم ينكروا التغاير العلمى ولم يقولوا أن مفهوم العلم عين مفهوم الذات أو عين مفهوم القدرة والإرادة بل قالوا بالعينية باعتبار الوجود الخارجى فما لم يعتبروا تغاير الوجود الخارجى لا يخرجون من زمرة نفاة الصفات والقول بالتغاير الاعتبارى أعنى بحسب المفهوم والتعقل لا يجديهم نفعا كما عرفت ( وأنه ) تعالى قديم أزلى ليس لغيره تعالى قدم ولا أزلية أجمع جميع المليين على هذا الحكم فم قال بقدم غير الحق سبحانه وأزليته فقد كفر ومن هذه الحيثية كفر الإمام الغزالى رحمه اللّه ابن سينا والفارابى وغيرهما فإنهم قائلون بقدم العقول والنفوس وقدم الهيولى والصورة وقال أيضا بقدم السموات بما فيها وقال حضرة شيخنا قدس سره أن الشيخ محيى الدين ابن عربى قائل بقدم أرواح الكمل فينبغى صرف هذا الكلام عن ظاهره وأن يجعله محمولا على التأويل لئلا يكون مخالفا لإجماع أهل الملل ( وأنه ) تعالى قادر مختار منزه عن شائبة الإيجاب ومبرأ عن مظنة الاضطرار والفلاسفة الحمقاء نفوا الاختيار من الواجب تعالى وأثبتوا الإيجاب له سبحانه زعما منهم أن الكمال فى الإيجاب وهؤلاء السفهاء قد جعلوا الواجب تعالى معطلاً ومهملاً ولم يقولوا بصدور غير مصنوع واحد عن خالق السموات والأرض وهو أيضا صادر عندهم بالإيجاب ونسبوا وجود المحدثات إلى العقل الفعال الذى لم يثبت وجوده فى غير توهمهم ولا شغل لهم ولا تعلق بالحق سبحانه وتعالى فى زعمهم الفاسد أصلا فيلزمهم بالضوروة أن يلتجؤا وقت الاضطرار إلى العقل الفعال وأن لا يرجعوا إلى الحق سبحانه وتعالى أصلا فإنه لا مدخل له تعالى فى وجود الحوادث على زعمهم بل القائم بإيجاد الحوادث هو العقل الفعال بل ينبغى أن لا يرجعوا إلى العقل الفعال وأيضا لأنه لا اختيار له أيضا فى دفع بلياتهم بزعمهم وهؤلاء الأشقياء أسبق قد ما فى الخبطو البلاهة من جميع الفرق الضالة فإن الكفار يلتجؤن إلى اللّه تعالى ويطلبون منه دفع البلية بخلاف هؤلاء السفهاء وفيهم شيأن زائدان على ما فرق الضالة أرباب البلاهة أحدهما كفرهم بالأحكام المنزلة وإنكارهم عليها ومعاندتهم ومعاداتهم للأخبار المرسلة وثانيهما ترتيب المقدمات الفاسدة وتلبيس الدلائل والشواهد الباطلة فى إثبات مقاصدهم ومطالبهم الواهية والخبط الذى صدر عنهم فى إثبات مقاصدهم لم يصدر من سفيه أصلا حيث جعلوا مدار الأمر على حركات السموات والكواكب وأوضاعها مع أنها متحيرات ومضطربات فى جميع الأوقات وغمضوا عيونهم عن خالق السموات وموجد الكواكب ومحركها ومدير أمورهم واستبعدوا إسناد الحوادث إليه تعالى بالذات وأبوا عنه ما أبعدهم عن العقل ما أخذ لهم وما أحرمهم من السعادة أشد متهم سفها وأكثر حماقة من يزعمهم أذكياء وأرباب فطانة ومن علومهم المنتظمة علم الهندسة وهو لا يغنى شيأ ولا طائل فيه أصلا فى أى شئ يلزم وماذا يفيد مساوات الزوايا الثلاث القائمة من الشكل المثلث وأى غرض مربوط بالشكل العروسى والشكل المأمونى اللذين هما بمثابة أرواحهم وعلم الطب وعلم النجوم وعلم تهذيب الأخلاق التى هى أشرف علومهم كل منها مسروق من كتب الأنبياء المتقدمين على نبينا وعليهم الصلاة والسلام روجوا بها أباطيلهم كما صرح به الإمام الغزالى فى المنقذ عن الضلال ولا ضرر أن غلط أهل الملة واتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فى الدلائل والبراهين لأن مدار أمرهم على متابعة الأنبياء عليهم السلام وإنما يوردون البراهين والدلائل فى إثبات مطالبهم العالية على سبيل التبرع وإلا يكفيهم تقليدهم أياهم وهؤلاء الأشقياء أخرجوا رقابهم عن ربقة التقليد وصاروا فى صدد الإثبات بالدلائل فضلوا وأضلوا ولما وصلت دعوة عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام إلى أفلاطون وكان هو أكبر هؤلاء الخذلة قال نحن قوم مهديون لا حاجة بنا إلى من يهدينا ما أسفهه وما أشقاه حيث أدرك شخصا يحيى الأموات ويبرئ الأكمه والأبرص كل ذلك خارج عن طور حكومتهم ومع ذلك أجابه بهذا الجواب من غير رؤيته وتفطن أحواله وملاحظة سيرته وذلك من كمال العناد والسفاهة ( شعر ). الفلسفة سفه أكثرها وكذا * مجوعها إذ لكل حكم أكثره نجانا اللّه سبحانه عن ظلمات معتقداتهم السوء وقد أتم ولدى محمد معصوم مبحث الجواهر من شرح المواقف فى هذه الأيام واتضح قبائح هؤلاء السفهاء فى أثناء درسه وترتيب على ذلك فوائد الحمد للّه الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا اللّه لقد جاءت رسل ربنا بالحق وعبارات الشيخ محيى الدين بن عربى قدس سره أيضا ناظرة إلى الإيجاب وله موافقة للفلاسفة فى معنى القدرة حيث لا يجوز صحة الترك للقادر المختار بل يعتقد لزوم جانب الفعل والعجب أن الشيخ يرى فى النظر يعنى نظر الكشف من المقبولين وأكثر علومه التى تخالف آراء أهل الحق تظهر خطأ غير صواب ولعله كان معذورا فى الخطاء الكشفى وارتفعت عنه الملامة عليه مثل الخطأ الاجتهادى وهذا اعتقاد خاص بالفقير فى حق الشيخ اعتقده من المقبولين أرى علومه المخالفة خطأ ومضرة وقوم من هذه الطائفة يطعنون فى الشيخ يخطئونه فى جميع علومه وجماعة أخرى من هذه الطائفة يختارون تقليد الشيخ ويعتقدون أنه مصيب فى جميع علومه ويثبتون حقيتها بالدلائل والشواهد ولا شك أن كلا هذين الفريقين اختاروا جانب التفريط والإفراط فى حقه وفارقوا توسط الأحوال وبعدوا عنه كيف يرد الشيخ الذى هو من الأولياء المقبولين بسبب الخطأ الكشفى وكيف تقبل علومه البعيدة عن الصواب المخالفة لآراء أهل الحق بمحض التقليد فالحق هو التوسط الذى وفقنى اللّه سبحانه له بمنه وكرمه نعم أن الجم الغفير من هذه الطائفة مشاركون للشيخ فى مسئلة وحدة الوجود وإن كان للشيخ فى هذه المسئلة طرز خاص أيضا ولكنهم يشاركونه فى أصل الكلام وهذه المسئلة وإن كانت أيضا مخالفة لمعتقدات أهل الحق ولكنها قابلة للتوجيه وصالحة للجمع بها وقد طبق هذا الفقير بعناية اللّه تعالى فى شرح رباعيات حضرة شيخنا هذه المسئلة على معتقدات أهل الحق وجمع بينهما وأعاد نزاع الفريقين إلى اللفظ وحل شكوك الطرفين وشبهاتهما على نهج لم يبق فيها محل ريب واشتباه أصلا كما لا يخفى على الناظر فيه ( ينبغى ) أن يعلم أن الممكنات بأسرها جواهرها وأعراضها وأجسامها وعقولها ونفوسها وأفلاكها وعناصرها مستندة إلى إيجاد القادر المختار الذى اخرجها من كتم العدم إلى عرصة الوجود وكما أنها محتاجة إليه تعالى فى الوجود كذلك هى محتاجة إليه سبحانه فى البقاء أيضا وإنما جعل اللّه سبحانه وجود الأسباب والوسائط نقابا لوجه فعله وجعل الحكمة قبابا لقدرته لا بل جعل الأسباب دلائل لثبوت فعله والحكمة وسيلة إلى وجود قدرته فإن أرباب الفطانة الذين بصائرهم مكتحلة بكحل متابعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يعلمون أن الأسباب والوسائل التى هى محتاجة فى الوجود إليه تعالى