Geri

   

 

 

İleri

 

٩٥

المكتوب الخامس والتسعون

إلى السيد بجواره فى بيان أن الإنسان نسخة جامعة وقلبه أيضا مخلوق على وصف الجامعية وتوجيهات أقوال بعض المشائخ الواقعة حالة السكر وما يناسب ذلك

اعلم : أن الإنسان نسخة جامعة وكلما هو موجود فى جميع الكائنات متفرقا ، موجود فى الإنسان وحده ولكن من عالم الإمكان بطريق الحقيقة ، ومن مرتبة الوجوب بطريق الصورة ( أن اللّه خلق آدم على صورته ) وهذه الجامعية ثابتة لقلب الإنسان فإن جميع ما هو فى كلية الإنسان فهو موجود فى القلب وحده ، ولهذا يقال له الحقيقة الجامعة . ومن حيثية هذه الجامعية أخبر بعض المشائخ عن وسعة القلب بقوله ( لو ألقى العرش وما فيه فى زاوية قلب العارف لما أحس به أصلا ) فإن القلب جامع للعناصر والأفلاك والعرش والكرسى والعقل والنفس وشامل للمكانى والإمكانى فلا جرم لا يكون للعرش مقدار فى جنب القلب بواسطة شموله للإمكانية لأن العرش وما فيه مع وجود الوسعة فيه داخل فى دائرة الإمكان ، والمكانى وإن كان وسيعا فى حد ذاته لكنه ضيق فى جنب الإمكانى لا مقدار له بالنسبة إليه . ولكن أرباب الصحو من المشائخ قدس اللّه أسرارهم يعلمون أن هذا الحكم مبنى على السكر ومحمول على عدم التمييز بين حقيقة الشئ وبين أنموذجه ، فإن العرش المجيد الذى هو محل الظهور التام أجل وأرفع من أن يكون له حصول فى القلب ، والذى يرى فى القلب من العرش فهو أنموذج العرش لا حقيقته ، ولاشك أنه لا مقدار لهذا الأنموذج فى جنب القلب ، فإنه جامع لأنموذجات غير متناهية . ولا يقال للمرآة التى ترى فيها السموات مع هذه الوسعة والكبر بأشياء أخر إنها أكبر من السموات . نعم إن تمثال السموات الذى هو فى المرآة أصغر من المرآة لا حقيقة السموات .

( ولنوضح ) هذا المبحث بمثال وهو أن أنموذجا من عنصر كرة الأرض مكمون فى بدن الإنسان ، ولا يقال أن بدن الإنسان أكبر وأوسع من كرة الأرض نظراً إلى جامعية الإنسان ، بل لا مقدار لبدن الإنسان فى جنب كرة الأرض أصلا . ومنشأ هذا الحكم إنما هو توهم الجزء الحقير للشئ بل الأنموذج الحقير للشئ نفس ذلك الشئ .( ومن ) هذا القبيل كلام بعض المشائخ الذى صدر عنهم وقت غلبة السكر كقولهم :( أن الجمع المحمدى أجمع من الجمع الإلهى جل سلطانه ) فإنهم لما زعموا أن محمداً عليه الصلاة والسلام جامع لحقيقة الإمكان ومرتبة الوجوب حكموا بأن جامعية محمد عليه الصلاة والسلام أجمع من جامعية اللّه تعالى شأنه ، وهنا أيضا زعموا الصورة حقيقة فحكموا . بذلك فإن محمداً عليه وعلى آله الصلوات والتسليمات جامع لصورة مرتبة الوجوب دون حقيقتها ، واللّه سبحانه وتعالى وتقدس واجب الوجود على الحقيقة . فلو فرقوا بن حقيقة الوجوب وصورته لما حكموا به حاشا وكلا من أمثال هذه الأحكام السكرية . فإن محمد صلى اللّه عليه وسلم عبد مخلوق متناه محدود واللّه سبحانه غير متناه وغير محدود .

( وينبغى ) أن يعلم أن كلما هو من الأحكام السكرية فهو من مقام الولاية ، وكلما هو من أحكام الصحو فله تعلق بمقام النبوة ، ولكمل اتباع الأنبياء عليهم الصلوات والتسليمات نصيب من هذا المقام بواسطة الصحو بطريقة التبعية . والبسطامية يفضلون السكر على الصحو ولهذا قال الشيخ أبو يزيد البسطامى ( قدس سره ) لوائى أرفع من لواء محمد أراد بلوائه لواء الولاية وبلواء محمد عليه الصلاة والسلام لواء النبوة . ويرجح لواء الولاية الذى هو ناظر إلى السكر على لواء النبوة الذى هو ناظر إلى الصحو .( ومن هذا ) القبيل قول بعضهم ( الولاية أفضل من النبوة ) وذلك لما رأوا من أن التوجه فى الولاية إلى الحق ، وفى النبوة إلى الخلق . ولا شك أن التوجه إلى الحق أفضل من التوجه إلى الخلق . وقال بعضهم فى توجيه هذا الكلام ( أن ولاية النبى أفضل من نبوته ) وأمثال هذه الكلمات بعيدة عن الصواب عند هذا الفقير ، فإن التوجه فى النبوة ليس إلى الخلق فقط ، بل فيها توجه إلى الحق أيضا مع وجود هذا التوجه ، فإن بواطنهم مع الحق سبحانه وظواهرهم مع الخلق .

وأما الذين توجههم إلى الخلق فقط فهم من المعرضين المدبرين ، والأنبياء عليهم الصلوات والتسليمات أفضل جميع الموجودات ، ولهم مسلم أفضل الدولات ، والولاية جزء من النبوة ومندرجة فيها والنبوة كل شامل لها ، فلا جرم تكون النبوة أفضل من الولاية سواء كانت ولاية نبى أو ولاية غيره ، فكان الصحو أفضل من السكر ، والسكر مندرج فى الصحو اندراج الولاية فى النبوة ، والصحو الخالى عن السكر الذى هو للعوام خارج عن المبحث ، ولا معنى لترجيح ذلك ، والصحو المتضمن للسكر أفضل من السكر البته . والعلوم الشرعية التى مصدرها النبوة ناشئة كلها من كمال الصحو وما يخالفها كائنا ما كان من السكر ، وصاحب السكر معذور . وما يستحق التقليد والاستمساك به هو علوم مقام الصحو لا علوم حالة السكر . ثبتنا اللّه سبحانه على تقليد العلوم الشرعية على مصدرها الصلاة والسلام والتحية يرحم اللّه عبدا قال آمينا . وما وقع فى الحديث القدسى حيث ورد لا يسعنى أرضى ولا سمائى ولكن يسعنى قلب عبدى المؤمن ) فالمراد به واللّه سبحانه أعلم بمراده سعته صورة مرتبة الوجوب لا حقيقتها ، فإن الحلول محال هناك كما تقدم ، فظهر أن شمول القلب للإمكانية باعتبار الصورة لا الحقيقة حتى لا يكون للعرش وما حواه مقدار فيه فإن هذا الحكم مخصوص بحقيقة اللامكانية .