Geri

   

 

 

İleri

 

٤٤

المكتوب الرابع والأربعون

إلى المير عبد الرحمن بن المير محمد نعمان فى دفع شبهات المنكرين للرؤية الأخروية.

بسم اللّه الرحمن الرحيم الاعتراض الذى يوردونه فى مسئلة الرؤية بل الدليل الذى يقيمونه على نفى الرؤية هو أن الرؤية البصرية تقتضى محاذاة المرئى ومقابلته بالرائى وهى مفقودة فى حق الواجب تعالى لكونها مستلزمة للّهجة المنجرة إلى الإحاطة والتحديد والنهاية المستلزمة للنقص المنافى للألوهية تعالى اللّه عن ذلك علواً كبيرا

( والجواب ) أن القادر على الكمال جل سلطانه إذا أعطى للبصر الذى هو عبارة عن القطعتين العصبيتين المجوفتين الخاليتين عن الحس والحركة فى هذه النشأة الضعيفة الفانية قوة إحساس الأشياء وأبصارها بشرط المقابلة والمحاذاة لم لا يمكن أن يعطى فى النشأة الآخرة القوية الباقية لهاتين القطعتين العصبيتين قوة تبصر بها المرئى بلا مقابلة ومحاذاة سواء كان ذلك المرئى فى جميع الجهات أولم يكن فى جهة أصلا فما الاستبعاد فى ذلك وأين المحال فإن الفاعل المختار جل سلطانه فى أعلا مرتبة الاقتدار وقابل مستعد لأن يتعلق به الإحساس والإبصار غاية ما فى الباب أنه تعالى راعى فى بعض الأمكنة لمصالح شرط المحاذاة وتعين الجهة فى إحساس الأبصار وفى بعض أمكنة وأزمنة أخرا سقط ذلك الشرط عن حيز الاعتبار وقرر من غير هذا الشرط رؤية الأبصار وقياس موطن على موطن آخر مع وجود كمال الاختلاف والتضاد بينها بعيد عن الإنصاف وقصر النظر على مكشوفات عالم الملك والشهادة وإنكار على عجائب عال الملكوت

( فإن قيل ) إذا كان الحق سبحانه مرئياً ينبغى أن يكون محاطا ومدركا بالبصر وذلك مستلزم للحد والنهاية تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا

( أجيب ) يمكن أن يكون مرئياً ولا يكون محاطا ومدركا بالبصر قال اللّه تعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير والمؤمنون يرون الحق سبحانه فى الآخرة ويجدون باليقين الواجدانى أنهم يرونه جل شأنه ويجدون فى أنفسهم الالتذاذ المترتب على الرؤية على وجه الكمال ولكن المرئى لا يكون مدركا لهم أصلا ولا يحصل لهم شئ منه قطعاً غير وجدان الرؤية وغير الالتذاذ بها ( شعر )

ولا أحد يصطاد عنقاء فاسترح  *  وألا تكون حامل الفخ دائماً

والنقصان الذى يتوهم فى الرؤية من كون المرئى محاطا ومدركا مفقود فى ذلك الموطن ومجرد ثبوت الرؤية بلا جهة والالتذاذ الحاصل للرائى من تلك الرؤية لا نقص ولا قصور فيه أصلا بل من كمال إنعام المرئى وإحسانه إجلاء جماله الكامل لمحترقى نائرة محبته وإرواؤهم من زلال رؤيته وتشريفهم بوصال حضرته من غير أن يعود شئ من النقص والقصور إلى جناب قدسه تعالى وبدون ثبوت الجهة والإحاطة فى حضرة أنسه سبحانه (شعر) .

ازآن طرف نپذيرد كمال أو نقصان * وزين طرف شرف روزكار من باشد

ترجمة

فى مجدكم لا يلحق النقصان من  * هذا ولى فيه ألوف كرامة

أو نقول لو كانت المقابلة والمحاذاة شرطا فى حصول الرؤية ينبغى أن تكون شرطا فى جانب الرائى أيضاً لكونها شرطا فى جانب المرئى فإن المقابلة نسبة قائمة بالمتقابلين أعنى الرائى والمرئى فلزم أن لا يرى الحق سبحانه الأشياء ولا تكون صفة رؤية الأشياء ثابتة له تعالى وتقدس وذلك مخالف للنصوص القرآنية قال اللّه تعالى واللّه بما تعملون بصي*  وهو السميع البصير وسيرى اللّه عملكم وأيضاً هو نقص وسلب للصفة الكاملة منه تعالى

( فإن قيل ) إن الرؤية فى الواجب تعالى عبارة عن العلم بالأشياء لا أنها أمر آخر وراء العلم مستلزم للجهة

( أجيب ) لا شك أن الرؤية من الصفات الكاملة ثابتة للواجب سبحانه بالاستقلال بنص القرآن وإرجاعها إلى العلم ارتكاب خلاف الظاهر ولو سلم أنها من أقسام العلم لا يلزم منه عدم اشتراط المحاذاة فيها فإن العلم على قسمين قسم لا يشترط فيه محاذاة المعلوم وقسم آخر تشترط فيه المحاذاة وهو المسمى بالرؤية وهذا القسم أعلى أقسام فى الممكنات وحاصل فى مرتبة اطمئنان القلب ولا أمن فى المعقولات من معارضه الوهم والخالى عن تلك المعارضة إنما هو المحسوس ومن ههنا طلب الخليل على نبينا وعليه الصلاة والسلام رؤية أحياء الموتى ليطمئن قلبه مع وجود الإيمان واليقين به

( ينبغى ) أن يعلم أن الرؤية التى هى من الصفات الكاملة إذا لم تكن فى الواجب تعالى من أين جاءت للمكن فإن كل كمال حاصل للممكن هو عكس الكمال الذى فى مرتبة الواجب تعالى وتقدس وحاشا أن يكون فى الممكن ما ليس للواجب تعالى فإن الممكن هو عين النقص فى حد ذاته فإن كان فيه كمال فهو عارية من مرتبة حضرة الوجوب تعالت وتقدست التى هى عين كل خير وكمال ( شعر ) .