ولها ثبوت وقيام منه ومعه تعالى وتقدس فى الحقيقة جمادات محضة كيف تؤثر فى شئ آخر مثلها وتحدثه وتخترعه بل وراء تلك الأسباب قادر توجد ذلك الشئ ويعطيه الكمالات اللائقة به ألا ترى أن العقلاء إذا رأوا فعلا من جماد محض مثلا ينتقل منه ذهنهم إلى فاعله ومحركه لأنهم يعلمون بقينا أن هذا الفعل ليس فى حوصلة حاله بل وراءه فاعل موجد لهذا الفعل فلم يكن فعل الجماد عند العقلاء نقابا لوجه فعل الفاعل الحقيقى بل كان ذلك الفعل نظر إلى جمادية مصدره دليلا على وجود الفاعل الحقيقى فكذا هذا نعم أن فعل الجماد نقاب لوجه فعل الفاعل الحقيقى فى نظر الأبله حيث يزعم الجماد المحض من كمال غباوته بواسطة صدور ذلك الفعل عنه صاحب قدرة ويكفر بالفاعل الحقيقى يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا وهذه المعرفة مقتبسة من مشكاة النبوة لا يدركها فهم كل احد ولهذا ترى طائفة يعتقدون الكمال فى رفع الأسباب ودفعها وينسبون الأشياء إلى الحق سبحانه ابتداء من غير توسط الأسباب ولا يدرون أن رفع الأسباب رفع الحكمة التى فى ضمنها مصالح لا تحصى ربنا ما خلقت هذا باطلا كيف والأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يراعون الأسباب ومع تلك المراعاة كانوا يفوضون أمورهم إلى الحق سبحانه وتعالى كما قال يعقوب على نبينا وعليه الصلاة والسلام وصية لبنيه ملاحظا لأصابة العين يا بنى لا تدخلوا من بابا واحد وادخلوا من أبواب متفرقة الآية ومع وجود هذه المراعاة قال تفويضا أمره إلى اللّه تعالى وما أغنى عنكم من اللّه من شئ أن الحكم إلا للّه عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون واستصوب سبحانه هذه المعرفة منه واستحسنها ونسبها إلى نفسه حيث قال بعد ذلك وأنه لذو علم لما علمناه الآية وأشار الحق سبحانه فى القرآن المجيد فيما خاطب به نبينا صلى اللّه عليه وسلم إلى توسط الأسباب وقال يا أيها النبى حسبك اللّه ومن اتبعك من المؤمنين ( بقى ) الكلام فى تأثير الأسباب ويجوز أن يخلق اللّه سبحانه فى بعض الأوقات تأثيرا فى الأسباب فتكون مؤثرة ويجوز أن لا يخلق التأثير فيها فى بعض الأوقات فلا يترتب عليها أثر أصلا بالضرورة كما أنا نشاهد هذا المعنى فإن بعض الأسباب يترتب عليها وجود المسببات أحيانا وفى بعض الأوقات لا يظهر منها أثر ما أصلا فالإنكار على تأثير الأسباب مطلقا مكابرة ينبغى أن يقول بالتأثير وينبغى أن يعتقد أن وجود ذلك التأثير كوجود نفس السبب بإيجاد اللّه سبحانه هذا هو رأى الفقير فى هذه المسئلة واللّه سبحانه أعلم ( فلاح ) من هذا البيان أن التمسك بالأسباب ليس بمناف للتوكل كما ظن الناقصون بل فى التمسك بالأسباب كمال التوكل فإن يعقوب عليه السلام أطلق التوكل على مراعاة الأسباب مع تفويض الأمر إلى الحق جل وعلا حيث قال عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ( وأنه تعالى ) مريد الخير والشر وخالق كل منهما ولكنه راض بالخير وغير راض بالشر وبين الرضا والإرادة فرق دقيق هدى اللّه سبحانه أهل السنة إلى هذا الفرق وبقى سائر الفرق فى الضلالة لعدم اهتدائهم إلى هذا الفرق ومن ههنا قالت المعتزلة أن العبد خالق لأفعاله ونسبوا إيجاد الكفر والمعاصى إليه ويفهم من كلام الشيخ محيى الدين وابتاعه أن الإيمان مرضى الاسم الهادى وكذا الأعمال الصالحة والكفر مرضى الاسم المضل وكذا المعاصى وهذا الكلام أيضا مخالف لما عليه أهل الحق وفيه ميل إلى الإيجاب لكونه منشأ للرضا كما يقال الأشراق مرضى الشمس يعنى لازمها ( وقد أعطى ) الحق سبحانه عبادة قدرة وأرادة يكتسبون بهما الأفعال باختيارهم فخلق الأفعال منسوب إلى اللّه سبحانه وكسبها إلى العباد وعادة اللّه سبحانه جارية على أن العبد أذا قصد فعل شئ من أفعاله وتشبث بأسبابه يتعلق بذلك الفعل خلقه سبحانه وتعالى فإذا كان صدور الفعل من العبد بقصده واختياره يكون متعلق المدح والذم والثواب والعقاب بالضرورة وما قيل أن اختيار العبد ضعيف فإن كان المراد به أنه ضعيف بالنسبة إلى إرادة اللّه تعالى فمسلم وأن كان أنه غير كاف فى أداء الفعل المأمور به فغير صحيح فإن اللّه سبحانه لا يكلف العبد بما ليس فى وسعه بل يريد اليسر ولا يريد العسر غاية ما فى الباب أن حكمة الجزاء المخلد على الفعل الموقت مفوضة إلى تقدير الحق وعلمه تعالى وقد قال فى حق الجزاء المخلد على الكفر الموقت جزاء وفاقا وجعل التلذذات الدائمة مسببة من الأيمان الموقت ومترتبة عليه ذلك تقدير العزيز العليم ولكن نعرف بتوفيق اللّه سبحانه أن اختيار الكفر بالنسبة إلى الحق سبحانه وتعالى الذى هو مولى النعم الظاهرة والباطنة وموجد السموات والأرض وما من عظمة وكمال ألا هو ثابت له تعالى يقتضى أن يكون جزاء ذلك الكفر من أشد العقوبات وهو الخلود فى عذاب النار وكذلك الإيمان بالغيب بمثل هذا المنعم العظيم الشأن وتصديقه مع وجود مزاحمة النفس والشيطان وممانعة سائر الأكوان يستدعى أن يكون جزاؤه من أفضل الجزاء وهو الخلود فى التنعمات والتلذذات فى الجنان قال بعض المشائخ أن دخول الجنة مربوط فى الحقيقة بفضل الحق سبحانه وإنما جعل منوطا بالإيمان بناء على أن كلما يكون جزاء الأعمال يكون ألذ وعند الفقير أن دخلو الجنة فى الحقيقة مربوط بالإيمان ولكن الإيمان فضل من المنان وعطية من ذى الجود والإحسان ودخول النار مربوط بالكفر والكفر ناش من هوى النفس والطغيان ما أصابك من حسنة فمن اللّه وما أصابك من سيئة فمن نفسك ( ينبغى ) أن يعلم أن جعل دخول الجنة مربوطا بالإيمان فى الحقيقة تعظيم الإيمان بل تعظيم المؤمن به حيث ترتب عليه مثل هذا الأجر العظيم القدر وكذلك جعل دخول النار مربوطا بالكفر تحقير للكفر وتنقيص لمن وقع هذا الكفر بالنسبة إليه ( فترتب ) مثل هذه العقوبة الدائمة عليه بخلاف ما قال به بعض المشائخ فإنه خال عن هذه الدقيقة وأيضا أن هذا الوجه لا يتمشى فى دخلو النار الذى هو عديله فإن دخول النار فى الحقيقة مربوط بالكفر واللّه سبحانه الملهم للصواب هذا ( ويرى ) المؤمنون الحق سبحانه فى الآخرة فى الجنة من غير جهة ولا كيف ولا شبه ولا مثال وأنكر على ذلك جميع الفرق مليهم وغير مليهم خلا أهل السنة فإنهم لا يجوزون الرؤية بلا جهة ولا كيف حتى أن نسخ الشيخ محى الدين ابن عربى تنزل الرؤية الأخروية إلى التجلى الصورى ولا يجوز غير التجلى نقل حضرة شيخنا يوما عن الشيخ أنه قال أن المعتزلة لو لم تقيدوا الرؤية بمرتبة التنزيه وقالوا بالتشبيه أيضا وتصوروا الرؤية عين هذا التجلى لما أنكروا الرؤية أصلا ولما استحالوها يعنى أن إنكارهم عليها إنما هو من حيثية كونها بلا جهة ولا كيف مما هو مخصوص بمرتبة التنزيه بخلاف هذا التجلى فإن الجهة والكيف ملحوظان فيه ( لا يخفى ) أن تنزيل الرؤية الأخروية إلى التجلى الصورى إنكار عليها فى الحقيقة فإن ذلك