٨٠ المكتوب الثمانون إلى المرزا فتح اللّه الحكيم فى بيان أن الفرقة الناجية من بين الفرق الثلاث والسبعين فرقة أهل السنة والجماعة ، وفى المنع من الالتفات إلى الفرق المبتدعة والاختلاط معهم وما يناسب ذلك رزقنا اللّه سبحانه وإياكم الاستقامة على جادة الشريعة المصطفوية على صاحبها الصلاة والسلام والتحية ( ع ) ( هذا هو الأمر والباقى من العبث ) وكل فرقة من الفرق الثلاث والسبعين يدعون أنهم متبعون للشريعة ويجزمون بكونهم ناجين " كل حزب بما لديهم فرحون " مصداق حالهم ونقد وقتهم ، وأما الديل الذى بينه النبى الصادق عليه من الصلوات أكملها ومن التسليمات أفضلها على تمييز فرقة ناجية من تلك الفرق المتعددة فهو قوله ( صلى اللّه عليه وسلم ) " الذين هم على ما أنا عليه وأصحابى " وذكر الأصحاب مع وجود الكفاية بذكر صاحب الشريعة عليه الصلاة والسلام والتحية فى ذلك المحل يمكن أن يكون للأيذان بأن طريقى هو طريق الأصحاب ، وطريق النجاة منوط باتباع طريقهم فحسب . كما قال اللّه تعالى " ومن يطع الرسول فقد أطاع اللّه " فكان إطاعة الرسول عين إطاعة اللّه تعالى وخلاف إطاعته ( صلى اللّه عليه وسلم ) عين معصيته تعالى وتقدس . وقد أخبر اللّه سبحانه عن حال جماعة زعموا طاعته تعالى خلاف طاعة الرسول وحكم بكفرهم حيث قال سبحانه " يريدون أن يفرقوا بين اللّه ورسوله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض " الآية . فدعوى اتباع النبى صلى اللّه عليه وسلم بدون اتباع طريق الأصحاب رضوان اللّه عليهم أجمعين دعوى باطل ، بل ذلك الاتباع فى الحقيقة عين معصية الرسول ( عليه الصلاة والسلام. فأين المجال لطمع النجاة فى ذلك الطريق يحسبون أنهم على شئ ألا إنهم هم الكاذبون " مطابقة لحالهم ، ولا شك أن الفرقة الملتزمة لاتباع أصحابه عليه وعليهم الصلاة والسلام أهل السنة والجماعة شكر اللّه سعيهم فهم الفرقة الناجية ، فإن الطاعنين فى أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كالشيعة والخوارج محرومون من اتباعهم . وللمعتزلة مذهب على حدة محدث ورئيسهم واصل بن عطاء كان من أصحاب حسن البصرى ثم اعتزل مجلسه وصار يقول بإثبات الواسطة بين الكفر والإيمان . فقال الحسن ( اعتزل عنا ) وعلى هذا القياس سائر الفرق . والطعن فى الأصحاب طعن فى رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) فى الحقيقة . ما آمن برسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) من لم يوقر أصحابه ، فإن خبثهم ينجر إلى خبث صاحبهم نعوذ باللّه من هذا الاعتقاد السوء . ( وأيضا ) أن أحكام الشريعة التى وصلت إلينا من طريق القرآن والأحاديث إنما وصلت بتوسط نقلهم ، فإذا كان هؤلاء مطعونا فيهم يكون نقلهم أيضا مطعونا فيه . وهذا النقل ليس مخصوصا ببعض دون بعض ، بل كلهم فى العدالة والصدق والتبليغ سواء . فالطعن فى واحد منهم أى واحد كان طعن فى الدين والعياذ باللّه سبحانه منه . ( فإن ) قال الطاعنون فى الأصحاب ( نحن أيضا نتابعهم ولكن لا يلزم فى تحقق المتابعة متابعة الجميع بل ذلك غير ممكن لتناقض آرائهم واختلاف مذاهبهم. ( أجيب ) ( أن متابعة البعض إنما تنفع إذا لم يوجد إنكار الباقين ، ومتى تحقق إنكار البعض لا يتحقق متابعة البعض الآخر . فإن عليا كرم اللّه وجهه كان يوقر الخلفاء الثلاثة ويعظمهم رضوان اللّه عليهم أجمعين وبايعهم عالما باستحقاقهم الاقتداء بهم . فدعوى متابعته مع وجود إنكارهم افتراء محض وادعاء صرف ، بل إنكارهم إنكار فى الحقيقة لسيدنا على كرم اللّه وجهه ، ورد صريح لأقواله وأفعاله وتجويز احتمال التقاة فى حق أسد اللّه من غاية سخافة العقل ، فإن العقل الصحيح لا يجوز إضمار بغض الخلفاء الثلاثة لأسد اللّه قريباً من مدة ثلاثين سنة ، وإظهار خلافه وصحبته معهم على النفاق أصلا . فإن مثل هذا النفاق لا يتصور من أدنى أهل الإسلام . فينبغى التأمل والتفكر فى شناعة هذا الفعل فإنه يستلزم نسبة ضعف كبير ووهن كثير وخديعة شنيعة إلى أسد اللّه على ( كرم اللّه وجهه ). فلئن جوزنا التقاة فى حق أسد اللّه على سبيل فرض المحال فماذا يقولون فى