Geri

   

 

 

İleri

 

٩١

المكتوب الحادى والتسعون

إلى مولانا طاهر البدخشى فى جواب سؤاله عن الفرق بين المعرفة والإيمان الحقيقى وغير ذلك.

بعد الحمد والصلوات وتبليغ الدعوات أنهى أن صحيفة أخى الأعز المرسلة صحبة الشيخ سيحاول قد وصلت الحمد للّه سبحانه على سلامتكم وعافيتكم وقد اندرجت فيها أسئلة متعددة فكتبنا فى جوابها ما خطر فى الخاطر ينبغى أن يلاحظه بالتوجه الكامل

( السؤال الأول ) ما الفرق بين المعرفة والإيمان الحقيقى

( وجوابه ) إن المعرفة غير الإيمان فإن المعرفة يعبر عنها بالفارسية بشناختن والإيمان يعبر عنه بكرويدن وربما تحصل المعرفة بالمعنى المذكور ولا يحصل الإيمان ألا ترى أن أهل الكتاب كانت لهم معرفة نبينا عليه وعلى آله الصلاة والسلام وعرفوا أنه نبى كما قال اللّه يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ولكن لما لم يحصل لهم التصديق بواسطة العناد لم يتحقق الإيمان

( والمعرفة ) أيضاً منقسم إلى قسمين مثل الإيمان صورة المعرفة كصورة الإيمان وحقيقة المعرفة كحقيقة الإيمان وصورة الإيمان هى ما اكتفى به الحق سبحانه من كمال رأفته ورحمته فى الشريعة للنجاة الأخروية وهو تصديق مع وجود إنكار النفس الأمارة وتمردها وصورة المعرفة هى أيضاً كون المعرفة مقصورة على تلك اللطيفة مع وجود جهل الأمارة وحقيقة المعرفة هى خروج النفس الأمارة من جهالتها بالجبلية وحصول المعرفة لها وحقيقة الإيمان هى تصديق النفس بعد حصول المعرفة لها واطمئنانها بعد خروجها من الأمارية التى هى كانت طبيعية لها

( فإن قيل ) قد اعتبر فى الشريعة التصديق القلبى فكر ويدن هذا هل هو عين التصديق أوامر وراءه فإن كان وراء يلزم أن يعتبر فى الإيمان ثلاثة أجزاء الإقرار والتصديق وكرويدن وهو خلاف ما هو مقرر عند العلماء ويكون العمل عند من اعتبره من الإيمان جزء رابعا

( أجيب ) إن كرويدن هو عين التصديق فإن التصديق الذى هو الحكم عبارة عن الإذعان المعبر عنه فى الفارسية بكرويدن

( فإن قيل ) إذا عرف أهل الكتاب نبينا صلى اللّه عليه وسلم بعنوان النبوة فقد حكموا بنبوته بالضرورة وحصل لهم الإذعان المعبر عنه بكرويدن فإن الحكم على هذا التقدير عين هذا الإذعان فلم لا يكون الإيمان متحققا فى حقهم وبأى علة لا يخرجون من الكفر

( قلت ) قد عرفوه بعنوان النبوة ولكن لم يحصل لقلبهم الإذعان بواسطة التعصب والعناد حتى يحصل لهم الحكم بنبوته فإنه ربما يحصل المعرفة والتصور ولا يحصل الإذعان حتى يوجد التصديق ويتحقق الإيمان ويخرجون من الكفر الفرق دقيق اسمع وارجع إلى وجدانك ومع وجود العناد يمكن أن نبى اللّه فعل كذا ولا يمكن أن يقول أنه نبى اللّه ما لم يحصل الإذعان فإن فى الصورة الأولى تصورا فقط وإحالة إلى معرفة مشهورة وفى الصورة الثانية تصديقاً مبنيا على الإذعان فإذا لم يوجد الإذعان كيف يتصور وجود التصديق وأيضاً ليس المقصود فى الصورة الأولى إثبات النبوة بل إثبات الفعل وفى الصورة الثانية إثبات النبوة والعناد لا يجتمع معه فكيف يتصور وجود الإذعان فلو حصل التصديق والحكم فرضاً بلا حصول الإذعان فهو أيضاً داخل فى التصورات وصورة التصديق وما لم يحصل الإذعان لا تحصل حقيقة التصديق فلا يحصل الإيمان وهذه المسئلة من أمهات مسائل علم الكلام ودقيقة جداً حتى عجز فى حلها فحول العلماء وزاد بعضهم ركنا ثالثاً فى الإيمان بالاضطرار وقال بزيادة كرويدن على التصديق والذين قالوا بعينية التصديق بكرويدن لم يحل هذا المعنى كما ينبغى بل اكتفى بالإجمال ومضى الحمد للّه الذى هدنا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدنا اللّه اسمع أن المركب التقييدى والمركب التوصيفى مثل نبى اللّه وهذا النبى وإن كانا متضمنين للحكم بأنه نبى ومشتملين على معرفته بعنوان النبوة ولكن حصول التصديق بأنه نبى موقوف على الإذعان الذى هو مثبت للإيمان غلام زيد فعل كذا ورجل صالح حكم بكذا كلاهما صحيح بلا إذعان والمعرفة بعنوان الغلامية وعنوان الصلاحية ثابتة فى كليهما ولكن لا إذعان فيهما حتى يحصل التصديق بالغلامية والصلاحية