التجلى الصورى وأن كان مغاير للتجليات الصورية الدنيوية ليس هو رؤية الحق تعالى ( نظم ) ( شعر ). يراه المؤمنون بغير كيف * وأدراك وضرب من مثال ( وبعثة ) الأنبياء عليهم الصلاة والسلام رحمة للعالمين فلو لم تكن وساطة هؤلاء الكبراء من كان يدلنا على معرفة ذات واجب الوجود وصفاته ومن كان يميز لنا مرضيات مولانا جل شأنه عن غير مرضياته فإن عقولنا الناقصة بمعزل عن هذا المعنى بدون تأييد نور دعوتهم وأفهامنا القاصرة مخبولة فى هذه المعاملة من غير تقليد هؤلاء الأكابر نعم إن العقل وإن كان حجة ولكنه غير تام فى الحجية وغير بالغ مرتبة البلوغ والحجة البالغة إنما هى بعثة الأنبياء عليهم السلام والعذاب والثواب الأخرويان منوطان بها ( فإن قيل ) إذا كان العذاب الدائمى الأخروى منوطا بالبعثة فبأى معنى تكون البعثة رحمة للعالمين ( أجيب ) أن البعثة عين الرحمة لأنها سبب لمعرفة ذات واجب الوجود وصفاته تعالى وتقدس وهى متضمنة لسعادة دنيوية وأخروية وبدولة البعثة امتاز ما هو اللائق بجانب قدسه تعالى عما هو غير لائق به فإن عقولنا العرجى العمى التى هى متسمة بسمة الإمكان والحدوث كيف تعرف وكيف تدرك ما هو مناسب لحضرة الوجوب الذى من لوازمه القدم من الأسماء والصفات وما لا يناسبه منها حتى يطلق عليه ذاك ويجتنب من هذا بل هو كثيرا ما يزعم من نقصه الكمال نقصانا والنقص كمالا وهذا التمييز عند الفقير فوق جميع النعم الظاهرة والباطنة وأشد المحرومين من السعادة من ينسب إلى جناب قدسه تعالى أمورا غير مناسبة وأشياء غير لائقة به تعالى والذى ميز الحق عن الباطل هو البعثة والذى فرق بين المستحق للعبادة وبين غير المستحق لها هو البعثة وبواسطتها يدعى العباد إلى طريق الحق جل وعلا وبها يصلون إلى سعادة قرب المولى ووصله جل سلطانه وبسبب البعثة يتيسر الاطلاع على مرضيات المولى جل شانه كما مر وبها يتميز جواز التصرف فى ملكه تعالى عن عدم جوازه وأمثال هذه الفوائد فى البعثة كثيرة فتقرر أن البعثة رحمة ومن كان منقادا للنفس وأنكر البعثة تبعا لحكم الشيطان اللعين ولم يعمل بمقتضى حكم البعثة فما ذنب البعثة فيه وكيف لا تكون البعثة رحمة بسبب خذلانه ( فإن قيل ) سلمنا أن العقل ناقص غير تام فى حد ذاته فى حق معرفة الأحكام الإلهية جل شأنه ولكن لم لا يجوز أن يحصل للعقل بعد حصول التصفية والتزكية له مناسبة واتصال بلا كيف بمرتبة الوجوب تعالت وتقدست فيأخذ الأحكام من هناك بتلك المناسبة والاتصال فلا يحتاج حينئذ إلى البعثة التى هى بواسطة الملك ( أجيب ) أن العقل وأن حصل له تلك المناسبة والاتصال ولكن لا يزول عنه التعلق بهذا الجسم الهيولانى بالكلية ولا يحصل له التجرد التام فتكون القوة الوهمية فى عقبه دائما ولا تترك القوة المتخيلة ذيل خياله أصلا وتكون القوة الغضبية والشهوية مصاحبتين له فى جميع الأزمان وتكون رذيلة الحرص والشره نديميه فى كل أوان ولا ينفك عنه الشهو والنسيان اللذان هما من لوازم نوع الإنسان دائما ولا يفارقه الخطأ والغلط اللذان هما من خواص هذه النشأة أبدا فلا يكون العقل إذا حقيقا وحريا بالاعتماد ولا تكون الأحكام المأخوذة بواسطته مصونة من سلطان الوهم وتصرف الخيال ولا محفوظة من شائبة الخطأ ومظنة النسيان بخلاف الملك فإنه منزه عن هذه الأوصاف مبرأ عن هذه الرذائل فيكون مستحقا للاعتماد وتكون الأحكام المتلقاة منه مصونة من شائبة الوهم والخيال ومظنة الخطأ والنسيان وقد يحس فى بعض الأوقات أن الأحكام المأخوذة بلقاء الروحانيين والمعارف المتلقاة منهم ينضم إليها فى أثناء تبليغها بالقوى والحواس بعض المقدمات المسلمة غير الصادقة الحاصلة من طريق الوهم والخيال أو غيرهما بلا اختيار بحيث لا يمكن تمييزها فى ذلك الوقت عن تلك الأحكام وربما يحصل ذلك التمييز فى وقت آخر وربما لا يحصل فلا جرم يعرض لهذه العلوم بواسطة مخالطة تلك المقدمات هيئة الكذب فتخرج به عن أن تكون معتمدا عليها ( أو نقول ) أن حصول التزكية والتصفية منوط بإتيان الأعمال الصالحة التى هى مرضيات الحق سبحانه وتعالى ومعرفة ذلك موقوفة على البعثة كما مر فلا يتيسر حصول حقيقة التصفية والتزكية بدون البعثة والصفاء الحاصل للكفار والفساق هو صفاء النفس لا صفاء القلب وصفاء النفس لا يزيد شيئا غير الضلالة ولا يورث شيئا غير الخسارة وكشف بعض الأمور الغيبية الذى يحصل للكفار والفساق وقت صفاء نفوسهم استدراج فى حقهم يقصد به هلاكهم وخسارتهم نجانا اللّه سبحانه من هذه البلية بحرمة سيد المرسلين عليه وعليهم الصلاة والسلام ( وأتضح ) من هذا التحقيق أن التكاليف الشرعية الثابتة من طريق البعثة أيضا رحمة لا كما زعمه المنكرون عليها من الملاحدة والزنادقة من اعتقادها كلفة وغير معقولة حتى قالوا أى شفقة فى تكليف العباد بأمور شاقة ثم يقال لهم من علم بمقتضى هذا التكليف يدخل الجنة ومن ارتكب خلافه يدخل النار كيف لا يكلفون بل يتركون يأكلون وينامون ويمشون على طور عقولهم ومقتضى طبائعهم أما يعلم هؤلاء الخبثاء الخائبون أن شكر المنعم واجب عقلا وهذه التكليفات الشرعية بيان كيفية أداء ذلك الشكر فيكون التلكيف واجبا بالعقل وأيضا أن نظام هذا العالم وانتظام أمره منوط بهذا التكليف فإنه إذا ترك كل أحد على طوره وخلى على طبعه لا يظهر فيه غير الشر والفساد ويعتدى كل مهوس على نفس الآخر وماله ويتغلب عليه بالخبث والفساد فيضيع نفسه عند عدم الزواجر الشرعية وموانعها ويضيع غيره عياذا باللّه سبحانه وتعالى ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب (شعر) . لولا الأمير الذى نخشى بوادره * لقاءت الزنج فى بحبوحة الحرم ( أو نقول ) أن اللّه تعالى مالك على الإطلاق والعباد كلهم مماليكه سبحانه فكل حكم وتصرف يجريه عليهم فهو عين الخير والصلاح لهم وهو منزه ومبرأ عن شائبة الظلم والفساد فى ذلك لا يسئل عما يفعل ( شعر ). من ذا الذى فى فعله يتكلم * دون الرضا يا صاح والتسليم فإن أدخل الجميع إلى النار وعذبهم بالعذاب الأبدى فليس ذلك منه بمحل الاعتراض وليس تصرفا فى ملك الغير حتى تكون فيه شائبة الجور بخلاف تصرفنا فى أملاكنا التى كلها أملاكه تعالى فى الحقيقة وجميع التصرفات منا فيها عين الظلم فإن صاحب الشرع إنما نسب هذه الأملاك إلينا بسبب بعض المصالح وإلا فهى فى الحقيقة أملاكه تعالى فجواز تصرفنا فيها مقصور على القدر الذى جوزه لنا المالك على الإطلاق وأباحه ( وجميع ) ما أخبر به هؤلاء الأكابر عليهم الصلاة والسلام بأعلام الحق جل وعلا وما بينوا من الأحكام كلها صادقة ومطابقة للواقع وأن جوز العلماء الخطأ فى أحكامهم الاجتهادية ولكنهم لم يجوزوا تقريرهم على الخطأ بل قالوا إنهم ينبهون عليه بلا تأخير فيتدار كونه بالصواب فلا اعتداد بذلك الخطأ ( وعذاب القبر ) للكافرين ولبعض عصاة المؤمنين حق قد أخبر به المخبر