تعظيم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للخلفاء الثلاثة ، وتوقيره إياهم من الابتداء إلى الانتهاء ، فإنه لا مساغ فيه للتقاة ، لأن تبليغ ما هو الحق واجب على الرسول وتجويز التقاة هناك ينجر إلى الزندقة . قال اللّه تعالى " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته " قال الكفار ( إن محمدا يظهر من الوحى ما يوافقه ويخفى منه ما يخالفه ) ومن المقرر أن تقرير النبى على الخطأ غير جائز وإلا يتطرق الخلل إلى شريعته ، فإذا لم يصدر منه ( صلى اللّه عليه وسلم ) خلاف تعظيم الخلفاء الثلاثة ، ولم يظهر ما ينافى توقيرهم ، علم أن تعظيمه وتوقيره صلى اللّه عليه وسلم إياهم مصون عن الخطأ ومحفوظ عن الزوال . ( ولنرجع ) إلى أصل الكلام ونبين جواب اعتراضهم يعنى شبهتهم . أوضح مما سبق وانقح فنقول : أن متابعة جميع الأصحاب واجبة فى أصول الدين فإنه لا اختلاف بينهم فى الأصول وإنما اختلافهم فى الفروع فقط ، فالذى يطعن فى بعضهم فهو محروم من متابعة جميعهم وكلمة الأصحاب وإن كانت فى نفسها متفقة ولكن شؤم الإنكار لأكابر الدين يخرجها من الاتفاق إلى الاختلاف ، بل يجر إنكار القائل إلى إنكار المقول ، وأيضا أن مبلغى الشريعة جميع الأصحاب كما مر ، لأن الأصحاب كلهم عدول وبلغ من كل واحد شئ من الشريعة إلينا ، وكذلك جمعوا القرآن أخذاً من كل واحد منهم آية فما فوقها . فإنكار البعض إنكار لمبلغى القرآن ، فلا يتحقق الإتيان بجميع الشريعة فى حق المنكر ، فكيف النجاة والفلاح . قال اللّه تعالى " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض " الآية . مع أنا نقول أن جامع القرآن عثمان بل أبو بكر الصديق وعمر الفاروق ( رضى اللّه عنهم ) وما جمعه على ( كرم اللّه وجهه ) وما حواه فهو سوى هذا القرآن . فينبغى التأمل والتفكر ، فإن إنكار هؤلاء الأكابر ينجر إلى إنكار القرآن فى الحقيقة عياذا باللّه سبحانه منه . ( سئل ) شخص مجتهد أهل التشيع – يعنى فى زعمهم – أن القرآن جمعه عثمان . فما اعتقادك فى حق هذا القرآن . فقال :( لا أرى المصلحة فى إنكاره فإن بإنكاره ينهدم الدين بالتمام ) وأيضا أن العاقل لا يجوز اجتماع أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على أمر باطل قبل مرور يوم من رحلته ( صلى اللّه عليه وسلم ) ومن المقرر أن أصحاب رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، كانوا يوم رحلته مقدار ثلاث وثلاثين ألفا ، وبايع كلهم الصديق الأكبر بالطوع والاختيار ، واجتماع جميع أصحاب رسول اللّه ( صلى اللّه علية وسلم ) فى تلك الحالة على الضلالة من جملة المحالات . وقد قال النبى ( صلى اللّه عليه وسلم ) : ( لا يجتمع أمتى على الضلالة ). وتأخر على ( كرم اللّه وجهه ) – يعنى من البيعة – فى الابتداء ليس إلا لعدم دعوتهم إياه إلى المشورة كما قال بنفسه :( ما غضبنا إلا لتأخرنا عن المشورة وإلا لنعلم أن أبا بكر خير منا ) الخ وعدم دعوتهم أياه يمكن أن يكون مبنيا على مصلحة كتسلية أهل البيت بقعوده عندهن فى الصدمة الأولى من المصيبة أو نحو ذلك . والاختلاف الواقع بين الأصحاب ليس منشأه الهوى النفسانى ، فإن نفوسهم قد تزكت وتخلصت من أن تكون أمارة بالسوء ، وصارت مطمئنة وكانت أهواءهم تابعة للشريعة ، بل كان مبناه على الاجتهاد وإعلاء الحق ، فللمخطئ منهم درجة واحدة عند اللّه وللمصيب عشر درجات . فينبغى إذاً حفظ اللسان من أذاهم وجفاهم وأن يذكر كلا منهم بخير . قال الإمام الشافعى رحمة اللّه تعالى : ( تلك دماء طهر اللّه أيدينا عنها فلنطهر عنها ألسنتنا ). وقال أيضا :( اضطر الناس بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من أبى بكر فولوه رقابتهم ) وهذا القول تصريح منه بنفى التقاة ورضاء على ( كرم اللّه وجهه ) بيعة الصديق ( رضى اللّه عنه) . ( بقية ) المقصود أن الميان سيدن ولد الشيخ ميان أبى الخير من أولاد الكبار ، وقد سافر إلى دكن فى رفاقتكم فيرجى فى حقه التفاتكم وعنايتكم وأيضا أن مولانا محمد أعارف طالب علم ومن أولاد الكبار وكان أبوه عالما وقد جاء لأجل الاستمداد فى أمر المعاش فيرجى التوجه إليه والسلام والإكرام . |