( فإن قيل ) إنك قلت أن إذعان النفس بعد إذعان القلب وعبرت عن إذعان النفس بالإيمان الحقيقى والحال أن الفلاسفة وأرباب المعقول أخذوا فى التصديق مطلق إذعان النفس ولم يتكلموا فى إذعان القلب

( قلت ) إن أرباب العقول يريدون بالنفس فى بعض الإطلاقات الروح وفى بعض الإطلاقات القلب وبالجملة أن تدقيقاتهم الفلسفية فى محال أخر وأكثرها مما لا طائل فيه وهم معطلون وعاجزون فى هذه المسئلة وحكمهم فيها حكم العوام ونوبة التدقيق ثمة انتهت إلى الصوفية فإنهم يتلبسون بأحكام كل لطيفة ويترقون من جميع اللطائف بالسير والسلوك ويفرقون النفس من القلب والروح من السر ويميزون بين الخفى والأخفى ولا يعلم حصول نصيب من هؤلاء لأرباب المعقول غير معرفة أساميها وقد اعتقدت الفلاسفة النفس الأمارة شيأ عظيما وعدوها من المجردات ولم يجر اسم القلب والروح على ألسنتهم ولم يبد من السر والخفى والأخفى علامة أن للّه سبحانه ملكا يسوق الأهل إلى الأهل

( وجواب ) آخر أن أرباب العقول إنما ذكروا إذعان النفس نظرا إلى الأحكام العادية والعرفية لكونها قريبة إلى فهمهم وكلامنا فى تصديقات الأحكام الشرعية وللنفس إنكار عليها بالذات فإين الإذعان وهذا الإنكار إنكار موصل للمنكر إلى حد عداوة صاحب تلك الأحكام نعوذ باللّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا وقد ورد فى الحديث القدسى عاد نفسك فإنها انتصبت لمعاداتى وأرحم الراحمين لم يجعل إذعان النفس من كمال رأفته منظورا فى أوائل الحال وجعل النجاة مربوطة بإذعان القلب فلو تيسر إذعان النفس ثانياً بمحض كرمه سبحانه وتعالى فهو نور وسرور ووصول إلى درجات الولاية وحصول حقيقة الإيمان وقد كتبتم أنه ينبغى أن تكتبوا جوابا موافقاً لفهم الفقير وإدراكه حتى يمكن لى فهمه ماذا أصنع المسئلة دقيقة جدا وحلها أيضاً بلا دقة مشكل بل نفس الحل يقتضى الدقة فما ذنب العبارة وكان ينبغى لكم أن تتفكروا هذا أولا حتى لا تجترؤا على سؤال حل مثل هذا المعمى فلا تلومونى ولوموا أنفسكم

( السؤال الثانى ) أن الزاهد والعباد هل هم مشرفون بالإيمان الحقيقى أولاً

( جوابه ) أنهم إن بلغوا مرتبة المقربين وصارت نفوسهم مطمئنة فقد بلغوا مرتبة الإيمان الحقيقى

( والسؤال الثالث ) أن أصحاب المعرفة الإجمالية التى منشأها الكفر الحقيقى كيف يمكن أن يقال لهم العرفاء لم يفهم معنى هذه العبارة كما ينبغى وأنتم تكتبون العبارة مغلقة وتمنعون الآخرين من ذلك فإن كان المقصود أن كافر الطريقة بأى معنى يقال له أنه عارف

( جوابه ) أن كافر الطريقة أيضاً عرف الحق سبحانه بالوحدانية وجعل ما سواه ممحوا ومتلاشيا فهو عارف ولكنه ليس بعارف مطلقا لأنه خرج من دائرة التمييز فإذا رجع إلى التمييز يصير عارفاً مطلقا ويكون مشرفا بالإيمان الحقيقى والسلام .