الصادق ( وسؤال ) ( وسؤال ) منكر ونكير للمؤمنين والكافرين فى القبر أيضا حق والقبر برزخ بين الدينا والآخرة وعذابه أيضاً من وجه مناسب لعذاب الدنيا فيقبل الانقطاع ومن وجه مناسب لعذاب الآخرة بل هو من عذاب الآخرة فى الحقيقة وقوله تعالى النار يعرضون عليها غدوا وعشيا نزل فى عذاب القبر وكذلك راحة القبر لها جهتان والسعيد من يغفر زلاته ومعاصيه بكمال الكرم والرأفة ولا يؤاخذ فإن يؤاخذ إنما يؤاخذ بآلام الدنيا ومحنها ويكون ذلك كفارة لذنوبه من كمال الرحمة فإن بقيت منها بقية تكفر بضطغة القبر والمحن المهيأة لذلك الموطن حتى يبعث فى المحشر طاهرا ومطهرا ومن لم يعامل به هذه المعاملة بل أخرت مؤاخذته إلى الآخرة فهو عين العدل ولكن ويل للعاصين والخاطئين وأما من كان من أهل الإسلام فمآله إلى الرحمة ومحفوظ من العذاب الأبدى وذلك أيضا نعمة عظيمة ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شئ قدير بحرمة سيد المرسلين عليه وعليهم الصلاة والسلام ( ويوم القيامة ) حق وتكون السموات والكواكب والأرض والجبال والبحار والحيوانات والنباتات والمعادن معدومة ومتلاشية ويومئذ تنشق السموات وتنتثر الكواكب ويكون الأرض والجبال هباء منثورا وهذا الإعدام والإفناء يتعلق بالنفخة الأولى وبالنفخة الثانية يقوم الخلائق من قبورهم ويذهبون إلى المحشر والفلاسفة لا يجوزون إعدام السموات والكواكب والفناء والفساد لها ويقولون بأزليتها وأبديتها ومع ذلك يجعل المتأخرون منهم أنفسهم من زمرة أهل الإسلام ويأتون ببعض أحكام الإسلام يعنى يعملون بها والعجب من بعض أهل الإسلام أنه كيف بصدق منهم هذا المعنى ويعتقدهم مسلمين من غير تحاش وإعجب من ذلك أن بعض المسلمين يعتقد إسلام بعض من هذه الجماعة كاملا ويظن طعنهم وتشنيعهم منكرا والحال أنهم منكرون على النصوص القطعية وإجماع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قال اللّه تعالى إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وقال تعالى إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت وقال تعالى وفتحت السماء فكانت أبوابا أى شقت وأمثال ذلك فى القرآن كثيرة أولا يعلمون أن مجرد التفوه بكلمة الشهادة غير كاف فى الإسلام بل لابد من تصديق جميع ما علم مجيئه من الدين بالضرورة والتبرى من الكفر ولوازمه أيضا حتى يتصور الإسلام وبدونه خرط القتاد ( والصراط ) حق والميزان حق والحساب حق قد أخبر بكل منها المخبر الصادق عليه وعلى آله الصلاة والسلام واستبعاد بعض الجاهلين بطور النبوة وجود هذه الأمور ساقط عن حيز الاعتبار فإن طور النبوة وراء طور العقل وتطبيق جميع أخبار الأنبياء الصادقة على نظر العقل والتوفيق بينهما إنكار فى الحقيقة على طور النبوة والمعاملة هناك إنما هى بالتقليد ألم يعلموا أن طور النبوة مخالف لطور العقل بل لا يقدر العقل أن يهتدى إلى تلك المطالب العالية بدون تأييد تقليد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمخالفة غير عدم الإدراك فإن المخالفة إنما تتصور بعد الإدراك ( والجنة والنار ) موجودتان تدخل طائفة الجنة بعد المحاسبة يوم القيمة وطائفة تدخل النار وثواب أهل الجنة وعقاب أهل النار أبديان لا ينقطعان كما دلت عليه النصوص القطعية المؤكدة قال صاحب الفصوص مآل الكل إلى الرحمة إن رحمتى وسعت كل شئ وثبت العذاب للكفار إلى ثلثه أحقاب ويقول ثم تصير النار فى حقهم بردا وسلاما كما كانت للخليل على نبينا وعليهم الصلاة والسلام ويجوز الخلف فى وعيده سبحانه ويقول لم يذهب أحد من أرباب القلوب إلى خلود الكفار فى عذاب النار وهو قد وقع فى هذه المسئلة أيضا بعيدا عن الصواب لم يدر أن سعة الرحمة وعمومها فى حق المؤمنين والكافرين مخصوصة بالدنيا وأما فى الآخرة فلا تصل رائحة الرحمة إلى مشام الكفار كما قال اللّه تعالى أنه لا ييأس من روح اللّه إلا القوم الكافرون وقال تعالى بعد قوله سبحانه ورحمتى وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون وكأن الشيخ قرأ أول الآية وترك آخرها وليس فى قوله تعالى ولا تحسبن اللّه مخلف وعده رسله دلالة على خصوصية عدم الجواز بخلف الوعد لأنه لا يجوز الاقتصار هنا على عدم خلف الوعد بناء على أن المراد من الوعد هنا الوعد بتصرف الرسل وتسلطهم على الكفار وغلبتهم عليهم وهو متضمن للوعد والوعيد جميعا وعد للرسل ووعيد للكفار فدلت هذه الآية على انتفاء خلف الوعد وخلف الوعيد جميعا فالآية مستشهد بها عليه لآله وأيضا أن الخلف فى الوعيد كالخلف فى الوعد مستلزم للكذب وما لا يليق به سبحانه لأن حقيقة هذا القول أن اللّه تعالى علم فى الأزل أنه لا يخلد الكفار فى عذاب النار ومع ذلك أخبر بخلاف عمله رعاية لمصلحة وقال أعذبهم بالعذاب المخلد وفى تجوزي هذاالمعنى شناعة تامة سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين إجماع أرباب القلوب على عدم خلود الكفار فى عذاب النار من كشفيات الشيخ ومجال الخطأ فى الكشف كثير فلا اعتداد به مع كونه مخالفا لإجماع المسلمين ( والملائكة ) عباد اللّه سبحانه معصومون من العصيان ومحفوظون من الخطأ والنسيان لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون لا يأكلون ولا يشربون لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة فهم مبرؤن عنهما ومنزهون وتذكير الضمائر الراجعة إليهم فى القرآن المجيد إنما هو باعتبار شرف صنف الذكور بالنسبة إلى صنف الإناث كما أورد الحق سبحانه الضمائر الراجعة إلى نفسه مذكرة وق اصطفى الحق سبحانه بعضهم للرسالة كما شرف بعض الإنسان بهذه الدولة اللّه يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس وجمهور علماء أهل الحق على أن خواص البشر أفضل من وخواص الملائكة وقال الأمام الغزالى وأمام الحرمين وصاحب الفتوحات المكية بأفضلية خواص الملائكة من خواص البشر وما ظهر لهذا الفقير إن ولاية الملك أفضل من ولاية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولكن فى النبوة والرسالة درجة للأنبياء لم يبلغها ملك قط وهذه الدرجة ناشئة من جهة العنصر الترابى الذى هو مخصوص بالبشر وظهر أيضا لهذا الفقير أن كمالات الولاية لا اعتداد بها بالنسبة إلى كمالات النبوة وليت لها حكم القطرة بالنسبة إلى البحر المحيط فالمزية الناشئة من طريق النبوة تكون زائدة بأضعاف مضاعفة على المزية الناشئة من طريق الولاية فالأفضلية على الإطلاق ثابتة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام والفضل الجزئى للملائكة الكرام عليهم السلام فالصواب ما قاله الجمهور من العلماء الأعلام شكر اللّه سعيهم يوم القيام ( فلاح ) من هذا التحقيق أنه لا يبلغ ولى قط درجة نبى من الأنبياء عليهم السلام بل يكون رأس الولى تحت قدم نبى على الدوام ( ينبغى ) أن يعلم أنه ما