٢١٦ المكتوب السادس عشر والمائتان إلى المرزا حسام الدين فى بيان سر كثرة ظهور الخوارق للعادات من بعض الأولياء ، وقلة ظهورها من بعض آخر وبيان أتمية مقام التكميل والإرشاد وما يناسب ذلك الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله الطاهرين أجمعين .. قد يقع فى الخاطر الفاتر أنه لما حال البعد الصورى بينى وبين الأحبة وصارت الملاقاة الظاهرية كعنقاء المغرب ، كان المناسب أن أكتب إليهم بعض العلوم والمعارف أحيانا فبناء على ذلك أكتب من هذا القسم شيئا فى بعض الأوقات ، والمرجو أن لا يكون ذلك منجر إلى الملال . ( أيها المخدوم ) لما كان مبحث الولاية فيما بيننا ونظر عوام الخلائق ، إلى ظهور الخوارق ، أذكر من هذه المقولة كلمات ينبغى استماعها . اعلم أن الولاية عبارة عن الفناء والبقاء والخوارق والكشوف من لوازمها قلت أو كثرت ، ولكن ليس كل من تكون خوارقه أكثر تكون ولايته أتم وحظه أوفر ، بل كثيرا ما يكون ظهور الخوارق قليلا وتكون الولاية أكمل مدار كثرة ظهور الخوارق على أمرين . كون العروج إلى الفوق أكثر فى وقت العروج وكون النزول إلى السفل أقل فى وقت النزول ، بل الأصل العظيم فى كثرة ظهور الخوارق هو قلة النزول على أى كيفية كان جانب العروج ، فإن صاحب النزول ينزل إلى عالم الأسباب ويجد وجود الأشياء مربوطا بالأسباب ويرى فعل مسبب الأسباب من وراء استار الأسباب والذى لم ينزل أو نزل ، ولكن لم يصل بعد إلى الأسباب فنظره مقصور على فعل مسبب الأسباب فقط ، لأن الأسباب قد ارتفعت عن نظره بالتمام وقصر نظره على فعل مسبب الأسباب فلا . جرم يعامل الحق سبحانه كلا منهما معاملة على حدة بمقتضى ظن كل منهما فيكل أمر من يرى الأسباب إلى الأسباب ، والذى لا يرى الأسباب يهيئ أمره بدون توسط الأسباب ، وحديث " أنا عند ظن عبدى بى " شاهد لهذا المعنى ، وقد اختلج فى الخاطر مدة كثيرة أنه ما الوجه فى عدم ظهور الخوارق من أحد من كمل أولياء هذه الأمة مع كثرتهم فيما مضى مثل ما ظهر من حضرة السيد محيى الدين عبد القادر الجيلانى ( قدس سره ) فأظهر الحق سبحانه آخر الأمر سر هذا المعمى . واعلم أن عروج السيد محيى الدين الجيلانى ( قدس سره ) كان أعلى من عروج أكثر الأولياء ، ونزل وفى جانب النزول إلى مقام الروح فقط الذى هو فوق عالم الأسباب ، وحكاية الحسن البصرى وحبيب العجمى مناسبة لهذا ، يعنى مؤيدة ومقوية لما سبق نقل عن الحسن البصرى " أنه كان يوما واقفا بساحل النهر منتظر السفينة ليعبر النهر فجاء حبيب العجمى فى أثناء ذلك فسئله عن سبب وقوفه ، فقال : أنتظر السفينة . فقال الحبيب : ما الحاجة إلى سفينة أليس فيك يقين ؟ فقال الحسن : أليس لك علم ؟ فعبر الحبيب النهر يعنى ماشيا على الماء بلا استعانة سفينة . وبقى الحسن واقفا منتظرا للسفينة ". وكان الحسن البصرى قد نزل إلى عالم الأسباب . فعومل بتوسط الأسباب وكان الحبيب العجمى قد طرح الأسباب وأزاحها عن نظره بالتمام ، فعومل من غير توسط الأسباب . ولكن الفضل للحسن لأنه صاحب العلم وجمع بين عين اليقين وعلم اليقين وعلم الأشياء كما هى .. فإن القدرة جعلت فى نفس الأمر مستورة فيما وراء الحكمة وحبيب العجمى صاحب سكر ، له يقين بالفاعل الحقيقى من غير مدخلية الأسباب وهذه الرؤية ليست بمطابقة لنفس الأمر لأن توسط الأسباب كائن بحسب الواقع . ( وأما ) معاملة التكميل والإرشاد فهى على عكس معاملة ظهور الخوارق ، فإن فى مقام الإرشاد كلما كان النزول أكثر يكون لإرشاد أكمل وأوفر ، فإن حصول المناسبة بين المرشد والمسترشد لازم فى الإرشاد وهو منوط بالنزول ( واعلم ) أن التفوق كلما كان أكثر يكون النزول أكثر فى الأغلب ، ولهذا كان عروج النبى ( صلى اللّه عليه وسلم ) فوق الكل ونزل وقت النزول أسفل من الكل ، ولذا كانت دعوته أتم وكان مرسلا إلى كافة الأنام . لأنه قد حصلت له ( صلى اللّه عليه وسلم ) مناسبة بالكل بواسطة نهاية النزول وكان طريق إفادته أتم ، وكثرا ما تقع إفادة الطالبين من متوسطى هذا الطريق ما لا يتيسر من المنتهيين غير المرجوعين ، فإن فى المتوسطين زيادة مناسبة للمبتدئين بالنسبة إلى المنتهيين غير المرجوعين . ومن ههنا قال شيخ الإسلام الهروى ( قدس سره ) :" لو كان الخرقانى ومحمد القصاب فى محل واحد لأرسلتكم إلى محمد القصاب لا إلى الخرقانى فإنه أنفع لكم من الخرقانى ". يعنى كان الخرقانى منتهيا ، فيكون احتظاظ المريد منه قليلا . يعنى منتهيا غير مرجوع لا منتهيا مطلقا ، فإن عدم الإفادة التامة غير واقع فى حقه فإن محمد رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) أزيد انتهاء من الكل والحال أن إفادته كانت أزيد من الكل فكان مدار زيادة الإفادة ونقصانها على الرجوع والهبوط لأعلى الانتهاء وعدمه . ( وههنا ) دقيقة ينبغى أن يعلم كما أن فى حصول نفس الولاية لا يشترط لصاحبها العلم بولاية نفسه كما هو مشهور ، كذلك لا يشترط العلم بوجود خوارق العادات . بل كثيرا ما ينقل الناس عنه خوارق ولا يكون له على تلك الخوارق اطلاع أصلا والأولياء الذين هم أصحاب العلم والكشف يجوز أن لا يكون لهم اطلاع على خوارقهم. بل تظهر صورهم المثالية فى أمكنة متعددة ، وتظهر من تلك الصور أمور عجيبة وحالات غريبة فى مسافات بعيدة ولا اطلاع لصاحب تلك الصور على ذلك أصلا . ( ع ) وما الفعل إلا منه ، والغير مظهر قال حضرة مخدومى وقبلتى ( قدس سره ) يعنى شيخه قال واحد من الأعزة : " يا للعجب يجئ الناس من الأطراف والجوانب . فيقول بعضهم : رأيناك فى مكة المعظمة وكنت حاضرا فى موسم الحج وحججنا معا . ويقول بعضهم : رأيتك فى بغداد ويظهرون المحبة والمودة . وأنا لم أخرج من بيتى أصلا ، ولم أر أمثال هؤلاء الناس فأى تهمة يتهموننى بها. واللّه سبحانه أعلم بحقائق الأمور كلها والزيادة على ذلك إطناب . فإن كان تعطشكم معلوما أكتب سريعا أزيد من ذلك إن شاء اللّه تعالى . |