Geri

   

 

 

İleri

 

مسألة ٩

 مسألة في تعجيزهم عن إقامة الدليل على أن الأول ليس بجسم

قولنا: وما الأمر إذا كان الأول جسماً قديماً

فنقول: هذا إنما يستقيم لمن يرى أن الجسم حادث من حيث أنه لا يخلوا عن الحوادث وكل حادث فيفتقر إلى محدث.

فأما أنتم إذا عقلتم جسماً قديماً لا أول لوجوده مع أنه لا يخلوا عن

قولهم: الأول لا يقبل القسمة والجسم لا يكون إلا مركباً

فإن قيل: لأن الجسم لا يكون إلا مركباً منقسماً إلى جزئين بالكمية وإلى الهيولى والصورة بالقسمة المعنوية وإلى أوصاف يختص بها لا محالة حتى يباين سائر الأجسام وإلا فالأجسام متساوية في أنها أجسام وواجب الوجود واحد لا يقبل القسمة بهذه الوجوه.

قولنا: أبطلنا هذا فيما سبق

قلنا: وقد أبطلنا هذا عليكم وبينا أنه لا دليل لكم عليه سوى أن المجتمع إذا افتقر بعض أجزائه إلى البعض كان معلولاً. وقد تكلمنا عليه وبينا أنه إذا لم يبعد تقدير موجود لا موجد له لم يبعد تقدير مركب لا مركب له وتقدير موجودات لا موجد لها إذ نفي العدد والتثنية بنيتموه على نفي التركيب ونفي التركيب على نفي الماهية سوى الوجود وما هو الأساس الأخير فقد استأصلناه وبينا تحكمكم فيه.

 قولهم الجسم بلا نفس لا يكون فاعلاً وإن كان له نفس فنفسه علة له

فإن قيل: الجسم إن لم يكن له نفس لا يكون فاعلاً وإن كان له نفس فنفسه علة له فلا يكون

قولنا: كلا

قلنا: نفسنا ليس علة لوجود جسمنا ولا نفس الفلك بمجردها علة لوجود جسمه عندكم بل هما يوجدان بعلة سواهما فإذا جاز وجودهما قديماً جاز أن لا يكون لهما علة.

قولهم: كيف اتفق اجتماعهما

فإن قيل: كيف اتفق اجتماع النفس والجسم

قولنا: وما المانع إذا كانا قديمين

قلنا: هو كقول القائل: كيف اتفق وجود الأول فيقال: هذا سؤال عن حادث

فأما ما لم يزل موجوداً فلا يقال كيف اتفق. فكذلك الجسم ونفسه إذا لم يزل كل واحد موجوداً لم يبعد أن يكون صانعاً

قولهم: لأن الجسم لا يخلق غيره والنفس لا تخلق إلا بواسطة الجسم

فإن قيل: لأن الجسم من حيث أنه جسم لا يخلق غيره والنفس المتعلقة بالجسم لا تفعل إلا بواسطة الجسم ولا يكون الجسم واسطة للنفس في خلق الأجسام ولا في إبداع النفوس وأشياء لا تناسب الأجسام.

قولنا: هذا أمر لا يدل عليه برهان

قلنا: ولم لا يجوز أن يكون في النفوس نفس تختص بخاصية تتهيأ بها لأن توجد الأجسام وغير الأجسام منها فاستحالة ذلك لا يعرف ضرورة ولا برهان يدل عليه إلا أنه لم نشاهد من هذه الأجسام المشاهدة وعدم المشاهدة لا يدل على الاستحالة فقد أضافوا إلى الموجود الأول بما لا يضاف إلى موجود أصلاً ولم نشاهد من غيره وعدم المشاهدة من غيره لا يدل على استحالته منه فكذى في نفس الجسم والجسم.

قولهم: الجسم يقدر بمقدار

فإن قيل: الجسم الأقصى أو الشمس أو ما قدر من الأجسام فهو متقدر بمقدار يجوز أن يزيد عليه وينقص منه فيفتقر اختصاصه بذلك المقدار الجائز إلى مخصص فلا يكون أولاً.

قولنا: وهذا المقدار يكون على حسب نظام الكل

قلنا: بم تنكرون على من يقول: إن ذلك الجسم يكون على مقدار يجب أن يكون عليه لنظام الكل ولو كان أصغر منه أو أكبر لم يجز كما أنكم قلتم: إن المعلول الأول يفيض الجرم الأقصى منه متقدراً بمقدار وسائر المقادير بالنسبة إلى ذات المعلول الأول متساوية ولكن تعين بعض المقادير لكون النظام متعلقاً به فوجب المقدار الذي وقع ولم يجز خلافه فكذى إذا قدر غير معلول. قولنا إذا أثبتم مبدأ للتخصيص اضطررتم إلى تجويز التخصيص بغير علة بل لو أثبتوا في المعلول الأول الذي هو علة الجرم الأقصى عندهم مبدأ للتخصيص مثل إرادة مثلاً لم ينقطع السؤال إذ يقال: ولم أراد هذا المقدار دون غيره كما ألزموه على المسلمين في إضافتهم الأشياء إلى الإرادة القديمة وقد قلبنا عليهم ذلك في تعين جهة حركة السماء وفي تعين نقطتي القطبين.

 فليطلق ذلك على غير المعلول أيضاً فإذا بان أنهم مضطرون إلى تجويز تميز الشيء عن مثله في الوقوع بعلة فتجويزه بغير علة كتجويزه بعلة إذ لا فرق بين أن يتوجه السؤال في نفس الشيء فيقال: لم اختص بهذا القدر وبين أن يتوجه في العلة فيقال: ولم خصصه بهذا القدر عن مثله فإن أمكن دفع السؤال عن العلة بأن هذا المقدار ليس مثل غيره إذ النظام مرتبط به دون غيره أمكن دفع السؤال عن نفس الشيء ولم يفتقر إلى علة وهذا لا مخرج عنه فإن هذا المقدار المعين الواقع إن كان مثل الذي لم يقع فالسؤال متوجه أنه كيف ميز الشيء عن مثله خصوصاً على أصلهم وهم ينكرون الإرادة المميزة وإن لم يكن مثلاً له فلا يثبت الجواز بل يقال: وقع كذلك قديماً كما وقعت العلة القديمة بزعمهم. راجع ما سبق وليستمد الناظر في هذا الكلام مما أوردناه لهم من توجيه السؤال في الإرادة القديمة وقلبنا ذلك عليهم في نقطة القطب وجهة حركة الفلك. الخاتمة وتبين بهذا أن من لا يصدق بحدوث الأجسام فلا يقدر على إقامة دليل على أن الأول ليس بجسم أصلاً.