من مسئلة اختلف فيها العلماء والصوفية إلا إذا لوحظ فيها حق الملاحظة يوجد الحق فيها فى جانب العلماء وسر ذلك أن نظر العلماء بواسطة متابعة الأنبياء عليهم السلام نافذ إلى كمالات النبوة وعلومها ونظر الصوفية مقصور على كمالات الولاية ومعارفها فلا جرم يكون العلم المأخوذ من مشكاة النبوة أصوب وأصح من العلم المأخوذ من مرتبة الولاية وتحقيق بعض هذه المعارف مندرح فى المكتوب المسطور باسم ولدى الأرشد فإن بقى هنا شئ من الخلفاء فليراجع هناك ( والإيمان ) عبارة عن تصديق قلبى بما بلغنا من الدين بطريق الضرورة والتواتر وقالوا الإقرار اللسانى أيضا ركن من الأيمان محتمل للسقوط وعلامة هذا التصديق التبرى من الكفر والتجنب عن لوازمه وخصائصه وكلما هو من فعل الكفار كشد الزناد وأمثاله فإن لم يتبرأ من الكفر عياذا باللّه سبحانه مع دعوى التصديق ظهر أنه متسم بسمة الارتداد وحكمه فى الحقيقة حكم المنافق لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء فلابد إذا فى تحقق الإيمان من التبرى من الكفر وأدنى هذا التبرى قلبى وأعلاه التبرى بحسب القلب والقالب والتبرى عبارة عن معاداة أعداء الحق جل وعلا سواء كانت هذه المعاداة بالقلب فقط كما إذا خيف من ضررهم أو بالقلب والقالب معا إذا لم يكن ضرر الخوف وقوله تعالى يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم مؤيد لهذا المعنى فإن محبة الحق سبحانه ومحبة رسوله عليه الصلاة والسلام لا تتصور بدون معاداة أعداء اللّه ورسوله ( ع ) وليس محبى من يحب أعاديا * وأجراء الشيعة الشنيعة هذه القضية فى موالاة أهل البيت وجعلهم التبرى من الخلفاء الثلاثة وغيرهم من الصحابة شرطا لها غير مناسب فإن التبرى الذى هو من شرط موالاة الأحباب هو التبرى من الأعداء لا مطلق التبرى عمن سواهم لا يجوز عاقل منصف كون أصحاب النبى عليه الصلاة والسلام أعداء فإن هؤلاء الأكابر بذلوا أموالهم وأنفسهم فى محبته عليه الصلاة والسلام وتركوا لجاه والرياسة فكيف يجوز نسبة عداوة أهل البيت إليهم ولزوم محبة أهل بيته عليه الصلاة والسلام ثابت بالنص القطعى وجعلت محبتهم أجرة الدعوة قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة فى القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنى وإبراهيم الخليل على نبينا وعليه الصلاة والسلام إنما نال من الدرجة القصوى وصار أصل شجرة النبوة بواسطة تبريه من أعدائه تعالى قال اللّه تعالى لقد كان لكم أسوة حسنة فى إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون اللّه كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا باللّه وحده ولا عمل من الأعمال فى نظر هذا الفقير أفضل من هذا التبرى فى حصول رضا الحق جل وعلا وإن للحق سبحانه وتعالى عداوة ذاتية مع الكفر والكفرة والآلهة الباطلة الآفاقية مثل اللات والعزى وعبدتها أعداء الحق سبحانه بالذات والخلود فى النار جزءا هذا العلم الشنيع وهذه الحالة مفقودة فى الآلهة الباطلة الأنفسية وسائر الأعمال السيئة فإن العداوة والغضب بالنسبة إلى هذه المذكورات ليست بذاتية فإن كان هناك غضب فهو راجع إلى الصفات وإن كان عقاب أو عتاب فهو راجع إلى الأفعال ولهذا لم يكن الخلود فى النار جزاء هذه السيئات بل جعل الحق سبحانه مغفرتهم منوطة بمشيئته ( ينبغى ) أن يعلم أنه لما تحقق العداوة الذاتية فى حق الكفر والكفار وامتنع أن تشمل الرحمة والرأفة اللتان هما من صفات الجمال فى الآخرة الكفار وأن ترفع صفة الرحمة العداوة الذاتية فإن المتعلق بالصفة فمقتضى الصفات لا يقدر أن يبدل ويغير مقتضى الذات وما ورد فى الحديث القدسى سبقت رحمتى غضبى فالمراد بالغضب فيه ينبغى أن يكون الغضب الصفاتى الذى هو مقصور على عصاة المؤمنين لا الغضب المخصوص بالمشركين ( فإن قيل ) أن للكفار نصيبا من الرحمة فى الدنيا كما حققته فيما سبق فكيف تكون صفة الرحمة فى الدينا رافعة للعداوة الذاتية ( أجيب ) أن حصول الرحمة للكافرين فى الدنيا إنما هو باعتبار الظاهر والصورة وأما فى الحقيقة فهو استدراج ومكيدة فى حقهم وقوله تعالى ايحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين* نسارع لهم فى الخيرات بل لا يشعرون وقوله تعالى سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملى لهم إن كيدى متين شاهد لهذا المعنى فليفهم ( فائدة جليلة ) أن عذاب النار الأبدى جزاء الكفر فإن قيل أن شخصا مع وجود الإيمان يجرى رسوم الكفر ويعظم مراسم أهل الكفر ويحكم العلماء بكفره ويعدونه من أهل الارتداد بفعله كما أن أكثر مسلمى الهنود مبتلون بهذه البلية فيلزم أن يكون الشخص معذبا فى الآخرة بالعذاب الأبدى بمقتضى فتوى العلماء والحال أنه قد ورد فى الأخبار الصحاح أن من كان فى قلبه مثال ذرة من الإيمان يخرج من النيران ولا يخلد فى العذاب فى العذاب فما تحقيق هذه المسئلة عندك ( أقول ) أن كان كافرا محضا فنصيبه العذاب المخلد أعاذنا اللّه سبحانه منه وإن كان فيه مقدار ذرة من الإيمان مع وجود إتيان مراسم الكفر يعذب فى النار ولكن المرجو خلاصة من الخلود فى النار ببركة تلك الذرة من الإيمان ونجاته من دوام الاستقرار فى عذاب النيران وقد ذهبت مرة لعيادة شخص قد قرب من الاحتضار ولما كنت متوجها إلى حاله رأيت قلبه فى ظلمات شديدة وكلما كنت متوجها لرفع تلك الظلمات لم ترفع فعلم بعد توجه كثير أن تلك الظلمات ناشئة من صفة الكفر التى هى مكنونة فيه ومنشأ تلك الكدورات هو موالاته أهل الكفر وبأن لى أنه لا ينبغى التوجه لدفع تلك الظلمات فإن تنقيته منها مربوطة بعذاب النار الذى هو جزاء الكفر وعلم أيضا أن فيه مقدار ذرة من الإيمان ولما شاهدت فيه هذا الحال وقع فى خاطرى أنه هل يجوز أن يصلى عليه أولا فظهر بعد التوجه أنه ينبغى أن يصلى عليه فالمسلمون الذين يجرون رسوم أهل الكفر مع وجود الإيمان ويعظمون أيامهم ينبغى أن يصلى عليهم ولا ينبغى إلحاقهم بالكفار كما هو عمل اليوم وينبغى أن يرجى نجاتهم من العذاب الأبدى آخر الأمر فعلم مما ذكرنا أنه لا عفو عن أهل الكفر ولا مغفرة لهم أن اللّه لا يغفر أن يشرك به فإن كان كافرا صرفا فجزاء كفره العذاب الأبدى وإن كان فيه مع فجوره مقدار ذرة من الإيمان أيضا فجزاؤه العذاب الموقت وفى سائر الكبائر أن شاء اللّه تعالى غفره وإن شاء عذبه وعند الفقير أن عذاب النار مخصوص بالكفر وصفات الكفر سواء كان ذلك العذاب مؤقتاً أو مخلداً أو مؤبداً كما سيجئ تحقيقه تحقيقه وأما أهل الكبائر الذين لم يوفقوا للتوبة فيغفر بها ذنوبهم ولم ينالوا الشفاعة ومجرد العفو والإحسان ولم تكفر كبائرهم أيضا بآلام الدنيوية ومحنها أو بشدائد سكرات الموت فالمرجو أن يكتفى فى تعذيب طائفة منهم بعذاب القبر وفى أخرى منهم مع وجود محن القبر بأهوال يوم القيامة وشدائدها وأن لا