ما جئت من بيتى بشئ إنما * أعطيتنى ما بى ونفسى بعض ذا

( وجوب آخر ) عن أصل السؤال أن هذا الاعتراض متمش فى جود الواجب تعالى وتقدس فكما أنه ينفى الرؤية بنقى الوجود من جناب قدسه تعالى فهذا الاعتراض ليس بوارد لكونه مستلزما للمحال العقلى بيانه إن الواجب سبحانه إذا كان موجودا يكون ألبتة فى جهة من جهات العالم من فوق وتحت وقدام وخلف ويمين وشمال وذلك مستلزم للإحاطة والتحديد المستلزم للنقص المنافى للالوهية تعالى اللّه وتقدس عن ذلك

( فإن قيل ) يمكن أن يكون فى جميع جهات العالم فلا يلزم الإحاطة والتحديد

( أجيب ) أن كونه فى جميع جهات العالم لا ينفى الإحاطة والتحديد فإنه على هذا التقدير أيضاً يكون وراء العالم ألبتة فإن الأثنينية لازمة للغيرية الاثنان متغايران قضية مقررة عند أرباب المعقول وذلك مستلزم للتحديد ( لا يخفى ) أن طريق التفصى من أمثال هذه الشبهات المموهة الغير الحقة التزام الفرق بين أحكام الغيبة وأحكام الشهادة وعدم قياس الغائب على الشاهد فإنه يمكن أن يكون بعض الأحكام صادقاً فى الشاهد وكاذبا فى الغائب وكمالا فى الشاهد ونقصا فى الغائب فإن تباين الأحكام ثابت خصوصا إذا كان بين المواطن بون بعيد ما للتراب ورب الأرباب رزقهم اللّه سبحانه الإنصاف حتى لا ينكروا النصوص القرآنية بهذه التوهمات والتخيلات المشتبهة ولا يكذبوا الأحاديث الصحيحة النبوية ينبغى الإيمان بأمثال هذه الأحكام المنزلة محيلا كيفيتها على العلم اللاكيفى معترفاً بقصور الإدراك عن معرفتها لا أنه ينبغى نفى تلك الأحكام بانتفاء الإدراك فإنه بعيد عن السلامة والصواب فإنه يمكن أن تكون أشياء كثيرة صادقة فى نفس الأمر وتكون مستبعدة عن إدراك عقولنا الناقصة فلو كان العقل كافيا لكان مثل أبى على سينا الذى هو مقتدى أرباب المعقول محقا فى جميع الأحكام العقلية غير غالط فيها والحال إنه أخطأ فى مسئلة واحدة وهى الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد ما هو واضح للناظر المنصف بأدنى تأمل وطعن فيه الأمام الفحر الرازى فى هذا المقام بهذه العبارة والعجب ممن يفنى عمره فى تعليم الآلة العاصمة عن الخطأ فى الفكر وتعلمها ثم إذا جاء إلى هذا المطلب الأشرف وقع منه أشياء يضحك منها الصبيان وعلماء أهل السنة شكر اللّه تعالى سعيهم يثبتون جميع الأحكام الشرعية سواء كانت معقولة المعنى أولا ولا ينفونها بعلة عدم إدراك كيفيتها مثل عذاب القبر وسؤال منكر ونكير والصراط والميزان وأمثالها مما عجزت عقولنا الناقصة عن إدراكه وهؤلاء الكبراء جعلوا مقتداهم الكتاب والسنة وجعلوا عقولهم تابعة لهما فإن ظفروا بإدراكها فبها وألا يقبلون الأحكام الشرعية ويحملون عدم الإدراك على قصور فهمهم لا أنهم كغيرهم يقبلون ما تقبله وتدركه عقولهم ويردون ما يعجز عن إدراكه عقولهم ألا يعلمون أن بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما هى بواسطة قصور العقول عن إدراك بعض المطالب المرضية للمولى سبحانه والعقل وإن كان حجة ولكنه ليس بحجة كاملة والحجة الكاملة إنما تمت ببعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قال اللّه تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا

( ولنرجع ) إلى أصل الكلام فنقول أن المقابلة والمحاذاة وإن كانت شرطا فى رؤية الشاهد ولكن يمكن أن لا يكون ذلك شرطا فى الغائب كما أن الغائب موجود وليس فى جهة من جهات الوجودات أصلا فكما أنه منزه عن جميع الجهات بلا رؤية الرائى لا تكون جهة من الجهات ثابتة له بعد الرؤية أيضاً وتكون المقابلة والمحاذاة مفقودة هناك فأى استبعاد وأى استحالة هنا ورؤية اللاكيفى لا كيفية فإنه لا سبيل للكيفى إلى اللاكيفى لا يحمل عطايا الملك إلا مطاياه وقياس الرؤية المنزهة عن الكيف على الرؤية المتكيفة بكيف المتعلقة بمرئيات غير مناسب وبعيد عن الإنصاف واللّه سبحانه الموفق للصواب .