٤٥ المكتوب الخامس والأربعون كتبه إلى المذكور أيضا . إظهار الشكر تقويته الظاهرية أمور فقراء الخانقاه بعد ارتحال شيخه ، وبين فيه أيضا كون جامعية الإنسان سببا لنقصانه ككونها سببا لكماله ، مع ذكر فضائل شهر رمضان وما يناسب ذلك ثبتكم اللّه سبحانه على جادة آبائكم الكرام وسلمكم عن موجبات التلهف والتأسف على مرور الشهور والأيام ، واعلم . أن أولياء اللّه تعالى بحكم ( المرء مع من أحب ) مع اللّه تعالى وتقدس ، والتعلق بالبدن نوع من موانع تلك المعية والاتصال . وأما بعد الانفصال من هذا المقر الهيولانى والمفارقة عن الهيكل الظلمانى فقرب فى قرب واتصال فى اتصال الموت جسر يوصل الحبيب إلى الحبيب . بيان لهذا المعنى ، وفى قوله تعالى " من كان يرجو لقاء اللّه فإن أجل اللّه لآت " تسلية للمشتاقين ورمز من ذلك البيان ، ولكن أحوال العاجزين الذين أخرتهم العلائق والعوائق بلا دولة الحضور عند أكابر الدين خراب وأبتر ، والاستفاضة من روحانيات الأكابر ( قدس اللّه أسرارهم ) ومشروطة بشرائط لا مجال لكل شخص فى إيفائها ، ولكن الحمد للّه سبحانه ذى الإنعام والمنة على أن جعل مربى هؤلاء الفقراء العاجزين ومعينهم وقت ظهور هذه الحادثة الهائلة والواقعة الموحشة المفزعة من أهل بيت النبوة على صاحبها الصلاة والسلام والتحية ، فصار سببا لانتظام هذه السلسلة العلية ، وواسطة لجمعية النسبة النقشبندية ، ولا غرو فى ذلك فإن هذه النسبة العلية لما كانت فى هذه الديار غريبة جدا وكان أهلها فى هذه المملكة قد جاوزوا فى القلة حداً كنسبة أهل البيت بين سائر النسب ، ناسب أن يكون مربيها وحاميها من أهل البيت وكان تقويتها منهم أولى وأحرى ؛ لئلا يلزم تكميل تلك الدولة العظمى بالغير ، فكما أن شكر هذه النعمة القصوى لازم للفقراء ، كذلك شكر هذه الدولة الأسمى لازم لذمتهم . وكما أنه يحتاج إلى الجمعية الباطنية كذلك يحتاج إلى الجمعية الظاهرية بل هذا الاحتياج مقدم على ذلك الاحتياج . وأحوج الخلائق هو الإنسان وشدة احتياجه إنما هى بواسطة جامعيته فإنه يلزمه وحده ما يلزم الكل وله تعلق بكل ما يحتاج إليه فتعلقاته أكثر من تعلقات الكل ، وكل تعلق مستلزم للإعراض عن جناب قدسه تعالى ، فكان الإنسان أشد الخلائق وأكثرهم حرمانا من هذه الحيثية ( شعر ). ومرتبة الإنسان فى آخر الورى * لذلك عن عـز الحضور تأخرا فإن لم يعد من بعـده واغترابه * فلا شئ محروم كانس من الورى والحال أن سبب أفضليته من جميع الخلائق كان أيضا من جهة جامعيته ؛ ولهذا كان مرآته أتم فكلما يظهر فى مرايا جميع الخلائق فهو لائح فى مرآة واحدة منه ، فكان أفضل الخلائق من هذه الجهة هو الإنسان ، وشر جميع الموجودات من تلك الجهة هو الإنسان ؛ إذ منهم محمد ( عليه الصلاة والسلام ) ومنهم أبو جهل اللعين . ولا شك أنكم كفيل بجمعية هؤلاء الفقراء فى الظاهر بتوفيق اللّه عز وجل ، وبحكم الولد سر أبيه الرجاء تام بحصول الجمعية الباطنية أيضا بسببكم . ولما ورد مكتوبكم الشريف فى شهر رمضان المبارك خطر فى الخاطر الفاتر أن أكتب نبذة من فضائل هذا الشهر العظيم القدر . ( ينبغى ) أن يعلم أن شهر رمضان شهر عظيم . وكل عبادة نافلة من الصلاة والذكر والصدقة وأمثالها فى هذا الشهر تساوى أداء فريضة فيما سواه ، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ، ومن فطر فيه صائماً كان له مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شئ ، ومن خفف عن مملوكه فيه غفر اللّه له وأعتقه من النار . وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير وأعطى كل سائل . ومن وفق للخيرات والأعمال الصالحة فى هذا الشهر كان التوفيق رفيقه فى تمام هذه السنة . وإذا مر هذا الشهر على تفرقة يكون فى جميع السنة على تفرقة . فينبغى فيه أن يجتهد فى تحصيل الجمعية مهما أمكن مغتنما لهذا الشهر ؛ فإن اللّه سبحانه وتعالى يعتق فى كل ليلة من لياليها الوفا ممن استحق النار . وتفتح أبواب الجنة فى هذا الشهر وتغلق أبواب جهنم وتسلسل الشياطين وتفتح أبواب الرحمة . وتعجيل الإفطار وتأخير السحور من السنن . قد بالغ النبى صلى اللّه عليه وسلم فى هذا الباب ويشبه أن تكون مبالغة لإظهار احتياجه المناسب لمقام العبودية . والإفطار بالتمر سنة ويقرأ وقت الإفطار هذا الدعاء ( ذهب الظماء وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء اللّه تعالى ). وأداء التراويح وختم القرآن فى هذا الشهر من السنن المؤكدة ومثمر لنتائج كثيرة وفقنا اللّه سبحانه بحرمة حبيبه عليه وعلى آله الصلاة والسلام . وبقية الكلام أن الصحيفة الشريفة وردت فى وسط شهر رمضان وإلا ما كنت أسامح نفسى فى التأخير عن امتثال الأمر ، والتكلم مما بعد الشهر المذكور حكم بالغيب ، ومبنى على طول الأمل . وبالجملة يكون ما هو مرضاكم ولا أكون فى صون نفسى بوجه من الوجوه فإن حقوقكم ثابتة فى ذمتنا نحن ظاهرا وباطنا . قال حضرة قبلتنا ( قدس سره ) أن حقوق الشيخ جيو ثابتة عليكم جميعا ومقررة لديكم فإنه هو الباعث على هذه الجمعية وفقنا اللّه سبحانه جميعا دائما للأعمال المرضية بحرمة النبى وآله الأمجاد عليه وعليهم الصلوات والتسليمات والزيادة على ذلك تصديع تام . |