تبقى ذنوبهم حتى يحتاج إلى عذاب النار وقوله تعالى الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن الآية مؤيد لهذا المعنى فإن المراد بالظلم هنا الشرك واللّه سبحانه أعلم بحقائق الأمور كلها ( فإن قيل ) قد ورد الوعيد بعذاب النار فى جزاء بعض السيئات غير الكفر كما قال تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالدا فيها وورد فى الإخبار من قضى صلاة واحدة متعمدا بقى فى النار حقبا فلم يكن عذاب النار مخصوصا بالكفار ( أقول ) ما ورد فى القاتل فهو مخصوص بمستحل القتل ومستحل القتل كافر كما ذكره المفسرون وما ورد فى السيئات غير الكفر من الوعيد بعذاب النار فلا تخلوا تلك السيئات من شائبة صفة التكفر مثل استخفاف تلك السيئة واستصغارها وعدم المبالاة بإتيانها واستحقار الأوامر الشرعية ونواهيها وقد ورد فى الخبر شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى وقال فى حديث آخر أمتى أمة مرحومة لا عذاب عليها فى الآخرة وقوله تعالى الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن الآية مؤيد لهذا المعنى كما مر وأحوال أطفال المشركين ومن نشأ فى شاهق الجبل ومشركى زمن الفترة مسطورة فى المكتوب الذى كتبته لولدى محمد سعيد بالتفصيل فليراجع هناك ( وفى ) زيادة الإيمان ونقصانه وعد مهما اختلاف بين العلماء قال الإمام الأعظم أبو حنيفة رضى اللّه عنه الإيمان لا يزيد ولا ينقص وقال الإمام الشافعى رضى اللّه عنه يزيد ونقص ولا شك أن الإيمان عبارة عن تصديق ويقين قلبى ولا يتصور فيه الزيادة والنقصان والذى يقبل الزيادة والنقصان فهو داخل فى دائرة الظن لا اليقين غاية ما فى الباب أن إتيان الأعمال الصالحة يورث جلاء ذلك اليقين وصفاءه وإتيان الأعمال غير المرضية يكدره ويظلم ضياءه فالزيادة والنقصان بحسب إتيان الأعمال الصالحة وضدها راجعان إلى جلاء اليقين لا إلى النفس اليقين ولما وجد طائفة جلاء وصفاء فى يقينهم قالوا بزيادته بالنسبة إلى يقين ليس فيه ذلك الجلاء والصفاء وكأنهم لم يروا اليقين الذى لا جلاء فيه يقينا بل اعتقدوا أن اليقين هو اليقين الذى له جلاء فقط دون غيره فقالوا لذاك ناقصا ( وأما ) الذين فيهم حدة النظر فلما رأوا أن تلك الزيادة والنقصان راجعان إلى وصف اليقين لا إلى نفس اليقين لم يقولوا بزيادة اليقين ونقصانه بالضرورة ومثل ذلك كمثل المرآتين المساويتين فى الصغر والكبر المتفاوتتين بحسب الجلاء والنوارنية فرآهما شخص وقال للتى جلاؤها أكثر إنها أزيد وأكبر من الأخرى التى ليس فيها ذلك الجلاء وقال شخص آخر المرآتان متساويتان لا زيادة لأحديهما على الأخرى ولا نقصان والتفاوت إنما هو فى الجلاء وإلا راءة اللذين هما من صفات المرآة فنظر الشخص الثانى صائب ونافذ إلى حقيقة الشئ ونظر الأول مقصور على الظاهر لم يجاوز من الصفات إلى الذات يرفع اللّه الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ( وبهذا ) التحقيق الذى وفق هذا الفقير لإظهاره اندفع اعتراضات المخالفين على القول بعدم زيادة الإيمان ونقصانه ولم يلزم كون إيمان عامة المؤمنين مماثلا ومساويا لإيمان الأنبياء عليهم السلام من جميع الوجود فإن إيمان الأنبياء عليهم السلام له جلاء تام ونورانية وله ثمرات ونتائج زائدة بأضعاف مضاعفة على إيمان عامة المؤمنين الذى فيه ظلمات وكدورات على تفاوت درجاتهم وكذا ينبغى أن يكون المراد بزيادة إيمان أبى بكر رضى اللّه عنه فى الوزن على إيمان هذه الأمة زيادته باعتبار الجلاء والنورانية بإرجاع الزيادة إلى الصفة الكاملة ألا ترى أن الأنبياء عليهم السلام وعامة الناس متساوون فى نفس الإنسانية والكل متحدون فى الحقيقة والذات والتفاضل فيما بينهم إنما هو باعتبار الصفات الكاملة والذى ليس له صفة كاملة كأنه خارج من نوع الإنسان ومحروم من فضائله ومع وجود هذا التفاوت لم يتطرق الزيادة والنقصان إلى نفس الإنسانية ولا يصح أن يقال أن الإنسانية فى أفراد الإنسان قابلة للزيادة والنقصان واللّه سبحانه الملهم للصواب ( وأيضا ) إنهم قالوا إن التصديق الإيمانى عند البعض هو التصديق المنطقى الذى هو شامل لظن واليقين فعلى هذا التقدير يمكن الزيادة والنقصان فى نفس الإيمان لكن الصحيح أن المراد بالتصديق هنا اليقين والإذعان القلبى لا المعنى العام الشامل للظن والوهم قال الإمام الأعظم أنا مؤمن حقا وقال الإمام الشافعى أن مؤمن أن شاء اللّه ونزاعهما فى الحقيقة لفظى مذهب الأول باعتبار الزمان الحال ومذهب الثانى باعتبار المآل وعاقبة الأحوال ولكن التحاشى من صورة الاستثناء أولى وأحوط كما لا يخفى على المنصف ( وكرامات ) أولياء اللّه تعالى حق ومن كثرة وقوع خوارق العادات منهم صار هذا المعنى عادة مستمرة لهم ومنكرها منكر على العلم العادى والضرورى ولا اشتباه بينها وبين معجزة النبى فإن معجزة النبى مقرونة بدعوى النبوة وكرامات الولى خالية عن هذا المعنى بل هى مقرونة بالإقرار والاعتراف بمتابعة نبى فأنى الاشتباه بينهما كما زعمه المنكرون ( وترتيب ) الأفضلية بين الخلفاء الراشدين على ترتيب خلافتهم ولكن أفضلية الشيخين ثابتة بإجماع الصحابة والتابعين كما نقلته جماعة من أكابر أئمة الدين أحدهم الإمام الشافعى رضى اللّه عنه قال الشيخ الإمام أبو الحسن الأشعرى إن فضل أبى بكر ثم عمر على بقية الأمة قطعى قال الذهبى وقد تواتر عن على فى خلافته وكرسى مملكته وبين الجم والغفير من شيعته أن أبا بكر وعمر أفضل الأمة ثم قال ورواه عن على كرم اللّه وجهه نيف وثمانون نفسا وعد منهم جماعة ثم قال فقبح اللّه الروافض ما أجهلهم ورى البخارى عنه أنه قال خير الناس بعد النبى عليه الصلاة والسلام أبو بكر ثم عمر ثم رجل آخر فقال ابنه محمد أبن الحنفية ثم أنت فقال إنما أنا رجل من المسلمين وصحح الذهبى وغيره عن على أنه قال ألا وإنه بلغنى أن رجالا يفضلوننى عليهما ومن وجدته يفضلنى عليهما فهو مفتر عليه ما على المفترى وأمثال ذلك منه ومن غيره من الصحابة متواترة بحيث لا مجال فيها لإنكار أحد حتى قال عبد الرزاق عن أكابر الشيعة أفضل الشيخين لتفضيل على إياهما على نفسه وإلا لما فضلتهما كفى بى وزرا أن أحبه ثم أخالفه كل ذلك مستفاد من الصواعق وأما تفضيل عثمان على على رضى اللّه عنهما فأكثر علماء أهل السنة على أن الأفضل بعد الشيخين عثمان ثم على ومذهب الأئمة الأربعة المجتهدين أيضا هو هذا والتوقف المنقول عن الإمام مالك فى أفضلية عثمان على على فقد قال القاضى عياض أنه رجع عن هذا التوقف إلى تفضيل عثمان وقال القرطبى وهو الأصح إن شاء اللّه تعالى وكذلك التوقف المفهوم من عبارة الإمام الأعظم أعنى قوله من علامة أهل السنة والجماعة تفضيل الشيخين ومحبة الختنين ولاختياره هذه العبارة عند الفقير محمل آخر وهو أنه لم كثر ظهور الفتن والاختلال فى أمرو الناس فى زمن خلافة الختنين وحدوث الكدورات من هذه الجهة فى قلوب الناس اختار الإمام لفظ المحبة فى حقهما ملاحظا لهذا المعنى وجعل محبتهما من علامات أهل السنة والجماعة من غير أن يلاحظ فيها شائبة التوقف كيف وكتب الحنفية مشحونة بأن أفضليتهم على ترتيب خلافتهم وبالجملة إن أفضلية الشيخين يقينية وأفضلية عثمان دونهما ولكن الأحوط أن لا نكفر منكرا فضلية عثمان بل أفضلية الشيخين بل نقول إنه مبتدع وضال فإن للعملاء اختلافا فى تكفيره وفى قطيعة هذا الإجماع قيل وقال وذلك المنكر قرين يزيد الخائب المخذول وقد توقفوا فى لغنة احتياطا والإيذاء الذى يصيب النبى صلى اللّه عليه وسلم من جهة إيذاء الخلفاء الراشدين كالإيذاء الذى أصابه صلى اللّه عليه وسلم من جعة إيذاء سبطيه قال عليه الصلاة والسلام اللّه اللّه فى أصحابى لا تتخذوهم غرضا من بعدى فمن أحبهم فبحبى أحبهم ومن أبغهم فببغضى أبغضهم ومن آذاهم فقد آذانى ومن آذانى فقد آذى اللّه ومن آذى اللّه فى الدنيا والآخرة وما عده مولانا سعد الدين التفتازانى فى شرح عقائد النسفى إنصافا فى هذه الأفضلية بعيد عن الانصاف والترديد الذى ذكره فيه لا حاصل فيه لأن المقرر عند العلماء أن المراد بالأفضلية هنا باعتبار كثرة الثواب عند اللّه جل وعلا لا الأفضلية التى هى بمعنى كثرة ظهور المناقب والفضائل ما لم ينقل مثله عن صحابى غيره حتى قال الإمام أحمد ما جاء لأحد من الصحابة من الفضائل ما جاء لعلى ومع ذلك حكم هو بأفضلية الخلفاء الثلاث فعلم من هذا أن وجه الأفضلية شئ آخر وراء هذه الفضائل والمناقب والاطلاع عليها إنما يتيسر لمن أدركوا زمان الوحى وشاهدوه حتى علموها بالتصريح أو بالقرائن وهم أصحاب النبى عليه الصلاة والسلام فما قال شارح العقائد النسفية أنه لو كان المراد بالأفضلية كثرة الثواب فللتوقف جهة ساقط عن الاعتبار لأنه إنما يكون للتوقف مجال لو لم يعلم الأفضلية من قبل صاحب الشرع صراحة أو دلالة وحيث علم فعلى ما يتوقف وإن لم يعلم فلم يحكم بالأفضلية والذى يرى الكل متساوية ويزعم تفضيل أحدهم على الآخر فضولا فهو فضولى أى فضولى حيث يزعم إجماع أهل الحق فضولا ولعل لفظ الفضل هو الذى أورده فى موارد الفضولى ( وما قال ) صاحب الفتوحات المكية أن سبب خلافتهم مدة أعمارهم ليس فيه دلالة على مساواتهم فى الفضلية لأن أمر الخلافة غير أمر الأفضلية ولو سلم فهذا وأمثاله من شطحياته غير لائق بالتمسك وأكثر كشفياته التى تخالف علوم أهل السنة بعيدة عن الصواب فلا يتابعها أحد إلا مريض القلب أو مقلد صرف ( وما وقع ) بين الأصحاب من المنازعات والمشاجرات يجب حملها على محامل حسنة وينبغى تبريئتهم عن الهوى والتعصب قال التفتازانى مع إفراطه فى حب على كرم اللّه وجهه وما وقع من المخالفات والمحاربات لم يكن عن نزاع فى الخلافة بل عن خطأ فى الاجتهاد وفى حاشية الخيالى عليه فإن معاوية وأحزابه بغوا عن طاعته مع اعترافهم بأنه أفضل أهل زمانه وأنه الأحق بالإمامة منه بشبهة هى ترك القصاص عن قتلة عثمان رضى اللّه عنه ونقل فى حاشية قره كمال عن على كرم اللّه وجهه أنه قال إخواننا بغوا علينا وليسوا بكفرة ولا فسقة لما لهم من التأويل ولا شك أن الخطأ الاجتهادى بعيد عن الملامة عليه والطعن والتشنيع مرفوعان عن صاحبه ينبغى أن يذكر جميع الأصحاب الكرام بالخير مراعاة لحقوق صحبة خير البشر عليه وعلى آله الصلوات والتحيات وأن يحبهم بحب النبى عليه السلام قال عليه السلام من أحبهم فبحبى أحبهم ومن أبغضهم فببغضى أبغضهم يعنى أن المحبة التى تتعلق بأصحابى هى عين المحبة الى تتعلق بى وكذلك البغض الذى يتعلق بهم عين البغض الذى يتعلق بى ولا غرض لنا من محبة محاربى على كرم اللّه وجهه أصلا بل يحق لنا أن تتأذى منهم ولكن حيث كانوا أصحاب النبى صلى اللّه عليه وسلم وكنا مأمورين بمحبتهم وممنوعين عن بغضهم وإيذائهم فلا جرم نحب كلهم بحب النبى صلى اللّه عليه وسلم ونحترز عن بغضهم وإيذائهم لكونهما منجرين إليه صلى اللّه عليه وسلم ولكن نقول للمحق محقاً وللمبطل مبطلا كان علىّ على الحق ومخالفوه على الخطأ والزيادة على ذلك من الفضول وتحقيق هذا المبحث مذكور تفصيلا فى المكتوب الذى كتبته إلى الخواجه محمد أشرف فإن بقى هنا خفاء فليراجع هناك ( ولابد بعد ) تصحيح العقائد من تعلم أحكام الفقه ولا مندوحة من تعلم علم الفرض والواجب والحلال والحرام والسنة والمندوب والمشتبه والمكروه والعمل بمقتضى هذا العلم أيضا ضرورى ينبغى أن يعد مطالعة كتب الفقه من الضروريات وإن يراعى السعى البليغ فى إيتان الأعمال الصالحة لنورد هنا شيمة من فضائل الصلاة وأركانها فإنها عماد الدين فينبغى استماعها لابد أولاً من إسباغ الوضوء ومن غسل كل عضو ثلاثا ثلاثا على وجه التمام والكمال ليكون مؤدى على وجه السنة وينبغى الاستيعاب فى مسح الرأس والاحتياط فى مسح الأذنين والرقبة وورد تخليل أصابع الرجل بخنصر يد اليسرى من الأسفل فينبغى مراعاته أيضا ولا ينبغى المساهلة فى إتيان المستحب فإنه محبوب الحق سبحانه ومرضيه تعالى فإن علم فى جميع الدنيا فعل واحد مرضى ومحبوب عند الحق جل سلطانه وتيسر العمل بمقتضاه ينبغى أن يغتنمه وحكمه كحكم جواهر نفيسة اشتراها شخص بقطعان خزف أو روح نالها ببذل جماد لا طائل فيه وبعد الطهر الكمال وإسباغ الوضوء ينبغى قصد الصلاة التى هى معراج المؤمن وينبغى الاهتمام فى أداء الفرض مع الجماعة بل ينبغى أن لا يترك التكبيرة مع الإمام وينبغى أيضا أداء الصلاة فى الوقت المستحب ومراعاة القدر المسنون فى القراءة ولابد من الطمأنينة فى الركوع والسجود فإنها إما فرض أو واجب على القول المختار وينبغى أن يستوى قائمة على الكمال فى القومة على نهج يرجع كل عضو إلى محله ويستقر فى مقره والطمأنينة لازمة أيضا بعد الاستواء قائمة فإنها هنا إما فرض أو واجب أو سنة على اختلاف الأقوال وهكذا فى الجلسة التى هى بين السجدتين يلزم فيها الطمأنينة بعد الاستقرار كما فى القومة وأقل تسبيحات الركوع والسجود ثلاث مرات وأكثرها إلى سبع مرات أو أحد عشر مرة على اختلاف الأقوال وتسبيح الإمام ينبغى أن يكون على قدر حال المقتدين وينبغى أن يستحى الإنسان من اقتصار التسبيحات على أقل مرتبتها فى حال الانفراد ووقت قوة الاستطاعة بل يقوم خمسا أو سبعا ووقت قصد السجدة يضع على الأرض أولا ما هو أقرب إلى الأرض فيضع أولاً ركبتيه ثم يديه ثم أنفه ثم جبهته وينبغى الابتداء من اليمين وقت وضع يديه وركبتيه وحين يرفع رأسه من السجدة ينبغى أن يرفع أولا ما هو أقرب إلى السماء فينبغى الابتداء برفع الجبين وينبغى أن ينظر فى القيام إلى موضع سجوده وفى الركوع إلى ظهر قدميه وفى السجود إلى رأس أنفه وفى القعود إلى يديه فإنه إذا نصب البصر على المواضع المذكورة ومنع النظر من التفرقة تتيسر الصلاة بالجمعية ويحصل فيها الخشوع كما هو المنقول عن النبى صلى اللّه عليه وسلم وكذلك تفريج الأصابع فى الركوع وضمها فى السجود سنة فينبغى مراعاتها وتفريج الأصابع وضمها ليسا بلا فائدة بل فيهما فوائد كثيرة أمر الشارع بإتيانهما بملاحظة تلك الفوائد وليس لنا فائدة أصلا تساوى متابعة صاحب الشريعة عليه وعلى آله الصلاة والتحية وكل هذه الأحكام مذكورة فى كتب الفقه بالتفصيل والإيضاح والمقصود هنا الترغيب فى الأعمال بمقتضى علم الفقه وفقنا اللّه سبحانه وإياكم للأعمال الصالحة والموافقة للعلوم الشرعية بعد أن وفقنا لتصحيح العقائد اليقينية بحرمة سيد المرسلين عليه وعليهم وعلى آل كل من الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها فإن وجدتم فى أنفسكم شوقا إلى فضائل الصلاة والاطلاع على كمالاتها المخصوصة بها ينبغى المراجعة إلى ثلاثة مكاتيب المتصل بعضها ببعض ومطالعتها الأول مكتوب باسم ولدى محمد صادق والثانى باسم المير محمد نعمان والثالث باسم الشيخ تاج الدين ( وبعد ) تحصيل جناحى الاعتقاد والعمل إذا كان توفيق الحق رفيقا ودليلا ينبغى سلوك طريقة الصوفية العلية لا لغرض تحصيل شئ زايد على ذلك الاعتقاد والعمل ونيل أمر جديد سواهما فإن ذلك من طول الأمل المفضى إلى الزلل بل المقصود منها حصول اليقين والاطمئنان فى المعتقدات بحيث لا تزول بتشكيك مشكك ولا تبطل بإيراد شبهة فإن قدم الاستدلال لا ثبات لها ولا قرار لخزف معمول من طين والمستدل ليس له تمكين إلا بذكر اللّه تطمئن القلوب وحصول اليسر والسهولة فى إتيان الأعمال وزوال الكسالة والعناد والتعنت الناشئة من النفس الأمارة ( وليس ) المقصود من سلوك طريق الصوفية أيضا مشاهدة الصور والأشكال الغيبية ومعاينة الألوان والأنوار اللاكيفية فإن ذلك داخل فى اللّهو واللعب وأى نقصان فى الأنوار والصور الحسيتين حتى يتركها شخص ويتمنى الصور والأنوار الغيبيتين بارتكاب الرياضات والمجاهدات فإن هذه الصور والأنوار وتلك الصور والألوان كلها مخلوقة الحق جل وعلا ومن الآيات الدالة على وجوده تعالى واختيار الطريقة النقشبندية من بين سائر طرق الصوفية أولى وأنسب لأن هؤلاء الأكابر قد التزموا السنة السنية واجتناب البدعة الشنيعة ولهذا تراهم يفرحون ويستبشرون إذا كان فيهم دولة المتابعة وأن لم يكن لهم شئ من الأحوال ومتى أحسوا فتورا فى المتابعة مع وجود الأحوال لا يقبلون تلك الأحوال ولا تبغونها ومن ههنا لم يجوزوا الرقص والسماع ولم يقبلوا الأحوال المترتبة عليه باتفاق منهم وإجماع بل اعتقدوا ذكر الجهر بدعة ومنعوا أصحابهم عنه ولم يلتفتوا إلى ثمرات تترتب عليه كنت يوما فى مجلس الطعام مع حضرة شيخنا فقال الشيخ كمال الذى هو من مخلصى حضرة شيخنا بسم اللّه الرحمن الرحيم جهرا حين شرع فى الأكل فلم يناسب ذلك منه لحضرة شيخنا حتى قال بالزجر البليغ امنعوه لا يحضر مجلس طعامنا وسمعت حضرة شيخنا يقول أن الخواجه النقشبند قدس سره جمع علماء بخارا وجاء بهم إلى خانقاه شيخه الأمير كلال ليمنعوهم من ذكر الجهر فقال العلماء للأمير أن ذكر الجهر بدعة فلا تفعلوه فقال فى جوابهم لا أفعل فإذا صدر من أكابر هذه الطريقة مثل هذه المبالغة فى المنع عن ذكر الجهر فماذا نقول فى السماع والرقص والوجد والتواجد والأحوال والمواجيد التى تترتب على أسباب غير مشروعة فهى من قبيل الاستدراجات عند الفقير فإن الأحوال والأذواق قد تحصل لأهل الاستدراج أيضا ويظهر لهم فى مرايا صورة العالم كشف التوحيد والمكاشفة والمعاينة وفلاسفة اليونان وجوكية الهنود وبراهمتهم شركاء فى تلك الأمور وعلامة صدق الأحوال موافقتها للعوم الشرعية مع الاجتناب من ارتكاب الأمور المحرمة والمشتبهة ( واعلم ) أن الرقص والسماع داخل فى الحقيقة فى اللّهو واللعب وقوله تعالى ومن الناس من يشترى لهو الحديث الآية نازل فى شأن المنع عن الغناء كما قال مجاهد الذى هو تلمذ ابن عباس ومن كبار التابعين أن المراد بلهو الحديث الغناء فى المدارك لهو الحديث السمر والغناء وكان ابن عباس وابن مسعود رضى اللّه عنهم يحلفان أنه الغناء وقال مجاهد فى قوله تعالى والذين لا يشهدون الزور أى لا يحضرون الغناء وحكى عن إمام الهدى أبى منصور الماتريدى من قال لمقرئى زماننا أحسنت عند قراءته يكفر وبانت منه امرأته وأحبط اللّه كل حسناته وحكى عن أبى نصر الدبوسى عن القاضى ظهير الدين الخوارزمى من سمع الغناء من المغنى وغيره أو يرى فعلا من الحرام فيحسن ذلك باعتقاد أو بغير اعتقاد يصير مرتدا فى الحال بناء على أنه أبطل حكم الشريعة ومن أبطل حكم الشريعة فلا يكون مؤمنا عند كل مجتهد ولا يقبل اللّه طاعته وأحبط اللّه كل حسناته أعاذنا اللّه سبحانه من ذلك والآيات والأحاديث والروايات الفقهية فى حرمة الغناء كثيرة جدا على حد يعتذر إحصاؤها ومع هذه كلها الواو ورد شخص حديثا منسوخا أو رواية شاذة فى إباحة الغناء لا ينبغى اعتباره منه فإنه لم يفت فقيه فى وقت من الأوقات بإباحة الغناء ولم يجوز الرقص والضرب بالأرجل كما هو مذكور فى ملتقط الإمام الهمام ضياء الدين الشامى وعمل الصوفية ليس بسند فى الحل والحرمة أما يكفيهم أن نعذرهم ولا نلومهم ونفوض أمرهم إلى اللّه تعالى والمعتبر هنا قول الإمام أبى حنيفة والإمام أبى يوسف والإمام محمد رحمهم اللّه لا عمل الشبلى وأبى الحسين النورى وقد جعلت الصوفية القاصرون اليوم السماع والرقص دينهم وملتهم مستدين إلى عمل مشائخهم واتخذوه طاعتهم وعبادتهم أولئك الذين اتخذوا دينهم لهو أو لعبا ( وقد ) علم من الرواية السابقة أن من أستحسن الفعل الحرام فقد خرج من زمرة أهل الإسلام وصار مرتدا فينبغى التأمل ماذا يكون شناعة تعظيم مجلس السماع والرقص بل اتخاذه طاعة وعبادة وللّه سبحانه الحمد والمنة لم يبتل مشائخنا بهذا الأمر وخلصوا أمثالنا المقلدين من تقليد هذا الأمر وقد نسمع أن المخاديم يميلون إلى السماع ويعقدون مجلس السماع وقراءة القصائد فى ليالى الجمعة وأكثر الأصحاب يوافقونهم فى ذلك الأمر والعجب ألف عجب أن مريدى السلاسل الآخر إنما يرتكبون هذا الأمر مستدين إلى عمل مشائخهم ويدفعون الحرمة الشرعية بعملهم وأن لم يكونوا محقين فى هذا الأمر فى الحقيقة وما معذرة أصحابنا فى ارتكاب هذا الأمر وفيه ارتكاب الحرمة الشرعية من طرف وارتكاب مخالفة مشائخ طريقهم من طرف آخر فلا أهل الشرعية راضون عن هذا الفعل ولا أهل الطريقة فلو لم يكن فيه ارتكاب الحرمة الشرعية لكان مجرد أحداث أمر فى الطريقة شنيعا فكيف إذا اجتمع معه ارتكاب الحرمة الشرعية واليقين أن جناب المزاجيو لا يرضى بهذا الأمر ولكن لا يصرح بالمنع أيضا رعاية للأدب معكم ولا ينهى الأصحاب عن هذا الاجتماع أيضا والفقير لما أحسست توقفا فى مجيئى كتبت هذه الفقرات وأرسلتها إليكم فينبغى قراءتها من أولها إلى آخرها عند الميرزاجيو والسلام . |